المزار الكبير

المزار الكبير8%

المزار الكبير مؤلف:
المحقق: جواد القيّومي الإصفهاني
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
ISBN: 964-92002-0-7
الصفحات: 702

المزار الكبير
  • البداية
  • السابق
  • 702 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 187463 / تحميل: 6371
الحجم الحجم الحجم
المزار الكبير

المزار الكبير

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٩٢٠٠٢-٠-٧
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

عن رجاله عن الكاهلي قال : قال لي : الا تذهب بنا إلى مسجدأمير المؤمنينعليه‌السلام فنصلي فيه ، قلت : وأي المساجد هذا ، قال : مسجدبني كاهل ، وانه لم يبق منه اسه واس مئذنته(١) ، قلت : حدثني بحديثه ،قال : صلى علي بن أبي طالب بنا في مسجد بني كاهل الفجر فقنت بنا ،فقال :

اللهم انا نستعينك ونستغفرك ونستهديك ، ونؤمن بك ، ونتوكلعليك ، ونثني عليك الخير كله ، نشكرك ولا نكفرك ، ونخلع ونترك منينكرك.

اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد ، واليك نسعي ونحفد(٢) ،نرجو رحمتك ونخشى عذابك ، ان عذابك بالكافرين ملحق.

اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمنتوليت ، وبارك لنا فيمن أعطيت ، وقنا شر ما قضيت ، انك تقضيولا يقضى عليك ، انه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربناوتعاليت ، أستغفرك وأتوب إليك.

( ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا أو أخطأنا ، ربنا ولا تحمل علينا اصرا كماحملته على الذين من قبلنا ، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عناواغفر لنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين ) (٣) .

__________________

(١) المئذنة ـ بالكسر ـ موضع الاذان.

(٢) نحفد في الدعاء إليك : نسرع إلى الطاعة.

(٣) عنه وعن مزار الشهيد البحار ١٠٠ : ٤٥٢ ، والآية في البقرة : ٢٨٦.

١٢١

٢ ـ وبالاسناد عن عبد الله بن يحيى الكاهلي ، قال : صلى بناأبو عبد اللهعليه‌السلام في مسجد بني كاهل الفجر فجهر في السورتين وقنتقبل الركوع وسلم واحدة تجاه القبلة(١) .

الباب (٤)

ذكر ما جاء في فضل المسجد الجامع بالكوفة

١ ـ اخبرني الشيخ الفقيه العالم أبو محمد عبد الله بن جعفرالدوريستيرحمه‌الله ، عن جده ، عن الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بنقولويه ، [ قال : حدثني محمد بن الحسن بن الوليد ](٢) ، قال : حدثني محمدابن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عنإبراهيم بن محمد ، عن الفضل بن زكريا ، عن نجم بن حطيم(٣) ، عن أبيجعفر الباقرعليه‌السلام قال : لو يعلم الناس ما في مسجد الكوفة لا عدوا له الزاد والرواحل من مكان بعيد ، ان صلاة فريضة فيه تعدل حجة ، وصلاة نافلة تعدلعمرة(٤) .

__________________

(١) عنه البحار ١٠٠ : ٤٥٣.

(٢) زيادة منا ، لان ابن قولويه لا يروي عن الصفار الا بواسطة ، كما أن ابن الوليد أحدمشايخ ابن قولويه واحد الرواة عن الصفار ، راجع معجم الرجال ١٥ : ٢٨٠.

(٣) في الأصل : نجم بن حكيم ، وما أثبتناه هو الصحيح ، ذكره الشيخ في رجاله : ١٤٧ ،الرقم : ١٦٣١ في أصحاب الباقرعليه‌السلام

(٤) رواه في الكامل : ٧١ ، المزار للمفيد : ٢٠ ، التهذيب ٦ : ٣٢ ، عنهم البحار ١٠٠ : ٣٩٩ ،الوسائل ٥ : ٢٥٦ ، وفي جامع الأخبار : ٨١ ، عنه البحار ٨٣ : ٣٧٦.

١٢٢

٢ ـ وبالاسناد قال : حدثني أبو القاسم جعفر بن محمد ، عن الحسنابن عبد الله [ بن محمد ، عن أبيه ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد الله ](١) ابن جبلة ، عن سلام بن أبي عمرة ، عن سعد بن ظريف ، عن الأصبغ بن نباتة ،عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام قال : النافلة في هذا المسجدتعدل عمرة مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والفريضة تعدل حجة مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقدصلى فيه الف نبي والف وصي(٢) .

٣ ـ وبالاسناد قال : قال الصادقعليه‌السلام : ما من عبد صالح ولا نبي الاوقد صلى في مسجد كوفان ، حتى أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لما أسري به قال لهجبرئيلعليه‌السلام : أتدري أين أنت يا رسول الله الساعة أنت مقابل مسجدكوفان ، قلت : فاستأذن لي ربي حتى اتيه فاصلي فيه ركعتين ، فاستأذن اللهعزوجل فاذن له ، وان ميمنته لروضة من رياض الجنة ، وان مؤخرهروضة من رياض الجنة(٣) ، وان الصلاة المكتوبة فيه تعدل بألف صلاة(٤) .

٤ ـ وبالاسناد عن سهل بن زياد ، عن عمرو بن عثمان ، عن محمد بنعبد الله الخزاز ، عن هارون بن خارجة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال :

__________________

(١) زيادة منا لكي يستقيم العبارة.

(٢) رواه في الكامل : ٧٢ ، التهذيب ٦ : ٣٢ ، عنهم البحار ١٠٠ : ٤٠٠ ، الوسائل ٥ : ٢٥٧ ، وفيجامع الأخبار : ٨١ ، عنه البحار ٨٣ : ٣٨٦.

(٣) لا يبعد أن يكون المراد بالميمنة قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وبالمؤخر قبر الحسينعليه‌السلام ـ البحار.

(٤) رواه في التهذيب ٦ : ٣٢ ، عنه الوسائل ٥ : ٢٥٣.

١٢٣

قال لي : يا هارون بن خارجة كم بينك وبين مسجد الكوفة ، يكونميلا ، قلت : لا ، قال : فتصلي فيه الصلوات كلها ، قلت : لا ، قال : اما لو كنتحاضرا بحضرته لرجوت ان لا يفوتني فيه صلاة ، وتدري ما فضل ذلكالموضع ، ما من عبد صالح ولا نبي الا وقد صلى في مسجدكم هذا ـ وذكر مثل الحديث الأول ، وقال في آخر الحديث :

وان الصلاة المكتوبة فيه لتعدل بألف صلاة ، وان النافلة فيه لتعدلبخمسمائة صلاة ، وان الجلوس فيه بغير تلاوة [ ولا ذكر ](١) لعبادة ، ولو علمالناس ما فيه لاتوه ولو حبوا(٢) .

٥ ـ وبالاسناد عن محمد بن يعقوب ، [ عن العدة ](٣) ، عن أحمد بنمحمد ، عن أبي يوسف يعقوب بن عبد الله من ولد أبي فاطمة ، عن إسماعيلابن زيد مولى عبد الله بن يحيى الكاهلي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال :

جاء رجل إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام وهو في مسجد الكوفة فقال :السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، فرد عليه ، فقال :جعلت فداك اني عزمت على المضي إلى المسجد الأقصى فقد اتيتأسلم عليك وأودعك ، فقال له : اي شئ تريد بذلك ، قال : الفضل جعلت

__________________

(١) من المصادر.

(٢) رواه في الكافي ٣ : ٤٩٠ ، المحاسن : ٥٦ ، الأمالي للصدوق : ٣١٥ ، كامل الزيارات : ٧٢ ،عنه الوسائل ٥ : ٢٥٣ ، المزار للمفيد : ٢١ ، الأمالي للطوسي ٢ : ٤٣ ، التهذيب ٣ : ٢٥٠ ، الغارات٢ : ٤١٣ ، عنه البحار ٨٣ : ٣٥٩ ، تفسير العياشي ٢ : ٢٧٧ ، عنه البحار ١٠٠ : ٤٠٥.

(٣) زيادة من المصادر ، لعدم صحة العبارة بدونه.

١٢٤

فداك ، قال :

فبع راحلتك وكل زادك وصل في هذا المسجد ، فان الصلاةالمكتوبة فيه حجة مبرورة والنافلة عمرة مبرورة ، والبركة منه على اثنىعشر ميلا(١) ، يمينه يمن ويساره مكر(٢) ، وفي وسطه عين من دهن وعين منلبن وعين من ماء شراب للمؤمنين ، وعين من ماء طهر للمؤمنين ، ومنهسارت سفينة نوح ، وكان فيه نسر ويغوث ويعوق ، صلى فيه سبعون نبياوسبعون وصيا انا آخرهم(٣) ، وقال بيده على صدره ، ما دعا فيه مكروبيسأله في حاجة من الحوائج الا اجابه الله وفرج عنه كربه(٤) .

٦ ـ وبالاسناد عن محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن صالحابن السندي ، عن جعفر بن بشير ، عن أبي عبد الرحمان الحذاء ، عنأبي أسامة ، عن أبي عبيدة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال :

مسجد كوفان روضة من رياض الجنة صلى فيه الف نبي وسبعوننبيا ، وميمنته رحمة وميسرته مكر ، وفيه عصى موسى وشجرة يقطين

__________________

(١) لعل المراد بقولهعليه‌السلام : ( البركة منه على اثني عشر ميلا ) ، ما كان في جهة الغري إلىحيث انتهت الأميال ، لبركة قبرهعليه‌السلام ، ولذا قال : ( يمينه يمن ) ، إشارة إلى ذلك.

(٢) المراد بالميسرة منازل الخلفاء التي كانت هناك ، كما ورد في رواية الصدوق في ثواب الأعمال: ٢٨ ، وفيها : ( فقلت لأبي بصير : ما يعني بقوله مكر ، قال : يعني منازل الشياطين ).

(٣) في المصادر : أحدهم.

(٤) رواه في الكافي ٣ : ٤٩١ ، الكامل : ٨٠ ، التهذيب ٣ : ٢٥١ ، عنه البحار ٨٣ : ٣٦٠ ،١٠٠ : ٤٠٤ ، الوسائل ٥ : ٢٥١.

١٢٥

وخاتم سليمان ، ومنه فار التنور ونجرت السفينة ، وهو صرة(١) بابلومجمع الأنبياء(٢) .

