رحلتي من الظلمات إلى النّور

رحلتي من الظلمات إلى النّور8%

رحلتي من الظلمات إلى النّور مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 466

رحلتي من الظلمات إلى النّور
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 233482 / تحميل: 8000
الحجم الحجم الحجم
رحلتي من الظلمات إلى النّور

رحلتي من الظلمات إلى النّور

مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

السباق في الاسلام

الدكتور ، وهو يلتفت نحو الشيخ ، قال : تذكر انك قلت بأن الاسلام دين جامع ، وان قوانينه شملت حتىٰ السباق ، هل كلامك ذلك حقيقة أم مزحة ؟

الشيخ : لم يكن ذلك مزحة ، ففي الفقه الاسلامي ، هناك كتاب بعنوان السبق والرماية ، يتحدّث في مجموعة من قوانين السباق ، حتىٰ انه اقرّ جوائز للفائزين.

والسباقات في الاسلام مع انها اعمال رياضية وترويحية تماماً ، فهي توجد روح الشجاعة والشهامة عند الاشخاص ، فالسباق في الاسلام هو اسلوب صحيح واساسي لتربية جندي شجاع ومقاتل.

والسباقات في الاسلام هادفة ، وليست مجرد احتراف ، فسباق الرماية والفروسية في الاسلام ، هما سباقان حقيقيان ، لكنهما في الوقت نفسه ، يربيان رجالاً شجعان وشباباً مقاتلين وسباقاتهما ليست كما في سباقات عالم اليوم.

فصاح الرفاق جميعاً : أيُّها العم ! هنا لم تكن منصفاً ، لان عالم اليوم جدير بالاحترام والتقدير من حيث الرياضات المفيدة والسباقات الصحيحة التي نراها فيه !

الشيخ : ما يدعوني للأسف كثيراً ، هو أن ارىٰ العديد من المثقفين

٤١

والمتعلمين ايضاً ، لا يستطيعون معرفة حقيقة الظواهر الاستعمارية المعاصرة من خلف اقنعتها التي تتستر بها ، ومواجهة الحقيقة كما هي بعيداً عن الضجيج الاعلامي الخادع الذي يحيط بها.

وللأسف ، نشاهد في عالمنا المعاصر ، هذه الحقيقة المرّة وهي ان الألعاب الرياضية والسباقات اصحبت وسائل واوراق ضغط بيد القوىٰ الاستعمارية ، فتشغل الشباب المستعد عن الالتفات الىٰ اصل القضايا والمسائل المهمة في الحياة ، فضلاً عن الأموال الباهضة التي تصرفها الدول في هذه المجالات لتربية ابطال ومحترفين ، في حين ان شعوبهم يعانون من الفقر والمشاكل الاقتصادية الاخرىٰ.

وان جميع ما ذكرناه يرجع الىٰ طرف واحد من العملة ، أي الالعاب التي يمكن ان تسمىٰ صحيحة ، اما الوجه الآخر لهذه العملة ، فلا يكن تسميتها الّا « أعمال وحشية وخيانة » مثل : الملاكمة والمصارعة و ، تشاهدون في التلفاز وتقرأون في الصحف ، انهم يدعون اثنين من الشباب الاقوياء ، والاصحاء باسم سباق الملاكمة ، فيبدأون بتوجيه ضربات ولكمات الىٰ جسدي بعضهما امام أعين آلاف المشاهدين مباشرة وملايين آخرين من خلال التلفاز ، وبعد عدة ادوار من الدماء والآلام ، يعلن احدهما فائزاً علىٰ الآخر ، وتقدم له جوائز تقدّر بملايين الدولارات ، لكي يرغب وبحث من جديد علىٰ علىٰ جريمة اخرىٰ. فهل شاهدتم ، حتىٰ في العصر الحجري ( سوىٰ في تاريخ العبيد الذين يقاتلون حتىٰ الموت ) ان يصفق للمجرم ، ويرغَّب علىٰ جريمة اُخرىٰ بالجوائز التي تعطىٰ له علىٰ جريمته الاُولىٰ ؟!

٤٢

فهل يمكن تسمية ذلك غير الجريمة ؟! وهل هذه وسائر الأعمال الوحشية الاُخرى ، مثل المصارعة ، نماذج للسباقات المفيدة والصحيحة !! الموجودة في عالمنا ، في حين ان الناس لا يسمحون لانفسهم النظر في حقيقتها الاستعمارية ، لأنها جاءت الينا باسم الحضارة والعصر الذهبي وعصر الذرّة !

حسن ، طالب الطب : صحيح ما تقوله ياعمّ ، هناك من السباقات والالعاب الرياضية اليوم ، كما وصفتها لكننا وللأمانة لا يمكننا انكار الالعاب المفيدة والصحية التي تمارس اليوم ، وهي مفيدة جداً لسلامة الجسم وقوة الاشخاص.

الشيخ : اساساً ، هذه الالعاب الصحيحة التي ذكرتها ، ليست جذابة ، والحقيقة هي ان الرياضات الحديثة المفيدة أيضاً لم تستطع ان تلعب دوراً مؤثراً في تقوية الشباب ، في حين ان مجموعة الالعاب الشعبية التي كان الناس يمارسونها بالامس اكثر تأثيراً في تقوية العضلات وتربية شباب اصحاء.

هنا ، نورد كلاماً من العالم الفرنسي الدكتور الكسيس كارل ، يقول الدكتور كارل في احدىٰ كتاباته :

( هناك اختلاف في الالعاب الحديثة رغم تنوعها مع الالعاب القديمة ولابدّ من الاشارة الىٰ ان طول اعمار الرياضيين والانسان الحديث لا يزيد علىٰ اعمار الناس السابقين ، ولربما كانت اقصر منها ، كما ان قدرتهم في مواجهة الصعوبات ليست اكبر من الماضيين ، ولربما يمكننا القول ان الاشخاص الذين يستفيدون اليوم من تجارب الماضين في تقوية عضلاتهم واجسامهم اكثر

٤٣

نجاحاً من غيرهم واقوىٰ في مواجهة الاعمال الشاقة وتغيرات الطقس ، في حين ان رياضيينا المعاصرين ومع مراعاتهم للاُمور الطبية في النوم والأكل والتمرين اليومي الّا ان اعصابهم تضعف يوماً بعد يوم ويصبحون حساسين اكثر فلا يطيقون الاضطرابات العادية ولا الصعوبات التي تواجههم في العمل ، وبهذا كأنما فوز ونجاح التربية الحديثة أيضاً ليس كبيراً كما يرىٰ في الوهلة الاُولىٰ )(١) .

هذا اعتراف احد كبار علماء اوروبا فيما يخص الالعاب الصحيحة والتمارين المفيدة في عالمنا المعاصر ، في حين ان اعمالهم الوحشية الاخرىٰ ، مثل : المصارعة أو الملاكمة وما شابهها ، لها حسابها الخاص.

اصدقائي الاعزاء !

نعود الىٰ موضوعنا السابق ، الىٰ ما قبل الف والربعمائة عام ، أي الىٰ ذلك العالم المظلم الذي لم يصله بصيص من العلم والمعرفة ، ففي تلك البيئة المتخلفة ، يظهر فرد اُمي يقدم للبشرية قوانيناً واحكاماً في جميع مجالات حياتها في السباق والرياضة ، أليس ذلك غريباً وأليست هذه معجزة ؟!

أليس من الحق ، ان يخضع له ويستسلم امامه العديد من كبار علماء العالم ، لكونه انساناً فذاً ورجلاً لم ترَ البشرية مثله علىٰ مرِّ تاريخها ؟!

________________

(١) الانسان ذلك المجهول.

٤٤

ارض الجزيرة العربية

الدكتور : الحقيقة ان مثل هذا الرجل فذّ لا نظير له ، بشهادة التاريخ وجميع أدوار العالم ، حتىٰ في الدول المتطورة والبلدان التي كانت مهد العلم والمعرفة ، فضلاً عن أرض الحجاز القاحلة.

الشيخ : أجل ، ذلك الحدث عجيب ، خاصة في بيئة مثل الجزيرة العربية ، لأن البيئة لها تأثير كبير في تربية الافكار ، وهذا الموضوع ، اي الكلام عن اوضاع الجزيرة العربية من الناحية الاجتماعية ، هو المبحث الثاني ، الذي وعدتكم بالحديث عنه.

سعادة الدكتور ، تعلمون جيداً دور البيئة في تربية الافكار ونمو العقول وتأهيل اشخاص نوابغ ، فبعض المناطق تنمي خصال معينة في الانسان.

