رحلتي من الظلمات إلى النّور

رحلتي من الظلمات إلى النّور25%

رحلتي من الظلمات إلى النّور مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 466

رحلتي من الظلمات إلى النّور
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 233455 / تحميل: 8000
الحجم الحجم الحجم
رحلتي من الظلمات إلى النّور

رحلتي من الظلمات إلى النّور

مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

كلام مفكر والعالم حول الاسلام

الدكتور لورافاكسيا فاغليري(١) استاد جامعة نابل ، يقول :

( ما هو سبب تقدّم الاسلام وانتشاره في آسيا وافريقيا مع وجود الحرية التي تعطى لغير المسلمين في البلدان الاسلامية ومع عدم وجود اي منظمة اعلامية اسلامية حقيقية.

فاليوم لا يمكن القول ان السيف يمهد الطريق لنشر الاسلام ، بل العكس ، ففي المناطق التي كانت يوماً تحكمها دولاً اسلامية نجد اليوم دول حديثة من سائر الاديان لها منظماتها الاعلامية القوية التي تنشط بين المسلمين ، لكنها مع ذلك لم تستطع فصل الاسلام عن حياة الناس.

فما هي القوة الاعجازية الموجودة في هذا الدين ، ما هي القوة الذاتية في الاقناع الممزوجة مع هذا الدين ، واي جزء من الروح والحقيقة البشرية تتفاعل مع ذلك النداء ، وتستجيب له ).

اصدقائي !

اتعلمون سبب تقدم الاسلام في العالم وانتشاره بسرعة رغم وجود عوامل سقوط الاسلام والحدّ من نموه والذي جعل شخصاً مثل الدكتور

________________

(١) Dr. LauravaccieaVaglieri

٦١

فاغليري يعجب من ذلك !

بأعتقادي ان أهم أسباب ذلك هو كون القوانين والاحكام الاسلامية فطرية ، أي لأنّ الاسلام دين الفطرة وقوانينه جزء من ناموس العالم لذلك فكل فطرة نقية تدرك تلك القوانين ستجد في نفسها وبشكل طبيعي ميلاً نحو تلك القوانين ، وكذلك بسبب ان قوانين الاسلام المقدّسة طبيعية فهي باقية ولا تبالي بمرور الأيّام.

اعترافات السيد ويلز(١)

السيد ويلز ، كاتب بريطاني كبير ، يقول :

« الديانة الصحيحة التي وجدتها ملازمة ومجارية للحضارة هي الاسلام فقط ، وإذا اراد شخص ان يتعرّف علىٰ الاسلام ، عليه ان يقرأ القرآن ونظرياته العلمية وقوانينه وأنظمته الاجتماعية.

والقرآن كتاب ديني واجتماعي وعلمي وتهذيبي واخلاقي وتاريخي ، واكثر انظمته واحكامه تستخدم الىٰ يومنا هذا وستبقىٰ حتىٰ نهاية العالم.

وإذا سألني أحد عن حدود الاسلام ، سأجيبه : الاسلام يعني المدينة والحضارة ، فهل هناك من يستطيع القول ان الاسلام ، كان مخالفاً للمدينة والحضارة في دورة من أدوار التاريخ ، ولم يكن السباق الىٰ ذلك ، خلاصة الكلام هي ان القرآن طري وحي وجديد وجذاب في كل عصر

________________

(١) Mr. Wills

٦٢

وزمان»(١) .

أجل ، قوانين الاسلام هي القوانين السماوية الوحيدة التي توجّه وتقود الحياة الانسانية في جميع أدوار وهي دائماً جديدة وندية ، مع انه وبسبب الظلمة وشدة الجهل التي سبقت ظهوره فأن أوائل المؤمنين به اعتنقوه واستسلموا له من زاوية العقيدة والايمان ، في حين ان قيمة الاسلام العلمية بقيت مجهولة.

لكن كلّما تقدّم العلم في العالم وتنورت افكار البشرية أكثر ، ظهرت عظمة الاسلام ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله أكثر وأكثر ، للحدّ الذي لم يقتصر احترام الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله علىٰ ستمائة مليون مسلم في العالم فقط ، بل ان زعيم المسلمين العظيم وقائدهم ( الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ) يعتبر أكمل انسان في تاريخ البشرية بنظر أكبر العلماء المعاصرين ، وقد اعطوه أرفع وأسمىٰ الالقاب العلمية.

________________

(١) أما السبب في طراوة القرآن دائماً وعدم الملل منه وانه كلما قرأه الانسان وجده جديداً ندّياً ، فقد روي عن الامام محمد الباقرعليه‌السلام ، انه قال : لأن القرآن لم ينزل لقوم أو زمن معين ، وانما لجميع الناس وعلىٰ مدىٰ الزمان.

٦٣

نفوذ رسول الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله في الماضي والحاضر(١)

اصدقائي الاعزاء !

الموضوع الذي ذكرته ، اي عظمة رسول الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله عند المسلمين وغير المسلمين ، يستحق الالتفات والدقة ، فهل فكرتم في سبب نفوذ ومحبوبية رسول الاسلام العظيمصلى‌الله‌عليه‌وآله بين الناس ، خاصة المسلمين منهم ؟!

ألا يدل هذا النفوذ العميق والمتأصّل الذي يأتي من ايمان الناس المنطقي ، بحقّانية هذا الرجل العظيم ؟!

ذلك النفوذ الذي لا يقارن بقوة سلطة اخرىٰ ! في عصره ، بل وفي عالم

________________

(١) لا نهدف من هذا البحث ، الاستدلال علىٰ نبوة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله من خلال نفوذه ( رغم عمقه ورسوخه ) ، لكي يسيء استخدامه جماعة من اغنام الله ! الذين سمّوا عقائدهم المزيفة ، مذهباً ، في حين انهم صنيعي الاستعمار ، مع عدم وجود مثل تلك الفرصة لسوء الفائدة بالنسبة لهم ، لأن قائدهم وزعيمهم الوليد غير الشرعي للمستعمر ، وليس له ذلك النفوذ بين اتباعه علىٰ اساس من الطهارة والايمان ، لكي يستطيعوا الاستناد الىٰ هذا الموضوع ( حتىٰ لو كان خطأً ) ، فنفوذ الصنم في الجاهليةً ، والبقرة بين اتباعها في الهند ، اكبر واعمق من نفوذ ذلك الرجل بين أغنام الله في الوقت الحاضر ، وعدد اضاحي الاصنام والبقر ، اكثر بكثير من الاضاحي التي تقدم الىٰ ذلك الرجل ، أجل ، نحن وبعد ان ادركنا نبوة النبي محمد وانه مرسل من قبل السماء علىٰ اساس حكم العقل والمنطق ، نعدّ نفوذه عل اساس الايمان والعقيدة المقدّسة فقط ، مؤيداً لنبوته ، وليس كل من كان له نفوذ ، حاز علىٰ مقام النبوة !

٦٤

اليوم ايضاً هناك ملايين المسلمين في العالم مستعدون لبذل الغالي والنفيس في سبيله.

فهل سحر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله هذه القلوب بالاموال ؟!

وهل للقوىٰ المادية دخل في هذا الامر ؟! بالتأكيد لا ؛ لأنه لا يمكن تسخير قلوب الناس بالمال إلى هذا الحدّ.

( لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ) (١) .

الدكتور : لقد كانت لي ابحاث في هذا الموضوع ، ما ادهشتني هو ليس احترام وخضوع عالم اليوم امام عظمة رسول الاسلام ، بل تسخيره لقلوب أهل الجزيرة في ذلك الزمن ، لانني بحثت كثيراً حول تعصب العرب وتمسكهم بما جرىٰ عليه آباءهم ، ووصلت الىٰ هذه النتيجة ، وهي أنَّ العرب لا يقبلون ترك ما كان آباءهم بأي ثمن كان ، وان يغيروا حياتهم القبلية ، فما الذي دعاهم لأن يطيعوا ذلك الرجل الذي أعلن الحرب علىٰ آلهتهم وعارض اساليبهم الوحشية بصراحة ، ومنعهم من العمل بأهواءهم وشهواتهم وجعلهم يتركون الزنا والقمار والخمر والسرقة والاعتداء علىٰ أموال واعراض الآخرين ، تلك الأعمال التي كانت جزءاً من ممارساتهم اليومية ، فأخرجهم بذلك من التوحش الىٰ الفضيلة وكما الانسانية ، وكيف اصبح اولئك الناس المتردين اوفياء للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بحيث لم يبخلوا بكل ما لديهم ، بل وبأرواحهم من اجل اهدافه السامية !

________________

(١) سورة الأنفال : ٦٣.

٦٥

فمثل هذا التأثير في القلوب ، لا يكون الّا بقوة روحية والهية ، واتصور ان هذا النفوذ والتأثير هو دليل واضح وبيّن علىٰ حقّانية رسول الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وان هذا الرجل الفذ ، مرسل من قبل السماء ، وانه رجل الهي.

الشيخ : من سعادتي ان اقبل رجل مطلع مثلك.

الدكتور : شكراً لهذا الاطراء.

الشيخ : اصدقائي ! الموضوع الذي تطرق له الدكتور يستحق الاهتمام ، لأنه وعلىٰ مرّ التاريخ ، كانت بعض المناطق التي تعد اليوم جزءاً من البلاد العربية مناطق عامرة كثيرة الدخل ، مثل : اليمن والشام ، وكانت معرّضة علىٰ الدوام الىٰ غزو الدول القوية المجاورة مثل الامبراطورية الفارسية والامبراطورية الرومانية ، فكانت جيوشهم تتّجه نحو تلك المناطق كالسيل العارم ، فيقتلون الرجال والشباب والاطفال ويأسرون النساء ، لكنهم لم يستطيعوا ان يوجدوا اقل تغير في برنامج ومسيرة حياتهم.

