الحديقة الهلالية شرح دعاء الهلال من الصحيفة السجّاديّة

الحديقة الهلالية شرح دعاء الهلال من الصحيفة السجّاديّة30%

الحديقة الهلالية شرح دعاء الهلال من الصحيفة السجّاديّة مؤلف:
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
الصفحات: 199

الحديقة الهلالية شرح دعاء الهلال من الصحيفة السجّاديّة
  • البداية
  • السابق
  • 199 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 67825 / تحميل: 6298
الحجم الحجم الحجم
الحديقة الهلالية شرح دعاء الهلال من الصحيفة السجّاديّة

الحديقة الهلالية شرح دعاء الهلال من الصحيفة السجّاديّة

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

لا ، ماسمعته من منجم قط.

قال : « ما بين كلّ منهما إلى صاحبه ستون دقيقة ».

ثم قال : « يا عبد الرحمن هذا حساب إذا حسبه الرجل ووقع عليه علم القصبة التي في وسط الأجمة ، وعدد ما عن يمينها ، وعدد ما عن يسارها ، وعددما خلفها ، وعدد ما أمامها ، حتى لا يخفى عليه من قصب الأجمة واحدة(١) ».

إكمال :

ا لأمور التي يحكم بها المنجمون ، من الحوادث الاستقبالية ، اُصول بعضها مأخوذ من أصحاب الوحي سلام الله عليهم ، وبعض الاصول يدعون فيها التجربة ؛ وبعضها مبتنٍ على اُمور متشعبة لا تفي القوة البشرية بضبطها والإحاطة بها ، كما يؤمي إليه قول الصادقعليه‌السلام : « كثيره لا يدرك ، وقليله لاينتج »(٢) ، فلذلك وجد الاختلاف في كلامهم ، وتطرق الخطأ إلى بعض أحكامهم.

ومن اتفق له الجري على الأصول الصحيحة صح كلامه ، وصدّقت أحكامه لا محالة ، كما نطق به كلام الصادقعليه‌السلام في الرواية المذكورة قبيل هذا الفصل(٣) ، ولكن هذا أمر عزيز المنال ، لا يظفر به إلّا القليل ، والله الهادي إلى سواء السبيل.

ولابن سينا كلام في هذا الباب ، قال في فصل المبدأ والمعاد ، من إلهيات الشفاء : لو أمكن انساناً من الناس أن يعرف الحوادث التي في الأرض والسماء جميعا ، وطبائعها لفهم كيفية [جميع] ما يحدث في المستقبل.

وهذا المنجّم القائل بالأحكام ـ مع أن أوضاعه الأولى ، ومقدماته ، ليست مستندة(٤)

__________________

(١) الكافي( الروضة ) ٨ : ١٩٥ رقم ٢٣٣.

(٢) الكافي( الروضة ) ٨ : ١٩٥ حديث ٢٣٣ وفيه : « وقليله لا ينتفع ».

(٣) انظر صفحة ٥٩ هامش ٣.

(٤) في المصدر : تستند.

١٤١

إلى برهان ، بل عسى أن يدّعي فيها التجربة أو الوحي ، وربما حاول قياسات شعرية أوخطابية في إثباتها ـ فإنه إنما يعول على دلائل جنس واحد من أسباب الكائنات ، وهي التي في السماء ، على أنّه لا يضمن من عنده الإحاطة بجميع الأحوال التي في السماء ، ولو ضمن لنا ذلك ووفّى به لم يمكنه أن يجعلنا [ونفسه] بحيث تقف على وجود جميعها في كل وقت. وإن كان جميعها ـ من حيث فعله وطبعه ـ معلوماً عنده.

ثم قال في آخر كلامه : فليس لنا اذن إعتماد على أقوالهم ، وأن سلّمنا [متبرعين] أن جميع ما يعطونا من مقدماتهم الحكمية صادقة(١) .

خاتمة :

قد ألف السيد الجليل الطاهر ، ذو المناقب والمفاخر ، رضي الدين علي بن طاووس قدس الله روحه ، كتاباً ضخماً ، سماه « فرج الهموم في معرفة الحلال والحرام من علم النجوم »(٢) ، يتضمن الدلالة على كون النجوم علامات ودلالات على ما يحدث في هذا العالم ، وأنّ الأحاديث عن الأنبياء من لدن إدريس على نبينا وعليه السلام إلى عهد أئمتنا الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين ناطقة بذلك(٣) [٣٦ / ].

و ذكر أن إدريس أول من نظر في علم النجوم(٤) ، وأن نبوة موسىعليه‌السلام عُلمت بالنجوم(٥) .

ونقل أن نبوة نبينا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضاً مما علمه بعض المنجمين ،

________________________

(١) الشفاء ، قسم الاهيات ، المقالة العاشرة ، الفصل الأول : ٤٤٠. وما بين المعقوفات من المصدر.

(٢) ضبط المؤلفقدس‌سره الاسم هكذا : ( فرج المهموم في معرفة نهج الحلال من علم النجوم ) ، أنظر صحيفة : ٩ منه.

(٣) أنظر : الباب الثالث فيما نذكره من أخبار من قوله حُجة : ٨٥.

(٤) أنظر ، صحيفة : ٢١ ، ٢٢ ، منه.

(٥) راجع ، صحيفة : ٢٧ ، منه.

١٤٢

وصدّق به بالدلائل النجومية(١) .

وأنّ بعض أحوال مولانا وإمامنا صاحب الأمرعليه‌السلام مما أخبر به بعض المنجمين من اليهود بقم ، وذكر أنّ بعض أكابر قم واسمه أحمد بن إسحاق(٢) أحضر ذلك المنجم اليهودي وأراه زايجة طالع ولادة صاحب الأمرعليه‌السلام ، فلمّا أمعن النظر فيها قال : لا يكون مثل هذا المولود إلّا نبياً ، أو وصيّ نبيّ ، وأنّ النظر يدل على أنه يملك الدنيا شرقاً وغرباً وبراً وبحراً حتى لا يبقى على وجه الأرض أحد إلأ دان بدينه وقال بولايته(٣) .

وروى عطر الله مرقده في الكتاب المذكورعن يونس بن عبد الرحمن(٤) ، قال ، قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : أخبرني عن علم النجوم ما

________________________

(١) راجع ، صحيفة : ٢٩ ـ ٣٥ ، منه.

(٢) لعله أحمد بن إسحاق بن عبد الله بن سعد بن مالك الأحوص الأشعري أبو علي القمي ، ثقة عين جليل القدر ، شيخ القميين ووافدهم على الأئمةعليه‌السلام عدّ من أصحاب الإمام الجواد والهادي والعسكريعليه‌السلام ومن الاثبات الثقات السفراء الذين ترد عليهم التوقيعات عن الناحية المقدسة. ولم اجد ما ذكره السيد ابن طاووس عنه في شيء من كتب التراجم المشار اليها. له كتب منها علل الصلاة وعلل الصوم ومسائل الرجال وغيرها.

له ترجمة في : تنقيح المقال ١ : ٥٠ ت ٢٩٤ / رجال النجاشي : ٩١ ت ٢٢٥ / رجال الشيخ الطوسي : ٣٩٨ ت ١٣ ، ٤٢٧ ت ١ / الفهرست للشيخ : ٢٦ ت ٧٨ / الخلاصة ١٥ ت ٨ من القسم الأول / مجمع الرجال ١ : ٩٥ ـ ٩٧ / رجال ابن داود : ٣٦ ت ٥٩.

(٣) فرج المهموم : ٣٦ ـ ٣٧.

(٤) يونس بن عبد الرحمن ، أبو محمد ، مولى علي بن يقطين ، من أصحاب الإمام الكاظم والإمام الرضاعليهما‌السلام ، وثقه كل من ترجم له ، وصفه النديم بقوله : « علآمة زمانه ، كثير التصنيف والتاليف » ولم لا؟‍‍‍‍‍‍‍‍! وهو أحد وجوه الطائفة ، عظيم المنزلة. وكان الإمام الرضاعليه‌السلام يشير اليه في الفقه والفتيا ، منها قوله : ـ عندما سأله عبد العزيز القمي وكيلهعليه‌السلام عمن ياخذ معالم دينه ـ خذ عن يونس بن عبد الرحمن. مات سنة ٢٠٨ هـ = ٨٢٣ م.

ترجم له في : تنقيح المقال ٣ : ٣٣٨ ت ١٣٣٥٧ / جامع الرواة ٦ : ٢٩٣ الرجال للنجاشي : ٤٤٦ ت ١٢٠٨ / رجال بن داود : ٣٨٠ ت ١٧٠٨ الفهرست للطوسي : ١٨١ ت ٧٨٩ / مجمعالرجال ٦ : ٢٩٣ / الفهرست للنديم : ٢٧٦ / اختيار معرفة الرجال الأرقام : ٣٥٧ ، ٤٠١ ، ٤٧٧ ، ٤٧٩ ، ٥٠٣ ، والفهرست من ٣١٨ ـ ٣٢٢ / الخلاصة : ١٨٤ ت ١ / معجم رجال الحديث ٢٠ : ١٩٨ ت ١٣٨٣٤ / رجال الشيخ الطوسي : ٣٦٤ ت ١١ و ٣٩٤ ت ٢.

١٤٣

هو؟

قال : « علم من علم الأنبياء ».

قال « قلت : كان علي بن أبي طالب [عليه‌السلام ] يعلمه؟.

فقال : « كان أعلم الناس به »(١) .

و أورد قدس الله روحه أحاديث متكثرة من هذا القبيل طوينا الكشح عن ذكرها خوفاً من التطويل(٢) .

و ذكر طاب ثراه ما أورده السيد الجليل ، جمال العترة ، الرضيرضي‌الله‌عنه ، في نهج البلاغة من كلام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، للمنجم الذي نهاه عن المسير إلى النهروان(٣) (٤) ؛ ثم إنهرحمه‌الله أطنب في تضعيف تلك الرواية وتزييفها ، بالطعن في سندها [٣٧ / ] تارة ، وفي متنها اُخرى.

أمّا السند ، فقال : إن في طريقها عمر بن سعد بن أبي وقاص(٥) ،

________________________

(١) فرج المهموم : ٢.

(٢) فرج المهموم : ٨٥.

(٣) نهج البلاغة ١ : ١٢٤ خطبة رقم ٧٦ اولها : « أتزعم أنك تهدي ألى الساعة ».

(٤) النهروان : ـ بفتح النون وكسرها أغلب ـ ثلاثة مدن عليا ووسطى وسفلى ، بلدة واسعة تقع بين بغداد وواسط ، كانت بها وقعت لأمير المؤمينعليه‌السلام مع الخوارج مشهورة سنة ٣٧ ـ ٣٨ اثبت فيهاعليه‌السلام عدة اُمور غيبية ، منها موضوع ذو الثدية ، ومنها عدد ألقتلى منالفريقين ، ومنها موضع الخوراج عندما أخبره المخبر عن ارتحالهم ، وغير ذلك مما كان سبباً لوضوح الحق لجمع من الشاكين.

أنظر : معجم البلدان ٥ : ٣٢٥ / مراصد الإطلاع ٣ : ١٤٠٧ / الكامل في التاريخ ٣ : ١٦٩ و ١٧٥ / البداية والنهاية ٥ : ٣١٢.

(٥) عمر بن سعد بن أبي وقاص الزهري ، أبو حفص ، قاتل الإمام الحسينعليه‌السلام في وقعة كربلاء الشهيرة. قتله وأولاده المختار بن عبيدة الثقفيرحمه‌الله ، في وقعة الجارز قرب الموصل سنة ٦٦ ، ٦٧ وقيل ٦٥= ٦٨٤ ـ ٦٨٦.

