رحلتي من الظلمات إلى النّور

رحلتي من الظلمات إلى النّور12%

رحلتي من الظلمات إلى النّور مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 466

رحلتي من الظلمات إلى النّور
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 233561 / تحميل: 8001
الحجم الحجم الحجم
رحلتي من الظلمات إلى النّور

رحلتي من الظلمات إلى النّور

مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ ) قال هو الرجل يشتمك فتشتمه ولكن إن افترى عليك فلا تفترى عليه وهو مثل قوله( وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ ) وروى ابن عيينة عن أبى نجيح عن إبراهيم بن أبى بكر عن مجاهد في قوله( لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ ) قال ذاك في الضيافة إذا جئت الرجل فلم يضفك فقد رخص أن تقول فيه* قال أبو بكر إن كان التأويل كما ذكر فقد يجوز أن يكون ذلك في وقت كانت الضيافة واجبة وقد روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم الضيافة ثلاثة أيام فما زاد فهو صدقة وجائز أن يكون فيمن لا يجد ما يأكل فيستضيف غيره فلا يضيفه فهذا مذموم يجوز أن يشكى وفي هذه الآية دلالة على وجوب الإنكار على من تكلم بسوء فيمن كان ظاهره الستر والصلاح لأن الله تعالى قد أخبر أنه لا يجب ذلك وما لا يحبه فهو الذي لا يريده فعلينا أن نكرهه وننكره وقال( إِلَّا مَنْ ظُلِمَ ) فما لم يظهر لنا ظلمه فعلينا إنكار سوء القول فيه* وقوله تعالى( فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ ) قال قتادة عوقبوا على ظلمهم وبغيهم بتحريم أشياء عليهم وفي ذلك دليل على جواز تغليظ المحنة عليهم بالتحريم الشرعي عقوبة لهم على ظلمهم لأن الله تعالى قد أخبر في هذه الآية أنه حرم عليهم طيبات بظلمهم وصدهم عن سبيل الله والذي حرم عليهم ما بينه تعالى في قوله( وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ ) وقوله( وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ ) يدل على أن الكفار مخاطبون بالشرائع مكلفون بها مستحقون للعقاب على تركها لأن الله تعالى قد ذمهم على أكل الربا وأخبر أنه عاقبهم عليه* قوله تعالى( لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ ) روى عن قتادة أن لكن هاهنا استثناء وقيل أن لا ولكن قد تتفقان في الإيجاب بعد النفي أو النفي بعد الإيجاب وتطلق إلا ويراد بها لكن كقوله تعالى( وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً ) ومعناه لكن إن قتله خطأ فتحرير رقبة فأقيمت إلا في هذا الموضع مقام لكن وتنفصل لكن من إلا بأن إلا لإخراج بعض من كل ولكن قد تكون بعد الواحد نحو قولك ما جاءني زيد لكن عمرو وحقيقة لكن الاستدراك ولا للتخصيص قوله تعالى( يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ ) روى عن الحسن أنه خطاب لليهود والنصارى لأن النصارى غلت

٢٨١

في المسيح فجاوزوا به منزلة الأنبياء حتى اتخذوه إلها واليهود غلت فيه فجعلوه لغير رشدة فغلا الفريقان جميعا في أمره والغلو في الدين هو مجاوزة حد الحق فيه وروى عن ابن عباس أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم سأله أن يناوله حصيات لرمي الجمار قال فناولته إياها مثل حصا الخذف(1) فجعل يقلبهن بيده ويقول بمثلهن بمثلهن إياكم والغلو في الدين فإنما هلك من قبلكم بالغلو في دينهم ولذلك قيل دين الله بين المقصر والغالي * قوله تعالى( وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ) قيل في وصف المسيح بأنه كلمة الله ثلاثة أوجه أحدها ما روى عن الحسن وقتادة أنه كان عيسى بكلمة الله وهو قوله( كُنْ فَيَكُونُ ) لا على سبيل ما أجرى العادة به من حدوثه من الذكر والأنثى جميعا والثاني أنه يهتدى به كما يهتدى بكلمة الله والثالث ما تقدم من البشارة به في الكتب المتقدمة التي أنزلها الله تعالى على أنبيائه* وأما قوله تعالى( وَرُوحٌ مِنْهُ ) فلأنه كان بنفخة جبريل بإذن الله والنفخ يسمى روحا كقول ذي الرمة :

فقلت له أرفعها إليك وأحيها

بروحك واقتته لها قيتة قدرا

أى بنفختك وقيل إنما سماه روحا لأنه يحيى الناس به كما يحيون بالأرواح ولهذا المعنى سمى القرآن روحا في قوله( وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ) وقيل لأنه روح من الأرواح كسائر أرواح الناس وأضافه الله تعالى إليه تشريفا له كما يقال بيت الله وسماء الله* قوله( يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا ) قيل فيه إنه بمعنى لئلا تضلوا فحذف لا كما تحذف مع القسم في قولك والله أبرح قاعدا أى لا أبرح قال الشاعر :

تالله يبقى على الأيام ذوحيد(2)

معناه لا يبقى وقيل يبين الله لكم كراهة أن تضلوا كقوله( وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ ) يعنى أهل القرية.

سورة المائدة

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) روى عن ابن عباس ومجاهد ومطرف

__________________

(1) قوله الخذف بالخاء والذال المعجمتين هو أن تجعل حصاة أو نواة بين السبابتين وترمى بها كما ذكره في النهاية.

(2) قوله ذوحيد هو الثور الوحشي والحيد بكسر وفتح جمع حيد بفتح وسكون وهو ما النوى من القرن.

٢٨٢

والربيع والضحاك والسدى وابن جريج والثوري قالوا العقود في هذا الموضع أراد بها العهود وروى معمر عن قتادة قال هي عقود الجاهلية الحلف وروى جبير بن مطعم عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال لا حلف في الإسلام وأما حلف الجاهلية فلم يزده الإسلام إلا شدة وروى ابن عيينة عن عاصم الأحول قال سمعت أنس بن مالك يقول حالف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بين المهاجرين والأنصار في دارنا فقيل له قد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لا حلف في الإسلام وما كان في الجاهلية فلم يزده الإسلام إلا شدة فقال حالف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بين المهاجرين والأنصار في دارنا قال ابن عيينة إنما آخى بين المهاجرين والأنصار قال أبو بكر قال الله تعالى( وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ ) فلم يختلف المفسرون أنهم في أول الإسلام قد كانوا يتوارثون بالحلف دون النسب وهو معنى قوله( وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ ) إلى أن جعل الله ذوى الأرحام أولى من الحليف بقوله( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ ) فقد كان حلف الإسلام على التناصر والتوارث ثابتا صحيحا وأما قوله لا حلف في الإسلام فإنه جائز أن يريد به الحلف على الوجوه التي كان عليها الحلف في الجاهلية وكان هذا القول منه بعد نسخ التوارث بالحلف وقد كان حلف الجاهلية على وجوه منها الحلف في التناصر فيقول أحدهما لصاحبه إذا حالفه دمى دمك وهدمي هدمك وترثني وأرثك فيتعاقدان الحلف على أن ينصر كل واحد منهم صاحبه فيدفع عنه ويحميه بحق كان ذلك أو بباطل ومثله لا يجوز في الإسلام لأنه لا يجوز أن يتعاقدا الحلف على أن ينصره على الباطل ولا أن يزوى ميراثه عن ذي أرحامه ويجعله لحليفه فهذا أحد وجوه الحلف الذي لا يجوز مثله في الإسلام وقد كانوا يتعاقدون الحلف للحماية والدفع وكانوا يدفعون إلى ضرورة لأنهم كانوا نشرا لا سلطان عليهم ينصف المظلوم من الظالم ويمنع القوى عن الضعيف فكانت الضرورة تؤديهم إلى التحالف فيمتنع به بعضهم من بعض وكان ذلك معظم ما يراد الحلف من أجله ومن أجل ذلك كانوا يحتاجون إلى الجوار وهو أن يجير الرجل أو الجماعة أو العير على قبيلة ويؤمنهم فلا ينداه(1) مكروه منهم فجائز أن يكون أراد بقوله لا حلف في الإسلام هذا الضرب من الحلف وكانوا يحتاجون إلى الحلف في أول الإسلام

__________________

(1) قوله فلا ينداه مضارع ندب من باب تعب يقال ما ندينى من فلان مكروه أي ما أصابني.

٢٨٣

لكثرة أعدائهم من سائر المشركين ومن يهود المدينة ومن المنافقين فلما أعز الله الإسلام وكثر أهله وامتنعوا بأنفسهم وظهروا على أعدائهم أخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم باستغنائهم عن التحالف لأنهم قد صاروا كلهم يدا واحدة على أعدائهم من الكفار بما أوجب الله عليهم من التناصر والموالاة بقوله تعالى( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم المؤمنون يد على من سواهم وقال ثلاث لا يغل عليهن قلب مؤمن إخلاص العمل لله والنصيحة لولاة الأمر ولزوم جماعة المسلمين فإن دعوتهم تحيط من وراءهم فزال التناصر بالحلف وزال الجوار ولذلك قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لعدي بن حاتم ولعلك أن تعيش حتى ترى المرأة تخرج من القادسية إلى اليمن بغير جوار ولذلك قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لا حلف في الإسلام وأما قوله وما كان من حلف في الجاهلية فلم يزده الإسلام إلا شدة فإنما يعنى به الوفاء بالعهد مما هو مجوز في العقول مستحسن فيها نحو الحلف الذي عقده الزبير بن عبد المطلب قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ما أحب أن لي بحلف حضرته حمر النعم في دار ابن جدعان وإنى أغدر به هاشم وزهرة وتيم تحالفوا أن يكونوا مع المظلوم ما بل بحر صوفه ولو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت وهو حلف الفضول وقيل إن الحلف كان على منع المظلوم وعلى التأسى في المعاش فأخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه حضر هذا الحلف قبل النبوة وأنه لو دعى إلى مثله في الإسلام لأجاب لأن الله تعالى قد أمر المؤمنين بذلك وهو شيء مستحسن في العقول بل واجب فيها قبل ورود الشرع فعلمنا أن قوله لا حلف في الإسلام إنما أراد به الذي لا تجوزه العقول ولا تبيحه الشريعة وقد روى عنهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال حضرت حلف المطيبين وأنا غلام وما أحب أن أنكثه وأن لي حمر النعم وقد كان حلف المطيبين بين قريش على أن يدفعوا عن الحرم من أراد انتهاك حرمته بالقتال فيه وأما قوله وما كان في الجاهلية فلم يزده الإسلام إلا شدة فهو نحو حلف المطيبين وحلف الفضول وكل ما يلزم الوفاء به من المعاقدة دون ما كان منه معصية لا تجوزه الشريعة والعقد في اللغة هو الشد تقول عقدت الحبل إذا شددته واليمين على المستقبل تسمى عقدا قال الله تعالى( لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ ) والحلف يسمى عقدا قال الله تعالى( وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ ) وقال أبو عبيدة في قوله( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) قال هي العهود والأيمان وروى عن

