الدعاء حقيقته وآدابه وآثاره

الدعاء حقيقته وآدابه وآثاره66%

الدعاء حقيقته وآدابه وآثاره مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
ISBN: 964-8629-83-8
الصفحات: 119

الدعاء حقيقته وآدابه وآثاره
  • البداية
  • السابق
  • 119 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 48772 / تحميل: 5005
الحجم الحجم الحجم
الدعاء حقيقته وآدابه وآثاره

الدعاء حقيقته وآدابه وآثاره

مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
ISBN: ٩٦٤-٨٦٢٩-٨٣-٨
العربية

١

٢

بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الإهداء

أهدي هذا الجهد إلى مولاي صاحب الزيارة الإمام الحسين (ع)

قتيل العبرات المذبوح ظلماً وعطشاً بجنب الفرات

واُقدّمها إليه بتذلّلٍ وخضوع لعلّه يقبلها من عبده.

نزار

٣
٤

المقدّمة

(١)

الحمدُ لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام علی محمّد وآله الطاهرين واللعن الدائم علی أعدائهم إلى يوم الدين.

أمّا بعد :

هذا شرح (زيارة عاشوراء المشهورة العظيمة المرويّة عن الإمام الباقر عليه السّلام) للعالم الربّاني الکبير (حبيب الله الشريف الکاشانی)، لقد وقع بأيدينا بطبعة القديمة التي نفدت في الأسواق من قبل سنين. وفي نفس الوقت إنّ مکتباتنا الإسلاميّة في هذا اليوم تفتقر لشرح زيارة العاشوراء باللغة العربية، ولعلّها توجد باللغة الفارسية. وأيضاً رأيت الکثير من طلّاب العلم وغيرهم يبحثون ويسألون عن شرحٍ لهذه الزيارة العظيمة، ونظراً للحاجة الماسّة توکّلتُ علی الله الذي أستمدّ منه العون والقوّة، وتقرّباً لأهل البيت عليهم السّلام الذين هم ذخيرتی في الدُّنيا والآخرة، وعملي هذا خدمةً لآثارهم وإحياءً لفضائلهم عليهم السّلام.

وعملتُ في تحقيق وتصحيح هذا الشرح القيّم النادر، وحاولت أن أحصل علی نسخةٍ خطية لهذا الشرح واستمرّ البحث عدّة شهور وأخيراً أعانني الأخ المحترم المحقّق (الشيخ ماجد بن أحمد العطيّة) وجاءني بنسخةٍ خطيّة من (مرکز إحياة التراث الإسلامي) وعدد صفحاتها (٢٥) صفحة وکلّ صفحة تضمّ (١٨) سطراً إلاّ الصفحة الأولی، ولکن للأسف کانت النسخة الخطية ناقصة،

٥

وقابلتُ النسخة المطبوعة قديماً والنسخة الخطية فوجدتُ بعض التفاوت وأشرت إلى الاختلاف الذی بينهما. وفی نفس الوقت علقت بعض التعليقات والتوضيحات وأشرت بعض الاشارات، وذکرنا في المقدمة من آثار وبرکات هذا الزيارة.

وأخير أحمد الله تعالی وأستغفره عن کل هفوة وزلّة صدرت منا. وأساله أن يوفقنا لخدمة الدين وأهله بحقّ محمد وآله الطاهرين.

٦

ترجمة الشارح

(٢)

١. اسمه :

هو العلّامة المجتهد آية الله العظمی الملّا حبيب الله الشريف الکاشانی (أعلی الله مقامه).

٢. والده :

هو الفقيه المولی علی مدد الساوجی المتوفی سنة ١٢٧٠هـ بساوة والمدفون بمدينة قم المقدسة بجوار ابن بابويه والملّا مهدي النراقي وکان من أجلّاء علماء عصره ومشاهير فضلاء زمانه، وله مولّفات قيّمة.

٣. والدته :

العلوية الشريفة کريمة العلامة المحقق السيدالحسين الکاشانی (طاب ثراه).

٤. مولده :

ولد في مدينة کاشان وتاريخ ولادته علی ما ذکره بنفسه في آخر کتابه (لباب الألقاب) قال : «وأمّا تاريخ ولادتی فلم أتحققه في مکتوب من الوالد الماجد وإنّما ذکرت والدتی المرحومة أن ولادتك کانت قبل وفاة السلطان الغازی محمد شاه القاجاري بسنتين، وتاريخ وفاته علی ما حقّقناه سنة (١٢٦٤) من الهجرة النبوية.

٧

٥. وفاته ومدفنه :

لقد أجاب داعی الله وعرج بروحه المقدّسه إلى دار السلام وجوار أوليائه الکرام، فلحق بالرفيق الاعلی في صبح يوم الثلاثاء ٢٣ جمادي الثانية عام (١٣٤٠) هجرية من عمر جاوز الثمانين. وشيعته بلدة کاشان برمتها والوفود التی حضرت کاشان من ضواحيها ونواحيها بتشييع حافل بالعلماء والوجوه العلمية وسائر الطبقات، وحمل جثمانه علی الرووس والاکتاف مارين به في البلد حتی جیء به إلى خارج البلد في محل يسمی «دشت أفروز». هذا، والأعلام تخفق أمام نعشه ومواكب اللطم والعزاء خلفه يردّدون أهازيج الحزن بلوعة. ودفن هناک في مقبرته الخاصة وأقيمت لروحه الفواتح في کاشان وفی نواحي اخری من البلاد کما رثته الشعراء والادباء بقصائد مشجية، واليوم مرقده الشريف مزار للخاص والعام في کاشان، ولاسيّما في ليالي الجمعة.

٦. أخلاقه الحميدة :

کان خلاصة علمائنا الاخيار وبقية فقهائنا الابرار، جامعا لانواع الکمالات، ومحاسن الصفات؛من الورع والتقوی والتمسک بالعروة الوثقي، وغاية في التواضع والانصاف في نهاية حسن الاخلاق والعفاف والکرام الذی لم يزل بيته مناخا للوالدين والاضياف، محبوبا لدي العوام والخواص، وکان بجانب عظيم من الزهد والتقشف، کان جشب الماکل وخشن الملبس حيث سار بسيرة الاولياء الصالحين من السلف الصالح، وکان صلب الايمان، وافر العقل، حسن الصحبة، ذا اناة وتامل، لم ياخذه الطيش والحدة إذا غضب، ولم تاخذه في الله لومة لائم، وکان مخالفا لهواه مطيعا لامر مولاه.

وکان دائم الذکر والتلاوة، کثير التهجّد والعبادة، وکان متصفا بالاخلاق السنيّة والشيم المرضية ؛ من لين العریکة، وصفاء الحقيقة، وخلوص المحبة ،

٨

وشدة ولائه الاهل بيت العصمة والطهارة وإحياء ذکرهم ببثّ آثارهم الشريفة. وکان کثير التحمل ـ مع کثرة عائلته ـ للفقر والفاقة(١) .

وأيضا هناك ترجمة ضافية لشيخنا المترجم ذکرها بنفسه في آخر کتاب لباب الالقاب منها، قال : (وبالجملة لولا أنَّ تزکية المرء لنفسه قبيحة عند أرباب العقول لفصّلت الکلام فيما منَّ الله عليَّ من الخصائص في الأحوال بما يطول، والقول المجمل في ذلك أنّي لم اشتغل من بدو تمييزی قبل بلوغی إلى هذه السنة ١٣١٩هجري بما اشتغل به اللاهون والغافلون ولم أصرف عمری فيما صرف فيه البطالون ولم احب المخالطة مع الجهلة ولم ارکن إلى الظلمة، بل کنت محبا للاعتزال، مجتبا عن المراء والجدال، وعن قيل والقال، والجواب والسوال الا في مسائل الحلال والحرام، معرضا عن الحسد والطمع وطول الامال، صابرا علی الباساء والضراء وشدائد الاحوال، وان يجعل عاقبتی خيرا مما مضي.