إنظر : سيرأعلام النبلاء ٤ : ٣٤٩ ت ١٢٣ / الجرح والتعديل ٦ : ١١١ ت ٥٩٢ / مراة الجنان١ : ١٤١ / ميزان الإعتدال ٣ : ١٩٨ ت ٦١١٦ وغيرها كثير.

١٤٤

مقاتل(١) الحسينعليه‌السلام (٢) .

________________________

(١) كذا في الأصل المخطوط وبعض النسخ ألناقلة عن المصدر ، ولعله من باب انه لم يباشر القتل بيده وانما كان الآمر ، إذ الصحيح كما في المصدر « قاتل ».

(٢) الظاهر أن السيد ابن طاووس قدس الله سره يناقش سند الرواية ألتي روأها الشيخ ألصدوق فان سندهقدس‌سره في اماليه هكذا « حدثنا محمد بن علي ماجيلويه ، قال : حدثني عمي محمد بن أبي القاسم ، عن محمد بن علي القرشي ، عن نصر بن مزاحم ، عن عمر بن سعد ، عن يوسف بن يزيد ، عن عبدالله بن عوف بن أم الأحمر ، قال : « ».

فانه توهم أن عمر بن سعد هذا هو بن أبي وقاص وهذا منه عجيب لاُمور هي :

أولاً : أن عمر بن سعد بن أبي وقاص قتل سنة ٦٥ أو ٦٦ أو ٦٧ كما تقدم.

ثانياً : أن نصر بن مزاحم المنقري ألراوي عنه هو صاحب وقعة صفين.

ثالثاً : أن نصر هذا توفي سنة ٢١٢ هـ ويعد من أصحاب الإمام الباقر عليه السلام.

رابعاً : أن عمر بن سعد لم يكن معروفاً بروأيته للأخبار حتى أنه لم يرو عنه العامة في صحاحهم شيئاً إلا النسائي.

خامساً : عند مراجعة كتاب وقعة صفين نراه يشخصه هكذا « عمر بن سعد بن أبي ألصيد الأسدي » ويحيل عليه في باقي الموارد بقوله عن « عمر بن سعد » أو « عمرو » ولا بد أن يكون هو هذا لا ذاك.

سادساً : قال في تنقيح المقال في مقام الرد على النجاشي ما لفظه : « ولذا أعترض بعضهم على النجاشي في اطلاقه روايته عن الضعفاء بانه قد روى عن عمرو بن سعيد وزرارة الثقتين ».

اذن مما يمكن الجزم بان السيد ابن طاووس قد وهم في ذلك.

ثم إن كان في هذا السند خدشة فما بال الطرق الباقية والأسانيد الاُخرى فانه لدى التتبع وجدنا لها عدة طرق هي :

أ ـ رواية الشيخ الصدوق ، وهي التي وقعت مورد الكلام والبحث من قبل السيد ابن طاووس.

ب ـ رواية الإحتجاج ، رواها الشيخ الطوسي وفيها أن المنجم من أصحابه ، وهي نحو رواية الأمالى.

جـ ـ رواية الاحتجاج ، وهي مفصلة غير الاولى رواها بسنده إلى سعيد بن جبير.

د ـ رواية نهج البلاعة ، رواها ألسيد ألرضي قدس سره بسنده وفيها أن المنجم من أصحابه وهي نحو رواية الشيخ الصدوق وألاحتجاج الاولى.

هـ ـ رواية فرج المهموم ، روى السيد ابن طاووس هذه بسنده الى محمد بن جرير الطبري الى قيس بن سعد وهي رواية مفصلة وفيها اسئلة واجوبة

و ـ رواية فرج المهموم ، وهي الثانية رواها السيد بسنده الى الأصبغ بن نباته وهي قريبة من حيث اللفظ بالأولى.

١٤٥

و أما المتن ، فقال طاب ثراه : إني رأيت فيما وقفت عليه أنّ المنجم الذي قال لأمير المؤمنينعليه‌السلام هذه المقالة هو عفيف بن قيس(١) ، أخو الأشعث ابن قيس(٢) ، ولو كانت هذه الرواية صحيحة على ظاهرها لكان مولانا علي عليه

________________________

ز ـ رواية إبن الأثير ، حكى الواقعة إبن ألأثير في كامله من دون الإشارة الى تفصيلها.

هذا ونحن في مقام تعريف هذا الراوي وقفنا حيارى إذ هو تارة يرد « عمر بن سعد » ، واُخرى « عمرو بن سعد » ، وثالثة هما ولكن أبني « سعيد » ، ورابعة هو « عمر بن سعد بن أبي الصيد الأسدي » ، ومعه لم نتمكن من ترجمته ترجمة وافية.

نعم اشار الأستاذ عبد السلام هارون ألى ان له ترجمة في الميزان وذلك في هامش كتاب وقعة صفين : ٣. ولم نعرف الدليل الذي استند اليه في تطبيق المترجم في ميزان الإعتدال على المذكورفي وقعة صفين ، اللهم إلا لقول الذهبي « شيعي بغيض ».

ولدى مراجعة هذه الروايات وما كتب حول الواقعة نرى أيضاً أن ألمنجم تارة لم يصرح به ، وثانية : أنه من أصحابه ، وثالثة : أنه عفيف بن قيس أخ الأشعث بن قيس ، ورابعة : أنه دهقان من دهاقنة المدائن الفرس ، وخامسة : أن الدهقان هو سر سفيل ، وسادسه : أنّه سر سقيل بن سوار ، وسابعة : أنه مسافر بن عفيف ألأزدي. وثامنة : أنه عفيف ولكن في وقعة النخيلة مع أصحاب المستورد من بني سعد بعد وقعة النهروان.

ولزيادة الإطلاع انظر : الاحتجاج : ٢٣٩ ، ٢٤٠ / أمالي ألشيخ الصدوق : ٣٣٨ ت ١٦ من المجلس ٦٤ / الكامل في التاريخ ٣ : ١٧٣ والكامل في الادب ٢ : ١٩٣ / فرج ألمهموم : ٥٦ ، وغيرها / وبحار الأنوار٥٥ : ٢٦٦ ـ ٢٦٨ / منهاج البراعة ٥ : ٢٧٠ ، مصادر نهج البلاغة واسانيده ٢ : ٨١ ـ ٨٥.

(١) أجمع ، المؤرخون أنه ابن عم ألأشعث ، واخيه لأُمه ، روى عن النبي ، وعنه أبناه اياس ويحيى وقد اختلف أرباب التراجم في أنّه بن معدى كرب والذي وفد على ألنبي ، أو هو غيره ، ينقل عنه تمنيه أن لو كان أسلم يوم وفد فكان ثاني أمير المؤمنينعليه‌السلام وذلك في قصة مسطورة.له ترجمة في : تهذيب التهذيب ٧ : ٢١٠ رقم ٤٢٧ / الإصابة ٢ : ٤٨٧ / الجرح والتعديل ٧ : ٢٩ / الإستيعاب ٣ : ١٦٣ / اسد الغابة ٣ : ٤١٤.

(٢) الأشعث بن قيس بن معدي كرب بن معاوية الكندي ، أبو محمد ، قيل أسمه معدي كرب ، غلب عليه الأشعث لشعث رأسه ، له صحبة ، كان من قواد أمير المؤمنينعليه‌السلام يوم صفين ، تزوج أم فروة أخت أبي بكر ، روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعنه روى أبو وائل ، والشعبي ، وقيس بن أبي حازم ، وعبد الرحمن بن مسعود ، والسبيعي ، غلب عليه سوء العاقبة حتى اعان على قتل أمير المؤمنين. ونهيهعليه‌السلام من الصلاة في مسجده وقد عده الإمام الباقر من المساجد الملعونة مات سنة ٤٠ هـ = ٦٦٠ م.

له ترجمة في : سير اعلام النبلاء ٢ : ٣٧ رقم ٨ / تهذيب التهذيب ١ : ٣١٣ رقم ٦٥٣ / اإستيعاب ١ : ١٠٩ / أسد ألغابة ١ : ٩٧ / الإصابة ١ : ٥١ رقم ٢٥٥ / خلاصة تذهيب

١٤٦

السلام قد حكم في صاحبه هذا ـ الذي قد شهد مصنف نهج البلاغة أنّه من أصحابه أيضاً ـ بأحكام الكفار إما بكونه مرتداً عن الفطرة فيقتله في الحال ، أوبردّة عن غير الفطرة فيتوّبه ، أو يمتنع من التوبة فيقتله ، لأنّ الرواية قد تضمنت أنّ « المنجم كالكافر »(١) ، أو كان يجري عليه أحكام الكهنة أو السحرة ، لأنّ الرواية تضمنت أن « المنجم كالكاهن أو الساحر ».

وما عرفنا إلى وقتنا هذا أنّهعليه‌السلام حكم على هذا المنجم الذي هوصاحبه بأحكام الكفار ولا السحرة ، ولا الكهنة ، ولا أبعده ، ولا عزره ، بلقال : « سيروا على اسم الله » ، والمنجم من جملتهم لأنه صاحبه ، وهذا يدل على تباعد الرواية من صحة النقل ، أو يكون لها تأويل غيرظاهرها موافق للعقل.

ومما ينبه على بطلان ظاهر هذه الرواية قول الراوي فيها : إنّ من صدّقك فقد كذّب القرآن ، واستغنى عن الاستعانة بالله.

ونعلم أنّ الطلائع للحروب يدلّون على السلامة من هجوم الجيوش ، وكثيرمن النحوس ، ويبشرون بالسلامة ، وما لزم من ذلك أن نوليهم الحمد دون ربهم ، ومثال ذلك [٣٨ / أ] كثير فتكون لدلالات النجوم اُسوة بما ذكرناه من الدلالات على كل معلوم(٢) . هذا كلامه أعلى الله مقامه. فتأمل مبانيه بعين البصيرة ، وتناول معانيه بيد غير قصيرة ، والله الهادي.

* * *

________________________

الكمال : ٣٩ / تنقيح المقال ١ : ١٤٩ رقم ٩٧٤.

(١) نهج البلاغة ١ : ١٢٤ خطبة ٧٦. وكذا ما بعدها.

(٢) فرج المهموم : ٥٦ ـ ٥٩.

١٤٧

قال مولانا وإمامناعليه‌السلام :

« اللهم ، اجعلنا من أرضى من طلع عليه ، وأزكى من نظر إليه ، وأسعد من تعبد لك فيه ، ووفقنا فيه للتوبة ، واعصمنا فيه من الحَوْبة ، واحفظنا من مباشرة معصيتك ، وأوزعنا فيه شكر نعمتك ، وألبسنا فيه جنن العافية ، وأتمم علينا باستكمال طاعتك فيه المنة ، إنك المنان الحميد ، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين ».

أ صل « اللّهمّ » عند الخليل(١) وسيبويه(٢) يا الله ، فحذف حرف المندا ،

________________________

(١) الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي ، الأزدي ، اليحمدي ، ألأديب ألنحوي ، العروضي ، نسبة ألى علم العروض الذي اخترعه ، سأل يوماً عن ما يقوله في أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقال : ما أقول في حق أمرىء كتمت مناقبه أوليائه خوفاً ، واعدائه حسداً ، ثم ظهرمن بين الكمتين ما ملأ الخافقين. وسأل أيضاً ما ألدليل على أن علياً إمام الكل في الكل؟ فقال : أحتياج ألكل إليه ، واستغنائه عن كل ، كان من كبار أصحابنا المجتهدين ، وفضله وعلمه أشهرمن أن يذكر ، شيخ الناس في علوم الأدب ، والبلاغة ، زهده وقناعته مشهوران ، له العين في اللغة وكفى ، ومعاني الحروف ، وتفسير حروف اللغة ، وكتاب العروض ، وغيرها.