٢٨٤

جابر في قوله( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) قال هي عقدة النكاح والبيع والحلف والعهد وزاد زيد ابن أسلم من قبله وعقد الشركة وعقد اليمين وروى وكيع عن موسى بن عبيدة عن أخيه عبد الله بن عبيدة قال العقود ستة عقد الأيمان وعقد النكاح وعقدة العهد وعقدة الشرى والبيع وعقدة الحلف قال أبو بكر العقد ما يعقده العاقد على أمر يفعله هو أو يعقد على غيره فعله على وجه إلزامه إياه لأن العقد إذا كان في أصل اللغة الشد ثم نقل إلى الأيمان والعقود عقود المبايعات ونحوها فإنما أريد به إلزام الوفاء بما ذكره وإيجابه عليه وهذا إنما يتناول منه ما كان منتظرا مراعى في المستقبل من الأوقات فيسمى البيع والنكاح والإجارة وسائر عقود المعاوضات عقودا لأن كل واحد منهما قد ألزم نفسه التمام عليه والوفاء به وسمى اليمين على المستقبل عقدا لأن الحالف قد ألزم نفسه الوفاء بما حلف عليه من فعل أو ترك والشركة والمضاربة ونحوها تسمى أيضا عقودا لما وصفنا من اقتضائه الوفاء بما شرطه على كل واحد من الربح والعمل لصاحبه وألزمه نفسه وكذلك العهد والأمان لأن معطيها قد ألزم نفسه الوفاء بها وكذلك كل شرط شرطه إنسان على نفسه في شيء يفعله في المستقبل فهو عقد وكذلك النذور وإيجاب القرب وما جرى مجرى ذلك وما لا تعلق له بمعنى في المستقبل ينتظر وقوعه وإنما هو على شيء ماض قد وقع فإنه لا يسمى عقدا ألا ترى أن من طلق امرأته فإنه لا يسمى طلاقه عقدا ولو قال لها إذا دخلت الدار فأنت طالق كان ذلك عقدا ليمين ولو قال والله لقد دخلت الدار أمس لم يكن عاقدا لشيء ولو قال لأدخلنها غدا كان عاقدا ويدلك على ذلك أنه لا يصح إيجابه في الماضي ويصح في المستقبل لو قال على أن أدخل الدار أمس كان لغوا من الكلام مستحيلا ولو قال على أن أدخلها غدا كان إيجابا مفعولا فالعقد ما يلزم به حكم في المستقبل واليمين على المستقبل إنما كانت عقدا لأن الحالف قد أكد على نفسه أن يفعل ما حلف عليه بذلك وذلك معدوم في الماضي ألا ترى أن من قال والله لأكلمن زيدا فهو مؤكد على نفسه بذلك كلامه وكذلك لو قال والله لا كلمت زيدا كان مؤكدا به نفى كلامه ملزما نفسه به ما حلف عليه من نفى أو إثبات فسمى من أجل التأكيد الذي في اللفظ عقدا تشبيها بعقد الحبل الذي هو بيده والاستيثاق به ومن أجله كان النذر عقدا ويمينا لأن الناذر ملزم نفسه ما نذره ومؤكد على نفسه ما نذره ومؤكد على نفسه أن يفعله أو يتركه

٢٨٥

ومتى صرف الخبر إلى الماضي لم يكن ذلك عقدا كما لا يكون ذلك إيجابا وإلزاما ونذرا وهذا يبين معنى ما ذكرنا من العقد على وجه التأكيد والإلزام. ومما يدل على أن العقد هو ما تعلق بمعنى مستقبل دون الماضي أن ضد العقد هو الحل ومعلوم أن ما قد وقع لا يتوهم له حل عما وقع عليه بل يستحيل ذلك فيه فلما لم يكن الحل ضدا لما وقع في الماضي علم أنه ليس بعقد لأنه لو كان عقدا لكان له ضد من الحل يوصف به كالعقد على المستقبل* فإن قيل قوله إن دخلت الدار فأنت طالق وأنت إذا جاء غد* هو عقد ولا يلحقه الانتقاض والفسخ* قيل له جائز أن لا يقع ذلك بموتها قبل وجود الشرط فهو مما يوصف بضده من الحل ولذلك قال أبو حنيفة فيمن قال إن لم أشرب الماء الذي في هذا الكوز فعبدي حر وليس في الكوز ماء أن يمينه لا تنعقد ولم يكن ذلك عقدا لأنه ليس له نقيض من الحل ولو قال إن لم أصعد السماء فعبدي حر حنث بعد انعقاد يمينه لأن لهذا العقد نقيضا من الحل وإن كنا قد علمنا أنه لا يبر فيه لأنه عقد اليمين على معنى متوهم معقول إذ كان صعود السماء معنى متوهما معقولا وكذلك تركه معقول جائز وشرب ما ليس بموجود مستحيل توهمه فلم يكن ذلك عقدا* وقد اشتمل قوله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) على إلزام الوفاء بالعهود والذمم التي نعقدها لأهل الحرب وأهل الذمة والخوارج وغيرهم من سائر الناس وعلى إلزام الوفاء بالنذور والأيمان وهو نظير قوله تعالى( وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها ) وقوله تعالى( وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ) وعهد الله تعالى أوامره ونواهيه وقد روى عن ابن عباس في قوله تعالى( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) أى بعقود الله فيما حرم وحلل* وعن الحسن قال يعنى عقود الدين واقتضى أيضا الوفاء بعقود البياعات والإجارات والنكاحات وجميع ما يتناوله اسم العقود فمتى اختلفنا في جواز عقده أو فساده وفي صحة نذر ولزومه صح الاحتجاج بقوله تعالى( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) لاقتضاء عمومه جواز جميعها من الكفالات والإجارات والبيوع وغيرها ويجوز الاحتجاج به في جواز الكفالة بالنفس وبالمال وجواز تعلقها على الأخطار لأن الآية لم تفرق بين شيء منها وقولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمون عند شروطهم في معنى قول الله تعالى( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) وهو عموم في إيجاب الوفاء بجميع ما يشرط الإنسان على نفسه ما لم تقم دلالة

٢٨٦

تخصصه* فإن قيل هل يجب على كل من عقد على نفسه يمينا أو نذرا أو شرطا لغيره الوفاء بشرطه ويكون عقده لذلك على نفسه يلزمه ما شرطه وأوجبه قيل له أما النذور فهي عل ثلاثة أنحاء منها نذر قربة فيصير واجبا بنذره بعد أن كان فعله قربة غير واجب لقوله تعالى( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) وقوله تعالى( أَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ ) وقوله تعالى( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ) وقوله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ ) وقوله تعالى( وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ) فذمهم على ترك الوفاء بالمنذور نفسه وقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لعمر بن الخطاب أوف بنذرك حين نذر أن يعتكف يوما في الجاهلية وقولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم من نذر نذرا سماه فعليه أن يفي به ومن نذر نذرا ولم يسمه فعليه كفارة يمين فهذا حكم ما كان قربة من المنذور في لزوم الوفاء بعينه وقسم آخر وهو ما كان مباحا غير قربة فمتى نذره لا يصير واجبا ولا يلزمه فعله فإذا أراد به يمينا فعليه كفارة يمين إذا لم يفعله مثل قوله لله على أن أكلم زيدا وأدخل هذه الدار وأمشى إلى السوق فهذه أمور مباحة لا تلزم بالنذر لأن ما ليس له أصل في القرب لا يصير قربة بالإيجاب كما أن ما ليس له أصل في الوجوب لا يصير واجبا بالنذر فإن أراد به اليمين كان يمينا وعليه الكفارة إذا حنث والقسم الثالث ما نذر المعصية نحو أن يقول لله على أن أقتل فلانا أو أشرب الخمر أو أغصب فلانا ماله فهذه أمور هي معاص لله تعالى لا يجوز له الإقدام عليها لأجل النذور وهي باقية على ما كانت عليه من الحظر وهذا يدل على ما ذكرناه في إيجاب ما ليس بقربة من المباحات أنها لا تصير واجبة بالنذور كما أن ما كان محظورا لا يصير مباحا ولا واجبا بالنذر وتجب فيه كفارة يمين إذا أراد يمينا وحنث لقولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لا نذر في معصية الله وكفارته كفارة يمين فالنذر ينقسم إلى هذه الأنحاء وأما الأيمان فإنها تعقد على هذه الأمور من قربة أو مباح أو معصية فإذا عقدها على قربة لم تصر واجبة باليمين ولكنه يؤمر بالوفاء به فإن لم يف به وحنث لزمته الكفارة وقد روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال لعبد الله بن عمر بلغني أنك قلت والله لأصومن الدهر فقال نعم قال فلا تفعل ولكن صم من كل شهر ثلاثة أيام فقال إنى أطيق أكثر من ذلك إلى أن ورده إلى أن يصوم يوما ويفطر

٢٨٧

يوما فلم يلزمه صوم الدهر باليمين فدل ذلك على أن اليمين لا يلزم بها المحلوف عليه ولذلك قال أصحابنا فيمن قال والله لأصومن غدا ثم لم يصمه فلا قضاء عليه وعليه كفارة يمين والقسم الآخر من الأيمان هو أن يحلف على مباح أن يفعله فلا يلزمه فعله كما لا يلزمه فعل القربة المحلوف عليها فإن شاء فعل المحلوف عليه وإن شاء ترك حنث لزمته الكفارة والقسم الثالث أن يحلف على معصية فلا يجوز له أن يفعلها بل عليه أن يحنث في يمينه ويكفر عنها لقولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه وقال أنى لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا فعلت الذي هو خير وكفرت عن يميني وقال الله تعالى( وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ ) روى أنها نزلت في أبى بكر الصديق حين حلف أن لا ينفق على مسطح ابن أثاثة لما كان منه من الخوض في أمر عائشة رضى الله عنها فأمره الله تعالى بالرجوع إلى الإنفاق عليه قوله تعالى( أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ ) قيل في الأنعام أنها الإبل والبقر والغنم وقال بعضهم الإطلاق يتناول الإبل وإن كانت منفردة وتتناول البقر والغنم إذا كانت مع الإبل ولا تتناولهما منفردة عن الإبل وقد روى عن الحسن القول الأول وقيل إن الأنعام تقع على هذه الأصناف الثلاثة وعلى الظباء وبقر الوحش ولا يدخل فيها الحافر لأنه أخذ من نعومة الوطء ويدل على هذا القول استثناؤه الصيد منها بقوله في نسق التلاوة( غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ) ويدل على أن الحافر غير داخل في الأنعام قوله تعالى( وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ ) ثم عطف عليه قوله تعالى( وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها ) فلما استأنف ذكرها وعطفها على الأنعام دل على أنها ليست منها وقد روى عن ابن عباس أنه قال في جنين البقرة أنها بهيمة الأنعام وهو كذلك لأن البقرة من الأنعام وإنما قال بهيمة الأنعام وإن كانت الأنعام كلها من البهائم لأنه بمنزلة قوله أحل لكم البهيمة التي هي الأنعام فأضاف البهيمة إلى الأنعام وإن كانت هي كما تقول نفس الإنسان* ومن الناس من يظن أن هذه الإباحة معقودة بشرط الوفاء بالعقود المذكورة في الآية وليس كذلك لأنه لم يجعل الوفاء بالعقود شرطا للإباحة ولا أخرجه مخرج المجازاة ولكنه وجه الخطاب إلينا بلفظ الأيمان في قوله

