رحلتي من الظلمات إلى النّور

رحلتي من الظلمات إلى النّور12%

رحلتي من الظلمات إلى النّور مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 466

رحلتي من الظلمات إلى النّور
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 233581 / تحميل: 8001
الحجم الحجم الحجم
رحلتي من الظلمات إلى النّور

رحلتي من الظلمات إلى النّور

مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

وهكذا نلاحظ كثيراً من الأدلة القرآنية التي تؤيد هذا الأمر. إذن ما ذهب إليه الإمامية صحيح ، لا يخالف القرآن كما إدعاه البعض.

وبعد هذا البيان والدراسة في بحث (الغيب) ، ندخل في دراسة القصة الغيبية.

ب ـ أقسام القصة الغيبية :

سبق أن قلنا أنّ هذا النوع من القصص تعد أحداثها بتفاصيلها مصدرها الوحي ، فهذه القصص من قبيل الغيب الذي كشفه الله عَزّ وجَلّ لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم ، وهي غيب سواء أكانت في الماضي أو المستقبل ، فعلى هذا يمكن تقسيم القصة الغيبية إلى ما يلي :

الأول ـ قصص الماضي :

يحتوي القرآن الكريم على كثير من علوم الغيب ، خصوصاً ما جرى على الأمم الماضية ، فعلى سبيل المثال ما جاء في قصة يوسف عليه السلام مع اخوته حيث أوحى الله سبحانه إلى يوسف في قوله تعالى :( لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ) [يوسف / ١٥]. ففي الآية غيب موحى إلى يوسف ، وكذلك غيب موحى إلى نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم بإخبار الوحي له بما حصل ليوسف عليه السلام وأكّد على ذلك في قوله تعالى :( ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ ) [يوسف / ١٠٢]. إلى غير ذلك مما ذكره القرآن الكريم من أخبار الأمم الماضية ، فالقرآن ذكر تلك القصص على نحو الإختصار ، ثم جاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يوضحها ، فالملاحظ أنّ تلك القصص وما تضمنته من أحداث ليست في متناول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولم تحدث أمامه ، كما أنّه لم يُنشئها ولم يأخذها عن طريق غيره

١٠١

من المؤرخين ، بل مصدره الوحي ، وأخذ عنه أهل بيته عليهم السلام. «وذكر العلامة الجليل الورع الثقة النبيل ، السيد هاشم البحراني في كتابه (مدينة المعاجز) أكثر من ستمائة رواية في إخبارات الأئمة الإثني عشر صلوات الله عليهم»(١٠٥) .

الثاني ـ قصص المستقبل :

يتناول هذا اللون من القصص أموراً مختلفة كلها تتحدث عن أمور غيبية خاصة تحدث في الواقع ، ولو تأملنا ما ذكر في القرآن الكريم ، وعلى لسان النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ؛ لأمكن تقسيمه إلى ما يلي :

أولاً ـ أخبار تحققت في حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) :

رأى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في المنام ـ وكان ذلك في المدينة المنورة قبل أن يخرج إلى الحديبية ـ أنّ المسلمين دخلوا المسجد الحرام ، فأخبر بذلك أصحابه ففرحوا وحسبوا أنّهم داخلوا مكة عامهم هذا ، فلما إنصرفوا ولم يدخلوا مكة ؛ قال المنافقون : ما حلقنا ولا قصرنا ولا دخلنا المسجد الحرام. فأنزل الله هذه الآية :( لَّقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَٰلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا ) [الفتح / ٢٧]. وكان بين نزول الآية والدخول مدة سنة. وكان عام سبع للهجرة وتَمّ الفتح القريب من دونه ـ وهو صلح الحديبية ـ ، الذي كان مقدمة لفتح مكة سنة ثمان للهجرة.

ثانياً ـ أخبار تحققت بعد حياته :

وهذا ال نوع من القصص منه ما هو مشهور كأخبار آخر الزمان ، المسمى بـ(أحاديث الفتن والملاحم) ، ويندرج تحت هذا النوع كثير من الإخبارات ،

__________________

(١٠٥) ـ النمازي ، الشيخ علي الشاهرودي : مستدرك سفينة البحار ، ج ٨ / ٨٠.

١٠٢

كخبر الدابة التي تخرج للناس في آخر الزمان ، وقد جاء في القرآن الكريم خبرها في قوله تعالى :( وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ ) [النمل / ٨٢]. ومن أراد تفاصيل ذلك ؛ فليراجع كتب التفسير.

كما ورد على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم عدة إخبارات غيبية ، من أهمها ما يحل على أهل بيته عليهم السلام كإخباره بمقتل سبطه الحسين عليه السلام في كربلاء ، وقد ذكر منها ابن الأثير في ترجمة أنس بن الحارث حيث قال : «روى حديثه أشعث بن سحيم ، عن أبيه عن أنّه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : (إنّ ابني هذا يقتل بأرض من أرض ال عراق ، فمن أدركه فلينصره) ، فقتل مع الحسين عليه السلام»(١٠٦) .

وأيضاً إخباره عن الإمام المهدي عليه السالم ، وقد ذكرها علماء المسلمين ، لا ينكر ذلك إلا مكابر لا قيمة لرأيه.

ثالثاً ـ أخبار البعث والنشور :

لعلّ من أهم القضايا التي واجه بها نبينا الأعظم عليه السلام مشركي قريش قضية البعث والنشور ، فقد أنكر المشركون هذا الأمر باصرار عنيف ، واستغربوا من ذلك أشد الإستغراب ، وقد سجل القرآن الكريم هذا الإنكار في أكثر من آية ، منها ما يلي :

قوله تعالى :( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ * أَفْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ ) [سبأ / ٧ ـ ٨].

__________________

(١٠٦) ـ ابن الاثير ، علي بن محمد : أسد الغابة ، ج ١ / ١٢٣.

١٠٣

وقوله تعالى :( وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ) [الجاثية / ٢٤].

وقوله تعالى :( أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ *أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ *قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ *فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ ) [الصافات / ١٦ ـ ١٩].

وإزاء هذا الإنكار لهذه القضية ، إستخدم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم القصة في عرض البعث واليوم الآخر ، وأكّد على ذلك بأن نَزّل المستقبل منزلة الحار ، فهذه القصص في الوقت الذي تحمل الرد على المنكرين ، فإنّها تُؤكِّد الإيمان بالبعث والنشور ، كما أنّ هناك عاملاً جوهرياً يضاف إلى وجود هذا النوع من قصص العالم الآخر ، ووراء كثرته وتكراره أنّ ذلك العالم هو محل العقاب والثواب ، وقضية العقاب والثواب أساسية يتمد عليها منهج التربية في الشريعة الإسلامية ، من أجل قيام الإنسان المسلم على مبادئ دينه والإلتزام بها ، حيث سيظل وازع الإحساس بالمسؤولية ، ـ عما يقول أو يفعل ـ مائلاً أمامه من خلال تصوره لحياة أخرى يؤمن بأنّه سيجازي فيها على سلوكه ، على الخير بالخير في الجنة والنعيم ، وعلى الشر بالشر في النار والعذاب ، كما في قوله تعالى :( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ *وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) [الزلزلة / ٧ ـ ٨].

١٠٤

٣ ـ القصة الخيالية

أ ـ الخرافية

ب ـ التمثيلية

ج ـ الخيال العلمي

١٠٥
١٠٦

٢ ـ القصة الخيالية :

هي حكايات يبتدعها خيال المؤلف ، قد تكون نثراً أو نظماً ، والروايات والقصص القصيرة ، هي من أشهر أشكال قصص الخيال رواجاً ، وسمات هذه القصص أنّها تحتوي على عناصر خيالية ، إما كلياً أو جزئياً ، وهذه العناصر تشمل الشخصيات والأوضاع المحيطة ، وفي بعض قصص الخيال تكون العناصر الخيالية واضحة ـ أي بعيدة عن الواقع ـ مثل القصة الإطارية ، وهي قصة تروي في إطارها مجموعة من الحكايات ، ومن أحسن الأمثلة عليها قصة شَهْرَيَار الملك وشَهْرَزَاد في كتاب (ألف ليلة وليلة) ، ومع ذلك ليس من الضروري أن تختلف كثيراً عن الواقع ؛ إذ أنّ كثيراً من نماذج قصص الخيال تمثل شخصيات قريبة من الواقع ، وتصف أوضاعاً واقعية ، وبعض القصص ترتكز على شخصيات وحوادث حقيقية ، وتدمج عادة العناصر الواقعية في قصص الخيال مع الأوضاع والشخصيات والحوادث الخيالية ، والغرض الرئيس لمعظم قصص الخيال هو التسلية ، إلا أنّ هناك بعض الأعمال الجادة من قصص الخيال التي تحفز العقل وتدعو إلى التفكير عن طريق إيجاد الشخصيات ، ووضعها في مواقف محددة ، وتأسيس وجهات النظر ، ويقوم مؤلفو قصص الخيال الجادة بتوضيح الأحكام المميزة بين الأشياء ، وهذه الأحكام تتناول المسائل الأخلاقية والفلسفية والنفسية والإجتماعية ، ولعلّ أهم ما يمكن دراسته من أقسامها هي التالي :