وبالجملة قد وقفت عمری علی التدريس والتاليف والتصنيف ولم اکترث بما اصابنی من اذی کل وضيع وشريف، ولوشئت ان اذکر نبذا مما اصابنی من أهل هذا البلد وشطرا من ابتلائی بشر الحاسد إذا حسد لملات الطوامير وسطرت الاساطير، ولکنی أسدل دونها ثوبا وأطوی عن ذکرها کشحا فان الصبرعلی هاتی احجی وان کان في العين قذی وفی الحلق شجی.

خليلی جربت الزمان وأهله فلا عهدهم عهد ولا ودّهم ود بلاءٌ علينا کوننا بين معشر ولا فيهم خير ولا منهم بدُّ إلى غير ذلك مما ذکره بنفسه.

__________________

١ ـ هذا الکلام ذکره سبطه في آخر کتاب (أحسن الترتيب).

٩

٧. مشایخه في العلم :

اخذ المترجم له علومه الابتدائية في الصرف والنحو والمنطق والمعانی

والبيان والبديع والتجويد من أساتذة الوقت في ساوة وکاشان، وفرغ منها ولم

يتجاوز الخامسة عشر من عمره، ثم شرع في الفقه واصوله لدي جماهة من

الاجلاء والفحول منهم :

١ ـ الفقيه السيد حسين الحسنی الکاشانی وهو جد آية الله العظمی السيد أبي القاسم الکاشانی المتوفی سنة ١٣٨١هـ.

٢ ـ العلامه المحقق الحاج محمد علی اللاجوردي الکاشانی المتوفی سنة ١٢٩٤هـ (مولف تکميل الاحکام في شرح المختصر النافع) و (شرح نتائج الافکار).

٣ ـ العلامة الحاج المولی محمد حسين الارد کانی الشهير بالفاضل الارد کانی نزيل کربلاء المقدسة والمدفون بها.

٤ ـ العلامة الحاج أبو القاسم الشهير بکلانتر وتلميذ الشيخ الانصاری.

٥ ـ العلامة الجليل زين العابدين الگلبايگانی.

٦ ـ الشيخ محمد الاصفهانی ابن اخت صاحب الفصول.

٧ ـ العلامة الحکيم السيد علی شرف الدين الحسينی المرعشی الشهير

ب (سيد الاطباء) المتوفی سنة ١٣١٦هـ مولف کتاب قانون العلاج وهو جد

المرجع الدينی السيد شهاب الدين المرعشی النجفی.

٨ ـ المولی المحقق عبد الهادي المدرس الطهرانی صاحب التعليقة علی القوانين.

هولاء العلماء الکبار الذين تلمذ عندهم المترجم له وغيرهم واجيز منهم أو روی عنهم احاديث العترة الطاهرة عليهم السّلام.

١٠

٨. تلاميذه :

هناك جم غفير وجمع کثير من العلماء الاعاظم الذين قد استفادوا من دروسه، منهم :

١ ـ المرجع الدينی السيد مصطفی الحسينی الکاشانی.

٢ ـ آية الله العظمی السيد محمد بن إبراهيم العلوی البروجردي الکاشانی المتوفی ١٣٦٢هـ.

٣ ـ العلامة المتبحر أبو القاسم القمی.

٤ ـ العلامة الميرزا المحلاتی نزيل اصفهان ومدرسها المشهور. وهو من أساتذة المرجع الکبير السيد حسين البروجردي.

٥ ـ العلامة النسابة السيد شمس الدين محمود الحسينی المرعشی النجفی صاحب الکتاب (مشجرات العلويين الکرام) وهو والد آية الله العظمی شهاب الدين المرعشی النجفی.

٦ ـ العلامة الجليل الشيخ المحمود التبريزی النجفی المتوفی ١٣٨٥هـ.

٧ ـ العلامة الاديب الميرزا شهاب الدين النراقي.

٨ ـ الميرزا أبو القاسم بن الحاج الملا محمد بن الفقيه المولی أحمد النراقي.

٩ ـ وهناک عشرات من أصحاب السماحة والفضيلة الذين درسو عنده ورووا عنه مع الواسطة ولکن نعرض عن ذکرهم بغية الاختصار ومخافة الاطالة.

٩. أولاده :

أعقب شيخنا المترجم له من الأولاد الذکور خمسة، وهم :

١ ـ الشيخ آقا حسين المتوفی سنة ١٣٧٨هـ.

٢ ـ العلامة الفاضل الشيخ مهدي.

١١

٣ ـ العالم الفاضل أحمد الشريف.

٤ ـ الشيخ محمد الشريف، وهذا الشيخ سعی لاحياء آثار والده.

٥ ـ علی الشريف تزيل طهران المعروف باية الله زاده کاشانی.

١٠. شعره :

کان ممن وهبت له قريحة الشعر والنظم، وکانت قريحته نقادة في إنشاد الشعر باللغتين العربية والفارسية، وکان شعره يعتبر من المتوسط، وله ديوان شعر مطبوع أسماه (تشويقات السالکين) أکثرها في المعارف والحکم والامثال والمواعظ ومناقب ومراثی العترة الطاهرة عليهم السّلام.

ومن شعره في الامام المهدي (عج) في قصيدة طولية منها، قال :

يا سليل المصطفی يابن الحسن

يادليل الخلق يا خير البشر

أنت باب الله يوتی منه فی

عصرنا أنت الامام المنتظر

أنت نور العالمين في الدجی

انت شمس في سحاب مکفهر

أنتم ذخری وذخری حبّکم

حبّکم زادي ونعم المتجر

وبکم أرجو الفلاح والهدي

وشفيعی أنت فيما قد صدر

يا ولی العصر يا قطب الوری

خذ بايدينا بيوم لا مفر

قم بامر الله حتی لا يری

غير حکم الله والاثنی عشر

وقريضي لا يليق مدحهم

فليکن هذا مديحا مختصر

ومن شعره في مدح طلب العلم وآدابه في قصيدة طويلة اولها :

يا طالب العلم کم تسعی بلا عمل

وغاية العلم ترک الحرص والامل

إن کنت طالب علم فاهجر الامل

لا يجمع العلم والآمال في رحل

وطالب العلم مجزی بنيته

فاصف قلبک في النيات والعمل

١٢

لا تطلب العلم للدنيا فقد خسروا

طلاب علم لاجل المال والخول

وطالب العلم منهوم بلا شبع

فلا تراه علی الاحوال في عطل

وفکر طالب علم عند معضلة

فی طول ليلة أحلی من العسل

وطالب المال يسعی في معيشه

وطالب العلم مرزوق بلا ملل

الی آخر القصيدة وهی طويلة نکتفی بهذا المقدار منها.

١١. مؤلفاته وآثاره العلمية :

إنَّ شيخنا المترجم له من الافذاذ الذين وفقهم الله سبحانه بکثرة التاليف والتصنيف فاکثر وأجاد فيها، وکانت مؤلفاته في مختلف العلوم وشتی الفنون. وقال هو عند ترجمته لنفسه : (فنلرجع إلى ذکر مؤلفاتی ومصنفاتی مما کان قبل بلوغی إلى هذه السنة مع قلة الاسباب والابتلاء بالاقشاب واختلال البال وکثرة الديون والعيال وعروض الامراض والاعراض من حوادث الدهر الخوان من فقد الخلان وموت الولدان وغير ذلك مما يقصر عنه نطاق البيان، فنقول:- ومن الله التوفيق والتسديد- ترتقي هی إلى مائة وثلاثين بل تزيد(١) .