٢٨٨

تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) ولا يوجب ذلك الاقتصار بالإباحة على المؤمنين دون غيرهم بل الإباحة عامة لجميع المكلفين كفارا كانوا أو مؤمنين كما قال تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها ) وهو حكم عام في المؤمنين والكفار مع ورود اللفظ خاصا بخطاب المؤمنين وكذلك كل ما أباحه الله تعالى للمؤمنين فهو مباح لسائر المكلفين كما أن كل ما أوجبه وفرضه فهو فرض على جميع المكلفين إلا أن يخص بعضهم دليل وكذلك قلنا إن الكفار مستحقون العقاب على ترك الشرائع كما يستحقون على ترك الإيمان* فإن قيل إذا كان ذبح البهائم محظورا إلا بعد ورود السمع به فمن لم يعتقد نبوة النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم واستباحته من طريق الشرع فحكمه في حظره عليه باق على الأصل وقائل هذا القول يقول إن ذبح البهائم محظور على الكفار أهل الكتاب منهم وغيرهم وهم عصاة في ذبحها وإن كان أكل ما ذبحه أهل الكتاب مباحا لنا وزعم هذا القول أن للملحد أن يأكل بعد الذبح وليس له أن يذبح وليس هذا عند سائر أهل العلم كذلك لأنه لو كان أهل الكتاب عصاة بذبحهم لأجل دياناتهم لوجب أن تكون ذبائحهم غير مذكاة مثل المجوسي لما كان ممنوعا من الذبح لأجل اعتقاده لم يكن ذبحه ذكاة وفي ذلك دليل على أن الكتابي غير عاص في ذبح البهائم وأنه مباح له كهو لنا وأما قوله إنه إذا لم يعتقد صحة نبوة النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم واستباحته من طريق الشرع فحكم حظر الذبح قائم عليه فليس كذلك لأن اليهود والنصارى قد قامت عليهم حجة السمع بكتب الأنبياء المتقدمين في إباحة ذبح البهائم وأيضا فإن ذلك لا يمنع صحة ذكاته لأن رجلا لو ترك التسمية على الذبيحة عامدا لكان عندنا عاصيا بذلك وكان لمن يعتقد جواز ترك التسمية عليها أن يأكلها ولم يكن كون الذابح عاصيا مانعا صحة ذكاته قوله عز وجل( إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ ) روى عن ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة والسدى( إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ ) يعنى قوله( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ ) وسائر ما حرم في القرآن وقال آخرون إلا ما يتلى عليكم من أكل الصيد وأنتم حرم فكأنه قال على هذا التأويل إلا ما يتلى عليكم في نسق هذا الخطاب قال أبو بكر يحتمل قوله( إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ ) مما قد حصل تحريمه ما روى عن ابن عباس فإذا أريد به ذلك لم يكن اللفظ مجملا لأن ما قد حصل تحريمه قبل ذلك هو معلوم فيكون قوله( أُحِلَّتْ

«19 ـ أحكام لث»

٢٨٩

لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ ) عموما في إباحة جميعها إلا ما خصه الآي التي فيها تحريم ما حرم منها وجعل هذه الإباحة مرتبة على آي الحظر وهو قوله( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ ) ويحتمل أن يريد بقوله( إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ ) إلا ما يبين حرمته فيكون مؤذنا بتحريم بعضها علينا في وقت ثان فلا يسلب ذلك الآية حكم العموم أيضا ويحتمل أن يريد أن بعض بهيمة الأنعام محرم عليكم الآن تحريما يرد بيانه في الثاني فهذا يوجب إجمال قوله تعالى( أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ ) لاستثنائه بعضها فهو مجهول المعنى عندنا فيكون اللفظ مشتملا على إباحة وحظر على وجه الإجمال ويكون حكمه موقوفا على البيان وأولى الأشياء بنا إذا كان في اللفظ احتمال لما وصفنا من الإجمال والعموم حمله على معنى العموم لإمكان استعماله فيكون المستثنى منه ما ذكر تحريمه في القرآن من الميتة ونحوها* فإن قيل قوله تعالى( إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ ) يقتضى تلاوة مستقبلة لا تلاوة ماضية وما قد حصل تحريمه قبل ذلك فقد تلا علينا فوجب حمله على تلاوة ترد في الثاني* قيل له يجوز أن يريد به ما قد تلى علينا ويتلى في الثاني لأن تلاوة القرآن غير مقصورة على حال ماضية دون مستقبلة بل علينا تلاوته في المستقبل كما تلوناه في الماضي فتلاوة ما قد نزل قبل ذلك من القرآن ممكنة في المستقبل وتكون حينئذ فائدة هذا الاستثناء إبانة عن بقاء حكم المحرمات قبل ذلك من بهيمة الأنعام وأنه غير منسوخ ولو أطلق اللفظ من غير استثناء مع تقدم نزول تحريم كثير من بهيمة الأنعام لأوجب ذلك نسخ التحريم وإباحة الجميع منها* قوله تعالى( غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ) قال أبو بكر فمن الناس من يحمله على معنى إلا ما يتلى عليكم من أكل الصيد وأنتم حرم فيكون المستثنى بقوله( إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ ) هو الصيد الذي حرمه على المحرمين وهذا تأويل يؤدى إلى إسقاط حكم الاستثناء الثاني وهو قوله( غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ) ويجعله بمنزلة قوله( إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ ) وهو تحريم الصيد على المحرم وذلك تعسف في التأويل ويوجب ذلك أيضا أن يكون الاستثناء من إباحة بهيمة الأنعام مقصورا على الصيد وقد علمنا أن الميتة من بهيمة الأنعام مستثناة من الإباحة فهذا تأويل لا وجه له ثم لا يخلو من أن يكون قوله( غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ) مستثنى مما يليه من الاستثناء فيصير بمنزلة قوله( إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ ) إلا محلى الصيد وأنتم حرم ولو كان كذلك لوجب أن يكون موجبا لإباحة الصيد في الإحرام لأنه استثناء من

٢٩٠

المحظور إذ كان مثل قوله( إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ ) سوى الصيد مما قد بين وسيبين تحريمه في الثاني أو أن يكون معناه أوفوا بالعقود غير محلى الصيد وأحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم قوله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ ) روى عن السلف فيه وجوه فروى عن ابن عباس أن الشعائر مناسك الحج وقال مجاهد الصفا والمروة والهدى والبدن كل ذلك من الشعائر وقال عطاء فرائض الله التي حدها لعباده وقال الحسن دين الله كله لقوله تعالى( وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) أى دين الله وقيل إنها أعلام الحرم نهاهم أن يتجاوزوها غير محرمين إذا أرادوا دخول مكة وهذه الوجوه كلها في احتمال الآية والأصل في الشعائر أنها مأخوذة من الإشعار وهي الإعلام من جهة الإحساس ومنه مشاعر البدن وهي الحواس والمشاعر أيضا هي المواضع التي قد أشعرت بالعلامات وتقول قد شعرت به أى علمته وقال تعالى( لا يَشْعُرُونَ ) يعنى لا يعلمون ومنه الشاعر لأنه يشعر بفطنته لما لا يشعر به غيره وإذا كان الأصل على ما وصفنا فالشعائر العلامات واحدها شعيرة وهي العلامة التي يشعر بها الشيء ويعلم فقوله تعالى( لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ ) قد انتظم جميع معالم دين الله وهو ما أعلمناه الله تعالى وحده من فرائض دينه وعلاماتها بأن لا يتجاوزوا حدوده ولا يقصروا دونها ولا يضيعوها فينتظم ذلك جميع المعاني التي رويت عن السلف من تأويلها فاقتضى ذلك حظر دخول الحرم إلا محرما وحظر استحلاله بالقتال فيه وحظر قتل من لجأ إليه ويدل أيضا على وجوب السعى بين الصفا والمروة لأنهما من شعائر الله على ما روى عن مجاهد لأن الطواف بهما كان من شريعة إبراهيم عليه السلام وقد طاف النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بهما فثبت أنهما من شعائر الله وقوله عز وجل( وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ ) روى عن ابن عباس وقتادة أن إحلاله هو القتال فيه قال الله تعالى في سورة البقرة( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ) وقد بينا أنه منسوخ وذكرنا قول من روى عنه ذلك وأن قوله( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ) نسخه وقال عطاء حكمه ثابت والقتال في الشهر الحرم محظور وقد اختلف في المراد بقوله( وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ ) فقال قتادة معناه الأشهر الحرم وقال عكرمة هو ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب وجائز أن يكون المراد بقوله( وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ ) هذه الأشهر كلها وجائز أن يكون جميعها في حكم واحد منها وبقية الشهور معلوم حكمها من جهة دلالة اللفظ إذ

٢٩١

كان جميعها في حكم واحد منها فإذا بين حكم واحد منها فقد دل على حكم الجميع قوله تعالى( وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ ) أما الهدى فإنه يقع على كل ما يتقرب به من الذبائح والصدقات قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم المبتكر إلى الجمعة كالمهدى بدنة ثم الذي يليه كالمهدى بقرة ثم الذي يليه كالمهدى شاة ثم الذي يليه كالمهدى دجاجة ثم الذي يليه كالمهدى بيضة فسمى الدجاجة والبيضة هديا وأراد به الصدقة وكذلك قال أصحابنا فيمن قال ثوبي هذا هدى أن عليه أن يتصدق به إلا أن الإطلاق إنما يتناول أحد هذه الأصناف الثلاثة من الإبل والبقر والغنم إلى الحرم وذبحه فيه قال الله تعالى( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) ولا خلاف بين السلف والخلف من أهل العلم أن أدناه شاة وقال تعالى( مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ ) وقال( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) وأقله شاة عند جميع الفقهاء فاسم الهدى إذا أطلق يتناول ذبح أحد هذه الأصناف الثلاثة في الحرم وقوله( وَلَا الْهَدْيَ ) أراد به النهى عن إحلال الهدى الذي قد جعل للذبح في الحرم وإحلاله استباحة لغير ما سيق إليه من القربة وفيه دلالة على حظر الانتفاع بالهدى إذا ساقه صاحبه إلى البيت أو أوجبه هديا من جهة نذر أو غيره وفيه دلالة على حظر الأكل من الهدايا نذرا كان أو واجبا من إحصار أو أجزاء صيد وظاهره يمنع جواز الأكل من هدى المتعة والقران لشمول الاسم له إلا أن الدلالة قد قامت عندنا على جواز الأكل منه وأما قوله عز وجل( وَلَا الْقَلائِدَ ) فإن معناه لا تحلوا القلائد وقد روى في تأويل القلائد وجوه عن السلف فقال ابن عباس أراد الهدى المقلد قال أبو بكر هذا يدل على أن من الهدى ما يقلد ومنه ما لا يقلد والذي يقلد الإبل والبقر والذي لا يقلد الغنم فحظر تعالى إحلال الهدى مقلدا وغير مقلد وقال مجاهد كانوا إذا أحرموا يقلدون أنفسهم والبهائم من لحاء شجر الحرم فكان ذلك أمنا لهم فحظر الله تعالى استباحة ما هذا وصفه وذلك منسوخ في الناس وفي البهائم غير الهدايا وروى نحوه عن قتادة في تقليد الناس لحاء شجر الحرم وقال بعض أهل العلم أراد به قلائد الهدى بأن يتصدقوا بها ولا ينتفعوا بها وروى عن الحسن أنه قال يقلد الهدى بالنعال فإذا لم توجد فالجفاف(1) تقور ثم تجعل في أعناقها ثم يتصدق بها وقيل هو صوف يفتل فيجعل في أعناق الهدى قال أبو

__________________

(1) قوله فالجفاف جمع جف بضم الجيم وتشديد الفاء وهو وعاء الطلع ويقال للوطب الخلق جف أيضا.

