الدعاء حقيقته وآدابه وآثاره

الدعاء حقيقته وآدابه وآثاره50%

الدعاء حقيقته وآدابه وآثاره مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
ISBN: 964-8629-83-8
الصفحات: 119

الدعاء حقيقته وآدابه وآثاره
  • البداية
  • السابق
  • 119 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 48813 / تحميل: 5006
الحجم الحجم الحجم
الدعاء حقيقته وآدابه وآثاره

الدعاء حقيقته وآدابه وآثاره

مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
ISBN: ٩٦٤-٨٦٢٩-٨٣-٨
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

من جهة أخرى؟

إلى غير ذلك من الأبحاث الكثيرة والمتعدّدة.

هذه الأمور والاحتمالات التي طرحناها لم تُعرض ضمن بحث مستقلٍ منفرد ومتميّز في الكتب، أو الأبواب الفقهيّة.

وقد يجدها المتتبّع في طيّات كلمات الفقهاء وأبحاثهم هنا وهناك في موارد متفرّقة، ومواضع مختلفة.

مثلاً: قد يجدها المتتبّع في موضوع حرمة تنجيس القرآن أو وجوب تطهيره إذا لاقته النجاسة.

وفي بحث الوقف والصدقات وإحياء الموات، وقضيّة حُرمة المؤمن، وحُرمة الكعبة، وفي باب الحدود، في حكم سبّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله - والعياذ بالله تعالى - أو هتك مقدّسات الدين، حيث يبحث العلماء في هذه الموارد عن الشعائر الدينيّة، وإنّ هتكها هل هو موجب للكفر أم لا؟

ومضافاً إلى ذلك، هناك بعض الكتب والرسائل التي أُلِّفت في بحث الشعائر الحسينيّة(1)، وقد ذكروا فيها بعض الضوابط الشرعيّة إلى حدّ ما، فمن الجدير مراجعة تلك الكتب وملاحظة الخطوط العامّة لهذا البحث، وما تتضمّنه من نقض وإبرام.

____________________

(1) نذكر - على سبيل المثال - بعض تلك الرسائل والمؤلّفات:

الشعائر الحسينيّة في الميزان الفقهي، لآية الله الشيخ عبد الحسين الحلّي (رحمه الله).

نصرة المظلوم، لآية الله الشيخ حسن المظفّر (رحمه الله).

الشعائر الحسينيّة، سماحة السيّد حسن الشيرازيّ (رحمه الله).

نجاة الأمّة في إقامة العزاء، الحاج السيّد محمّد رضا الحسيني الحائري.

الشعائر الحسينيّة سُنّة أم بدعة، الشيخ أحمد الماحوزي.

٢١

الجانبُ الرابع: إطار موضوع القاعدة

قد تُضافُ الشعائر إلى لفظ الجلالة (الله) فنقول: (شعائر الله)، كما في الآيات الكريمة(1) ، ومنها قوله تعالى:( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) (2) .

وأيضاً الشعائر أو الشعيرة أو الشعارة - على اختلاف هيئات المادّة - قد تضاف إلى المذهب، فيقال: شعائر المذهب.

وأيضاً، قد تضاف إلى الحسين (عليه السلام) باسم الشعائر الحسينيّة.

وأيضاً، قد تضاف إلى الدين، فتُعرف باسم شعائر الدين وشعائر الإسلام.

وسيتبيّن أنّ هذه الإضافات ما هي إلاّ تفريعات وتطبيقات لنفس القاعدة الواحدة، فيقال: شعائر الله، أو يقال: الشعائر الحسينيّة، أو يقال: شعائر المذهب، أو يقال: شعائر الإسلام، أو شعائر الدين، وهي - على كلّ حال - تبويبات وتصنيفات لذكر فروع لأصل واحد، أو تكون مرادفات لنفس المسمّى.

وسيظهر ما في هذا التعبير من نواحٍ تربويّة متعدّدة، وتفريعات لنكاتٍ فقهيّة مختلفة.

____________________

(1) المائدة: 2، الحج: 32، البقرة: 158.

(2) الحجّ: 32.

٢٢

الجانبُ الخامس:

جرياً على ديدن العلماء في تصنيف كلّ مسألة بإدراجها في باب من الأبواب الفقهية، ففي أيّ باب من الأبواب يمكن درج هذه القاعدة؟ هل في باب الفقه السياسي، أم في باب الفقه الاجتماعي، أم باب فقه القضاء، أم فقه المعاملات؟

وسيظهر خلال مراحل البحث: أنّ من خصائص هذه القاعدة وهذا الواجب الدينيّ العظيم، أنّ هذا الواجب ليس واجباً ملقى على عاتق رموز الدولة الإسلاميّة أو الحكومة فحسب، وليس مُلقى على عاتق المرجعيّة فقط، الّتي قد تُسمّى بالاصطلاح الأكاديمي الحديث حكومة المرجع، ولا على عاتق الهيئات الدينيّة دون غيرها.

وإنّما هذا الواجب - كما سيتبيّن - هو واجب كفائيّ يُلقى على عاتق عموم المسلمين، ويتحمّل مسؤوليّة إقامته جميع طبقات وشرائح المجتمع الإسلامي، ومن ثُمّ كان الأولَى إدراج هذه القاعدة في أبواب فقه الاجتماع، من قبيل: باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا في خصوص الفقه السياسي، ولا في خصوص فقه الأبواب الأُخرى، بل يكون انضمامها تحت باب الفقه الاجتماعي هو الأنسب لهذه القاعدة.

هذه جوانب ذكرناها بعنوان ديباجة وتمهيد للبحث، أمّا بالنسبة إلى تبويب وتصنيف جهات البحث؛ فإنّ البحث سيقع - إن شاء الله تعالى - في مقامين رئيسيّين:

٢٣

المقامُ الأول

في عُموم قاعِدة الشَعائر الدينيّة

وهذا المقام يتألّف من الجهات التالية:

الجهة الأولى: الأدلّة الإجماليّة الواردة في هذه القاعدة.

الجهة الثانية: أقوال الفقهاء والمتكلّمين والمفسّرين والمحدّثين حول قاعدة الشعائر الدينيّة.

الجهة الثالثة: البحث في معنى وماهيّة الموضوع، وهو الشعيرة والشعائر من الناحية اللُّغويّة.

الجهة الرابعة: كيفيّة تحقّق الموضوع، وهو الشعيرة والشعائر ومعالجة العديد من قواعد التشريع.

الجهة الخامسة: البحث في متعلّق الحكم لقاعدة الشعائر.

الجهة السادسة: نسبة حكم الشعائر مع العناوين الأوّليّة للأحكام من جهة، ومع العناوين الثانويّة للأحكام من جهة أُخرى.

الجهة السابعة: الموانع الطارئة على الشعائر، كالخرافة والاستهزاء والهتك والشنعة.

٢٤

المقامُ الثاني

الشَعائرُ الحُسينيّة

يقع البحث في خصوصيات الشعائر الحسينيّة، ودراسة قوّة وتماميّة الأدلّة الخاصّة الواردة فيها، وردّ الإشكالات والانتقادات التي وُجِّهت لها، وأُثيرَت حولها.