١ ـ مصابيح الظلام.

٢ ـ مصابيح الدجی.

٣ ـ التذکرة.

٤ ـ حديقة الجمل.

٥ ـ حقائق النحو.

٦ ـ المنظومة في الاصول ألّفها قبل البلوغ، تزيد علی ألف ومائتين من الابيات.

٧ ـ منظومة في افعال الصلاة موسومة بزبدة المقال في نظام الافعال.

٨ ـ لباب الفکر في علم المنطق.

٩ ـ لبُّ النظر في المنطق.

١٠ ـ هداية الضبط في علم الخط.

__________________

١ ـ سوف نذکر العربية منها فقط.

١٣

١١ ـ نخبة التبيان في علم البيان.

١٢ ـ بوارق الدهر في تفسير سورة الدهر.

١٣ ـ کشف السحاب في شرح الخطبة الشقشقية.

١٤ ـ مصاعد الصلاح في شرح دعاء الصباح.

١٥ ـ جذبة الحقيقة في شرح دعاء کميل.

١٦ ـ شرح علی مناجاة الخمسة عشر.

١٧ ـ رسالة في الرد علی البابية وذکر کلماتهم الواهية.

١٨ ـ حکم المواعظ.

١٩ ـ الدر المکنون في شرح ديوان المجنون.

٢٠ ـ صراط الرشاد في الاخلاق.

٢١ ـ رسالة في معنی الصلاة علی محمد وآل محمّد وآله صلّی الله عليه وآله.

٢٢ ـ منتقد المنافع في شرح المختصر النافع.

٢٣ ـ وسيلة المعاد في فضائل محمد وآل محمّد وآله صلّی الله عليه وآله.

٢٤ ـ شرح دعاء صنمی قريش.

٢٥ ـ شرح زيارة وارث.

٢٦ ـ شرح قصيدة الفرزدق.

٢٧ ـ شرح دعاء العديلة.

٢٨ ـ شرح زيارة عاشوراء وهو هذا الکتاب الذی بين يديك.

٢٩ ـ خواص الاسماء.

٣٠ ـ کتاب لباب الالقاب في القاب الاطياب.

١٤

من آثار وبرکات زيارة عاشوراء

(٣)

١. زيارة عاشوراء ورضوان الله تعالی :

کتب الولد الكبير لاية الله الاميني الدكتور محمد هادي الاميني : بعد أربعة سنين من وفاة والدي المرحوم العلّامة الأميني رأيته في إحدي ليالي الجمعة وقبل أذان الفجر سنة ١٣٩٤ هـ في عالم الرؤيا فرحا وعلى هيية حسنة فتقدّمت نحوه، وسلّمت عليه. وسئلته أي الأعمال أوصلتك الى هذه السعادة؟ قال : ماذا تقول أنت؟ وعرضت عليه السوال مرة أخرى هكذا : سيدي في هذا المكان الذي تقيم فيه الان، أي الأعمال أوصلتك اليه : كتاب (الغدير) أو بقية التأليفات. أو تأسيس مكتبة أمير المومنين؟ قال : وضح أكثر لا أعرف المقصود من سوالك هذا، قلت : أنت بعيد الان عنا، وذهبت الى العالم الاخر، فبأي الاعمال العلميّة والخدمات الدينيّة والمذهبية وصلت الى ما أرى؟ فمكث المرحوم الاميني قليلا، ثم قال : فقط عن طريق زيارة أبي عبد الله الحسين عليه السّلام، ثمّ سألته : أنت تعرف في الوقت الحاضر أن الروابط السياسية بين ايران والعراق غير عادية والذهاب الى كربلاء غير ممكن.

قال : قوموا واشترکوا في مجالس عزاء الإمام الحسين عليه السّلام فلها ثواب زيارة مرقد أبي الأحرار الحسين عليه السّلام، ثم قال لي : يا ولدي أوصيتك في السابق کثيرا بقراءة زيارة العاشوراء، والآن اُکرر عليك وأقول : إستمر بقراءتها ولا تترکها لأي سبب کان، اقرأها دائما وکأنها جزء من واجباتک اليومية، فإنَّ لهذه الزيارة فوائد

١٥

وبرکات کثيرة، وهي طريق نجاتك في الدنيا والآخرة، أسألکم الدعاء(١) .

٢. زيارة عاشوراء وقضاء الدين :

ذکر العالم الجليل آية الله القوچانی النجفي في مدکراته ضمن خاطراته في المدة التي قضاها في اصفهان، والتي استمرت أربع سنوات من سنة ١٣١٤هـ إلى ١٣١٨هـ. کتبت إلى أبي ليرسل رسالة يشرح لي فيها حالته، لأني قلق عليه، فما أن أرسلت الرسالة، وإذا براسلة من أبي وصلتنی يقول فيها بان زوجته قد توفيت.

وکتبت أيضا : انه قبل عشر السنوات من هذه اقترض مبلغ اثنی عشر تومان لتسديد نفقات سفره لزيارة العتبات المقدسة ولکن بسبب (الربا) وصل القرض إلى ثمانين تومان وکل ماکان يملک أبي لم يصل إلى هذا المقدار، فصممت ان اقرا زيارة عاشوراء ولمدة اربعين يوما، وعلی سطح مسجدالسلطان الصفوی، وطلبت ثلاث حاجات :

الاولی : أداء قرض والدي.

الثانية : طلب المغفرة.

الثالثة : الزيادة في العلم والاجتهاد.

کنت أبدا بالقراءة قبل الظهر واتمها قبل ان يزول الظهر وتستغرق قرائتها مدة ساعتين، فلما تمت الاربعين يوما، وبعد الشهر تقريبا کتب لی الوالد : بان الامام موسی بن جعفر عليهم السّلام أدي قرضي، فکتبت له : لا، الامام الحسين عليهم السّلام أداه، وکلّهم نور واحد(٢) .

__________________

١ ـ زيارة عاشوراء وآثارها العجيبة ص ٤٥.

٢ ـ السياحة الشرقية ص ٢٠٤.

١٦

٣. زيارة عاشوراء ورفع مرض الوباء :

قال المرحوم آية الله الشيخ عبد الکريم الحائری : عند ما کنت مشغولا بدراسة العلوم الدينية في سامراء أصيب أهل تلک المدينة بمرض الوباء وکان في کل يوم يموت عدد کثير منهم. ذات يوم عندما کنت في بيت أستادي المرحوم السيد (محمد الفشارکی) وکان هناک عدد من أهل العلم جاء فجاة المرحوم الميرزا محمد تقي الشيرازی وبدا بالکلام عن الوباء والطاعون، وأن کل الناس معرضون لخطر الموت.

فقال آية الله الفشارکی: إذا أصدرت حکما هل ينفذ؟ ثم قال : هل تعتقدون بأنی مجتهد جامع للشرائط؟

فقال الجالسون : نعم، فقال : إنّی آمر شيعة سامراء أن يلتمزوا بقراءة زيارة عاشوراء لمدة عشرة أيام ويهدون ثوابها إلى روح نرجس خاتون، والدة الامام الحجة ابن الامام الحسن العسکری (عج) ويجعلونها شافعة لنا لدي ولدها لأن يشفع لامتة عند ربه وانی أضمن لکل من يلتزم بقراءة هذه الزيارة أن لايصاب بالوباء.