مات سنة ١٧٠ هـ =٧٨٦ م.

له ترجمة في : تنقيح المقال ١ : ٤٠٢ / م ٣٧٦٩ / الخلاصة : ٦٧ ت ١٠ رجال ابن داود : ١٤١ت ٥٦٤ / اعيان الشيعة ٦ : ٣٣٧ / تأسيس الشيعة : ١٥٠ ، ١٧٨ / سير أعلام النبلاء ٧ : ٤٢٩ت ١٦١ / الفهرست للنديم : ٤٨ / طبقات القراء ١ : ٢٧٥ ت ١٢٤٢ / خلاصة تذهيب الكمال : ١٠٦ / البداية والنهاية ١٠ : ١٦١ / الجرح والتعديل ٣ : ٣٨٠ ت ١٧٣٤ الأنساب : ٤٢١ ، ب / شذرات ألذهب ١ : ٢٧٥ / روضات الجنات ٣ : ٢٨٩ ت ٢٩٤.

(٢) سيبويه ، عمرو بن عثمان بن قنبر أبو بشر ، أصله من فارس ، نشأ في البصرة ، أخذ العربية عن جمع من فطاحلها الى أن عدّ من أبناء بجدتها ، بل أصبح علامة الدنيا فيها ، أمثال الخليل ،

١٤٨

وعوض عنه الميم المشددة(١) .

وقال ، الفرّاء(٢) وأتباعه : أصلها يا الله أُمّنا بالخير ، فخففت بالحذف لكثرة الدوران على الألسن ،(٣) .

واُورد عليه : أنّه لو كان كذلك لقيل في نحو اللّهمّ اغفر لنا ، اللهم واغفرلنا بالعطف ، كما يقال : اُمنا بالخير واغفر لنا ، ورفضهم ذلك رأساً بحيث لم

________________________

ويونس ، والأخفش ، وعيسى ، وغيرهم له : الكتاب وكفى به ، حتى أنه أصبح يهدى ( اهداه الجاحظ الى محمد بن عبد الملك ) ، وقال في حقه ـ الجاحظ ـ : إن جميع كتب الناس عيال عليه مات سنة ١٨٠ هـ = ٧٩٦ م وقيل غيرذلك.

له ترجمة في : تاريخ بغداد ١٢ : ١٩٥ ت ٦٦٥٨ / بغية الوعاة ٢ : ٢٢٩ ت ١٨٦٣ / وفيات الأعيان ٣ : ٤٦٣ ت ٥٠٤ / البداية والنهاية ١٠ : ١٧٦ شذرات الذهب ١ : ٢٥٢ / الفهرست للنديم : ٥٧ / معجم الأدباء ١٦ : ١١٤ ت ١٣ سير أعلام النبلاء ٨ : ٣٥١ ت ٩٧ / روضات الجنات ٥ : ٣١٩ / ٥٣١ / الكامل ٥ : ١٤٢ / انباه الرواة ٢ : ٤٣٦ رقم ٥١٥ / مرآة الجنان ١ : ٤٤٥.

(١) لرأي سيبويه أنظر : الكتاب ١ : ٣٦١ ، باب ما ينصب على المدح والتعظيم وفيه حكى قول الخليل / ولسان العرب ١٣ : ٤٧٠ / تاج العروس ٩ : ٣٧٤ / مادة « اله » فيهما.

(٢) الفراء يحيى بن زياد الأقطع الديلمي النحوي ، أبو زكريا. إمام أهل اللغة من الكوفيين وأعلمهم بالنحو والأدب. له في الفقه والكلام وكذا النجوم والطب يد تذكر ، قال ثعلب : لولا الفرّاء لماكانت عربية ولسقطت.

له مؤلفات كثيرة أملاها كلها حفظاً ، منها : معاني القرآن ، المذكر والمؤنث ، اللغات ، ألفاخر ، مشكل اللغة.

والأقطع عرف به أبوه زياد ؛ لقطع يده في معركة فخ حيث شهدها مع الحسين بن علي بن الحسن المثلّث ، وكان من الشيعة الإمامية ، وكان الفرّاء يظهر الاعتزال مستتراً به.

أخذ عن أبي بكر بن عياش ، والكسائي ، ومحمد بن حفص. وروى القراءة عن عاصم وإبنالجهم ، مات سنة ٢٠٧ هـ = ٨٢٣ م.

له ترجمة في : هدية الأحباب : ٢٣٠ / وفيات الأعيان ٦ : ١٧٦ ت ٨٩٨ / روضات الجنّات ٨ : ٢٠٩ ت ٧٥١ / البداية والنهاية ١٠ : ٢٦١ / رياض ألعلماء ٥ : ٣٤٧ / معجم الأدباء ٢٠ : ٩ ت ٢ / تذكرة الحفّاظ ١ : ٣٧٢ ت ٣٦٨ / غاية النهاية ٢ : ٣٧١ ت ٣٨٤٢ / تهذيب التهذيب١١ : ١٨٦ت ٣٥٤ / تاريخ بغداد ١٤ : ١٤٩ ت ٧٤٦٧ / شذرات الذهب ٢ : ١٩ / تأسيس الشيعة : ٦٩ ، ٣٢١ / سير أعلام النبلاء ١٠ : ١١٨ت ١٢.

(٣) اُنظر معاني القرآن ١ : ٢٠٣.

١٤٩

يسمع منهم أصلاً يدل على أنّ الأصل خلافه.

وقد يذبّ عنها بأنها لما خففت صارت كالكلمة الواحدة ، فلم يعامل ما يدل على الطلب ـ أعني لفظة « اُمّ » ـ معاملة الجملة ، بل جعلت بمنزلة دال زيد مثلاً ، فلم يعطف عليها شيء كما لا يعطف على جزء الكلمة الواحدة [٣٨ / ب].

« والطلوع » : يمكن أن يراد به الخروج من تحت الشعاع ، وأن يراد به ظهوره للحس كما هو الظاهر ، وكذلك يمكن أن يراد به الطلوع الخاص في هذه الليلة ، وأن يراد به الطلوع في الزمان الماضي مطلقاً.

و كذلك قولهعليه‌السلام : « وأزكى من نظر إليه » وتزكية النفس تطهيرها عن الرذائل والأدناس ، وجعلها متصفة بما يُعدها لسعادة الدارين ، وفلاحالنشأتين.

« والعبادة » أقس الذل والخضوع ، ولذلك لا تليق إلا لله.

« والتوبة » لغة : الرجوع(١) ، وتضاف إلى العبد ، وإلى الرب تعالى ، ومعناها على الأول : الرجوع عن المعصية إلى الطاعة ، وعلى الثاني : الرجوع عن العقوبة إلى العفو والرحمة.

وفي الاصطلاح : الندم على الذنب ، لكونه ذنباً.

وقد تقدم الكلام فيما يتعلق بها من المباحث ، في الحديقة الحادية والثلاثين(٢) في شرح دعائهعليه‌السلام في طلب التوبة.

وقد أوردنا فيها أيضاً كلاماً مبسوطاً في شرح الأربعين حديثاً(٣) الذي ألفناه

________________________

(١) الصحاح ١ : ٩١ / القاموس : ٧٩ ، مادة « توب » فيهما.

(٢) أنظر صحيفة ١٣١ هامش ١.

(٣) الأربعين : ٢٣٢ ، عند شرحه للحديث الثامن والثلاثون الذي رواه بسنده عن الإمام الصادقعليه‌السلام عن رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قال :

مَن تاب قبل موته بسنة قبل الله توبته.

ثم قال : إن السنة لكثير ،

١٥٠

بعون الله تعالى.

تتمة :

لعل المراد من العصمة في قولهعليه‌السلام : « واعصمنا فيه من الحوبة » ، معناها اللّغوي ، أي الحفظ عن السوء ، فإن ارادة معناها الاصطلاحي المذكور في الكلام ـ أعني لطف يفعله الله بالمكلّف ، بحيث لا يكون له معه داع إلى فعل المعصية مع قدرته عليها ـ لا يساعد عليه قولهعليه‌السلام « من الحوبة » ، لأنّ العصمة بهذا المعنى لم يعهد [٣٩ / ] تعديتها بلفظة من.

« والحوبة » ـ بفتح الحاء المهملة والباء الموحدة ـ : الخطيئة.

و « الإيزاع » : الإلهام ، والمشهور في تعريفه أنه إلقاء الخبر في القلب مندون استفاضة فكرية ، وينتقض طرده بالقضايا البديهية ، وعكسه بالانشائيات بعامة التصورات ، ولو قيل : إنّه إلقاء المعنى النظري في القلب من دون استفاضة فكرية لكان أحسن ، مع أن فيه ما فيه.

و المراد بايقاع « الشكر » في القلب ليس الشكر الجناني فقط بل ما يعم الأنواع الثلاثة ، والغرض صرف القلب إلى أداء الشكر اللساني والجناني والأركاني بأجمعها.

و قد تقدم الكلام في الشكر مبسوطاً في الحديقة التحميدية ـ وهي شرح الدعاء الأول من هذا الكتاب الشريف ، الذي أرجو من الله سبحانه التوفيق لإكماله ـ وذكرنا هناك نبذة من مباحث الحمد والشكر ، وما قيل من الطرفين في

________________________

من تاب قبل موته بشهر قبل الله توبته.

ثم قال : إن الشهر لكثير ،

من تاب قبل موته بجمعة قل الله توبته.

ثم قال : إن الجمعة لكثير ،

من تاب قبل موته بيوم قبل الله توبته.

ثم قال : إن يوما لكثير ،

من تاب قبأ ، أن يعاين قبل الله توبته.

١٥١

وجوب شكر المنعم عقلاً وسمعاً ، وما سنح لنا من الكلام في دفع شبه القائلين بانحصار وجوبه في السمع ، وبيان فساد معارضتهم خوف العقاب على ترك الشكر بخوف العقاب على فعله(١) .

و « الجنن » بضم الجيم وفتح النون : جمع جُنّة ـ بالضم ـ وهي الستر.

و « العافية » دفع الله سبحانه عن العبد ما هو شرّ له ، ويستعمل في الصحة البدنية والنفسية معاً ، وقد تقدم الكلام فيها في الحديقة الثالثة والعشرين وهي شرح دعائهعليه‌السلام في طلب العافية(٢) .

تبصرة :

الضمائر الراجعة إليه سبحانه من أول هذا الدعاء إلى هنا بأجمعها ضمائرغيبة ، ثم إنّهعليه‌السلام عدل عن ذلك الأسلوب وجعلها من هنا إلى آخر الدعاء ضمائر خطاب ، ففي كلامهعليه‌السلام التفات من الغيبة إلى الخطاب.

ولا يخفي أن بعض اللطائف والنكت التي أوردها المفسرون فيما يختص بالالتفات في سورة الفاتحة يمكن جريانه هنا(٣) .

وأنا قد تفردت ـ بعون الله وحسن توفيقه ـ باستنباط نكت لطيفة في ذلك الالتفات ، مما لم يسبقني إليها سابق ، وقد أوردت جملة منها فيما علّقته من الحواشي على تفسير البيضاوي(٤) ، وشرذمة منها في تفسيري الموسوم بالعروة الوثقى(٥) ، وبعض تلك النكت يمكن اجراؤها فيما نحن فيه ، فعليك بمراجعتها ، وملاحظة ما يناسب المقام منها.