وهل يختلف حكمها عن الأحكام العامّة في الشعائر؟

أم هي تتضمّن الأحكام العامّة للشعائر وزيادة؟

ويقع البحث خلال الجهات الآتية:

الجهة الأولى: أهداف النهضة الحسينيّة.

الجهة الثانية: أدلّة الشعائر الحسينيّة.

الجهة الثالثة: أقسام الشعائر الحسينيّة.

الجهة الرابعة: الرواية في الشعائر الحسينيّة.

الجهة الخامسة: البكاء.

الجهة السادسة: الشعائر الحسينيّة والضرر.

الجهة السابعة: لبس السواد.

الجهة الثامنة: ضرورة لعن أعداء الدين.

الجهة التاسعة: العزاء والرثاء سُنّة قرآنيّة.

مِسكُ الختام: مآتم العزاء التي أقامها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على الحسين (عليه السلام).

هذا ما سنتطرّق إليه مفصّلاً فيما يأتي من البحوث - إن شاء الله تعالى - ونبدأ البحث في جهات المقام الأول:

٢٥

٢٦

المقامُ الأوّل الشَعائرُ الدينيّة

٢٧

٢٨

الجهةُ الأوّلى:الأدلّةُ الإجماليّة

٢٩

٣٠

في بداية كلّ بحث لابدّ أن يعثر الفقيه أو المجتهد على أدلّة معيّنة لعنوان البحث، وهذه الأدلّة حسب قواعد علم الفقه والأصول لها ثلاثة محاور، هي: الموضوع، والمحمول، والمتعلّق.

الموضوع: هو ما يُشار به إلى قيود الحُكم.

والمحمول: هو الحكم الشرعي، إمّا وجوب، أو حُرمة، أو مِلكيّة، أو غير ذلك، بمعنى الحُكم الشرعي الشامل للحُكم التكليفي وللحُكم الوضعي.

المتعلَّق: وهو الفعل المطلوب حصوله في الخارج إذا كان الحُكم وجوباً، أو الفعل اللازم تركه إذا كان الحكم حرمةً.

على سبيل المثال: في دليل: (إذا زالت الشمس فصلِّ)، نلاحظ هذه المَحاور الثلاثة كالآتي:

الموضوع: هو الزوال.

والمحمول: الحُكم وهو الوجوب.

والمتعلّق: وهو صلاة الظهر.

ومِحور الموضوع الذي هو قيود الوجوب، ويُطلق على قيود أيّ حكم تكليفي أو وضعي بأنّه: موضوع أصولي، أو موضوع فقهي، وفي مثالنا السابق يعتبر الزوال من قيود الوجوب.

٣١

فاللازم استعراض الأدلّة الواردة في قاعدة الشعائر وتقرير مفادها على ضوء هذا التثليث.

الطائفة الأولى من الأدلّة:

(1) -( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آَمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ ) (1) .

قد ورد في الآية عموم لفظ الشعائر، وهو حُكم من الأحكام القرآنيّة، فلنتعرّف على موضوع ومتعلّق هذا المورد، وعلى حكمه أيضاً.

الموضوع: هو الشعائر(2) .

المتعلّق: هو التعظيم إن جُعِل الحُكم إيجابيّاً، أو التهاون إن جُعِل الحكم تحريميّاً.

الحُكم: حرمة التحليل وحرمة التهاون، ويمكن جعل الحُكم وجوب التعظيم.

(2) -( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ *

____________________

(1) المائدة: 2.

(2) وقد يقال للموضوع: متعلّق المتعلّق، ففي مثال حرمة شرب الخمر؛ فإنّ الحُرمة تتعلّق بالشُرب، والشرب بدوره يتعلّق بالخمر، فالخمر يقال له: متعلّق متعلّق الحكم.. وهذا تابع لقاعدة أصوليّة محرّرة عند علماء الأصول تقول: إنّ متعلّق متعلّق الحُكم يكون موضوعاً للحُكم، سواء كان الحكم تكليفيّاً أم وضعيّاً. اعتمدَت عليها مدرسة الميرزا النائيني (رحمه الله)، إلاّ أنّ مشهور الطبقات المتقدِّمة من العلماء على خلاف ذلك، وهو الأصح.

٣٢

لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ * ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ) (1) .

هذا المقطع من الآية الشريفة( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ... ) ، أدرجهُ كثير من العلماء ضمن آيات الشعائر أيضاً، مع أنّه لم يرد فيه لفظة الشعائر، والوجه في ذلك: هو الاعتماد على قاعدة معروفة ومشهورة لدى أساطين الفقه.

وهي أنّ الموضوع أو المتعلّق كما يمكن الاستدلال له بالأدلّة الوارد فيها العنوان نفسه أو المتضمّنة له، أو مرادفاته، كذلك يمكن الاستدلال له بالأدلّة الوارد فيها العنوان نفسه أو المتضمّنة له، أو مرادفاته، كذلك يمكن الاستدلال له بما يشترك معه في الماهيّة النوعيّة أو الجنسيّة، أي المماثل أو المجانس، بشرط أن يكون الحُكم مُنصبّاً على تلك الماهيّة، وإلاّ كان التعدّي قياساً باطلاً، كما يمكن الاستدلال له بالدليل الذي يتضمّن جزء الماهيّة، كذلك يمكن الاستدلال له بما يدلّ على اللازم له أو الملزوم له، فتتوسّع دائرة دلالة الأدلّة الدالّة على المطلوب.

ففي هذه الآية الشريفة:

الموضوع: حُرمات الله.

المتعلّق: التعظيم.

الحكم: الوجوب، أي: وجوب التعظيم.

(3) -( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) (2) .

____________________

(1) الحج: 27 - 30.

(2) الحج: 32.

٣٣

وهذه من أوضح الآيات على إثبات المطلوب، حيت تدلّ على محبوبيّة ورجحان التعظيم لشعائر الله، حسب التقسيم الثلاثي المذكور من الموضوع والمتعلّق والحُكم.

(4) -( وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ) (1) .

هنا وردت (مِن) تبعيضيّة، والمعنى: أنّ البدن من مصاديق الشعائر.

(5) -( إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ) (2) .

(6) -( فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ) (3) .

هذه الآية الشريفة تعرّضت للشعائر، ولكن بصيغة المشعر.

هذه الطائفة من الأدلّة وافية في المقام، وعلينا أن نسبر غَورها لنصل إلى المَحاور الأساسيّة فيها، ولنتعرّف على مفادها ودلالتها.

الطائفةُ الثانية من الأدلّة:

هذه الأدلّة لم يرد فيها لفظ (الشعائر)، إلاّ أنّ بعض العلماء والمحقّقين(4) ذهبوا إلى استفادة حُكم الشعائر منها، وهي:

____________________

(1) الحجّ: 36.

(2) البقرة: 158.

(3) البقرة: 198.

(4) الميرزا القمّي (قدِّس سرّه) ضمن فتواه في كتاب (جامع الشتات) حول الشعائر الحسينيّة، والسيّد اليزدي (قدِّس سرّه) صاحب العروة في فتواه، والسيّد جمال الدين الگلبايكاني، أشاروا إلى وجود عمومات أخرى إضافةً لأدلّة الطائفة الأولى في المقام.

٣٤

(1) -( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (1) .