أ ـ الخرافية :

الخُرافَة : «الحديث المستملح من الكذب. وقالوا : حديث خرافة ، ذكر إبن الكلبي في قولهم حديث خرافة أنّ خرافة من بني عُذْرَة أو من جُهَيْنَة ، إختطفته الجن ، ثم رجع إلى قومه فكان يُحدث بأحاديث مما رأى يعجب منها

١٠٧

الناس ، فكذبوه فجرى على ألسن الناس»(١٠٧) . وعُرِّفت الخرافة أيضاً بـ«معتقد لا عقلاني أو ممارسة لا عقلانية. والخرافات قد تكون دينية ، وقد تكون ثقافية أو إجتماعية. فمن الخرافات الدينية إيمان بعض المشلولين أو المقعدين ، بقدرة قديس بعينه أو قديسة بعينها على شفائهم.

ومن الخرافات الثقافية أو الإجتماعية ، إيمان كثير من الناس بأنّ الخرزة الزرقاء تدفع الشر ، وبأنّ نعل الفرس مجلبة للخير»(١٠٨) وبعد هذا التعريف فالحكاية الخرافية : «قصة أو حكاية خيالية قصيرة ذات مغزى في معظم الحكايات الخرافية ، يمثل واحد أو أكثر من الشخصيات حيواناً أو نباتاً أو شيئاً يتكلم ويتصرف كمخلوق بشري ، ويمكن أن نُقص الحكاية الخرافية نثراً أو شعراً ، وفي عديد من الحكايات يمكن تلخيص المراد من القصة ، أو مغزاها في النهاية على شكل مثل شعبي»(١٠٩) .

وهذا النوع من القصة الخيالية لا قيمة له على المستوى الديني ، لا في القرآن الكريم ، ولا في السنة النبوية.

ب ـ التمثيلية :

لست بصدد دراسة القصة التمثيلية من جميع جوانبها ، وإنّما الهدف هو التعريف بها من بعض جوانبها ، في القرآن الكريم والسنة النبوية ، والذي يهمنا بحثه هو التالي :

__________________

(١٠٧) ـ ابن منظور ، محمد بن مكرم : لسان العرب ، ج ٩ / ٦٥ ـ ٦٦.

(١٠٨) ـ البعلبكي ، منير : موسوعة المورد العربية ، ج ١ / ٤٦١.

(١٠٩) ـ الموسوعة العربية العالمية ، ج ٩ / ٤٨١.

١٠٨

١ ـ التعريف بالمثل :

يطلق المثل على معانٍ ثلاثة ، هي كالتالي :

الأول ـ المثل السائر :

هو كلمة موجزة قيلت في مناسبة تناقلتها الأجيال بدون تبديل ، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (إنّ من البيان لسحرا)(١١٠) ، قال الميداني : «يعني أنّ بعض البيان يعمل عمل السحر ، ومعنى السحر : إظهار الباطل في صورة الحق ، والبيان : إجتماع الفصاحة والبلاغة ، وذكاء القلب مع اللسَنِ ، وإنما شُبّه بالسحر ، لحدّة عمله في سامعه وسرعة قبول القلب له. يضرب في إستحسان المنطق ، وإيراد الحجة البالغة»(١١١) . والهدف منه مقصور على التطبيق.

الثاني ـ المثل القياسي :

ويقصد به البيانيون متشكل من أي وصف أو قصة أو تصوير رائع لتوضيح فكرة ، عن طريق تشبيه يسميه البلاغيون (التمثيل المركب) لتقريب أمر معقول من محسوس يجمع بذلك بين عمق الفكرة ، وجمال التصوير ولم يقصر على سماع أو نقل ، والإهتمام بصياغة الفكر فيه أكثر من إقتباس مثل سائر ، وحاصل القياسي : هو ما يخلقه المتمثل لغرض ينشده ، ومن نماذجه في القرآن الكريم ، قوله تعالى :( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ) [النحل / ١١٢]. فالآية فيها إستعارة تمثيلية ؛ حيث أخذ اللباس في الجوع والخوف الدال على إستعمالها لمن

__________________

(١١٠) ـ الميداني ، احمد بن محمد النيسابوري : مجمع الأمثال ، ج ١ / ٧.

(١١١) ـ نفس المصدر.

١٠٩

كفر بأنعم الله تعالى ـ الأمن والصحة والكفاية في الرزق وغيرها من النعم التي لا تحصى ـ ، ولو إكتفى بالإذاقة لفات ذلك. وفي الأمثال النبوية قوله صلى الله عليه وآله وسلم : (أيها الناس إياكم وخضراء من الدِمَن. قيل يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : وما خضراء الدمن؟ قال : المرأة الحسناء في منبت السوء)(١١٢) .

قال الشريف الرضي : «... أنّه عليه الصلاة والسلام نهى عن نكاح المرأة على ظاهر الحسن ـ وهي منبت السوء ، أو في البيت السوء ـ ، فوجه المجاز في هذا القول ، أنّه عليه الصلاة والسلام ، شَبّه المرأة الحسناء بالروضة الخضرة لجمال ظاهرها ، وشبّه منبتها السوء بالدِمْنَة لقباحته ، والدِمْنَة هي : الأبعار المتجمعة تركبها السوافي ، ويعلوها الهابي ، فإذا أصابها المطر أنبتت نباتاً خضراء يروق منظره ويسوء مخبره ، فنهى عليه الصلاة والسلام عن نكاح المرأة إذا كانت مغموضة في نفسها ، أو مطعوناً عليها في نسبها ، لأنّ أعراق السوء تنزع إلى ولدها ، وتضرب في نسلها ، قال الشاعر :

وأدركنه خالاته فخذلنه

ألا إنّ عِرق السوء لا بدّ مدرك(١١٣)

وفي السيرة الحسينية ما جاء في خطبته في مكة المكرمة : «خُطّ الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة ، وما أولهني إلى أسلافي إشتياق يعقوب إلى يوسف ، وخِيرَ لي مصرع أنا لاقيه ، فكأنّي بأوصالي تُقطعها عُسْلَان الفَلوات بين النَوَاوِيس وكربلا ، فيملأن مني أكراشاً جُوفَاً ، وأجْرُبَة سُغُبَاً»(١١٤) .

__________________

(١١٢) ـ الغروي ، الشيخ محمد : الأمثال النبوية ، ج ١ / ٢٧٢.

(١١٣) ـ الشريف الرضي ، محمد بن الحسين : المجازات النبوية / ٦٠ ـ ٦١.

(١١٤) ـ السماوي ، الشيخ محمد طاهر : إبصار العين في أنصار الحسين / ٦.

١١٠

إنّ بلاغة هذه الخطبة وعُلو مضمونها ، يوجب لنا الإطمئنان بصدورها عن سيد الشهداء عليه السلام ، كما أنّها على وجازتها تضمنت نهج الحسين عليه السلام وهدفه ، ونهايته ووصف مصرعه ومكانه ، والذي يهمنا بحثه ـ هنا ـ بيان بعض أوجهها البلاغية ، المتمثلة فيما يلي :

أولاً ـ عَبّر الحسين عليه السلام عن الموت الذي هو طبيعي للبشر بأنّه : (خط مخط القِلادة على جِيدْ الفَتاة). وهذا التعبير براعة إستهلال عجيبة المعنى ؛ حيث أنّ مخط القلادة يراد منه شيئين :

أ ـ إسم مكان : وهو موضع خط القلادة ـ وهي الجلد المستدير من الجيد ـ ، فكما أنّ ذلك الجلد لازم على الرقبة ، كذلك الموت على ولد آدم.

ب ـ إسم مصدر : والمراد به نفس الخط ، فيكون معنى ذلك : أنّ الموت دائرة لا يخرج ابن آدم عن وسطها ، كما أنّ القلادة دائرة لا يخرج الجيد منها حال تقليده. فإذا كان الموت لابد منه ؛ فليختر الإنسان أفضل ميتة ، وأعظمها شرفاً ونفعاً ، وإن أدّت إلى تقطيع أوصاله.