٢٩٢

بكر قد دلت الآية على أن تقليد الهدى قربة وأنه يتعلق به حكم كونه هديا وذلك بأن يقلده ويريد أن يهديه فيصير هديا بذلك وإن لم يوجبه بالقول فمتى وجد على هذه الصفة فقد صار هديا لا تجوز استباحته والانتفاع به إلا بأن يذبحه ويتصدق به وقد دل أيضا على أن قلائد الهدى يجب أن يتصدق بها لاحتمال اللفظ لها وكذلك روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم في البدن التي نحر بعضها بمكة وأمر عليا بنحر بعضها وقال له تصدق بحلالها وخطمها ولا تعط الجزار منها شيئا فإنا نعطيه من عندنا وذلك دليل على أنه لا يجوز ركوب الهدى ولا حلبه ولا الانتفاع بلبنه لأن قوله( وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ ) قد تضمن ذلك كله وقد ذكر الله القلائد في غير هذا الموضع بما دل به على القربة فيها وتعلق الأحكام بها وهو قوله تعالى( جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ) فلو لا ما تعلق بالهدى والقلائد من الحرمات والحقوق التي هي لله تعالى كتعلقها بالشهر وبالكعبة لما ضمها إليهما عند الأخبار عما فيها من المنافع وصلاح الناس وقوامهم وروى الحكم عن مجاهد قال لم تنسخ من المائدة إلا هاتان الآيتان( لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ ) نسختها( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) ـ( فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ ) الآية نسختها( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ ) قال أبو بكر يريد به نسخ تحريم القتال في الشهر الحرام ونسخ القلائد التي كانوا يقلدون به أنفسهم وبهائمهم من لحاء شجر الحرم ليأمنوا به ولا يجوز أن يريد نسخ قلائد الهدى لأن ذلك حكم ثابت بالنقل المتواتر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم والصحابة والتابعين بعدهم وروى مالك بن مغول عن عطاء في قوله تعالى( وَلَا الْقَلائِدَ ) قال كانوا يقلدون لحاء شجر الحرم يأمنون به إذا خرجوا فنزلت( لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ ) قال أبو بكر يجوز أن يكون حظر الله انتهاك حرمة من يفعل ذلك على ما كان عليه أهل الجاهلية لأن الناس كانوا مقرين بعد مبعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم على ما كانوا عليه من الأمور التي لا يحظرها العقل إلى أن نسخ الله منها ما شاء فنهى الله عن استحلال حرمة من تقلد بلحاء شجر الحرم ثم نسخ ذلك من قبل أن الله قد أمن المسلمين حيث كانوا بالإسلام وأما المشركين فقد أمر الله بقتلهم حتى يسلموا بقوله تعالى( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) فصار حظر قتل المشرك الذي تقلد بلحاء شجر الحرم منسوخا والمسلمون قد استغنوا عن ذلك فلم يبق له حكم وبقي حكم قلائد الهدى ثابتا وقد حدثنا عبد الله بن

٢٩٣

محمد بن إسحاق المروزى قال حدثنا الحسين بن أبى الربيع الجرجانى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا الثوري عن بيان عن الشعبي قال لم تنسخ من سورة المائدة إلا هذه الآية( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ ) وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا الحسين بن أبى الربيع قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة في قوله تعالى( لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ ) الآية قال منسوخ كان الرجل في الجاهلية إذا خرج من بيته يريد الحج تقلد من السمر فلم يعرض له أحد وإذا رجع تقلد قلادة شعر فلم يعرض له أحد وكان المشرك يومئذ لا يصد عن البيت فأمروا أن لا يقاتلوا في الشهر الحرام ولا عند البيت فنسختها قوله تعالى( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) وروى يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة في قوله تعالى( جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ) حواجز جعلها الله بين الناس في الجاهلية وكان الرجل إذا لقى قاتل أبيه في الشهر الحرام لم يعرض له ولم يقربه وكان الرجل إذا لقى الهدى مقلدا وهو يأكل العصب من الجوع لم يعرض له ولم يقربه وكان الرجل إذا أراد البيت تقلد قلادة من شعر تمنعه من الناس وكان إذا نفر تقلد قلادة من الإذخر أو من لحاء شجر الحرام فمنعت الناس عنه وحدثنا جعفر بن محمد الواسطي قال حدثنا جعفر بن محمد بن اليمان قال حدثنا أبو عبيد الله قال حدثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن على بن أبى طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ ) قال كان المسلمون والمشركون يحجون البيت جميعا فنهى الله تعالى المؤمنين أن يمنعوا أحدا أن يحج البيت أو يعرضوا له من مؤمن أو كافر ثم أنزل الله بعد هذا( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا ) وقال تعالى( ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ ) وقد روى إسحاق بن يوسف عن ابن عون قال سألت الحسن هل نسخ من المائدة شيء فقال لا وهذا يدل على أن قوله تعالى( وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ ) إنما أريد به المؤمنون عند الحسن لأنه إن كان قد أريد به الكفار فذلك منسوخ بقوله( فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا ) وقوله أيضا( وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ ) حظر القتال فيه منسوخ بما قدمنا إلا أن يكون عند الحسن هذا الحكم ثابتا على نحو ما روى عن عطاء قوله تعالى

٢٩٤

( يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً ) روى عن ابن عمر أنه قال أريد به الريح في التجارة وهو نحو قوله تعالى( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ ) وروى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه سئل عن التجارة في الحج فأنزل الله تعالى ذلك وقد ذكرناه فيما تقدم وقال مجاهد في قوله تعالى( يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً ) الأجرة والتجارة قوله تعالى( وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا ) قال مجاهد وعطاء في آخرين هو تعليم إن شاء صاد وإن شاء لم يصد قال أبو بكر هو إطلاق من حظر بمنزلة قوله تعالى( فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ ) لما حظر البيع بقوله( وَذَرُوا الْبَيْعَ ) عقبه بالإطلاق بعد الصلاة بقوله( فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ ) وقوله تعالى( وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا ) قد تضمن إحراما متقدما لأن الإحلال لا يكون إلا بعد الإحرام وهذا يدل على أن قوله( وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ ) قد اقتضى كون من فعل ذلك محرما فيدل على أن سوق الهدى وتقليده يوجب الإحرام ويبدل قوله( وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ ) على أنه غير جائز لأحد دخول مكة إلا بالإحرام إذ كان قوله( وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا ) قد يضمن أن يكون من أم البيت الحرام فعليه إحرام يحل منه ويحل له الاصطياد بعده وقوله( وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا ) قد أراد به الإحلال من الإحرام والخروج من الحرم أيضا لأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قد حظر الاصطياد في الحرم بقوله ولا ينفر صيدها ولا خلاف بين السلف والخلف فيه فعلمنا أنه قد أراد به الخروج من الحرم والإحرام جميعا وهو يدل على جواز الاصطياد لمن حل من إحرامه بالحلق وإن بقاء طواف الزيارة عليه لا يمنع لقوله تعالى( وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا ) وهذا قد حل إذ كان هذا الحلق واقعا للإحلال وقوله تعالى( وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا ) قال ابن عباس وقتادة لا يجر منكم لا يحملنكم وقال أهل اللغة يقال جرمنى زيد على بغضك أو حملني عليه وقال الفراء لا يكسبنكم يقال جرمت على أهلى أى كسبت لهم وفلان جريمة أهله أى كاسبهم قال الشاعر :

جريمة ناهض في رأس نيق

ترى لعظام ما جمعت صليبا(1)

__________________

(1) قوله جريمة إلى آخره البيت لأبى خراش الهذلي يصف عقابا تكسب لفرخها الناهض وتزقه ما تأكله من لحم طيرا كلته وتبقى العظاء يسيل منها الصليب وهو الودك كما في التهذيب للأزهرى.

٢٩٥

ويقال جرم يجرم جرما إذا قطع وقوله تعالى( شَنَآنُ قَوْمٍ ) قرئ بفتح النون وسكونها فمن فتح النون جعله مصدرا من قولك شنئته أشنأه شنآنا والشنآن البغض فكأنه قال ولا يجر منكم بغض قوم وكذلك روى عن ابن عباس وقتادة قالا عداوة قوم ومن قرأ بسكون النون فمعناه بغيض قوم فنهاهم الله بهذه الآية أن يتجاوزوا الحق إلى الظلم والتعدي لأجل تعدى الكفار بصدهم المسلمين عن المسجد الحرام ومثله قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك * وقوله تعالى( وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى ) يقتضى ظاهره إيجاب التعاون على كل ما كان تعالى لأن البر هو طاعات الله وقوله تعالى( وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ ) نهى عن معاونة غيرنا على معاصى الله تعالى قوله تعالى( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ ) الآية الميتة ما فارقته الروح بغير تزكية مما شرط علينا الزكاة في إباحته وأما الدم فالمحرم منه هو المسفوح لقوله تعالى( قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً ) وقد بينا ذلك في سورة البقرة* والدليل أيضا على أن المحرم منه هو المسفوح اتفاق المسلمين على إباحة الكبد والطحال وهما دمان وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أحلت لي ميتتان ودمان يعنى بالدمين الكبد والطحال فأباحهما وهما دمان إذ ليسا بمسفوح فدل على إباحة كل ما ليس بمسفوح من الدماء فإن قيل لما حصر المباح منه بعدد دل على حظر ما عداه قيل هذا غلط لأن الحصر بالعدد لا يدل على أن ما عداه حكمه بخلافه ومع ذلك فلا خلاف أن مما عداه من الدماء ما هو المباح وهو الدم الذي يبقى في حلل اللحم بعد الذبح وما يبقى منه في العروق فدل على أن حصره الدمين بالعدد وتخصيصهما بالذكر لم يقتض حظر جميع ما عداهما من الدماء وأيضا فإنه لما قال( أَوْ دَماً مَسْفُوحاً ) ثم قال( وَالدَّمَ ) كانت الألف واللام للمعهود وهو الدم المخصوص بالصفة وهو أن يكون مسفوحا وقولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أحلت لي ميتتان ودمان إنما ورد مؤكدا لمقتضى قوله عز وجل( قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً ) إذ ليسا بمسفوحين ولو لم يره لكانت دلالة الآية كافية في الاقتصار بالتحريم على المسفوح منه دون غيره وأن الكبد والطحال غير محرمين وقوله تعالى( وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ ) فإنه قد تناول شجمه وعظمه وسائر أجزائه ألا ترى أن الشحم المخالط للحم قد اقتضاه اللفظ لأن اسم

٢٩٦

اللحم يتناوله ولا خلاف بين الفقهاء في ذلك وإنما ذكر اللحم لأنه معظم منافعه وأيضا فإن تحريم الخنزير لما كان منهما اقتضى ذلك تحريم سائر أجزائه كالميتة والدم وقد ذكرنا حكم شعره وعظمه فيما تقدم وأما قوله( وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ ) فإن ظاهره يقتضى تحريم ما سمى عليه غير الله لأن الإهلال هو إظهار الذكر والتسمية وأصله استهلال الصبى إذا صاح حين يولد ومنه إهلال المحرم فينتظم ذلك تحريم ما سمى عليه الأوثان على ما كانت العرب تفعله وينتظم أيضا تحريم ما سمى عليه اسم غير الله أى اسم كان فيوجب ذلك أنه لو قال عند الذبح باسم زيد أو عمرو أن يكون غير مذكى وهذا يوجب أن يكون ترك التسمية عليه موجبا تحريمها وذلك لأن أحدا لا يفرق بين تسمية زيد على الذبيحة ترك التسمية رأسا* قوله تعالى( وَالْمُنْخَنِقَةُ ) فإنه روى عن الحسن وقتادة والسدى والضحاك أنها التي تختنق بحبل الصائد أو غيره حتى تموت ومن نحوه حديث عباية بن رفاعة عن رافع بن خديج أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال ذكوا بكل شيء إلا السن والظفر وهذا عندنا على السن والظفر غير المنزوعين لأنه يصير في معنى المخنوق وأما قوله تعالى( وَالْمَوْقُوذَةُ ) فإنه روى عن ابن عباس والحسن وقتادة والضحاك والسدى أنها المضروبة بالخشب ونحوه حتى تموت يقال فيه وقذه يقذه وقذا وهو وقيذ إذا ضربه حتى يشفى على الهلاك ويدخل في الموقوذة كل ما قتل منها على غير وجه الزكاة وقد روى أبو عامر العقدى عن زهير بن محمد عن زيد بن أسلم عن ابن عمر أنه كان يقول في المقتولة بالبندقة تلك الموقوذة وروى شعبة عن قتادة عن عقبة بن صهبان عن عبد الله بن المغفل أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم نهى عن الخذف وقال أنها لا تنكأ العدو ولا تصيد الصيد ولكنها تكسر السن وتفقأ العين ونظير ذلك ما حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن عيسى قال حدثنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن همام عن عدى بن حاتم قال قلت يا رسول الله أرمى بالمعراض فأصيب أفآكل قال إذا رميت بالمعراض وذكرت اسم الله فأصاب فخرق فكل وإن أصاب بعرضه فلا تأكل * حدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثنا هشيم عن مجالد وزكريا وغيرهما عن الشعبي عن عدى بن حاتم قال سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم عن صيد المعراض فقال ما أصاب بحده فخرق فكل وما أصاب بعرضه فقتل فإنه وقيذ فلا تأكل فجعل ما أصاب بعرضه من غير جراحة موقوذة وإن لم يكن