ومن سياق الآيات التي قبلها:( قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الأَخِرِ.. ) .

وآية:( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ.. ) .

يُفهم أنّ الآيات بصدد بيان مسألة وجوب الجهاد، وضرورة المعرفة الحقّة والتوحيد ونشر الدين وتبليغه..

ثُمّ بعد ذلك تُبيّن الآية:( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) أهميّة النور الإلهي، ومحاولات أعداء الدين لإطفاء ذلك النور، ولكنّ الله سبحانه كتبَ على نفسه إحباط تلك المحاولات الشيطانيّة، ويأبى سبحانه إلاّ إتمام النور ونشر الصلاح والهدى.

ففي هذه الآية الشريفة:

الموضوع: هو نور الله سبحانه، وهو بدل لفظ (الشعائر) في آية( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ... ) ، ونور الله سبحانه عام يشمل جميع الأحكام.

المتعلَّق: النشر والتبليغ والبيان، وهو بدل التعظيم في تلك الآية.

والحُكم: وهو الوجوب، وجوب النشر أو حرمة الإطفاء والكتمان.

فيكون هذا الدليل - كقضيّة شرعيّة - مرادفاً ومكافئاً للآية الشريفة:( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ ) .

- وهذا يعني أنّنا لا نقتصر في إثبات هذه القاعدة على الآيات من الطائفة

____________________

(1) التوبة: 32.

٣٥

الأولى من الأدلّة، بل يمكن الاستدلال أيضاً بما يفيد مفادها أيضاً.

(2) -( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ والآصَال ) (1) بملاحظة الآيات التي تسبق هذه الآية من سورة النور، وهي:( وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ * اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (2) من سياق هذه الآيات، يظهر أنّ المراد من لفظة( فِي بُيُوتٍ... ) : هي البيوت التي فيها نور الله، والمراكز التي تكون مصادر إشعاع الدين، ومحالّ نشر الهداية والحق، ومحطّات بيان أحكام الدين الحنيف.

وهذه (البيوت) النوريّة والباعثة للنور، شاء الله وأراد أن تُرفع وتُكرّم، وأن تُبجّل وتُحترم، وينبغي أن يستمرّ ويدوم فيها ذِكر الله وعبادته وطاعته.

فهذه الآية من سورة النور، مرادفة لآية تعظيم الشعائر(3) ، ولآية( لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ... ) .

فالآية الشريفة تدلّ على وجوب نشر ورفع كلّ موطن ومركز ومحلّ يتكفّل ببيان أحكام الله وتعاليم رسالة السماء، المكنّى عنه في الآية الشريفة بنور الله.

____________________

(1) النور: 36.

(2) النور: 34 - 35.

(3)( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) الحجّ: 32.

٣٦

ومن ذلك يظهر أنّ الشعائر لا تختصّ بباب دون آخر، فهي لا تختصّ بمناسك الحجّ، ولا بالعبادات.

وإنّما تشمل كلّ ما فيه نشر لأحكام الدين، وتعمّ جميع ما به بيان وتبليغ للمعارف الإسلاميّة المختلفة.

(3) -( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (1) .

هذه الآية تدلّ على أنّ حفظ الدين وحفظ ذِكر الله سبحانه، وكذلك حفظ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي هو قوام الدين، وحفظ ذِكر أهل البيت (عليهم السلام) الذين هم العِدل الآخر للقرآن، كلّ ذلك يُعتبر من الأغراض الشرعيّة العُليا للحق سبحانه وتعالى.

(4) -( وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (2) .

بتقريب أنّ كلّ ما يؤول إلى إعلاء كلمة الله سبحانه وإزهاق كلمة الكافرين، فهو من الأغراض الشرعيّة والمقاصد الدينيّة.

(5) -( فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) (3) .

تُقرِّر الآية الكريمة وجوب التفقّه على المسلمين بعد الهجرة، ثُمّ الرجوع إلى بلادهم ووجوب التبليغ والإنذار، مُقدّمةً لحصول حالة الحذر، فهذا الإنذار

____________________

(1) الحجر: 9.

(2) التوبة: 4.

(3) التوبة: 122.

٣٧

لنشر معالم الدين وترسيخ قواعده يُبيّن في الواقع ماهيّة الشعائر.

فهذه الآية (آية الإنذار) بمنزلة المُبيّن والمفسِّر لأحد أركان ماهيّة العناوين التي وردت في الألسنة الأخرى من الأدلّة، وهو التبليغ والنشر للدين الحنيف.

(6) -( فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) (1) .

لسان هذه الآية، يوضِّح بُعداً آخر في حقيقة الشعائر، حيث تتضمّن في متعلّقها جنبة أخرى غير الأحكام الأوّليّة، ألا وهي جنبة ازدياد العلو والسُموّ للإسلام والمسلمين، وهذه غير جهة الإعلام، وإن كانت هي أحد نتائج الإعلام والنشر والإنذار.

فالبُعد الآخر الذي تتضمّنه قاعدة الشعائر الدينيّة: هو جنبة إعلاء كلمة الله سبحانه، وإعزاز كلمة المسلمين.

وقد توفّرت الأدلّة في إثبات ذلك بقدر وافٍ.

الطائفةُ الثالثة من الأدلّة:

وقد استُدلّ أيضاً على هذه القاعدة بما وردَ في الأبواب الخاصّة من الأدلّة، مثل: أدلّة خاصّة في مناسك الحج، أو أدلّة خاصّة في الشعائر الحسينيّة وغير ذلك، مثل: قول الصادق (عليه السلام):(رحمَ الله مَن أحيا أمرَنا) (2) .

وقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :(يا علي، مَن عمّر قبوركم، وتَعاهدها، فكأنّما أعانَ

____________________

(1) النساء: 141.

(2) بحار الأنوار 2: 151: 30.

٣٨

سليمان بن داوود على بناء بيت المَقدس) (1) وما شابه ذلك.

أو ما ورد على لسان العقيلة زينب الكبرى (عليها السلام) بالنسبة لعزاء سيّد الشهداءصلى‌الله‌عليه‌وآله :(وسيوكِّل الله مَن يُجدّد له العزاء في كلّ عام) (2) تلك العناوين خاصّة في أبواب خاصّة.

وهذا اللسان الثالث من الأدلّة هو عبارة عن أحكام خاصّة في الموارد الأخرى، التي مفادها هو عين مفاد الشعائر، من لزوم البثّ والإعلان.

فزبدة القول: إنّ لدينا ثلاثة أشكال من الأدلّة:

الأوّل: أدلّة عامّة وردَ فيها لفظ الشعائر.

الثاني: أدلّة عامّة ومطلقه يظهر منها جانب الإعلام والإعلاء للدين.

الثالث: أدلّة مختصّة ببعض الأبواب، وتكون مرادفة لتعظيم الشعائر ولنشر الدين وإعلاء كلمته.

____________________

(1) بحار الأنوار 100: 120: 22.

(2) بحار الأنوار 44: 292.

٣٩

الجهةُ الثانية أقوالُ العامّة والخاصّة حول هذه القاعدة

٤٠

واللسان ، جاء في وصية النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليعليه‌السلام :« لا يقبل الله دعاء قلبٍ ساهٍ » (١) .