ثانياً ـ إختيار الحسين عليه السلام لنفسه الموتة الكريمة ، التي هي مرتبطة بأمر السماء التي تتم فيها شهادة الحسين وسعادته ، وسعادة من سار على نهجه ، لقد قضي الأمر وتمت الخيرة ، وكيفية القتلة ومكانها وعَبّر عن ذلك بقوله : (وخِير لي مصرع أنا لاقيه ، كأنّي بأوصالي تُقَطّعها عُسْلَان الفَلوات ، بين النَواوِيس وكربلاء).

فعسلان الفلوات : هي الذئاب ، ولعلّ الحسين عليه السلام يعني بها ـ مجازاً ـ الوحوش البشرية من أعدائه التي وَزّعت جسده الطاهر ، وتركته بالعراء وسلبته ووطأته بالخيول ، ثم تركته بلا مواراة ثلاثة أيام ، وقد عَبّر عن وحشيتهم بقوله

١١١

(فيملأن مني أكراشاً جُوْفَاً ـ أي واسعة ـ ، وأجربة سُغُباً ـ أي البطون الجائعة ـ ، وهذا تعبير عن شدتها وكثرة أكلها من دون محام ولا دافع عن الأعضاء المقطعة ، ويُؤَيّد هذا المعنى ما قاله لأصحابه لما نزل بَطْن العَقَبة : «ما أراني إلا مقتولاً ، فإنّي رأيت في المنام كلاباً تنهشني ، وأشدّها عليّ كلب أبقع»(١١٥) . أراد الحسين عليه السلام أن يُبيّن للمسلمين من خلال خطبته ، تلك الجريمة النكراء التي إقترفها الأمويون في حق البيت النبوي الطاهر ، ومدى اللثم والخسة في نفوس أعدائه ، حيث إمتدت تلك الجريمة ـ بعد تقطيع الحسين عليه السلام بالسيوف ، ووطئ جثته بالخيول ـ لتدخل الرعب والهلع في نفوس النساء والأطفال ، وتُعَرِّضَهم للعطش والحرق والسحق والأسر وضرب السياط ، وبهذا أراد الحسين عليه السلام أن يسجل على صفحات التاريخ ، صوراً من البطش والهمجية التي لا يرتكبها إلا الذئاب المفترسة والوحوش الضارية.

الثالث ـ مطلق ما يسمى بالمثل :

سواء فيه المثل السائر ، والقياسي والفرضي المعروف بالخياليات التي صنعت للإعتبار والموعظة ، كفرضيات كتاب (كليلة ودمنة) ، وكل وصف به نوع غرابة أو إعجاب زائد ، كقوله تعالى :( مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ .) [محمد / ١٥]. المستفاد من كلمات اللغويين أنّ المثل بمعنى التمثيل والتنظير ، وسمي المثل مثلاً لأنّه ماثل بخاطر الإنسان ؛ أي شاخص به. يقول الجوهري : «ومثلت له كذا تمثلاً إذا صَوّرت له مثاله

__________________

(١١٥) ـ المقرّم ، السيد عبد الرزاق الموسوي : مقتل الحسين / ١٨١.

١١٢

بالكتابة وغيرها»(١١٦) . فكأنّ مراد الجوهري الصورة بالكتابة والتمثال بخير الكتابة ؛ لأنّ غير الكتابة إما يكون وصفاً ؛ فهو أمر تخييلي محض ، وإما أن يكون عملاً يدوياً محسوساً فهو التمثال. فيكون الغاية من سوق المثل والتنظير له إقامة الحجة أو إظهار آية دالة على شيء ما. فالأسلوب في الآية عرضها مثول وانتصاب لحقيقتها أمام الناظر. ومن هذا الباب ما جاء عن الحسين عليه السلام في اليوم العاشر من المحرم ، حينما إستدعى ابن سعد ومَثّل له نهايته ، حيث قال له : «أي عمر ، أتزعم أنك تقتلني ويوليك الدّعي بلاد الرّي وجُورجَان ، والله لا تهنأ بذلك ، عهد معهود فاصنع ما أنت صانع ، فإنّك لا تفرح بعدي بدنيا ولا آخرة ، وكأنّي برأسك على قصبة يتراماه الصبيان بالكوفة ، ويتخذونه غرضاً بينهم ، فصرف بوجهه عنه مغضباً»(١١٧) .

وعند خروج الأكبر عليه السلام إلى الميدان ؛ صاح بعمر بن سعد : «مالك؟! قطع الله رحمك كما قطعت رحمي ، ولم تحفظ قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسَلّط عليك من يذبحك على فراشك»(١١٨) .

٢ ـ أهمية المثل :

للمثل أهمية كبرى يمكن تلخيصها فيما يلي :

١ ـ إنّ أهمية الأمثال بيانية ، حيث لم يكن في كلام العرب أوجز منها ، ولا أشد إختصاراً. قال إبراهيم النظام : «إجتمع في المثل أربعة لا تجتمع في

__________________

(١١٦) ـ الجوهري ، إسماعيل بن حَمّاد : تاج اللغة وصحاح العربية ، ج ٥ / ١٨١٦.

(١١٧) ـ المقرّم ، عبد الرزاق : مقتل الحسين / ٢٣٥.

(١١٨) ـ نفس المصدر / ٢٥٧.

١١٣

غيره من الكلام : إيجاز اللفظ ، وإصابة المعنى ، وحسن التشبيه ، وجودة الكناية ، فهو نهاية البلاغة»(١١٩) .

٢ ـ إنّ المقصود من ضرب الأمثال ، أنّها تؤثر في القلوب ما لا يؤثره وصف الشيء في نفسه ؛ وذلك لأنّ الغرض في المثل أن تنفعل به النفوس ، وتؤمن به القلوب ، فإن كان مدحاً ؛ كان أبهى وأفخم وأنبل في النفوس ، وأعظم وأهز للعطف ، وأسرع للإلف ، وأذكر وأيسر على الألسن ، وأولى بأن تعتلقه القلوب وأجدر. وإن كان ذماً ؛ كان مَسّه أوجع ، ووقعه أشدّ ، وحَدّه أحد. ومن هذا ما ورد في الخطب الحسينية في الطريق وفي كربلاء. وكذلك ما ورد عن أهل بيته عليهم السلام أثناء الخطب في الكوفة ، ويمكن التركيز منها على ما يلي :

المثل في خطب الإمام الحسين (عليه السلام) :

قال عليه السلام لابن عباس : «والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العَلَقَة من جوفي ، فإذا فعلوا ذلك ؛ سَلّط الله عليهم من يذبهم ، حتى يكونوا أذلّ من فِرَام المرأة»(١٢٠) .

وقال أثناء طريقه إلى الكوفة : «إنّ هؤلاء أخافوني ـ وهذه كتب أهل الكوفة ـ وهم قاتليَّ ، فإذا فعلوا ذلك ولم يدعوا الله محرماً إلا انتهكوه ؛ بعث

__________________

(١١٩) ـ الغروي ، الشيخ محمد : الأمثال النبوية ، ج ١ / ١٠.

(١٢٠) ـ المقرّم ، السيد عبد الرزاق : مقتل الحسين / ٢٣٤.

١١٤

الله إليهم من يقتلهم ، وحتى يكونوا أذلّ من فِرَام الأمّة»(١٢١) . وخاطب الأعداء يوم عاشوراء بقوله : (يا عَبيد الأمّة)(١٢٢) تحقيراً لهم.

إيضاح أهم مفردات المثل الحسيني :

الفِرَام : ورد في كتب اللغة أنّ (الفِرَام) : دواء تُضيِّق به المرأة المسلك ، أو حب الزبيب تحتشى به لذلك ، وكانت في أحراح ثقيف سعة يتضيقن بعجم الزبيب. والفرامة : هي الخرقة تحتشي بها المرأة عند الحيض كالفِرَام ، وفيها يقول الشاعر :

وجَدْتُك فيها كأمِّ الغلام

متى ما تَجِدْ فَارِما تَفْترِم(١٢٣)

وأيضاً قال في (بَطْن العَقَبة) : «إنّهم لن يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جَوفي ، فإذا فعلوا ذلك ؛ سَلّط الله عليهم من يذلهم ، حتى يكونوا أذلّ فرق الأمم»(١٢٤) .

وقال في (الرُهَيَمة) : «وطلبوا دمي فهربت ، وأيم الله ليقتلوني فيلبسهم الله ذِلّاً شاملاً ، وسيفاً قاطعاً ، ويسلط عليهم من يذلهم ، حتى يكونوا أذلّ من قوم سَبأ ؛ إذ ملكتهم إمرأة فحكمت في أموالهم ودمائهم»(١٢٥) . هذه بعض الأمثال الحسينية الواردة في خطبه عليه السلام.