اما الجزيرة العربية ، فهي صحراء جرداء لاذعة ، جعلت شدّة الحرارة الحياة فيها صعبة للغاية ، وهي بيئة جهل وخرافة ، لا نجد في تاريخها الكثير من العلماء والنوابغ ، فنتاجها يعد من النماذج السلبية في عالم الانسانية ، كانوا يعدون من ابطال التوحش والبربرية ، ومن مثل تلك البيئة ظهر رسول الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي اختار الله لهداية البشرية وارشادها.

أجل ، لقد عاش الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في تلك البيئة ، بين اولئك الذين كان وأد البنات من اعمالهم العادية ـ وتعلمون أيُّها الدكتور ـ ان الذي يكبر في بيئة

٤٥

معينة ، لابدّ وان يصطبغ بلونها فلا يمكنه ان يتجاوز آداب الناس واخلاقياتهم.

يقول الدكتور الكسيس كارل في هذا الصدد :

( قوة وضعف الظواهر النفسية في كل شخص تحدده بيئته النفسية ، فاذا كانت البيئة فقيرة ، لا ينمو بها ذكاؤه وحسن اخلاقه ، وإذا كانت البيئة سيئة ، فستكون تصرفاته كذلك.

فنحن في بيئتنا الاجتماعية نمثل الخلايا في داخل جسم الانسان ، فلا تستطيع تلك الخلايا تجاوز الظروف المحيطة ، فأعضاء الانسان تستطيع حفظه امام الهجمات المادية اكثر مما يحافظ عليه الشعور امام المحيط النفسي ، لأن عناصر الهجوم المادي تواجه الجلد كجدار محافظ للجسد وتواجه ايضاً افرازات الغدد المترشحة داخلياً وخارجياً ، في حين ان الحدود الشعورية علىٰ العكس ، مفتوحة علىٰ الدوام ، والروح الانسانية معرضة باستمرار لهجوم انواع العوامل الفكرية والروحية والاجتماعية التي تأتي من البيئة ، فتتكون شخصية علىٰ اساس طبيعتها ، اما صحيحة وسليمة أو مريضة وغير مستوية )(١) .

ويقول ايضاً في بحث آخر :

( بلا أدنىٰ شك يتأثر الفرد بالاشخاص الذين يعيش معهم فإذا كان معاشراً المجرمين والجهلة منذ الصغر ، فإنه سيكون ايضاً في المستقبل مجرماً أو جاهلاً ).

وعلىٰ اساس حساباتنا الطبيعية والعلمية ، فرجل مثل رسول الاسلام

________________

(١) المصدر نفسه.

٤٦

عاش اربعين سنة بين هؤلاء القوم المجرمين والمعطشين للدماء ، القوم الذين كان الشراب والقماء والنهب والقتل من اعمالهم اليومية ، لا بد ان يكون علىٰ شاكلتهم.

لكن العجيب ان رسول الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لم تتلوث شخصيته رغم تلك الفترة الطويلة التي عاشها مع اولئك الناس ، وفضلاً عن انه لم يَنَلْهُ الانحراف ، فقد كان بينهم وفي جميع تلك البيئة المتخلفة والخائنة وعند جميع القبائل العربية ، معروفاً بالامين ، والجميع يؤمنون بطهارته وأمانته وتعففه.

٤٧

قوانين الاسلام خالدة لا تبلىٰ

الدكتور : الىٰ هنا كلامك قويم وغير قابل للأنكار ، لكننا نقول ان قوانين الاسلام مع كونها سماوية واصيلة واستطاعت ان تقود الانسان نحو السعادة علىٰ مدىٰ قرون ، لكنها بالنهاية تعود الىٰ اربع عشر قرناً ماضية ، والقانون الذي يمضي عليه الف واربعمائة سنة لا يمكنه هداية عالم اليوم ، وضمان سعادته ، فهو وكما يصطلح قديم.

الشيخ : اعجب لهذا الكلام منكم اصدقائي ! فهل مجرد مضي عدة قرون علىٰ قانون يجعله قديماً وغير قابل للتطبيق ؟! ومن اجل تبيين هذه الحقيقة وهي انه ليست كل القوانين تفقد قيمتها بعد مضي فترة علىٰ تشريعها ، من الضروري الالتفات الىٰ نقطة عامة.

ما هو القانون الذي يصبح قديماً بمرور الزمن ، واي قانون يحافظ علىٰ قيمته حتى إذا مضىٰ علىٰ تشريعه آلاف السنين ؟

الرفاق جميعهم : نشكرك كثيراً لو بينت لنا ذلك.

وفي تلك اللحظة ، يُفتح باب الغرفة ، ويدخل عامل مطعم القطار ، وهو يحمل بيديه طبق الشاي ، فينادي بصوته المزعج : شاي شاي ثم التفت الىٰ شيخ واصدقاءه ، وقال : أيُّها السادة شاي جديد وحار.

قال الدكتور : لا نريد شاياً ، ولكن هل شايك جديد ـ حقيقةً ـ ، أم انه

٤٨

كشاي بعض المقاهي التي علىٰ طريق مدينة مشهد ، ففي احدىٰ السفرات الىٰ مشهد ، توقفت السيارة عند احدىٰ تلك المقاهي للغداء ، فنزل المسافرون جميعاً ، أنا أيضاً نزلت مع صديقي وجلسنا داخل المقهىٰ ، فجاءنا صاحب المقهىٰ بالشاي ، وقال : شاي جيد ، عملته قبل دقائق.

وضع الشاي علىٰ المنضدة وذهب ، قلت لصديقي ، لون الشاي يوحي بأنه بقي علىٰ النار أربع وعشرين ساعة ! فقال صديقي : تعال سأكتشف لك الحقيقة ، ذهبنا الىٰ صاحب المقهىٰ معاً ، فتقدم إليه صديقي وقال له بصوت منخفض ، أنا مريض وقد أوصاني الطبيب ان الشاي الذي اشربه لا بدّ وان يكون قد مضىٰ عليه ثلاثة أيام ، أرجو ان تستبدل لنا الشاي الذي جلبته ، وتأتينا بشاي قديم ، فما ان سمع صاحب المقهىٰ كلام صاحبنا حتىٰ أشار بيده نحو القبلة وقال : وربُّ الكعبة هذا الشاي جميعه ، شاي الاسبوع الماضي ! وهنا ضحك الحاضرون بشدة.

عامل مطعم القطار ايضاً أخذ يضحك لكلام الدكتور ، وهو خارج من الغرفة ، فسدوا باب الغرفة وبدأ الشيخ يكمل حديثه.

فقال : تلك القاعدة العامة التي اردت الاشارة اليها ، هي : في بعض الأحيان يكون القانون مقطعياً ولفترة معينة من التاريخ ، مثل اغلب القوانين التي تشرعها مختلف دول العالم في الماضي والحاضر لأنظمتها الاجتماعية ( طبقاً في تلك الدول التي يهتم فيها المشرعون بمصالحهم القومية ، لا مصالح اسيادهم في الداخل والخارج !!! ) وهذا النوع من القوانين ، يفقد قدرته وقيمته التنفيذية في مراحل وفترات اخرىٰ ، لأنه يتبع ظروفاً خاصة وحاجة مرحلة تاريخية

٤٩

معينة ، لذلك ، نشاهد جهازاً تشريعياً مستقلاً لكل دولة في الماضي والحاضر ، لكي يضع مشرعوا تلك الدولة قوانينهم بشكل يتناسب مع ثقافة الشعب وروحه ومع الأخذ ايضاً بالظروف التاريخية ومتطلبات البلد. واغلب هذه القوانين ليست غير مفيدة فقط في بلد آخر ، بل ستفقد قيمتها في نفس البلد بسبب تغيّر الظروف والمتطلبات. وهذه القوانين كالوصفات المؤقتة التي يقدمها الطبيب لمريضه مع الأخذ بحالته الخاصة ، وطبيعي ان تتغير كما تتغير وصفات الطبيب بعد فترة من استخدام المريض للوصفات السابقة.

ولكن هناك نوع من القوانين في العالم ، تكون في عداد قوانين العالم الطبيعية ومن جملة سنن الخلق ، وهذا النوع من القوانين باقية ، ما بقي الدهر.

مثل قانون الجاذبية وتركيب الماء من جزئيتين من الهيدروجين وجزئية من الاوكسيجين ، وملايين القوانين والقواعد العلمية الاخرىٰ في العالم ، فهل يحق لنا القول ان مرور الزمن سيجعل هذه القوانين بالية واذن لابدّ من تغييرها ؟! بالتأكيد لا ، لأن في هذا النوع من القوانين ، ليست هناك حدود للزمان ولا للمكان.