ينقل العالم الفرنسي المعروف ، الدكتور غوستاف لوبون(١) قصة تحكي تعصب العرب وصلابتهم وفضاضتهم ، يقول لوبون :

« عندما دخل ديموطريس(٢) البتراء(٣) ، قال له العرب : « أيُّها الملك ديموطريس ! لماذا تحاربنا ، فنحن نعيش في صحراء خالية من كل نعم الحياة

________________

(١) Dr. Gustave.Le.Bon

(٢) Demetrius ، اسماء ثلاثة من الملوك السلوكيين ، والسلوكيون اسم سلسلة من أمراء آسياء الغربية ، وقد حكموا اجزاءً من آسيا الصغرىٰ وايران علىٰ مدىٰ قرنين ونصف القرن بعد الاسكندر الكبير.

(٣) Petra اسم لمكان تجاري قديم في الجزء الجنوبي من الجزيرة العربية.

٦٦

التي يتملكها اهل المدن والقصبات ، لقد اخترنا السكن هنا ، لاننا لا نريد أن نكون عبيداً لأحد ، فاقبل هدايانا وخذ جيشك من هنا ، واعلم ان النبط ( اسم القبيلة التي ينتسبون اليها ) سيكونون اصدقاءك ، أمّا اذا اردت الاستمرار في الحصار ، فلن يستمر طويلاً حتىٰ تنالك آلاف المشاكل والمصائب ، ولن تستطيع ابداً ان تغير ما درجنا عليه منذ صغرنا ، وحتىٰ لو أخذت منا رجالاً اسرىٰ ، فسيكونون عبيداً متمردين وعاصين ، لا يستطيعون تغيير عاداتهم واختيار اخرىٰ مكانها »(١)

أيُّها السادة !

تلاحظون في هذه القصة التاريخية ، كيف تقف قبيلة صغيرة امام رجل جبار مثل ديموطريس الذي جاء لحربهم مع آلاف الجنود المدججين بالسلاح ، وتخاطبه بقوة وصلابة وصراحة تامة : حتىٰ لو تسلطت علينا فلن تستطيع اجبارنا علىٰ تغيير ما نشأنا عليه منذ الصغر واختيار اسلوب في الحياة غيره.

والحقيقة هي ان ديموطريس لم يكن باستطاعته عمل ذلك ، لأنه كان بمعنىٰ قتل كل افراد القبيلة وكما لم يستطع الغزات الذين سبقوه ذلك.

أمّا رسول الاسلام العظيم ، فقد استطاع تسخير قلوب تلك القبائل وجعلها قاعدة لرسالته ومنطلقاً لتبليغ دعوته الىٰ العالم ، وهو وحيداً في اكثر

________________

(١) حضارة الاسلام والعرب.

٦٧

فترات الرسالة الّا من دعم الله ونصرته ، فكانوا يستجيبون حباً له واكراماً لشخصه.

اعتراف ابو سفيان :

ينقل لنا التاريخ ، عند فتح مكة وبعد ان جاء العباس عمّ الرسول بأبي سفيان الىٰ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، امر ان يبقىٰ ابوسفيان في خيمة العباس تلك الليلة ، حتىٰ طلع الصبح فقام بلال ، مؤذن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأخذ يؤذن بصوته الجهور : الله اكبر ، الله اكبر كان صوت الاذان غريباً علىٰ مسامع أبو سفيان ، للحد الذي خاف وارتعد منه ، علىٰ الرغم من كونه زعيم مكة وقائد المشركين فيها. فسأل العباس خائفاً : ما هذا الصوت ؟!

قال له العباس : هذا صوت الاذان ، الاعلان الاسلامي العام للأجتماع من اجل الصلاة ، انهض يا ابا سفيان ! توضأ واستعد للصلاة.

أمّا ابو سفيان الذي كان حتىٰ الامس يعبد الاصنام ويعادي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ويجمع القبائل لقتاله ، أبو سفيان هذا وجد نفسه محاصراً بين جيش الاسلام ، فاضطر للنهوض من فراشه والتوضأ كما علّمه العباس ، ثم خرجا من الخيمة معاً.

وفجأة شاهد ابوسفيان مشهداً غريباً ، او شك ان يفقد صوابه !

فما الذي رآه أبو سفيان ؟

لقد رأىٰ ابو سفيان عشرة آلاف مقاتل يتأهبون بنداء من رجل اسود ، هو

٦٨

بلال مؤذن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله للصلاة خلف قائدهم المحبوب ، بعد ان نهضوا من النوم وتوضأوا ، وجميعهم مشدودة اعينهم الىٰ باب الخيمة كالعشاق الذي ينتظر لقاء معشوقته ، الجميع ينتظر اشراقة شمس قائدهم العظيم من افق الخيمة ، فهم ينظرون الىٰ الخيمة وكأن ارواحهم فيها.

أبو سفيان الذي شاهد ذلك ، يقول في نفسه : عجباً ! هذا النفوذ والسطوة جميعها لرجل كان بالامس مجرد محمد الامين ! أليس هو ذلك الرجل الذي ترك وطنه ليلاً خوفاً من تعرضنا له وقرارنا بحقّه ، وهاجر من مكة الىٰ المدينة ؟! فكيف صارت له هذه السيطرة وهذه القوة ؟!

كان أبو سفيان غارقاً في افكاره ، وفجأة خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من خيمته وشفتاه تلهجان بذكر الله ، فنظر الىٰ اصحابه بوجه ضحوك ملئه السرور ، والمسلمون ايضاً كانوا ينظرون اليه بفرحه ، لكن في تبادل النظرات تلك ، كانت هناك اسرار كثيرة لا يفهما الغير.

وفيما كان الرسول يحمل وعاءً من الماء لتجديد وضوءه وهو خارج من الخيمة ، هنا كانت شدة تعجب وحيرة ابوسفيان ، لقد كان يرىٰ مشهداً غريباً جداً وكانت عيناه وكأنما تريدان الخروج من حدقتيهما ، كان ابو سفيان يرى مشهداً لم يره عند أيٍّ من ملوك واباطرة العالم.

رأى أبو سفيان هجوم المسلمين على الرسول وهو يتوضأ ، لكن لماذا ؟ وما الذي حصل ؟! كان المسلمون يتسابقون علىٰ قطرات الماء التي تقطر من وجه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يتوضأ ، فلم يكونوا يتركوا قطرة تصل الىٰ الارض فقط ، وانّما كان الذي يحصل منهم على قطرة من الماء الذي يتوضأ به الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله

٦٩

كأنما حصل على اثمن جوهرة علىٰ الارض ، ولهذا كانت حيرة ابو سفيان وشدة تعجبه.

لكن المسلمين الذين أرادوا ان يخرجوا أبا سفيان من تعجبه وحيرته ، قالوا له : لا تعجب يا أبا سفيان فهذا ماء توضأ به الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو اعزَّ علينا من ارواحنا.

اجل ، فهو النبي الذي نجّاهم من الشرك والضلالة واوصلهم الىٰ السعادة الحقيقية ، فقد تحرروا من السرقة والقمار والقتل والجريمة ووأد البنات.

أمّا أبو سفيان ، فلم يستطع كتمان ما كان يجول في خاطره من افكار كانت تعذبه ، فصاح : بالله لم أرَ كاليوم كسرىٰ ولا قيصر ، ما هذه القدرة ؟ ما هذا النفوذ ؟

نعم ، أبو سفيان محق في انه لم يرَ تلك القدرة في أيٍّ من بلاط الملوك والاباطرة ، لان قدرتهم سطحية تستند الىٰ حرابهم وظلمهم وتسلطهم علىٰ اجسام الناس. لكن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله احتل مكاناً لا تستطيع اي قوة احتلاله ، المكان الذي تعجز عن فتحه الحراب.

لقد احتل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله مكانة في قلوب الناس ، فهم يحبونه ، بل يعشقونه ويفتدونه بأرواحهم ، ومثل هذا النفوذ لا يتسير لأحد إلَّا بالنبوة او القوة الالهية.

وبعد ان صلَّىٰ المسلمون الصبح ، استعد جيش المسلمين للتحرك ، واتّجهوا نحو مكآة ، ومع ان اباسفيان كان زعيم المشركين وعلىٰ رأس معاندي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله علىٰ مدىٰ واحد وعشرين سنة ولم يترك شيئاً لم يستعمله ضد الرسول ، من التهم والشتائم والحرب وتحريض الناس والقبائل على حرب

٧٠

المسلمين ، واجباره علىٰ الهجرة من مسقط رأسه ، وذرّ الرماد علىٰ رأسه الشريف ، ورميه بالحجارة ، لكنه اليوم ورغم ذاك الماضي السيء نجده في محاصرة قوة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وبين سيوف اصحابه ، فلو اشار الرسول اشارة صغيرة لقطّعه المسلمون إرباً إربا ، لكن مع كل ذلك فقد اعطاه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله الأمان وأمر بالمسلمين بعد ايذائه ، بل كرَّمه وقال : من دخل بيت ابو سفيان ـ في مكة ـ فهو آمن.

كان ابو سفيان مسروراً لما وجده من تسامح عند الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فأراد ان يركب الىٰ مكة. حتىٰ يخبر اهلها بتحرك جيش المسلمين ، إلَّا ان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله امر ان يقف ابو سفيان قبل ذهابه الىٰ مكة إلىٰ جانب العباس في محلّ مشرف لكي يشاهد جيش الاسلام وقوته الخارقة.

أخذ العباس عمَّ الرسول بيد ابو سفيان واوقفه في محلَّ مشرف علىٰ الجيش ، وبدأ جنود الاسلام بالتحرك فمرّت الكتيبة الاُولىٰ وهي تنادي الله اكبر ، ثم الكتيبة الثانية وهي تكبَّر ايضاً ، وهكذا مرَّت كتائب المسلمين من امام أبو سفيان ، وكلّما مرَّت كتيبة كان أبو سفيان يتصوّر انها الاخيرة ، إلّا انه كان يشاهد متعجباً كتيبة اخرى تتقدم ، فتعب ابو سفيان من طول وقوفه وازدحام الناس ، فقال للعباس : ألم يأت ابن اخيك بعد ؟

أجابه العباس : لو جاء ابن اخي ستعرفه انت دون أن اُشير اليك.