__________________

(١٢١) ـ المصدر السابق / ١٧٥.

(١٢٢) ـ نفس املصدر / ١٦٨.

(١٢٣) ـ ابن منظور ، محمد بن مكرم : لسان العرب ، ج ١٢ / ٤٥١ ـ ٤٥٢.

(١٢٤) ـ المقرم ، السيد عبد الرزاق : مقتل الحسين / ١٨١.

(١٢٥) ـ نفس المصدر / ١٨٥.

١١٥

وإن كان وعظاً ؛ كان أشفى للصدر ، وأدعى للفكر ، وأبلغ في التنبيه والزجر ، ويبصر الغاية.

المثل في خطبة السيدة زينب (عليها السلام) في الكوفة :

ومما ورد في الخطبة الزينبية التي خطبتها في الكوفة ـ من الأمثال ما يلي : «الحمد لله ، والصلاة على أبي محمد وآله الطيبين الأخيار ، أما بعد يا أهل الكوفة ، يا أهل الخَتَل والغَدْر ، أتبكون؟! فلا رقأت الدمعة ، ولا هدأت الرنّه ، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً ، تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم»(١٢٦) . تشير أم المصائب زينب عليها السلام إلى قوله تعالى :( وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) [النحل / ٩٢].

وبعد مراجعة كتب المفسرين حول هذه الآية ؛ نخرج بالنتيجة التالية :

أولاً ـ هذا مثل قرآني يشير إلى المرأة التي غزلت ثم نقضت غزلها من بعد إمرار وفَتلٍ للغزل ؛ وهي إمرأة حمقاء من قريش ، واسمها رَيطَة بنت عمرو ، بن كعب ، بن سعد ، بن تميم ، بن مُرّة ، وكانت تسمى خَرْقَاء مكة ، كانت تغزل مع جواريها إلى إنتصاف النهار ، ثم تأمرهن أن ينقضن ما غزلن ، ولا يزال ذلك دأبها.

ثانياً ـ هذا نهي من الله للمكلفين أن يتصفوا بالصفات المذكورة في الآية ، المندرجة تحت الألفاظ التالية :

__________________

(١٢٦) ـ المصدر السابق / ٣١١.

١١٦

١ ـ أنْكَاثاً : جمع نِكْث ، وكل شيء نقض بعد الفتل ؛ فهو أنكاث حبلاً كان أو غزلاً.

٢ ـ دَخَلاً : الدَخَل ، ما أدخل في الشيء على فساد ، فالمراد بالدخل وسيلته ، من تسمية السبب باسم المسبب ؛ أي وسيلة للغدر والخدعة والخيانة ؛ تطيبون بها نفوس الناس ثم تخونون وتدعونهم بنقضها. ومعنى ذلك : أنكم كمثلها ، إذا تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم فتؤدونها وتعقدونها ، ثم تخونون وتخدعون بنقضها ونكثلها ، والله ينهاكم عنه.

٣ ـ أرْبَى : أي أكثر عدداً ومنه أربا فلان للزيادة التي يزيدها على غريمة في رأس ماله. ومعنى ذلك لا ينقضوا العهد بسبب أن يكون قوم أكثر من قوم ؛ أي لا تنقضوا عهدكم ، متخذيها دغلاً وغدراً وخديعة ، لمداراتكم قوماً هم أكثر عدداً ممن عاهدتم له ، بل عليكم الوفاء والحفظ لما عاهدتم عليه. فالسيدة زينب عليها السلام تذكرهم وتوبخهم بالعهد والبيعة لسيد الشهداء عليه السلام التي نقضوها ، وشبهتهم بالمرأة التي نقضت غزلها من بعد قوة ، إلى أن قالت : «ألا وهل فيكم إلا الصَلَف النَطَف ، والعجب والكذب والشَنِف ، ومَلِق الإماء ؛ وغَمَز الأعداء؟!» وفي هذا المقطع عَبّرت عنهم بألفاظ تعيبهم وتكشفهم بها توبيخاً لهم (فالصَلَف) : الذي يمتدح بما ليس عنده. وفي حديث المؤمن : (لا عنف ولا صَلَف) ، يقال : سحاب صلف ، إذ كان قليل الماء ، كثير الرعد ، وفي المثل (رُبّ صَلَف تحت الرَاعِدَة) يضرب للرجل يتوعد ثم لا يقوم فيه»(١٢٧) .

__________________

(١٢٧) ـ الطريحي ، الشيخ فخر الدين : مجمع البحرين ، ج ٥ / ٨٢.

١١٧

(والنَطَفَ) : «القذف بالفجور ، أو الفساد ، أو الشر»(١٢٨) .

(والشنف) : المبغض(١٢٩) .

(ومَلِق الإماء) :

«المَلأِق : الضعيف. أو التودد والتذلل ، وإبداء ما باللسان من الإكرام والودّ ما ليس في القلب»(١٣٠) .

(وغَمَز الأعداء) :

«الغَمَز : الضعف والميل والعيب»(١٣١) ؛ أي أنتم ضعاف في عقولكم وعملكم بحيث إستزِهدكم الأعداء ، وسخروا بكم بإطاعتكم لهم. إلى أن قالت : «أو كَمَرْعَى على دِمّنَة ، أو كقَصّةٍ على مَلْحُودَة».

(الدِمنَة) :

«هي ما تُدمّنُه الإبل والغنم بأبوالها وأبعارها ؛ أي تلبّده في مرابضها ؛ فربما نبت الحسن النضير. ومنه الحديث : (فينبتون نبات الدِّمن في السيل) ، هكذا جاء في رواية بكسر الدال وسيكون يرعى البعير ؛ لسرعة ما ينبت فيه»(١٣٢) .

وقيل الدِّمنة : هي المنزل الذي ينزل فيه أخيار العرب وتحصل فيه بسبب نزولهم تغيّر في الأرض بسبب الأحداث الواقعة منهم ومن مواشيهم ، فإذا أمطرت أنبتت نبتاً حسناً شديد الخضرة والطراوة ؛ لكنّه مرعى وَبِيء للإبل

__________________

(١٢٨) ـ لويس ، معلوف : المنجد في اللغة / ٨١٦.

(١٢٩) ـ نفس المصدر / ٤٠٤.

(١٣٠) ـ نفس المصدر / ٧٧٤.

(١٣١) ـ نفس المصدر / ٥٥٩.

(١٣٢) ـ ابن الأثير ، المبارك بن محمد الجزري : نهاية في غريب الحديث ، ج ٢ / ١٣٤.

١١٨

مُضرّبها)(١٣٣) . ومن هذا ، ما ورد في الحديث النبوي (.. إياكم وخَضْرَاء الدِّمن ، وقيل يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : وما خضراء الدِّمن؟ قال : المرأة الحسناء في منبت السوء)(١٣٤) .

قال الشريف الرضي (ره) : «والقول الآخر : أن يكون عليه الصلاة والسلام ؛ إنّما نهى في الحقيقة عن تغارض النفاق وتعاير الأخلاق ، وأن يتلقى الرجل أخاه بالظاهر الجميل ، وينطوي عن الباطن الدميم ، أو يخدعه بحلاوة اللسان ، ومن خلفها مرارة الجنان ، وإلى هذا المعنى ذهب الشاعر في قوله :

وقد يَنْبُتُ المرْعَى على دِمَنِ الثّرَى

وتَبْقَى حَزَازَاتُ النفوس كما هِيَا

كأنه أراد ، إنا وإن لقيناكم بظاهر الطلاقة والبشر ، فإنّا نضمر لكم على باطن الغش والغمز ، ومثل هذا قول الآخر :

وفِينَا وإن قِيلَ إصْظَلحْنَا تَضَاغُنٌ

كما طرّ أوبارُ الجِرَابِ على النّشْرِ

وقال أهل العربية : النشر أن ينبت وبر البعير وتحته داء العرّ ؛ وهو الجرب فيرى كأن ظاهره سليم وباطنه سقيم»(١٣٥) ، وبعد هذا الإيضاح يظهر لنا مغزى ما يستفاد من كلام السيدة زينب عليها السلام ، حيث أنّ الغرض هو التعريف بأن الدِّمنَة وإن زها ظاهرها بالنبت ، إلا أنّه لا يفيد الحيوان قوة ؛ لأنّها مجمع الأوساخ والكشافات السامة القاتلة ، فنتاج الدِّمنة لا يكون طيباً ، وأهل الكوفة وإن زها

__________________

(١٣٣) ـ الطريحي ، الشيخ فخر الدين : مجمع البحرين ، ج ٦ / ٢٤٨.

