بداية الحكمة

بداية الحكمة11%

بداية الحكمة مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: مكتبة الفلسفة والعرفان
الصفحات: 180

  • البداية
  • السابق
  • 180 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 19898 / تحميل: 7808
الحجم الحجم الحجم
بداية الحكمة

بداية الحكمة

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

الفصل الخامس

في بعض أحكام الفصل

ينقسم الفصل نوع انقسام إلى المنطقي والاشتقاقي.

فالفصل المنطقي هو أخص اللوازم ، التي تعرض النوع وأعرفها ، وهو إنما يؤخذ ويوضع في الحدود ، مكان الفصول الحقيقية لصعوبة الحصول غالبا ، على الفصل الحقيقي الذي يقوم النوع ، كالناطق للإنسان والصاهل للفرس ، فإن المراد بالنطق مثلا ، إما النطق بمعنى التكلم وهو من الكيفيات المسموعة ، وإما النطق بمعنى إدراك الكليات ، وهو عندهم من الكيفيات النفسانية ، والكيفية كيفما كانت من الأعراض ، والعرض لا يقوم الجوهر وكذا الصهيل ، ولذا ربما كان أخص اللوازم أكثر من واحد ، فتوضع جميعا موضع الفصل الحقيقي ، كما يؤخذ الحساس ، والمتحرك بالإرادة جميعا فصلا للحيوان ، ولو كان فصلا حقيقيا لم يكن إلا واحدا كما تقدم(١) .

والفصل الاشتقاقي مبدأ الفصل المنطقي ، وهو الفصل الحقيقي المقوم للنوع ، ككون الإنسان ذا نفس ناطقة في الإنسان ، وكون الفرس ذا نفس صاهلة في الفرس.

ثم إن حقيقة النوع هي فصله الأخير ، وذلك لأن الفصل المقوم هو محصل نوعه ، فما أخذ في أجناسه وفصوله الآخر ، على نحو الإبهام مأخوذ فيه على وجه التحصل.

ويتفرع عليه أن هذية النوع به ، فنوعية النوع محفوظة به ولو تبدل بعض

__________________

(١) في الفصل السابق.

٦١

أجناسه ، وكذا لو تجردت صورته ، التي هي الفصل بشرط لا عن المادة ، التي هي الجنس بشرط لا بقي النوع على حقيقة نوعيته ، كما لو تجردت النفس الناطقة عن البدن.

ثم إن الفصل غير مندرج تحت جنسه ، بمعنى أن الجنس غير مأخوذ في حده ، وإلا احتاج إلى فصل يقومه ، وننقل الكلام إليه ويتسلسل بترتب فصول غير متناهية.

الفصل السادس

في النوع وبعض أحكامه

الماهية النوعية توجد أجزاؤها في الخارج بوجود واحد ، لأن الحمل بين كل منها وبين النوع أولي ، والنوع موجود بوجود واحد ، وأما في الذهن فهي متغايرة بالإبهام والتحصل ، ولذلك كان كل من الجنس والفصل ، عرضيا للآخر زائدا عليه كما تقدم(١) .

ومن هنا ما ذكروا ، أنه لا بد في المركبات الحقيقية ، أي الأنواع المادية المؤلفة من مادة وصورة ، أن يكون بين أجزائها فقر وحاجة ، من بعضها إلى بعض حتى ترتبط وتتحد حقيقة واحدة ، وقد عدوا المسألة ضرورية لا تفتقر إلى برهان.

ويمتاز المركب الحقيقي من غيره بالوحدة الحقيقية ، وذلك بأن يحصل من تألف الجزئين مثلا أمر ثالث ، غير كل واحد منهما ، له آثار خاصة غير آثارهما الخاصة ، كالأمور المعدنية التي لها آثار خاصة ، غير آثار عناصرها ، لا

__________________

(١) في الفصل الرابع.

٦٢

كالعسكر المركب من أفراد ، والبيت المؤلف من اللبن والجص وغيرهما.

ومن هنا أيضا ، يترجح القول بأن التركيب ، بين المادة والصورة اتحادي لا انضمامي كما سيأتي(١) .