٢٩٧

مقدورا على ذكاته وفي ذلك دليل على أن شرط ذكاة الصيد الجراحة وإسالة الدم وإن لم يكن مقدورا على ذبحه واستيفاء شروط الذكاة فيه وعموم قوله [والموقوذة] عام في المقدور على ذكاته وفي غيره مما لا يقدر على ذكاته وحدثنا عبد الباقي قال حدثنا أحمد بن محمد بن النضر قال حدثنا معاوية بن عمر قال حدثنا زائدة قال حدثنا عاصم بن أبى النجود عن زر بن حبيش قال سمعت عمر بن الخطاب يقول يا أيها الناس هاجروا ولا تهجروا وإياكم والأرنب يحذفها أحدكم بالعصا أو الحجر يأكلها ولكن ليذك لكم الأسل الرماح والنبل وأما قوله تعالى [والمتردية] فإنه روى عن ابن عباس والحسن والضحاك وقتادة قالوا هي الساقطة من رأس جبل أو في بئر فتموت وروى مسروق عن عبد الله بن مسعود قال إذا رميت صيدا من على جبل فمات فلا تأكله فإنى أخشى أن يكون التردي هو الذي قتله وإذا رميت طيرا فوقع في ماء فمات فلا تطعمه فإنى أخشى أن يكون الغرق قتله* قال أبو بكر لما وجد هناك سببا آخر وهو التردي وقد يحدث عنه الموت حظر أكله وكذلك الوقوع في الماء وقد روى نحو ذلك النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم حدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل قال حدثنا ابن عرفة قال حدثنا ابن المبارك عن عاصم الأحول عن الشعبي عن عدى بن حاتم أنه سأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الصيد فقال إذا رميت بسهمك وسميت فكل إن قتل إلا أن تصيبه في الماء فلا ترى أيهما قتله ونظيره ما روى عنهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في صيد الكلب أنه قال إذا أرسلت كلبك المعلم وسميت فكل وإن خالطه كلب آخر فلا تأكل فحظرصلى‌الله‌عليه‌وسلم أكله إذا وجد مع الرمي سبب آخر يجوز حدوث الموت منه مما لا يكون ذكاة وهو الوقوع في الماء ومشاركة كلب آخر معه وكذلك قول عبد الله في الذي يرمى الصيد وهو على الجبل فيتردى أنه لا يؤكل لاجتماع سبب الحظر والإباحة في تلفه فجعل الحكم للحظر دون الإباحة وكذلك لو اشترك مجوسي ومسلم في قتل صيد أو ذبحه لم يؤكل وجميع ما ذكرنا أصل في أنه متى اجتمع سبب الحظر وسبب الإباحة كان الحكم للحظر دون الإباحة* وأما قوله تعالى( وَالنَّطِيحَةُ ) فإنه روى عن الحسن والضحاك وقتادة والسدى أنها المنطوحة حتى تموت وقال بعضهم هي الناطحة حتى تموت قال أبو بكر هو عليهما جميعا فلا فرق بين أن تموت من نطحها لغيرها وبين موتها من نطح غيرها لها* وأما قوله( وَما أَكَلَ السَّبُعُ ) فإن معناه

٢٩٨

ما أكل منه السبع حتى يموت فحذف والعرب تسمى ما قتله السبع وأكل منه أكيلة السبع ويسمون الباقي منه أيضا أكيلة السبع قال أبو عبيدة( ما أَكَلَ السَّبُعُ ) مما أكل السبع فيأكل منه ويبقى بعضه وإنما هو فريسته وجميع ما تقدم ذكره في الآية بالنهى عنه قد أريد به الموت من ذلك وقد كان أهل الجاهلية يأكلون جميع ذلك فحرمه الله تعالى ودل بذلك عل أن سائر الأسباب التي يحدث عنها الموت للأنعام محظورا أكلها بعد أن لا يكون من فعل أدمى على وجه التذكية* وأما قوله تعالى( إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ ) فإنه معلوم أن الاستثناء راجع إلى بعض المذكور دون جميعه لأن قوله( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ ) لا خلاف أن الاستثناء غير راجع إليه وإن ذلك لا يجوز أن تلحقه الزكاة وقد كان حكم الاستثناء أن يرجع إلى ما يليه وقد ثبت أنه لم يعد إلى ما قبل المنخنقة فكان حكم العموم فيه قائما وكان الاستثناء عائد إلى المذكور من عند قوله( وَالْمُنْخَنِقَةُ ) لما روى ذلك عن على وابن عباس والحسن وقتادة وقالوا كلهم إن أدركت ذكاته بأن توجد له عين تطرف أو ذنب يتحرك فأكله جائز وحكى عن بعضهم أنه قال الاستثناء عائدا إلى قوله( وَما أَكَلَ السَّبُعُ ) دون ما تقدم لأنه يليه وليس هذا بشيء لاتفاق السلف على خلافه ولأنه لا خلاف أن سبعا لو أخذ قطعة من لحم البهيمة فأكلها أو تردى شاة من جبل ولم يشف بها ذلك على الموت فذكاها صاحبها أن ذلك جائز مباح الأكل وكذلك النطيحة وما ذكر معها فثبت أن الاستثناء راجع إلى جميع المذكور من عند قوله( وَالْمُنْخَنِقَةُ ) وإنما قوله( إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ ) فإنه استثناء منقطع بمنزلة قوله لكن ما ذكيتم كقوله( فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ ) ومعناه لكن قوم يونس وقوله( طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى ) ومعناه لكن تذكرة لمن يخشى ونظائره في القرآن كثيرة* وقد اختلف الفقهاء في ذكاة الموقوذة ونحوها فذكر محمد في الأصل في المتردية إذا أدركت ذكاتها قبل أن تموت أكلت وكذلك الموقوذة والنطيحة وما أكل السبع وعن أبى يوسف في الإملاء أنه إذا بلغ به ذلك إلى حال لا يعيش في مثله لم يؤكل وإن ذكى قبل الموت وذكر ابن سماعة عن محمد أنه إن كان يعيش منه اليوم ونحوه أو دونه فذكاها حلت وإن كان لا يبقى إلا كبقاء المذبوح لم يؤكل وإن ذبح واحتج بأن عمر كانت به جراحة متلفة وصحت عهوده

٢٩٩

وأوامره ولو قتله قاتل في ذلك الوقت كان عليه القود وقال مالك إذا أدركت ذكاتها وهي حية تطرف أكلت وقال الحسن بن صالح إذا صارت بحال لا تعيش أبدا لم تؤكل وإن ذبحت وقال الأوزاعى إذا كان فيها حياة فذبحت أكلت والمصيودة إذا ذبحت لم تؤكل وقال الليث إذا كانت حية وقد أخرج السبع ما في جوفها أكلت إلا ما بان عنها وقال الشافعى في السبع إذا شق بطن الشاة ونستيقن أنها تموت إن لم تذك فذكيت فلا بأس بأكلها* قال أبو بكر قوله تعالى( إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ ) يقتضى ذكاتها مادامت حية فلا فرق في ذلك بين أن تعيش من مثله أولا تعيش وأن تبقى قصير المدة أو طويلها وكذلك روى عن على وابن عباس أنه إذا تحرك شيء منها صحت ذكاتها ولم يختلفوا في الأنعام إذا أصابتها الأمراض المتلفة التي تعيش معها مدة قصيرة أو طويلة إن ذكاتها بالذبح فكذلك المتردية ونحوها والله أعلم.

باب في شرط الذكاة قال أبو بكر قوله تعالى( إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ ) اسم شرعي يعتوره معان منها موضع الذكاة وما يقطع منه ومنها الآلة ومنها الدين ومنها التسمية في حال الذكر وذلك فيما كانت ذكاته بالذبح عند القدرة فأما السمك فإن ذكاته بحدوث الموت فيه عن سبب من خارج وما مات حتف أنفه فغير مذكى وقد بينا ذلك فيما تقدم من الكلام في الطافي في سورة البقرة* فأما موضع الذكاة في الحيوان المقدور على ذبحه فهو اللبة وما فوق ذلك إلى اللحيين وقال أبو حنيفة في الجامع الصغير لا بأس بالذبح في الحلق كله أسفل الحلق وأوسطه وأعلاه وأما ما يجب قطعه فهو الأوداج وهي أربعة الحلقوم والمريء والعرقان اللذان بينهما الحلقوم والمريء فإذا فرى المذكى ذلك أجمع فقد أكمل الذكاة على تمامها وسنتها فإن قصر عن ذلك ففرى من هذه الأربعة ثلاثة فإن بشر بن الوليد روى عن أبى يوسف أن أبا حنيفة قال إذا قطع أكثر الأوداج أكل وإذا قطع ثلاثة منها أكل من أى جانب كان وكذلك قال أبو يوسف ومحمد ثم قال أبو يوسف بعد ذلك لا تأكل حتى تقطع الحلقوم والمريء وأحد العرقين وقال مالك بن أنس والليث يحتاج أن يقطع الأوداج والحلقوم وإن ترك شيئا منها لم يجزه ولم يذكر المريء وقال الثوري لا بأس إذا قطع الأوداج وإن لم يقطع الحلقوم وقال الشافعى أقل ما يجزى من الذكاة قطع الحلقوم

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

المجتمع ، مثل :

( إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) (١) .

ومثل هذه التعابير كثيرة في آيات القران والروايات الاسلامية ، وفي جميعها اعتبر « العلماء » فئة خاصة تقع عليها مسؤولية جسمية في المجتمع. اذن ، لا شك في وجود فئة معيّنة في الامة الاسلامية باسم « الروحانيون » او بالتعبير الاسلامي « العلماء ».

من المنظار الاسلامي

ان ظاهرة التخصص امر طبيعي في العلم ( خصوصاً في عالمنا المعاصر ) ، وهذا التخصص يرفع من مستوىٰ الاعمال ويجعلها متّقنة ودقيقة للغاية ، كما انه لا يمكن لاحد ان يتخصص في اكثر من مجالين كأقصىٰ شيء. وفلسفة هذا التقسيم والتخصيص واضحة ايضاً ، لان تطور العلوم واتّساعها يجعل من الصعب علىٰ الشخص الإلمام بجميع العلوم ، مثل : الطب والنهدسة والفيزياء والكيمياء والزراعة والخياطة والتجارة الخ.

اذن لا بدّ ان يقسم المجتمع الىٰ فئات ومجموعات مختلفة في تخصصها واعمالها ، ولهذا تجد ظهور مختلف الفئات علىٰ مدىٰ آلاف السنين

________________

(١) سورة فاطر : ٢٨.