٧ ـ وأخبرني السيد الاجل العالم عبد الحميد بن التقي بن عبد اللهابن أسامة العلوي الحسينيرضي‌الله‌عنه في ذي العقدة من سنة ثمانينوخمسمائة قراءة عليه بحلة الجامعين ، قال : أخبرنا الشيخ المقرئأبو الفرج أحمد بن مشش القرشي في يوم الأربعاء السابع والعشرين منشهر رمضان سنة ست وستين وخمسمائة قراءة عليه ، قال : أخبرنا الشيخالعدل الحافظ أبو الغنائم محمد بن علي بن ميمون القرشي المعروفبابي إجازة ، قال : اخبرني الشريف أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسن بنعبد الرحمان العلوي الحسيني قراءة عليه ، قال : أخبرنا أبو تمام عبد اللهابن أحمد بن عبيد الأنصاري المؤدب ، قال : حدثنا أبو سعيد عبيد الله بنكثير العامري التمار ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل بن سمرةالأحمسي ، قال : حدثنا محمد بن فضيل الضبي ، عن محمد بن سوقة ، عنإبراهيم النخعي ، عن علقمة بن الأسود ، عن عبد الله بن الأسود ، عنعبد الله بن مسعود ، قال :

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا بن مسعود لما أسري بي إلى السماء الدنياأراني مسجد كوفان فقلت : يا جبرئيل ما هذا ، قال : مسجد مبارك كثير

__________________

(١) سرة ( خ ل ) ، الصرة مجمع النقود التي هي أفضل الأموال والمراد انه أشرف اجزائها ،وسرة الوادي أفضل مواضعه.

(٢) رواه في الكافي ٣ : ٤٩٣ ، عنه التهذيب ٣ : ٢٥٢ ، عنهما الوسائل ٥ : ٢٥١.

١٢٦

الخير عظيم البركة ، اختاره الله لأهله وهو يشفع لهم يوم القيامة ـ وذكرالحديث بطوله في مسجد الكوفة(١) .

٨ ـ وبالاسناد قال : أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الرحمان بنأبي السري الركابي قراءة عليه ، [ عن محمد بن عبد الله الحضرمي ](٢) ، قال :حدثنا العلاء بن سعيد الكندي ، حدثنا طلحة بن عيسى التوزي ، حدثناالفضل بن ميمون البجلي ، عن القاسم بن الوليد الهمداني ، عن حبة العرني وميثم الكناني قال : اتى رجل علياعليه‌السلام فقال : يا أمير المؤمنين اني تزودتزادا وابتعت راحلة وقضيت ثباتي ـ يعني حوائجي ـ وانطلق إلى بيتالمقدس ، فقال لهعليه‌السلام :

انطلق فبع راحلتك وكل زادك وعليك بمسجد الكوفة ، فإنه أحدالمساجد الأربعة ، ركعتان فيه تعدلان كثيرا فيما سواه من المساجد ،والبركة منه على رأس اثنى عشر ميلا من حيث ما جئته ، وقد ترك مناسه الف ذراع ، ومن زاويته فار التنور ، وعند الأسطوانة الخامسة صلىإبراهيم الخليل ، وصلى فيه الف نبي والف وصي ، وفيه عصى موسىوخاتم سليمان وشجرة يقطين ، ووسطه روضة من رياض الجنة ، وفيهثلاثة أعين يزهرن ، عين من ماء وعين من دهن وعين من لبن ، انبثت منضغث تذهب الرجس وتطهر المؤمن ، ومنه سير جيل الأهواز.

__________________

(١) عنه البحار ١٠٠ : ٣٩٤.

(٢) من البحار.

١٢٧

وفيه صلى نوح النبيعليه‌السلام ، وفيه أهلك يغوث ويعوق ، ويحشريوم القيامة منه سبعون ألفا ليس عليهم حساب ولا عذاب ، جانبه الأيمنذكر وجانبه الأيسر مكر ، ولو علم الناس ما فيه من الفضل لاتوه حبوا(١) .

٩ ـ وبالاسناد حدثنا محمد بن الحسين النحاس ، قال : حدثنا عليابن العباس البجلي ، حدثنا بكار بن أحمد ، حدثنا إبراهيم بن محمد بنإبراهيم ، عن محمد بن ميمون(٢) ، حدثنا صباح الزعفراني ، عن السدي بنإسماعيل ، عن الشعبي ، قال : قال عليعليه‌السلام :

ان مسجد الكوفة رابع أربعة مساجد للمسلمين ، ركعتان فيه أحبإلي من عشر فيما سواه ، ولقد نجرت سفينة نوح في وسطه ، وفار التنورمن زاويته اليمنى ، والبركة منه على اثنى عشر ميلا من حيث ما اتيته ،وقد نقض منه اثنا عشر الف ذراع بما كان على عهدهم(٣) .

١٠ ـ وبالاسناد قال : حدثنا أحمد بن الحسين بن عبد الله ، قال :حدثنا ذبيان بن حكيم ، قال : حدثنا حماد بن زيد الحارثي ، قال :

كنت عند جعفر بن محمدعليهما‌السلام والبيت غاص من الكوفيين ، فسألهرجل منهم : يا بن رسول الله اني ناء عن المسجد وليس لي نية الصلاة فيه ،فقال : آته ، فلو يعلم الناس ما فيه لاتوه ولو حبوا ، قال : اني اشتغل ، قال :

__________________

(١) عنه البحار ١٠٠ : ٣٩٤.

(٢) في الأصل : محمد بن إبراهيم بن محمد بن ميمون ، وما أثبتناه هو الصحيح ، عنونهالشيخ في رجاله في أصحاب الصادقعليه‌السلام .

(٣) عنه البحار ١٠٠ : ٣٩٥.

١٢٨

فاته ولا تدعه ما أمكنك وعليك بميامنه مما يلي أبواب كندة ، فإنه مقامإبراهيم ، وعند الخامسة مقام جبرئيل ، والذي نفسي بيده لو يعلم الناسمن فضله ما اعلم لازدحموا عليه(١) .

١١ ـ وبالاسناد قال : حدثنا علي بن محمد الدهقان ، عن علي بنمحمد بن علي بن السمين ، حدثنا محمد بن زيد القطان ، حدثنا إبراهيم بنمحمد الثقفي ، حدثنا عبيد بن إسحاق الضبي ، حدثنا زهير بن معاوية ، عنالأعمش ، عن سفيان ، عن حذيفة ، قال :

والله ان مسجدكم هذا لاحد المساجد الأربعة المعدودة :المسجد الحرام ومسجد المدينة ومسجد الأقصى ومسجدكم هذا ،يعني مسجد الكوفة ، الا وان زاويته اليمنى مما يلي أبواب كندة منها فارالتنور ، وان السارية(٢) الخامسة مما يلي صحن المسجد عن يمنةالمسجد مما يلي أبواب كندة مصلى إبراهيم الخليل ، وان وسطه لنجرتفيه سفينة نوح ، ولان اصلى فيه ركعتين أحب إلي من أن اصلى في غيرهعشر ركعات ، ولقد نقص من ذرعه من الاس الأول اثنا عشر الف ذراع ،وان البركة منه على اثنى عشر ميلا من اي الجوانب جئته(٣) .

١٢ ـ وبالاسناد قال : أخبرنا محمد بن الحسين التيملي البزاز ،

__________________

(١) عنه البحار ١٠٠ : ٣٩٥.

(٢) السارية ج سوار : الأسطوانة.

(٣) عنه البحار ١٠٠ : ٣٩٦.

١٢٩

حدثنا علي بن العباس ، حدثنا بكار بن أحمد ، حدثنا محمد بن عمروعن إبراهيم بن مهدي ، عن سلام بن أبي عمرو ، عن سعد بن طريف ، عنالأصبغ بن نباتة ، عن عليعليه‌السلام قال : النافلة في هذا المسجد تعدل عمرةمع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والفريضة فيه تعدل حجة مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد صلى فيهالف نبي والف وصي(١) .

١٣ ـ وبالاسناد قال : حدثنا جعفر بن محمد بن حاجب ، ومن أصلكتابه كتبت ، قال : حدثنا محمد بن عمار العطار ، حدثنا محمد بن إسحاقابن أسامة السرير بن السائب بن شراحيل ، حدثنا علي بن هشام المقري ،حدثنا حسن بن عبد الرحمان بن أبي ليلى ، عن أبيه ، عن معاذ بن جبل ، عنالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لكأني بمسجد كوفان يأتي يوم القيامة محرما في ملاءتينيشهد لمن صلى فيه ركعتين(٢) .

١٤ ـ وبالاسناد قال : حدثنا علي بن محمد بن الفضل الدهقان ،حدثنا محمد بن علي بن السمين ، حدثنا محمد بن زيد القطان ، حدثناإبراهيم بن محمد الثقفي ،(٣) قال : أخبرنا توبة بن الخليل ، قال : سمعتمحمد بن الحسن ، قال : حدثنا هارون بن خارجة ، قال : قال لي جعفر بنمحمدعليهما‌السلام : كم بين منزلك وبين مسجد الكوفة ، قلت : بقربه ، قال :

__________________

(١) رواه ابن قولويه في الكامل : ٧٢ ، عنه البحار ١٠٠ : ٤٠٠.

(٢) عنه البحار ١٠٠ : ٣٩٦.

(٣) في النسخة زيادة : ( قال : أخبرنا توبة بن محمد الثقفي ) ، والظاهر أنها من زيادةالنساخ.

١٣٠

ما بقي ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا عبد مختار الا وقد صلىفيه ، ومر به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة أسري به فاستؤذن له فيه فصلى فيهركعتين ، والصلاة الفريضة فيه بألف صلاة ، والنافلة فيه بخمسمائةصلاة(١) ، وان الجلوس فيه بغير تلاوة القران عبادة ، فأته ولو زحفا(٢) .(٣)

١٥ ـ وبالاسناد قال : حدثنا محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عنأبي إسماعيل السراج ، قال : قال معاوية بن وهب ، واخذ بيدي ، وقال :قال لي أبو حمزة واخذ بيدي ، قال : قال لي الأصبغ بن نباتة واخذ بيديفأراني الأسطوانة السابعة فقال : هذا مقام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قال : وكانالحسنعليه‌السلام يصلي عند الخامسة ، فإذا غاب أمير المؤمنينعليه‌السلام صلىفيها الحسن وهي من باب كندة(٤) .

١٦ ـ وقال الصادقعليه‌السلام : الأسطوانة السابعة مما يلي أبواب كندةفي الصحن مقام إبراهيمعليه‌السلام ، والخامسة مقام جبرئيل(٥) .