وهم على تلك الحالة من الكلام ، جاءت كتيبة اُخرىٰ من جنود الاسلام ، فقال العباس : والآن سيأتي ابن اخي وهو يتوسط جيشه.

كان ابو سفيان ينظر وكأنما ركَّز كل قواه في عينيه ، دقق النظر فإذا بما

٧١

يقرب خمسة آلاف من ابطال وصناديد المهاجرين والانصار والشباب المتحمّس الشجاع يحيطون بالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو علىٰ ناقته في وسطهم يتحرك بوقار ليس له مثيل ، كانوا يدورون حوله دوران الفراشة حول الشمعة ، كان بعضهم يمتطي خيلاً وآخرون علىٰ جمال حمراء ، سيوفهم مشهورة ودروعهم مستعدة للدفاع ، مدججون بالسلاح حتىٰ لا يرى منهم إلّا الاعين ، وكانت اجسادهم ترىٰ خضراء من كثرة السلاح الذي يحملونه.

أمّا أبو سفيان فلم يستطع الصبر ثانية ، فألتفت الىٰ العباس وقال له : ملك ابن اخيك عظيم.

فقال له العباس : الويل لك ، انها النبوة وليست الملك.

اجل ، مثل هذا النفوذ والقوة لا يوجد إلّا عند الربّانيّون والذين اخلصوا لله ، ولا يمكن مشاهدتها في بلاط وحكومات القوىٰ المادية والحكام غير الربانيين ، مهما اتسع ملكهم.

الدكتور : اؤيد ما تقوله تماماً ، لقد ضمّ العالم والتاريخ الكثير من كبار الملوك والمخترعين والفضلاء والعلماء والفلاسفة ، ومع أن بعضهم احدث ضجة سطحية لفترة قصيرة ، لكنهم اندثروا واندثرت اسماءهم معهم بعد فترة قصيرة من موتهم ، ولا تجدهم إلّا في طيّات كتب التاريخ ، لكن الانبياءعليه‌السلام والرجال الالهيون ، لم يكسبوا ودَّ الناس ويستميلوا قلوبهم في فترة حياتهم فقط ، بل يزداد محبوهم واتباعهم كلما مرّ يوم علىٰ هذا العالم القديم ، الىٰ مستوىٰ نشاهد اليوم ستمائة مليون مسلم في جميع أنحاء العالم ، يفتخرون بأنهم اتباع رجل فذّ لامثيل له في تاريخ الانسانية ، هذا الرجل الذي عاش قبل الف واربعمائة عام

٧٢

في صحراء الحجاز ، والكثير من تلك الملايين يطبقون أوامره التي فيها سعادة الدنيا والآخرة بدقة في حياتهم اليومية ، ولا توجد اي قوة تستطيع الحدّ أو الاقلال من نفوذه الروحي ، في حين ان أقوىٰ ملوك الارض ، يجب ان يحمّل نظرياته ، وأراءه علىٰ الآخرين بالقوة ، ونجد الناس يكرهونهم في حياتهم ، بل يلعنونهم ويشتمونهم حتى وهم ينفذون اوامرهم !

النفوذ المعنوي للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله برأي الدكتور لوبون(١)

يقول الدكتور غوستاف لوبون ، العالم الفرنسي المعروف ، حول نفوذ الاسلام بين المسلمين :

«لا يقل الاسلام في التأثير علىٰ اتباعه عن سائر المذاهب والديانات ، والاقوام التي نزلت تلك الاحكام لأرشادهم ـ ومع وجود الاختلاف بينهم ـ إلّا انهم متمسكون بالاحكام المستوىٰ من تمسكهم بها قبل الف وثلاثمائة عام.

فصوم شهر رمضان الذي هو أصعب من صيام الأربعين يوماً عند بعض فرق النصارىٰ ، نجد المسلمين في العالم يجرونه بمنتهىٰ الدقّة ، وهكذا الصلاة في جميع البلدان التي زرتها في آسيا وافريقيا واماكن اخرىٰ من العالم ، خاصة انني رأيت اهتمامهم بأداء هذا الركن الاسلامي العظيم في وقته.

وفي احدىٰ المرات كنت مسافراً بالمركب في نهر النيل وكان معنا

________________

(١) Gustave. Le.Bon

٧٣

مجموعة من العرب ، وفيهم بعض المذنبين المقيدين بالسلاسل ، فعجبت كثيراً حيث رايت المذنبين يتعدّون علىٰ القانون المدني ولا يخافون عقاب الحكومة ، لكنهم لا يجرأون علىٰ مخالفة القانون الديني ( الشريعة ) ، فكان اذا صار وقت الصلاة اخرجوا قيودهم ووضعوها جانباً ، انشغلوا بأداء الصلاة والركوع السجود لله القهار »(١) .

كلام الدكتور لورافاكسيا فاغليري

يقول استاذ جامعة نابل في ايطاليا ، الدكتور لورافاكسيا فاغليري ، حول شدّة نفوذ رسول الاسلام بين اتباعه :

« كيف استطاع رسول الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله تقوية نفوس اتباعه والجمع بين المثل والغيرة والتعصّب في روحياتهم ، بشكل يحتفظون فيه بتلك الروح بعد عشرة قرون من رحليهصلى‌الله‌عليه‌وآله بنحو لا يرىٰ مثلها في سائر الاديان ، وقد رسخ عندهم ايمان قوي سهّل لديهم أي نوع من التضيحة ، فاحتفظوا بتلك القوة الروحية علىٰ مدىٰ اعصار وقرون تختلف كثيراً من الناحية الثقافية والعلمية مع عصر المسلمين الاوائل ( صدر الاسلام ).

الشيخ : سعادة الدكتور ، انا مسرور جداً حيث وجدتك من أهل القراءة والبحث ، الظاهر انك تمتلك معلومات حول الكتب التي كتبها علماء الغرب حول الاسلام.

________________

(١) حضارة الاسلام والعرب.

٧٤

الدكتور : نعم ، فأنا احب المطالعة كثيراً ، خاصة مؤلفات كبار العلماء والمنصفين.

الشيخ : لقد اشار الدكتور في كلامه الىٰ موضوعين ، يجدر الالتفات إليهما بدقة :

الأول : هو ان العديد من الملوك والحكام الاقوياء ، والفاتحين جاؤا الىٰ العالم ، لكن اسماءهم اليوم محصورة في زوايا وكتب التاريخ ، وفي بعض الاحيان تكون اسماءهم ملازمة للعار والجريمة.

الثاني : انه قال : كان هناك رجال اقوياء أو علماء امناء ، لم يطعهم حتىٰ اقرب الناس اليهم في تطبيق نظرياتهم وتنفيذ أوامرهم ، الاّ ان يلجئوا الىٰ القوة معهم.

وفي تأييد كلام الدكتور ، احكي لكم قصَّتين تاريخيتين ، لكي نعرف من خلال الامعان فيهما القيمة الحقيقة لنفوذ رسول الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله في الماضي وفي عالمنا اليوم.

الخليفة العباسي يزور سامراء

القصّة الاُولىٰ ، تعود لزيارة المستنصر بالله ، أحد خلفاء بني العباس الأقوياء الىٰ مدينة سامراء.

في أحد الايام تحرك المستنصر بالله من بغداد ، ومعه الوزراء ورجال الدولة نحو سامراء ، وبعد وصوله واتمام مراسيم التشريفات العادية ، توجه

٧٥

للقيام بمراسيم اخرىٰ ، لا يؤمن بها خلفاء بني العباس الىٰ حدّ ما ، وهي زيارة صحن الامامين العسكريينعليهما‌السلام (١) فرأىٰ صحناً مجللاً وكبيراً ، وافواج من الناس داخله اليه وخارجه منه ، في منتهىٰ الأدب والخضوع ، يزورون قبرا الامامين وعيونهم تذرف الدموع لصاحبي هذين القبرين ، وقلوبهم مفعمة بحبهما.

وبعد أن أتمَّ المستنصر مراسيم الزيارة ، ورأىٰ تلك المشاهد ، خرج من الصحن واتجه الىٰ قبور آبائه القريبة من الصحن الطاهر ، لكي يقرأ الفاتحة عليها !!! دخل المكان فوجد بناء القبر شبيه بالخربة ، وقبورها بمستوىٰ سطح الارض ، والغبار يعلوها ، فيما تكدّست عليها فضلات الطيور ولا أحد يأتي لقراءة الفاتحة ، فأخذ يقارن في نفسه بين حرم العسكريين وجلاله وقبور آبائه الخربة والتي تبعث الحزن في نفسه ، فالتفت إليه أحد المتملّقين من حاشيته ، وقال : يا خليفة المسلمين ، إلىٰ متىٰ تصبر علىٰ هذا العار والهوان ، هذه قبور آباءك الذين كانوا حكام البلدان الاسلامية في حياتهم ، وكانت خزائنهم مليئة

________________

(١) تجدر الاشارة الىٰ زيارة ائمة الشيعةعليهم‌السلام ، وبالاضافة الىٰ ابعادها التربوبية ، فيها أجر خاص طبقاً للروايات الواردة ، والهدف الاساس والحقيقي لزيارة قبور الائمةعليهم‌السلام ، لكي يتأمّل المسلم في الطريق الذي خطّه الامامعليه‌السلام في حياته والفضائل العلمية والانسانية التي كان يمتلكها ، ويتذكّر مواقفهم الخالدة والصريحة امام الظالمين ، فهم ائمة ويجب الاقتداء بهم.

كما ان معاني نصّ الزيارة ، جميعها دروس وعبر ( طبعاً تلك التي لها اساس حقيقي وليست موضوعة ) ، لكي يجدد الانسان الذي يقرأها ويفهم معانيها ، عهده مع الامام عليه‌السلام ويهيء نفسه للعمل بها ، لكن يجب الاعتراف بهذه الحقيقة المرّة ، وهي ان الزيارة ومثل العديد من المسائل الاسلامية ، اضحت خالية من محتواها الحقيقي ، ولم يبق منها الّا الشكل ، كما ان بعض الظلمة استفادوا من المشاهد المقدّسة وسخروها لصالحهم من اجل كسب الشرعية عند الجماهير ، في حين انهم يختلفون اساساً ومنطقاً مع روح الاسلام والامام عليه‌السلام .