________________________

(١) و (٢) انظر صحيفة : ١٥٠ هامش : ٢.

(٣) على نحو المثال أنظر : انوار التنزيل ١ : ٣١ / الكشاف ١ : ١٣ / الفخر الرازي ١ : ٢٥٣. وما يتعلق من التفاسير في الآية ٥ من سورة الفاتحة.

(٤) المطبوع على الحجر في هامش التفسير أنظر صحيفة : ٢ منه.

(٥) المعروة الوثقى : ٣٣ ، ضمن الحبل المتين ، وعدّ فيه نحواً من ١٤ نكتة.

١٥٢

والضمائر المجرورة في قولهعليه‌السلام : « وأسعد من تعبد لك فيه » إلى آخر الدعاء راجعة إلى الهلال بمعنى الشهر ، وليس كذلك المرفوع في طلع عليه ، والمجرور في نظر إليه ، ففي الكلام استخدام من قبيل قول البحتري(١) [٤٠ / ] :

فسقى الغضا والساكنيه وإن هم

شبّوه بين جوانحي وضلوعي(٢)

ولعلّه لا يقدح في تحقق الاستخدام كون إطلاق الهلال على الشهر مجازاً لتصريح بعض المحققين من أهل الفن بعدم الفرق بين كون المعنيين في الاستخدام حقيقيين أو مجازيين أو مختلفين ، وأن قصره بعضهم على الحقيقيين ، على أن كون الاطلاق المذكور مجازاً محل كلام.

وتعبيرهعليه‌السلام عن اقتراف المعصية بالمباشرة استعارة مصرّحة ، فإن حقيقة المباشرة إلصاق البشرة بالبشرة.

والاضافة في « جنن العافية » من قبيل لجين الماء ، ويجوز جعله استعارة بالكناية مع الترشيح.

________________________

(١) أبو عبادة البحتري ، الوليد بن عتبة وقيل عبيد الطائي ، شاعر كبير ، أحد أشعر أبناء زمانه وهم : المتنبي ، وأبو تمام ، والبحتري ، ولد في منبج بالقرب من حلب رحل الى العراق زمن المتوكل العباسي له ديوان شعر مطبوع يوصف شعره لسلاسته وقوته بسلاسل الذهب والحماسة ـ. مات سنة ٢٤٨ هـ = ٨٩٨ م.

له ترجمة في : هدية الأحباب : ١١٧ / وفيات الاعيان ٦ : ٢١ رقم ٧٧٠ / تاريخ بغداد ١٣ : ٤٧٦ رقم ٧٣٢١ / دائرة المعارف الإسلامية ٣ : ٣٦٥ / الاعلام ٨ : ١٢١ / معجم الادباء ١٩ : ٢٤٨ / ٩٣ / مرآة الجنان ٢ : ٢٠٢ / الاغاني ٢١ : ٣٧ / شذرات الذهب ٢ : ١٨٦. وغيرهاكثير.

(٢) الديوان ١ : ١٧٠ من قصيدة يمدح فيها ابن نيبخت وفيه :

فسقى الغضا والنازليه وان هم

شبوه بين جوانح وقلوب

وانظر معاهد التنصيص ٢ : ٢٦٩ ت ١٢٣ وجامع الشواهد ٢ : ١٦٩

استشهد به كل من صاحب المطول والمختصر في بحث الاستخدام من علم البديع باعتبار كلمة ( الغضا وان لها معنيان )

١٥٣

خاتمة :

اسم التفضيل في قولهعليه‌السلام : « اللّهم اجعلنا من أرضى من طلع عليه » ، كما يجوز أنْ يكون للفاعل على ما هو القياس ، يجوز أن يكون للمفعول أيضاً ، كما في نحو : أعذر ، وأشهر ، وأشغل ، أي اجعلنا من أعظم المرضيين عندك.

فإن قلت : مجيء اسم التفضيل بمعنى المفعول غير قياسيّ ، بل هومقصورعلى السماع.

قلت : لمّا وقع في كلامهعليه‌السلام كفى ذلك في تجويز هذا الاحتمال ، ولا يحتاج فيه إلى السماع من غيره قطعاً ، فإنهعليه‌السلام أفصح العرب في زمانه.

هذا ، وفي كلام بعض أصحاب القلوب ، أنّ علامة رضى الله سبحانه عن العبد رضا العبد بقضائه تعالى ، وهذا يشعر بنوع من اللزوم بين الأمرين.

ولو اُريد باسم التفضيل هنا ما يشملهما ، من قبيل استعمال المشترك في معنييه معاً لم يكن فيه كثير بعد ، ومثله في كلام البلغاء غير قليل [٤١ / أ].

وتعدية الرضاء بالقضاء ، على بقية المطالب التسعة ـ التي ختم بهاعليه‌السلام هذا الدعاء ـ للاعتناء به ، والاهتمام بشأنه ، فإنّ الرضا بالقضاء من أجلّ المقامات ، وَمَنْ حازه فقد حاز أكمل السعادات ، وصحت منه دعوى المحبة ، التي بها يرتقي إلى أرفع الدرجات ، ولم يتشعب خاطره بورود الحادثات ، واعتوار المصيبات ، ولم يزل مطمئنّ البال ، منشرح الصدر ، متفرغ القلب للاشتغال بمايعنيه من الطاعات والعبادات ، ومن لم يرض القضاء دخل في وعيد « من لم يرض بقضائي »(١) الحديث.

________________________

(١) الظاهر انه اشارة للحديث الشريف الذي رواه الشيخ الصدوققدس‌سره بسنده الى الإمام علي بن موسى الرضاعليهما‌السلام عن آبائه عن جده امير المؤمنين قال : « سمعت رسول الله

١٥٤

ومع ذلك لا يزال محزوناً مهموماً ، ملازماً للتلهف والتأسف ، على أنّه لمكان كذا؟ ولِمَ لا يكون كذا؟ ، فلا يستقر خاطره أصلاً ، ولا يتفرغ لما يَعنيه أبداً.

ونعم ما قال بعض العارفين : « إنّ حسرتك على الأمور الفانية ، وتدبيرك للأمور الاتية قد أذهبا بركة ساعتك التي أنت فيها ».

* * *

________________________

صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : ( من لم يرض بقضائي ولم يؤمن بقدري فليلتمس إلهاً غيري ). وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ( في كل قضاء الله خيرة المؤمن ) ».

انظر : عيون اخبار الرضا ١ : ١٤١ ت ٤٢ / التوحيد : ٣٧١ ت ١١ / وعنهما في البحار ٦٨ : ١٣٨ ت ٢٥ / دعوات الراوندي : ١٦٩ رقم ٤٧١ / وعنه في البحار ٧٩ : ١٣٢ ت ١٦ / وهكذاكنز العمال ١ : ١٠٦ ت ٤٨٢ ، ٤٨٣ ، عن الطبراني في معجمه الكبير والبيهقي في شعب الايمان / والجامع الصغير ٢ : ٦٤٦ ت ٩٠٢٧ / فيض القدير ٦ : ٢٢٤ ت ٩٠٢٧.

١٥٥

اللّهمّ اجعلنا من الراضين بقضائك ، والصابرين علي بلائك ، والشاكرين لنعمائك ، واجعل ما أوردناه في هذه الأوراق خالصاً لوجهك الكريم ، وتقبلهمنا ، إنّك ذوالفضل العظيم.

تم تأليف الحديقة الهلالية ، من كتاب حدائق الصالحين ، ويتلوها بعون الله الحديقة الصومية ، وهي شرح دعائهعليه‌السلام عند دخول شهر رمضان.

و اتفق الفراغ منها في الجانب الغربي من دار السلام بغداد ، بالمشهد المقدّس المطهر الكاظمي ، على من حلّ فيه من الصلوات أفضلها ، ومن التسليمات أكملها ، في أوائل جمادى الآخر ، سنة ألف وثلاث من الهجرة ، وكان افتتاح تأليفها بمحروسة قزوين ، حرست عن كيد المفسدين.

وكتب : مؤلف الكتاب ، الفقير إلى الله الغني ، بهاء الدين محمد العاملي ، جعل الله خير يومه غده ، ورزقه من العيش أرغده ، [٤١ / ب].

* * *

وصلّى الله على محمد وآله الأطهار

وآخر دعواهم أن الحمدلله ربّ العالمين.

١٥٦

الفهارس الفنّية

١ ـ فهرس الآيات

٢ ـ فهرس الحديث القدسي

٣ ـ فهرس الأحاديث

٤ ـ فهرس الأدعية

٥ ـ فهرس الأشعار

٦ ـ فهرس المفردات اللغوية

٧ ـ فهرس الهوامش

٨ ـ فهرس المصادر التي اعتمدها المؤلف

٩ ـ فهرس الأعلام

١٠ ـ فهرس مصادر الترجمة

١١ ـ فهرس مصادر التحقيق

١٢ ـ المسرد العام

١٥٧
١٥٨

فهرست

الآيات القرآني ة

ألم تر أنَّ الله أنزل من السماء ماءً فتصبح الأرض مخضرة

ألم نجعل الأرض مهاداً

إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن

أو اطرحوه أرضاً

جعل الشمس ضياءاً

ربنا ما خلقت هذا باطلاً

الذي جعل لكم الأرض فراشاً

فالمدّبرات أمراً

فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت

فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم

له الملك وله الحمد

وإلى الأرض كيف سطحت

واذكر في الكتاب ادريس

والشمس والقمر كل في فلك يسبحون

والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم

وان من شيء إلّا يسبح بحمده

وسخر لكم الشمس والقمر

وعلى أبصارهم غشاوة

يسألونك على الأهله

يوم لا ينفع ما ولا بنون

١٢٧

٧٩

٩٩

١٢٧

٩٦

١٣٧

٧٨

٨٦ ـ ٩٠

١٢٧

٩٩

١٠٠

٧٩

١٠٦

٨٣ ـ ٩١

٨٤ ـ ٨٥

٩٣

٨١

٩٩

٦٦

١٣٤

فهرست الحديث القدسي

من لم يرض بقضائي

١٥٤

١٥٩

فهرست

الأحاديث

اتدري كم بين الزهرة والقمر؟

أتدري كم بين المشتري والزهرة؟

الاحسان أن تعبد الله كأنّك تراه

اذا رأيت هلال شهر رمضان

اذا رأيت الهال فلا تبرح

افتدري كم بن السكينة واللوح المحفوظ؟

أفتدري كم بين الشمس والسكينة؟

تبصرون في شيء منها كثيره

إنّ النبي ( ص ) بات ليلة عند بعض نسائه فانكسف القمر

إنّي لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة

ربي عصيتك بلساني ولو شئت وعزتك لاخرستني

علم من علم الانبياء

قد أحيا عقله وأمات نفسه

كان رسول الله اذا أهلّ شهر رمضان استقبل القبلة

كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ رأى اهلال قال

كان ـ علي بن أبي طالب ـ أعلم الناس به

ليس كما يقولون ، لا تضر بدينك

ما بين كلّ منهما إلى صاحبه ستون رقيقة

من استوى يوماه فهو مغبون

من تزوج في محاق الشهر

من سافر أو تزوج والقمر في العقرب

ويحك هذا الحادث في السماء

يا عبد الرحمن هذا حساب إذا حسبه الرجل ووقع عليه

الامام علي

الإمام الصادق

النبي الأكرم

الامام الصادق

الامام الصادق

الإمام الصادق

الإمام الصادق

الإمام الصادق

الإمام الباقر

النببي الأكرم

الإمام الكاظم

الإمام الصادق

الإمام علي

الإمام الباقر

الإمام أمير المؤمنين

الإمام الصادق

الإمام الصادق

الإمام الصادق

الإمام علي

الإمام الكاظم

الإمام الصادق

النبي الأكرم

الإمام الصادق

١٤٠

١٤٠

١٣٣

٧٥

٧١

١٤٠

١٤٠

١٤٠

١٣٨

١٣٠

١٣٠

١٤٤

١٣٥

٧٤

٧٢

١٤٤

١٤٠

١٤١

١٢٨

١٣٨

١٣٨

١٣٩

١٤١

١٦٠

عن مظاهر معاوية الزائفة، ليبرز حينئذٍ هو وسائر أبطال (الأمويّة) كما هُم جاهليّين، لم تخفق صدورهم بروح الإسلام لحظة، ثأريّين لم تُنسِهم مواهب الإسلام ومراحمه شيئاً من أحقادِ بدرٍ وأُحد والأحزاب.