ثم إن من الماهيات النوعية ما هي كثيرة الأفراد ، كالأنواع التي لها تعلق ما بالمادة مثل الإنسان ، ومنها ما هو منحصر في فرد ، كالأنواع المجردة تجردا تاما من العقول ، وذلك لأن كثرة أفراد النوع إما أن تكون تمام ماهية النوع ، أو بعضها أو لازمة لها ، وعلى جميع هذه التقادير لا يتحقق لها فرد ، لوجوب الكثرة في كل ما صدقت عليه ، ولا كثرة إلا مع الآحاد هذا خلف ، وإما أن تكون لعرض مفارق ، يتحقق بانضمامه وعدم انضمامه الكثرة ، ومن الواجب حينئذ أن يكون في النوع ، إمكان العروض والانضمام ، ولا يتحقق ذلك إلا بمادة كما سيأتي(٢) ، فكل نوع كثير الأفراد فهو مادي ، وينعكس إلى أن ما لا مادة له ، وهو النوع المجرد ليس بكثير الأفراد ، وهو المطلوب.

الفصل السابع

في الكلي والجزئي ونحو وجودهما

ربما ظن أن الكلية والجزئية إنما هما في نحو الإدراك ، فالإدراك الحسي لقوته يدرك الشيء بنحو ، يمتاز من غيره مطلقا ، والإدراك العقلي لضعفه يدركه بنحو لا يمتاز مطلقا ، ويقبل الانطباق على أكثر من واحد ، كالشبح المرئي من

__________________

(١) في الفصل السادس من المرحلة السادسة.

(٢) في الفصل الرابع من المرحلة السادسة.

٦٣

بعيد ، المحتمل أن يكون هو زيدا ، أو عمرا أو خشبة منصوبة أو غير ذلك وهو أحدها قطعا ، وكالدرهم الممسوح القابل الانطباق على دراهم مختلفة.

ويدفعه أن لازمه أن لا يصدق المفاهيم الكلية ، كالإنسان مثلا على أزيد من واحد من أفرادها حقيقة ، وأن يكذب القوانين الكلية ، المنطبقة على مواردها اللا متناهية إلا في واحد منها ، كقولنا الأربعة زوج وكل ممكن فلوجوده علة ، وصريح الوجدان يبطله ، فالحق أن الكلية والجزئية نحوان من وجود الماهيات.

الفصل الثامن

في تميز الماهيات وتشخصها

تميز ماهية من ماهية أخرى بينونتها منها ، ومغايرتها لها بحيث لا تتصادقان ، كتميز الإنسان من الفرس باشتماله على الناطق ، والتشخص كون الماهية بحيث يمتنع صدقها على كثيرين ، كتشخص الإنسان الذي هو زيد.

ومن هنا يظهر أولا أن التميز وصف إضافي للماهية ، بخلاف التشخص فإنه نفسي غير إضافي.

وثانيا أن التميز لا ينافي الكلية ، فإن انضمام كلي إلى كلي لا يوجب الجزئية ، ولا ينتهي إليها وإن تكرر بخلاف التشخص.

ثم إن التميز بين ماهيتين إما بتمام ذاتيهما ، كالأجناس العالية البسيطة ، إذ لو كان بين جنسين عاليين مشترك ذاتي ، كان جنسا لهما واقعا فوقهما ، وقد فرضا جنسين عاليين هذا خلف.

وإما ببعض الذات وهذا فيما كان بينهما جنس مشترك ، فتتمايزان

٦٤

بفصلين كالإنسان والفرس.

وإما بالخارج من الذات ، وهذا فيما إذا اشتركتا في الماهية النوعية ، فتتمايزان بالأعراض المفارقة ، كالإنسان الطويل المتميز بطوله من الإنسان القصير.

وهاهنا قسم رابع أثبته من جوز التشكيك في الماهية ، وهو اختلاف نوع واحد بالشدة والضعف والتقدم والتأخر وغيرها ، في عين رجوعها إلى ما به الاشتراك ، والحق أن لا تشكيك إلا في حقيقة الوجود ، وفيها يجري هذا القسم من الاختلاف والتمايز.