قال : ما إن صدر هذا الحکم أجمع الشيعة المقيمون في السامراء علی إطاعة الحکم وقراءة الزيارة، وبعد القراءة الزيارة فعلا توقفت الإصابة، بينما کان کل يوم يموت عدد کثير من أبناء العامة ومن شدة خجلهم يدفنون موتاهم بالليل(١) .

وقد سأل بعض العامة عن سبب توقف الوباء فيهم، فقالوا لهم : قرأنا زيارة عاشوراء، فاشتغلوا بقراءة هذه الزيارة المبارکة ورفع عنهم البلاء(٢) .

__________________

١ ـ القصص العجيبة، ص ٤٩٦ للسيد عبد الحسين دستغيب.

٢ ـ نفس المصدر.

١٧

٤. زيارة عاشوراء وزيادة الرزق :

قال الشيخ عبد الجواد الحائری المازندرانی : جاء شخص إلى حضرة شيخ الطائفة : الشيخ زين العابدين المازندرانی يشکو اليه ضيق المعاش، فقال له الشيخ : اذهب إلى ضريح الامام الحسين عليه السلام واقرا زيارة عاشوراء فسياتيک رزقک، واذا لم ياتک ارجع إلى فساطيک ما تحتاج اليه، وبعد فترة من الزمان التقيت به فسالته عن حاله، فقال : عندما کنت مشغول بقراءة الزيارة في حرم الامام أبي الأحرار عليه السّلام جائني رجل وأعطانی مبلغا من المال ففتحت أمامی أبواب الرزق(١) .

٥. زيارة عاشوراء وتسهيل أمر الزواج :

قال أحد الخطباء والوعاظ : جائنی قبل عدة سنين صديق شاب ومؤمن، وطرح لی حاجة مستعصية، وقال : نويت الزواج منذ فترة، ولکنی في کل مرة اتقدم فيها اواجه بعض المشاکل والمصاعب، فقلت له : لعلک تقدمت إلى افراد ليسوا من مقامك وشانك؟

قال : ليس کذالك، واذا لم تصدقنی، تقدم لی أنت إلى عائلة في طبقتی وشانی واخطب لی.

فذهبت إلى أحد أصدقائی الذی کنت مطمئنا منه بأنه يجيبنی وطلبت منه ابنته لهذا الشاب المؤمن في البداية فوافق، وبعد فترة قال : أستخير الله، ومع الاسف أجاب الرد.

هذه القصة آلمتنی کثيرا، وقال لی صديقي : رأيت الحق معی.

__________________

١ ـ تذکرة الزائرين.

١٨

قلت له : لا تؤذ نفسك، ولقضاء مشکلتك اقرأ ـ بعد أداء فريضة صلاة الصبح وتعقيباتها ـ زيارة عاشوراء مع اللعن مائة مرة والسّلام مائة مرة.

فبدأ بقراءة الزيارة، وفي يوم السابع والعشرين جائنی فرحا، وقالت : تقدمت إلى إحدي العوائل، فوافقوا وانا وهم في غاية الرضا، واليوم بعد العصر تقام مراسيم الخطبة، وارجو ان تکون من الشاهدين لها، فقلت له حينئذ : لا تنسي الثلاثة عشر يوما الباقية، وأنت بدأت حياتک الزوجية ببرکة زيارة عاشوراء، وفی أیّ وقت واجهت مشکلة في حياتك توسّل بها لقضائها، فإنها تقضی إن شاء الله(١) .

تم الفراغ من کتابة هذه المقدمة يوم الجمعة ١٦ ذی الحجة ١٤٢٢هـ

قم المقدسة

نزار نعمة الحسن

__________________

١ ـ زيارة عاشوراء وآثارها العجيبة ص ٥٠.

١٩

٢٠

الأرض ، فقرّر لآناء الليل والنهار ولكلِّ يوم من أيام الاسبوع وللشهور والسنين أدعية خاصة ، وجعل كذلك لكلِّ حالة من حالات الانسان ولكل فعل يريد الاقدام عليه ولجميع مطالبه الدنيوية والاخروية وظائف من الدعاء والذكر.

ويأتي في مقدمة ذلك اقتران الدعاء بسائر العبادات والطاعات التي يتقرب بها العبد إلىٰ خالقه تعالىٰ بشكل لا يقبل الانفصال ، ففي الصلاة والصيام والحج دعوات قررتها الشريعة المقدسة في أوقات معينة.

ومن موارد الدعاء في الصلاة تأكد استحبابه في الركعة الثانية من كل فريضة أو نافلة وفي السجود وفي أدبار الصلوات.

القنوت :

القنوت شرعاً : الذكر في حال مخصوص ، وهو مستحبّ في كلِّ صلاة مرّة واحدة ، فرضاً كانت أو نفلاً ، أداءً أو قضاءً ، عند علمائنا أجمع ، ومحلّه بعد القراءة قبل الركوع(١) .

قال الإمام أبو جعفر الباقرعليه‌السلام :« القنوت في كلِّ صلاة في الركعة الثانية قبل الركوع » (٢) .

ومما ورد في فضل القنوت قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :« أطولكم قنوتاً في دار الدنيا ، أطولكم راحة يوم القيامة في الموقف » (٣) .

__________________________

(١) جواهر الكلام ١٠ : ٣٥٣.

(٢) الكافي ٣ : ٣٤٠ / ٧. والتهذيب ٢ : ٨٩ / ٣٣٠.

(٣) ثواب الأعمال : ٣٣. وأمالي الصدوق : ٤١١.

٢١

ويجوز الدعاء في القنوت بكل ما جرىٰ علىٰ اللسان ، لما روي عن إسماعيل بن الفضل ، قال : سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن القنوت وما يقال فيه ، فقالعليه‌السلام :« ما قضىٰ الله علىٰ لسانك ، ولا أعلم فيه شيئاً مؤقتا » (١) .

ويستحب الدعاء بالمأثور لتجاوز الخطأ واللحن الشائع علىٰ الألسن في هذا الزمان ، قال الإمام الصادقعليه‌السلام :« يجزيك في القنوت : اللهمَّ اغفر لنا وارحمنا ، وعافنا وأعفُ عنا في الدنيا والآخرة ، إنّك علىٰ كلِّ شيءٍ قدير » (٢) .

الدعاء في السجود :

إنّ الدعاء هو الاقبال إلىٰ الله تعالىٰ والانقطاع إليه ليتحقق القرب من منازل الرحمة الالهية ، والسجود باعتباره روح العبادة حيث تتجلّىٰ فيه منتهىٰ العبودية والخضوع للواحد الأحد ، يحقّق الغرض المراد من الدعاء ، وهو القرب من رحاب الخالق جلَّ وعلا ، فعلىٰ العبد أن ينتهز فرصة القرب ليسأل من خزائن رحمة ربه وذخائر مغفرته.

قال الإمام الصادقعليه‌السلام :« عليك بالدعاء وأنت ساجد ، فإنّ أقرب ما يكون العبد إلىٰ الله وهو ساجد » (٣) .

وعنهعليه‌السلام :« إنّ العبد إذا سجد فقال : يا ربِّ يا ربِّ حتىٰ ينقطع نفسه ، قال له الربّ : لبيك ما حاجتك ؟ » (٤) .

__________________________

(١) الكافي ٣ : ٣٤٠ / ٨. والتهذيب ٢ : ٣١٤ / ١٢٨١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٤٠ / ١٢. والتهذيب ٢ : ٨٧ / ٣٢٢.

(٣) الكافي ٣ : ٣٢٤ / ١١.

(٤) بحار الأنوار ٨٦ : ٢٠٥ / ١٩.