وبالجملة فإنّ هذه الخطّة ثورةٌ عاصفة في سلمٍ لم يكن منه بُد، أملاه ظرفُ الحسن، إذ التبس فيه الحقّ بالباطل، وتسنّى للطغيان فيه سيطرةٌ مسلّحةٌ ضارية.

وما كان الحسن ببادئ هذه الخطّة ولا بخاتمها، بل أخذها فيما أخذه من إرثه، وتركها مع ما تركه من ميراثه، فهو كغيره من أئمّة هذا البيت، يسترشد الرسالة في إقدامه وفي إحجامه، امتُحن بهذهِ الخطّة فرضَخ لها صابراً محتسباً وخرجَ منها ظافراً طاهراً، لم تُنجّسه الجاهليّة بأنجاسها، ولم تُلبسه من مُدلهمّات ثيابها.

أخذ هذه الخطّة من صلح (الحديبيّة) فيما أثَر من سياسة جدّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وله فيه أسوةٌ حسنة، إذ أنكر عليه بعضُ الخاصّة مِن أصحابه كما أنكر على الحسن صُلح (ساباط) بعض الخاصّة من أوليائه، فلم يهن بذلك عزمه، ولا ضاق به ذرعه.

تهيّأ للحسن بهذا الصلح أنْ يَغرس في طريق معاوية كميناً من نفسه، يثور عليه من حيث لا يشعر فيُرديه، وتسنّى له به أْن يلغم نصر الأمويّة ببارود الأمويّة نفسها، فيجعل نصرها جفاء، وريحا هباء.

لم يطل الوقت حتّى انفجرت أُولى القنابل المغروسة في شروط الصلح، انفجرت من نفس معاوية يوم نشوته بنصره، إذ انضم جيش العراق إلى لوائه في النخيلة، فقال - وقد قام خطيباً فيهم -:( يا أهل العراق، إنّي والله لم أُقاتلكم لتصلّوا ولا لتصوموا، ولا لتزكّوا، ولا لتحجّوا، وإنّما قاتلتكم لأتأمّر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك وانتم كارهون.

ألا وأنّ كلّ شيء أعطيته للحسن بن عليّ جعلته تحتَ قدمَيَّ هاتين!) .

فلمّا تمّت له البيعة خطب فذكر عليّاً فنال منه، ونال من الحسن، فقام الحسين

١٦١

ليردّ عليه، فقال له الحسن:(على رسلك يا أخي) .

ثمّ قال (عليه السلام) فقال:(أيها الذاكر عليّاً! أنا الحسنُ وأبي عليّ، وأنتَ معاوية وأبوك صخر، وأُمّي فاطمة وأُمّك هند، وجدّي رسولُ الله وجدّك عتبة، وجدّتي خديجة وجدّتك فتيلة، فلعنَ الله أخملنا ذكراً وألأَمَنا حسباً، وشرّنا قديماً، وأقدمنا كفراً ونفاقاً!).

فقالت طوائف من أهل المسجد: (آمين).

ثمً تتابعت سياسة معاوية، تتفجّر بكلّ ما يُخالف الكتاب والسنة مِن كلّ منكرٍ في الإسلام، قتلاً للأبرار، وهتكاً للأعراض، وسلباً للأموال، وسجناً للأحرار، وتشريداً للمصلحين، وتأييداً للمفسدين الذين جعلهم وزراء دولته، كابن العاص، وابن شعبة، وابن سعيد، وابن ارطاة، وابن جندب، وابن السمط، وابن الحكَم، وابن مرجانة، وابن عقبة، وابن سميّة الذي نفاه عن أبيه الشرعي عبيد، وألحقه بالمسافح أبيه أبي سفيان ليجعله بذلك أخاه، يسلّطه على الشيعة في العراق، يسومهم سوء العذاب، يذبّح أبناءهم، ويستَحيي نساءهم، ويفرّقهم عباديد، تحت كلّ كوكب، ويحرق بيوتهم، ويصطفي أموالهم، لا يألو جهداً في ظلمهم بكلّ طريق.

ختم معاوية منكراته هذه بحمل خليعه المهتوك على رقاب المسلمين، يعيث في دينهم ودنياهم، فكان من خليعه ما كان يوم الطف، ويوم الحرّة، ويوم مكّة إذ نصب عليها العرادات والمجانيق!.

هذه خاتمة أعمال معاوية، وإنّها لتلائم كلّ الملاءمة فاتحة أعماله القاتمة.

ومهما يكن من أمر، فالمهم أنّ الحوادث جاءت تفسيرَ خطّة الحسن وتجلوها، وكان أهمّ ما يرمي إليه سلام الله عليه، أنْ يرفع اللثام عن هؤلاء الطغاة، ليحوّل بينهم وبين ما يبيتون لرسالة جدّه من الكيد.

وقد تمّ له كلّ ما أراد، حتّى برح الخفاء، وآذن أمر الأمويّة بالجلاء.

١٦٢

وبهذا استتب لصنوه سيّد الشهداء أنْ يثور ثورته التي أوضح الله بها الكتاب، وجعله فيها عبرة لأولي الألباب.

وقد كانا (عليهما السلام) وجهين لرسالة واحدة، كلّ وجه منهما في موضعه منها، وفي زمانه من مراحلها، يكافئ الآخر في النهوض بأعبائها ويوازنه بالتضحية في سبيلها.

فالحسن لم يبخل بنفسه، ولم يكن الحسين أسخى منه بها في سبيل الله، وإنّما صان نفسه، ويجنّدها في جهادٍ صامت، فلمّا حان الوقت كانت شهادة كربلاء شهادة حسنيّة، قبل أنْ تكون حسينيّة.

وكانا (عليهما السلام) كأنّهما متّفقان على تصميم الخطّة: أنْ يكون للحسن منها دورَ الصابر الحكيم، وللحسين دور الثائر الكريم، لتتألّف من الدورين خطّة كاملة ذاتَ غرضٍ واحد.

وقد وقف الناس - بعد حادثتَي ساباط والطف - يمعنون في الأحداث فيَرَون في هؤلاء الأمويّين عصبةً جاهليّةً منكرة، بحيث لو مثّلت العصبيّات الجلفة النذلة الظلُوم لم تكن غيرهم، بل تكون دونهم في الخطر على الإسلام وأهله.

نعم أدرك الرأي العام بفضل الحسن والحسين وحكمة تدبيرهما، كلّ خافيةٍ من أمر (الأمويّة) وأُمور مسدّدي سهمها على نحوٍ واضح.

أدرك - فيما يتّصل بالأمويّين - أنّ العلاقة بينهم وبين الإسلام إنّما هي علاقة عِداءٍ مُستحكَم، ضرورة أنّه إذا كان المُلك هو ما تَهدِف إليه الأمويّة، فقد بلغه معاوية، وأتاحه له الحسن، فما بالها تلاحقه بالسمّ وأنواع الظلم والهضم، وتتقصّى الأحرار الأبرار من أوليائه لتستأصل شأفتهم وتقتلع بذرتهم؟!..

وإذا كان المُلك وحده هو ما تهدف إليه الأمويّة، فقد أُزيح الحسين من الطريق، وتمّ ليزيد ما يُريد، فما بالها لا تكفّ ولا ترعوي، وإنّما تُسرف أقسى ما

١٦٣

يكون الإسراف والإجحاف في حركةٍ من حركات الإفناء على نمطٍ من الاستهتار، لا يُعهد في تاريخ الجزّارين والبرابرة!!..)(١) .

ثانياً: ردّ سيرة الرسول محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومعطياتها إلى أُصول نصرانيّة أو يهوديّة: فقد كتب المُستشرق(درمنغهام) في ذلك قائلاً: (إنّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في إحدى الرحلات إلى الشام، التقى بالراهب بُحيرى في جوار مدينة بُصرى، وإنّ الراهب رأى فيه علامات النبوّة على ما تدلّه عليه أنباء الكُتب الدينيّة. وفي الشام عرفَ محمّد أخبار الروم ونصرانيّتهم وكتابهم، ومناوأة الفرس من عبّاد النار لهم وانتظار الوقيعة بهم).

ويستطرد درمنغهام في محاولته لإثبات تأثير النصرانيّة على سيرة الرسول محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فيقول: (... لم تكن المضاربات الجدليّة لتصرفه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن التأثر بغير الحوادث ودروسها، وحوادثٌ أليمةٌ - كَوفاة أبنائه - جديرةٌ بأنْ تستوقف تفكيرهُ، وأنْ تصرفه كلّ واحدةٍ منها إلى ما كانت خديجة تتقرّب به إلى أصنام الكعبة، وتنحر لهُبَل واللات والعزّى ومناة الثالثة الأُخرى، تريد أنْ تفتدي نفسها من ألم الثكل، فلا يفيد القربان ولا تجدي النحور...

لا ريب إنْ كانت عبادة الأصنام قد بدأت تتزعزع في النفوس، تحت ضغط النصرانيّة الآتية من الشام مُنحدرةً إليها من الروم، ومن اليمن، متخطّية إليها من خليج العرب (البحر الاحمر من بلاد الحبشة). ويستمرّ درمنغهام في نظريّته لتنصير سيرة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في قومه فيقول: (... فلمّا كانت سنة ٦١٠م أو نحوها كانت الحالة النفسيّة التي يُعانيها محمّد على أشدّها، فقد أبهظت عاتقهُ العقيدة بأنّ أمراً جوهريّاً ينقصهُ وينقص قومه، وأنّ الناس نَسوا هذا الأمر الجوهري، وتشبّث كلٌ بصنم قومهِ وقبيلته، وخشيَ الناس الجنّ

____________________

(١) لمزيد من التفصيل في أسرار صلح الإمام الحسن (عليه السلام) راجع: آل ياسين، الإمام الشيخ راضي - صلح الحسن (عليه السلام).

١٦٤

والأشباح والبوارح، وأهملوا الحقيقة العليا، ولعلّهم لم ينكروها، ولكنّهم نسوها نسياناً هو موت الروح... ولقد عرف أنّ المسيحيّين في الشام ومكّة لهم دين أُوحيَ به (!) وأنّ أقواماً غيرهم نزلت عليهم كلمة الله، وأنّهم عرفوا الحقّ ووَعَوه أنْ جاءهم علم من أنبيّاء أُوحي إليهم به، وكلّما ضلّ الناس بعثت السماء إليهم نبيّاً يهديهم إلى الصراط المستقيم، ويذكرهم بالحقيقة الخالدة.