الدكتور : المثال الذي ذكرته صحيح. لان القوانين الطبيعية غير قابلة للتغير ، لكن ما علاقة ذلك بالقوانين الاسلامية ؟

الشيخ : لا تستعجلوا ! لو سمحتم لي ، سأوضح تلك العلاقة.

الدكتور : ارجو المعذرة ، لقد تسرعت بعض الشيء ، فهذه الحياة الآليّة التي نعيشها افقدتنا القابلية علىٰ الصبر.

٥٠

الشيخ : جميع قوانين الاسلام « العامة » و « الاصولية » هي من نوع القوانين الطبيعية ، ولها قيمة قانونية لجميع الناس وفي جميع مراحل التاريخ ، فلم تكن قوانين الاسلام العامة والاصولية خاصة بأهل ذلك العصر ومجتمع الجزيرة العربية فقط ، حتىٰ يقال انها اصبحت قديمة بعد مرور اربعة عشر قرناً عليها وانها فقدت قيمتها في التطبيق ، أو بعبارة اوضح اصبحت « قديمة ».

بل ان اصول الاسلام جميعها طبيعية تماماً وهي جزء من الفطرة الانسانية السليمة ، ومطابقة لناموس الخليقة ، لقد عرّف رسول الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الكذاب بأنه عدو رب العالمين ، واعتبر الكذب نوع من الخيانة ، فهل يمكن القول : ان الكذب خيانة ولكن للذين عاشوا قبل اربعة عشر قرناً.

أما اليوم وفي عصر التطور والتعالي البشري ، دنيا الكهرباء والبخار ، ليس هناك كذب أو خيانة ، وان ذلك كلام قديم ؟!

ينقل رسول الاسلام عن لسان الوحي الالهي :

( لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ ) (١) .

وان علىٰ الناس احترام حقوق بعضهم البعض الآخر ، وان لا يسرقوا ولا يبخسوا الميزان وان لا يجمعوا المال بطرق غير مشروعة ، بل تكون بطرق مشروعة ، أي العمل الحلال(٢) ، وان يصلوا الفقراء.

________________

(١) سورة البقرة : ١٨٨.

(٢) ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ ﴾ سورة النجم : ٤٠.

يرى البعض أن العمل يعني الانتاج الاقتصادي فقط ، في حين أن ذلك يعني أن الكثير من فئات المجتمع الذين يعملون في مجالات الثقافة أو الخدمات ـ مثلاً ـ عاطلون ، وهذا كلام غير دقيق ، لأن الخدمات والثقافة و أيضاً أعمال مشروعة.

٥١

أيُّها السادة المحترمون !

أليس من السفاهة القول ان السرقة والنهب والاعتداء علىٰ حقوق الآخرين ، تعتبر خيانة بالنسبة لعصر مضىٰ عليه الف واربعمائة سنة ، وانه بالنسبة لعصرنا الحاضر عصر الذرة ، لايعد خيانة ؟! فهل يمكن القول ان هذا القانون قديم وغير قابل للتطبيق لانه مضىٰ عليه أربعة عشر قرناً ؟!

واعتبر رسول الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله الاعتداء علىٰ نواميس الغير ذنباً ، وحذّر الناس من عمل هذا الذنب ، فهل يمكن القول ان هذا القانون اصبح قديماً بمرور الايام ، وان عالمنا لا يعترف بحدود اسمها الاسرة ! وان الاعتداء علىٰ نواميس الغير ليست خيانة ؟!

لقد اعتبر الاسلام السكوت امام الظلم ذنب ، وقال : عادوا الظالمين ودافعوا عن المظلومين ، ويصرح القرآن الكريم في هذا الصدد :

( إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) (١) .

( وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ) (٢) .

ويقول أيضاً :

( لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ ) (٣) .

وفي مكان آخر يقول القرآن :

________________

(١) سورة البقرة : ١٩٠.

(٢) سورة آل عمران : ٥٧.

(٣) سورة النساء : ١٤٨.

٥٢

( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ ) (١)

أي الذين يقاتلون في سبيل المظلومين ومن اجل الحرية واستيفاء حقوقهم.

والآن يا اصدقائي ألا ترون من السفاهة إذا قلنا ان هذا الكلام يختص بعصر يعود الىٰ الف واربعمائة سنة ماضية ، وان هذا الكلام اكل الدهر عليه وشرب ؟! وهل يمكن حصر هذه المسائل بظروف ومراحل تاريخية معينة ؟!

والاسلام لا يميّز في تشريعه بين الاعراف والفئات والطبقات ، فليس هناك أبيض وأسود ، أو عرب وعجم ، أو حاكم ورعيّة ، أو عامل ورب العمل ، فالجميع لديه متساوون ولا يرىٰ لأحد منهم امتيازاً علىٰ الآخر ، فهل نستطيع القول ان مرور الزمان يغيّر ذلك « الأصل » وان علينا نفي وانكار « اصل المساواة بين البشر » أو « اصل الغاء جميع التمايزات » ؟!

فقد أكد الاسلام كثيراً علىٰ عيادة المرضىٰ ومراعاة حق الجار ، وبشكل عام مراعاة حقوق الجميع ورفع مشاكلهم ، فهل يمكن القول ان هذه القوانين لا يمكن تطبيقها اليوم لأنها تعود علىٰ اربعة عشر قرناً ماضية ؟!

أيُّها السادة المحترمون !

جميع القوانين العامة والاصولية في الاسلام هي من هذا النوع ، وجميعها جزء من فطرة الانسان طبقاً لنظام الخلقة ، وبالنتيجة هي فوق الظروف

________________

(١) سورة الصف : ٤.

٥٣

التاريخية الخاصة ، ومع الأخذ بذلك ، فهل يوجد في العالم ايديولوجية افضل من الاسلام واكثر منه طبيعية ، حتىٰ نترك هذه القوانين ونتمسك بغيرها اكمل منها ؟! وهل يستطيع الزمان التأثير علىٰ طراوة وحيوية مثل هذه القوانين ؟!

أمّا كيف يمكن للاسلام الاجابة علىٰ متطلبات المجتمع رغم التطوّرات والتغيرات التي تحدث بشكل لا ارادي في مسيرة الانسان التكاملية ومختلف مراحل التاريخ البشري ، فهذا يحتاج الىٰ توضيح مختصر.

هناك قوانين في الاسلام مطروحة بشكل عام واصولي ، وهي التي تحدد الخطوط العامة لجميع قوانين المجتمع العامة وحركته ، مثل : « اصالة العمل » ونفي الاسلام « للعلاقة الاستعمارية » في مسألة الانتاج والتوزيع ، وطبيعي ان تكون هذه الاصول ( كما هو الحال في جميع الاصول والقوانين الكلية ) ثابتة وغير قابلة للتغيير ، سواء كان البشر في مرحلة الزراعة ، أو في مرحلة الصناعة ، فهذه القوانين ابدية ، ولا بدّ أن تشكل الاساس لجميع تلك القوانين التي يضعها المتخصصون في القضايا الاسلامية ( اي المجتهدون الواعون والعارفون بظروف المجتمع والعصر ) حسب متطلبات العصر ، وطبيعي فأن هذا الاصل ثابت لا يتغير.

أما المتغير فهو كيفية الانتاج والتوزيع التي تتناسب وكل زمان أو مكان ، لكن الانتاج والتوزيع يجب ان يكون في النهاية علىٰ اساس نفي الاستثمار واصالة العمل.

لقد نفىٰ الاسلام ولم يعترف بأية علاقة انسانية يكون فيها احد الاطراف

٥٤

متضرراً ، فقال : « لا ضرر ولا ضرار في الاسلام »(١) سواء كانت هذه العلاقة « الضررية » علىٰ مستوىٰ الاسرة أو في القضايا المالية أو في أية علاقة اخرىٰ ـ طبقاً لاشك ان هناك اختلاف بين متطلبات كل عصر وزمان ، لكن هذه المسؤولية تقع علىٰ عاتق المجتهد الواعي والمتخصص في المسائل الاسلامية ، والمطّلع علىٰ احوال العصر ، لكي يستنبط الخطوط العامة والمحورية فيما يتعلق « بالحوادث الواقعة » والمستجدات من المسائل من خلال الرجوع الىٰ تلك القوانين العامة والقواعد الاسلامية الثابتة ، وبذلك يمكنه الاجابة علىٰ التساؤلات المستجدة ، او بعبارة اخرىٰ « ارجاع الفروع الىٰ الاصول » ، ولا شك ان المتغير هنا هي هذه « الفروع » و « الحوادث الواقعة » أو مقتضيات الزمان ، لكن الاصول والمحاور تبقىٰ ثابتة دائماً.