وعن الإمام أميرالمؤمينعليه‌السلام :« لا يقبل الله عزَّ وجل دعاء قلبٍ لاهٍ » (٢) .

وعن الإمام الصادقعليه‌السلام :« إنّ الله عزَّ وجل لا يستجيب دعاءً بظهر قلبٍ قاسٍ » (٣) .

١٧ ـ البكاء والتباكي :

خير الدعاء ما هيجه الوجد والأحزان ، وانتهى بالعبد إلىٰ البكاء من خشية الله ، الذي هو سيد آداب الدعاء وذروتها ، ذلك لأنَّ الدمعة لسان المذنب الذي يفصح عن توبته وخشوعه وانقطاعه إلىٰ بارئه ، والدمعة سفير رقّة القلب الذي يؤذن بالاخلاص والقرب من رحاب الله تعالىٰ.

قال الإمام الصادقعليه‌السلام لأبي بصير :« إنّ خفت أمراً يكون أو حاجة تريدها ، فابدأ بالله ومجّده واثني عليه كما هو أهله ، وصلِّ علىٰ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسل حاجتك ، وتباك ولو مثل رأس الذباب ، إنّ أبي كان يقول: إنّ أقرب ما يكون العبد من الرب عزَّ وجل وهو ساجد باكٍ »(٤) .

وفي البكاء من خشية الله من الخصوصيات والفضائل ما لا يوجد في غيره من أنصاف الطاعات ، فهو رحمة مزجاة من الخالق العزيز لعباده تقرّبهم من منازل لطفه وكرمه ، وتتجاوز بهم عقبات الآخرة وأهوالها.

__________________________

(١) الفقيه ٤ : ٢٦٥.

(٢) الكافي ٢ : ٣٤٤ / ٢.

(٣) الكافي ٢ : ٣٤٤ / ٤.

(٤) الكافي ٢ : ٣٥٠ / ١٠.

٤١

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :« إذا أحبّ الله عبدا نصب في قلبه نائحةً من الحزن ، فإنّ الله لا يدخل النار من بكىٰ من خشية الله حتىٰ يعود اللبن إلىٰ الضرع » (١) .

وقال الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام :« بكاء العيون وخشية القلوب من رحمة الله تعالىٰ ذكره ، فإذا وجدتموها فاغتنموا الدعاء ، ولو أنّ عبداً بكىٰ في أُمة لرحم الله تعالىٰ ذكره تلك الاُمّة لبكاء ذلك العبد » (٢) .

وإذا كان البكاء يفتح القلب علىٰ الله تعالىٰ ، فإنّ جمود العين يعبّر عن قساوة القلب التي تطرد العبد من رحمة الله ولطفه وتؤدي إلىٰ الشقاء.

وكان فيما أوصىٰ به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الإمام عليعليه‌السلام :« يا علي ، أربع خصال من الشقاء : جمود العين ، وقساوة القلب ، وبُعد الأمل ، وحبّ البقاء » (٣) .

واعلم أنّ البكاء إلىٰ الله سبحانه فرقاً من الذنوب وصفٌ محبوب لكنّه غير مجدٍ مع عدم الاقلاع عنها والنوبة منها.

قال سيد العابدين الإمام علي بن الحسينعليه‌السلام :« وليس الخوف من بكىٰ وجرت دموعه ما لم يكن له ورع يحجره عن معاصي الله ، وإنّما ذلك خوف كاذب » (٤) .

وإذا تهيأت للدعاء ولم تساعدك العينان علىٰ البكاء ، فاحمل نفسك علىٰ البكاء وتشبّه بالباكين ، متذكراً الذنوب العظام ومنازل مشهد اليوم

__________________________

(١) عدة الداعي : ١٦٨.

(٢) بحار الأنوار ٩٣ : ٣٣٦.

(٣) بحار الانوار ٩٣ : ٣٣٠ / ٩.

(٤) عدة الداعي : ١٧٦.

٤٢

العظيم ، يوم تُبلىٰ السرائر ، وتظهر فيه الضمائر ، وتنكشف فيه العورات ، عندها يحصل لك باعث الخشية وداعية البكاء الحقيقي والرقة وإخلاص القلب.

وقد ورد في الحديث ما يدلُّ علىٰ استحباب التباكي ولو بتذكّر من مات من الأولاد والأقارب والأحبّة ، فعن إسحاق بن عمار ، قال : قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : أدعو فاشتهي البكاء ولا يجيئني ، وربما ذكرت بعض من مات من أهلي فأرقّ وأبكي ، فهل يجوز ذلك ؟

فقالعليه‌السلام :« نعم ، فتذكّرهم ، فإذا رققت فابكِ ، وادع ربك تبارك وتعالىٰ » (١) .

١٨ ـ العموم في الدعاء :

ومن آداب الدعاء أن لا يخصّ الداعي نفسه بالدعاء ، بل يذكر إخوانه المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات ، وهو من أهم آداب الدعاء ، لأنّه يدلّ علىٰ التضامن ونشر المودة والمحبة بين المؤمنين ، وازالة أسباب الضغينة والاختلاف فيما بينهم ، وذلك من منازل الرحمة الالهية ، ومن أقوىٰ الأسباب في استجابة الدعاء ، فضلاً عن ثوابه الجزيل للداعي والمدعو له.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :« إذا دعا أحدكم فليعمّ ، فإنّه أوجب للدعاء » (٢) .

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام :« إذا قال الرجل : اللهمّ اغفر للمؤمنين

__________________________

(١) الكافي ٢ : ٣٥٠ / ٧.

(٢) الكافي ٢ : ٣٥٤ / ١.

٤٣

والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم وجميع الأموات ؛ ردّ الله عليه بعدد ما مضىٰ ومن بقي من كل إنسان دعوة » (١) .

وقالعليه‌السلام :« دعاء المرء لأخيه بظهر الغيب يدرُّ الرزق ويدفع المكروه » (٢) .

١٩ ـ التضرُّع ومدّ اليدين :

ومن آداب الدعاء إظهار التضرع والخشوع ، قال تعالىٰ :( وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً ) (٣) ، وقد ذمّ الله تعالىٰ الذين لا يتضرعون إليه ، قال تعالىٰ :( وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ) (٤) .

عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قول الله عزَّ وجل :( فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ) فقالعليه‌السلام :« الاستكانة هي الخضوع ، والتضرُّع هو رفع اليدين والتضرُّع بهما » (٥) .

وعن الإمام الحسينعليه‌السلام قال :« كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يرفع يديه إذ ابتهل ودعا كما يستطعم المسكين » (٦) .

وروي أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يتضرّع عند الدعاء حتىٰ يكاد يسقط رداؤه(٧) .

__________________________

(١) بحار الأنوار ٩٣ : ٣٩١ / ٢٤.

(٢) الكافي ٢ : ٣٦٨ / ٢. وأمالي الصدوق : ٣٦٩ / ١.

(٣) سورة الأعراف : ٧ / ٢٠٥.

(٤) سورة المؤمنين : ٢٣ / ٧٦.

(٥) الكافي ٢ : ٣٤٨ / ٢ ، ٣٤٩ / ٦.

(٦) بحار الأنوار ٩٣ : ٣٣٩ / ٩.

(٧) بحار الأنوار ٩٣ : ٣٣٩ / ١٠.