وهذا الدين الذي جاء بهِ الأنبياء في كلّ الأزمان دين واحد، فكلّما أفسده الناس جاءهم رسول من السماء يقوّم عوجهم، وقد كان الشعب العربي يومئذٍ في أشدّ تيهاء الضلال، أما آن لرحمة الله أنْ تظهر فيهم مرّة أُخرى وأنْ تهديهم إلى الحق؟)(١) .

ويتحدّث عن هذا التزوير للحقائق التاريخيّة الأُستاذ جواد عليّ قائلاً:( إنّ معظم المستشرقين النصارى هُم مِن طبقة رجال الدين، أو ممّن تخرّج من كليّات اللاهوت، وهُم عندما يتطرّقون إلى الموضوعات الحسّاسة من الإسلام يُحاولون جهد إمكانهم ردّها إلى أصل نصراني. وطائفة المستشرقين من اليهود يُجهدون أنفسهم لردّ كل ما هو إسلامي وعربي لأصلٍ يهودي، وكلتا الطائفتين في هذا الباب تبع لسلطان العواطف والأهواء)(٢) .

وفي كتابٍ آخر عمل مستشرق وهو قسّيس انجليكاني على عقد عدّة مقارنات ليظهر إن الإسلام كان حقّاً صورة غير محكمة أو مشوهة للنصرانيّة(٣) .

ثالثاً: اعتماد منهج كيفي مناقض للمنهج العلمي في تناول السيرة الشريفة للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته (عليهم السلام): وإلى ذلك أشار الدكتور جواد عليّ من أنْ (كيناني)

____________________

(١) درمنغهام، أميل - (حياة محمّد) عن رشيد رضا، محمّد (الوحي المحمّدي) ص١٠٠ - ص١٠٨.

(٢) علي، جواد - (تاريخ العرب في الإسلام) - الجزء الأوّل (السيرة النبويّة) ص٩ - ١١.

(٣) د. خليل، عماد الدين - (المستشرقون والسيرة النبويّة) - مجلّة منار الإسلام العدد ٧.

١٦٥

وهو من كِبار المستشرقين الأوائل الذين كتبوا عن حياة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، كان يعتمد منهجاً معكوساً في البحث يذكّرنا بكثير من المختصّين الجُدد في حقل التاريخ الإسلامي، والذين يعملون وفْق منهج خاطئ من أساسه، إذ أنّهم يتبنّون فكرة مُسبقة ثمّ يجيئون إلى وقائع التاريخ لكي يستلّوا منها ما يؤيّد فكرتهم ويستبعدوا ما دون ذلك، فلقد كان (كيناني) ذا رأيٍ وفكرة، وضع رأيه وكونه في السيرة قبل الشروع في تدوينها.

فلمّا شرع فيها استعان بكلّ خبر من الأخبار ظفر به، ضعيفها وقويّها، وتمسّك بها كلّها ولا سيما ما يُلائم رأيه. لم يُبال بالخبر الضعيف، بل قوّاه وسنده وعدّه حجّة وبنى حكمه عليه، ومَن يدري فلعلّه كان يعلم بسلاسل الكذِب المشهورة والمعروفة عند العلماء، ولكنّه عفا عنها وغضَّ نظره عن أقوال أولئك العلماء فيها؛ لأنّه صاحب فكرة يريد إثباتها بأيّة طريقةٍ كانت، وكيف يتمكّن من إثباتها وإظهارها وتدوينها، إذا ترك تلك الروايات وعالجها معالجةَ نقدٍ وجرحٍ وتعديل على أساليب البحث الحديث؟)(١) .

وأشار أيضاً(ايتين القيم) إلى بعض الآراء حول هذا المنهج قائلاً: (لقد أصاب الدكتور سنوك هرمزونية بقوله:

(إنّ سيرة محمّد الحديثة تدلّ على أنّ البحوث التاريخيّة مقضيٌّ عليها بالعقم، إذا سُخّرت لأيّه نظريّةٍ أو رأيٍ سابق). هذه حقيقة يَجمل بمستشرقيّ العصر جميعاً أنْ يضعوها نصب أعينِهم، فإنّها تشفيهم من داء الأحكام السابقة، التي تكلّفهم من الجهود ما يُجاوز حدّ الطاقة فيصلون إلى نتائج لا شكّ خاطئة، فقد يحتاجون في تأييد رأيٍ من الآراء إلى هدم بعض الأخبار وليس هذا بالأمر الهيّن، ثمّ إلى بناء أخبار تقوم مقام ما هدموا، وهذا أمرٌ لا ريب مستحيل.

إنّ العالم في القرن العشرين يحتاج إلى معرفة كثير من العوامل

____________________

(١) علي، جواد - (تاريخ العرب في الإسلام) - الجزء الأوّل (السيرة النبويّة) ص٩٥.

١٦٦

الجوهريّة، كالزمن والبيئة والإقليم والعادات والحاجات والمطامع والميول إلى آخره، لا سيّما إدراك تلك القُوى الباطنة، التي لا تقع تحت مقاييس المعقول والتي يعمل بتأثيرها الأفراد والجماعات)(١) .

وهناك المئات من مفردات المنهج الكيفي والتفسير على ضوء المسبقات والخلفيّات الخاصّة للنصوص التاريخيّة، في العديد من مؤلّفات وكتابات المستشرقين خصوصاً الأوائل منهم، فمثلاً (بروكلمان)(٢) ، لا يشير إلى دور اليهود في تأليب الأحزاب على المدينة ولا إلى نقض بني قريظة عهدها مع الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، في أشدّ ساعات محنته، لكنّه يقول: (ثمّ هاجم المسلمون بني قريظة الذين كان سلوكهم غامضاً على كلّ حال)(٣) ... أمّا (إسرائيل ولفنسون) فيتغاضى عن حادثة نعيم بن مسعود في معركة الخندق، كسببٍ في انعدام الثقة بين المشركين واليهود.

رابعاً: تصوير مواقف الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من اليهود وقبائل العرب الجاهليّة، على أنّها ظلمٌ وتعسّف. ومن أمثلة ذلك ما أشار إليه المستشرق (اسرائيل ولفنسون) بصدد مهاجمة يهود بني النضير، حيث إنّه لا يقرّ بما قاله مؤرّخو الإسلام، من أنّ سبب إعلان الحرب على يهود بني النضير هو محاولتهم اغتيال الرسول محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فيقول: (... لكنّ المستشرقين ينكرون صحّة هذه الرواية ويستدلّون على كذِبها بعدم وجود ذكر لها في سورة الحشر التي نزلت بعد إجلاء بني النضير. والذي يظهر

____________________

(١) القيم، ايتين - (الشرق كما يراه الغرب) - المقدّمة ص٤٣ - ٤٤.

(٢) بروكلمان، كارل ( pockelmann ١٨٦٨ - ١٩٥٦م): مستشرق ألماني يُعتبر أحد أبرز المستشرقين في العصر الحديث. أشهر آثاره: (تاريخ الأدب العربي) في خمسة مجلّدات (١٨٩٨ - ١٩٤٢م)، و(تاريخ الشعوب والدول الإسلاميّة)(عام ١٩٣٩م)، وقد نقلهُ إلى العربيّة نبيّه أمين فارس ومنير البعلبكّي / عن البعلبكّي، منير - موسوعة المورد - المجلّد الثاني ص١٢٠.

(٣) بروكلمان، كارل - (تاريخ الشعوب الإسلامية) ص٥٣ - ٥٤.

١٦٧

لكلّ ذي عينين أنّ بني النضير لم يكونوا ينوون الغدر بالنبيّ واغتياله على مثل هذه الصورة؛ لأنّهم كانوا يخشون عاقبة فعلهم من أنصاره، ولو أنّهم كانوا ينوون اغتياله غدراً لما كانت هناك ضرورة لإلقاء الصخرة عليه من فوق الحائط، كان في استطاعتهم أنْ يفاجئوه وهو يُحادثهم إذ لم يكن معه غير قليلٍ من أصحابه)(١) .

أمّا المستشرق(فلهاوزن) فيقول:( لم يبقَ الإسلام على تسامحه بعد بدر، بل شرَع في الأخذ بسياسة الإرهاب في داخل المدينة، وكانت إثارة مشكلة المنافقين علامة على ذلك التحوّل... أمّا اليهود فقد حاول أنْ يُظهرهم بمظهر المعتدين الناكثين للعهد، وفي غضون سنوات قليلة أخرج كلّ الجماعات اليهوديّة أو قضى عليها في الواحات المحيطة بالمدينة، حيث كانوا يكوّنون جماعات متماسكة كالقبائل العربيّة، وقد التمس لذلك أسباباً واهية...) (٢) .

ويتعاطف المستشرق(مرجليوث) مع اليهود، ويرى أنّ اقتحام خيبر محضَ ظلمٍ نزل باليهود لا مبرّر له على الإطلاق(٣) .. ويُؤاخذ المستشرق(نولدكه) القبائل العربيّة، على عدم تحالفهم الدقيق في مواجهة الرسول محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ويتمنّى (لو أنّ القبائل العربيّة استطاعت أنْ تعقد بينها محالفات عربيّة دقيقة ضدّ محمّد؛ للدفاع عن طقوسهم وشعائرهم الدينيّة، والذود عن استقلالهم، إذن لأصبح جهادَ محمّد جندهَم غير مجدٍ، إلاّ أنّ عجم العربي عن أنْ يجمع شتات القبائل المتفرّقة قد سمح له أنْ يخضعهم لدينه، القبيلة تلو الأُخرى، وأنْ ينتصر عليهم بكلّ وسيلة، فتارةً بالقوّة وتارةً بالمحالفات الوديّة والوسائل السلميّة)(٤) .

____________________

(١) ولفنسون، إسرائيل - (تاريخ اليهود في بلاد العرب) - ص١٣٠ - ١٣٧.

(٢) فلهاوزن، يوليوس - (الدولة العربيّة وسقوطها) - ص١٥ - ١٦.

(٣) الدكتور خليل، عماد الدين - (المستشرقون والسيرة النبويّة) مجلّة منار الإسلام - العدد ٧.

(٤) نولدكه، ثيودور - (تاريخ العالم للمؤرّخين) الجزء ٨ - ص١١.

١٦٨

خامساً: تصوير سيرة النبيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على أنّها نتاج بيئته: يقول المستشرق(جب):

( إنّ محمّداً ككلّ شخصيّة مُبدعة، قد تأثّرت بضرورات الظروف الخارجيّة عنه المحيطة به، من جهة أُخرى قد شقّ طريقاً جديداً بين الأفكار والعقائد السائدة في زمانه، والدائرة في المكان الذي نشأ فيه... وقليل ما هو معروف - على سبيل التأكيد - عن حياته وظروفه المبكّرة... ولكن الشيء الذي يصحّ أنْ يُبحث ماضيه الاجتماعي....

لقد كان أحد سكان (مدينة) غير رئيسيّة، وليس هناك ما يصحّ أنْ يصوّره بأكثر من أنّه (بدوي)، شارك في الفكرة والنظرة في الحياة التي كانت للبدو الرُحّل من الناس، و(مكّة) في ذات الوقت لم تكن خلاءً بعيداً عن صخب العالم، وعن حركته في التعامل، بل كانت مدينة ذات ثروة اقتصاديّة، ولها حركة دائبة كمركز للتوزيع التجاري بين المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسّط.

و(سكّانها) مع احتفاظهم بطابع البساطة العربيّة الأوليّة في سلوكهم ومنشآتهم، اكتسبوا معارفَ واسعةً بالإنسان والمدن، عن طريق تبادلهم الاقتصادي والسياسي مع العرب الرحل، ومع الرسميّين من رجال الإمبراطوريّة الرومانيّة، وهذه التجارب قد كوّنت في زعماء مكّة ملَكات عقليّة، وضروباً من الفطنة وضبط النفس لم تكن موجودةً عند كثير من العرب.