أما التشخص ، فهو في الأنواع المجردة من لوازم نوعيتها ، لما عرفت أن النوع المجرد منحصر في فرد ، وهذا مرادهم بقولهم ، إنها مكتفية بالفاعل توجد بمجرد إمكانها الذاتي ، وفي الأنواع المادية ، كالعنصريات بالأعراض اللاحقة ، وعمدتها الأين ومتى والوضع ، وهي تشخص النوع ، بلحوقها به في عرض عريض ، بين مبدإ تكونه إلى منتهاه ، كالفرد من الإنسان الواقع بين حجم كذا وحجم كذا ، ومبدأ زماني كذا إلى مبدإ زماني كذا ، وعلى هذا القياس هذا هو المشهور عندهم.

والحق كما ذهب إليه المعلم الثاني ، وتبعه صدر المتألهين ، أن التشخص بالوجود ، لأن انضمام الكلي إلى الكلي لا يفيد الجزئية ، فما سموها أعراضا مشخصة ، هي من لوازم التشخص وأماراته.

٦٥
٦٦

المرحلة السادسة

في المقولات العشر

وهي الأجناس العالية التي إليها تنتهي أنواع الماهيات

وفيها أحد عشر فصلا

٦٧

الفصل الأول

[تعريف الجوهر والعرض عدد المقولات]

تنقسم الماهية انقساما أوليا إلى جوهر وعرض ، فإنها إما أن تكون بحيث إذا وجدت في الخارج ، وجدت لا في موضوع مستغن عنها في وجوده ، سواء وجدت لا في موضوع أصلا ، كالجواهر العقلية القائمة بنفسها ، أو وجدت في موضوع لا يستغني عنها في وجوده ، كالصور العنصرية المنطبعة في المادة المتقومة بها ، وإما أن تكون بحيث ، إذا وجدت في الخارج وجدت في موضوع مستغن عنها ، كماهية القرب والبعد بين الأجسام ، وكالقيام والقعود والاستقبال والاستدبار من الإنسان.

ووجود القسمين في الجملة ضروري ، فمن أنكر وجود الجوهر لزمه جوهرية الأعراض ، فقال بوجوده من حيث لا يشعر.

والأعراض تسعة هي المقولات والأجناس العالية ، ومفهوم العرض عرض عام(١) لها لا جنس فوقها ، كما أن المفهوم من الماهية(٢) عرض عام لجميع المقولات العشر ، وليس بجنس لها.

والمقولات التسع العرضية هي ، الكم والكيف والأين ومتى

__________________

(١) وإلا انحصرت المقولات في مقولتين ، والعرض قيام وجود شئ بشئ آخر يستغني عنه في وجوده ، فهو نحو الوجود. ـ منه (رحمه الله) ـ.

(٢) وهو ما يقال في جواب ما هو ـ منه (رحمه الله) ـ.

٦٨

والوضع والجدة والإضافة ، وأن يفعل وأن ينفعل هذا ما عليه المشاءون ، من عدد المقولات ، ومستندهم فيه الاستقراء.

وذهب بعضهم إلى أنها أربع ، بجعل المقولات النسبية ، وهي المقولات السبع الأخيرة واحدة ، وذهب شيخ الإشراق ، إلى أنها خمس ، وزاد على هذه الأربعة الحركة(١) .

والأبحاث في هذه المقولات ، وانقساماتها إلى الأنواع المندرجة تحتها ، طويلة الذيل جدا ، ونحن نلخص القول ، على ما هو المشهور من مذهب المشائين ، مع إشارات إلى غيره.

الفصل الثاني

[في أقسام الجوهر]

قسموا الجوهر تقسيما أوليا إلى خمسة أقسام ، المادة والصورة والجسم والنفس والعقل ، ومستند هذا التقسيم في الحقيقة ، استقراء ما قام على وجوده البرهان من الجواهر ، فالعقل هو الجوهر المجرد عن المادة ذاتا وفعلا ، والنفس هي الجوهر المجرد ، عن المادة ذاتا المتعلق بها فعلا ، والمادة هي الجوهر الحامل للقوة ، والصورة الجسمية هي الجوهر ، المفيد لفعلية المادة من حيث الامتدادات الثلاث ، والجسم هو الجوهر الممتد في جهاته الثلاث.