__________________

(١) الظاهر أن الاختلافات الواردة في هذه الأخبار محمولة على اختلاف الصلواتوالمصلين ونياتهم وحالاتهم ، مع أن الأقل لا ينافي الأكثر الا بالمفهوم.

(٢) الزحف : مشى الصبي باسته.

(٣) رواه في الكافي ٣ : ٣٩٠ ، المحاسن : ٥٦ ، الكامل : ٧٢ ، الأمالي للصدوق : ٣٨٥ ، الأماليللطوسي ٢ : ٤٣ ، التهذيب ٦ : ٣٢ ، عنهم البحار ١٠٠ : ٣٩١ ، الوسائل ٥ : ٢٥٣.

(٤) رواه في الكافي ٣ : ٤٩٣ ، التهذيب ٦ : ٣٣ ، عنهما البحار ١٠٠ : ٤٠٦ ، الوسائل ٥ : ٢٦٣.

(٥) رواه في الكافي ٣ : ٤٩٣ ، التهذيب ٦ : ٣٣ ، عنهما البحار ١٠٠ : ٤٠٦ ، الوسائل ٥ : ٢٦٤.

١٣١

الباب (٥)

ذكر ما ورد من الفضل في مسجد السهلة

١ ـ اخبرني الشيخان الجليلان الفاضلان أبو البقاء هبة الله بن نماوأبو الخير سعد بن أبي الحسن الفراءرضي‌الله‌عنهما ، قالا : حدثناالشيخ الفقيه أبو عبد الله الحسين بن طحال المقدادي في منزله بمشهدمولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام في تاسع جمادي الاخر سنة إحدى وثلاثينوخمسمائة ، قال : حدثني الشيخ المفيد أبو علي الحسن بن محمدالطوسيرضي‌الله‌عنه ، قال : وحدثنا الشيخ محمد بن علي بن زخيمالصائغ ، عن أبيه ، قال : حدثنا أحمد بن رشيد ، قال : حدثنا قاسم بن محمدابن سعد بن جشم أبو عبد الله الهلالي ، قال : حدثني أبو موسى محمد بنموسى ، عن مالك بن ضمرة صاحب عليعليه‌السلام قال :

كنت أصلي فوق جبل الخندق فحانت مني التفاتة إلى مسجدالسهلة ، فنظرت إليه في وقت الصلاة يوم الجمعة روضة خضراء ، وفيهدوي كدوي النحل ، فسحت عيني ثم نظرت إليه ، فإذا هو كما رأيته أولا ،قال : فنزلت من الجبل أمشي حتى اتيته فلما قمت في وسطه غاب عنيالشجر وسمعت دويا كدوي النحل.

٢ ـ قال : وأخبرنا يعقوب(١) ، قال : حدثنا ابن فضال ، عن الحسن بن

__________________

(١) هو يعقوب بن يزيد الكاتب ، بقرينة سائر الروايات ، راجع معجم الرجال ١١ : ٣٣٥.

١٣٢

علي بن يوسف ، عن عثمان بن عيسى ، عن محمد بن عجلان ، عن مالك بنضمرة الرواسي قال : قال لي أمير المؤمنينعليه‌السلام : يا مالك تخرج إلىالمسجد الذي في ظهر دارك فتصلي فيه ، قال : قلت : يا أمير المؤمنين ذاكمسجد يصلي فيه النساء ، قال : فقال : يا مالك ذاك مسجد ما اتاه مكروبقط الا فرج الله عنده وأعطاه حاجته.

قال : فوالله ما اتيته ولا صليت فيه فلما كان ذات ليلة أخذني أمرواغتممت فذكرت قول أمير المؤمنينعليه‌السلام فقمت في الليل فتوضأتوانتعلت وخرجت ، فإذا على بابي مصباح فمر قدامي ومررت حتىانتهى إلى المسجد ، فوقفت بين يدي وقمت اصلى ، فلما ان فرغت ثمانتعلت ثم انصرفت فمر قدامي حتى انتهى إلى الباب ، فلما ان دخلتذهب فما أردت ذلك به ليلة قط بعد ذلك الا وجدت المصباح على بابي(١) .

٣ ـ وبالاسناد قال : أخبرنا يعقوب ، قال : حدثنا ابن فضال ، عنالعباس بن عامر ، عن الربيع بن محمد المسلي(٢) ، عن عبد الله بن ابان ، قال :دخلنا على أبي عبد اللهعليه‌السلام فسألنا : أفيكم أحد عنده علم زيد بن علي ،فقال له رجل من القوم : انا عندي علم من عمك زيد ، كنا عنده ذات ليلةفي دار معاوية بن إسحاق الأنصاري إذ قال : انطلقوا بنا حتى نصلي فيالمسجد مسجد السهلة ، قال : فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : وفعل ، فقال : لا ،

__________________

(١) رواه في الكامل : ٧٩ ، عنه البحار ١٠٠ : ٤٠٣.

(٢) في الأصل : المكي ، ما أثبتناه هو الصحيح ، راجع معجم الرجال ٧ : ١٧٣.

١٣٣

جاءه أمر فشغله عن الذهاب ، فقال :

اما والله لو استعاذ الله حولا لأعاذه سنين ، اما علمت أنه موضع بيتإدريس النبي الذي يخيط فيه ، ومنه سار إبراهيم إلى اليمن بالعمالقة ،ومنه سار داود إلى جالوت ، قال : وأين كانت منازلهم ، قال : في زواياه ،وان فيه لصخرة خضراء فيها مثال وجه كل نبي ومن تحت تلك الصخرةاخذت طينة كل نبي وانه لمناخ الراكب ، قيل : من الراكب ، قال : الخضر(١) .

٤ ـ وبالاسناد عن الصادقعليه‌السلام قال : مسجد السهلة منزل صاحبناإذا قام باهله(٢) .

٥ ـ وقالعليه‌السلام : ما من مكروب يأتي مسجد السهلة فيصلي فيهركعتين بين العشائين ويدعو الله تعالى الا فرج الله كربه(٣) .

٦ ـ وبالاسناد قال : قال علي بن الحسينعليهما‌السلام : من صلى فيمسجد السهلة ركعتين زاد الله في عمره سنين(٤) .

٧ ـ وروي أبو بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : قال لي : يا أبا محمدكأني أرى نزول القائمعليه‌السلام في مسجد السهلة باهله وعياله ، قلت : يكونمنزله جعلت فداك ، قال : نعم ، كان فيه منزل إدريس ، وكان منزل إبراهيم

__________________

(١) رواه في الكافي ٣ : ٤٩٤ ، الفقيه ١ : ١٥١ ، عنهما البحار ١٠٠ : ٤٣٥ و ٤٣٩ ، الوسائل٥ : ٢٦٧ ، ذكره مع اختلاف في الكافي ٣ : ٤٩٥ ، التهذيب ٣ : ٢٥٢.

(٢) رواه في الكافي ٣ : ٤٩٥ ، التهذيب ٣ : ٢٥٢ ، عنهما البحار ١٠٠ : ٤٣٩ ، الوسائل ٥ : ٢٦٧.

(٣) رواه في التهذيب ٦ : ٣٨ ، عنه البحار ١٠٠ : ٤٤٠ ، الوسائل ٥ : ٢٦٦.

(٤) عنه البحار ١٠٠ : ٤٠٦.

١٣٤

خليل الرحمان ، وما بعث الله نبيا الا وقد صلى فيه ، وفيه مسكن الخضروالمقيم فيه كالمقيم في فسطاط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وما من مؤمنولا مؤمنة الا وقلبه يحن إليه ، وفيه صخرة فيها صورة كل نبي ، وما صلىفيه أحد فدعا الله بنية صادقة الا صرفه الله بقضاء حاجته ، وما من أحداستجاره الا أجاره الله مما يخاف ، قلت : هذا لهو الفضل. قال : أنزيدك ،قلت : نعم.

قال : هو من البقاع التي أحب الله ان يدعى فيها ، وما من يوم ولا ليلةالا والملائكة تزور هذا المسجد ، يعبدون الله فيه ، اما اني لو كنتبالقرب منكم ما صليت صلاة الا فيه ، يا أبا محمد ولو لم يكن له منالفضل الا نزول الملائكة والأنبياء فيه لكان كثيرا ، فكيف وهذا الفضلوما لم أصف لك أكثر ، قلت : جعلت فداك لا يزال القائمعليه‌السلام فيه ابدا ،قال : نعم ، قلت : فمن بعده ، قال : هكذا من بعده إلى انقضاء الخلق ، قلت :فما يكون من أهل الذمة عنده.

قال : يسالمهم كما سالمهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ويؤدون الجزية عن يدوهو صاغرون ، قلت : فمن نصب لكم العداوة ، فقال : لا يا أبا محمد ما لمنخالفنا فيه في دولتنا من نصيب ، ان الله قد أحل لنا دماءهم عند قيامقائمنا ، فاليوم محرم علينا وعليكم ذلك ، فلا يغرنك أحد ، إذا قام قائمناانتقم لله ولرسوله ولنا أجمعين(١) .

__________________

(١) عنه البحار ١٠٠ : ٤٣٦.

١٣٥

٨ ـ وحدثنا جماعة عن الشيخ المفيد أبي علي الحسن بن عليالطوسي(١) ، وعن الشريف أبي الفضل المنتهى بن أبي زيد بن كيابكيالحسيني ، وعن الشيخ الأمين أبي عبد الله محمد بن شهريار الخازن ، وعنالشيخ الجليل ابن شهرآشوب ، عن المقرئ عبد الجبار الرازي ، وكلهميروون عن الشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي رضي اللهعنه.

قالوا : حدثنا الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي بالمشهدالمقدس بالغري على صاحبه السلام ، في شهر رمضان من سنة ثمانوخمسين وأربعمائة ، قال : حدثنا الشيخ أبو عبد الله الحسين بن عبيد اللهالغضائري ، قال : حدثنا أبو المفضل محمد بن عبيد الله السلمي.

قالوا : وحدثنا الشيخ المفيد أبو علي الحسن بن محمد الطوسيوالشيخ الأمين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن شهريار الخازن ، قالاجميعا : حدثنا الشيخ أبو منصور محمد بن أحمد بن عبد العزيز العكبريالمعدل بها في داره ببغداد سنة سبع وستين وأربعمائة ، قال : حدثناأبو المفضل محمد بن عبد الله الشيباني ، قال : حدثنا محمد بن يزيد بنأبي الأزهر البوشنجي النحوي ، قال : حدثنا أبو الصباح محمد بن عبد اللهابن زيد النهشلي ، قال : اخبرني أبي ، قال : حدثنا الشريف زيد بن جعفرالعلوي ، قال : حدثنا محمد بن وهبان النبهاني ، قال : حدثنا أبو عبد الله

__________________

(١) هو أبو علي الحسن بن محمد بن الحسن بن علي الطوسي.