٢٢

ويستحب أن يدعو العبد بالمأثور أثناء السجود ، فعن جميل بن دراج ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام أنّه قال :« أقرب ما يكون العبد من ربِّه إذا دعا ربه وهو ساجد ، فأي شيء تقول إذا سجدت ؟ » .

قلت : علّمني ـ جعلت فداك ـ ما أقول ؟

قالعليه‌السلام : « قل : يا رب الأرباب ، ويا ملك الملوك ، ويا سيد السادات ، ويا جبار الجبابرة ، ويا إله الآلهة ، صلِّ علىٰ محمد وآل محمد وافعل بي كذا وكذا.

ثمّ قل : فإنّي عبدك ، ناصيتي بيدك ، ثم ادع بما شئت وسله ، فانه جواد ولا يتعاظمه شيء »(١) .

وعنهعليه‌السلام :« أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا وضع وجهه للسجود يقول : اللهمَّ مغفرتك أوسع من ذنوبي ، ورحمتك أرجىٰ عندي من عملي ، فاغفر لي ذنوبي يا حياً لا يموت » (٢) .

وسنأتي علىٰ الموارد الاُخرىٰ من مظاهر العبادة التي تقترن بالدعاء في الفصل الثالث عند ذكر تأثير عامل الزمان والمكان في استجابة الدعاء.

__________________________

(١) الكافي ٣ : ٣٢٣ / ٧.

(٢) سنن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ٣٣٧ / ٣٩٢.

٢٣
٢٤

الفصل الثاني

آداب الدعاء وشروطه

لقد حدّدت النصوص الإسلامية آداباً للدعاء وقررت شروطاً ، لا بدّ للداعي أن يراعيها كي يتقرّب إلىٰ خزائن رحمة الله تعالىٰ وذخائر لطفه ، ويتحقّق مطلوبه من الدعاء ، وإذا أهملها الداعي فلا تتحقّق له الاستجابة المرجوة من الدعاء ولا تحصل له نورانية القلب وتهذيب النفس وسمو الروح المطلوبة في الدعاء.

وفيما يلي أهم هذه الشروط والآداب :

١ ـ الطهارة :

من آداب الدعاء أن يكون الداعي علىٰ وضوء ، سيّما إذا أراد الدعاء عقيب الصلاة ، فقد روىٰ مسمع عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال :« يا مسمع ، ما يمنع أحدكم إذا دخل عليه غمّ من غموم الدنيا أن يتوضأ ثم يدخل مسجده ، فيركع ركعتين فيدعو الله فيهما ؟ أما سمعت الله يقول : ( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ) ؟ »(١) .

__________________________

(١) تفسير العياشي ١ : ٤٣ / ١٣٩.

٢٥

٢ ـ الصدقة وشمّ الطيب والرواح إلىٰ المسجد :

روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال :« كان أبي إذا طلب الحاجة... قدّم شيئاً فتصدق به ، وشمّ شيئاً من طيب ، وراح إلىٰ المسجد.. » (١) .

٣ ـ الصلاة :

ويستحب أن يصلي الداعي ركعتين قبل أن يشرع بالدعاء ، للرواية المتقدمة في الطهارة ، ولما روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال :« من توضأ فأحسن الوضوء ، ثم صلىٰ ركعتين ، فأتمّ ركوعهما وسجودهما ، ثم سلّم وأثنىٰ علىٰ الله عزَّ وجلّ وعلىٰ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمَّ سأل حاجته ، فقد طلب الخير في مظانّه ، ومن طلب الخير في مظانّه لم يخب » (٢) .

٤ ـ البسملة :

ومن آداب الدعاء أن يبدأ الداعي دعاءه بالبسملة ، لقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :« لا يُرَدُّ دعاءٌ أوّله بسم الله الرحمن الرحيم » (٣) .

٥ ـ الثناء علىٰ الله تعالىٰ :

الثناء علىٰ الله سبحانه اعترافٌ بالوحدانية ، وتحقيقٌ للانقطاع التامّ إلىٰ الله تعالىٰ دون ما سواه ، فينبغي للداعي إذا أراد أن يسأل ربّه شيئاً من حوائج الدنيا والآخرة أن يحمد الله ويثني عليه ويشكر ألطافه ونعمه قبل أن يشرع في الدعاء ، يقول أمير المؤمنينعليه‌السلام :« الحمدُ لله الذي جعل

__________________________

(١) الكافي ٢ : ٣٤٧ / ٧.

(٢) بحار الأنوار ٩٣ : ٣١٤ / ٢٠.

(٣) بحار الأنوار ٩٣ : ٣١٣.

٢٦

الحمد مفتاحاً لذكره ، وسببا للمزيد من فضله.. » (١) .

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام :« إذا طلب أحدكم الحاجة فليثن علىٰ ربِه وليمدحه » (٢) .

وقد أعدّ الله تعالىٰ لمن يمدحه ويمجده علىٰ حسن آلائه جزيل الثواب بما يفوق رغبة السائلين ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :« من تشاغل بالثناء علىٰ الله ، أعطاه الله فوق رغبة السائلين » (٣) .

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام :« إنّ العبد لتكون له الحاجة إلىٰ الله فيبدأ بالثناء علىٰ الله والصلاة علىٰ محمد وآله حتى ينسىٰ حاجته ، فيقضيها من غير أن يسأله إياها » (٤) .

أما ما يجزي من الثناء علىٰ الله سبحانه قبل الشروع بالدعاء ، فقد روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه سئل عن ذلك فقال :« تقول : اللهمّ أنت الأول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء ، وأنت العزيز الكريم » (٥) .

٦ ـ الدعاء بالاسماء الحسنىٰ :

وعلى الداعي أن يدعو الله تعالىٰ بأسمائه الحسنىٰ ، لقوله تعالىٰ :

__________________________

(١) نهج البلاغة : الخطبة ١٥٧.

(٢) الكافي ٢ : ٣٥٢ / ٦.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ٦ : ١٩٠.

(٤) بحار الأنوار ٩٣ : ٣١٢.

(٥) الكافي ٢ : ٣٦٥ / ٦.

٢٧

( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ) (١) ، وقوله تعالىٰ :( قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ) (٢) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :« لله عزَّ وجلّ تسعة وتسعون اسماً ، من دعا الله بها استُجيب له » (٣) .

واعلم أن بعض أهل العلم يقول : ينبغي للداعي إذا مجّد الله سبحانه وأثنىٰ عليه أن يذكر من أسماء الله الحسنىٰ ما يناسب مطلوبه ، فإذا كان مطلوبه الرزق يقول : يا رزاق ، يا وهاب ، يا جواد ، يا مغني ، يا منعم ، يا مفضل ، يا معطي ، يا كريم ، يا واسع ، يا مسبب الأسباب ، يا منان ، يا رزاق من يشاء بغير حساب.

وإن كان مطلوبه المغفرة والتوبة ، يقول : يا تواب ، يا رحمن ، يا رحيم ، يا رؤوف ، يا عطوف ، يا صبور ، يا شكور ، يا عفو ، يا غفور ، يا فتاح ، ياذا المجد والسماح ، يا محسن ، يا مجمل ، يا منعم.

وإن كان مطلوبه الانتقام من العدو يقول : يا عزيز ، يا جبار ، يا قهار ، يا منتقم ، ياذا البطش الشديد ، يا فعال لما يريد ، يا قاصم المردة ، يا طالب ، يا غالب ، يا مهلك ، يا مدرك ، يا من لا يعجزه شيء.

ولو كان مطلوبه العلم يقول : يا عالم ، يا فتاح ، يا هادي ، يا مرشد ، يا معز ، يا رافع ، وما أشبه ذلك(٤) .