فالاسلام ـ مثلاً ـ حرّم الكذب ، سواءً كان بالكلام مباشرة مع شخص ، او من خلال مكبر صوت. أو من خلال الكلام في المذياع والتلفاز ، فالذي تغير هنا هو كيفية الكلام وليس اصله ، فكان مرّة بشكل طبيعي واُخرىٰ بمكبر الصوت وثالثة من خلال البث الاذاعي والمرئي الذي يخاطب ملايين الناس ، ويبقىٰ الاصل الثابت في جميع الاحوال هو عدم جواز الكذب وحرمته.

ومن خلال الشرح والايضاح الذي قدمناه ، تبين بشكل جيد ان الثابت في الاسلام هو القوانين والاُصول العامة التي تعد محاور واسس جميع القوانين الاخرىٰ ، والمتغير هو متطلبات العصر والمستجدات من الظروف والحالات.

________________

(١) وسائل الشيعة : كتاب الارث ، الباب الأول ، الرواية ٩.

٥٥

كما تبين لنا الدور الذي تلعبه عملية « الاجتهاد » واستنباط الحكم هنا ؟ وكيف بجب علىٰ المجتهد المطّلع علىٰ احوال الزمان ، تقديم اجوبة واقعية للتساؤلات المستجدة ومتطلّبات العصر مع الأخذ بالاُصول والعموميات الثابتة في الاسلام.

وهنا يتبين السرّ في حيوية الاسلام وطراوته الدائمة ، فلو لم يكن هناك « اجتهاد » بمعناه الصحيح والاسلامي ، لما استطاع البشر الاجابة علىٰ متطلباتهم الحديثة والمتسجدة بشكل صحيح.

الذين جلبوا العار لتاريخ المسلمين

الشيخ : اطمئنوا اذا لم يكن الاسلام طبيعياً وفطرياً ، لم يكن ليبقىٰ بعد الف واربعمائة سنة بهذه الصورة الحية والمتكاملة ، ولهضمته الأحداث كما تقضم الشاة نبتة الربيع.

اتعلمون ان سّر بقاء الدين الىٰ اليوم ، هي تلك النقطة التي اشرت اليها ؟

الدكتور : ارجوا ان تتكلّم أكثر بهذا الصدد !

الشيخ : ان بقاء اي نظام في العالم مرهون بعوامل مادية او معنوية ، لكن الاسلام فضلاً عن عدم امتلاكه العوامل المادية والمعنوية لبقاءه ، فأنه كانت هناك عوامل عديدة لسقوطه ، وهذه العوامل الاخيرة موجودة حالياً أيضاً ، لانه ، وبشهادة التاريخ ، تغيّرت مسيرة الدين بعد رحيل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والشخص

٥٦

الذي عينه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لخلافته وزعامة المسلمين بأمر من الباري عزّ وجلّ ( أي الامام عليعليه‌السلام ) لم يعطىٰ زمام الامور.

لقد قامت أيدي المنافقين منصب زعامة المسلمين الىٰ اعدائه الداخليين ، الذين شكلوا بدورهم عصابة خطرة ، وهؤلاء اغتصبوا مقام خلافة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله واحداً بعد الآخر وجعلوها ملكاً يدار بأيديهم يرثونه ، حتىٰ وصل الأمر إلىٰ بني اُمية وبني العباس.

ان الاعمال التي قام بها هؤلاء ( بني اُمية وبني العباس ) جعلت من عهديهما من اسوء مراحل التاريخ الاسلامي ، فقد تحولت الخلافة الىٰ سلطان ، واستبدلت الروحانية والزهد ، بمجالس اللهو والطرب والخمر. واستبدل قراء القرآن والمؤذنون ، بالجواري الجميلات والمغنون ، واصبحت مجالس اللهو و القمار وموائد الخمرة تقام في قصور خلفاء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله الغاصبين ! وقد وصل الامر الىٰ حدّ ، نهي فيه الوليد من الافراط في شرب الخمرة من قبل ندماءه والمقرّبين منه ، لانه يخالف نصّ القرآن وليس لخليفة المسلمين ان يتصرف بهذا الشكل.

فقال الوليد : اريد ان اعرف عاقبة امري ، عليَّ بالقرآن استفئل به ، ففتح القرآن وبدت له الآية( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) (١) ، فاشتاط غضباً برؤيتها ، ثم فتح القرآن ثانية فكانت الآية الشريفة( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ ) (٢) فلم يستطع أن يتمالك نفسه من شدة الغضب ، فأخذ قوساً ونبالاً وصار يرمي بها ________________

(١) سورة الشعراء : ٢٢٧.

(٢) سورة ابراهيم : ١٥.

٥٧

القرآن وهو ينشد أبياته المعروفة :

اتوعد كل جبارٍ عنيد

فها انا ذاك جبار عنيدُ

اذا لاقيت ربك يوم حشرٍ

فقل يا ربِّ مزقني الوليدُ

لقد وصل الامر للحد الذي وقف فيه عامل ( امير ) الكوفة في محراب المسجد ليأم الناس صلاة الصبح وهو ثمل ، فصلىٰ اربع ركعات ، وعندما اعترض الناس علىٰ ذلك ، أجابهم : هل ازيد.

وقد وصلت الفضيحة لدرجة اصبح الغلمان والمردة يحلّون مكان الجواري والنساء.

هذه الفتن التي تعرض لها الاسلام بعد رحيل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله استمرت حتىٰ أتىٰ هولاكو علىٰ خلافة بني العباس ، اما المعتصم آخر خلفاءهم فقد سحق بأمر من شيخ الاسلام العظيم الخواجة نصير الدين الطوسي.

وبعد ذلك لم تأتي حكومة مقتدرة تخفظ بلاد المسلمين الممتدة وتوحّدها. ولو تجاوزنا ذلك فالمساعي التي تبذلها العناصر المعارضة للأسلام ( اي الاستعمار ) والتي تعتبر المسيحية احدىٰ مظاهرها ، واسعة جداً وهدفها تدمير واسقاط النظام الاسلامي الصحيح. اما المبالغ التي تصرف لتشويه صورة الدين والاعلام المضاد له ، فلا احد يعلم بمقدارها إلّا الله ! فأكثر القساوسة و الآباء اليسوعيين وبالدعم الذي يتلقونه ، متشرون في الدول الاسلامية بهدف التبشير من جهة وتدمير الدين الاسلامي واسقاطه من جهة اخرىٰ.

٥٨

حديث من السيد جمال الدين

ومن اكبر هذه العوامل تأثيراً في سقوط الدين ، هو تصرف المسلمين ، وقوة هذا العامل تصل لحدّ ، ان بأمكانه تخريب شبكة تنظيمية واسعة بمفرده ، لأن العالم ينظر الىٰ الاسلام من خلال تصرفات المسلمين ، وللأسف الشديد ، فأن تصرفات المسلمين مهينة للحد الذي يخجل الانسان من ذكرها.

كم من القلوب الطاهرة استسلمت امام قوانين الاسلام النورانية دون اختيار ، واصبحت علىٰ شرف اعتناق الاسلام ، الّا انها انصرفت عن ذلك بمشاهدة تصرفات بعض المسلمين.

اتذكر ، ان احد العلماء المسيح صرّح رسمياً قبل فترة ، بأن المانع الوحيد امامه لقبول الاسلام هو اعمال وتصرفات المسلمين المهينة !

وعلىٰ حدّ قول السيد جمال الدين الافغاني

« اذا اردنا دعوة الغرب للأسلام ، علينا ان نثبت اولاً اننا لسنا مسلمون ، ومن ثم نبدأ الدعوة ».

أليس من المؤسف ان يصل الأمر بالمسلمين الىٰ هذا الحدّ ، وهم الذين كانوا في يوم من الأيام مثلاً للفضيلة والأنسانية ! كما أن البعض ـ وللأسف ـ من الذين لا يستطيعون التفريق بين « الاسلام » و « المسلمين » ، وان يدركوا هذه الحقيقة وهي ان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله جاء بالاسلام من جانب الله وليس بالمسلمون ، لذلك فهم ينسبون الانحراف في تصرف المسلم الىٰ الدين ويحملون نظرة سيئة عن الاسلام.

٥٩

هذه وعشرات العوامل القوية الاخرىٰ جزء من الموانع التي تقف بوجه الدين.

اصدقائي الاعزاء !