٧٦

بالثروات ، واليوم قبورهم شبه خربة ، لا يزورهم الناس ، قبورهم غير مفروشة وقد غطّاها الغبار وفضلات الطيور ، وانت ابنهم وخلفهم الصالح والقوي. فيما قبور العسكريينعليهما‌السلام مجلّلة ، يحترمها الناس ، ويلجئون اليها يتوسلون بها لحلِّ مشاكلهم ، مع انهم كانوا في حياتهم اما مسجونون أو مبعدون أو مراقبون ، وكانوا علىٰ الدوام من اخطر منافسي خلافتكم. فالىٰ متىٰ تصبر يا خليفة المسلمين علىٰ ذلك ؟!

انهىٰ الوزير كلامه المتملّق وانتظر الجواب من الخليفة.

أمّا المستنصر فقد طأطأ رأسه بعد ان سمع ذلك الكلام ، وغاص في افكاره ، أمّا الحاضرون فكانوا ينظرون مرّة الىٰ الوزير واخرىٰ الىٰ الخليفة فيما يفكر كل واحد منهم بردة الفعل المترتبة علىٰ كلام الوزير.

كان الصمت ممزوجاً بالرعب في فناء القبر ، وبعد ثوان رفع المستنصر رأسه ونظر الىٰ الوزير ( المحرك الرئيسي للموضوع ) وبصوت تنتابه رجفة خفيفة من الألم ، قال له : « هذا أمر سماوي » ـ بمعنىٰ ان الاختلاف في المشهدين تقدير سماوي ـ ولا نستطيع ان نغيّر منه شيئاً ، لقد فعلنا كلما استطعنا عليه من اجل قبور آباءنا ، لكننا لا نسيطر علىٰ قلوب الناس ، فحكمنا علىٰ الابدان وليس الارواح ، لقد أرسلنا اثمن المفروشات الىٰ قبور آباءنا وجلّلناها وصرفنا عليها الكثير من الاموال ، لكي تتساوىٰ وقبور ابناء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكن الناس كانوا يأتون في منتصف الليل فيسرقون المفروشات والادوات من قبور آباءنا ، ولم يأت أو سيأتي احد لزيارتها ، في حين ان الناس تصرف آلاف الدراهم والدنانير علىٰ قبري العسكريين من جيوبها واتعابها ، فيشترون

٧٧

المفروشات ويعلقون الستائر ، فما هو الحلّ ؟ وقلوب الناس خارجة عن متناول قوتنا وسلطتنا.

اقتراح بهمنيار على ابن سينا

اما القضية التايخية الاُخرىٰ ، التي ترتبط بالقسم الثاني من كلامه ، فهو ما حدث بين الشيخ ابن سينا واحد تلامذه المقربين ، اي بهمنيار.

وبهمنيار من تلامذة ابن سينا الملازمين له ، وكان محباً لاستاذه بشكل لا يوصف ، وكان مقام ابن سينا العلمي ونبوغه الفكري وقابلياته وقدراته الجمّة ، جعلت منه نابغة في العلم ، فكان ابن بهمنيار متحيراً في ذلك ، مما دفعه لأن يقترح علىٰ استاذه اقتراحاً خطراً.

فقال في احد الايام : استاذ ! لماذا لا تدّعي النبوة ، وتعرّف نفسك بأنّك نبي من قبل الله ؟! لأن مثل ذلك الادّعاء يليق بك ، فلو ادعيت النبوة وانكرها البعض ، وأراد ان يعارضك في ذلك ، فسيتعرّف على عظمتك العلمية في أول كلام لك معه ، وسوف يطأطأ رأسه امامك اجلالاً لمنزلتك.

استاذي انت اُسوة أهل زمانك في جميع الفضائل ، فلا تتباطأ في هذا الامر ؟!

كان بهمنيار يلحّ علىٰ ابن سينا دائماً بذلك المقترح ، لكنه لم يسمع منه جواباً علىٰ ذلك ، حتىٰ جاء الشتاء ، وفي احدىٰ الليالي الباردة جداً ، حيث الوفر والجليد غطّىٰ الارض واغصان الاشجار ، كان ابن سينا مستلقياً في غرفة

٧٨

دافئة يستريح ، فيما ابن بهمنيار يغطُّ في نوم عميق في مكان آخر من الغرفة ، كانت الساعة تشير الىٰ نهاية الليل ، نهض ابن سينا من نومه عطشان جداً ، لكنه لم يجد ماءً بالقرب منه في الغرفة ، فوضع ابن سينا يده علىٰ كتف بهمنيار وقال له بصيغة الأمر الممزوج بالمحبة : بهمنيار ! بهمنيار ! ففتح بهمنيار عينيه ، ووجد يد استاذه علىٰ كتفه ، فسلم علىٰ ابن سينا ، ورد استاذهعليه‌السلام ، ثم قال : العطش اضناني ووعاء الماء خارج الغرفة ، انهض وأئتني به.

فنظر بهمنيار الىٰ خارج الغرفة بعينين نصف مفتوحين ، ورأىٰ البخار المنجمد علىٰ زجاج باب الغرفة ، فتذكّر شدّة البرد في الخارج ، وان عليه ان ينهض من فراشه الدافيء ويرتدي ملابسه لكي يأتي بالماء الىٰ استاذه ؟!

كانت هذه الأفكار تزعجه فقرر في الفور أن لا يؤدي ذلك العمل ، لكنّه ماذا عساه أن يجيب ابن سينا ؟ لم يكن باستطاعه أن يصرّح بعدم الاستجابة ، لأن ابن سينا استاذه ونابغة العصر ومعلمه وملك الاطباء ، فأضطر أن يدخل الموضوع من باب آخر ، فقال : استاذ ! الطقس بارد خارج الغرفة ، والماء ايضاً بارد جداً ، في حين ان صدرك حار ، فلو شربت الماء البارد بهذا الشكل ، ستتعرض الىٰ الخطر بالتأكيد.

قال ابن سينا : أنا اُستاذك في الطب ، وآمرك ان تأتي بالماء.

وللمرّة الثانية كرر بهمنيار كلامه ولكن بلحن عذب وجميل ، لكنه رأىٰ استاذه مصرّاً على الاتيان بالماء.

وفي النهاية قرر ان يتكلم بصراحة ، فقال : انا لا استطيع تحمل برد

٧٩

الخارج من أجل ان أتي لك بالماء ، وفيما كانوا يتكلمون في الأمر ، إذا بصوت جميل ينبض بالدفٴ يصل من الخارج :

الهي لك الحمد يا ذا الجود والمجد والعلىٰ

تباركت تعطي من تشاءُ وتمنعُ

     

فمن أين كان هذا الصوت ؟ كان الصوت يأتي من مأذنه المسجد ، وكان هناك مسلماً منشغلاً في ذلك الطقس البارد بمناجاة الذات الالهية المقدّسة ، وبعد فترة من المناجاة طلع الصبح ، وارتفع صوت المسلم نفسه بالاذان : الله اكبر الله اكبر

مرّ ذلك الحادث ، وفي اليوم التالي كان بهمنيار يتأهب للدرس عند استاذه ، فألتفت ابن سينا الىٰ بهمنيار وقال : اقترحت علي مرات عديدة ان ادّعي النبوة ، فهل علمت سبب عدم قبولي بأقتراحك ؟

قال بهمنيار : لا.

فقال له ابن سينا : بهمنيار ! مع انك أنت الذي اقترحت ذلك ، وكنت تصرّ كثيراً علىٰ ذلك ، وأنا معك منذ فترة واستاذك ، مع ذلك لم تكن سلطتي نافذة فيك بحيث تنهض في الليلة الماضية وتأتي لي بالماء من خارج الغرفة ، لكن في تلك الساعة وفي ذلك الطقس البارد الذي وكأنه شلَّ قوة جميع الكائنات ، ينهض رجل مسلم من فراشه الدافىء ويصعد علىٰ ذلك المكان المرتفع ( المأذنة ) الذي تعصف به الرياح الباردة من كل حدب وصوب لكي يقوم بعمل مستحب ( ليس واجباً ) أمر به الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل اربعمائة سنة ، دون ان ينظر الىٰ برودة الجو وبدون شعور بالألم لسبب البرد ، لكن نفوذ ذلك الانسان الرباني في اتباعه

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

تحديد التربة الحسينية :

س / قال الفاضل المقداد السيوري ( قده ) : « ورد متواتراً ، أنّ الشفاء في تربته ، وكثرة الثواب بالتسبيح بها ، والسجود عليها ، ووجوب تعظيمها ، وكونها دافعة للعذاب عن الميت ، وأماناً من المخاوف ، وأنّ الإستنجاء بها حرام ، فهل هي مختصة بمحل أم لا ؟ » (٢٢٣)

جـ / يمكن تلخيص رأي الأعلام فيما ذكره الفقيه السبزواري : « القدر المتيقن من محل أخذ التربة هو القبر الشريف وما يقرب منه على وجه يلحق به عرفاً ، ولعله كذلك الحائر المقدس بأجمعه ، لكن في بعض الأخبار ، يؤخذ طين قبر الحسين عليه السلام من عند القبر على سبعين ذراعاً ، وفي بعضها طين قبر الحسين فيه شفاء وإنْ أخذ على رأس ميل ، بل وفي بعضها أنه يستشفى فيما بينه وبين القبر على رأس أربعة أميال ، بل وفي بعضها على عشرة أميال ، وفي بعضها فرسخ في فرسخ ، بل وروي إلى أربعة فراسخ ، ولعلّ الإختلاف من جهة تفاوت مراتبها في الفضل فكل ما قرب إلى القبر الشريف ؛ كان أفضل ، والأحوط الإقتصار عل ی ما حول القبر إل ی سبعين ذراعاً ، وفيما زاد على ذلك أنْ يستعمل ممزوجاً بماء أو شربة على نحو لا يصدق عليه الطين ويستشفى به رجاء »(٢٢٤)