__________________________

(١) سورة الاعراف : ٧ / ١٨٠.

(٢) سورة الاسراء : ١٧ / ١١٠.

(٣) التوحيد : ١٩٥ / ٩.

(٤) عدة الداعي : ١٩٩.

٢٨

وقد ورد في الروايات عن أهل البيتعليهم‌السلام تأكيد كثير علىٰ الدعاء بالأسماء الحسنىٰ ، وأنّ الله تعالىٰ يستجيب لعبده المؤمن إذا دعاه باسمائه الحسنىٰ خصوصاً في حال السجود.

قال الإمام الصادقعليه‌السلام :« من قال : يا الله يا الله عشر مرات قيل له : لبيك ما حاجتك ؟ » (١) .

وعنهعليه‌السلام قال :« إذا قال العبد وهو ساجد : يا الله يا رباه يا سيداه ، ثلاث مرات ، أجابه تبارك وتعالى : لبيك عبدي ، سل حاجتك » (٢) .

وقالعليه‌السلام :« كان أبي إذا لجّت به الحاجة يسجد من غير صلاة ولا ركوع ثم يقول : يا أرحم الراحمين ، سبع مرات ، ثم يسأل حاجته ، ثم قال : ما قالها أحد سبع مرات إلّا قال الله تعالىٰ : ها أنا أرحم الراحمين ، سل حاجتك » (٣) .

٧ ـ الصلاة علىٰ النبي وآله :

لا بدّ للداعي أن يصلي علىٰ محمد وآله بعد الحمد والثناء علىٰ الله سبحانه ، وهي تؤكد الولاء لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولأهل بيته المعصومين الذي هو في امتداد الولاء لله تعالىٰ ، لذا فهي من أهم الوسائل في صعود الأعمال واستجابة الدعاء.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :« لا يزال الدعاء محجوباً حتىٰ يصلىٰ عليَّ وعلىٰ

__________________________

(١) الكافي ٢ : ٣٧٧ / ١.

(٢) أمالي الصدوق : ٣٣٥ / ٦.

(٣) وسائل الشيعة ٧ : ٨٨ / ١٦.

٢٩

أهل بيتي » (١) .

وقال الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام :« كل دعاء محجوب حتىٰ يصلىٰ علىٰ محمد وآل محمد » رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات(٢) .

وقالعليه‌السلام :« إذا كانت لك إلىٰ الله سبحانه حاجة ، فابدأ بمسألة الصلاة علىٰ رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم سل حاجتك ، فإنّ الله أكرم من أن يُسأل حاجتين فيقي إحداهما ويمنع الاُخرىٰ » (٣) .

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام :« من دعا ولم يذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رفرف الدعاء علىٰ رأسه ، فإذا ذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رفع الدعاء » (٤) .

واعلم أن الصلاة علىٰ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما تكون بعد الثناء ، لما روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال :« إياكم إذا أراد أحدكم أن يسأل من ربه شيئاً من حوائج الدنيا والآخرة حتىٰ يبدأ بالثناء علىٰ الله عزَّ وجل والمدح له ، والصلاة علىٰ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم يسأل الله حوائجه » (٥) .

أما في كيفية الصلاة علىٰ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد روي بالاسناد عن بريدة ، قال قلنا : يا رسول الله ، قد علمنا كيف نسلّم عليك ، فكيف نصلّي عليك ؟

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :« قولوا : اللهمَّ اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك علىٰ

__________________________

(١) كفاية الأثر : ٣٩.

(٢) مجمع الزوائد ١٠ : ١٦٠.

(٣) نهج البلاغة : الحكمة ٣٦١.

(٤) الكافي ٢ : ٣٥٦ / ٢.

(٥) الكافي ٢ : ٣٥١ / ١.

٣٠

محمد وآل محمد كما جعلتها علىٰ آل إبراهيم ، إنّك حميد مجيد » (١) .

ومن نماذج الصلاة علىٰ النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيتهعليهم‌السلام في الدعاء ما روي بالاسناد عن حريز ، قال : قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : جعلت فداك ، كيف الصلاة علىٰ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

فقال :« قُلْ : اللهمَّ صلِّ علىٰ محمد وأهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، اللهمَّ صلِّ علىٰ محمد وأهل بيته الذين ألهمتهم علمك ، واستحفظتهم كتابك ، واسترعيتهم عبادك ، اللهمَّ صلِّ علىٰ محمد وأهل بيته الذين أمرت بطاعتهم وأوجبت حبهم ومودتهم ، اللهمَّ صلِّ علىٰ محمد وأهل بيته الذين جعلتهم ولاة أمرك بعد نبيك صلّىٰ الله عليه وعلىٰ أهل بيته » (٢) .

ومن أدب الدعاء عند سيد الساجدين الإمام علي بن الحسينعليه‌السلام أنّه يجعل الثناء والصلاة علىٰ النبي وآله مفتاحاً لأغلب فقرات الدعاء ، وهذا واضح لمن تأمّل الصحيفة السجادية ، وهو المراد بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :« لا تجعلوني كقدح الراكب ، إن الراكب يملأ قدحه فيشربه إذا شاء ، اجعلوني في أوّل الدعاء وآخره ووسطه » (٣) .

ومن نماذج أدعية الإمام السجادعليه‌السلام التي تبدأ بالثناء فالصلاة علىٰ النبي في جميع فقرات الدعاء ثم المسألة ، قولهعليه‌السلام :« يا من لا تنقضي عجائب عظمته صلِّ علىٰ محمد وآله واحجبنا عن الالحاد في عظمتك ، ويا

__________________________

(١) مجمع الزوائد ١٠ : ١٦٣.

(٢) بحار الأنوار ٩٤ : ٦٧ / ٥٥.

(٣) بحار الأنوار ٩٣ : ٣١٦.

٣١

من لا تنتهي مدة ملكه صلِّ علىٰ محمد وآله واعتق رقابنا من نقمتك ، ويا من لا تفنىٰ خزائن رحمته صلِّ علىٰ محمد وآله واجعل لنا نصيباً في رحمتك ، ويا من تنقطع دون رؤيته الأبصار صلِّ علىٰ محمد وآله وأدننا إلىٰ قربك » (١) .

٨ ـ التوسل بمحمد وآلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

وينبغي للداعي أن يلج من الأبواب التي أمر الله تعالىٰ بها ، وأهل البيتعليهم‌السلام هم سفن النجاة لهذه الاُمّة ، فحريّ بمن دعا الله تعالىٰ أن يتوسل إلىٰ الله بهم ، ويسأله بحقهم ، ويقدمهم بين يدي حوائجه.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :« الأوصياء مني... بهم تُنصَر أُمّتي ، وبهم يمطرون ، وبهم يدفع الله عنهم ، وبهم استجاب دعاءهم » (٢) .

وقال الإمام أبو جعفر الباقرعليه‌السلام :« من دعا الله بنا أفلح ، ومن دعاه بغيرنا هلك واستهلك » (٣) .

وعن داود الرقي ، قال : إني كنت أسمع أبا عبداللهعليه‌السلام أكثر ما يلحُّ به في الدعاء علىٰ الله بحق الخمسة ، يعني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام (٤) .

ومن نماذج التوسل المروي عنهمعليهم‌السلام هو أن تقول :« اللهمَّ إني أتوجه إليك بمحمد وآل محمد ، وأتقرب بهم إليك ، وأقدمهم بين يدي

__________________________

(١) الصحيفة السجادية : الدعاء (٥).