١٣٦

الحسين بن علي بن سفيان البزوفري ، قال : حدثنا أحمد بن إدريس ، عنمحمد بن أحمد العلوي(١) ، قال : حدثنا محمد بن جمهور العمي ، عنالهيثم بن عبد الله الناقد ، عن بشار المكاري ، قال :

دخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام بالكوفة وقد قدم له طبق رطبطبرزد وهو يأكل فقال لي : يا بشار ادن فكل ، فقلت : هناك الله وجعلنيفداك قد أخذتني الغيرة من شئ رأيته في طريقي أوجع قلبي وبلغ مني ،فقال لي : بحقي لما دنوت فأكلت ، قال : فدنوت فأكلت ، فقال لي :حديثك ، قلت : رأيت جلوازا(٢) يضرب رأس امرأة ويسوقها إلى الحبسوهي تنادي بأعلى صوتها : المستغاث بالله ورسوله ، ولا يغيثها أحد ،قال : ولم فعل بها ذاك ، قال : سمعت الناس يقولون : انها عثرت فقالت :لعن الله ظالميك يا فاطمة ، فارتكب منها ما ارتكب.

قال : فقطع الاكل ولم يزل يبكي حتى ابتل منديله ولحيته وصدرهبالدموع ، ثم قال : يا بشار قم بنا إلى مسجد السهلة فندعو اللهعزوجل ونسأله خلاص هذه المرأة ، قال : ووجه بعض الشيعة إلى باب السلطانوتقدم إليه بان لا يبرح إلى أن يأتيه رسوله فان حدث بالمرأة حدث صارإلينا حيث كنا.

قال : فصرنا إلى مسجد السهلة وصلى كل واحد منا ركعتين ، ثم رفع

__________________

(١) في الأصل : أحد بن إدريس محمد بن أحمد العلوي ، ما أثبتناه هو الأصح ، راجع معجمالرجال ١٥ : ٥٥.

(٢) الجلواز ـ بالكسر ـ الشرطي من أعوان السلطان.

١٣٧

الصادقعليه‌السلام يده إلى السماء وقال :

أنت الله لا إله إلا أنت مبدئ الخلق ومعيدهم ، وأنت الله لا إله إلا أنتخالق الخلق ورازقهم ، وأنت الله لا إله إلا أنت القابض الباسط ،وأنت الله لا إله إلا أنت مدبر الأمور وباعث من في القبور ، أنت وارثالأرض ومن عليها ، أسألك باسمك المخزون المكنون الحي القيوم.

وأنت الله لا إله إلا أنت عالم السر واخفى ، أسألك باسمك الذي إذادعيت به أجبت ، وإذا سئلت به أعطيت ، وأسألك بحق محمد وأهل بيتهوبحقهم الذي أوجبته على نفسك ان تصلي على محمد وال محمد وانتقضي لي حاجتي الساعة الساعة.

يا سامع الدعاء ، يا سيداه يا مولاياه يا غياثاه ، أسألك بكل اسم سميتبه نفسك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ان تصلي على محمد والمحمد وان تعجل خلاص هذه المرأة ، يا مقلب القلوب والابصار ، ياسميع الدعاء.

قال : ثم خر ساجدا لا اسمع منه الا النفس ، ثم رفع رأسه فقال : قمفقد أطلقت المرأة ، قال : فخرجنا جميعا فبينما نحن في بعض الطريق إذلحق بنا الرجل الذي وجهناه إلى باب السلطان فقال له : ما الخبر ، قال : قداطلق عنها ، قال : كيف كان اخراجها ، قال : لا أدري ولكنني كنت واقفاعلى باب السلطان إذ خرج حاجب فدعاها وقال لها : ما الذي تكلمت به ،قالت : عثرت ، فقلت : لعن الله ظالميك يا فاطمة ففعل بي ما فعل.

١٣٨

قال : فاخرج مائتي درهم وقال : خذي هذه واجعل الأمير في حلفأبت ان تأخذها ، فلما رأى ذلك منها دخل واعلم صاحبه بذلك ثمخرج فقال : انصرفي إلى بيتك ، فذهبت إلى منزلها ، فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : أبت ان تأخذ المائتي درهم ، قال : نعم وهي والله محتاجة إليها ،قال : فاخرج من جيبه صرة فيها سبعة دنانير وقال : اذهب أنت بهذه إلىمنزلها فاقرأها مني السلام وادفع إليها هذه الدنانير.

قال : فذهبنا جميعا فأقرأناها منه السلام ، فقالت : بالله أقرأنيجعفر بن محمد السلام ، فقلت لها : رحمك الله والله ان جعفر بن محمدأقرأك السلام ، فشهقت ووقعت مغشية عليها ، قال : فصبرنا حتى أفاقتوقالت : أعدها علي ، فاعدنا عليها حتى فعلت ذلك ثلاثا ، ثم قلنا لها :خذي هذا ما ارسل به إليك وابشري بذلك ، فاخذته منا وقالت : سلوه انيستوهب أمته من الله فما اعرف أحدا أتوسل به إلى الله أكثر منه ومنآبائه وأجدادهعليهم‌السلام .

قال : فرجعنا إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام فجعلنا نحدثه بما كان منها ،فجعل يبكي ويدعو لها ، ثم قلت : ليت شعري متى أرى فرج آل محمدعليهم‌السلام ، قال : يا بشار إذا توفي ولي الله وهو الرابع من ولدي في أشد البقاعبين شرار العباد فعند ذلك يصل إلى ولد بني فلان مصيبة سوداء مظلمة ،فإذا رأيت ذلك حلق البطان(١) ، ولا مرد لأمر الله(٢) .

__________________

(١) البطان للقتب الحزام الذي يجعل تحت بطن البعير ، يقال : التقت حلقتا البطان للامرإذا اشتد.

(٢) عنه البحار ١٠٠ : ٤٤١ ، وعن مزار الشهيد ١٠٠ : ٤٤٣.

١٣٩

الباب (٦)

ذكر الصلاة في زوايا المسجد المعروف بمسجد السهلة

وأخبرني الشريف الجليل أبو المكارم حمزة بن علي بن زهرةالعلوي الحسيني الحلبي أدام الله عزه عند عوده من الحج في سنة أربعوسبعين وخمسمائة بمسجد السهلة ، حدثني والدي علي بن زهرة ، عنجده ، عن الشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن بابويه ، قال : حدثنا الشيخالفقيه محمد بن يعقوب ، قال : حدثني علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، قال :

حججت إلى بيت الله الحرام فوردنا عند نزولنا الكوفة ، فدخلنا إلىمسجد السهلة ، فإذا نحن بشخص راكع وساجد ، فلما فرغ دعا بهذاالدعاء :

أنت الله لا إله إلا أنت ـ إلى آخر الدعاء.

ثم نهض إلى زاوية المسجد فوقف هناك وصلى ركعتين ونحنمعه ، فلما انفتل من الصلاة سبح ثم دعا فقال :

اللهم بحق هذه البقعة الشريفة ، وبحق من تعبد لك فيها قد علمتحوائجي ، فصل على محمد وال محمد واقضها وقد أحصيت ذنوبيفصل على محمد وال محمد واغفرها لي.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

الفقيه في باب ما أحلّ الله من النكاح وما حرّم.

وحبابة بنت جعفر الأسديّة التي روت عن أمير المؤمنينعليه‌السلام وقالت: رأيت أمير المؤمنين في شرطة الخميس ومعه درّة يضرب بها بيّاع الجريّ والمارماهيّ، والمزماريّ ويقول لهم: « يا بُيّاع مُسوُخ بني إسرائيل » إلى آخر الحديث.

وحكيمة بنت الإمام أبي جعفر محمّد بن عليّ الجوادعليه‌السلام .

وحميدة البربريّة اُمّ الإمام أبي الحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام وهي من الثقات التقيّات، وكان مولانا الإمام الصادقعليه‌السلام يرسلها مع اُمّ فروة تقضيان حقوق أهل المدينة.

وزينب بنت أبي سلمة التي كانت من أفقه نساء زمانها، وكانت كثيرة الخير والصدقة وكانت صنّاع تعمل بيدها وتتصدّق بيدها.

وسعيدة التي وقع اسمها في إسناد الكافي فقد روى في باب النوادر من آخر كتاب النكاح عن سعيدة .

وغيرهنّ كثيرات لم نذكر أسماءهنّ اختصاراً وإيجازاً(١) .

وقد برزت هذه النسوة وصعدن إلى تلك المرتبة من العلم والفضيلة، وضاهين الرجال في المقام والمنزلة بفضل الإسلام.

فقد ربّى في حجره مثل هذه النساء العالمات التقيّات ذوات الشخصيّة الرشيدة والمواقف البارزة، والصفحات البيض، والتواريخ المشرقة في شتّى مناحي الحياة الإسلاميّة ولولا الإسلام، وما أولاهن من المنزلة والحظوة لبقيت المرأة تعاني من ما كانت تعانيه من ظلم الجاهليّة وعسفها، وكبتها وتحقيرها.

فقد كانت المرأة في زمن الجاهليّة محرومة من كلّ مزايا الرجال، تحتقر كما يحتقر

__________________

(١) من أراد الوقوف على تفصيل ذكرهنّ وأسمائهنّ فعليه أن يراجع كتاب: أعلام النساء، بلاغات النساء، الخيرات الحسان، والاستيعاب، والإصابة.

٤٤١

الحيوان، وتباع وتشترى كما يشترى ويباع المتاع، حتّى جاء الإسلام وأولاهنّ ما أولاه من الرفعة بعد الضعة، والشرف بعد المقت والعزّة بعد الإهانة والذّل، فتخرّج منهنّ الكاتبات والأديبات والعالمات، والراويات، وربّات الفكر والرأي، وذوات الشخصيّة والشأن الكبير.

على أنّ النساء لم يحصلن على حقوقهنّ في التعليم في ظلّ الحكومة والشريعة الإسلاميّة فقط، بل حصلن على حقوق عادلة في التسوية مع الرجال في اعتناق الدين، واستحقاق الثواب الاُخرويّ، والاحترام الدنيويّ، والميراث، والزواج وحقوق الزوجيّة، والطلاق، والنفقة، والوصيّة.