ومن أراد التوسع ، فعليه بمراجعة ( جواهر الكلام ج ٣٦ / ٣٦٤ ـ ٣٦٧ ) وغيره من الكتب الفقهية

______________________

(٢٢٣) ـ السيوري ، الشيخ جمال الدين مقداد بن عبدالله : التنقيح الرائع ، ج ٤ / ٥١

(٢٢٤) ـ السبزواري ، السيد عبدالأعلى : مهذب الأحكام ، ج ٢٣ / ١٨٥

١٤١

س / في حالة الشك في أن هذه تربة الحسينعليه‌السلام أم لا ، ماذا يصنع ؟

جـ / يقول الفقيه السبزواري ( قده ) : « إنْ أخذ التربة بنفسه أو علم من الخارج بأنّ هذا الطين من تلك التربة المقدسة فلا إشكال ، وكذا إذا قامت على ذلك البينة ، بل الظاهر كفاية قول عدل واحد بل شخص ثقة ، وهل يكفي إخبار ذي اليد بكونه منها أو بذله على أنه منها ؟ لا يعد ذلك وإنْ كان الأحوط في غير صورة العلم ، وقيام البينة تناولها بالإمتزاج بماء أو شربة »(٢٢٥)

وقال الشيخ المامقاني ( قده ) : « ويثبت كون الطين طين قبره الشريف بالبينة الشرعية ، وهل يثبت بقول ذي اليد الشيعي ؟ وجهان ، أظهرهما ذلك »(٢٢٦)

طريقة الإستشفاء :

س / هل توجد طريقة للإستشفاء بالتربة الحسينية ؟

جـ / نعم ، وقد ذكر الفقهاء ذلك وهذه كلماتهم كالتالي :

قال المحقق الأردبيلي ( قده ) : « الأخبار في جواز أكلها الإستشفاء كثيرة ، والأصحاب مطبقين عليه ، وهل يشترط أخذه بالدعاء وقراءة( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ ) ؟ ظاهر بعض الروايات في كتب المزار ذلك ، بل مع شرائط أخرى ، حتى ورد أنه قال شخص : إني أكلت وما شفيت ، فقالعليه‌السلام له : إفعل كذا وكذا وورد أيضاً أنّ له غسلاً وصلاة خاصة والأخذ على وجه خاص وربطه وختمه بخاتم يكون نقشه كذا ، ويكون أخذه مقداراً خاصاً ، ويحتمل أنْ يكون ذلك لزيادة

______________________

(٢٢٥) ـ المصدر السابق / ١٨٨ ـ ١٨٩

(٢٢٦) ـ المامقاني ، الشيخ عبد الله : مرآة الكمال ، ج ٣ / ٢٤٠

١٤٢

الشفاء وسرعته وتبقيته لا مطلقاً ، فيكون مطلقاً جائزاً كما هو مشهور ، وفي كتب الفقه مسطور »(٢٢٧)

وقال الفقيه السبزواري ( قده ) : « لأخذ التربة المقدسة وتناولها عند الحاجة آداب وأدعية مذكورة في محالها خصوصاً في كتب المزار ، ولاسيما مزار بحار الأنوار ، لكن الظاهر أنها كلها شروط كمال لسرعة تأثيرها لا أنها شرط لجواز تناولها »(٢٢٨)

وقال الشيخ الأعسم في إرجوزته :

وللحسين تربة فيها الشفا

تشفي الذي على الحِمام أشرفا(٢٢٩)

المقدار المحدد للإستشفاء :

س / هل يوجد قدر محدد للإستشفاء بتربة الحسين عليه‌السلام ؟

ج / المعروف من كلمات الأعلام أنّ القدر المحدد للإستشفاء هو بقدر الحمصة ، بل نسب الفقيه السبزواري ذلك إلى الإجماع والنصوص(٢٣٠)

وقال الشيخ الأعسم :

حَدّ له الشارع حداً خَصّصَهْ

تحريم ما قد زاد فوق الحِمَّصة(٢٣١)

وقال الفاضل المقداد ( قده ) : « قيد الشيخ في( النهاية ) المتناول باليسير ، وهو حسن وإختاره ابن إدريس والعلامة : لحصول الغرض والشفاء في ذلك ، فما زاد يكون حراماً ولما كان اليسير أمراً إضافياً ؛ لأنه رب يسير كثير بالإضافة

______________________

(٢٢٧) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٥٧ / ١٦٠

(٢٢٨) ـ السبزواري ، السيد عبدالأعلى : مهذب الأحكام ، ج ٢٣ / ١٨٤

(٢٢٩) ـ الأعسم ، الشيخ عبدالرزاق : النفحات الذكية ، في شرح الأرجوزة الأعسمية / ١٣٢ ـ ١٣٣

(٢٣٠) ـ السبزواري ، السيد عبدالأعلى : مهذب الأحكام ج ٢٣ / ١٨٣

(٢٣١) ـ الأعسم ـ الشيخ عبدالرزاق : النفحات الذكية في شرح الأرجوزة الأعسمية / ١٣٣

١٤٣

إلى ما هو أقل منه ، ورب كثير يسير بالإضافة إلى ما هو أكثر منه ؛ قيّده المصنف بقدر الحمصة لينضبط ، وهل يجوز الإكثار منه ؟ الأصح لا ، لما ورد عنهمعليهم‌السلام : من أكل زائداً عن ذلك فكأنما أكل من لحومنا »(٢٣٢)

وقال الشيخ المجلسي ( قده ) : « وقد مر التصريح بهذا المقدار في الأخبار ، وكان الأحوط(٢٣٣) عدم التجاوز عن مقدار عدسة لما رواه الكليني عن علي ابن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمّار قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : إنّ الناس يروون أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :إنّ العدس بارك عليه سبعون نبياً فقال : هو الذي تسمونه عندكم الحمص ونحن نسميه العدس » (٢٣٤)

إيضاح واستنتاج :

«الحِمّصة : واحدة الحمص بكسر الحاء وفتح الميم المشددة ؛ هي القيراط الصيرفي والحمصة في كلام علماء العراق هي : الحبة المتعارفة عند العراقيين ، وهي القيراط الصيرفي الذي وزنه أربع حبات قمح »(٢٣٥)

القيراط الصيرفي : « هو أربع حبات أو أربع قمحات كما نص عليه السيد الأمين في ( الدرة البهية / ٨ ) وكما نص عليه في ( حلية الطلاب / ٥٣ ) ، وفي ( كشف الحجاب / ٥٨ ) ، حيث قالا : أربع قمحات قيراط »(٢٣٦)

والقيراط : « هو عشرون جزءاً من الغرام كما في ( حلية الطلاب / ١١٣ ) وقد إختبرناه ؛ فوجدناه صحيحاً فهو : ( ١ / ٥ غرام ) ، فالخمسة قراريط ـ

______________________

(٢٣٢) ـ السيوري ، الشيخ جمال الدين مقداد بن عبدالله : التنقيح الرائع ، ج ٤ / ٥٠

(٢٣٣) ـ ظاهر العبارة ( وان كان الأحوط ) ـ المؤلف

(٢٣٤) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر ، بحار الأنوار ، ج ٥٧ / ١٦١

(٢٣٥) ـ العاملي ، الشيخ إبراهيم سليمان : الأوزان والمقادير / ٢١

(٢٣٦) ـ نفس المصدر / ٢٤

١٤٤

أعني العشرين قمحة ـ هي غرام كما هو واضح »(٢٣٧) فالنتيجة أن الحمصة تساوي ( ١ / ٥ غرام ) ، وهي تعادل العدسة المذكورة في الرواية تقريباً

الدعاء عند الإستشفاء بتربة الحسين (عليه‌السلام ) :

وردت عدة أدعية عند إستعمال التربة الحسينية مذكورة في كتب المزار(٢٣٨) نذكر منها التالي :

عند تناول التربة وأخذها :

قال الشيخ الأعسم في ارجوزته :

لها دعاءانِ فيدعو الداعي

في وقتَّي الأخذ و الإبتلاعِ(٢٣٩)

١ ـ عن أبي أسامة قال : ( كنت في جماعة من عصابتنا بحضرة سيدنا الصادقعليه‌السلام ؛ فأقبل علينا أبو عبد اللهعليه‌السلام فقال : إنّ الله جعل تربة جدي الحسينعليه‌السلام شفاء من كل داء ، وأماناً من كل خوف ، فإذا تناولها أحدكم ؛ فليقبلها ويضعها على عينيه ، وليمرّها على ساير جسده وليقل :اللهم بحق هذه التربة ، وبحق من حَلّ بها وثوى فيها ، وبحق أبيه وأمه وأخيه والأئمة من ولده ، وبحق الملائكة الحافّين به ، إلا جعلتها شفاءً من كل داء ، وبرءاً من كل مرض ، ونجاة من كل آفة ، وحرزاً مما أخاف وأحذر ، ثم ليستعملها ) (٢٤٠)

٢ ـ عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال : ( إذا تناول أحدكم من طين قبر الحسينعليه‌السلام فليقل :اللّهُمَّ إنّي أسألُك بِحقِّ المَلَكِ الّذي تَنَاوَله ، والرّسُولِ الّذي بَوّأهُ ،

______________________

(٢٣٧) ـ المصدر السابق / ٩٢

(٢٣٨) ـ راجع : بحار الأنوار ، ج ٩٨ / ١١٨ ـ ١٤٠ وكامل الزيارات ( باب ٩٣ ، ٩٤ )

(٢٣٩) ـ الأعسم ، الشيخ عبدالرزاق : النفحات الذكية في شرح الارجوزة الاعسمية / ١٣٣

(٢٤٠) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٩٨ / ١١٩

١٤٥

والوَصِيَّ الّذي ضُمِّنَ فيه ، أنْ تَجعَلَه شِفَاءً مِنْ كُلِّ داءٍ كذا وكذا ، وتُسمِّي ذلك الداء ) (٢٤١)