ودخول الصورة الجسمية في التقسيم دخول بالعرض ، لأن الصورة هي الفصل مأخوذا بشرط لا ، وفصول الجواهر غير مندرجة تحت مقولة الجوهر ،

__________________

(١) فالد

٦٩

وإن صدق عليها الجوهر كما عرفت(١) في بحث الماهية ، ويجري نظير الكلام في النفس(٢) .

الفصل الثالث

في الجسم

لا ريب أن هناك أجساما مختلفة تشترك في أصل الجسمية ، التي هي الجوهر الممتد في الجهات الثلاث ، فالجسم بما هو جسم ، قابل للانقسام في جهاته المفروضة ، وله وحدة اتصالية عند الحس ، فهل هو متصل واحد في الحقيقة كما هو عند الحس ، أو مجموعة أجزاء ذات فواصل على خلاف ما عند الحس.

وعلى الأول فهل الأقسام ، التي له بالقوة متناهية أو غير متناهية ، وعلى الثاني فهل الأقسام التي هي بالفعل ، وهي التي انتهى التجزي إليها لا تقبل الانقسام خارجا ، لكن تقبله وهما وعقلا ، لكونها أجساما صغارا ذوات حجم ، أو أنها لا تقبل الانقسام لا خارجا ولا وهما ولا عقلا ، لعدم اشتمالها على حجم ، وإنما تقبل الإشارة الحسية ، وهي متناهية أو غير متناهية ، ولكل من الشقوق المذكورة قائل.

فالأقوال خمسة.

الأول إن الجسم متصل واحد بحسب الحقيقة ، كما هو عند الحس وله أجزاء بالقوة متناهية ، ونسب إلى الشهرستاني.

__________________

(١) الفصل الخامس من المرحلة الخامسة.

(٢) لأنّ النفس ، فيماله نفس ، صورة للنوع الجوهري ، وفصول الجواهر ليست مندرجة تحت مقولة الجوهر. منه رحمه الله.

٧٠

الثاني : أنه متصل حقيقة كما هو متصل حسا ، وهو منقسم انقسامات غير متناهية بمعنى لا يقف ، أي أنه يقبل الانقسام الخارجي ، بقطع أو باختلاف عرضين ونحوه ، حتى إذا لم يعمل الآلات القطاعة ، في تقسيمه لصغره قسمة الوهم ، حتى إذا عجز عن تصوره لصغره البالغ ، حكم العقل كليا بأنه كلما قسم إلى أجزاء كان الجزء الحاصل ، لكونه ذا حجم له طرف غير طرف ، يقبل القسمة من غير وقوف ، فإن ورود القسمة لا يعدم الحجم ونسب إلى الحكماء.

الثالث أنه مجموعة أجزاء صغار صلبه لا تخلو من حجم ، يقبل القسمة الوهمية والعقلية دون الخارجية ، ونسب إلى ذي مقراطيس.

الرابع أنه مؤلف من أجزاء لا تتجزأ ، لا خارجا ولا وهما ولا عقلا ، وإنما تقبل الإشارة الحسية وهي متناهية ، ذوات فواصل في الجسم تمر الآلة القطاعة من مواضع الفصل ، ونسب إلى جمهور المتكلمين.

الخامس تأليف الجسم منها كما في القول الرابع ، إلا أنها غير متناهية ، ويدفع القولين الرابع والخامس ، أن ما ادعى من الأجزاء التي لا تتجزأ ، إن لم تكن ذوات حجم ، امتنع أن يتحقق من اجتماعها جسم ذو حجم بالضرورة ، وإن كانت ذوات حجم ، لزمها الانقسام الوهمي والعقلي بالضرورة ، وإن فرض عدم انقسامها الخارجي لنهاية صغرها.

على أنها لو كانت غير متناهية ، كان الجسم المتكون من اجتماعها ، غير متناهي الحجم بالضرورة ، وقد أقيمت على بطلان الجزء الذي لا يتجزى ، وجوه من البراهين مذكورة في المطولات.