وجملة القول ؛ أنّه ما وجد دين ولا شرع ولا قانون في أمّة من الأمم أعطى النساء ما أعطاهنّ الإسلام من الحقوق والعناية والكرامة، في جميع المجالات الإنسانيّة.

هذا ولقد كان الإسلام أوّل من عمل على محو الاُميّة ونشر الثقافة والعلم وتعميمها في أوساط الناس فيما كانت الحكومات المعاصرة لعصر النبوّة المحمديّة ـ كالأجهزة الحاكمة في إيران ـ تحظر العلم والثقافة على طبقات الشعب وتحرم اكتسابهما إلّا على الأُمراء وأبناء الاُمراء، وطبقة المؤبذين ( وهم رجال الدين الزرادشتي )(١) .

وإنّ أدلّ دليل على سعي الإسلام لمحو الاُميّة قبل أي أحد هو ما فعله النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله مع أسرى بدر حيث جعل فداء بعض الأسرى الذين كانوا يعرفون القراءة والكتابة، تعليم أولاد المسلمين: القراءة والكتابة.

فقد روى الحلبي في سيرته ذلك قائلاً: ( بعثت قريش في فداء الأسارى وكان الفداء فيهم على قدر أموالهم، وكان من أربعة آلاف إلى ثلاثة آلاف درهم إلى ألفين إلى ألف. ومن لم يكن معه فداء وهو يحسن الكتابة دفع إليه عشرة غلمان من غلمان المدينة ليعلّمهم الكتابة فإذا تعلّموا كان ذلك فداء )(٢) .

__________________

(١) الشاهنامة للفردوسيّ ٦: ٢٥٧ ـ ٢٦٠.

(٢) السيرة الحلبيّة ٢: ٢٠٤.

٤٤٢

على أنّ المنهج الذي اختاره الإسلام هو جعل الإيمان مقروناً بالعلم، والعلم مقروناً بالإيمان فالمكتفي بأحدهما كطائر يحلّق بجناح واحد ولذلك نرى أنّ الله سبحانه يقرن أحدهما بالآخر في كتابه إذ يقول:( يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ) ( المجادلة: ١١ ).

وكقوله:( وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ ) ( الروم: ٥٦ ).

وممّا يدلّ على ذلك ما نراه ـ إذا سرنا في البلاد الإسلاميّة ـ من بناء الجامعات إلى جنب المساجد الذي يشير بوضوح إلى عدم التفكيك بين العلم والإيمان، وبين الدين والمعرفة في الحوزات الإسلاميّة العلميّة المبثوثة في كلّ أرجاء العالم الإسلاميّ أو انعقاد الحلقات الدراسيّة في المساجد. ولقد بلغ حثّ الإسلام على اكتساب العلم والمعرفة حدّاً بليغاً حتّى أنّه حرّض على الهجرة في سبيل اكتساب العلم، عندما حثّ على أن يخرج من كلّ فريق طائفة تسافر إلى المدينة، ليدركوا حضرة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وليتعلّموا منه ما يحتاجون إليه من العلوم والمعارف الإلهيّة المفيدة ثم يرجعوا إلى قومهم وهو أمر يدلّ ضمناً على أنّ الإسلام كان ممن أسّس بنيان الحوزات العلميّة والجامعات وهي حقيقة يدلّ عليها قوله سبحانه:( فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) ( التوبة: ١٢٢ ).

فإنّ هذه الآية وإن فسّرت بوجوه غير أنّ الأظهر في تفسير الآية ما روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام :

قال عبد الله بن المؤمن الأنصاريّ قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : إنّ قوماً يروون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: « اختلافُ اُمّتي رحمة » فقال: « صدقُوا » فقال: إن كان اختلافهم رحمة فاجتماعهم عذاب ؟ قال: « ليس حيثُ تذهب وذهبُوا، إنّما أراد قول الله عزّ وجلّ:( فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) فأمرهم أن ينفروا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ويختلفوا إليه فيتعلّموا ثمّ يرجعوا إلى قومهم فيعلّموهم، إنّما أراد اختلافهم من البلدان لا اختلافاً في دين الله إنّما الديّن

٤٤٣

واحد »(١) .

وهذه الآية مضافاً إلى كونها دالّة على وجود مركز أو مراكز علميّة في زمن النبيّ يسافر إليها الأفراد ليتلقّوا فيها العلوم والمعارف اللازمة ؛ تدلّ على وجوب هذا الأمر وجوباً كفائيّاً، ولقد استمرّ وجود هذه المراكز والحوزات العلميّة في زمن الأئمّة: وفي زمن الإمام الصادق خاصّة.

فقد روى أحمد بن محمّد بن عيسى وقال: خرجت إلى الكوفة في طلب الحديث فلقيت بها الحسن بن عليّ الوشا، فسألته أن يخرج لي كتاب العلا بن رزين وأبان بن عثمان، فأخرجهما إليّ فقلت له: أحبّ أن يجيزهما لي فقال: يرحمك الله وما عجلتك، اذهب فاكتبهما واسمع من بعد ذلك، فقال: لا آمن الحدثان، فقال: لو علمت هذا الحديث يكون له هذا الطلب لاستكثرت منه فإنّي أدركت في هذا المسجد ( بالكوفة ) تسعمائة شيخ كلّ يقول حدّثني جعفر ( أي الإمام الصادقعليه‌السلام )(٢) .

وبالتالي فإنّ ما يدلّ على اهتمام الدين الإسلاميّ بانتشار العلوم والأخذ بالمعارف المتنوّعة هو ازدهار العلوم المختلفة بين المسلمين ونبوغهم المطّرد والبارز في شتّى مجالات المعرفة، وتنوّع الكتب والمصنفات التي خلّفها المسلمون وصنّفها علماؤهم وكتّابهم، وكانت أساساً لكثير من العلوم الحديثة.

يبقى أن نعرف أنّ الإسلام لا يطرح صيغة خاصّة لمنهج التعليم، وقد سبق أن قلنا: إنّ خاتمية الدين الإسلاميّ تقتضي أن يبيّن الإسلام الجوهر واللب، وأمّا الصور والأشكال فمتروكة للأجيال والعصور، ومقتضياتها فلا مانع من أن يستفيد المسلمون من أي منهج تعليميّ، وأن يستخدموا أي جهاز يضمن تعميم العلم كالتلفزيون والمذياع شريطة الحفاظ على خلق المجتمع، وقيمه الإسلاميّة العليا. فإنّ الإسلام يخالف كلّ علم يتنافى مع سعادة البشر ويهدّد استقراره.

__________________

(١) نور الثقلين ٢: ٢٣٨.

(٢) رجال النجاشيّ: ٢٨ وتنقيح المقال للمامقانيّ ١: ٢٩٤.

٤٤٤

هذا ولعلّك تعجب إذا علمت أنّ تحصيل العلم في الفنون المختلفة من الطبّ والاقتصاد والحقوق السياسيّة والصنائع المتنوّعة فريضة إسلاميّة يجب على الجميع تعلّمه على نحو الواجب الكفائيّ لكي ترتفع حاجة المسلمين إلى غيرهم، ويأمنوا بذلك من تدخّل الأجانب في شؤونهم، بل الأعجب من ذلك أنّ التحصيل في بعض الشؤون واجب عينيّ وذلك فيما يتعلّق بمعرفة الأحكام الدينيّة من أحكام العبادات والمعاملات كما حقّق في موضعه(١) ، ولأجل ذلك وجب على الحكومة الإسلاميّة أن تخصّص قسماً كبيراً من ميزانيّتها لتأسيس الجامعات الدينيّة، والعلميّة وتهيئة ظروف التعليم والتعلّم حتّى يتسنّى لأبناء الاُمّة تحصيل المعرفة في أي مجال مفيد، وضروريّ لحياة الاُمّة. فإنّ جميع ما سقناه إليك من أدلّة حاثّة على طلب العلم، وإنّ ما وصل إليه المسلمون القدامى من أزدهار، وتقدّم عظيم، في العلوم يستدعيان أن تكون الحكومة الإسلاميّة هي التي تتولّى تهيئة أجواء العلم والتعلّم والتعليم، وإلاّ فكيف يمكن أن يتحقّق ذلك الازدهار ويتحقّق هذا الهدف العظيم، والأمر خارج عن نطاق الأفراد بل هو ميسّر للحكومة وإمكانيّاتها، ولوجوب أن تقتدي هذه الحكومة بسيرة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله حيث تولّى بنفسه تهيئة أجواء التعليم والتعلّم لأبناء المدينة كما مرّ عليك في قصّة أسرى بدر.

الإسلام والعلوم الطبيعيّة

ثمّ انّه لم يكن تأكيد الإسلام على تحصيل العلم ليختصّ بعلم دون علم وبباب دون آخر، وإن كان التأكيد على اكتساب الفقه والعلم بأحكام الدين أشدّ، وأكثر.

فالعلم بأحكام الدين واُصوله وفروعه، أو العلم بما يجري في الطبيعة من السنن والقوانين وكشف غوامض الحياة ومعضلاتها واختراع ما يكون مفيداً للحياة البشريّة ممّا دعا إليه الإسلام من غير فرق بين علم وعلم. ولذلك أمر سبحانه في الكثير من الآيات القرآنيّة بالتدبّر في الكون والسنن الحاكمة فيه، كما هو غير خفيّ على من له إلمام بالكتاب

__________________

(١) راجع فرائد الشيخ الأنصاريّ: ٣٠٠ ـ ٣٠١.

٤٤٥

الكريم.

وتقسيم العلوم إلى دينيّة وغير دينيّة ( أو قديمة وحديثة ) مجرّد اصطلاح وإلاّ فكلّ علم نافع ناجع قد دعا إليه الدين وأمر به الكتاب، وأخذ به المسلمون، وما يعدّ علوماً حديثة فلها جذور في القديم وإنّما حدث التطوّر والتكامل حسب مرور الزمان شأن كلّ ظاهرة وعلم.

ولأجل ذلك نرى أنّ المسلمين اهتمّوا ـ منذ بزوغ الإسلام ـ بمختلف العلوم والمعارف، وبرعوا فيها، وكانوا لكثير منها مكتشفين، وكان منهم المخترعون، والمبدعون.