٤٢١

من تاريخ البشرية ، مع ان هذه التقسيمات اصبحت اكثر بروزاً في عصرنا الحاضر وادقّ من الناحية العلمية ، اذن وفيما يتعلق بالدين والايديولوجية الاسلامية فنحن بحاجة الىٰ فئة متخصصة في معارفه وعلومه التي تشمل جميع مجالات الحياة ، ومن خلال هذه الفئة نستطيع توجيه وقيادة المجتمع أيديولوجياً ، وضمان المتطلبات الحياتية للأمة ، لانه وكما هو الحال مع سائر المواضيع التي يحتاجها المجتمع ، لا يستطيع كل شخص ان يجتهد بنفسه في المسائل الاسلامية ويتبحّر فيها.

اصدقائي الاعزاء !

ومع الاخذ بما قلته من ضرورة التخصص في العلوم باعتبارها ضرورة عصرية تتطلبها سعة العلوم وتعقيدات الحياة ، فان المسائل الدينية والايديولوجية ايضاً تحتاج الىٰ اشخاص مختصين بالمعارف الدينية ومتفقهين فيها وهؤلاء هم « الروحانيون » او حسب التعبير الاسلامي « العلماء » ، ولكن كيف قبلتم بوجود متخصصين في جميع الفروع ، مثل : الطب والهندسة والاقتصاد والاجتماع والقانون واعتبرتموه ضرورة لابد منها ، بينما عندما وصل الامر الىٰ المعارف والعلوم الاسلامية تساءلتم عن فلسفة ظهور هذه الفئة التي تسمىٰ بـ « العلماء » ؟

بيضاوي : الفارق بين الاسلام والمجالات التي ذكرتها مثل الطب ، هو ان الدين يخص جميع الناس.

الشيخ : ايّها السيد بيضاوي ، أليس الطب ايضاً لجميع الناس والكل

٤٢٢

بحاجة اليه ؟! وما هو وجه التمايز في ذلك بين الدين والمجالات الاخرىٰ ؟! وكون الدين لكل الناس ، لا يعني ان كل الناس يستطيعون ان يلمّوا بجميع جوانبه ويطعلوا علىٰ كل معارفه ، وبحيث يمكنهم تقديم اجوبة لكل ما يواجههم في حياتهم من تساؤلات دينية لان هذا الامر غير ممكناً. ولهذا ظهرت الحاجة الىٰ فئة خاصة في المجتمع الاسلامي متخصصة في المعارف الاسلامية تسمىٰ بـ « الروحانيين » او « العلماء ».

الاساس هو التخصص العلمي لا الملابس

ولابدّ هنا من التذكير بهذه النقطة ، وهي ان البحث عن الروحانيين يستهدف تخصصهم العلمي بعنوان فئة معيّنة في المسائل الاسلامية وننظر فيه الىٰ ملابسهم ، وهذا ما امر به القرآن من تفقه مجموعة من الاشخاص في الدين ، وما املته الضرورات الاجتماعية والعلمية ، بهذا الشكل ظهرت شريحة الروحانيون او العلماء ، اما الملابس فهي قضية عرضية وليست في القضايا الاسلامية ، لكنهم حساسون من ملابس العلماء ، لانه وكما يعبر عن ذلك الدكتور شريعتي ، هذه الحساسية تشبه الحالات النفسية التي تعاني منها المرأة الحامل.

أي انه نوع من الشعور الفردي ، لا علاقة لنا به.

٤٢٣

ملابس الروحانيين

اصدقائي الاعزاء !

اساس بحثنا حول العلماء ، هو التخصّص العلمي الذي يمتلكوه في المسائل الاسلامية وليست الملابس ولكن هناك حقيقة اُخرىٰ تواجهنا وهي الحساسية من نوع ملابسهم ، لانه :

اولاً ـ اذا كان الآخرون احراراً في اختيار ملابسهم وتراهم احياناً يجعلون الغرب قدوتهم في ذلك ، فلماذا نسلب هذا الحق من العلماء ، ونطالبهم بعدم لبس العمامة والجبة والعباءة ؟!

وكونهم يلبسون ما يرونه مناسباً لهم ، فقد جعلوا الرسول الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله والائمة المعصومينعليهم‌السلام اسوتهم في الملابس ، لانه وحسب الوثائق التاريخية والاسلامية ، ليس هناك شك من انهم كانوا يلبسون العمامة والعباءة والملابس الطويلة ، ومع ذلك فالعلماء احرار في اختيار نوع ملابسهم ، والنموذج الذي اختاروه هي تلك الملابس المحلية التي كان يرتدي مثلها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله والائمة المعصومونعليهم‌السلام من بعده ، وقد ذكرناها بأنها محلية لانه ليست في الاسلام ملابس خاصة.

ثانياً ـ موضع امتلاك كل مجموعة متخصصة نوع محدد من الملابس ، هي قضية مطروحة في عالمنا الحاضر ، وهذا الامر يسهّل وصول الناس لهم ، كالاطباء والممرضين الذين يرتدون لون محدد من الملابس ، لذلك يمكن لمراجعي المستشفيات التعرف عليهم ببساطة ، وهكذا بالنسبة للعلماء فزيّهم

٤٢٤

المعروف يسهل عملية رجوع الناس اليهم لمعرفة احكام الشريعة.

ثالثاً ـ وجود زيّ خاص ، وبالخصوص في عصرنا الحاضر ، يعد حائلاً امام تلبس كل مخادع ومتمايل بثياب العلماء ، ولو حذف هذا الزي ، فان عملية ادعاء كل خائن ومزيف بأنه من العلماء والروحانيين ، ولأزداد عدد المنحرفين والمزيفين بين فئة العلماء ـ مع وجود قلتهم حالياً ـ فلماذا كل هذا التحسس من زيّ العلماء ، مما ينتهي الىٰ نتائج لا تحمد عواقبها.

الروحاني الحقيقي

حسن ، الطالب الجامعي : يا عمّ ! كلامك حول العلماء منطقي تماماً ، ونحن نقبله ابتداءً ، ولكن هل انت تدافع عن جميع الروحانيين ؟! في حين ان اكثرهم يعانون من نقاط ضعف كثيرة وفي بعض الاحيان اضروا بالاسلام كثيراً.

الشيخ : أبداً ، انا لا ادافع عن العلماء بشكل مطلق ، لان هذا العمل لا يرتضيه الاسلام ولا قادته ، كما لا يقبل به العقل والمنطق السليم.

وما اقصده هنا هو بيان هذه الحقيقة وهي : ان انتقاد الروحانيين بشكل عام وكلّي بعيد عن المنطق والانصاف ، وهنا أيضاً ذكر مقولة للدكتور علي شريعتي ، حيث يقول في احدىٰ خطاباته :

« المستقلّون فكرياً ، والذين يصدرون الاحكام بعد بحث وتمحيص يعلمون جيداً الدور الذي لعبه العلماء والدين والمسجد والبازار في انتفاضات

٤٢٥

وثورات القرن الاخير ، ولابدّ ان تعلموا انه انه لا يوجد في الاسلام جهاز روحاني موحّد كما هو الحال في المسيحية ، حتىٰ يمكن الحكم عليه بشكل عام ، بل العلماء في الاسلام ، هم نخبة طبيعية من الجماهير والمجتمع ، ولكل واحد منهم شخصيته المستقلة ، لذا لا يوجد في الاسلام طبقة موحّدة ومنظّمة باسم « الروحانية » ، فالحديث عنها والحكم عليها ، لا يكون إلّا بسبب الجهل بها.

وعلىٰ الرغم من وجود اشخاص منحطّين ، وحتىٰ عملاء للسلطة بينهم ، إلّا انه ليس من المنطق مقارنتهم بتشكيلات الروحانية المسيحية الوسطىٰ »(١) .

نعم ، هناك حقيقة قائمة وهي ان العلماء تيار استمر علىٰ مدىٰ تاريخ الاسلام وسيبقىٰ مستمراً ، وان الذي يريد مهاجمته بشكل عام دون تمييز ، يكون قد انحرف وزلّ عن الطريق القويم ، كما ان المدافعين عنهم دون قيد او شرط مخطئون أيضاً ، مع ان القرآن والروايات امتدحت العلماء والروحانيين وحظوا بتفضيل من قبل الله عزّ وجلّ.

لكن تبقىٰ هذه الحقيقة في الاسلام ، وهو ان قيمة العالم ومكانته تكون في تحمله لمسؤولياته الجسمية والوفاء بعهده والتزاماته امام الله عزّ وجل ، فلو انحرف عن هذا الطريق سيكون من اسوء الناس ، كما يقول امير المؤمنين الامام عليعليه‌السلام :

« العلماء اُمناء الله علىٰ حلاله وحرامه مالم يأتوا أبواب السلاطين » .

________________

(١) « القاسطين والمارقين والناكثين » : ٢٤١.

٤٢٦

أو ما حدد الرسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله من وظيفة للعلماء وهي مكافحة البدع والقوانين الباطلة ، من خلال توعية الناس وارشادهم ، ثم اضاف :

« إذا ظهرت البدع فعلىٰ العالم ان يظهر علمه وإلّا فعليه لعنة الله » .

وعندما سُئِل الامام عليعليه‌السلام : مَن خير الخلق بعد ائمة الهدىٰعليهم‌السلام ؟

قال : العلماء اذا صلحوا.

قيل : فمن شرار خلق الله بعد ابليس ؟

قال : العلماء اذا فسدوا(١) .

أو كما يقول القرآن الكريم :

( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ) (٢) .

ومع الأخذ بهذه الحقائق والعديد من النماذج الاسلامية الاُخرىٰ فيما يتعلق بموضوع بحثناً ، لا يمكن لي ولا لأي مسلم مطّلع علىٰ الاسلام واحكامه ، ان يدافع عن الروحانيين بشكل مطلق لأنّ مثل هذا العمل لم يقم به أي مدافع علىٰ الاسلام ، ولا يقبل به المنطق والعقل أيضاً.

والعلماء الشيعة علىٰ قسمين ( رغم انه لا يمكن مقارنتهم بعلماء اهل السنة ) :

________________

(١) تفسير البرهان : ١ / ١١٨.

(٢) سورة البقرة : ١٥٩.

٤٢٧

القسم الاول :

رسالي وملتزم ومسؤول ومجاهد ، يقف علىٰ الدوام بوجه الطغاة وينصر المظلومين ، وهؤلاء هم الذين نذروا حياتهم للمحرومين وفي سبيل الله ، ومن اجل ارشاد الناس الىٰ الله ، فدخلوا السجون ، وتحمّلوا التعذيب وصعوبات كثيرة ، وارتقىٰ بعضهم اعواد المشانق ونال الشهادة ، وهؤلاء هم المنادون بالحق والوارثون للانبياء ، فهم العلماء والروحانيون الذين يمتدحهم القرآن الكريم والرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله والائمةعليهم‌السلام في الآيات والاحاديث ، وهم الذين يقول فيهم أمير المؤمنين عليعليه‌السلام :

« وما اخذ الله علىٰ العلماء ان لا يقاروا علىٰ كظة ظالم ولا سغب مظلوم »(١) .

أجل ، هؤلاء هم العلماء والروحانيون الحقيقيون ، الذين يجدر بي وبغيري ان ندافع عنهم.

القسم الثاني :

وهم الأقلية التي نست وظيفتها ومسؤوليتها ، وباعت دينها بدنياها ، اولئك الذين نسوا مكانتهم عند الله والناس ووقفوا بجانب الجبابرة أو هيّئوا الأرضية لتعدّي الجبابرة والظلمة علىٰ حقوق الناس والقانون من خلال حيادهم ووقوفهم موقف المتفرّج على ما يحدث في المجتمع.

________________

(١) نهج البلاغة.

٤٢٨

هؤلاء لا يجدر بنا ان نسمّيهم علماء أو روحانيون ، وليست لهم أية كرامة او مكانة جليلة ، بل هم من الذين شخّصهم الحديث النبوي الشريف ، « رأوا الفتنة ولم يظهروا علمهم ، فعليهم لعنة الله ».