ويدفع القول الثاني ، وهن الوجوه التي أقيمت على كون الجسم البسيط(١) ، ذا اتصال واحد جوهري ، من غير فواصل كما هو عند الحس ، وقد

__________________

(١) وهو الجسم غير المؤلف من أجسام مختلفة الطبائع ، كأجسام العناصر الأولية ـ منه دام ظله.

٧١

تسلم علماء الطبيعة أخيرا ، بعد تجربات علمية ممتدة ، أن الأجسام مؤلفة من أجزاء صغار ذرية ، مؤلفة من أجزاء أخرى ، لا تخلو من نواة مركزية ذات جرم ، وليكن أصلا موضوعا لنا.

ويدفع القول الأول أنه يرد عليه ، ما يرد على القول الثاني والرابع والخامس ، لجمعه بين القول باتصال الجسم بالفعل ، وبين انقسامه بالقوة إلى أجزاء متناهية ، تقف القسمة دونها على الإطلاق.

فالجسم الذي هو جوهر ذو اتصال ، يمكن أن يفرض فيه الامتدادات الثلاث ثابت لا ريب فيه ، لكن مصداقه الأجزاء الأولية ، التي يحدث فيها الامتداد الجرمي ، وإليها تتجزأ الأجسام النوعية دون غيرها ، على ما تقدمت الإشارة إليه ، وهو قول ذي مقراطيس ، مع إصلاح ما.

الفصل الرابع

في إثبات المادة الأولى والصورة الجسمية

إن الجسم من حيث هو جسم ، ونعني به ما يحدث فيه الامتداد الجرمي ، أولا وبالذات أمر بالفعل ، ومن حيث ما يمكن أن يلحق به ، شيء من الصور النوعية ولواحقها أمر بالقوة ، وحيثية الفعل غير حيثية القوة ، لأن الفعل متقوم بالوجدان والقوة متقومة بالفقدان ، ففيه جوهر هو قوة الصور الجسمانية ، بحيث إنه ليس له من الفعلية إلا فعلية أنه قوة محضة ، وهذا نحو وجودها ، والجسمية التي بها الفعلية صورة مقومة لها ، فتبين أن الجسم مؤلف من مادة وصورة جسمية ، والمجموع المركب منهما هو الجسم.

٧٢

تتمة

فهذه هي المادة الشائعة ، في الموجودات الجسمانية جميعا ، وتسمى المادة الأولى والهيولى الأولى.

ثم هي مع الصورة الجسمية مادة ، قابلة للصور النوعية اللاحقة ، وتسمى المادة الثانية.

الفصل الخامس

في إثبات الصور النوعية

الأجسام الموجودة في الخارج ، تختلف اختلافا بينا من حيث الأفعال والآثار ، وهذه الأفعال لها مبدأ جوهري لا محالة ، وليس هو المادة الأولى ، لأن شأنها القبول والانفعال دون الفعل ، ولا الجسمية المشتركة لأنها واحدة مشتركة ، وهذه الأفعال كثيرة مختلفة ، فلها مباد مختلفة ، ولو كانت هذه المبادي أعراضا مختلفة ، وجب انتهاؤها إلى جواهر مختلفة ، وليست هي الجسمية لما سمعت من اشتراكها بين الجميع ، فهي جواهر متنوعة تتنوع بها الأجسام ، تسمى الصور النوعية.

تتمة

، أول ما تتنوع الجواهر المادية ، بعد الجسمية المشتركة ، إنما هو بالصور النوعية التي تتكون بها العناصر ، ثم العناصر مواد لصور أخرى تلحق بها ، وكان القدماء من علماء الطبيعة ، يعدون العناصر أربعا ، وأخذ الإلهيون ذلك أصلا

٧٣

موضوعا ، وقد أنهاها الباحثون أخيرا ، إلى ما يقرب من مائة وبضع عنصر.

الفصل السادس

في تلازم المادة والصورة

المادة الأولى والصورة متلازمتان ، لا تنفك إحداهما عن الأخرى.

أما أن المادة لا تتعرى عن الصورة ، فلأن المادة الأولى حقيقتها ، أنها بالقوة من جميع الجهات ، فلا توجد إلا متقومة بفعلية جوهرية متحدة بها ، إذ لا تحقق لموجود إلا بفعلية ، والجوهر الفعلي الذي هذا شأنه هو الصورة ، فإذن المطلوب ثابت.