(١٣٤) ـ الحر العاملي ، الشيخ محمد بن الحسن : وسائل الشيعة ، ج ٢٠ / ٣٥ (الباب ٧ من أبواب مقدمات النكاح ـ الحديث ٧).

(١٣٥) ـ الشريف الرضي ، محمد بن ابي احمد الحسين : المجازات النبوية / ٦١.

١١٩

ظاهرهم بالإسلام ؛ إلا أنّ الصدور إنطوت على قلوب مظلمة لا يصدر منها إلا بما يقوم به أهل الجاهلية والإلحاد»(١٣٦) .

(أو كقَصّةٍ على مَلْحُودة) :

«القَصّةُ والقِصّة والقَصُّ ، الجَصّ : لغة حجازية. وقيل : الحجارة من الجَصّ ، وقد قصّصَ داره ، أي جصّصَها. ومدينة مُقصّصَة : مطلية بالقصّ ، وكذلك قبر مُقصّصٌ ، والتقصيص : هو التجصيص ، وذلك أنّ الجَصّ يقال له ، القَصّة. يقال : قصصت البيت وغيره ؛ أي جصّصته. وفي حديث زينب (يا قَصّةٌ عُلى مَلحُودَةٍ) ؛ شبهت أجسادهم بالقبور المتخذة من الجصّ ، وأنفسهم بجيف الموتى التي تشتمل عليها القبور»(١٣٧) .

قال السيد المقرّم (ره) : «والذي أراه ، أنّ النكتة في هذه الإستعارة ، أنّ القصّة بلغة الحجاز الجصّ ، والملحودة ؛ القبر لكونه ذا لحد ، فكان القبر يتزين ظاهره ببياض الجصّ ، ولكن داخله جيفة قذرة ، وأهل الكوفة وإن تزين ظاهرهم بالإسلام ، إلا أنّ قلوبهم كجيف الموتى ؛ بسبب قيامهم بأعمال الجاهلية الوخيمة العاقبة من الغدر وعدم الثبات على المبادئ الصحيحة ؛ وقد إنفردت (متتمة الدعوة الحسينية) بهذه النكات البديعة ، التي لم بسبقها مهرة البلغاء إليها»(١٣٨) .

إلى أن قالت عليها السلام : (ولقد أتيتم بها خَرْقَاء ، شَوْهَاء كِطلَاعِ الأرض ، ومِلء السماء).

__________________

(١٣٦) ـ المقرم ، السيد عبد الرزاق : مقتل الحسين / ٣١١ (بتصرف).

(١٣٧) ـ ابن منظور ، محمد بن مكرم : لسان العرب ، ج ٧ / ٧٦ ـ ٧٧.

(١٣٨) ـ المقرم ، السيد عبد الرزاق : مقتل الحسين / ٣١٢.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

البروجردي ».

كانت هذهِ خلاصة ما نشر من لقاء الدكتور چهرازي مع السيد البروجردي.

٤٠١

القمار واضراره

الدكتور : ايها العمّ ، لا ننسىٰ ان القتل الذي حدث في القطار لم يكن سببه الوحيد المشروب ، بل كان للقمار ايضاً دوراً فيه. لذلك سنكون ممتنين لك لو حدثتنا عن القمار ومفاسده ايضاً.

الشيخ : القمار من المواضيع الواضح ضررها ومفاسدها علىٰ جميع الناس ، وقد قامت بعض الدول بمنعها تماماً. اما تلك الاضرار فهي كالتالي :

١ ـ الاضرار الاقتصادية :

يمكن ان يوجه القمار اكبر ضربة اقتصادية للشخص ، لانه كثيراً ما يحدث ان شخصاً يقوم بجمع ثروة علىٰ مدىٰ العمر من خلال النشاط والتعب. لكنه يفقدها خلال ليلة او ليالي متوالية في لعب القمار ، ويعود الىٰ بيته بيد خاوية إلّا من الندم.

فالمقامر المسكين وبعد اول لعبه يتصور انه سيربح في الدور الآخر وهكذا يلقي بنفسه في التهلكة ويبدأ باللعب. فلو ربح يسوقه طمعه الىٰ لعب اكثر وإذا خسر يحاول جبران ما فقده في الادوار التالية ، وهكذا يتورط في اللعبة للحد الذي يصبح من روادها الدائمين ، فأما ان يفقد ثروته ويتحول الىٰ فقير في ليلة واحدة او ليالي قليلة ، او انه يصبح من اولئك الذين يفرغون

٤٠٢

جيوب الآخرين ويحولون حياتهم الىٰ شقاء وتعاسة.

٢ ـ الاضرار الاخلاقية ؟

يُعد القمار من آفات الاخلاق والفضائل النفسانية ، والقمار يسبب لصاحبه ( المقامر ) السهر وعدم النوم ( خاصة اذا كان المقامر خاسراً ) ، وتسلب الراحة من حياته ، ويكون عصبياً علىٰ الدواء وسيء الخلق ، وبشكل دائم يفكر بحلّ يعوض فيه ما فقده ، لذلك يصبح حساساً ، ولا يستطيع السيطرة علىٰ اعصابه ، يثور لأبسط شيء ، لهذا يشاهد المقامرون في حالة تفكير وقلق علىٰ الدوام ، تخلو وجوههم من اي نشاط وبسمة ، كما ان المقامرين غالباً ما يصابون بأمراض من قبيل : البخل والحسد والعصبية والتشاؤم والانكسار النفسي.

٣ ـ تأثيرات القمار السيئة علىٰ الاسرة :

طبيعي ان المقامر الذي يصاب بانحرافات اخلاقية وبسبب السهر وعدم النوم والتفكير سيصاب بضعف عصبي ، وسيثور مقابل اقل تحريك او حادث وسيكون سيء الظن بالجميع.

ويديهي جداً ان اول من سيواجه هذه الحالة في المقامر هم اعضاء اسرته المسكينة من الزوجة والابناء ، وتكون تلك الاسرة المنكوبة والشقية مضطرة لمعاشرة انسان سيء الخلق عبوس عصبي المزاج ، لذلك كثيراً ما يحدث ان

٤٠٣

تنتهي مشاجرات بسيطة في مثل تلك الاسر الىٰ الطلاق والتشتت.

٤ ـ القمار سبب في الجريمة

كثيراً ما يحدث ان يفقد شخصاً كل اتعاب حياته في ساعات معدودات من لعب القمار ، خاصة اذا كان شخصاً محترماً ووجيهاً ، فانه سيفكر بعدم استطاعته دخول مجال النشاط الاقتصادي والكسب بيد خاوية ، لانه فقد بهذه الاعمال الاثيمة ثروته وحيثياته الاجتماعية ، وسوف لن يجد طريقاً امامه إلّا الانتحار. وبتصوره انه سينجو من جميع تلك الآلام والافكار بهذا العمل.

فأحد الارجنتينيين فقد في مدة ١٦ ساعة جميع ثروته البالغة اربعة ملايين دولار ، وبعد ان اغلقت ابواب النادي ، اتجه مباشرة الىٰ احدىٰ الغابات وافرغ في رأسه طلقة من مسدسه.(١)

وتذكر احدىٰ المجلات الاسبوعية : « ان معدلات الانتحار بسبب القمار في تزايد مستمر ، ومن خلال احصائية نشرتها مؤسسة غالوب ، يتّضح أنه في سنة ١٩٦١ سُجل اعلىٰ معدل لانتحار المقامرين ، ففي باريس انتحر اثنا عشر مقامراً في السنة الماضية(٢) .

وكثيرة مثل هذه الجرائم التي تنتج بسبب القمار ، فضلاً عن التشاجر

__________________

(١) مجلة المثقف ٣ / ١ / ١٣٦٢.

(٢) مجلة المثقف ، العدد ٧ سنة ١٣٦٣.

٤٠٤

والتقاتل بالسكاكين الذي يحدث خلال العب ، لان تقابل مقامرين سيئي الخلق وحساسين يجعلهما مثل المادة المتفجرة مهيئين في كل لحظة للانفجار ويكفي لذلك شرارة بسيطة تنطلق من احد الطرفين. وهذا الخبر هو نموذج لمثل تلك الجرائم :

احد المقامرين الذين وجه لمقامر آخر ثلاث طعنات بالسكين في خاصرته ، اردته قتيلاً ، قال عند استجوابه من قبل الشرطة : « لقد غلبني اموال كثيرة في اللعب ، ولم يكن مستعداً ان يستمر في اللعب معي ، ورغم اصراري لم يقبل واراد ان يهرب ، فتبعته و ».

وفي بعض الاحيان يكون القمار لوحده سبباً في موت المقامر ، للتبعات السيئة التي يتركها ، وفي هذا الصدد ، استمعوا الىٰ هذا الخبر.