٤٤

والتضرُّع من أسباب استجابة الدعاء ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :« إنّ الله يستحي من العبد أن يرفع إليه يديه فيردّهما خائبتين » (١) .

والعلّة في رفع اليدين هي إظهار الاستكانة والفاقة بين يديه تبارك وتعالى.

وقد سأل أبو قُرّة الإمام الرضاعليه‌السلام : ما بالكم إذا دعوتم رفعتم أيديكم إلىٰ السماء ؟

فقال أبو الحسن الرضاعليه‌السلام :« إنّ الله استعبد خلقه بضروب من العبادة... واستعبد خلقه عند الدعاء والطلب والتضرُّع ببسط الأيدي ورفعهما إلىٰ السماء لحال الاستكانة وعلامة العبودية والتذلل له » (٢) .

ولليدين وظائف وهيئات في الدعاء تتغير حسب حال الداعي في الرغبة والرهبة والتضرُّع والتبتُّل والابتهال ، قال الإمام الصادقعليه‌السلام :« الرغبة : تبسط يديك وتظهر باطنهما ، والرهبة : بسط يديك وتظهر ظهرهما ، والتضرُّع : تحرّك السبابة اليمنىٰ يميناً وشمالاً ، والتبتّل : تحرّك السبابة اليسرىٰ ترفعها في السماء رسلاً وتضعها ، والابتهال : تبسط يديك وذراعيك إلىٰ السماء ، والابتهال حين ترىٰ أسباب البكاء » (٣) .

ويكره أن يرفع الداعي بصره إلىٰ السماء ، لما روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام عن آبائهعليهم‌السلام ، قال :« مرّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علىٰ رجل وهو رافع بصره

__________________________

(١) بحار الأنوار ٩٣ : ٣٦٥ / ١١.

(٢) الاحتجاج : ٤٠٧.

(٣) الكافي ٢ : ٣٤٨ / ٤.

٤٥

إلىٰ السماء يدعو ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : غضّ بصرك ، فانك لن تراه » (١) .

٢٠ ـ الأسرار بالدعاء :

ويستحب أن يدعو الإنسان خُفية ليبتعد عن مظاهر الرياء التي تمحق الأعمال وتجعلها هباءً منثوراً ، قال تعالىٰ :( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ) (٢) .

قال الإمام الرضاعليه‌السلام :« دعوة العبد سراً دعوة واحدة تعدل سبعين دعوة علانية » .

وفي رواية اُخرىٰ :« دعوة تخفيها أفضل عند الله من سبعين دعوة تظهرها » (٣) .

٢١ ـ التلبّث بالدعاء :

ومن آداب الدعاء أن لا يستعجل الداعي في الدعاء ، بل يدعو مترسّلاً ، ذلك لأنّ العجلة تنافي حالة الاقبال والتوجه إلىٰ الله تعالىٰ ، وما يلزم ذلك من التضرُّع والرقة ، كما أن العجلة قد تؤدي إلىٰ ارتباك في صورة الدعاء أو نسيان لبعض أجزائه.

قال الإمام الصادقعليه‌السلام :« إنّ رجلاً دخل المسجد فصلىٰ ركعتين ، ثم سأل الله عزَّ وجلّ ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عجّل العبد ربّه ، وجاء آخر فصلىٰ ركعتين ثم أثنىٰ علىٰ الله عزَّ وجل وصلىٰ علىٰ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال رسول

__________________________

(١) بحار الأنوار ٩٣ : ٣٠٧ / ٤.

(٢) سورة الاعراف : ٧ / ٥٥.

(٣) الكافي ٢ : ٣٤٥ ـ ٣٤٦ / ١.

٤٦

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سل تعط » (١) .

وقالعليه‌السلام :« إنّ العبد إذا عجّل فقام لحاجته ، يقول الله تبارك وتعالىٰ : أما يعلم عبدي أني أنا الله الذي أقضي الحوائج » (٢) .

وقالعليه‌السلام :« إنّ العبد إذا دعا لم يزل الله تبارك وتعالىٰ في حاجته مالم يستعجل » (٣) .

٢٢ ـ عدم القنوط :

وعلىٰ الداعي أن لا يقنط من رحمة الله ، ولا يستبطىء الاجابة فيترك الدعاء ، لأنّ ذلك من الآفات التي تمنع ترتّب أثر الدعاء ، وهو بذلك أشبه بالزارع الذي بذر بذراً فجعل يتعاهده ويرعاه ، فلمّا استبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله.

عن أبي بصير ، عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال :« لا يزال المؤمن بخير ورجاء رحمة من الله عزَّ وجل ما لم يستعجل فيقنط ويترك الدعاء » .

قلتُ : كيف يستعجل ؟

قالعليه‌السلام :يقول قد دعوت منذ كذا وكذا وما أرىٰ الاجابة » (٤) .

وعليه يجب علىٰ الداعي أن يفوّض أمره إلىٰ الله ، واثقاً بربه ، راضياً بقضائه سبحانه ، وأن يحمل تأخر الاجابة علىٰ المصلحة والخيرة التي

__________________________

(١) الكافي ٢ : ٣٥٢ / ٦.

(٢) الكافي ٢ : ٣٤٤ / ٢.

(٣) الكافي ٢ : ٣٤٤ / ١.

(٤) الكافي ٢ : ٣٥٥ / ٨.

٤٧

حباها إياه مولاه ، وأن يبسط يد الرجاء معاوداً الدعاء لما فيه من الأجر الكريم والثواب الجزيل.

جاء في وصية الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام لابنه الإمام الحسنعليه‌السلام :« فلا يقنطك إبطاء إجابته ، فإنّ العطية علىٰ قدر النية ، وربما أُخرت عنك الاجابة ليكون ذلك أعظم لأجر السائل ، وأجزل لعطاء الآمل ، وربما سألت الشيء فلا تؤتاه وأُوتيت خيرا منه عاجلاً أو آجلاً ، أو صرف عنك لما هو خير لك ، فلرب أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو أوتيته » (١) .

٢٣ ـ الالحاح بالدعاء :

وعلىٰ الداعي أن يواظب علىٰ الدعاء والمسألة في حال الإجابة وعدمها ؛ لأنّ ترك الدعاء مع الاجابة من الجفاء الذي ذمّه تعالىٰ في محكم كتابه بقوله :( وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ ) (٢) .

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام لرجل يعظه :« لا تكن ممن... إنّ أصابه بلاء دعا مضطراً ، وإن ناله رخاء أعرض مغتراً » (٣) .

أما في حال تأخر الاجابة فيجب معاودة الدعاء وملازمة المسألة ، لفضيلة الدعاء في كونه مخّ العبادة ، ولأنّه سلاح المؤمن الذي يقيه شر أعدائه من الشيطان وحب الدنيا وهوىٰ النفس والنفس الامارة ، ولربما كان تأخير الاجابة لمصالح لا يعلمها إلّا من يعلم السرّ وأخفىٰ ، فيكون

__________________________

(١) نهج البلاغة ، الكتاب (٣١).

(٢) سورة الزمر : ٣٩ / ٨.

(٣) نهج البلاغة ، الحكمة (١٥٠).