٣ ـ عن أبي جعفر الموصلي ، أن أبا جعفرعليه‌السلام قال : إذا أخذت طين قبر الحسينعليه‌السلام فقل :( اللّهُمّ بِحَقِّ هذه التُّربَة ، وبحَقِّ المَلَكِ المُوَكَّل بِهَا ، وبحَقِّ المَلَكِ الذّي كرّبهَا ، وبِحَقِّ الوّصيِّ الّذي هُوَ فيها ، صَلِّ على مُحَمّد وآلِ محمدٍ ، واجْعَلْ هذا الطّينَ شِفَاءً لي منْ كُلِّ داءٍ ، وأَمَاناً منْ كُلِّ خَوْفٍ ) (٢٤٢)

٤ ـ وروي : إذا أخذته فقل :( بِسْم الله ، اللّهُمّ بِحَقِّ هذه التُّرْبَة الطّاهرَة ، وبِحَقِّ البُقْعَةِ الطَّيَّبةِ ، وبِحقَّ الوَصِيِّ الّذِي تُوارِيه ، وبِحَقِّ جَدِه وأبيه وأمه وأخيه والمَلائِكةِ الّذين يَحُفُّونَ به ، والمَلَائِكةِ العُكُوف على قَبْر وَليِّك ، ينتظرون نَصْرَه صَلّى اللهُ عَلَيْهِم أجمعين ، إجْعَل لي فيه شِفَاءً من كُلّ دَاء ، وأماناً من كُلّ خَوْفٍ ، وغِنىً من كُلّ فَقْرٍ ، وعِزّاً من كُلّ ذُلّ ، وأوسِعْ به عَلَيّ في رِزْقي ، وأصِحّ به جِسْمِي ) (٢٤٣)

٥ ـ وروي أن رجلاً سأل الصادقعليه‌السلام فقال : ( إني سمعتك تقول : إن تربة الحسينعليه‌السلام من الأدوية المفردة ، وإنها لا تمر بداء إلا هضمته ، فقال : قد كان ذلك ( أو قد قلت ذلك ) فما بالك ؟ فقال : إني تناولتها فما إنتفعت بها ، قال : أما إن لها دعاء فمن تناولها ولم يدعُ به واستعملها لم يكن ينتفع بها ، قال : فقال له : ما يقول إذا تناولها ؟ قال : تقبلها قبل كل شيء وتضعها على عينيك ، ولا تناول منها أكثر من حِمّصَه ، فإن من تناول منها ______________________

(٢٤١) ـ ابن قولويه ، الشيخ جعفر بن محمد : كامل الزيارات / ٤٦٩ ـ ٤٧٢

(٢٤٢) ـ نفس المصدر

(٢٤٣) ـ نفس المصدر

١٤٦

أكثر فكأنما أكل من لحومنا ودمائنا ، فإذا تناولت ؛ فقل :اللّهم إني أسْأَلُك بِحَقِّ المَلَكِ الذي قبضها ، وبِحَقِّ المَلَكِ الذي خَزَنَها ، وأسْأَلُك بِحَقِّ الوَصِيِّ الذي حَلَّ فيها ، أن تُصَلِّي على محمد وآل محمد ، وأن تَجعَلَهُ شِفَاءً من كُلِّ دَاءٍ ، وأمَاناً من كُلِّ خَوْفٍ ، وحِفْظَاً من كُلِّ سُوءٍ . فإذا قلت ذلك فاشددها في شيء وأقرأ عليها إنا أنزلناه في ليلة القدر ، فإن الدعاء الذي تقدم لأخذها ؛ هو الإستئذان عليها ، واقرأ إنا أنزلناه ختمها )(٢٤٤)

عند أكلها للإستشفاء :

١ ـ روى الشيخ في المصباح ، عن الصادقعليه‌السلام : ( طين قبر الحسينعليه‌السلام شفاء من كل داء ؛ فإذا أكلت منه ؛فقل : بسم الله و بالله ، اللهم إجعله رزقاً واسعاً ، وعلماً نافعاً ، وشفاء من كل داء ، إنك على كل شئ قدير ، اللهم رب التربة المباركة ، ورب الوصي الذي وارته ، صلِّ على محمد وآل محمد ، واجعل هذا الطين شفاءً من كل داء ، وأماناً من كل خوف ) (٢٤٥)

٢ ـ وروي حنان بن سدير ، عن أبيه ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام أنه قال :( مَنْ أكَلَ مِنْ طِينِ قَبْرِ الحسين عليه‌السلام غير مستشفٍ به فكأنما أكل من لحومنا ، فإذا إحتاج أحدكم للأكل منه ليستشفي به ، فليقل : بِسْمِ الله وبالله ، اللّهُمّ رَبَّ هذه التُّربَةِ المُبَارَكَةِ الطّاهِرَةِ ، ورَبّ النُّور الّذي أُنزل فيه ، ورَبّ الجَسَدِ الذي سَكَن فيه ، ورَبّ الملائكة المُوكِّلين به ، إجْعَلْهُ لي شِفاءً من دَاءِ كذا وكذا ، وأجرع من الماء جرعه خلفه ، وقل : اللّهُمَّ إجْعَلْه رِزْقَاً وَاسعاً ،

______________________

(٢٤٤) ـ الطوسي ، الشيخ محمد بن الحسن : مصباح المتهجد / ٥١٠ ـ ٥١١

(٢٤٥) ـ الأمين ، السيد محسن : مفاتيح الجنات ، ج ١ / ٤٥٥

١٤٧

وعِلْماً نَافِعاً ، وشِفَاءً من كل دَاءٍ وسُقْمٍ فإن الله تعالى يدفع عنك بها كل ما تجد من السقم والغم إن شاء الله تعالى ) (٢٤٦)

٣ ـ عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال :( طين قبر الحسين عليه‌السلام شفاء من كل داء ، وإذا أكلته فقل : بسم الله وبالله ، اللّهُمّ أجْعَلْهُ رِزْقَاً واسِعاً ، وعِلْماً نافِعاً ، وشِفاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ إنّكَ على كُلِّ شيء قدير ) (٢٤٧)

٤ ـ وروي عنهعليه‌السلام قال :( إذا أكلته تقول : اللّهُمّ رَبِّ هذه التُّربَة المباركة ، ورَبّ هذا الوَصِيّ الذي وَارَتْهُ ، صَلِّ على محمد وآل محمد ، واجْعَلْهُ عِلْماً نافِعَاً ، ورِزْقَاً واسعاً ، وشِفَاءً من كُلِّ داء ) (٢٤٨)

٥ ـ وروي عنهعليه‌السلام قال :( إذا أخذت من تربة المظلوم ووضعتها في فيك فقل : اللّهُمّ إنّي أسْأَلُك بِحَقِّ هذه التُّربَة ، وبِحَقّ المَلَكِ الذي قَبَضَها ، والنّبيِّ الذي حَضَنَها ، والإمام الذي حَلّ فيها ، أن تُصلِّي على محمدٍ وآل محمدٍ ، وأن تَجْعَل لي فيها شِفَاء نافِعَاً ، ورِزْقَاً واسِعَاً ، وأمَانَاً من كُلّ خَوْف ودَاءِ فإذا قال ذلك ؛ وهب الله له العافية ) (٢٤٩)

عند حملها للإحتراز :

ذكر ابن طاووس : « إنه لما ورد الصادقعليه‌السلام إلى العراق إجتمع إليه الناس فقالوا : يا مولانا تربة قبر مولانا الحسين شفاء من كل داء ، وهل هي أمان من كل خوف ؟ فقال : نعم إذا أراد أن تكون أماناً من كل خوف ؛ فليأخذ السبحة من تربته ويدعو دعاء ليلة المبيت على الفراش ثلاث مرات وهو :( أمسيت اللهم

______________________

(٢٤٦) ـ الطوسي ، الشيخ محمد بن الحسن : مصباح النهجد / ٥١٠ ـ ٥١١

(٢٤٧) ـ ابن قولويه ، الشيخ جعفر بن محمد : كامل الزيارات / ٤٧٩

(٢٤٨) ـ نفس المصدر / ٤٧٧

(٢٤٩) ـ نفس المصدر

١٤٨

معتصماً بذمامك المنيع الذي لا يطاول إلخ ) ، ثم يقبل السبحة ويضعها على عينيه ويقول :( اللّهُمّ إنّي أسْألُك بِحَقّ هذه التُّربَة ، وبِحَقّ صَاحِبها ، وبِحَقّ جَدّه وأبيه ، وبحق أمه وأخيه ، وبِحَقِّ ولده الطاهرين ، إجْعَلْها شِفَاءً من كُلِّ دَاءٍ ، وأمَاناً من كُلِّ خَوْفٍ ، وحِفْظَاً من كُلِّ سُوء ، ثم يضعها في جيبه فإن فعل ذلك في الغدوة ؛ فلا يزال في أمان حتى العشاء ؛ وإن فعل ذلك في العشاء ، فلا يزال في أمان الله حتى الغدوة » (٢٥٠)