اغلبية أم اقلية ؟

حسن ، الطالب الجامعي : نشكرك علىٰ بيانكم الجميل والمنطقي ، ولكن ، هل لكم ان تقولوا لنا رأيكم في الاغلبية منهم ؟

الشيخ : برأيي ان الاغلبية تقريباً هي ضمن الاتجاه الصحيح او قريبة منه ، لان اكثر الروحانيون هم من طلاب الحوزة المضحّين والاتقياء ، الذين يعيشون ظروفاً معيشية صعبة ( مقارنة بالاخوة طلاب الجامعات ) ـ علىٰ الرغم من ان حقوق الفئتين « الحوزويين والجامعيين » مهدورة كباقي فئات المجتمع ـ.

واكثر الطلبة الحوزويين يفتقدون ابسط لوازم الدراسة من المدارس نفسها حتىٰ الاقسام الداخلية والامكانيات الرياضية واماكن النزهة المكتبات ، لكنهم علىٰ الرغم من ذلك جادون في دراستهم وطلبهم للعلم وبناء شخصيتهم الروحية لكي يتحملوا في المستقبل مسؤوليتهم الجسمية ( التي يشعر بها ويعيها العديد منهم ).

وما عدىٰ هذه الاغلبية ، هناك بين الروحانيين الآخرين ، خاصة الوعاظ منهم ، عدد لا بأس به ممن يأخذ علىٰ عاتقه مسؤولية تربية الناس وارشادهم فكرياً.

٤٢٩

ولكن ، بني حسن ، أنت طالب جامعي ، وعندما نقول : « وعاظ » أو « علماء رساليون » تتصور مستوىٰ معين من الفكر ، وكأن جميع الناس في هذا البلد طلاب جامعين مثلك ، في حين ان هذه التصور خاطئ ؛ لانه يجب ان لا ننسىٰ وجود نسبة كبيرة واكثرية محرومة وفقيرة في بلادنا ، وهؤلاء يحتاجون الىٰ لغة اخرىٰ في الخطاب ، غير لغة المثقفين والجامعيين ، هؤلاء بحاجة الىٰ من يخاطبهم بلسانهم ، والروحانيون يمتلكون هذه القدرة في الخطاب لانهم من ابناء هذا الشعب المحروم وقريبون منه ، ولان شعبنا متدين يسمع لحديث اهل الدين والعلماء ، لان الدين عنده متأصّل في الاعماق ، فلماذا ننسىٰ هذه الاغلبية المحرومة ونتركها فريسة للأعلام والتضليل الاستكباري الكافر.

ان نجاح اية حركة ثورية او اصلاحية هي رهن نفوذ افكارهم وعقائدها في الجماهير الحقيقية وتحريكها ، فليس هناك شك في ضرورة الاستفادة من هذه القوة الجماهير الجبابرة لخدمة الاسلام والمسلمين المحرومين ، فهل يستطيع العلماء الذين يتكلمون بلغة المثقفين والجامعيين القيام بهذه المهمة ؟! وهل تستطيع تلك الجماهير المسلمة القروية فهم ما يقوله اولئك العلماء الذين يتحدثون بلغة النخبة ؟ طبعاً لا ، اذن ، ومن اجل توعية تلك الجماهير التي جعلتها سياسات المستعمر متخلّفة فكرياً ، لابدّ م الاستفادة من روحانيين يتكلمون لغة بسيطة وليسوا من الطراز الأول ، وهؤلاء الروحانيون هم الذين يمدون جسور العلاقة مع تلك الجماهير المليونية وتوجههم نحو مسيرة الكلمال.

أجل يا بني العزيز حسن ، لا تنسىٰ ان شعبنا ليس جميعه طلاب

٤٣٠

جامعات ، كما ان العلماء الذين يستطيعون مخاطبتهم بلغتهم ليسوا اولئك العلماء الذين يؤمنون في التكامل مع الجامعيين ومتطلباتهم الايديولوجية.

وعلىٰ هذا الاساس فإن عدداً قليلاً من الروحانيين ، لا يؤمنون بأي عمل ، أو انهم يقومون بدور سلبي ، مخالف لما اوجبته عليهم الرسالة ، وهؤلاء الاقلية كما يعبّر عنهم الامام العسكريعليه‌السلام : « هم اضرّ علىٰ ضعفاء شيعتنا من جيش يزيد عليه اللعنة والعذاب علىٰ الحسين بن عليعليه‌السلام واصحابه »(١) .

دور العلماء في حركة الانسان التكاملية

بيضاوي : ايّها الشيخ ، مع اننا فهمنا من خلال كلامكم دور العلماء والمسؤولية الملقاة علىٰ عاتقهم ، لكنني اود ان اتعرّف علىٰ الخدمات التي قدموها والالتزامات التي انجزوها.

الشيخ : ان دور العلماء الحقيقيين يمكن تلخيصه بأن طريقهم طريق الانبياء ومسؤولياتهم تجاه الناس هي من نفس نوع مسؤولية الانبياء ، اي ان مسؤوليتهم هي ارشاد وقيادة المجتمع نحو الله والتكامل وتعبئة الناس للتطور وتطبيق النظام التوحيدي الذي تضمن فيه العدالة والمساواة والنمو الفكري والعلمي والثقافي ، والاستفادة العادلة من جميع الامكانيات والقدرات الالهية والمصادر الطبيعية لجميع البشر.

بعبارة اخرىٰ تحريك الجتمع لتكامل شامل ، مادي ومعنوي وعلمي

________________

(١) تفسير البرهان : ١ / ١١٨.

٤٣١

وانساني ، ولانه من الطبيعي ان يصطدموا في هذا المسير مع قوىٰ مستبدة وموانع ، كان من الضروري ان يعبئوا جميع الامكانيات والطاقات لازالة هذه الموانع الشيطانية والاستمرار في المسيرة ، وبهذا الشكل تكون مسؤولية العلماء الاساسية هي توعية الناس وترشيدهم لاقامة نظام الهي وحكومة اسلامية تضمن للجميع امكانيات التعالي والرقي من خلال القسط والعدل الاسلامي ، وكذلك محاربة الحكومات المستبدة والطاغوتية من اجل اجتثاثها وارساء اسس نظام اسلامي عادل علىٰ انقاضها.

حسن ، الطالب الجامعي : هذه المسؤولية التي رأيتموها للعلماء ، هي من اسمىٰ الاعمال التي يقوم بها العالم ويسعىٰ اليها ، ولكن هل هناك من العلماء من قام بخطوات حقيقية في هذا الطريق ؟

الشيخ : تاريخ العلماء علىٰ مدىٰ قرون يثبت ذلك.

اصدقائي الاعزاء !

الكلام عن العلماء الحقيقيين والدور الذي قاموا به ، يدعونا الىٰ العودة للتاريخ ، ومن هناك يمكننا فهم قيمة التضحيات التي قدموها في سبيل الاهداف الكبرىٰ والانسانية وفي سبيل مسيرة التكامل التي حدد معالمها الانبياء ، لان تاريخ كفاح ومقارعة « علماء الشيعة » للجبابرة في عصرهم ومن اجل اقامة الحكم الاسلامي يعود الىٰ ما بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله مباشرة ، ولان أباذر والمقداد وسلمان وعمار ومن تلاهم من امثال حجر بن عدي وعمرو بن الحمق وسعيد بن جبير من شهداء الاسلام الاوائل ، جميعهم من علماء

٤٣٢

الاسلام ، ولم يكونوا مسلمين عاديين.

أجل ان تاريخ علماء الشيعة الحقيقيين ، هو طريق يمرّ بين النار والدماء ومستمر هكذا الىٰ الآن ، ولو اردنا حساب عدد شهداء الاسلام من العلماء الشيعة ( دون الذين سقطوا في فترة حياة الائمةعليهم‌السلام ) لتجاوز عددهم المئات ، وفي ذلك يمكنكم الرجوع الىٰ كتاب « شهداء الفضيلة » للعلامة الامينيرحمه‌الله ، الذي ذكر فيه بالتفصيل شهداء علماء الشيعة علىٰ مدىٰ التاريخ ، مع انه اختار فقط كبار العلماء الذين كانوا يجارون علماء عصره ، ولو اضفنا الىٰ ذلك سائر طلاب العلوم الدينية والفضلاء الذين سقطوا شهداء في مواجهات مع قوىٰ البغي ، لأرتفع العدد كثيراً جداً.

الحفاظ علىٰ مصادر الثقافة الاسلامية

ان اهم ما قام به علماء الشيعة علىٰ مدىٰ تاريخهم هو حفظهم وصيانتهم بأحسن وجه لتراث الشيعة الثقافي والمصادر الاولية للأيديولوجية الاسلامية ، وقد استطاع علماء الشيعة جمع مصادر التشريع الاسلامية الاساسية ( باستثناء القرآن ) والحفاظ عليها ، ويُعد نهج البلاغة واحداً منها. وبتأمّل بسيط لأمكانيات ذلك العصر والوسائل المتاحة في السفر والتنقل بالاضافة الىٰ الضغوطات التي كان يواجهها علماء الشيعة من اخوانهم السنّة وحكوماتهم ، لعرفنا قيمة ما انجزه علماء الشيعة الكبار الاوائل ، والجهد الذي بذلوه لحفظ التراث الاسلامي الصحيح ، من خلال جمع وتأليف اهم الكتب الحديثية والفقهية والتفسيرية والعقائدية مثل : اصول الكافي ، وفروع الكافي

٤٣٣

ومن لا يحضره الفقيه ، والتهذيب ، والاستبصار ، ومئات الكتب الاُخرىٰ ، وأن الفضل الذي جعلنا اليوم نمتلك العديد من الكتب التي تتناول مختلف المسائل الاسلامية يعود الىٰ تلك المصادر الأوّلية التي جمعها وكتبها وحفظها اولئك العلماء الافاضل ، الذين بذلوا جهوداً جبارة في تأليفها وتحمّلوا صعوبات جمّة في حفظها الآن.

أليس من غير الانصاف ، ان نتساءل ونحن نرىٰ ما تركوه لنا من تراث : ما الذي فعله العلماء لنشر ثقافة الاسلام الاصلية ؟! في حين انه لا يعلم ان كل ما يكتب اليوم وينتشر ما هو إلّا اقتباس واستنباط من تلك المصادر الأولية التي جمعها وألفها وحفظها علماء الاسلام اولئك.

فأحدىٰ الاساطير تقول ان سمكة كانت تسبح وسط الماء وهي تقول : « من قال ان السمكة لا تستطيع ان تعيش خارج الماء » ؟ أو مثل الشخص الذي يقوم بطبخ مواد أوّلية جمعها آخرون بعناء من اماكن بعيدة ونائية وبعد ان يشعر بنشوة اللذة ينسىٰ اولئك الذين هيّئوا له تلك المواد ويتجاهلهم ! فالذين يقفون من العلماء مثل هذه المواقف يفقدون لصفة الانصاف والعدل ، وللأسف الشديد تلاحظ هذه الصفة حالياً بيننا ، فبعض الاشخاص ومن خلال بعض الخدمات التي يقدمونها ، يقومون بتجاهل خدمات الآخرين وانجازاتهم ، في حين ان القرآن يأمر المسلمين الجدد باحترام المسلمين الاوائل واعطاءهم حق السبق في الايمان والسعي لتحقيق الاهداف الربانية ، يقول القرآن في هذا الصدد :

( رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ ) (١)

________________

(١) سورة الحشر : ١٠.