٤٨

الدعاء خيراً للعبد في الآجلة ، أو يدفع عنه بلاءً مقدراً لا يعلمه في العاجلة ، ولعلّ تأخير الاجابة لمنزلته عند الله سبحانه ، فهو يحب سماع صوته والاكثار من دعائه ، فعليه أن لا يترك ما يحبه الله سبحانه.

روي عن الإمام الباقرعليه‌السلام أنّه قال :« إنّ المؤمن يسأل الله عزَّ وجلّ حاجة فيؤخر عنه تعجيل اجابته حبّا لصوته واستماع نحيبه » (١) .

وعليه يجب الالحاح بالدعاء في جميع الأحوال ، ولما في ذلك من الرحمة والمغفرة واستجابة الدعوات.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :« رحم الله عبداً طلب من الله عزَّ وجلَّ حاجةً فألحّ في الدعاء ، استجيب له أو لم يستجب » (٢) .

وعن الإمام أبي جعفر الباقرعليه‌السلام أنّه قال :« والله لا يلحُّ عبد مؤمن علىٰ الله عزَّ وجلّ في حاجته إلّا قضاها له » (٣) .

وعن الإمام الصادقعليه‌السلام :« إنّ عزَّ وجلّ كره إلحاح الناس بعضهم علىٰ بعض في المسألة ، وأحبّ ذلك لنفسه ، إنّ الله عزَّ وجل يحبّ أن يُسأل ويُطلب ما عنده » (٤) .

٢٤ ـ التقدّم في الدعاء :

ومن آداب الدعاء أن يدعو العبد في الرخاء علىٰ نحو دعائه في

__________________________

(١) الكافي ٢ : ٣٥٤ / ١. وقرب الاسناد : ١٧١.

(٢) الكافي ٢ : ٣٤٥ / ٦.

(٣) الكافي ٢ : ٣٤٥ / ٣.

(٤) الكافي ٢ : ٣٤٥ / ٤.

٤٩

الشدة ، لما في ذلك من الثقة بالله والانقطاع إليه ، ولفضله في دفع البلاء واستجابة الدعاء عند الشدة.

قال الإمام الصادقعليه‌السلام :« من سرّه أن يستجاب له في الشدة ، فليكثر الدعاء في الرخاء » (١) .

وكان من دعاء الإمام السجادعليه‌السلام :« ولا تجعلني ممّن يبطره الرخاء ، ويصرعه البلاء ، فلا يدعوك إلّا عند حلول نازلة ، ولا يذكرك إلّا عند وقوع جائحة ، فيضرع لك خدّه ، وترفع بالمسألة إليك يده » (٢) .

٢٥ ـ التختم بالعقيق والفيروزج :

ويستحب في الدعاء لبس خاتم من عقيق أو من فيروزج ، لقول الإمام الصادقعليه‌السلام :« ما رفعت كفّ إلىٰ الله عزَّ وجل أحبُّ إليه من كفّ فيها عقيق » (٣) .

ولقولهعليه‌السلام :« قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قال الله عزَّ وجلّ : إنّي لأستحي من عبد يرفع يده وفيها خاتم فيروزج فأردّها خائبة » (٤) .

٢٦ ـ الآداب المتأخرة عن الدعاء :

وهناك جملة آداب متأخرة عن الدعاء ، أكدت عليها النصوص الإسلامية ، وفيما يلي أهمها :

__________________________

(١) الكافي ٢ : ٣٤٣ / ٤.

(٢) بحار الأنوار ٩٤ : ١٣٠.

(٣) عدة الداعي : ١٢٩.

(٤) بحار الأنوار ٩٣ : ٣٢١.

٥٠

أ ـ أن يقول الداعي ما شاء الله لا قوة إلّا بالله :

يستحب أن يقال بعد الدعاء : ( ما شاء الله ، لا قوة إلّا بالله ) وفي هذه الكلمة فضل عظيم لما تنطوي عليه من إقرار العبد بالمشيئة المطلقة وانقطاعه عن جميع الأسباب وتعلّقه بحول الله وقوته.

قال الإمام الصادقعليه‌السلام :« إذا دعا الرجل فقال بعدما دعا : ما شاء الله ، لا حول ولا قوة إلّا بالله ، قال الله عزَّ وجل : استبسل عبدي واستسلم لأمري ، اقضوا حاجته » (١) .

وعنهعليه‌السلام :« ما من رجل دعا فختم دعاءه بقول : ما شاء الله لا قوة إلّا بالله ، إلّا أُجيب صاحبه » (٢) .

ب ـ الصلاة علىٰ النبي وآله :

قال الإمام الصادقعليه‌السلام :« من كانت له إلىٰ الله عزَّ وجل حاجة فليبدأ بالصلاة علىٰ محمد وآله ، ثمّ يسأل حاجته ، ثمّ يختم بالصلاة علىٰ محمد وآل محمد ، فإنّ الله عزَّ وجل أكرم من أن يقبل الطرفين ويدع الوسط » (٣) .

جـ ـ مسح الوجه والرأس باليدين :

ومن الآداب المتأخرة عن الدعاء أن يمسح الداعي وجهه ورأسه بيديه.

قال الإمام الصادقعليه‌السلام :« ما أبرز عبد يده إلىٰ الله العزيز الجبار إلّا

__________________________

(١) الكافي ٢ : ٣٧٨ / ١.

(٢) أمالي الصدوق : ١٦٦ / ٦.

(٣) الكافي ٢ : ٣٥٨ / ١٦.

٥١

استحيا الله عزَّ وجل أن يردّها صفراً حتىٰ يجعل فيها من فضل رحمته ما يشاء ، فإذا دعا أحدكم فلا يردّ يده حتىٰ يمسح علىٰ وجهه ورأسه » (١) .

وفي دعائهمعليهم‌السلام :« ولم ترجع يد طالبة صفرا من عطائك ، ولا خائبة من نحل هباتك » (٢) .

د ـ ويستحب أن يقول الداعي في حال استجابة دعائه : الحمدُ الذي بعزته تتمّ الصالحات(٣) ، وأن يصلي صلاة الشكر(٤) ، وإذا أبطأت عليه الإجابة فليقل : الحمدُ لله علىٰ كلِّ حال ، وأن لا يسأم من الدعاء(٥) .

__________________________

(١) الكافي ٢ : ٣٤٢ / ٢. والفقيه ١ : ٢١٣ / ٩٥٣.

(٢) عدة الداعي : ٢١٠.

(٣) بحار الأنوار ٩٣ : ٣٧٠ / ٩.

(٤) بحار الأنوار ٩٥ : ٤٥١ ، وفيه تفصيل لصلاة الشكر وما يقال فيها من ثناء ودعاء.

(٥) بحار الأنوار ٩٣ : ٣٧٠ / ٩.

٥٢

الفصل الثالث

استجابة الدعاء

ليس ثمة لذة أعظم من لذة المؤمن وسعادته حينما يرىٰ آثار عمله وإيمانه المترتّبة في استجابة دعائه ، ذلك لأنّه يحسّ بأنّه موضع لطف بارئه تعالىٰ وعنايته ، وأنّه في ارتباط مباشر مع خالقه ، تلك سعادة ليس فوقها سعادة :« وأنلني حسن النظر في ما شكوت ، وأذقني حلاوة الصنع في ما سألت » (١) .