وقد اعترف بذلك كثير من علماء الغرب والشرق، وأقرّوا للمسلمين به، وبيّنوا جهود المسلمين في هذا المضمار، وعدّوهم آباء العلم الحديث في كثير من المجالات والأصعدة.

ونحن هنا نشير إلى طائفة ممّن كان لهم من المسلمين اكتشافات علميّة :

١. جابر بن حيّان، تلميذ الإمام جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام كان من أشهر علماء الكيمياء. هذا وللرازي وأبو ريحان البيرونيّ بحوث شيّقة وهامّة في الكيمياء أيضاً.

٢. يعقوب ابن إسحاق الكندي ؛ له ١٥ كتاباً في معرفة أحوال الجوّ.

٣. الحسن بن الهيثم ؛ المتولّد عام ٣٠٤ ألّف كتباً عديدة في الضوء وخواصّ المرايا المقعّرة والمحدّبة والمنكسرة.

٤. محمد بن إبراهيم الفزاري، والحجاج بن يوسف بن مطر ؛ لهما ولغيرهما من المسلمين جهود علميّة كبرى في الرياضيّات.

٥. الخواجا نصير الدين الطوسيّ، وأبو معشر البلخيّ، يعود إليهما الكثير من الاختراعات والاكتشافات في علم الهيئة والفلك.

٦. محمّد بن زكريّا الرازي، وأبو عليّ بن سينا، وابن رشد الأندلسيّ يعود إليهما

٤٤٦

الكثير من الأبحاث الطبيّة، ومسائل العلاجات والأدوية.

٧. الكندي والدميريّ والقزوينيّ وابن بطوطة وابن خلدون ؛ ممّن لهم كتب ومؤلّفات واسعة في علم الأحياء، والجغرافيه، وغيرهما من العلوم والمعارف، وغيرهم ممّن لا يمكن إحصاء أسمائهم لكثرتهم وكثرة مؤلّفاتهم.

ويكفي دلالة على تشجيع الإسلام للصناعة ما قاله الإمام الصادقعليه‌السلام في حديث مفصّل: « كلّ ما يتعلّم العبادُ أو يُعلّمون غيرهُم من صُنوف الصناعات مثل الكتابة والحساب والنّجارة والصّياغة والسّراجة والبناء والحياكة والقُصارة والخياطة وصُنعة صنوف التصاوير ما لم يكُن مثل الرّوحانيّ وأنواع صنوف الآلات التي يحتاجُ إليها العبادُ التي منها منافعهُم وبها قوامُهم وفيها بُلغةُ جميع حوائجهم فحلال فعلهُ، وتعليمهُ والعملُ به وفيه لنفسه أو لغيره »(١) .

ثمّ انّ عناية الإسلام بالكتابة وتقييد العلم بواسطتها يعتبر من أبرز الأدلّة على تبنيّ الإسلام للعلم وحرصه عليه فقد كان الإسلام أوّل من روّج الكتابة وحثّ على تعلّمها، وكان ذلك الموقف من الكتابة والتدوين هو السبب الرئيسيّ في كتابة المؤلّفات وتأليف الكتب العديدة الذي كان ـ بدوره ـ خير وسيلة لأحياء العلم، والابقاء عليه فقد روي أنّه كتب الشيعة وحدهم ما يقارب (١٠) آلاف كتاب خلال عهد الإمامين الباقرين خاصّة(٢) .

ولقد وردت أحاديث كثير في هذا الصدد يضيق المجال بذكرها في هذه العجالة ولكنّنا ندرج هنا بعضها على سبيل المثال :

عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: « قيّدُوا العلم بالكتابة »(٣) .

__________________

(١) تحف العقول: ٢٤٦.

(٢) المراجعات: ٣٣٧ المراجعة (١١٠).

(٣) تحف العقول كما في الذريعة ١: ٦، المستدرك للحاكم ١: ١٠٦، كنز العمال ٥: ٢٧٧، البيان والتبيين ١: ١٦١.

٤٤٧

وعن عبد الله بن عمر قال قلت لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أقيّد العلم ؟ قال: « نعم »، قيل وما تقييده ؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « كتابتُهُ »(١) .

وعن أبي بصير قال دخلت على أبي عبد الله ( الصادق ) فقال: « ما يمنعُكُم من الكتابة، إنّكُم لن تحفظُوا حتّى تكتبُوا »(٢) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا مات ابنُ آدم انقطع عملهُ إلّا من ثلاث :

صدقة جارية، أو علم ينتفعُ به أو ولد صالح يستغفُر لهُ »(٣) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « المُؤمنُ إذا مات وترك ورقةً واحدةً عليها علم تكُونُ تلك الورقةُ سُتراً فيما بينهُ وبين النّار وأعطاهُ الله بكُلّ حرف مكتُوب عليها مدينةً في الجنّة »(٤) .

وعنهعليه‌السلام أيضاً أنّه قال: « احتفظُوا بكُتبكُم فسوف تحتاجُون إليها »(٥) .

وقالعليه‌السلام : « القلبُ يتّكلُ على الكتابة »(٦) .

وقالعليه‌السلام : « اُكتُب وبُث علمك في إخوانك فإن متّ فأورث كُتُبك بنيك فإنّهُ يأتي على النّاس زمان هرج ما يأنسُون إلّا بكُتُبهم »(٧) .

وعن الإمام الحسنعليه‌السلام أنّه دعا بنيه وبني أخيه فقال: « إنّكُم صغار قوم ويُوشكُ أن تكُونُوا كبار قوم آخرين فتعلّمُوا العلم فمن لم يستطع منكُم أن يحفظهُ فليكتُبهُ وليضعهُ في بيته »(٨) .

هذا وللإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام تعاليم لطيفة في مجال الكتابة وتحسين الخطّ فقد قال لكاتبه عبيد الله بن أبي رافع: « ألق دواتك، وأطل جلفة(٩) قلمك ،

__________________

(١) راجع الذريعة ١: ٦، التاج ١: ٦١.

(٢) مشكاة الأنوار للطبرسيّ: ١٤٢، وروي في الكافي ١: ٥٢ بهذه الصورة: « اكتُبُوا فإنّكُم لا تحفظُون حتّى تكتبُوا ».

(٣) رواه الخمسة إلّا البخاريّ، راجع التاج ١: ٦٦.

(٤) أوثق الوسائل: المقدّمة.

(٥ و ٦ و ٧) الكافي ١: ٥٢.

(٨) بحار الأنوار ٢: ١٥٢.

(٩) الجلفة ما بين مبراه وسنته.

٤٤٨

وفرّج بين السّطُور وقرمط(١) بين الحُرُوف، فإنّ ذلك أجدرُ بصباحة الخطّ »(٢) .

كما روي عنهعليه‌السلام قوله: « الخطّ الحسن يزيد الحقّ وضوحاً »(٣) .

هكذا حثّ الإسلام على الكتابة حثّا بليغاً، وأكيداً، وكفى في ذلك أنّ الله تعالى أقسم بالقلم باعتباره وسيلة فعّالة لنقل المعرفة وتدوينها، وإبقائها.

بحث وتنقيب

ولعلّك تقول: لو حثّ الإسلام مثل هذا الحثّ على الكتابة والتدوين فلماذا نهى الخليفة الثاني عن كتابة الحديث في حين كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يحثّ أصحابه على كتابة ما يسمعونه منه. فقد أخرج صاحب غوالي اللئالي عن عمر بن شعيب عن أبيه وجدّه قال قلت: يا رسول الله أكتب كلّ ما أسمع منك ؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « نعم »، قال: قلت في الرضا والغضب ؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « نعم فإنّي لا أقول في ذلك كلّه إلّا الحقّ »(٤) .

وقد أملىصلى‌الله‌عليه‌وآله كتباً في الشرائع والأحكام كان قد جهّز بها رسله وعمّاله في الأقطار المفتوحة وقد احتفظ بها المسلمون وأوردها أصحاب السير والمعاجم وأهل الحديث والتفسير في كتبهم وهذه الصحف تعرب قبل كلّ شيء عن عناية الرسول بحفظ علوم الرسالة وذخائر النبوّة وأحكام الدين ودساتيره ليستفيد منها القريب ويرجع إليها النائي.

وقد تواتر عن الفريقين أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قبض وفي قراب سيفه أو ذؤابة سيفه كتاب أو كتابان(٥) .

__________________

(١) القرمطة بين الحروف، المقاربة بينها وتضييق فواصلها.

(٢) نهج البلاغة: قصار الكلم ( الرقم ٣١٥ ).

(٣) حديث مشهور.

(٤) راجع الذريعة ١: ٦، التاج ١: ٦١.

(٥) صرّح بذلك إمام الحنابلة في مواضع من مسنده راجع المسند ١: ٨١، ١٠٠، ١١٩، ١٢٦، ١٣٢، صحيح مسلم ٤: ٢١٧، السنن الكبرى ٨: ٣٠.

٤٤٩

وقد اعتمد على هذا الكتاب أئمّة أهل الحديث في مختلف الأبواب والأحكام واكثر النقل عنه المحدّث الحرّ العامليّ في جامعه الكبير وينهي إسناده إلى أئمّة أهل البيت(١) .

قال ابن عمر: إنّ قريشاً قالت: إنّك تكتب عن رسول الله وهو بشر يغضب يعنون به أنّه يقول عند الغضب باطلاً، فعرضت كلامهم على رسول الله قال: « اكتب فإنّي لا أقُولُ إلّا حقّاً » أو أشار إلى شفتيه وقال: « لا يخرُجُ منهُما إلّا الحقّ اكتُب »(٢) .

وقد أملى رسول الله كثيراً من الأحكام على ( علي ) فدوّن أمالي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حياته، واشتهر بكتاب عليّ، وقد روى عنه البخاريّ في صحيحه في باب كتابة الحديث وباب « إثم من تبرّأ من مواليه ».

وقد أكثر عنه النقل الإمامان الباقر والصادقعليهما‌السلام ورآه كثير من أصحابهما كزرارة بن اُعين ومحمد بن مسلم وأبي بصير ونظرائهم.

وأخرج الشيخ أو العباس النجاشي ( المتوفّى عام ٤٥٠ ) في ترجمة « محمّد بن عذافر » عن عذار الصيرفيّ قال: كنت مع الحكم بن عيينة، عند أبي جعفر محمّد بن علي الباقرعليه‌السلام فجعل يسأله وكان أبو جعفر له مكرهاً فاختلفا في شيء، فقال أبو جعفر: « يا بنيّ قم فأخرج كتاب عليّ » فاخرج كتاباً مدرجاً عظيماً، ففتح وجعل ينظر حتى أخرج المسألة، فقال أبو جعفر: « هذا خطّ عليّ وإملاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأقبل على الحكم وقال: « يا أبا محمّد: إذهب وسلمة والمقداد حيث شئتم يميناً وشمالاً، فوالله لا تجدون العلم أوثق منه عند قوم كان ينزل عليهم جبرائيل »(٣) .