وإما أن الصور التي من شأنها أن تقارن المادة ، لا تتجرد عنها ، فلأن شيئا من الأنواع التي ينالها الحس والتجربة ، لا يخلو من قوة التغير وإمكان الانفعال ، وهذا أصل موضوع مأخوذ من العلوم الطبيعية ، وما فيه القوة والإمكان لا يخلو من مادة ، فإذن المطلوب ثابت.

الفصل السابع

في أن كلا من المادة والصورة محتاجة إلى الأخرى

بيان ذلك أما إجمالا ، فإن التركيب بين المادة والصورة ، تركيب حقيقي اتحادي ذو وحدة حقيقية ، وقد تقدم(١) أن بعض أجزاء المركب ، الحقيقي محتاج إلى بعض.

__________________

(١) في الفصل السادس من المرحلة الخامسة.

٧٤

وأما تفصيلا فالصورة محتاجة إلى المادة في تعينها ، فإن الصورة إنما يتعين نوعها ، باستعداد سابق تتحمله المادة ، وهي تقارن صورة سابقة وهكذا.

وأيضا هي محتاجة إلى المادة في تشخصها ، أي في وجودها الخاص بها ، من حيث ملازمتها للعوارض ، المسماة بالعوارض المشخصة ، من الشكل والوضع والأين ومتى وغيرها.

وأما المادة فهي متوقفة الوجود حدوثا وبقاء ، على صورة ما من الصور الواردة عليها تتقوم بها ، وليست الصورة علة تامة ولا علة فاعلية لها ، لحاجتها في تعينها وفي تشخصها إلى المادة ، والعلة الفاعلية إنما تفعل بوجودها الفعلي ، فالفاعل لوجود المادة جوهر ، مفارق للمادة من جميع الجهات ، فهو عقل مجرد أوجد المادة ، وهو يستحفظها بالصورة ، بعد الصورة التي يوجدها في المادة.

فالصورة جزء للعلة التامة ، وشريكة العلة للمادة وشرط لفعلية وجودها.

وقد شبهوا استبقاء العقل المجرد المادة بصورة ما ، بمن يستحفظ سقف بيت بأعمدة متبدلة ، فلا يزال يزيل عمودا وينصب مكانه آخر.

واعترض عليه بأنهم ذهبوا إلى كون هيولى ، عالم العناصر واحدة بالعدد ، فكون صورة ما وهي واحدة بالعموم شريكة العلة لها ، يوجب كون الواحد بالعموم علة للواحد بالعدد ، وهو أقوى وجودا من الواحد بالعموم ، مع أن العلة يجب أن تكون أقوى من معلولها.

ولو أغمضنا عن ذلك فلا ريب ، أن تبدل الصور يستوجب بطلان الصورة السابقة ، وتحقق حقه في محلها ، وإذ فرض أن الصورة جزء العلة التامة للمادة ، فبطلانها يوجب بطلان الكل أعني العلة التامة ، ويبطل بذلك المادة ، فأخذ صورة ما شريكة العلة لوجود المادة ، يؤدى إلى نفي المادة.

والجواب أنه سيأتي في مرحلة القوة والفعل(١) ، أن تبدل الصور في

__________________

(١) في الفصل الحادي عشر من المرحلة العاشرة.

٧٥

الجواهر المادية ، ليس بالكون والفساد وبطلان صورة وحدوث أخرى ، بل الصور المتبدلة موجودة بوجود واحد ، سيال يتحرك الجوهر المادي فيه ، وكل واحد منها حد من حدود هذه الحركة الجوهرية ، فهي موجودة متصلة واحدة بالخصوص ، وإن كانت وحدة مبهمة ، تناسب إبهام ذات المادة التي هي قوة محضة ، وقولنا إن صورة ما واحدة بالعموم ، شريكة العلة للمادة ، إنما هو باعتبار ما يطرأ عليها من الكثرة بالانقسام.