اتصدقون انه مع الأخذ بالاسباب والعوامل التي ذكرناها هنا وبعض العوامل الاخرىٰ التي لم نذكرها ، كان لا بدّ أن لا يبقىٰ ذكر للأسلام في العالم ، لكن والحسن الحظ لم تجتذب قوانينه قلوب العالم فقط ، بل ان شعاع نوره ينتشر كل يوم اكثر واكثر ، للحد الذي يندر ان نجد مفكراً أو عالماً درس وبحث حول الاسلام ولم يستسلم امام عظمة النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وينحني له تعظيماً.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

بدرجة يطيعون اوامره وينفذون وصاياه الىٰ هذا الحدّ !

فأنظر ـ والكلام لابن سينا ـ الفارق الىٰ ايّ مستوىٰ ! اجل يا بهمنيار ، فلا يمكن الادعاء بما للعظماء كذباً.

الاصدقاء جميعهم : الحقيقة عين ما اشرت إليه.

السبب الحقيقي لنفوذ نبي الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله

العقيد : اصدقائي ارجو ان لا تستعجلوا الحكم ، مع ان كلام الشيخ لا يمكن انكاره الى حدّ ما ، فنفوذ الرسول محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ليس عادياً ، لكني اتصور ان جزءاً من نفوذ قدرة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في الناس الذين عاصروا ذلك العظيم هي الاعمال التي كانوا يرونها منه والتي كانوا يتصورونها معاجز ، في حين ان المعجزة والامر الذي ليس له اسباب وعلل طبيعية وعادية ، مشكوك فيه في عالمنا المعاصر ، والجزء الآخر من نفوذه والذي يرتبط بعصرنا فهو محصور بين المسلمين غير العلماء ، وطبيعي فالنفوذ الىٰ قلوب مثل هذه النماذج من الناس ليس امراً عجيباً أو صعباً.

طالب الطب ، حسن : انا اوافق سيادة العقيد في هذا الرأي.

الشيخ : اشكركم أيُّها السادة ، علىٰ طرحكم ما ترونه موضع اشكال بحرية تامة ودون مجاملات ، وهدفنا من طرح هذه المواضيع هو دراسة الاشكالات التي يراها الاصدقاء في مواجهة الدين الاسلامي المقدس ، والاجابة عليها.

٨١

الاصدقاء جميعهم : نحن مسرورون لهذا اللقاء ، وهذا اليوم الذي تعرّفنا فيه عليك لهو من اجمل ايام حياتنا ، فكلامك جميل ، واجوبتك وافية ، كما ان سفرنا يمضي بسرور ونحن مستفيدون من وقتنا.

الشيخ : تتلخص اشكالات سيادة العقيد في ثلاثة محاور :

الأول : ايمان اهل ذلك العصر بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان بالمعجزة الىٰ حدّ ما.

الثاني : من الصعب اليوم القبول بالمعجزة.

الثالث : نفوذ رسول الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله اليوم ، غالباً ما نجده بين غير المتعلمين وغير العلماء.

وسنتكلم في المواضيع الثلاثة ـ ان شاء الله ـ حسب طريقتنا ، اي بشكل مختصر ومفيد.

أمّا الموضوع الأوّل :

خلافاً لما قاله سيادة العقيد ، فأن اغلب اهالي الجزيرة العربية والمسلمون الذين عاصروا الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله تأثروا بقوانين الاسلام التي جاء بها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ( طبعاً بالحد الذي كان المستوىٰ الفكري لذلك العصر يسمح به ) وبالاعجاز القرآني من حيث الفصاحة والبلاغة وكذلك بحياة الرسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله التي كانت غريبة عنهم ، وليست بسائر المعجزات.

لأنه : إذا كان ايمان العرب بالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله حدث بالمعاجز فقط ، كان لابدّ ان يكون تقدم الاسلام وانتشاره سريعاً في السنوات الثلاثة عشرة التي قضاها

٨٢

الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في مكة بعد البعثة ، لان اكبر واعظم معجزاته كانت في مكة ، في حين ان نمو الاسلام في مكة وقياساً للسنوات العشرة التي قضاها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في المدينة يعد لاشيء ، بل اصبحت الحياة له لا تطاق في مكة وهو مهدد بالقتل فيها مما اضطره للخروج منها ليلاً والهجرة الىٰ المدينة بأمر من الله تبارك وتعالىٰ ، اما المدينة فقد استقبلته واحتضنته وعاهدته في الدفاع عنه بكل ما تستطيع ، وقد وفو بعهدهم اليه حقاً ، لكن ما الذي دعىٰ أهل المدينة لاستقبال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله واحتضانه والدفاع عنه بالغالي والرخيص ؟

لم تكن المعجزات هي التي جعلتهم يقومون بذلك ، لأنهم لم يروا أية معجزة منه يوم تعهدوا له بالدفاع عنه ، بل كان موسم الحج وقد جاؤا الىٰ مكة فسمعوا كلمات القرآن المحيرة ، وسألوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الاسلام وقوانينه واحكامه وما يدعوا اليه ، وبعد ان تعرفوا عليه آمنوا به طوعاً ، وسبب افتتانهم به هو ان قبيلتين منهم ( الأوس والخزرج ) كانتا تتقاتلان لقرن من الزمن ، وكانت بينهما دماء ومآسي ، فكم من الشباب قتلوا وكم من النساء ترمّلن وكم من الاطفال تيتموا وكم من الآباء ثكلوا.

كان اهل المدينة قد عانوا الكثير ، كانوا يعيشون حالة من التوحش الكامل ، وقد ملّوا من الجرائم والدماء ، وكان انحطاطهم الاخلاقي بمستوىٰ جعلهم يستشرون ضرورة وجود مصلح وقوانين عادلة تنقذهم من شقائهم ، كانوا بحاجة الىٰ قوة تستبدل البغض والحقد الذي في قلوبهم بالعاطفة والمحبة ، لقد فهموا ان عليهم ايقاف حمامات الدم تلك ونبذ حياة التوحش والظلم والجريمة.

٨٣

ولكن ، من هو الشخص الذي يقوم بذلك العمل الجبار ويبلغهم تلك الآمال ؟ من هو الرجل الذي يرفع لواء العدل ويجمع هؤلاء المظلومين تحت رايته ؟ وهل يمكن ان يجدوا مثل ذلك الشخص وبتلك المواصفات في بلاد مثل الجزيرة العربية ؟

اجل ، لقد رأىٰ اهل المدينة ذلك الرجل الذي ينشدونه في سفر حجهم وادركوا انه الوحيد الذي يستطيع انهاء وضعهم المأساوي ، ولهذا اجتمعوا حول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ونصروه في الشدائد والمشكلات ، ولماذا لا يفتتنوا بالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟! ولماذا لايفتدوه بأموالهم وانفسهم ، فرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما رآه ذو قلب سليم وشاهد صفاته التي لا تجتمع لأحد ، إلّا وخضع امامه واستسلم له ! فأي صخرة صماء ذلك الذي يرىٰ جميع تلك الفضائل : الوفاء والتواضع ، حسن الخلق ، نصرة المظلوم ، الرأفة ، الشجاعة ، الشهامة ، العفو ، الأدب ، الصدق ، الامانة ، عدم الاعتناء بالدنيا ومئات الفضائل الأخرىٰ ، ولا يمتلىء قلبه بحب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟! فهل يمكن لبشر عادي ان يكون هكذا ؟

اجل صفاته واخلاقه مع الناس ومع ابنائه وازواجه ومع اتباعه ومع العبيد والصغار و الخ هي التي جعلت الناس تفتتن به ويكون له نفوذ في قلوبها ، وليست المعجزات التي جاء بها.

٨٤

سيرة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله المليئة بالفخر

سيادة العقيد ! من أجل أن يتّضح الموضوع بشكل جيد ، ولكي تعرفوا هل معجزات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أو اسلوبه اخلاقي هو الذي سخر قلوب اهل زمانه له ، سأضطر الىٰ بحث مختصر حول اخلاق الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وفضائله وملكاته الفاضلة.

بلع العلى بكماله

كشف الدجى بجماله

حسنت جميع خصاله

صلّوا عليه وآله

معاملة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لأهل بيته

كان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله مبتسم علىٰ الدوام مع اهل بيته ، ولم يكن فظَّاً غليظاً معهم ، فقد كان يحنو عليهم ويعاملهم برأفة ، كان يحاول جهد الامكان ان لا يغتمّوا ولا يحزنوا ، وكان عادلاً بينهم حتىٰ انه لم يشتكي منه احد مدىٰ حياته ، يساعدهم في اعمال البيت ، وكان يقول : مساعدة الزوجة في عملها بالبيت صدقة ، ومع ان بعض نساءه كنّ يتجرأن عليه ويعاملنه وكأنه رجل عادي كسائر الرجال وكنّ يؤذينه ويغضبنه ويتعرضنّ عليه ويتدخلن في اعماله ، مع ذلك كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله محافظاً علىٰ عدالته بينهنّ ، ويجب ان لا نتصور ان جميع وسائل الراحل كانت متوفرة لتلك النساء ، لانهنّ نساء امبراطور الاسلام ، أبداً فلا

٨٥

الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله كان امبراطوراً ، ولا نساءه كنّ مثل حريم الاباطرة.