(٢) تفسير العياشي ١ : ١٤ / ٢.

(٣) أمالي الشيخ الطوسي ١ : ١٧٥.

(٤) الكافي ٢ : ٤٢٢ / ١١.

٣٢

حوائجي » (١) .

وعن سماعة بن مهران ، قال : قال لي أبو الحسنعليه‌السلام :« إذا كان لك يا سماعة عند الله حاجة فقل : اللهمَّ إني أسألك بحق محمد وعلي ، فانّ لهما عندك شأناً من الشأن ، وقدراً من القدر ، فبحقّ ذلك الشأن وبحقّ ذلك القدر أن تصلي علىٰ محمد وآل محمد وأن تفعل بي كذا وكذا » (٢) .

٩ ـ الاقرار بالذنوب :

وعلىٰ الداعي أن يعترف بذنوبه مقراً مذعناً تائباً عمّا اقترفه من خطايا وما ارتكبه من ذنوب ، قال الإمام الصادقعليه‌السلام :« إنّما هي المدحة ، ثم الثناء ، ثم الإقرار بالذنب ، ثم المسألة ، إنّه والله ما خرج عبد من ذنب إلّا بالاقرار » (٣) .

وكان من دعاء الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام المروي عن كميل بن زياد :« وقد أتيتك يا الهي بعد تقصيري وإسرافي علىٰ نفسي ، معتذراً نادماً ، منكسراً مستقيلاً ، مستغفراً منيباً ، مقراً مذعناً معترفاً ، لا أجد مفراً مما كان مني ، ولا مفزعاً أتوجه إليه في أمري ، غير قبولك عذري وإدخالك إياي في سعة من رحمتك ، اللهمّ فاقبل عذري ، وارحم شدة ضري ، وفكني من شدِّ وثاقي » (٤) .

__________________________

(١) بحار الأنوار ٩٤ : ٢٢ / ١٩.

(٢) وسائل الشيعة ٧ : ١٠٢ / ٩.

(٣) الكافي ٢ : ٣٥١ / ٣.

(٤) نهج السعادة : ١٥٤ ـ كتاب الدعاء.

٣٣

١٠ ـ المسألة :

وينبغي للداعي أن يذكر بعد الثناء علىٰ الله تعالىٰ والصلاة علىٰ النبي وآله والاقرار بالذنب ما يريد من خير الدنيا والآخرة ، وأن لا يستكثر مطلوبه ، لأنه يطلب من ربِّ السمٰوات والأرض الذي لا يعجزه شيء ، ولا تنفد خزائن رحمته التي وسعت كل شيء.

وعليه أيضاً أن لا يستصغر صغيرة لصغرها ، لما روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال :« ولا تتركوا صغيرة لصغرها أن تدعوا بها ، إنّ صاحب الصغار هو صاحب الكبار » (١) .

وروي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال :« ليسأل أحدكم ربه حاجته كلّها حتىٰ يسأله شسع نعله إذا انقطع » (٢) .

ويستحب للداعي إذا كان دعاؤه عبادة خالصة يتقرب بها إلىٰ مولاه أن يسأل ما يبقىٰ جماله من خير القضاء في الآجلة والعاجلة ، وأن تعكس مسألته حالة الافتقار إلىٰ الله تعالىٰ التي يتساوىٰ فيها جميع البشر.

جاء في وصية الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام لولده الحسنعليه‌السلام :« فلتكن مسألتك فيما يبقىٰ لك جماله ، ويُنفىٰ عنك وباله ، فالمال لا يبقىٰ لك ولا تبقىٰ له » (٣) .

وروي عن الإمام الباقرعليه‌السلام أنّه قال :« بكىٰ أبو ذر من خشية الله حتىٰ

__________________________

(١) الكافي ٢ : ٣٣٩ / ٦.

(٢) بحار الأنوار ٩٣ : ٢٩٥ و ٣٠٠.

(٣) نهج البلاغة : الكتاب (٣١).

٣٤

اشتكىٰ بصره ، فقيل له : لو دعوت الله أن يشفي بصرك ؟ فقال : إنّي عن ذلك لمشغول ، وما هو من أكبر همّي. قالوا : وما يشغلك عنه ؟ قال : العظيمتان : الجنة والنار » (١) .

وجاء في الحديث القدسي :« يا عبادي كلكم ضال إلّا من هديته ، فاسألوني الهدىٰ أُهدكم ، وكلكم فقير إلّا من أغنيته ، فاسألوني الغنىٰ أرزقكم ، وكلكم مذنب إلّا من عافيته ، فاسألوني المغفرة أغفر لكم » (٢) .

ومن دعاء الإمام زين العابدينعليه‌السلام : « ياذا الجلال والاكرام أسألك عملاً تُحبُّ به من عمل به ، ويقينا تنفع به من استيقن به حقَّ اليقين في نفاذ أمرك.

اللهمَّ صلِّ علىٰ محمد وآل محمد ، واقبض علىٰ الصدق نفسي ، واقطع من الدنيا حاجتي ، واجعل فيما عندك رغبتي شوقاً إلىٰ لقائك ، وهب لي صدق التوكل عليك »(٣) .

١١ ـ معرفة الله وحسن الظنّ به سبحانه :

قال العلّامة الحليرضي‌الله‌عنه : من شروط حسن الدعاء علم الداعي كون ما يطلبه بدعائه مقدوراً لمن يدعوه ، وهذا يتضمن أن من دعا الله تعالىٰ يجب أن يكون عارفاً به وبصفاته(٤) .

فعلىٰ الداعي أن يوقن برحمة الله اللامتناهية ، وبأنّه سبحانه لا يمنع

__________________________

(١) بحار الأنوار ٢٢ : ٤٣١ / ٤٠.

(٢) بحار الأنوار ٩٣ : ٢٩٣ / ٢٠.

(٣) الصحيفة السجادية : الدعاء (٥٤).

(٤) منهاج اليقين : ٣٧٥.

٣٥

أحداً من فيض نعمته ، وأن باب رحمته لا يغلق أبداً.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :« قال الله عزَّ وجلّ : من سألني وهو يعلم أني أضرُّ وأنفع استجبت له » (١) .

وقيل للإمام الصادقعليه‌السلام : ما لنا ندعو فلا يستجاب لنا. قال :« لأنكم تدعون من لا تعرفونه » (٢) .

وفي قوله تعالى :( فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي ) (٣) قالعليه‌السلام :« يعلمون أني أقدر علىٰ أن أعطيهم ما يسألون » (٤) .

وحسن الظن بالله هو من شعب معرفته سبحانه ، فعلىٰ الداعي أن يحسن الظن باستجابة دعائه ، لو عدّه الصادق بقوله تعالىٰ :( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) (٥) ، وقوله :( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ) (٦) وأنّه لا يخلف الميعاد.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :« ادعوا الله وأنتم موقنون بالاجابة » (٧) .

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام :« إذا دعوت فأقبل بقلبك ، وظنّ حاجتك __________________________

(١) بحار الأنوار ٩٣ : ٣٠٥.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ٢٣٠. وبحار الأنوار ٩٣ : ٣٦٨ / ٤.

(٣) سورة البقرة : ٢ / ١٨٦.

(٤) تفسير العياشي ١ : ٨٣ / ١٩٦.

(٥) سورة غافر : ٤٠ / ٦٠.

(٦) سورة النمل : ٢٧ / ٦٢.

(٧) بحار الأنوار ٩٣ : ٣٠٥ و ٣٢١.

٣٦

بالباب » (١) .