والحديث عمّا كتبه عليّعليه‌السلام كثير، وأخرج المشايخ والمحمّدون الثلاثة روايات جمّة عنه ينتهون بإسنادها إلى أئمة الحديث مبثوثة في كتب الطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحجّ والجهاد والأمر بالمعروف والتجارة والوصايا والطلاق والنكاح

__________________

(١) راجع وسائل الشيعة كتاب القصاص.

(٢) مستدرك الحاكم ١: ٤.

(٣) فهرست النجاشيّ: ٢٥٥ ( طبعة الهند ).

٤٥٠

والأطعمة والأشربة والحدود والقصاص والديات والقضاء والأيمان والصيد والميراث وإحياء الموات(١) .

ثمّ إنّ الشيعة في الصدر الأوّل اقتفوا أثر إمامهم في الكتابة والتأليف فاهتمّوا بجمع أحاديث الأحكام والفرائض والقضايا وأخبار المغازي، وتراجم الرجال وقد جمع أسماءهم الشيخ أبو العباس النجاشيّ في أوّل رجاله.

ثمّ الذين نشأوا بعد الطبقة الاُولى نهجوا منهاج سلفهم، حذو القذّة بالقذّة في كلّ قرن وجيل ؛ رغم ما كانت تواجههم من الظروف القاسية والكوارث الداهمة ورغم ما كانوا يعانون من السلطات الغاشمة

فإنّ الشيعة رغم كلّ تلك المصاعب ألّفوا كتباً ثمينة جمعوا فيها شذرات الحديث وشوارد السير واُصول الأخلاق، ونهضوا بهذه المهمّة بعزم راسخ لا يعرف الكلل والملل مثابرين على العمل، ومعانين في طريق هدفهم كثيراً من الأذى حفاظاً على حياض الشريعة الإسلاميّة وصوناً لكنوزها، وبثّاً لتعاليم الحنيفيّة البيضاء.

وقد ترجم الشيخ أبو العباس النجاشيّ صاحب الفهرست المعروف في صدر كتابه بعض رجال الشيعة ممّن يعدّون من المؤلّفين في الطبقة الاُولى.

ودونك أسماء عدّة منهم من الذين ذكرهم الشيخ أبو العباس النجاشيّ بهذا العنوان في أوّل فهرسته :

١. أبو رافع ؛ مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وصاحب بيت مال أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام صنف كتاب السنن والأحكام والقضايا.

٢. عبيد الله بن أبي رافع ؛ كاتب أمير المؤمنين وأوّل من ألّف في الرجال، ترجم من أصحاب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله من شهد منهم حروب أمير المؤمنينعليه‌السلام الجمل وصفين.

__________________

(١) راجع وسائل الشيعة في هذه الكتب وقد جمع العلاّمة الشيخ الأحمديّ في كتابه القيّم « مكاتيب الرسول » ١: ٨٢ ـ ٨٨ ما بثّه صاحب الوسائل في جامعه على نسق الكتب الفقهيّة.

٤٥١

٣. عليّ بن أبي رافع ؛ كاتب أمير المؤمنينعليه‌السلام صنف كتاباً في فنون من الفقه: الوضوء والصلاة وسائر الأبواب.

٤. ربيعة بن سميع ؛ صنّف كتاب زكاة النعم على ما سمعه عن أمير المؤمنينعليه‌السلام في صدقات النعم وما يؤخذ من ذلك.

٥. أبو صادق سليم بن قيس الهلالي ؛ صاحب أمير المؤمنين ألّف أصله المعروف المطبوع.

٦. الأصبغ بن نباتة المجاشعيّ، من خيار أصحاب أمير المؤمنين ومن شرطة الخميس له كتاب عهد أمير المؤمنين إلى مالك الأشتر النخعيّ ووصيّته إلى ابنه محمّد بن الحنفيّة.

٧. أبو عبد الله سلمان الفارسي ؛ له كتاب ( خبر جاثليق ) وقد أملى الخطبة الطويلة والاحتجاجات.

٨. أبو ذرّ الغفاري ؛ له كتاب وصايا النبيّ وشرحه العلاّمة المجلسي وأسماه عين الحياة.

هذا حال الطبقة الاُولى منهم وأمّا الذين أتوا بعدهم فالرواة منهم المعاصرون للأئمّة الهداة في مجموع القرنين منذ قبض الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى عصر العسكريعليه‌السلام لم يؤثر عنهم فتور في تدوين العلوم وضبط الحديث، وجمع قواعد الفقه وتنسيق طبقات الرجال وضمّ حلقات التفسير وإتقان مباني واُسس الكلام إلى غير ذلك.

كلّ ذلك يشهد على مبلغ اهتمامهم بتلقّي أنواع المعارف والعلوم من معادنها في السرّ والعلانية، وتغنينا عن إفاضة القول وسرد الشواهد، الفهارس المؤلّفة لكتب الشيعة في القرون الإسلاميّة الغابرة ولا سيّما ما ألّفه العلاّمة المتتبّع المغفور له الشيخ أغا بزرگ الطهرانيّ في أثره الخالد ( الذريعة إلى تصانيف الشيعة ) المطبوع في خمسة وعشرين جزء.

٤٥٢

وأظنّ أنّ الموضوع لا يحتاج إلى أن نتوسّع فيه أكثر من ذلك وهذا كتاب الله سبحانه يحثّ في أطول آيات كتابه(١) على كتابة ما يتوصّل بها إلى حفظ عرض دنيويّ زائل ومتاع مندثر، أفلا يجوز لنا من هذا الحثّ الأكيد استنباط لزوم الاهتمام بما ننال به المقاصد العالية ويفوز الإنسان به بالسعادة الخالدة ؟

حول الحديث الموضوع

وبعد ذلك كله لا اعتبار بما نسبوه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من أنّه قال: « لا تكتبوا عنّي شيئاً سوى القرآن فمن كتب عنّي غير القرآن فليمحه »(٢) أو أنّه لم يأذن بكتابة الحديث على ما رواه الترمذيّ عن أبي سعد قال: استأذنا النبيّ في الكتابة فلم يأذن لنا(٣) .

وأغرب منه ما رواه الحاكم بسنده عن عائشة قالت: جمع أبي الحديث عن رسول الله فكانت خمسمائة حديث فبات يتقلّب، قالت فغمّني كثيراً، فقلت يتقلّب لشكوى أو لشيء بلغه، فلّما أصبح قال: أي بنيّة هلمّي الأحاديث التي عندك ! فجئته بها فأحرقها، وقال خشيت أن أمُوت وهي عندك فيكون فيها أحاديث عن رجل ائتمنته ووثقت به ولم يكن كما حدّثني فأكون قد تقلّدت ذلك(٤) .

وأظنّ أنّ ما اُلصق برسول الله من مختلقات الحديث وضعها القائل أو القائلون لأغراض وغايات سياسيّة وأظنّ أنّ الذي دفع الوضّاعين إلى إعزاء ما اختلقوه إلى رسول الله أحد أمرين أو كليهما :

إمّا لأنّ المعتمد في كتابة أحاديث الرسول آنذاك كان هو الإمام عليّعليه‌السلام دون سائر الصحابة، وكان ذلك يعدّ فضيلة رابية للإمام، فحاول أعداؤه ومناوؤه طمسها فاختلقوا ما اختلقوا لكي يصبح عمل الإمام في استقلاله بالتدوين، أو تبرّزه في هذا الباب عملاً غير مشروع.

__________________

(١) سورة البقرة ٢: الآية (٢٨٢) آية الدين.

(٢) رواه الدارميّ في مقدّمة سننه.

(٣) صحيح الترمذيّ ٢: ٩١ ( طبعة الهند ).

(٤) جمع الجوامع للسيوطيّ ٢: ١٤٧.

٤٥٣

وإمّا لأنّ تلك الأحاديث فيها الكثير ممّا قاله النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في فضل عليّعليه‌السلام وعظم شأنه، فلو سوّغت كتابة الأحاديث وأحاط بها الناس علماً وتناقلها المسلمون في شتّى الأقطار، لأدّت إلى ظهور الإمامعليه‌السلام على سائر الصحابة، وكونه الأحقّ في تسنّم منصب الخلافة بعد الرسول وفي ذلك ما فيه من الخطر على من تسنّموا عرشها بغير حقّ وبغير دليل.

فلو كان كتابة الحديث وضبطه في الصحائف والجلود أمراً مرغوباً عنه فلماذا أملى النبيّ بنفسه كتباً في الشرائع والأحكام وجهّز بها رسله وعماله في الأقطار المفتوحة.

ولو كان نهي النبيّ بمرأى ومسمع من أصحابه وأنصاره، فلماذا استفتى عمر أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك فأشاروا عليه أن يكتب فطفق عمر يستخير الله شهراً ثمّ أصبح يوماً وقد عزم الله له فقال: إنّي كنت اُريد أن أكتب السنن وإنّي ذكرت قوماً كانوا قبلكم كتبوا كتباً فأكبّوا عليها وتركوا كتاب الله وإنّي والله لا أشوب كتاب الله بشيء أبداً ولا اُلبس كتاب الله بشيء أبداً(١) .

والعذر الذي جاء به الخليفة في كلامه يشبه ما في كلام بعضهم في تفسير نهي النبيّ عن الكتابة من أنّ نهيهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن كتابة الحديث كان لخوفهصلى‌الله‌عليه‌وآله من اختلاط الحديث بالقرآن.

ولا يخفى ما فيه من الخبط والخطأ فإنّ ما يفسده أكثر ممّا يصلحه إذ معنى ما ذكره هو إبطال معجزة القرآن وهدم اُصولها من القواعد، وإنّ معنى ذلك كون بلاغة القرآن والحديث والخطب المرويّة من باب واحد هو باطل، والله سبحانه يقول:( قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ) ( الإسراء: ٨٨ ).

وقد حقّق في محلّه أنّ القرآن وحي بلفظه ومعناه، لا يشبه كلام الإنسان من حيث

__________________

(١) رواه الكاتب المتتبع المعاصر أبو ريّه عن الحافظ بن عبد ربه والبيهقي في أضواء على السنّة المحمديّة ص ٤٣.