فلم يكن لهنّ قصور ولا غلمان وجواري ، وفي بعض الاحيان لم تتوفر لهنّ ابسط ضروريات الحياة ، لكن ثغر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الضحوك ووجهه البَشر وقلبه الرحيم العطوف ، كان بلسماً لكل وضنك ذلك العيش.

تقول اُمّ سلمة : احدىٰ نساء النبي :

في ليلة زفافي،حيث دخلت بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كنت اسكن في غرفة لم يكن فيها الّا قليل من الشعير ومطحنة يدوية ووعاء للعجين وقدر لعمل الخبز وكوز ماء ، فطحنت الشعير وعجنته وصنعت اقراصاً من الخبز ، اكلتها. وهكذا كانت حياة نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حتىٰ في ليلة زفافهنَّ.

معاملة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لأبنائه

لا يمكن وصف المحبة والعطف الذي كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يغدقه علىٰ ابناءه ، لقد كان يحب ابناءه واحفاده كثيراً جداً ، كان يجلسهم علىٰ ركبتيه ويداعبهم ويقبل وجوههم ، حتىٰ انه كان يلاعبهم احياناً ، ومحبته لابنته الزهراءعليها‌السلام وابنائهاعليهم‌السلام معروفة ومشهورة.

معاملة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لأصدقائه

معاملة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لأصدقائه ومحبيه ، تشبه معاملته لابنائه ، ولهذا السبب كان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله محبوباً عند اصدقائه ، الى حدّ يفوق التصوّر.

٨٦

وفي حادثة وقعت بعد معركة احد ، كانت مكة قد اعدّتها ودبّرتها ، حيث جاءت مجموعة من الاعراب الىٰ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في المدينة وطلبت ان يذهب معهم جماعة من المسلمين لتبليغ الدين وبيان الاحكام ، فأرسل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله معهم جماعة من المسلمين برئاسة عاصم بن ثابت ، لكن الأعراب قاموا بقتل المسلمين غيلة إلّا اثنين منهم اسروهم وارسلوهم الىٰ مكة وباعوهم علىٰ المشركين ، وكان زيد بن دثية احد الاسيرين ، فأشتراه صفوان بن اُمية ، لكي يقتله ثأراً لأبيه ، وبعد ان سجنه لفترة ، تقرر ان يُقتل في يوم معين.

وفي ذلك اليوم اجتمع اهل مكة جميعهم ، ليشاهدوا قتل ذلك الشاب المسلم ، انتقاماً لقتلاهم في بدر.

وفي النهاية ، حانت ساعة الاعدام ، فجاءوا ب‍ « زيد » وقد اجتمعت جميع طبقات مكة من كبارها ورؤساء قريش من التجار والمزارعين والنساء والفتيات والاطفال ، اجتمعوا اطرف المشنقة ، في تلك اللحظات التفت أبو سفيان وهو زعيم قريش الىٰ زيد وقال : أتحبُّ ان يكون محمداً مكانك هنا حتىٰ يعدم وترجع انت سالماً الىٰ اهلك ، اقسم عليك بمن تعبد ان تقول الصدق ؟

فأجابه زيد : يا أبا سفيان ، أقسم باللهِ ، أحبُّ ان اُقتل هنا ولا تصيب قدم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله شوكة فتؤذيه ! إفصاح أبو سفيان بعد تلك الاجابة : لم أرَ احداً اعزّ من محمد عند اصحابه.

أجل ، كان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ودوداً مع اصحابه للحد الذي جعلهم يهيمون بحبه ، فلم يحملهم في حياته شيئاً ، ومع انه كان القائد وزعيم المسلمين الذي

٨٧

فتح الجزيرة العربية واخضع الجميع للاسلام ، لكنه وفي احدىٰ اسفاره ارادوا ان يذبحوا شاة للأكل ، فتعهد كل واحد بعمل ، فقال احدهم : انا أذبحها ، وقال الآخر : انا اسلخها وقال الثالث : أنا اطبخها ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وانا اجمع الحطب للطبخ.

واضح ان العمل الذي تكفّل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله به اشقّ من أعمال الآخرين ، لأنه كان يحتاج الىٰ كمية كبيرة من حطب الصحراء ! لكي تطبخ شاة ، لذلك قال المسلمون : يا رسول الله ، نحن نجمع الحطب ولا تؤذي نفسك انت.

لم يقل المسلمون ذلك مجاملة منهم للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لأنهم بذلوا كل ما يملكون من اجله ، هؤلاء الناس لا يتحدثوان زيفاً وتملّقاً وانما لم يحبوا ان يتعب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله نفسه.

لكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لهم : اعلم انكم لا تحبون ان اتعب ، لكني لا اُريد ان افضل علىٰ اصحابي ، والله لا يحب الذين يميزون انفسهم عن الآخرين.

وهكذا عندما بنىٰ المسلمون مسجد المدينة ، كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يحمل معهم الحجارة والتراب ، وعندما حفروا الخندق(1) اختص الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لنفسه حصة من العمل كسائر المسلمين ، بل انه كان يعمل اكثر من الآخرين.

________________

(1) هو الخندق الذي حفره المسلمون حول المدينة لصد الاعداء في معركة الاحزاب.

٨٨

اصدقائي !

ألم يكن اهل الجزيرة العربية محقّون في الخضوع لهذا الرجل والافتتنان به ؟! وهل رأيتم رجلاً في العالم يتعامل بهذه الروح السمحة والمحبة للخير مع اتباعه والذين يأتمرون بأوامره وهو في قمة هرم السلطة ؟! هذه التصرفات والمعاملة الاخلاقية لا توجد الّا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

معاملة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لأعدائه

لقد عامل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله اعداءه كما كان يعامل اصدقاءه واصحابه ، فأي شخص لم ينتقم بشدة في اليوم الذي يتسلط فيه علىٰ اعدائه وينتصر عليهم ؟! لكن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله كان رؤوفاً بأعدائه ، ينظر اليهم بعين العطف ، وكان متسامحاً للحد الذي وصفوه ـ الاعداء ـ بالعظيم والكريم.

ففي غزوة ذات الرقاع ، كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله واقفاً الىٰ جانب نهر ، وفجأة جاء سيل وحال بين الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وجيش المسلمين ، فرأىٰ احد جنود العدو ان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لوحده وبعيداً عن معسكره ، فجاءه شاهراً سيفه ظاناً ان اللحظة مؤاتية لقتل الرسول ، وقال : يا محمد ، من سينجيك مني ؟

قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ربي.

ضحك الرجل مستهزءاً ، وهوىٰ بسيفه بقوة علىٰ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لكن الله وقىٰ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله شره ، فوقعت به فرسه قبل ان يضرب ضربته ، ووقع علىٰ الارض ، فوقف الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فوق رأسه وأعاد عليه كلامه ، قال : من سينجيك

٨٩

مني ؟!

فقال الرجل وعيناه تبرق املاً : جودك وكرمك يامحمد !!

فما هو اساس ذلك الكلام في تلك اللحظات الحرجة ؟ هل قال الرجل كلامه تملّقاً ؟! بالتأكيد ، لم يقله تملّقاً.

لقد رأىٰ الرجل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شاهراً سيفه فوق رأسه ، وتذكر اللحظات السابقة ، كان والوضح حرجاً بالنسبة له في الظاهر ، لانه لو قام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بقتله كان قد فعل ماكان هو يريد فعله قبل لحظات ، الاّ انه لم يوفق لذلك ، والأمل الوحيد لذلك المشرك هو أن الذي يريد قتله ليس انساناً عادياً كسائر الناس بل هو رجل الحق ، كريم بمعنىٰ الكرم ، عفوّ ورؤوف ، لقد تكلّم الرجل المشرك بكلامه استناداً الىٰ تاريخ ذلك الرجل الذي يريد قتله ، فحياته مليئة بالكرم والبذل والعمل الصالح والمحبة ، ولا بدّ أنَّ المشرك تذكر تلك السنة التي اصاب القحط فيها مكة ، فكان ذلك الرجل الذي شهر سيفه الآن عليه ، مثل الأب الرحيم علىٰ ابناءه ، يشتري الطعام بأمواله واموال خديجة ( بعد الاستأذان منها ) ، كان يشتري القمح والشعير والابل ويقدمها الىٰ الضعفاء في مكة واطرافها ، وبذلك نجّاهم من الموت جوعاً.