« توصل احد الاطباء الامريكيين بعد سنوات من الابحاث الىٰ هذه النتيجة ، وهي انه في امريكا يموت سنوياً اكثر من الفي شخص بسبب القمار ، واثبت الطبيب ان ضربات قلب المقامر ترتفع بشدّة اثناء اللعب ، وان قلب مقامر ماهر تزيد ضرباته علىٰ المائة في الدقيقة ، وهذا النبض غير الطبيعي يجعل المقامرين يموتون وهم خلف منضدة اللعب ، او انهم يهرمون قبل سنّ الهرم بعشرة او خمسة عشر سنة ».

٥ ـ الاضرار الاقتصادية للقمار

القمار يوقف العجلة الاقتصادية لملجتمع ، وتعلل في النشاطات الانتاجية ، لأن المقامر يصر كل فكره في كيفية قضاء الوقت بهذه اللعبة

٤٠٥

واكتساب المهارة التامة فيها. ولانه يتصور انه سيربح في غضون ساعة ما يكفيه كل العمر ! ولهذا فقليلاً ما يفكر بالانتاج والتجارة والعمل.

وحتىٰ لو فكر بتلك الامور فلن يستطيع العمل كأي انسان عادي وذلك بسبب تأثير تلك الحالة السيئة التي تسيطر علىٰ كل عقله. وهذا من اكبر الاضرار التي يأتي بها القمار للمجتمع.

٦ ـ تأثير القمار علىٰ شرف الانسان وناموسه

لربما يصل الامر بالمقامر ، بعد ان يفقد جميع ثروته ، ان يراهن علىٰ زوجته وابناءه وبناته.

اعتراض من قبل الجميع : ايّها الشيخ ! ما الذي تقوله. اي انسان عاقل وغيور يراهن علىٰ زوجته وابنائه وبناته ويغامر بهم ؟! فهذا العمل لم يحدث حتىٰ في القرون الوسطىٰ وبين المتوحشين.

الشيخ : لا تجهدوا انفسكم وتذهبوا بعيداً الىٰ القرون الوسطىٰ ، لان هذا الامر يحدث في عالمنا المتحضر ، العصر الذهبي ! وفي اكثر البلدان تحضراً علىٰ الكرة الارضية ، التي ما ان يسمع بها بعض مغفّلينا حتىٰ يسيل لعابهم عليها.

نعم في امريكا ، حدث ذلك وقد نقلته احدىٰ الصحف المهمة في اخبارها الخارجية ، واليكم خلاصة ما ذكرته الصحيفة : « في المكسيك كان احد الاثرياء يلعب القمار مع صديق له لكنه كان يخسر علىٰ الدوام ، حتىٰ

٤٠٦

خسر ثروته وبيته وسيارته ، وكل ما يملك دفعة واحدة.

ومع ذلك لم ييأس فبقي يلعب ولكن هذه المرّة كان الرهان زوجته ، لكنه هذه المرّة ايضاً خسر. فألتفت وبدون اي خجل الىٰ زوجته وقال لها : اصبحت الآن ملك هذا الرجل لانني فقدتك في القمار معه. لكن المرأة المسكينة امتنعت عن ذلك ، لكن زوجها كان مصرّاً علىٰ دفعها الىٰ الرجل ، وكلما زاد اصراره زادت مقاومة المرأة ايضاً ، الىٰ ان هجم عليها واخذ في ضربها بقسوة. مما اضطرت الشرطة الىٰ التدخل ونقل المرأة الىٰ المستشفىٰ لعلاج الجراحات التي اصابتها علىٰ يد زوجها »(١) .

وتقول احدىٰ المجلات الاسبوعية : من اقبح اعمال المقامرين في النوادي الخاصة ـ حيث يشاهد فيها رجال ونساء اوروبا المتحضرين ـ هو انهم يقامرون علىٰ نسائهم ، وقد شوهدت نماذج عديدة من ذلك بين المقامرين من الداخل والخارج ، كما ان اغلب هذه الرهانات تنتهي بالانتحار(٢) .

سعادة الدكتور ! هذه نماذج من السلوكيات الوحشية والمنحطة لعصر الذرة ودنيا الحضارة الجديدة ، ولم يشاهد لها مثل إلّا في عصر الجاهلية اي قبل الف واربعمائة عام وفي مورد واحد فقط ، لان التاريخ ينقل لنا : قبل اشراقة شمس الاسلام ، كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يمشي يوماً في سوق مكة ، فرأىٰ رجلين يلعبان القمار ، وشاهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ان احدهما فقد جميع ثروته ، فراهن علىٰ غلمان وجواريه ، وخسرها ايضاً ، حتىٰ وصل الامر به أن يراهن علىٰ ان

________________

(١) مجلة اطلاعات الاسبوعية ، العدد ١٠٦٠.

(٢) المصدر نفسه.

٤٠٧

يستعبد لفترة عشر سنوات ، وخسر ايضاً !

فتأثر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لذلك كثيراً وخرج مباشرة الىٰ خارج مكة ، فتوجه بالدعاء الىٰ الله : اللّهمَّ عجّل بعثتي وأمرني بهداية هذه الاُمة ، حتىٰ اخرجهم واخلصهم من هذه الحياة المهينة ، وهذا الوضع المنحط ، وهذه الرذائل الاخلاقية.

هذه القصة حدثت قبل خمسة عشر قرناً ، وبعد اهل الجاهلية ، كررها علىٰ ابشع صورها اهل عصرنا ، عصر الحضارة والمدنية الاوروبية والامريكية ، وتبعهم في ذلك بعض ممن يُسمون بالمسلمين والاسوء من كل ذلك ، هو ان الكثير من الاعمال التي كانت تعتبر قبيحة وسيئة حتىٰ في العصر الجاهلي المظلم آنذاك ، اصبحت اليوم من علامات الحضارة والمدنية الغربية الحالية !!

الىٰ هنا ، اوضحت لكم جوانب عديدة من مضار القمار ، لكن الذي يؤسف له هو شيوع هذا العمل السيء في بلادنا بكامل الحرية ، فالعديد من ابناء شعبنا يمارسون هذه اللعبة في النوادي الليلة واماكن القمار ، خاصة طبقة الكبار والاشراف الاثرياء ، ولا يعلم إلّا الله حجم الخسائر الارباح التي يفقدها او يكسبها رجال الطراز الاول في الدول والاثرياء في النوادي والفنادق الكبرىٰ والخاصة ، واتصور انني قرأت في احدىٰ المجلات قبل ثمان سنوات ، انه في مصيف آب علي لوحده يتداول مبلغ ١٤ مليون تومان سنوياً بين الخاسرين والرابحين ، وجاء أيضاً في تلك المجلة انه في ليلة واحدة خسرت احدىٰ النساء الثريّات مبلغ ١٦ الف تومان من مالها الحلال !

٤٠٨

وجاء في احصائية نشرت قبل ثمان سنوات أيضاً وجود خمسمائة محل قمار في طهران وحدها يرتادها الاشراف والاثرياء ورجال الدولة في الغالب.

القمار من منظار قوانين العالم والبلاد

اغلب دول العالم منعت لعب القمار نظراً لمضاره ومفاسده العديدة ، علىٰ الرغم من ان تلك القوانين لها طابع رسمي وتشريفاتي ، ففي بريطانيا منع القمار منذ سنة ١٨٥٣ ، وفي امريكا سنة ١٨٥٥ ، وفي روسيا سنة ١٨٥٤ ، وفي المانيا سنة ١٨٥٢ ، والقوانين الايرانية ايضاً تمنع ادارة دور القمار بشكل او بآخر ، وبعض الاحيان أيضاً يتم القاء القبض علىٰ بعض المقامرين ، ولكن يجب الاعتراف وللأسف الشديد انه يتم القاء القبض علىٰ مقامري الارصفة الذين يتراهنون علىٰ خمسة وعشرة ريالات ! فهؤلاء يجب ان تلقي عليهم الشرطة القبض ، في حين ان كبار المقامرين الذين يمارسون اللعبة بمبالغ طائلة وفي افخم الفنادق والنوادي الليلية لا احد يستطيع مطاردتهم او مجرد التعرض لهم والاستفسار منهم.

٤٠٩

الصحافة

وعندما وصل الحديث الىٰ هنا ، فتح باب الغرفة فجأة ودخل بائع الصحف وهو يحمل مجموعة من الصحف والمجلات ، وينادي بصوته الجهوري وبلحن خاص : صحف مجلّات اسبوعية شهرية

التفت الدكتور الىٰ الشيخ وقال له : تسمح بشراء مجلة ؟ فأجابه الشيخ بحزم : لا.