ولكي نعيش لحظات تلك البهجة ونذوق حلاوة السرور ، علينا أن نتعرف علىٰ العوامل المؤثرة في استجابة الدعاء ، فقد يظنّ البعض أنّ السر في استجابة الدعاء يكمن في لفظ الدعاء مجرداً عن باقي العوامل الاُخرىٰ ، فكثيراً ما نجد بعض الناس يتناقلن قطعاً من الدعاء المأثور التي هي مظنّة الاجابة أو نصّ علىٰ أنها تحتوي علىٰ اسم الله الأعظم ، لكنهم يدعون بها فلا يستجاب لهم ، ذلك لأنّهم يأخذون لفظ الدعاء مجرداً عن الشروط والآداب التي يجب أن تقارن الداعي فيستجاب دعاؤه.

الدعاء سلاح المؤمن وجنّته الواقية وسهام الليل التي يسدّدها كيفما

__________________________

(١) بحار الأنوار ٩٥ : ٢٣٠ / ٢٧ من دعاء الإمام أبي الحسن الهاديعليه‌السلام .

٥٣

يشاء ، والسلاح بضاربه لا بحدّه وحسب ، فإذا كان الفارس قوياً شجاعاً ويمتلك الجرأة والاقدام وكان سلاحه تاماً لا عيب فيه ، استطاع النكاية في العدو ، وإلّا فقد تخلّف الأثر ، وكذلك يحصل الأثر من الدعاء ، فإذا راعي الداعي الآداب والشروط التي نصّت عليها الآيات القرآنية والسُنّة المباركة ، والتزم بالعوامل المؤثرة في استجابة الدعاء ، وانقطع إلىٰ ربّه تعالىٰ متخلياً عن جميع الأسباب الاُخرىٰ ، غير معوّل في تحصيل المطلوب علىٰ غير الله تعالىٰ ، ثم دعا الله تعالىٰ بلسانٍ يقرأ ما في صحيفة القلب ، فإنّ دعاءه مستجاب بإذن الله.

العوامل المؤثرة في استجابة الدعاء :

فيما يلي نذكر أهم العوامل ذات الصلة في تحصيل أثر الدعاء :

١ ـ مراعاة الشروط والآداب الخاصة بالدعاء :

وقد ذكرناها في الفصل الثاني ، ونذكر هنا حديثا مهما عن الإمام الصادقعليه‌السلام يفيد التذكير بها.

عن عثمان بن عيسىٰ ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبدالله الصادقعليه‌السلام قال : قلت له : آيتان في كتاب الله لا أدري ما تأويلهما ؟

فقال : «وما هما ؟ قال: قلت: قوله تعالىٰ :( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) (١) ثم أدعو فلا أرىٰ الاجابة !

قال : فقال لي :أفترىٰ الله تعالىٰ أخلف وعده ؟ قال : قلت : لا.

__________________________

(١) سورة غافر : ٤٠ / ٦٠.

٥٤

قال :فمه ؟ قلت : لا أدري...

فقال :لكني أُخبرك إن شاء الله تعالىٰ ، أما إنّكم لو أطعتموه فيما أمركم به ثمّ دعوتموه لأجابكم ، ولكن تخالفونه وتعصونه فلا يجيبكم ، ولو دعوتموه من جهة الدعاء لأجابكم.

قال : قلت : وما جهة الدعاء ؟

قال :إذا أديت الفريضة مجّدت الله وعظّمته وتمدحه بكلّ ما تقدر عليه ، وتصلّي علىٰ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتجتهد في الصلاة عليه وتشهد له بتبليغ الرسالة ، وتصلّي علىٰ أئمة الهدىٰ عليهم‌السلام ، ثمّ تذكر بعد التحميد لله والثناء عليه والصلاة علىٰ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أبلاك وأولاك ، وتذكر نعمه عندك وعليك ، وما صنع بك فتحمده وتشكره علىٰ ذلك ، ثم تعترف بذنوبك ذنب ذنب وتقرّ بها أو بما ذكرت منها ، وتجمل ما خفي عليك منها ، فتتوب إلىٰ الله من جميع معاصيك وأنت تنوي ألّا تعود ، وتستغفر الله منها بندامة وصدق نية وخوف ورجاء ، ويكون من قولك : « اللهمّ إني أعتذر إليك من ذنوبي ، واستغفرك وأتوب إليك ، فأعنّي علىٰ طاعتك ، ووفقني لما أوجبت عليَّ من كلِّ ما يرضيك ، فانّي لم أرَ أحداً بلغ شيئاً من طاعتك إلّا بنعمتك عليه قبل طاعتك ، فأنعم عليَّ بنعمة أنال بها رضوانك والجنة » ثمّ تسأل بعد ذلك حاجتك ، فإنّي أرجو أن لا يخيّبك إن شاء الله تعالىٰ... (١) .

٢ ـ فقدان موانع الاجابة :

ومن الشروط المهمة التي يجب أن يراعيها الداعي ، هو إزالة الحجب

__________________________

(١) بحار الانوار ٩٣ : ٣٢٠.

٥٥

والموانع التي تحول دون صعود الدعاء ، كاقتراف المعاصي وأكل الحرام والظلم وعقوق الوالدين وغيرها من الذنوب التي تحبس الدعاء ، ولا يتهيأ للداعي معها الاقبال علىٰ ربِّه ، والاقبال هو الشرط الأساس في استجابة الدعاء ، يقول أمير المؤمنينعليه‌السلام :« خير الدعاء ما صدر عن صدر نقيّ وقلب تقيّ » (١) .

وفيما يلي أهم الموانع التي تحبس الدعاء :

أ ـ اقتراف الذنوب والمعاصي :

قال الإمام أبو جعفرعليه‌السلام :« إنّ العبد يسأل الله الحاجة فيكون من شأنه قضاؤها إلىٰ أجل قريب ، أو إلىٰ وقت بطيء ، فيذنب العبد ذنبا فيقول الله تبارك تعالىٰ للمك : لا تقض حاجته واحرمه إياها ، فإنّه تعرّض لسخطي ، واستوجب الحرمان مني » (٢) .

ومن دعاء أمير المؤمنينعليه‌السلام :« اللهمّ إنّي أعوذ بك من ذنبٍ يحبط العمل ، وأعوذ بك من ذنبٍ يعجّل النقم ، وأعوذ بك من ذنبٍ يمنع الدعاء » (٣) .

وعن الإمام زين العابدينعليه‌السلام :« والذنوب التي ترد الدعاء : سوء النية ، وخبث السريرة ، والنفاق ، وترك التصدق بالاجابة ، وتأخير الصلوات المفروضات حتىٰ تذهب أوقاتها ، وترك التقرّب إلىٰ الله عزَّ وجل بالبرّ __________________________

(١) الكافي ٢ : ٣٤٠ / ٢.

(٢) الكافي ٢ : ٢٠٨ / ١٤.

(٣) بحار الأنوار ٩٤ : ٩٣ / ٩.

٥٦

والصدقة ، واستعمال البذاء والفحش في القول » (١) .

ب ـ أكل الحرام :

ورد في الحديث القدسي :« فمنك الدعاء وعليَّ الإجابة ، فلا تُحجب عنّي دعوة إلّا دعوة آكل الحرام » (٢) .