كان المشرك يعلم ان هذا الرجل يحمل بين جنبيه قلباً عطوفاً رحيماً ، فكان محقاً بأن يأمل ويرجو في تلك اللحظات الحرجة تماماً ، لذلك قرر الاجابة علىٰ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بما يعرفه عن ماضيه وعطفه واحسانه ، لكن الوقت كان ضيقاً واللحظة خطرة ، فليس هناك مجال للأسهاب في الكلام ، ولهذا اجاب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله موجزاً ، وقال : « جودك وكرمك يا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله » ، أي عظمتك

٩٠

ومقامك وعفوك ورأفتك يمكن ان تنجيني.

أجل ، لقد فكّر ذلك الرجل بشكل صحيح ، وكان رجاءه في محله ، لقد انجاه كرم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لأنه عندما سمع تلك العبارة ، انزل السيف جانباً ، وقال للرجل : انهض واسرع الىٰ جيشك(1) .

أيُّها السادة !

ألا يستطيع هذا الرجل ان يسخر قلوب الناس بهذه الاخلاق والمكارم الالهية التي هي بذاتها من اكبر المعجزات ؟! هل ان تأثير هذه التصرفات في جذب قلوب الناس اقل من بيان سائر المعجزات ؟

اعجاز النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الاخلاقي عند فتح مكة

اشرنا من قبل أن اهل مكة شاهدوا اكبر المعجزات علىٰ مدىٰ ثلاثة عشرة سنة من بداية البعثة ، تلك المعجزات التي لو رآها أي انسان لأعترف بالنبوة والرسالة ، إلّا انهم كانوا اصم من الصخر فلم تؤثر فيهم ولم يؤمنوا بالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لكن اولئك الناس عندما شاهدوا عفو الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وعطفه عليهم عند فتح مكة لانت قلوبهم وآمنوا بالدين.

لقد كان لمعاملة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لهم في ذلك اليوم اكبر الاثر في اسلامهم ، وهو بنفس الوقت خير دليل علىٰ ما قاله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن نفسه :

________________

(1) روضة الكافي ، تأليف ثقة الاسلام الكلينيقدس‌سره

٩١

« ادبني ربي فأحسن تأديبي ».

كما انه نموذج كامل لأسلوبه الاخلاقي في التعامل مع اعدائه.

دخل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مكة دون قتال ( سوىٰ مقاومة صغيرة من بعض المشركين ابيدت علىٰ يد جيش الاسلام ).

ومكّة هي مسقط رأسه التي يهفو إليها قلبه علىٰ الدوام ، حتىٰ في الليلة التي اراد ان يهاجر فيها الىٰ المدينة ، نظر الىٰ اطرافها بحسرة ، واغرورقت عيناه بالدموع ، فنزل عليه الامين جبرائيل ووعده من جانب الله بأن يرجعه اليها. وكانت سنوات تمرّ علىٰ ذلك الوعد الالهي ، والرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ينتظر ، فمضت اشهر وسنين ببطء وحان الوقت الذي ينجز فيه الوعد.

* * *

عقد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله صلحاً مع كفار قريش وأهل مكة في الحديبية ، إلّا ان الكفار لم يعملوا بمفاد الصلح ، فكانت النتيجة ان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله عزم علىٰ فتح مكة بأمر من الله ، وسار نحوا بعشرة آلاف مسلم ، وقد علم اهل مكة من خلال ابي سفيان « الذي ذكرناه تفاصيل لقاءه بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قرب مكة » بالتعبئة العامة للمسلمين.

طوىٰ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الطريق بين المدينة ومكة ، حتىٰ وصل الىٰ« ذي طوىٰ »(1) . نظر الىٰ ما حوله ، فوجد جيشاً قوامه عشرة آلاف مقاتل مستعدون

________________

(1) مكان مشرف علىٰ مكة.

٩٢

لنصرته وقلوبهم تطفح بالمحبة. فتذكّر يوم هجرته ، ذلك اليوم الذي خرج فيه خائفاً يريد الحفاظ علىٰ نفسه من مكة هذه. لكنه يعود اليها اليوم ومعه عشرة آلاف مقاتل من المسلمين الشجعان ، فمن الذي منحه تلك القوة ؟!

أهو غير ربّه الذي يدعوه ؟! بالتأكيد لا.

فلا احد يستطيع ان يحببه الىٰ قلوب الناس بهذا الشكل سوىٰ الله القادر والمهيمن ، اذن ، فاليوم هو اليوم الذي وعده به الله ، وقريب ما يتحقق الوعد الالهي.

نعم ، جميع ما حدث كان بنصر الله ، فلماذا لا يسجد له ، لماذا لا يعبده ؟ وكان ان صاح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :

« لا إله الّا الله ، وحده وحده ، انجز وعده ، ونصر عبده ، واعزّ جنده ، وهزم الاحزاب وحده ».

وذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نِعَم الله ، تلك النِعَم التي يعجز عن شكرها ، واتقدت شعلة الحب الالهي في قلبه اكثر من ذي قبل ، يريد ان يسجد لربه ، لكنه لا يزال على ظهر الناقة ، تجسم العشق الالهي ورأفة الله به بحيث لم يستطع الصبر لينزل من علىٰ ظهر الناقة كي يسجد ، فسجد شكراً لله وهو علىٰ الناقة ، ثم رفع رأسه من السجود ، فوقعت عيناه علىٰ مكة ، تلك المدينة التي تتوسطها الكعبة ، حيث بناها جده ابراهيم الخليلعليه‌السلام ، موطن آباءه والمكان الذي يهفو اليه قلبه.

جميع تلك الاسباب جعلته يناجي مكة ويظهر لها حبه ، فقال : الله يعلم احبك ، ولو لا ان اهلك اخرجوني عنك لما آثرت عليك بلداً ، ولا ابتغيت بك بدلاً ، اني لمغتم على مفارقتك.

٩٣

فلماذا خاطب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مكّة بهذا الكلام ؟!

وكأنما كان يسمع مسقط رأسه ، أي مكة هذه ، تعاتبه وتقول له : لماذا هجرتني ، وفارقتني ثمان سنوات ، ياحبيب الله ، انا ايضاً أحبك ، فلماذا تركتني الىٰ المدينة التي اخترتها بدلاً مني ، فهل كنت سيئة معك ؟!

وبعد أن أتمّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله كلامه ، تحرك من ذي طوىٰ ودخل الحجون(1) ، فأغتسل هناك وركب ناقته حتىٰ يدخل مكة.

مكّة في انتظار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

اجتمع اهل مكة ووقفوا مع زعماء قريش ورؤساء القبائل الىٰ جانب الكعبة ، لكي ينظروا دخول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكانوا يريدون بذلك أمرين :

الأول : رؤية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

الثاني : معرفة مصيرهم.

دخل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مكة واستسلم الحجر الاسود من علىٰ الناقة ، ثم ارتفع صوتهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالتكبير :

الله اكبر الله اكبر

فتعالت معه حناجر عشرة آلاف مسلم الله اكبر ، كان صوت التكبير يملأ سماء مكة وينعكس في جبالها ، لكن تأثيره في قلوب المشركين كان اشدّ.

________________

(1) محل اقرب الىٰ مكة من ذي طوىٰ.

٩٤

لقد خاف زعماء قريش من ذلك الصوت ، وكأنما سمعوا صيحة من السماء ، فأضطربت قلوبهم واخذت تخفق بشدّة.

بعد التكبير ، ترجل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من الناقة ، ودخل الكعبة كي يطهرها من رجز الاوثان ، فلا يجدر ببيت بُنيَ فيه الله ان يكون مأوىٰ الاثم ومركز الاصنام ، وكان علىٰ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ان يطهر البيت من تلك الاصنام والآلهه المصنوعة من الخشب أو الحجر.

وقام الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بالاطاحة بالاصنام الواحدة بعد الاُخرىٰ ، بعصاه ، وهو يقول :

( جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ) (1) .

( قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ ) (2) .

أجل ، لقد انتهىٰ زمان الاصنام وعبادتها ، انتهى عصر الانحناء والخضوع امام آلهة صنعت من معدن أو خشب علىٰ هيئة البشر ، لقد حان الوقت الذي يعبد فيه الناس الله سبحانه وتعالىٰ ، ويخرجوا من ذلّ عبادة هذه الاوثان ، الىٰ عزّ عبادة رب العالمين.