الفصل الثامن

النفس والعقل موجودان

أما النفس ، وهي الجوهر المجرد من المادة ذاتا ، المتعلق بها فعلا ، فلما نجد في النفوس الإنسانية من خاصة العلم وسيأتي ، في مرحلة العاقل والمعقول(١) ، أن الصور العلمية مجردة من المادة ، موجودة للعالم حاضرة عنده ، ولو لا تجرد العالم ، بتنزهه عن القوة ومحوضته في الفعلية ، لم يكن معنى لحضور شيء عنده ، فالنفس الإنسانية العاقلة مجردة من المادة ، وهي جوهر لكونها صورة لنوع جوهري ، وصورة الجوهر جوهر على ما تقدم(٢) .

وأما العقل فلما سيأتي(٣) ، أن النفس في مرتبة العقل الهيولاني ، أمر بالقوة بالنسبة إلى الصور المعقولة لها ، فالذي يفيض عليها الفعلية فيها ، يمتنع أن يكون نفسها وهي بالقوة ، ولا أي أمر مادي مفروض ، فمفيضها جوهر مجرد ، منزه عن القوة والإمكان وهو العقل.

__________________

(١) في الفصل الأول والثاني من المرحلة الحادي عشرة.

(٢) في الفصل الثاني.

(٣) في فصل الخامس من المرحلة الحادية عشرة.

٧٦

وأيضا تقدم أن مفيض الفعلية للأنواع المادية ، بجعل المادة والصورة واستحفاظ المادة بالصورة ، عقل مجرد فالمطلوب ثابت.

وعلى وجودهما براهين كثيرة آخر ستأتي الإشارة إلى بعضها.

خاتمة

، من خواص الجوهر أنه لا تضاد فيه ، لأن من شرط التضاد تحقق موضوع يعتوره الضدان ، ولا موضوع للجوهر.

الفصل التاسع

في الكم وانقساماته وخواصه

الكم عرض يقبل القسمة الوهمية(١) بالذات ، وقد قسموه قسمة أولية إلى المتصل والمنفصل.

والمتصل ما يمكن أن يفرض فيه أجزاء بينها حد مشترك ، والحد المشترك ما إن اعتبر بداية لأحد الجزءين ، أمكن أن يعتبر بداية للآخر ، وإن اعتبر نهاية لأحدهما أمكن أن يعتبر نهاية للآخر ، كالنقطة بين جزئي الخط والخط بين جزئي السطح ، والسطح بين جزئي الجسم التعليمي ، والان بين جزئي الزمان.

والمنفصل ما كان بخلافه كالخمسة مثلا ، فإنها إن قسمت إلى ثلاثة واثنين ، لم يوجد فيها حد مشترك ، وإلا فإن كان واحدا منها عادت الخمسة أربعة ، وإن كان واحدا من خارج عادت ستة هذا خلف.

__________________

(١) واما القسمة الخارجية ، فهي تعدم الكم وتفنيه ـ منه.

٧٧

الثاني أعني المنفصل ، هو العدد الحاصل من تكرر الواحد ، وإن كان الواحد نفسه ليس بعدد ، لعدم صدق حد الكم عليه ، وقد عدوا كل واحدة من مراتب العدد نوعا على حدة ، لاختلاف الخواص.

والأول أعني المتصل ينقسم إلى قار وغير قار ، والقار ما لأجزائه المفروضة اجتماع في الوجود ، كالخط مثلا ، وغير القار بخلافه وهو الزمان ، فإن كل جزء منه مفروض ، لا يوجد إلا وقد انصرم السابق عليه ، ولما يوجد الجزء اللاحق.

والمتصل القار على ثلاثة أقسام ، جسم تعليمي وهو الكمية السارية في الجهات الثلاث ، من الجسم الطبيعي المنقسمة فيها ، وسطح وهو نهاية الجسم التعليمي المنقسمة في جهتين ، وخط وهو نهاية السطح المنقسمة في جهة واحدة.

وللقائلين بالخلاء ، بمعنى الفضاء الخالي من كل موجود شاغل يملؤه ، شك في الكم المتصل القار ، لكن الشأن في إثبات الخلاء بهذا المعنى.