ـ عن أبي حمزة الثمالي قال : قال الصادقعليه‌السلام :( إذا أردت حمل الطين ـ طين قبر الحسين عليه‌السلام ) ـ ، فأقرأ فاتحة الكتاب ، والمعوذتين ، و( قُلْ هُوَ
اللَّـهُ أَحَدٌ
) ، و( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) ، و( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ،ويس ، وآية الكرسي ، وتقول :( اللّهُمّ بِحَقِّ مُحَمدٍ عَبْدِك وحَبيبكَ ونَبِيِّك ورَسُولِكَ وأمِينكَ ، وبِحَقِّ أميرِ المُؤمِنين عَليِّ بن أبي طالب عَبْدِكَ وأخي رسُولِك ، وبِحَقِّ فَاطِمةَ بِنْتِ نَبِيِّكَ وزوْجَة وَليِّكَ ، وبِحَقِّ الحَسَنِ والحُسَيْنِ ، وبِحَقِّ الأئمَّة الرّاشِدَينَ ، وبِحَقِّ هذه التُّرْبَةِ ، وبِحَقِّ المَلَكِ المُوَكِّل بها ، وبِحَقِّ الوَصيّ الّذي حَلّ فيها ، وبِحَقِّ الجَسَدِ الّذي تضمّنَتْ ، وبِحَقِّ السِّبْطِ الّذي ضمنت ، وبِحَقِّ جَميعِ مَلائِكتِكَ وانْبِيَائِك ورُسُلِكَ ، صَلّ على مُحَمّدٍ وآل محمدٍ ، واجعَلْ هذا الطِّين شِفَاءً لي وَلَمن يَسْتَشْفِي به من كُلِّ دَاءٍ وسُقْمَ ومَرَضٍ ، وأمَاناً مِنْ كُلِّ خَوْفٍ اللّهُمّ بِحَقِّ محمد وأهلِ بيته إجْعَله عِلْماً نافِعَاً ، ورِزْقَاً واسعاً ، وشِفَاء من كُلِّ دَاءٍ وسُقْم ، وآفة وعَاهةٍ ، وجميع الأوجاع كلها ، إنك على كل شيء قدير )

______________________

(٢٥٠) ـ ابن طاووس ، السيد رضي الدين علي بن موسى : فلاح السائل / ٢٢٤ ـ ٢٢٥

١٤٩

وتقول :( اللّهُمّ رَبَّ هذه التُّربَة المباركَة الميمونَةِ ، والمَلَكِ الذي هَبَط بَها ، والوَصّي الذي هو فيها ، صلِّ على محمد وآل محمد وسلّم وأنفعني بها ، إنّك على كلِّ شيء قدير ) (٢٥١)

ـ وروي عن الإمام الصادقعليه‌السلام :( اللّهُمّ إنَّي أخَذْتُه مِنْ قَبْرِ وَليِّكَ وابن وَليِّكَ ، فَاجْعَلْهُ لي أمْنَاً وحِرْزَاً لما أخَافُ ومَالَا أخَافُ ) (٢٥٢)

______________________

(٢٥١) ـ ابن قولويه ، الشيخ جعفر بن محمد : كامل الزيارات / ٤٧٥ ـ ٤٧٦

(٢٥٢) ـ آل طعان ، الشيخ احمد بن الشيخ صالح : الصحيفة الصادقية / ٢٩٤

١٥٠

١٥١
١٥٢

توطئة :

س / عرفنا مما سبق المقصود بالتربة الحسينية ، وطريقة الإستشفاء بها ، وبقي شئ وهو ما هي الأدلة التي يمكن أنْ تعتمدها الشيعة الإمامية في الإستشفاء بهذه التربة الزكية ؟

ج / من أهم الأدلة التي يمكن عرضها هي التالي :

الدليل النقلي :

وهو يتكون من عنصرين هما :

الأول : حث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الإستشفاء بتربة المدينة ، ويمكن ذكر ذلك في طائفتين :

الأولى ـ الإستشفاء بغبار المدينة :

١ ـ ( غبار المدينة شفاء من الجذام )(٢٥٣)

٢ ـ ( غبار المدينة يبرئ الجذام )(٢٥٤)

٣ ـ ( إنّ في غبارها شفاء من كل داء )(٢٥٥)

الثانية ـ الإستشفاء بتراب المدينة :

أ ـ ( والذي نفسي بيده إنّ تربتها لمؤمنة ، وأنها شفاء من الجذام )(٢٥٦)

ب ـ ( مالكم يا بني الحارث رَوْبَى ؟ قالوا : أصابتنا يا رسول الله هذه الحمى ، قال فأين أنتم عن صُعَيْب )(٢٥٧)

______________________

(٢٥٣ ـ ٢٥٦) ـ المتقي الهندي ، علاء الدين علي بن حسام الدين : كنز العمال ، ج ١٣ / ٢٠٥

ـ السمهودي ، السيد نور الدين ، علي : وفاء الوفاء ، ج ١ / ( ٦٧ ـ ٦٨ )

(٢٥٧) ـ قال أبو القاسم ، طاهر بن يحيى العلوي : صعيب : وادي بطحان دون الماجشونية ، وفيه حفرة مما يأخذ الناس منه ، وهو اليوم إذا وبأ إنسان أخذ منه وقال ابن النجار عقبه : وقد رأيت أنا هذه الحفرة اليوم ، والناس يأخذون منها ، وذكروا أنهم قد جربوه ، فوجدوه صحيحاً ) وفاء الوفاء ، ١ / ٦٨

١٥٣

قالوا : يا رسول الله ما نصنع به ؟ قال : تأخذون من ترابه فتجعلونه في ماء ، ثم يتفل عليه أحدكم ويقول : بسم الله ، تُرابُ أرضنا ، بريق بعضنا ، شفاء لمريضنا ، بإذن ربنا ففعلوا فتركتهم الحمى )(٢٥٨)

ج ـ وروى ابن زَبَالة : ( أنّ رجلاً أتى به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبرجله قرحة ، فرفع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طرف الحصيرة ، ثم وضع إصبعه التي تلي الإبهام على التراب بعدما مسّها بريقه ، بسم الله ، ريق بعضنا ، بتربة أرضنا يشفي سقيمنا ، بإذن ربنا ، ثم وضع إصبعه على القرحة فكأنما حُلّ من عِقَال )(٢٥٩)

تعقيب وإستدراك :

« قال الزركشي : ينبغي أنْ يستثنى من منع نقل تراب الحرم تربة حمزة رضي الله عنه ، لإطباق الناس على نقلها للتداوي بها »(٢٦٠)

« وحكى البرهان بن فرحون ، عن الإمام العالم أبي محمد عبد السلام بن إبراهيم بن ومصال الحاحاني قال : نقلت من كتاب الشيخ العالم أبي محمد صالح الهزميري قال : قال صالح بن عبد الحليم : سمعت أبا محمد عبد السلام بن يزيد الصنهاجي يقول : سألت أحمد ابن بكوت عن تراب المقابر الذي كان الناس يحملونه للتبرك هل يجوز أو يمنع ؟ فقال : هو جائز ومازال الناس يتبركون بقبور العلماء والشهداء والصالحين ، وكان الناس يحملون تراب قبر سيدنا حمزة بن عبد المطلب في القديم من الزمان قال ابن فرحون عَقِبَهُ : والناسُ اليوم يأخذون من تربة قريبة من مشهد سيدنا حمزة ، ويعملون خرزاً يشبه

______________________

(٢٥٨) ـ السمهودي ، السيد نور الدين ، علي بن حسام الدين : وفاء الوفاء ، ج ١ / ٦٨

(٢٥٩) ـ نفس المصدر / ٦٩

(٢٦٠) ـ نفس المصدر

١٥٤

السبح وإستدل ابن فرحون بذلك على جواز نقل تراب المدينة ، وقد علمت مما تقدم أن نقل تراب حمزة ـ رضی الله عنه ـ إنما للتداوي ؛ ولهذا لا يأخذونها من القبر بل من المسيل الذي عندْ المسجد ) ؟ »(٢٦١)

أقول : إنّ التبرك والإستشفاء بتراب المدينة وغبارها ، وما ذكرته الروايات من فعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكذلك سيرة المسلمين من الأصحاب والتابعين ، هي سيرة الشيعة الإمامية في التبرك و الإستشفاء بتربة الحسينعليه‌السلام ، فكيف ينكر عليها بالخصوص دون غيرها ؟!!

الثاني ـ حق أهل البيت على الإستشفاء بتربة الحسين :

وردت أحاديث كثيرة في التبرك والإستشفاء بتربة الحسينعليه‌السلام ، وهذه بعضها كالتالي :

١ ـ عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال :( عند رأس الحسين عليه‌السلام لتربة حمراء فيها شفاء من كل داء ) (٢٦٢)

٢ ـ عن ابن أبي يعفور قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام :( يأخذ الإنسان من طين قبر الحسين عليه‌السلام فينتفع به ويأخذ غيره فلا ينتفع ، فقال : لا والله لا يأخذه أحد وهو يرى أن الله ينفعه به إلا نفعه به ) (٢٦٣)

٣ ـ عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال :( من أصابة عِلّة ؛ فبدأ بطين قبر الحسين عليه‌السلام شفاه الله من تلك العلة ؛ إلا أن تكون علّة السام ) (٢٦٤)

______________________

(٢٦١) ـ المصدر السابق / ١١٦

(٢٦٢) ـ الحر العاملي ، الشيخ محمد بن الحسن : وسائل الشيعة ، ج ١٠ / ٤٠٩ ( باب (٧٠) من المزار وما يناسبه ، حديث ـ ٢ ، ١ )

(٢٦٣) ـ نفس المصدر

(٢٦٤) ـ نفس المصدر / ٤١٢ (باب ـ ٧٠ ـ ، حديث ١٣)

١٥٥

٤ ـ عن الكاظمعليه‌السلام في حديث( ولا تأخذوا من تربتي شيئاً لتتبركوا به ، فإنّ كل تربة لنا مُحرّمة إلا تربة جدي الحسين بن علي عليه‌السلام ، فإن الله عَزّ وجَلّ جعلها شفاء لشيعتنا وأوليائنا ) (٢٦٥)

٥ ـ عن سعد بن سعد الأشعري ، عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال سألته عن الطين الذي يؤكل فقال :( كل طين حرام كالميتة والدم وما أُهِلّ لغير الله به ما خلا طين قبر الحسين عليه‌السلام ، فإنه شفاء من كل داء ) (٢٦٦)

٦ ـ عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال :( أكل الطين حرام على بني آدم ما خلا طين قبر الحسين عليه‌السلام ، من أكله من وجع ؛ شفاه الله ) (٢٦٧)

وبعد ذكر هذه الأحاديث المروية عن أهل بيت العصمة والطهارة ، فهل يشك مسلم في التبرك والإستشفاء بتربة سيد الشهداء أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ؟ بل هو وأخوه سيدا شباب أهل الجنة ، وأحد سبطي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن تحدث عن فضله القرآن الكريم والأحاديث النبوية ، ومن ثبت في حقه أنّ تربته الطاهرة الزكيه قبضها جبريل وأعطاها لجده المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكل ذلك من المسَلّمات بين الصحابة والتابعين ، فلماذا النبذ والعتاب الشديد اللهجة على عمل الشيعة الإمامية من التبرك والإستشفاء بتربته الطاهرة ؟!