وروي أنّه قال رجل لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا رسول الله أحبُّ أن يستجاب دعائي ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :« طهّر مأكلك ، ولا تدخل بطنك الحرام » (٣) .

وعن الإمام أبي عبداللهعليه‌السلام :« من سرّه أن تستجاب له دعوته ، فليطب مكسبه » (٤) .

جـ ـ عقوق الوالدين وقطيعة الرحم :

قال الإمام زين العابدينعليه‌السلام :« والذنوب التي تردُّ الدعاء وتظلم الهواء عقوق الوالدين » (٥) .

وعن الإمام أبي الحسن الرضاعليه‌السلام ، قال:« لاتملّ من الدعاء ، فإنّه من الله عزَّ وجلَّ بمكان، وعليك بالصبر وطلب الحلال وصلة الرحم » (٦) .

__________________________

(١) معاني الأخبار : ٢٧١.

(٢) بحار الأنوار ٩٣ : ٣٧٣.

(٣) عدة الداعي : ١٣٩.

(٤) الكافي ٢ : ٣٥٣ / ٩.

(٥) معاني الأخبار : ٢٧٠.

(٦) الكافي ٢ : ٣٥٤ / ١. وقرب الاسناد : ١٧١.

٥٧

٣ ـ ترصّد الأزمنة الخاصة :

لا بدّ للداعي أن يراعي اختيار الأوقات التي هي مظنّة الاجابة ، فمن تأمل النصوص الإسلامية يلاحظ أنّ الأوقات ليست كلّها سواء ، فمنها ما تفتح فيها أبواب السماء ولا يحجب فيها الدعاء ومنها ما تستنزل فيها الرحمة أكثر من غيرها ، وفيما يلي أهم الأوقات التي ترجىٰ فيها الاجابة :

أ ـ جوف الليل :

جعل الله تعالىٰ لساعات النصف الثاني من الليل من البركة والرحمة ما لم يجعله في الساعات الاُخرىٰ من الليل والنهار ، ففي هذا الوقت يستولي النوم علىٰ غالب الناس ، فيتمكن أولياء الله تعالىٰ من الاقبال عليه بالدعاء والذكر والانقطاع إليه بعيداً عن زحمة الحياة ومشاغلها ، فهذا الوقت إذن هو وقت الخلوة وفراغ القلب للعبادة والدعاء ، وهو يشتمل علىٰ مجاهدة النفس ومهاجرة الرقاد ومباعدة وثير المهاد والانقطاع إلىٰ الواحد الأحد.

عن نوف البكالي ـ في حديث ـ قال : رأيت أمير المؤمنينعليه‌السلام ذات ليلة وقد خرج من فراشه وقال لي :« يا نوف ، إنّ داود عليه‌السلام قام في مثل هذه الساعة من الليل فقال: إنّها ساعة لا يدعو فيها عبدٌ إلّا استُجيب له » (١) .

وعن الإمام الصادقعليه‌السلام ، قال :« كان فيما ناجىٰ به موسىٰ بن عمران عليه‌السلام أن قال له : يا بن عمران ، كذب من زعم أنّه يحبّني فإذا جنّه الليل نام عني ، أليس كلّ محبّ يحبّ خلوة حبيبه ؟ ها أنا يا بن عمران مطّلع علىٰ أحبّائي

__________________________

(١) نهج البلاغة ، الحكمة (١٠٤).

٥٨

إذا جنّهم الليل حوّلت أبصارهم في قلوبهم ، ومثلت عقوبتي بين أعينهم ، يخاطبوني عن المشاهدة ، ويكلموني عن الحضور.

يا بن عمران ، هب لي من قلبك الخشوع ، ومن بدنك الخضوع ، ومن عينيك الدموع ، وادعني في ظلم الليل ، فإنّك تجدني قريبا مجيباً »(١) .

وعن عبدة السابوري ، قال : قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : إنّ الناس يروون عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال :« إنّ في الليل لساعة لا يدعو فيها عبد مؤمن بدعوة إلّا استجيب له ؟ قال :نعم .

قلتُ : متىٰ هي ؟ قال :ما بين نصف الليل إلىٰ الثلث الباقي .

قلتُ : ليلة من الليالي أو كلّ ليلة ؟ فقال :كل ليلة (٢) .

وعن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال :« من قام من آخر الليل فتطهّر وصلّىٰ ركعتين وحمد الله وأثنىٰ عليه ، وصلّىٰ علىٰ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لم يسأل الله شيئاً إلّا أعطاه ، إمّا أن يعطيه الذي يسأله بعينه ، وإمّا أن يدّخر له ما هو خير له منه » (٣) .

ب ـ زوال الشمس :

عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال :« كان أبي إذا طلب الحاجة طلبها عند زوال الشمس ، فإذا أراد ذلك قدّم شيئاً فتصدق به ، وشمّ شيئاً من طيب ،

__________________________

(١) أمالي الصدوق : ٢٩٢ / ١.

(٢) التهذيب ٢ : ١١٨ / ٤٤٤. وأمالي الطوسي ١ : ١٤٨.

(٣) الكافي ٣ : ٤٦٨ / ٥.

٥٩

وراح إلىٰ المسجد ، ودعا في حاجته بما شاء الله » (١) .

وعنهعليه‌السلام قال :« إذا زالت الشمس فتحت أبواب السماء ، وأبواب الجنان ، وقضيت الحوائج العظام ، فقيل لهعليه‌السلام : من أي وقت ؟ قالعليه‌السلام :مقدار ما يصلي الرجل أربع ركعات مترسّلاً » (٢) .

جـ ـ الوتر والسحر وما بين طلوع الفجر إلىٰ طلوع الشمس :

روي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال :« خير وقت دعوتم الله عزَّ وجلّ فيه الأسحار ، وتلا هذه الآية في قول يعقوب عليه‌السلام : ( سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ) (٣) ، قال : أخّرهم إلىٰ السحر » (٤) .

وقال الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام :« أجيبوا داعي الله ، واطلبوا الرزق فيما بين طلوع الفجر إلىٰ طلوع الشمس ، فإنّه أسرع في طلب الرزق من الضرب في الأرض ، وهي الساعة التي يقسّم فيها الرزق بين عباده... توكّلوا علىٰ الله عند ركعتي الفجر إذا صليتموها ، ففيها تُعطوا الرغائب » (٥) .

وقال الإمام أبو جعفرعليه‌السلام :« إنّ الله عزَّ وجل يحبُّ من عباده المؤمنين كلّ دعاءٍ ، فعليكم بالدعاء في السحر إلىٰ طلوع الشمس ، فإنّها ساعة تفتح فيها أبواب السماء ، وتقسم فيها الأرزاق ، وتقضىٰ فيها الحوائج العظام » (٦) .

__________________________

(١) الكافي ٢ : ٣٤٧ / ٧.

(٢) عدة الداعي : ٥٤.

(٣) سورة يوسف : ١٢ / ٩٨.

(٤) الكافي ٢ : ٣٤٦ / ٦.

(٥) الخصال : ٦١٥.

(٦) الكافي ٦ : ٣٤٧ / ٩.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119