ومن دعاء الإمام زين العبادينعليه‌السلام :« اللهمَّ قد أكدى الطلب وأعيت الحيل إلّا عندك ، وضاقت المذاهب وامتنعت المطالب وعسرت الرغائب وانقطعت الطرق إلّا إليك ، وتصرّمت الآمال وانقطع الرجاء إلّا منك ، وخابت الثقة وأخلف الظنَّ إلّا بك ، اللهمَّ إني أجد سبل المطالب إليك منهجة ، ومناهل الرجاء إليك مفتّحة ، وأعلم أنّك لمن دعاك لموضع إجابة ، وللصارخ إليك لمرصد إغاثة ، وأن القاصد لك لقريب المسافة منك.. » (٢) .

١٢ ـ العمل بما تقتضيه المعرفة :

علىٰ الداعي أن يعمل بما تقتضيه المعرفة لخالقه ، بأن يفي بعهد الله ويطيع أوامره ، وهما من أهم الشروط في استجابة الدعاء.

عن جميل ، عن الإمام الصادقعليه‌السلام ، قال : قال له رجل : جعلت فداك ، إنّ الله يقول :( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) (٣) وإنّا ندعو فلا يستجاب لنا ! قالعليه‌السلام :« لأنكم لا توفون بعهد الله ، لو وفيتم لوفىٰ الله لكم » (٤) .

وعن أبي حمزة ، قال : إنّ الله أوحىٰ إلىٰ داودعليه‌السلام :« يا داود ، إنّه ليس عبد من عبادي يطيعني فيما آمره إلّا أعطيته قبل أن يسألني ، وأستجيب له

__________________________

(١) الكافي ٢ : ٣٤٤ / ٣.

(٢) بحار الأنوار ٩٥ : ٤٥٠ / ٣.

(٣) سورة غافر : ٤٠ / ٦٠.

(٤) تفسير القمي ١ : ٤٦ في تفسير قوله تعالىٰ :( وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ) البقرة : ٢ / ٤٠.

٣٧

قبل أن يدعوني » (١) .

١٣ ـ الاقبال علىٰ الله :

من أهم آداب الدعاء هو أن يقبل الداعي علىٰ الله سبحانه بقلبه وعواطفه ووجوده ، وأن لا يدعو بلسانه وقلبه مشغول بشؤون الدنيا ، فهناك اختلاف كبير بين مجرد قراءة الدعاء وبين الدعاء الحقيقي الذي ينضمّ فيه القلب بانسجام تامّ مع اللسان ، تهتزّ له الروح وتحصل فيه الحاجة في قلب الانسان ومشاعره.

قال الإمام الصادقعليه‌السلام :« إنّ الله عزَّ وجل لا يستجيب دعاء بظهر قلبٍ ساهٍ ، فإذا دعوت فأقبل بقلبك ثمّ استيقن بالاجابة » (٢) .

١٤ ـ الاضطرار إلىٰ الله سبحانه :

لابدّ للداعي أن يتوجه إلىٰ الله تعالىٰ توجّه المضطر الذي لا يرجو غيره ، وأن يرجع في كلِّ حوائجه إلىٰ ربه ، ولا ينزلها بغيره من الأسباب العادية التي لا تملك ضراُ ولا نفعاً( قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا ) (٣) .

فإذا لجأ الداعي إلىٰ ربه بقلب سليم وكان دعاؤه حقيقياً صادقاً جاداً ، وكان مدعوّه ربه وحده لا شريك له ، تحقق الانقطاع الصادق بالاضطرار الحقيقي إلىٰ الله تعالىٰ الذي هو شرط في قبول الدعاء( أَمَّن يُجِيبُ

__________________________

(١) بحار الأنوار ٩٣ : ٣٧٦.

(٢) الكافي ٢ : ٣٤٣ / ١.

(٣) سورة الاسراء : ١٧ / ٥٦.

٣٨

الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ) (١) .

يقول أمير المؤمنينعليه‌السلام في وصيته لولده الإمام الحسنعليه‌السلام :« وألجى ء نفسك في أمورك كلّها إلىٰ إلهك ، فإنّك تُلجئها إلىٰ كهفٍ حريز ومانع عزيز ، واخلص في المسألة لربك ، فإنّ بيده العطاء والحرمان » (٢) .

قال الإمام الصادقعليه‌السلام :« إذا أراد أحدكم أن لا يسأل ربه شيئا إلّا أعطاه ، فلييأس من الناس كلّهم ، ولا يكون له رجاء إلّا عند الله ، فإذا علم الله عزَّ وجلّ ذلك من قبله لم يسأل الله شيئاً إلّا أعطاه » (٣) .

وروي أن الله تعالىٰ أوحىٰ إلىٰ عيسىٰعليه‌السلام :« ادعني دعاء الحزين الغريق الذي ليس له مغيث : يا عيسىٰ ، سلني ولا تسأل غيري ، فيحسن منك الدعاء ومني الاجابة » (٤) .

١٥ ـ تسمية الحوائج :

إنّ الله تعالىٰ محيط بعباده يعلم حالهم وحاجاتهم ، وهو أقرب إليهم من حبل الوريد ، ولكنه سبحانه يحبُّ أن تُبَث إليه الحوائج وتُسمّىٰ بين يديه تعالىٰ ، وذلك كي يقبل الداعي إلىٰ ربّه محتاجاً إلىٰ كرمه فقيراً إلىٰ لطفه ومغفرته.

قال الإمام الصادقعليه‌السلام :« إنّ الله تبارك وتعالى يعلم ما يريد العبد إذا

__________________________

(١) سورة النمل : ٢٧ / ٦٢.

(٢) نهج البلاغة : الكتاب (٣١).

(٣) الكافي ٢ : ١١٩ / ٢.

(٤) عدة الداعي : ١٣٤.

٣٩

دعاه ، لكنّه يحبُّ أن تُبثّ إليه الحوائج ، فإذا دعوت فسمِّ حاجتك » (١) .

١٦ ـ ترقيق القلب :

ويستحب الدعاء عند استشعار رقة القلب وحالة الخشية التي تنتابه بذكر الموت والبرزخ ومنازل الآخرة وأهوال يوم المحشر ، وذلك لأنّ رقّة القلب سبب في الاخلاص المؤدي إلىٰ القرب من رحمة الله وفضله ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :« اغتنموا الدعاء عند الرقة ، فإنها رحمة » (٢) .

وقال الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام :« بالاخلاص يكون الخلاص ، فإذا اشتدّ الفزع ، فإلىٰ الله المفزع » (٣) .

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام :« إذا رقّ أحدكم فليدع ، فإنّ القلب لا يرقّ حتىٰ يخلص » (٤) .

وكلما رقّ قلب الداعي كلّما كان مهيئاً لاستقبال ذخائر الرحمة الإلهية وتحقق قصده في الاستجابة ، قال الإمام الصادقعليه‌السلام :« إذا اقشعر جلدك ، ودمعت عينك ، ووجل قلبك ، فدونك دونك ، فقد قصد قصدك » (٥) .

أما القلب القاسي بكثرة الذنوب والمعاصي ، والقلب اللاهي عن ذكر الله ، المتعلق بعرض الدنيا وزخرفها ، فكلاهما مطرودان عن رحاب الله تعالىٰ ورحمته ، ولا يستجاب لهما دعاء ، لأنّه ليس ثمّة انسجام بين القلب

__________________________

(١) الكافي ٢ : ٣٤٥ / ١.

(٢) بحار الأنوار ٩٣ : ٣١٣.

(٣) الكافي ٢ : ٣٤٠ / ٢.

(٤) الكافي ٢ : ٣٤٦ / ٥.

(٥) الكافي ٢ : ٣٤٦ / ٨.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119