وبعد ان فرغ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من الاطاحة بالاوثان ، توجه الىٰ اهل مكة ، فوجدهم قد اصطفوا مثل التماثيل التي صنعت من حجر ، وكأن علىٰ رؤوسهم الطير ، لا يتحركون ولا يحركون ساكناً ، ووجوهم المصفرة تعبر عن اضطرابهم الداخلي ( بعد ان شاهدوا قوة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وجيش المسلمين ) ، كانت عيونهم

________________

(1) سورة الاسراء : 81.

(2) سورة سبأ : 49.

٩٥

تريد الخروج من حدقاتها من شدة الخوف ، كانوا غارقين في افكارهم ، ويتصورون المصير الذي ينتظرهم ، بعد تلك الحروب التي خاضوها ضد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله والاذية التي آذوه ، لكنهم في نفس الوقت يرجون شيئاً من شخص الرسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأن اهل مكة يعرفون جيداً ، ان الرجل الذي دخل مكة اليوم ظافراً منتصراً ، هو محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ذو القلب العطوف والرحيم ، محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي من شيمه العفو عند المقدرة والصفح عمن اساء له ، محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي لا يظلم حتىٰ اعتىٰ اعدائه واقساهم ، محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ليس كالآخرين الذي لا يفكرون عند انتصارهم سوىٰ بالانتقام ، فهو الذي وصفه الله سبحانه وتعالىٰ في القرآن ، فقال :

( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) (1)

فلماذا لا يرجوا أهل مكة فيه الخير ؟! ولماذا لا يمتزج خوفهم واضطرابهم بالامل ؟! لقد رأىٰ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك الخوف والرجاء في وجوههم ، لكنه اراد ان يسمعه منهم ، فقال لهم : ماذا تقولون وتظنون ؟

فأجابه اهل مكة : نقول خيراً ونظن خيراً ، اخ كريم وابن اخ كريم وقد قدرت.

كان جواب اهل مكة مزيج من الخوف والامل ، فعبارة « قد قدرت » استخدمت للتعبير عن الخوف ، لكن العبارات التي سبقت ذلك كانت مفعمة بالرجاء لكن كفة الامل والرجاء كانت تفوق احتمال الانتقام.

ومن حقِّ أهل مكة ان يأملوا العفو والمسح من مثل ذلك الرجل العظيم ،

________________

(1) سورة الانبياء : 107.

٩٦

لأنه لو كان يريد الانتقام منهم ، لما اعطىٰ أبا سفيان الامان ، وجعل بيته مأمناً لأهل مكة ، فلماذا لا يأملوا بعد ذلك ، في حين ان ابا سفيان في خارج مكة عندما التقىٰ برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبعد ان شاهد جيش المسلمين وهو واقف مع العباس عمّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان قد سمع سعد بن عباد رئيس قبيلة الخزرج ، يقول بصوت عال :

اليوم يوم الملحمة ، اليوم تسبىٰ الحرمة ، اليوم تذل قريش.

فخاف أبو سفيان بعد سماعة ذلك الكلام ، واخبر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك ، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تخف يا ابا سفيان ، سعد مخطيء ، اليوم يوم المرحمة ، اليوم تصان الحرمة ، اليوم تعزّ قريش.

ألم يكن اهل مكة محقّون في رجائهم ؟ لذلك اجابوا الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وقالوا : نقول خيراً ونظن خيراً.

أما النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فعندما سمع جوابهم ذلك ، اغرورقت عيناه المباركة بالدمع ، وعندما رأىٰ ذلك أهل مكة تجلت امام اعينهم جميع اعمالهم السيئة السابقة ، فتذكروا التهم التي كالوها له ، والسباب والرمي بالحجارة والحصار في شعب ابي طالب ومهاجمة بيته ليلاً لقتله واجباره علىٰ ترك وطنه الىٰ يثرب ، ومئات الاعمال الاخرىٰ التي جعلتهم يقفون ذلك الموقف النادم اليوم ، وشاهدوا ايضاً ذلك الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي قاسىٰ ماقاساه منهم ، لكنه يقف اليوم ويعاملهم بلطف ورأفة وهو المنتصر والفاتح الذي يستطيع الانتقام.

فالخجل الذي اعتراهم من مواقفهم تلك من جهة ، والرأفة والحب الذي شاهدوه من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من جهة اخرىٰ ، اهاجتهم وجعلت اصواتهم ترتفع

٩٧

بالبكاء ، لقد كان الجميع يذرفون الدموع ، النادمون من سوء اعمالهم ، والمنتصرون الذين عادوا الىٰ وطنهم وحرروا قبلتهم ، حتىٰ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يذرف الدمع ، وبعد لحظات من تلك الحالة ، قال لهم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله : سأقول لكم ما قاله أخي يوسفعليه‌السلام لأخوته الذين غدروا به :

( قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) (1) .

صحيح انكم لم تنظروا فيّ انكم قومي وعشيرتي ، فأستبحتم ايذائي والوقوف بوجهي ، ولكن لا تخافوا « اذهبوا فأنتم الطلقاء » ، ولا يحق لاحد ان يتعرض لكم ولأموالكم.

وبهذه الكلمات المتقطبة ، خطّ علىٰ اعمالهم السيئة وغفر لهم اخطاء عشرين سنة بحقه.

اصدقائي الاعزاء !

أي واحدة من معجزات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله تستطيع ان تسخر قلوب اعتىٰ الاعداء مثل هذا الحدّ الذي يفوق تصور البشر ؟ ألم يكن هؤلاء الناس ، هم انفسهم الذين شاهدوا اكبر المعجزات علىٰ مدىٰ عشرين سنة ولم يأمنوا ولم تتغير نفوسهم ، بل كلما جاءهم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بمعجزة وآية جديدة ، كانوا يزدادون غضباً وغيضاً وتتحد صفوفهم اكثر في عدائه ، في حين ان العفو العام الذي أعلنه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو في الحقيقة من معجزاته الاخلاقية التي ليس لها ________________

(1) سورة يوسف : 92.

٩٨

مثيل ، استطاع ان يحرك عواطفهم ، للحد الذي تعالىٰ فيه صوت البكاء من تلك القلوب القاسية حتىٰ ملأ ارجاء مكة.

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يدعو بالسوء

وفي معركة اُحد ، بعد ان دحر جيش الاسلام قوىٰ المشركين ، وعلىٰ اثر غفلة المسلمين وعدم اطاعتهم أوامر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، استفاد جيش المشركين من تلك الفرصة ، وهجم من جديد علىٰ المسلمين ، فكانت نتيجة حملاته المتكررة والشديدة ان فرّ المسلمون الّا الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ونفر من المجاهدين الذين صمدوا رغم شدة البلاء ، وقد جرح الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وكسر سنّة وكان الخطر محيط به من كل جانب ، في تلك اللحظات ، قال له بعض اصحابه الذين صمدوا معه : ادعو يا رسول الله علىٰ اعدائك بالهلاك. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما بعثت لذلك ، وانما بعثت لأكون رحمة للعالمين.

اجل هذه النماذج قليلة من معاملة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لأعدائه.

معاملة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لغلمانه

المعاملة التي كانت للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله مع غلمانه ، لا يوجد مثيل لها الّا في عترته الطاهرة ، فلم يكن يُحسن إليهم فقط ، ويعاملهم كأفراد الاسرة ، بل وصىٰ المسلمين بهم كثيراً ، فقال : اطعموهم مما تطعمون والبسوهم مما تلبسون. ولم يطلب منهم يوماً القيام بعمل يذلّهم أو يكون لهم عاراً ، ولم يكن يشكل علىٰ

٩٩

اعمالهم.

يقول أنس الذي لازم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سنوات عديدة : خدمت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عشرة سنوات ، فلم يزجرني بكلمة ابداً خلال تلك الفترة ، ولم يشكل علىٰ ايّ عمل قمت به لرأفته ، ولم يؤاخذني علىٰ شيء لم افعله أو عمل قصرّت فيه.

ورأفته كانت بحيث يقول أنس : طلب مني النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يوماً ان انجز له عمل ، لكني شغلت في الطريق بمشاهدة لعب الاطفال ، فمضىٰ علىٰ ذلك وقت كثير ، وانا لازلت انظر الاطفال في لعبهم ، وفجأة رأيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يمسك بقميصي من الخلف ، ويقول لي وهو يبتسم : اذهب الىٰ ما أرسلتك اليه.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466