ثمّ إنّ (السيادة الروحيّة) التي اكتسبها المكّيون من قديم الزمان على العرب الرحّل، زادت قوّةً ونموّاً بفضل الإشراف على عدد من (المقدّسات الدينيّة) التي وجِدت داخل مكّة وبالقرب منها، وانطباع هذا الماضي الممتاز لـ (مكّة)، يمكن أنْ نقف على أثره واضحاً في كلّ ادوار حياة محمّد...

وبتعبيرٍ إنساني: إنّ محمّداً نجح لأنّه كان واحداً من المكّيّين!... ولكن بجانب هذا الازدهار في(مكة)، كانت هناك ناحية أُخرى مظلمة خلّفتها تلك الشرور المعروفة لجماعة اقتصاديّة ثريّة، فيها فجوات واسعة من الغنى والفقر! هذه الناحية، هي ناحية الإجرام الإنساني الذي تمثّل في الأرقّاء

١٦٩

والخدَم وفي الحواجز الاجتماعيّة... وواضح من دعوة محمّد الصارخة إلى مكافحة الظلم الاجتماعي، أنّ هذه الناحية كانت سبباً من الأسباب العميقة لثورته الداخليّة (النفسيّة)) !(١)

ويستطرد (جب) في محاولته لإثبات أنّ الاتّجاه الديني للرسول محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وسعْيه لإنشاء حكومة دينيّة وجماعة دينيّة، إنّما كان بتأثير الطابع القدسي الديني لمكّة وزعامتها الدينيّة لباقبي المدن العربيّة الأُخرى، وارتباط وضعها الاقتصادي بهذه الزعامة الدينيّة، الذي أدّى إلى وقوع الصراع بينهم وبين الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من أجل ذلك، فيقول (جب): (ولكن نواة هذه الثورة النفسيّة لم تظهر في صورة (إصلاح اجتماعي)، بل بدلاً من ذلك دفعته إلى (اتجاه ديني) أعلنه في اعتقادٍ ثابت لا يتأرجح: بأنّه رسولٌ من الله، لينذر أتباعه بإنذار الرسُل الساميّين القديم: توبوا، فجزاء الله حق!!. وكل ما وُجِد بعد ذلك كان نتيجةً منتظرة للتصادم بين هذا الاعتقاد (بأنّه رسول) وبين الكفر به، ومعارضته من فريقٍ بعد فريق....

وهناك حقيقة واحدة مؤكّدة (في تاريخه) وهي: أنّ الدافع له كان (دينيّاً) على الإطلاق، فمن بدء حياته كداعٍ كانت نظرته إلى الأشخاص والأحداث وحكمه عليها نظرة تأثر فيها، بما عنده من صورة عن الحكومة الدينيّة وأغراضها في عالم الإنسان!!.. ومحمّد في البداية، لم يكن نفسه على علمٍ بأنّه صاحب دعوةٍ إلى دين جديد! بل كانت معارضة المكّيّين له، وخصومتهم له من مرحلةٍ إلى أُخرى، هي التي قادته أخيراً وهو بالمدينة - بعد أنّ هاجر إليها - إلى إعلان الإسلام كجماعة دينيّة جديدة، بإيمانها الخاص، وبمنشآتها الخاصّة.

ويبدو أنّ معارضة المكّيّين له لم تكن محافظتهم وتمسّكهم بالقديم، أو

____________________

(١) جب، (المذهب المحمّدي) ص٤٧.

١٧٠

بسبب عدم رغبتهم في الإيمان، بل ترجع أكثر ما ترجع إلى أسباب سياسيّة واقتصاديّة، لقد تملّكهم الخوف من آثار دعوته، التي تؤثّر على ازدهارهم الاقتصادي وبالأخص تلك الآثار التي يجوز أنْ تلحق ضرراً بالقيمة الاقتصاديّة لمقدّساتهم... وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ المكيّين قد تصوّروا - أسرع ممّا تصوّر محمّدٌ نفسه - أنّ قبولهم لتعاليمه ربّما يُمهّد لنوعٍ معقّد من السلطة السياسيّة داخل جماعتهم، التي كانت تحكمها فئة قليلة حتّى ذلك الوقت)(١) .

سادساًَ: يقول الدكتور(رشدي فكار): إنّ محاولة المستشرقين تحقيق مخطّطاتهم بالنفاذ من باب السيرة النبويّة، والتعامل معها كتراث بشري دنيوي، لا كمعتبِر لوحي السماء. وقد قام المستشرق (جولد صيهر) بدور رئيس في التشكيك بصدق السنة النبويّة، حيث ادّعى هو وغيره أنّها جُمِعت بعد وفاة النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بوقتٍ طويل، وهذا يفقدها الكثير من مصداقيّتها، بل راح إلى أبعد من ذلك، فادّعى أنّ الحديث النبوي هو نتيجة لتطوّر المسلمين.

أمّا المستشرق(الفريد غيوم) في كتابه (الحديث في الإسلام) والمستشرق(تريثون) في كتابه (الإسلام عقيدة وعمل)، فقد حاول كل منهما الطعن في طرق جمع السنة المطهرة، زاعمين أنّ السنة النبويّة الصحيحة لم يُكتب لها البقاء؛ لأنّها لم تدوّن، بل كانت تُتناقل شفاهةً بين الأفراد لمدّة قرنين من الزمان(٢) .

ويشير المستشرق(درمنغهام) إلى هذه الادّعاءات، ويذكر لنا نمطاً آخر منها فيقول: (من المؤسف حقّاً أنْ غالى بعض هؤلاء المتخصّصين - من أمثال (موبر) و(مرجليوث) و(نولدكه) و(سبرنجر) و(دوزي) و(كيتاني) و(مارسين) و(غريم) و(جولد صيهر) و(غود فروا) وغيرهم - في النقد أحيانا، فلم تزل كتبهم عاملَ هدمٍ على الخصوص، ومن المُحزن

____________________

(١) جب، (المذهب المحمّدي) - ص٢٧ - ٢٩.

(٢) الجندي، أنور - (أبرز أهداف المستشرقين) - مجلّة منار الإسلام - العدد ٨ السنة ١٤.

١٧١

ألاّ تزال النتائج التي انتهى إليها المستشرقون سلبيّةً ناقصة...

ومن دواعي الأسف أنْ كان الأب(لامانس)، الذي هو من أشهر المستشرقين المعاصرين من أشدّهم تعصّباً، وأنّه شوّه كتبه الرائعة الدقيقة وأفسدها بكرهه للإسلام ونبيّ الإسلام، فعند هذا العالِم اليسوعي أنّ الحديث إذا وافق القرآن كان منقولاً عن القرآن، فلا أدري كيف يُمكن تأليف التاريخ، إذا اقتضى تطابق الدليلين تهادمهما بحكم الضرورة، بدلاً من أنْ يؤيّد أحدهما الأخر؟)(١) .

والأكثر غرابة هو موقف بعض المستشرقين من القرآن كمصدر أساسي من مصادر السيرة النبويّة، فهم ينفون الكثير من وقائع السيرة إذا لم تكن واردة في القرآن الكريم، وهم بعبارةٍ أُخرى، يريدون أنْ يُوهموا بهذه الحجّة أنّ عمليّة انتقائهم المغرضة لبعض وقائع السيرة، وترك البعض الأخر - بهدف هدم هذه السيرة ونفيها - لم يكن جزافاً، بل كان على أساس الاتّكاء على المصدر الفيصل لدى المسلمين، في بيان حقائق دينهم ونبيّهم.

ومن الأمثلة على ذلك ما يدّعيه المستشرق(شبنغلر) (٢) من أنّ اسم النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ورد في أربع سوِر من القرآن هي آل عمران والأحزاب ومحمّد والفتح، وكلّها سوِر مدنيّة، ومِن ثمّ فإنّ لفظة(محمّد) لم تكن اسم علَم للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قبل الهجرة، وإنّما اتّخذه بتأثير قراءته للإنجيل واتّصاله بالنصارى(٣) ، ومن الأمثلة أيضاً ما أشار إليه المستشرق(إسرائيل

____________________

(١) درمنغهام، إميل - (حياة محمّد) - المقدّمة ص٨، ١٠ - ١١.

(٢) شبنغلر، (أوزوولد Spengler Oswald ١٨٨٠ - ١٩٣٦م): فيلسوف ألماني قال بأنّ الحضارات تولد وتنضج ثمّ تموت كالكائنات الحيّة سَواء بسواء، وأنّ الحضارة الغربيّة المعاصرة هي في طريقها إلى الموت، وبأنّ حضارة أُخرى جديدة من آسيا سوف تحلّ محلّها، أهمّ آثاره: (انحطاط الغرب) وهو يقع في مجلّدين.

عن البعلبكّي، منير - موسوعة المورد م٩ ص١٠١.

(٣) علي، جواد. (تاريخ العرب في الإسلام) الجزء الأول ص٧٨ وهوامشها، ويمكننا أنْ ننقض على (شبنغلر) هذا فنسأله: إذا كان النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد التقط اسم محمّد من خلال قراءته لنبوءات الإنجيل، = فأين إذن (محمّد) الحقيقي الذي بُشر به في كتب النصارى؟

١٧٢

ولفنسون) - الذي مرّ ذكره - بصدد مهاجمة يهود بني النضير، من أنّ مؤرّخي المسلمين يذكرون سبباً آخر لإعلان الحرب على هذه الطائفة اليهوديّة، ذلك هو محاولتهم اغتيال الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

ويدّعي(ولفنسون) أنّ المستشرقين يقولون بغير ذلك فيقول: (لكنّ المستشرقين ينكرون صحّة هذه الرواية ويستدلّون على كذبها بعدم وجودِ ذكرٍ لها في سورة الحشر، التي نزلت بعد إجلاء بني النضير)(١) .

ويُعتبر ما ذكره(مونتغمري وات) - بصدد تثبيت الشبهات وتكريس الشكوك حول معطيات السيرة النبويّة، ومصداقيّتها القدسيّة، على أساس الدليل والحجّة القاطعة - قناعاً يقنع به ذلك المنهج الاعتباطي المُغرض؛ لأنّه هو نفسه لم يلتزم بما قاله، وكشف من خلال كتاباته زيف ادّعائه وحقيقة منهجه الكيفي، ممّا يجعلنا نتحفّظ من قوله: (إذا أردنا أنْ نصحّح الأغلاط المكتسبة من الماضي بصدد (محمّد)، فيجب علينا في كلّ حالة من الحالات لا يقوم الدليل القاطع على ضدّها أنْ نتمسّك بصلابة بصدقه، ويجب أنْ لا ننسى أيضاً أنّ الدليل القاطع يتطلّب لقبوله أكثر من كونه ممكناً، وأنّه في مثل هذا الموضوع يصعب الحصول عليه)(٢) .

سابعاً: الانطلاق من المنطق الوضعي العلماني، وطريقة التفكير الأوربيّة في تناول السيرة الشريفة للنبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته (عليهم السلام): حاول المستشرقون أنْ يخترقوا السيرة النبويّة، ويُخضعوا حياة نبيّ الإسلام (محمّد) (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته (عليهم السلام) لعلوم الغربيّين في التربية والسيكولوجيا(٣) .

إنّ المنطق الوضعي العلماني والرؤية الأوربيّة في منهج البحث التاريخي أدّى

____________________

(١) ولفنسون، إسرائيل - (تاريخ اليهود في بلاد العرب) - ص١٣٥ - ١٣٧.