فأنصرف الدكتور من شراء مجلة لمعارضة الشيخ ، اما بائع الصحف فقد ترك الغرفة هو غير راضٍ.

حسن الطالب الجامعي : ايّها الشيخ تعتبر الصحافة الدعامة الرابعة للديمقراطية ، وهدفها مستوىٰ الوعي عند الشعب ، فلماذا تعارضها ؟!

الشيخ : كان من الافضل للديمقراطية(١) ان لا يكون لها اكثر من ثلاثة دعامات ( نظراً للحالة التي عليها بلدنا ). لانه وعلىٰ الرغم من جيمع هذه الصحف والمجلات التي تصدر في بلادنا ـ بأستثناء عدد قليل منها ـ لم تأتي بنتيجة سوىٰ فساد الاخلاق ، وتعليم شبابنا وشاباتنا الرذيلة ، فأغلب صحفنا

________________

(١) ذكر المؤلف في النص بدل كلمة الديمقراطية ، كلمة المشروطة وهو تعبير عن الملكية الدستورية ، وقد انتشر هذا المصطلح بعد ثورة الدستور التي قامت في ايران سنة ١٩٠٦ م. ( المترجم )

٤١٠

ومجلاتنا اليوم خصّصت أفضل صفحاتها لراقصات وفنانات هوليود(١) ، واكثر مسؤولي الصحف والمجلات في البلاد يرتزقون من عرض سيقان وعيون وصدور ، وبشكل عام مفاتن النساء الساقطات ونجوم السينما ، ممّا قلّل الحياء والعفّة والفضيلة في المجتمع.

ان صفحات الصحف والمجلات مليئة بمقالات تدعو للأباحية وقصص شهوانية وتعليمات جنسية للشباب والشابات ، والتعريف بملكات الجمال ، وصور عارية او نصف عارية ودعوات للشباب بالحرية المطلقة ونبذ ما يسمىٰ بالحياء والعفّة !

لقد نشرت احدىٰ الصحف الكبرىٰ في البلاد(٢) مسابقة وطلبت من القراء المشاركة في الحلّ ، وكان موضوع المسابقة ، ان امرأة متزوجة ولها اطفال عشقت شاباً آخراً ، فما هو الحلّ المقترح لمشكلتها ؟!

ومن بين الاجوبة التي وصلت من قراء الصحيفة ، كتب احدهم حلّا بعنوان « حافظي علىٰ كلاهما » ، ويقترح عليها البقاء مع زوجها من جهة والحفاظ علىٰ علاقة غير شرعية مع عشيقها ! وبمنتهىٰ الوقاحة نشرت الصحيفة ذلك الجواب بين الاجوبة التي وصلتها.

اجل هذا هو معنى توجيه الرأي العام الذي تتبناه صحافتنا.

________________

(١) Hollywood مدينة صغيرة في ولاية كاليفورنيا في جنوب غربي امريكا ، وهي من اهم مراكز الانتاج السينمائي في العالم.

(٢) صحيفة كيهان.

٤١١

اصدقائي الاعزاء !

للأسف الشديد ليس في هذا البلد يد قوية تنتقم من اصحاب الاقلام الخونة والعملاء علىٰ ما يقومون به من افساد لأفكار واخلاق المجتمع.

والصحف والمجلات التي اغلبها ترتزق من خزانة الحكومة وجيوب المسؤولين والناشرين تقوم بنشر سياستهم ومقاصدهم ، وهذه الصور الفاضحة التي تنشر في صحافتنا ما هي إلّا افيون لتخدير الناس واغفالهم عما يقوم به اصحاب السلطة والمال من جرائم ومفاسد.

الصحافة وقوانين الدولة

العقيد : من اجل الحيلولة دون حدوث مثل تلك المفاسد وضعت الدولة وضمن قانون الصحافة عقوبات شديدة علىٰ انحرافات المجلات والصحف الاخلاقية.

الشيخ : لا يوجد في قانون الصحافة سوىٰ مادتين لمعاقبة المقالات المنافية للعفة والاخلاق العامة ، وهاتان المادتان ، هما :

الاُولى : المادة ١٩ من قانون الصحافة ، تقول : « يحكم بغرامة من الف ريال الىٰ عشرة آلاف ريال علىٰ الجرائم التالية :

أ ـ نشر مقالات مضرّة بالعفّة العامة والاخلاق الحسنة.

ب ـ نشر صور سيئة.

ج ـ نشر اعلانات او صور تخالف الاخلاق الحسنة والآداب والتقاليد

٤١٢

القومية.(١)

الثانية : المادة الثانية من قانون عقوبات الصحافة : « المادة ٣٨ من قانون الصحافة » : يمكن ايقاف الصحيفة التي تنش مقالات تضر بالعفّة العامة او صور سيئة منافية للعفّة ، قبل صدور حكم من قبل المحكمة(٢) .

كما ان هناك مادة ثالثة ، هي ضمن قانون العقوبات العام والخاصة بالاخلاق والعفّة العامة ، لكنه يمكن الاستفادة منها في الصحافة ، وقد جاء فيها ـ وهي المادة ٢١١ من قانون العقوبات :

« يحكم علىٰ الاشخاص التالين بالسجن التأديبي من ستّة اشهر الىٰ ثلاث سنوات وبدفع غرامة من ٢٥٠ ريال الىٰ٥٠٠٠ ريال :

الاشخاص الذين يسهلون افساد الاخلاق الشباب الذين يقل عمرهم عن ١٨ سنة سواءً كانوا ذكوراً أم اناث(٣) .

سيادة العقيد ! هذه المواد القانونية الثلاث هي قمّة الضغط الذي توجهه الدولة علىٰ مديري الصحف والمجلات فيما لو نشروا مقالات او صور منافية للعفّة والاخلاق ، لكنه ليس هناك من يسأل هؤلاء المشرعين المهمتين جداً بالعفّة والاخلاق ! هل ان اخلاق وعفة شعب هذا البلد لا تساوي قيمتها عندكم اكثر من مئة تومان ؟! وهل ان جزاء من يعتدي علىٰ عفّة شباب وشابات هذا البلد ، هو دفع مئة تومان فقط ؟! ومن هنا يمكن معرفة قيمة العفّة والاخلاق

________________

(١) كتاب قوانين العقوبات.

(٢) م. ن.

(٣) م. ن.

٤١٣

العامة عند مشرعي قوانين هذا البلد.

نعم ، لو كانت العفّة والاخلاق تساوي عند حكام هذه البلاد اكثر من مئة تومان ، لما بلغت الصحافة هذه الدرجة من الحرية والوقاحة التهتّك ، ولما اصبحت بعض الصحف والمجلات دور نشر للفساد والرذيلة بين شبابنا وشاباتنا ، ولما تطاوت في ترغيب النساء والمتزوجات علىٰ اقامة علاقات غير شرعية مع الشباب المستهتر.

ان الاساليب المنحطة التي تتبعها صحافتنا تذكرنا بقول الدكتور الكسيس كارل ، حيث يقول في بحث له :

« لقد جعل انتشار الصحف ودور السينما والاذاعات المستوىٰ الفكري في ادنىٰ مراتبه »(١) .

سيادة العقيد ! وبغض النظر عن كل ذلك ، نقول : لماذا لا تطبق الدولة هذه المواد القانونية الناقصة التي ذكرناها ايضاً بحق بعض مديري ورؤساء تحرير الصحف الخونة ، والجواب واضح فإنَّ الدولة تتصور أنه في حال تطبيق هذه القوانين الناقصة ، فإنَّ عليها اغلاق جميع الصحف والمجلات ، باستثناء عدد قليل منها ، ( مع ان المسبب الرئيس في ايجاد مثل هذا الوضع هو الدولة نفسها ).

لانه ، أية مجلة او صحيفة تنشر مقالاً او قصة منافية للأخلاق والعفّة ؟! واية نشرة تصدر في هذا البلد ولا تجد علىٰ صفحاتها صور قبيحة ( علىٰ حد

________________

(١) الانسان ذلك المجهول.

٤١٤

قولهم ) او صور خلاعية فاضحة ؟ واية صحيفة او مجلة تخلو من دعوات مجون او تعليمات جنسية للشباب ( ذكوراً واناث ) ؟!

هل يلام الشعب علىٰ ما تفعله الصحافة

الدكتور : ارىٰ ان الناس يتحمّلون لحدّ ما ما تقوم به الصحافة من تصرفات.

الشيخ : صحيح ، فهذا شيء لا يمكن انكاره ، لان صحافة كل بلد هي المعبّر عن افكار شعبه ، فلو كان الناس غير راغبين بتلك المقالات الفاضحة والصور الخليعة والمهيّجة ، لما عملت الصحافة بهذا الانفلات غير المحدود.