٤٣٤

العلماء والحركات الثورية

من أهم الاصعدة التي يبرز فيها دور العلماء والرساليون هي الحركات الثورية في المنطقة الاسلامية ، للحد الذي يمكن القول ، انه ليست هناك ثورة في البلدان الاسلامية ، إلّا وكان للعلماء الحقيقيين فيها دور القيادة ، او ادوار حساسة ومهمة جداً ، وهذه حقيقة يمكن دركها من خلال الرجوع الىٰ تاريخ البلدان الاسلامية سواءً في آسيا او افريقياً.

ولإثبات هذه الحقيقية ، ليست هناك حاجة للرجوع الىٰ القرون الاولىٰ من التاريخ الاسلامي ، بل نستقرىء تاريخنا المعاصر وبالتحديد القرن الذي نعيش فيه ، فهناك ، فهناك شخصيات علمائية ثورية كثيرة ظهرت في هذا القرن وتولت قيادة ثورات وانتفاضات عظيمة في تاريخنا السياسي المعاصر ، مثل آية الله الميرزا الشيرازي الكبير ، قائد ثورة التنباك ، والسيد جمال الدين الاسد آبادي ( الافغاني ) وآية الله الشيخ محمد تقي الشيرازي الذي اصدر فتوىٰ الجهاد ضد الانجليز في العراق ، بالاضافة الىٰ العديد من العلماء والمجتهدين الذين توجهوا بأنفسهم الىٰ ساحات القتال آنذاك حتىٰ حصلوا علىٰ استقلال العراق ، وآية الله السيد شرف الدين العاملي ، قائد الشيعة في حروب استقلال في لبنان ، والذي كان يشارك في القتال بنفسه ، حتىٰ ان احد ابناءه استشهد في احدىٰ المعارك التي كان يقودها هو ، او الميرزا كوچك خان الذي قادر ثورة الغابة في منطقة جيلان في ايران ، او العلماء الذين قادوا ثورة الدستور سنة ١٩٠٦ و الخ حتىٰ يصل الامر الىٰ شمس هذا العصر الساطعة

٤٣٥

والشخص الذي لا يمكن معرفة قيمة تحركه الثوري والاسلامي إلّا بمرور الزمان وكذلك الشخصيات الاخرىٰ التي سارت خلفه في هذه الثورة الاسلامية المباركة منذ البداية.

أجل ، لقد كانت الروحانية الحقيقية هي الركن الذي تستند اليه الجماهير المسلمة او المحرومة في مقارعتها للأنظمة الجائرة ، فكان العلماء هم المدافعون عن القانون الالهي والمسلمين علىٰ مدىٰ التاريخ الاسلامي ، ونظراً لسعة مجال البحث وعدم امكانية سرد مختصر لكل الثورات والانتفاضات التي قادها العلماء ، لذلك سنكتفي بملخص لقصة التنباك.

فتوىٰ تحريم التنباك

قامت حكومة الملك ناصر الدين شاه القاجاري ، الظالمة والمستبدة في سنة ١٨٩٠ بأعطاء امتياز احتكار في بيع وشراء التنباك لشركة بريطانية بأسم جي. اف طالبوت(١) ، وهذا العقد الذي وقع في ٩ آيار من نفس السنة في السفارة البريطانية بطهران ، كان في الحقيقة وثيقة لتسلط الاجانب علىٰ الشعب الايراني اقتصادياً وسياسياً ، وبواسطة هذه الوثيقة كانت بريطانيا تستطيع بسط سيطرتها علىٰ جميع الاراضي الزراعية ، وبالاضافة الىٰ عشرات المفاسد السياسية والاقتصادية والثقافية ، وكان بامكانها اجراء سياسة المحصول الواحد بالتدريج ، وبهذه الطريقة يتهيء الوضع لسلطة المستعمر علىٰ البلاد بشكل عام.

________________

(١) G. F.Talbot

٤٣٦

وفي تلك الظروف الحساسة ، قام المرجع آية الله الشيرازي الكبير ، باصدار فتواه التاريخية ، بعد ان أحسّ بالخطر المحدق وادرك مسؤوليته الجسمية في درء الخطر ، فحرّم استعمال التنباك ، لقد استطاع الشيرازي الكبير ان يقلب المعادلة سطر واحد ، فلم يعد استعمال التنباك محضوراً في المدن الايرانية جميعها ، بل وصل الامر الىٰ بيت الملك نفسه الىٰ نسائه وخدمه ، وكانوا يقولون له بصراحة ان استعمال التنباك حرام.

لقد كانت الحركة التي قام بها المرجع الشيرازي مباغتة للملك ناصر الدين شاه ، واسياده البريطانيين إلى الحدّ الذي اذهلتهم ، فحاولوا بشتىٰ الطرق مواجهتها ، فتارة بالتطميع وتارة بالتهديد ، ولقد طلب الشاه مراراً من المرحوم آية الله الاشتياني قائد الحركة في طهران ان يستعمل ( النارجيلة ) لكي ينقض عملياً فتوىٰ المرجع الشيرازي ، لكنه لم يستسلم امام تهديد وتطميع الشاه ! وقال : « لن استعمل التنباك إلّا ان يفتي الميرزا الشيرازي بذلك » ، فاظطر ناصر الدين شاه في النهاية الىٰ الغاء ذلك العقد ، وعاد للناس مرّة ثانية الحق في زرع وبيع وشراء التنباك ، وقد دفعت الدولة مبلغ نصف ميلون جنيه استرليني من اموال الشعب المسكين ، كغرامة مالية لشركة طالبوت(١) .

وحول فتوىٰ تحريم التنباك ، يقول احد الكتاب المشهورين :

في القرن التاسع عشر ، كانت البلاد الاسلامية تعيش حالة ثورة عامة وغير منظمة ضد الاستعمار والتسلط الغربي ، وكانت هذه الثورات جماهيرية وبقيادة العلماء المسلمين ، ففي ايران قامت ثورة التنباك التي لا زلنا لا نعرف

________________

(١) ثورة ايران ، تأليف ادوارد براون.

٤٣٧

قيمتها الحقيقية ! لقد بدأت هذه الثورة بفتوىٰ قصيرة من الميرزا حسن الشيرازي ، وكان اصدار تلك الفتوى بتأثير رسالة السيد جمال الدين التي بعث بها الىٰ المرجع الشيرازي وحذره فيها من ان القضية ليست مجرد تنباك ، فهؤلاء اي البريطانيين ـ لا يريدون تنباكنا فقط ، بل يريدون عزتنا واستقلالنا ووجودنا واصالتنا ! لقد شيّدوا في طهران بناية للشركة ، انظروا اليها ! فلماذا هذا الحصار الكبير والحيطان التي يبلغ ارتفاعها عدة امتار ؟ فالتنباك لا يحتاج الىٰ مثل هذه القلاع ، والحقيقة ان هذه قواعد سياسية وعسكرية وليست مجرد شركات.

لقد احسّ الميرزا الشيرازي بالمسؤولية ، فأعلن فتواه انظروا كيف ان الدين والدينا لا يقبلان الفصل في الاسلام ! وانه لا يمكن اساساً التفريق بينها ، وكيف ان الاستعمار نجح في القاء تلك الاكذوبة في افواهنا ، وكيف قام بعض المثقفين بترديدها دون وعي ، يتصورون انهم يقومون بدور المثقفين الاوروبيين مقابل الكنيسة ، غافلين من هذا القياس مع الفارق.

أمّا فتوىٰ الشيرازي الكبير ، فهذا نصّها :

« من الآن استعمال التنباك بأي نحو كان في حكم محاربة امام الزمان عج » !

الامير كامران ميرزا ولي العهد ووزير الحرب ( الدفاع ) يقول لاحد غلمانه : جئني بالنارجيلة ! لكن الغلام لا يطيع ! فيطلب ذلك من زوجته ، إلّا انها هي الاخرىٰ تمتنع ! لقد حطم حرم الملك في يوم واحد جميع ادوات استعمال التنباك ، علىٰ اساس فتوىٰ المرجع الشيرازي ! ألم تكن المقاومة السلبية التي قام بها غاندي بعد ذلك بتأثير وايحاء من هذه الحركة ؟ لقد كانت حركة الميرزا الشيرازي ضد الاستعمار الاقتصادي الذي دخل ايران بواسطة

٤٣٨

شركة رجي ( شبيهة بشركة الهند الشرقية في شبه القارة الهندية ) ، حركة مقاومة سلبية ، فلم يقاتل احد ولا قام شخص بعمل ، والعمل الوحيد الذي قاموا به هو انهم لم يستعملوا التنباك واضربوا عنه ، هذه الحركة اجتثت اول نبتة استعمارية غرسوها وارادوا لها ان تتأصّل في عمق ارضنا ، وقد صرفوا الملايين لكي يسيطروا بالتدريج علىٰ اسواقنا وثرواتنا ، ورأيتم كيف ان فتوىٰ مختصرة قلبت المعادلة ووعت الناس وافهمت الاجنبني بحراجة موقفة ، وفي ذلك الوقت لم يكن شعبنا مثقفاً ؟

وبعد هذه الثورة قام غاندي بحركة المقاومة السلبية ضد المنتوجات البريطانية في الهند ، في جميع انحاء الهند ، فاستطاع شل حركة الاستعمار البريطاني ، وبذلك فقدت بريطانيا تلك المنطقة الغنية بمصادرها وهي في ذروة قوتها.

فالاستعمار يستمر بالحياة وينمو عندما يكون اهل المناطق المستعمرة مستهلكين لبضاعة ومنتوجاته ، ولو قام هؤلاء ، ولم يبقوا علىٰ بضائعهم ، لمات الاستعمار ، فالمستعمرون قاموا في البداية بتشويه حضارتنا ومن ثم صعدوا علىٰ اكتافنا(١) .

العلماء الرساليون في جميع الجبهات

ومن خلال ذلك التوضيح الذي قدمناه ، تبين ان الروحانيين الرساليين

________________

(١) « اقبال » : ٥٩.

٤٣٩

فقط ، هم الذين سجلوا حضروهم علىٰ جميع الميادين والجبهات : الايديولوجية والثقافية والاسلامية وفي مجال الهداية وفي مجال جمع وصياغة المصادر الاسلامية في التشريع وفي مجال مقارعة الظلمة والمستعمرين ، وفي حروب الاستقلال التي خاضتها اغلب البلدان الاسلامية ، وفي النهاية من اجل تطبيق النظام التوحيدي والحكومة الاسلامية في المجتمع ، ولم يكن حضورهم في هذه الميادين والجبهات عادياً بل كانوا القادة والطليعة في التحرك.

ولقد استطاع العلماء الرساليون حفظ ونشر المعتقدات الاسلامية علىٰ مدىٰ كل هذه القرون ونقل هذا التراث الفكري والعقائدي من نسل الىٰ آخر ، بحيث لا يشك اي انسان منصف بأن العلماء الرساليين هم الذين كانوا السبب في بقاء الاسلام وعلومه وثقافته بعد زمن الائمة المعصومينعليهم‌السلام وحتىٰ يومنا الحاضر ، فكانوا من جهة يحرسون الثقافة الاسلامية ويحافظون عليها ، ومن جهة اخرىٰ يردون علىٰ الافتراءات والاباطيل التي ينشرها الآخرون ضد الاسلام والتشيع ، فكتبوا في ذلك مئات الكتب واقاموا عشرات المحاججات والمناظرات ( واكثرها موجود لحد الآن ) ، وقد نُشر بعضها علىٰ يد بعض الكتاب المعاصرين فتلقفها الناس وتصوروا انها حديثة ومن ابداعات هؤلاء الناشرين !

والعجيب ان بعضهم كان يتساءل عما يفعله العلماء وما قدموه للاسلام ؟! لانهم غير مطلعين علىٰ ان ما وصل اليهم هو ببركة اقلام وجهود العلماء وليس غيرهم.

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466