ألا يكفي كل ذلك على صحة عمل الشيعة الإمامية وبرائتهم من كل ما اُتهموا به من أباطيل ؟

______________________

(٢٦٥) ـ المصدر السابق / ٤١٤ ( باب ـ ٧٢ ـ ، حديث ، ٢ )

(٢٦٦) ـ نفس المصدر / ٤١٥ ـ حديث (٣)

(٢٦٧) ـ نفس المصدر ، ج ١٦ / ٣٩٧ ، ( باب ٥٩ ـ باب عدم تحريم أكل طين قبر الحسين (ع) بقصد الشفاء ، حديث ٤ )

١٥٦

الدليل العلمي :

يتضح هذا الدليل بعد ذكر السؤال التالي والإجابة عليه

س / هل الإستشفاء بتربة الحسين عليه‌السلام ونحوها من الإستشفاء بماء زمزم وماء الميزاب ، من التبرك فقط ، أو لوجود أثر طبي وكيميائي زيادة على ذلك ؟

ج / إختلف العلماء في ذلك على رأيين هما :

الأول ـ التبرك والإيحاء :

قال الشيخ المجلسي ( قده ) : « وقد يكون بعض الأدوية التي لا مناسبة لها بمرض على سبيل الإفتتان والإمتحان ، ليمتاز المؤمن المخلص القوي الإيمان من المنتحل أو ضعيف الإيمان ، فإذا إستعمله الأول إنتفع به لا لخاصيته وطبعه ، بل لتوسله بمن صدر عنه ويقينه وخلوص متابعته ، كالإنتفاع بتربة الحسين عليه السلام ، وبالمعوذات ، والأدعية »(٢٦٨) وعلى هذا بعض علماء الأمامية

وإستنتج الدكتور النسيمي الآتي :

« يتفق علماء المسلمين مع الأطباء في شأن الإيحاء وأثره في المعالجة »(٢٦٩)

وقال أيضاً : « يقصد بالمعالجة الروحية منذ القديم ، تطمين المريض ورفع معنوياته ، والإيحاء اليه بأنّ مرضه سيسير عاجلاً في طريق الشفاء وفي الغالب في وسائلها أنْ تكون غير عقارات ، وقد تكون عقارات يراد بها الإيحاء بأنها دواء لِعِلّة المريض عندما يكون علاجها الناجح مفقوداً أو غير مكتشف »(٢٧٠)

______________________

(٢٦٨) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ج ٥٩ / ٧٦

(٢٦٩) ـ النسيمي ، الدكتور محمود ناظم : الطب النبوي والعلم الحديث ، ج ٣ / ١٨٧

(٢٧٠) ـ نفس المصدر / ١٣٥

١٥٧

وقال أيضاً : « يعتقد المسلمون في النتائج الحسنة للرقي المشروعة بأمر زائد على الإيحاء ، هو معونة الله القادر على كل شيء يُقدِّمها حتى في غير الأمراض النفسية والوظيفية ، إجابة لدعوة المضطر الصادرة من أعماق نفسه أو معونة أو إكراماً لعبده الصالح والراقي والمرقي الذي رجاه »(٢٧١)

الثاني ـ التبرك ووجود خصائص طبية وكيميائية :

قال الشيخ كاشف الغطاء ( قده ) : « أفلا يجوز أنْ تكون لتلك الطينة عناصر تكون بلسماً شافياً من جملة من الأسقام ، قاتلة للميكروبات ولا نكران ولا غرابة ، فتلك وصفة روحية من طبيب رباني يرى بنور الوحي والإلهام ما في طبائع الأشياء ، وبعرف أسرار الطبيعة وكنوزها الدفينة التي لم تصل إليها عقول البشر بعد ، ولعلّ البحث والتحري والمثابرة سوف يوصل اليها ، ويكشف سِرّها ، ويَحلُّ طَلْسَمَها ، كما إكتشف سِرّ كثير من العناصر ذات الأثر العظيم مما لم تصل إليه معارف الأقدمين ، ولم يكن ليخطر على باب واحد منهم مع نقدهم وسمو أفكارهم وعظم آثارهم ، وكم من سِرّ دفين ومنفعة جليلة في موجودات حقيرة وضئيلة لم تزل مجهولة لا تخطر على بال ولا تمر على خيال ، وكفي ( بالبنسلين ) وأشباهه شاهداً على ذلك ، نعم لا تزال أسرار الطبيعة مجهولة إلى أن يأذن الله للباحثين بحِلِّ رموزها وإستخراج كنوزها ، والأمور مرهونة بأوقاتها ولكل أجل كتاب ، ولا يزال العلم في تجدد فلا تبادر إلى الإنكار إذا بلغك أن بعض المرضى عجز الأطباء عن علاجهم ، وحصل

______________________

(٢٧١) ـ المصدر السابق / ١٨٧

١٥٨

لهم الشفاء بقوة روحية ، وأصابع خفية من إستعمال التربة الحسينية ، أو من الدعاء والإلتجاء إلى القدرة الأزلية ، أو ببركة دعاء بعض الصالحين »(٢٧٢)

ويؤيد هذا الرأي الشواهد التالية :

١ ـ ما ذكره المهندس يحي حمزة كوشك في كتابه ( زمزم طعام طعم وشفاء سقم ) ، الذي صدر عام ١٤٠٣ هـ : « وتؤكد التحاليل الكيميائية ومقارنتها بالمواصفات العالمية ، على أنّ ماء زمزم صالح تماماً للشرب ، وأنّ أثره الصحي جيد ، وقد وجد أنّ تركيز عنصر الصوديوم يُعدُّ مرتفعاً لكن لا يوجد ضمن المواصفات العالمية المنشورة جداً لأعلى تركيز للصوديوم ، كما وجد أنّ الأربعة عناصر السامة الموجودة : وهي الزرنيخ ، والكاذميوم ، والرصاص ، والسيلينيوم ، هي أقل من مستوى الضرر بكثير بالنسبة للإستخدام البشري ، لذلك فإنّ مياه زمزم خالية من أي أضرار صحية ، بل هي مفيدة جداً بقدرة الله تعالى »(٢٧٣)

٢ ـ « وبرهن العالم واكسمان ، والدكتور إلبرت ، أنّ التراب جراثيم نافعة يمكن إستخراجها ومعالجة الأمراض السارية بها وفعلاً اُستخرج دواء من التراب بإسم ( استربتوماسين ) الذي يعالج بها السل ، والتايفوئيد ، والجراحات المزمنة ، والإسهال القوي ، وذات الرئة وإلتهاب الحلق »(٢٧٤)

٣ ـ «والعلاج بالطين طريقة أثبتت التجارب نجاحها في إحداث الشفاء من كثير من الأمراض التي إستعصت على العقاقير المسكنة والمهدئة والمنشطة وغيرها

______________________

(٢٧٢) ـ كاشف الغطاء ، الشيخ محمد حسين : الأرض والتربة الحسينية / ٢٨ ـ ٢٩

(٢٧٣) ـ عبد القادر ، د / أحمد المهندس ( ماء زمزم الأمن المائي وصحة الحجيج ) ، القافلة ـ م / ٤٢ محرم / لعام ١٤١٤ هـ ص / ٤٤

(٢٧٤) ـ الدهان ، سعيد ناصر : القرآن والعلوم / ١٦٨

١٥٩

.. وأفادت في الوقاية من آفات أخرى أي أن لها إتجاهين : إتجاهاً وقائياً وعلاجياً

ويتم إستخدام العلاج بالطين للمرضى القادمين من أمريكا والمجر ويوغسلافيا وجميع أنحاء أوروبا ، للوقاية من السمنة ، والسكر ، وإضطرابات النمو عند الأطفال ، وإلتهابات الجهاز التنفسي ، ونوبات الربو ، والأعصاب ، كما أفادت النساء في الوقاية من الإختلافات في العظم الهورموني وحالات الدوالي كما ينصح به لمن لم تمارس أعمالاً فيزيائية متعبة ، أو لديه ميول نحو السمنة كما أظهر العلاج بالطين نتائج مذهلة في معالجة كثير من الأمراض الجلدية الإكزمائية التي إستعصت على المراهم والأدوية »(٢٧٥)

هذه بعض الشواهد المؤيدة لرأي الشيخ كاشف الغطاء ( قده ) في دليله المتقدم

وبعد هذا ، فأي مانع أنْ تكون في التربة الحسينية تلك الخصوصية الطبية والكيميائية كما كانت في ماء زمزم ؟ والخلاصة التي توصلنا إليها في الدليل العلمي ، إنّ التربة الحسينية بما تحمله من خصائص البركة إنما هي كرامة إلهية للحسينعليه‌السلام كما أنّ مقتضى البركة والكرامة أنْ توجد فيها خصائص طبية وكيميائية تفوق وجودها في التراب والطين الآخر الموجود في بقاع الأرض وكذلك المياه ، وقد حصل لماء زمزم ، ومقتضى هذه الكرامة الإلهية أنْ تكون على مدى العصور ، يحظى بها من إعتقد بها ، ويحرم منها من جهلها وتهاون بها وقد أشار إلى هذا إمامنا الصادقعليه‌السلام بقوله : ( وإنما يفسدها ما يخالطها من أوعيتها وقلة اليقين لمن يعالج بها ، فأما من أيقن أنها له شفاء إذا تعالج بها ؛ كفته بإذن الله من غيرها مما يتعالج به ، ويفسدها الشياطين والجن من أهل الكفر

______________________

(٢٧٥) ـ عبد الصمد ، محمد كامل : ثبت علمياً ، ج ١ / ( ٣٨ ـ ٣٩ )

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466