ففي بلدنا تجد المجلة او الصحيفة التي تتفنن في عرض اجساد ومفاتن النساء الفاحشات ، والراقصات ونجوم السينما ، هي المجلة او الصحيفة الاكثر مبيعاً من غيرها ، علىٰ العكس من الصحف والمجلات الدينية التي ينحصر قراءها بأقلية من الناس.

يذكر احد علماء طهران : كانت هناك صحيفة اسبوعية تصدر في طهران ، وكان صحيفة وقورة وعلمية ومفيدة ، وفي احد الاسابيع رأيت علىٰ الصفحة الاولىٰ منها صورة لاحدىٰ نجمات هوليود ودون اية مناسبة ، فأتصلت هاتفياً برئيس تحريرها وقلت له ان صحيفتكم كانت لها حالة خاصة ومكانة علمية ، لكنها في هذا العدد غيّرت مسارها ، واصبحت تضع علىٰ صفحتها الاولىٰ صور الراقصات وفواحش اوروبا وامريكا ، فأجابني رئيس التحرير : ما العمل يا

٤١٥

سيدي ! لقد اجبرنا الناس علىٰ الانحراف ! لاننا بعنا من هذا العدد وبسبب الصورة التي نشرناها ، اضعاف الاسابيع الماضية ، وقد تلاقفها الناس من البائعين.

اجل يا سعادة الدكتور ! لا يمكن انكار هذه الحقيقة ، وهي ان قسم كبير من التقصير والذنب في هذا المجال يقع علىٰ عاتق فئة غير ملتزمة من الشعب ، ولكن يجب ان لا ننسىٰ ، ان المجلات والصحف ليست مسؤولة عن تنفيذ كل ما يريده القراء ، ذلك لان الصحافة وكما قلتم الدعامة الاساسية للديمقراطية ، وهي مسؤولة عن ارشاد الناس وتوجيه افكارهم ، فلو فرضنا حدوث انحراف اخلاقي عند الشعب ، فيجب علىٰ قادتهم الفكريين ان يصححوا هذا الاعوجاج ويقوّموا هذا الانحراف بكل طاقاتهم وقدراتهم.

والأهم من كل ذلك ، هو ان الذنب في ذلك يقع علىٰ الحكومة ، لانه لو كانت هناك متابعة ومحاسبة لما اجازت الدولة للصحافة العمل علىٰ هواها دون قيد او رادع ، لكن حقيقة الامر هو ان الدولة فسحت لهم المجال ( كما هو الحال في السينما وسائر وسائل الاعلام ) لنشر هدة الفضائح والصور والكلمات اللاخلاقية ، لان الهدف ، من جهة ، هو اغفال القوىٰ الشابة من خلال افسادها عما يحدث في البلد والمجتمع من نهب وفساد ، ولكي لا يشخصوا السبب والعامل الاساسي في ما يعانيه المجتمع من مشاكل ومآسي ، ولكي لا يفكروا بحلّ لذلك ، ومن جهة اخرىٰ ، اليست الصحافة هي مذياع للحكومة نوعاً ما ، وانها لاتتحدث إلّا بمطالبها وتوقعاتها ، اذن ففي هذه الحالة تكون المعاملة ذات طرفين ، وعلىٰ الدولة ايضاً ان تفسح لهم المجال تماماً ( إلّا في نشر الحقائق والدفاع عن المحرومين والمظلومين ) ؟!

٤١٦

اجل ، قبل اربعة عشر قرناً ، أقسم القرآن الكريم بـ « القلم » فقال :( ن ، وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ) ، لكن يجب ان نعرف ان قدسية القلم تكون ما دام في خدمة المستضعفين والمحرومين والكادحين ، لا في دفاعه عن الجبابرة والمستثمرين ومصالحهم.

٤١٧

علماء الدين وتأثيرهم في المجتمع

وفي تلك اللحظة مرّ بجانب الغرفة اثنان من علماء الدين ، فنهض الشيخ لرؤيتهم وفتح باب الغرفة وسلّم عليهم ، وما ان رآه الرجلان حتىٰ ابتسما وهم يردان عليه جواب سلامه ويقولان : السيد رستگار ! ما الذي يفعله هنا ! فقال الشيخ : كنت ذاهباً الىٰ بندر شاه لشراء القطن وها انا عائد الىٰ طهران ، ومن هناك الىٰ همدان ، ثم اخذ الثلاثة يتكلمون في امور مختلفة وبعد دقائق ودّع العالمان الشيخ وذهبا ، فعاد الشيخ الىٰ الغرفة وجلس في مكانه.

الدكتور : ايّه الشيخ ! هذان الرجلان من اقربائك ؟

الشيخ : لا ، لكنهم من اصدقائي وابناء مدينتي همدان وانا احبهم كثيراً.

العقيد : بالعكس ، اني لست فقط لا احب هؤلاء المعممين ، بل لا استطع ان اعرف الىٰ الآن ما هو عملهم في المجتمع وما هي مكانتهم فيه ؟

الشيخ : سيادة العقيد ، استمح لي بمزحة معك شرط ان لا تتأثر ؟

العقيد : تفضّل ايّها العم ، واطمئن انني لن اتأثر او انزعج.

الشيخ : قولك انني لا احب المعممين ، يذكرني بقول الدكتور علي شريعتي ، في احدىٰ خطاباته : كما ذكرت سابقاً ، سنة ١٩٦٠ عقدنا جلسة في اتحاد الطلبة في فرنسا ، وكان هناك شخص بارز تعرفونه جميعكم ( وهو من اسرة مرموقة أيضاً ). كان يتكلّم ، فقال في بعض كلامه : « انا لا احب

٤١٨

الاسلام وكلما رأيت معمماً شعرت بحالة تقيء ! وهكذا كلما رأيت منبراً او مجلساً دينياً لان الدين من عوامل الاستعمار و الملالي كانوا علىٰ الدوام عملاء الاستعمار واساساً انا لا احب الدين ». وكلام آخر من هذا القبيل.

وفي تلك اللحظة نهضت وقلت : « صاحب الفخامة ! انت تتكلم مثل امرأة تتوحم بطفلها الاول ، فتدلّل علىٰ زوجها وتقول : احب الطرشي ، لا احب الحلويات احب ان آكل كذا ولو انني اتقيء من الاكل الفلاني لقد جعلت من الدين والأيديولوجية مجرد اكلة ! تحب بضها وتكره البعض الآخر فماذا تتصور الدين حتىٰ تحبه أو لا تحبه ؟ ان نفي او اثبات الدين يحتاج الىٰ دليل عقلي وعلمي لا شعور واحاسيس شخصية !(١)

والآن يا سيادة العقيد ، هل انك أيضاً تشعر بحالة من ( الوحم ) بالنسبة للمعممين ؟!

ـ هناك ضحك الجميع بصوت عالي.

العقيد : كانت مزحة لطيفة ، لكني اطمئنك انني لا اعيش حالة ( الوهم ) بالنسبة للمعممين ، لكني اود ـ حقيقة ـ ان احصل علىٰ معلومات عنهم وان اعرف لماذا تسمىٰ هذه الفئة بالروحانيين ؟

الشيخ : فلسفة ظهور فئة معيّنة في المجتمع الاسلامي بأسم « العلماء » او الروحانيون فواضحة من بعديها الاسلامي والاجتماعي. لكنه يمكن الحصول

________________

(١) كتاب « القاسطين والمارقين والناكثين » : ٢٤١.

٤١٩

علىٰ هذه الحقائق من منظار الاسلام ، ومنها :

أ ـ مايعبّر عنه القرآن الكريم بـ :

( فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) (١) ، ففي هذه الآية يأمر الله عزّ وجلّ أن تقوم فئة من كل قوم بتعلم المسائل الدينية والنفقة فيها ، وطبيعي ان يشكل هؤلاء فئة معيّنة في المجتمع تمتاز عن الباقين بوعيها وتخصصها في المسائل الاسلامية.

وفي موضع آخر ، يقول القرآن :

( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (٢) .

ويقول أيضاً :

( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) (٣) . وفي هذه الآية أيضاً يتحدّث القرآن عن فئة معيّنة وهم « اهل الذكر » الذين يجب رجوع الآخرين اليهم :

ب ـ هناك العديد من الآيات القرآنية. تحدثت في مناسبات مختلفة عن « العلماء » ، واعتبرتهم فئة خاصة تقع عليها مسؤوليات مهمة وحساسة في

________________

(١) سورة التوبة : ١٢٢.

(٢) سورة آل عمران : ١٠٤.

(٣) سورة النحل : ٤٣.

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466