تتمة

يختص الكم بخواص ، الأولى أنه لا تضاد بين شيء من أنواعه ، لعدم اشتراكها في الموضوع ، والاشتراك في الموضوع من شرط التضاد.

الثانية قبول القسمة الوهمية بالفعل كما تقدم.

الثالثة وجود ما يعده ، أي يفنيه بإسقاطه منه مرة بعد مرة ، فالكم المنفصل وهو العدد مبدؤه الواحد ، وهو عاد لجميع أنواعه ، مع أن بعض أنواعه عاد لبعض ، كالإثنين للأربعة والثلاثة للتسعة ، والكم المتصل منقسم ذو أجزاء فالجزء منه يعد الكل.

الرابعة المساواة واللا مساواة ، وهما خاصتان للكم وتعرضان غيره

٧٨

بعروضه.

الخامسة النهاية واللا نهاية وهما كسابقتيهما.

الفصل العاشر

في الكيف

وهو عرض لا يقبل القسمة ولا النسبة لذاته ، وقد قسموه بالقسمة الأولية إلى أربعة أقسام ، أحدها الكيفيات النفسانية ، كالعلم والإرادة والجبن والشجاعة واليأس والرجاء.

وثانيها الكيفيات المختصة بالكميات ، كالاستقامة والانحناء والشكل ، مما يختص بالكم المتصل ، وكالزوجية والفردية في الأعداد ، مما يختص بالكم المنفصل.

وثالثها الكيفيات الاستعدادية ، وتسمى أيضا القوة واللا قوة ، كالاستعداد الشديد نحو الانفعال كاللين ، والاستعداد الشديد نحو اللا انفعال كالصلابة ، وينبغي أن يعد منها مطلق الاستعداد القائم بالمادة ، ونسبة الاستعداد إلى القوة الجوهرية ، التي هي المادة ، نسبة الجسم التعليمي ، الذي هو فعلية الامتداد في الجهات الثلاث ، إلى الجسم الطبيعي الذي فيه إمكانه(١) .

ورابعها الكيفيات المحسوسة بالحواس الخمس الظاهرة ، وهي إن كانت سريعة الزوال ، كحمرة الخجل وصفرة الوجل سميت انفعالات ،

__________________

(١) راجع أيضاً : الفصل الأول والفصل الثالث عشر ، من المرحلة العاشرة.

٧٩

وإن كانت راسخة كصفرة الذهب وحلاوة العسل ، سميت انفعاليات.

ولعلماء الطبيعة اليوم تشكيك ، في كون الكيفيات المحسوسة موجودة في الخارج ، على ما هي عليه في الحس مشروح في كتبهم.

الفصل الحادي عشر

في المقولات النسبية

وهي الأين ومتى والوضع والجدة ، والإضافة والفعل والانفعال ، أما الأين فهو هيئة ، حاصلة من نسبة الشيء إلى المكان.

وأما متى فهو هيئة ، حاصلة من نسبة الشيء إلى الزمان ، وكونه فيه أعم من كونه في نفس الزمان كالحركات ، أو في طرفه وهو الان كالموجودات الانية الوجود ، من الاتصال والانفصال والمماسة ونحوها ، وأعم أيضا من كونه على وجه الانطباق ، كالحركة القطعية ، أو لا على وجهه كالحركة التوسطية.

وأما الوضع فهو هيئة حاصلة ، من نسبة أجزاء الشيء بعضها إلى بعض ، والمجموع إلى الخارج ، كالقيام الذي هو هيئة حاصلة للإنسان ، من نسبة خاصة بين أعضائه نفسها ، وبينها وبين الخارج ، من كون رأسه إلى فوق وقدميه إلى تحت.

وأما الجدة ويقال له ، الملك فهو هيئة حاصلة من إحاطة شيء بشيء ، بحيث ينتقل المحيط بانتقال المحاط ، سواء كانت الإحاطة إحاطة تامة كالتجلبب ، أو إحاطة ناقصة كالتقمص والتنعل.

وأما الإضافة ، فهي هيئة حاصلة من تكرر النسبة بين شيئين ، فإن مجرد النسبة لا يوجب إضافة مقولية ، وإنما تفيدها نسبة الشيء الملحوظ ، من حيث

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180