لشيء إلا وهو
يدرك
ذاته مدركة.
(59)
فأمثال هؤلاء لا تجدي في بابهم هذه الحجّة ؛ بل تكون ضائعة ـ أعني الحجّة التي تستنبط
من اعتبار الشخص حال نفسه ـ ويحتاجون إلى الحجج النوعية والجنسيّة القائلة : «لما كان للأجسام
أفعال كذا حيوانيّة ، فلها مبدأ كذي هو نفس» وما يشبه هذا ؛ لكنّها بالقياس إلى المستبصرين قاطعة.
(60)
والمحصّل يلزمه أن يمتحن ذاته وشعوره الآن بذاته ، فيتأمّل
أن شعوره بأنّه هو ، وأنّ له أعضاء وأفعالا
منسوبة إليه هو شعور
بهويّته من طريق الحسّ أو من طريق الاستدلال؟ والذي يقع له «إنه هو» أهو جملته هذه ، أو شيء غير تلك الجملة؟ وكيف يكون المشعور به
ـ الذي هو ذاته ـ الجملة؟ وكثير ممّن يشعر بوجود إنيّته لا يشعر بالجملة ؛ ولو لا التشريح لما عرف
قلب ولا دماغ ولا عضو رئيس ولا عضو تابع ؛ وقبل ذلك كلّه فقد كان يشعر بإنيّته.
(61)
وأيضا ـ فإنّ المشعور به يبقى
مشعورا به حين ما ينفصل مثلا شيء من الجملة ـ انفصالا لا يحسّ به ـ كما يسقط عضو من مجذوم خدر
، ويجوز أن يقع له ذلك وهو لا يحسّ به ولا يشعر بأن الجملة قد تغيّرت
، ويشعر ذاته أنّها ذاته كما كانت ـ لم تتغيّر.
(62)
وأمّا
الشيء من الجملة غير الجملة : فإمّا أن يكون عضوا باطنا ، أو يكون عضوا ظاهرا. والأعضاء الباطنة قد يكون غير مشعور بشيء منها ـ والإنيّة مشعور بها قبل التشريح ـ وما يشعر به غير ما لم يشعر به ، والعضو الظاهر قد يعدم ويتبدّل ، والإنيّة المشعور بها واحدة في كونها مشعورا بها ـ
__________________