(٢) وات، مونتغمري - (محمّد في مكّة) - ص٩٤.

(٣) الجندي، أنور - (أبرز أهداف المستشرقين) - مجلّة منار الإسلام العدد ٨ - السنة ١٤.

١٧٣

إلى أنْ تقع مجموعة من المستشرقين في تزوير وتحريف الحقائق التاريخيّة، منها قولهم: (إنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم يكن يخطو خطوةً واحدة، وهو يعلم مسبقاً ما الذي يليها...)، أي إنّه كان يتحرّك وفق ما تمليه عليه الظروف الراهنة من متطلّبات ولوازم، دونما أيّ تخطيط شمولي وأُفقٍ عالمي، كما هو وارد في القرآن الكريم ومتواتر فيما نُقل من السيرة النبويّة.

ومن أبرز من تبنّى هذه المقولة هو المستشرق(فلهاوزن) ومجموعته الاستشراقيّة، إذ قالوا بإقليميّة دعوة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) للإسلام في عصرها المكّي، وإنّه لم ينتقل إلى المرحلة العالميّة - في العصر المدني - إلاّ بعد أنْ أتاحت له الظروف ذلك، ولم يكن ليفكّر بذلك من قبل.

وقد أشار المستشرق(سير توماس أرنولد) إلى هذه الرؤية الخاطئة لدى زملائهِ بقوله: (من الغريب أنْ ينكر بعض المؤرّخين أنّ الإسلام قد قُصد به مؤسّسه في بادئ الأمر، أنْ يكون ديناً عالميّاً برغم هذه الآيات البيّنات)(١) .

وقد سبقَت الإشارة إلى أنّ المستشرق الفرنسي(دينيه)، الذي أعلن إسلامه قال في هذا الصدد أيضاً: (إنّه من المتعذّر إنْ لم يكن من المستحيل، أنْ يتجرّد المُستشرقون عن عواطفهم وبيئتهم نزعاتهم المختلفة، وإنّهم لذلك قد بلغ تحريفهم لسيرة النبيّ والصحابة مَبلغاً يُخشى على صورتها الحقيقيّة من شدّة التحريف فيها، ورغم ما يزعمون من أتباعهم لأساليب النقد البريئة ولقوانين البحث العلمي الجاد، فإنّا نلمس من خلال كتاباتهم محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يتحدّث بلهجةٍ ألمانيّة إذا كان المؤلّف ألمانيّاً، وبلهجةٍ إيطاليّة إذا كان الكاتب إيطاليّاً.

وهكذا تتغيّر صورة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بتغيّر جنسيّة الكاتب، وإذا بحثنا في هذهِ السيرة عن الصورة الصحيحة فأنا لا نكاد نجد لها من أثر.

إنّ المستشرقين يقدّمون لنا صوراً خياليّة

____________________

(١) أرنولد، سير توماس - (الدعوة إلى الإسلام) - ص٤٨.

١٧٤

هي أبعد ما تكون عن الحقيقة، إنّها أبعد عن الحقيقة من أشخاص القصص التأريخيّة التي يؤلّفها أمثال (وولتر سكوت) و(الكسندر دوماس).

وذلك أنّ هؤلاء يصوّرون أشخاصا من أبناء قومهم، فليس عليهم إلاّ أنْ يحسبوا حساب اختلاف الأزمنة، أمّا المُستشرقون فلم يمكنهم أنْ يلبسوا الصورة الحقيقيّة لأشخاص السيرة فصوّروهم حسب منطقهم الغربي وخيالهم العصري...).

ولتقريب الفكرة يضرب(دينيه) مثلاً عكسيّاً: (ما رأي الأوربيّين في عالم مِن أقصى الصين يتناول المتناقضات، التي تكثر عن مؤرّخي الفرنسيّين ويمحصّها بمنطقه الشرقي البعيد، ثمّ يهدم قصّة(الكاردينال ريشيليو) (١) كما نعرفها ليعيد إلينا ريشيليو آخر له عقليّة كاهن من كهنة بكّين وسماته وطباعه؟

إنّ مستشرقي العصر الحاضر قد انتهوا إلى مثل هذه النتيجة، فيما يتعلّق برسمهم الحديث لسيرة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ويُخيّل الينا أنّنا نسمع محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يتحدّث في مؤلّفاتهم إمّا باللهجة الألمانيّة أو الانجليزيّة أو الفرنسيّة، ولا نتمثّلهُ قط بهذه العقليّة والطباع التي ألصقت به، يحدّثُ عُرباً باللغة العربيّة)، ويختم هذا المستشرق المسلم كلامه بالقول: (إنّ صورة نبيّنا الجليلة التي خلّفها المنقولٍ الإسلامي، تبدو أجمل وأسمى إذا قيست بهذه الصورة المصطنعة الضئيلة، التي صيغت في ظلال المكاتب بجهدٍ جهيد)(٢) ، وأخيرا فإنّ هذا النمط من أنماط النماذج المختارة في العقليّات

____________________

(١) (ريشيليو)، آرمان جان دوبليسي (١٥٨٥ - ١٦٤٢م) كاردينال وسياسي فرنسي، كبير وزراء لويس الثالث عشر والحاكم الفعلي لفرنسا (١٦٢٨ - ١٦٤٢م) قضى على نفوذ نبلاء الإقطاع ونفوذ البروتستانت السياسي. سعى إلى إذلال آل هابسبورغ في حرب الأعوام الثلاثين. أجرى إصلاحات ماليّة وعسكريّة وتشريعيّة، وشجّع التجارة، ورعى الفنون، وأنشأ الأكاديميّة الفرنسيّة. عن البعلبكّي، منير - (المورد) - الجزء الثامن - ص١٥٠.

(٢) دينيه، إيتين - (محمّد رسول الله) - ترجمة عبد الحليم محمود - المقدّمة ص٢٧ - ٢٨، ٤٣ - ٤٤.

١٧٥

الاستشراقيّة والمصبّات الموضوعيّة، التي وقع الجهد الاستشراقي عليها، يكشف لنا بوضوح مدى التعصّب والمنهجيّة المغرضة، والدوافع التبشيريّة والاستعماريّة في وقائع الحركة الاستشراقيّة وأعمال المستشرقين، فكانت النتائج التي تمخضّت والمعطيات التي أُفرِزت ذات ثلاثة أبعاد أساسيّة:

الأوّل: كان بمثابة مسح ميداني للشرق الإسلامي فكريّاً وحضاريّاً.

الثاني: التشويه الموضوعي للفكر الإسلامي والحضارة القائمة عليه، بهدف منع تأثّر المجتمع الأوربّي به، إضافةً إلى تكوين ارتكاز ذهني عن تخلّف المسلمين وجهلهم المركّب ليكون مبرّراً لاستعمارهم.

الثالث: النيل من العقائد الإسلاميّة (في القرآن وفي الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)... إلخ)، وتشويه حقائقها بهدف نفي قدسيّتها من نفوس المسلمين، وبذلك يمكن فكّ الارتباط بينهم وبين معتقداتهم، ليتم الجانب السلبي من عمليّة التغيير للمجتمعات الإسلاميّة.

وبهذه الأبعاد أو قل المقدّمات الثلاث تتهيّأ الأرضية المناسبة لقيام أوربّا بالغزو التبشيري والاستعماري للشرق الإسلامي فكريّاً وسياسيّاً وعسكريّاً، فيبرز الجانب الايجابي من عمليّة التغيير للمجتمعات الإسلامية إلى الواقع.

١٧٦

الفصل الخامس

نماذج من كبار المستشرقين في منهج

تناولهم للشّرق الإسلامي

* ارندجان فنسنك Arandjan Wensink

* صموئيل زويمر Samual Zwemer

* لويس ماسنيون Louis Massignon

١٧٧

١٧٨

طيلة قرون وحتّى فترة متأخّرة من القرن العشرين، لم تتعرّف الشعوب الغربيّة على الشرق الإسلامي، من خلال مصادره الخاصّة وتراثه المباشر، وإنّما عرفوه من خلال رجال متخصّصين، وعلى رأسهم المستشرقون الذين جالوا بلدان الشرق الإسلامي، وسجّلوا مشاهداتهم الحسيّة من الواقع، ونقلوا إلى جامعاتهم ومعاهدهم الآلاف من الكتب والمصادر والوثائق، وأخضعوها للدرس والتحليل.

وعلى أساس من خلفيّاتهم الغربيّة ومنطقهم العلماني وشعورهم الاستعدائي لكلّ ما ينتمي للإسلام فكراً ومجتمعاً، واستهدافهم المتناغم مع التطلّعات الاستعماريّة لدول الغرب، صوّروا الإسلام ومجتمعه للغربيّين، بل طرحوه لأُمم العالم وشعوبه بثوبٍ جديد نسجته عقولُهم على ضوء نظريّتهم وخلفيّاتهم تلك، فخرج مشوّهاً في حقيقته، مزيّناً بأثوابِ التحديث وبريق التقدّم الزائف، حتّى أصبحت كتبهم ومؤلّفاتهم عن الشرق الإسلامي هي المصادر الأساسيّة، ومراجع التعريف والدراسة الوحيدة تقريباً للشرق الإسلامي في جميع معاهد وجامعات الغرب، بل وأغلب الجامعات التي أُنشئت على المنهج الغربي في أنحاء العالم.

وفي سبيل تسليط الضوء على هذه الحقيقة، رأينا أنْ ندرس منهج تفكير وطريقة تناول نماذج من رجال الغرب، تُعتبر من أكبر مَن تصدّى لدراسة الشرق الإسلامي وتعريفه، والعمل على أرضه وفي وسط مجتمعاته، ولا يمكننا أنْ نخرج عن دائرة المستشرقين في هذه النماذج؛ لأنّهم هُم وحدهم الذين تتوفّر فيهم خصائص الشموليّة والتخصّص في مثل هذه الدراسات، خصوصاً وأنّ كبارهم هم أصحاب

١٧٩

مدارس متميّزة ورائدة في مجال دراسة الشرق الإسلامي إيديولوجيّاً واجتماعيّاً.

إنّ انتقاءنا لنماذج من كبار رجال الاستشراق، سيكون منسجماً مع هدفنا في تشخيص وتقويم منهج دراسة الغربيّين للشرق الإسلامي وتعريفه، كما أنّ الأساس الذي اعتمدناه في هذا الانتقاء هو الدور الخطير فكريّاً وميدانيّاً لهؤلاء الرجال، والذي سيكشف لنا عن الأثر السلبي الكبير الذي تركوه على الذهنيّة الغربيّة في فهم الإسلام ومجتمعاته من جهة، وعن التخريب الفكري والاجتماعي الذي أحدثوه في المجتمعات الإسلاميّة، عن طريق صياغة إيديولوجيّات وبرامج تغيير لحرف توجّهات هذه المجتمعات عن مسارها الإسلامي، ومحق هويّتها الدينيّة من جهة أُخرى.

وبذلك استغنى الاستعمار الغربي عن الأُسلوب العسكري المباشر في السيطرة على الشرق الإسلامي، واكتفى بالاستعمار الفكري والمنهجي، المتمثّل بجملة من المبادئ والأُطروحات الحديثة التي أُلبست ثوب القوميّة أو الوطنيّة تارة، وثوب التمدّن والتحديث تارةً أُخرى، وثوب الدفاع عن حقّ الشعوب وحريّتها الفكريّة تارةً ثالثة.

وفيما يلي ثلاثة نماذج رائدة في هذا المجال نتناولها تِباعاً:

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199