٤٥٤

الصياغة والانسجام، والحديث وحي بمعناه دون لفظه، فهو من جهة اللفظ والصياغة كلام بشريّ يمكن مباراته.

وهناك عذر آخر لا يقلّ في الوهن والضعف عن الأوّل جاء به بعض المعاصرين قال: يمكن أن تكون حكمة النهي عن كتابة الحديث هو أن لا تكثر أوامر التشريع، ولا تتّسع أدلّة الأحكام وهو ما كان يتحاشاهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى كان يكره كثرة السؤال، أو يكون من أحاديث في اُمور خاصّة بوقتها بحيث لا يصح الاستمرار في العمل بها. ونحن لا نعلّق عليها إلّا شيئاً طفيفاً إذ القارئ الكريم أعرف بحالها، إذ أي صلة بين كتابة حديث نافع وسنّة متّبعة تتّصل بحياة المسلمين الفرديّة والاجتماعيّة وتحتلّ مكاناً سامياً في استنباط كثير من الأحكام التي كانوا يواجهونها بعد عصر الرسالة عندما توسّعت الحكومة الإسلاميّة وتلوّنت حياتهم بألوان حضارة جديدة، ولم يكن لهم بها عهد في عصر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وبين كثرة السؤال عن أشياء لا تهمّ السائل معرفتها.

على أنّ ما اعتذر به الكاتب في تصحيح النهي عن تدوين السنّة يستدعي النهي عن كتابة القرآن وهما في المقام سواسية، لأنّ عمق معاني القرآن وغزارة مقاصده تؤدّي بالباحث إلى كثرة التساؤل واتّساع أدلّة الأحكام وتكثر أوامر التشريع، وبالتالي يستلزم تسلسل الأسئلة.

ولا يتردّد المحقّق الباحث في أنّ ما عزوه إلى النبيّ من مخاريق الأوهام الباطلة التي نحتوها لأغراض سياسيّة، لتصحيح فعل الخليفة ونهيه عن كتابة الحديث وسنّة النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وما ارتكبه الخليفة عثرة لا تقال، فالله يعلم كم خسر الإسلام والمسلمون من جرّائها لولا أن تدارك الخسران العظيم عمر بن عبد العزيز فكتب من الشام إلى أبي بكر ابن حزم وهو من كبار المحدّثين بالمدينة: انظر من حديث رسول الله فاكتبه، فإنّي خفت دروس العلم وذهاب العلماء(١) .

__________________

(١) صحيح البخاريّ ١: ٢٧ كتاب العلم.

٤٥٥

برامج الحكومة الإسلاميّة ووظائفها

٢

الحكومة الإسلاميّة

والحقوق الفرديّة والاجتماعيّة

حاجة المجتمعات إلى الحقوق

بما أنّ الإنسان بطبيعته ذو تطلّعات وحاجات تزداد بتوسّع التمدّن وتقدّم الحضارة، وبما أنّ الحياة الاجتماعيّة لا تنفكّ عن إقامة العلاقات والروابط بين أبناء البشريّة، وبما أنّ وصول الأفراد إلى تطلّعاتهم وحاجاتهم لا ينفكّ عن التزاحم والتصادم والاختلاف والتشاجر، كان لا بدّ من حلّ هذا الاختلاف والتنازع، ووضع العلاقات الاجتماعيّة في الإطار الصحيح.

وقد كان هذا الحلّ يتمّ ـ في العصور السابقة ـ بالقوّة، وقدرة السلاح وكان المنطق الحاكم هو ( الحقّ لمن غلب )، غير أنّ تقدّم البشريّة في مدارج التربية أوجد لديها فكرة التنظيم وحلّ الاختلافات بين أفراد البشر بغير وسيلة القوّة، والسلاح، ومن هنا تكوّن ما يسمّى بعلم الحقوق، فعلم الحقوق عبارة عن الاُصول والقواعد التي تنظّم علاقات الأفراد، والتي يجب أن تسود المجتمعات حتماً، ولا يتخلّف عنها أحد أبداً.

٤٥٦

وبعبارة اُخرى ؛ إنّ الحقوق عبارة عن ( مجموع القواعد والقوانين المقرّرة لحفظ الأفراد وترقية المجتمع البشريّ، وعلى ذلك ينطبق علم الحقوق على قسم من الفقه الإسلاميّ، ويكون شعبة من الفقه ).

ولقد كان الفقه الإسلاميّ القانون الوحيد الحافظ لحقوق الأفراد والجماعات في الشرق الإسلاميّ إلى أوائل القرن الرابع عشر حتّى أن قامت الثورات الشعبية (؟) وأسّست مجالس الاُمّة، وسنّت القوانين الجديدة، وتركت القوانين الإسلاميّة جانباً وقد خسر المسلمون، بالعدول عن القوانين الإسلاميّة إلى تلك القوانين البشريّة المقتبسة من الغرب، خسر المسلمون ـ بسبب ذلك ـ العدل والرحمة، والإنسانيّة والاستقرار والدقّة.

تقسيمات الحقوق

لقد قسّم علماء الحقوق القوانين والحقوق(١) إلى :

أ ـ داخليّة ؛ تختصّ بالعلاقات المتقابلة بين أفراد الاُمّة الواحدة.

ب ـ خارجيّة ؛ تختص بالعلاقات المتقابلة بين الأمم والدول المختلفة.

وكلّ من الداخليّة والخارجيّة ينقسمان إلى خاصّة، وعامّة، وإليك فيما يأتي تفصيل هذه التقسيمات إجمالاً :

أ ـ الحقوق الداخليّة

والعامّة منها تنقسم إلى ثلاث شعب هي :

الاُولى / القانون الأساسيّ الذي يقوم في إطاره كلّ الروابط والعلاقات بين الأفراد، وتقوم كلّ التشكيلات الحاكمة على حياة الاُمّة فهو بمثابة ( الاُسس الكليّة لأي

__________________

(١) ليس المراد بالحقوق ـ هنا ـ هو المعنى الخاصّ له، بل هو مطلق القوانين ولذلك يكون الحقوق بمعناه الخاصّ المصطلح فقهياً جزءاً من هذا البحث.

٤٥٧

نظام ).

الثانية / القوانين المختصّة بالدوائر الحكوميّة وحدود وظائفها، وما يحدّد علاقات الأفراد ( موظّفين ومراجعين ) بها.

الثالثة / الحقوق والقوانين الجزائيّة التي يتميّز بها المعتدي عن غير المعتدي والمجرم عن غير المجرم، وتكون مانعة للأفراد عن الأعمال والتصرّفات المخلّة بالنظام.

وأمّا الخاصّة فهي تنقسم أيضاً إلى ثلاث شعب هي :

الاُولى / الحقوق المدنيّة وهي المتعلّقة بالأفراد في إطار العلاقات العائليّة والتي تسمّى الآن بالأحوال الشخصيّة، كالنكاح والطلاق والميراث وما شابه.

الثانية / القوانين والمسائل المرتبطة بالقضاء التي يستطيع الأفراد بالتوسّل بها أن يستوفوا حقوقهم الضائعة.

الثالثة / القوانين المتعلّقة بالعلاقات والمبادلات التجاريّة.

ب ـ الحقوق الخارجيّة ( الدوليّة )

والعامّة منها هي التي تبيّن وترسم كيفية علاقات الدول مع الدول، والحكومات مع الحكومات، ويندرج في ذلك المعاهدات وغيرها ممّا يدور بين الدول.

والخاصّة، هي التي ترتبط بعلاقة الدولة أو أفراد الشعب مع أتباع دولة اُخرى.

هذه هي ثمانية أنواع من القوانين والحقوق حسب التقسيم الحديث.

الإسلام والحقوق

لقد حظيت الحقوق ـ في الفقه الإسلاميّ ـ بأفضل مكانة في تشريعاته وتعاليمه بل إنّ الحقوق التي رسمها الإسلام وبيّنها على لسان القرآن أو السنّة الشريفة تعتبر من أدقّ، وأمتن الحقوق، وأكثرها إنسانيّة ورحمة وعقلانيّة. غير أنّ هناك ـ مضافاً إلى ذلك ـ خصائص تمتاز بها الحقوق الإسلاميّة عن الحقوق التي تطرحها القوانين البشريّة

٤٥٨

الوضعيّة هي :

أوّلاً: انّ الحقوق والقوانين التي جاء بها الإسلام تستمدّ اُصولها، وجزئياتها من ( الوحي الإلهيّ )، ولذلك فهي لا تقبل التغيير والتبديل، ولكنّ الحقوق التي طرحتها الأنظمة البشريّة فحيث أنّها تنبع من العلم البشريّ المحدود فهي تتعرّض دائماً للتغيير والتطوير لضيق آفاق العقل البشريّ.

ثانياً: أنّ الحقوق في الإسلام حيث تكون تابعة للمصالح والمفاسد الواقعية ونابعة من الملاكات الحقيقيّة فإنّها لا تخضع لأيّ زيادة أو نقصان وأيّ تطوير وتحوير، لانّها تقوم على أساس الواقع الإنسانيّ الثابت، والفطرة الحقيقيّة التي لا تتغيّر، والمصالح والمفاسد الموجودة في أفعال الإنسان وأعماله، ولكنّ الحقوق التي عرضتها الأنظمة والقوانين الوضعيّة حيث تنبع من الأهواء والميول والرغبات الفرديّة أو الجماعيّة فإنّها كثيراً ما تنالها أيدي التطوير والحذف لما يظهر فيها من عجز وضعف.

نعم إنّ القوانين والحقوق الإسلاميّة وإن كان بعضها يتغيّر شكلاً وإطاراً لكنّها لا تتغيّر جوهراً ومضموناً، ولقد أشبعنا القول في هذا الأمر في بحث الخاتميّة(١) .

ثالثاً: إنّ القوانين الإسلاميّة حيث تكون صادرة من مصدر ربّانيّ وتكون موجّهة إلى مؤمنين معتقدين بشرائعه ووعوده ومواعيده تتمتّع طبعاً وبالذات بخاصّية الانقياد النفسيّ والخضوع الكامل والطاعة التامّة لها.

وحيث تكون القوانين الوضعيّة البشريّة صادرة من الأدمغة البشريّة لا يجد الإنسان أي دافع ذاتيّ إلى التقيّد بها وتطبيق العمل عليها إلّا بدافع الإكراه وتحت طائلة القانون، وخوفاً من سلطات الدولة.

ولا يخفى على أي ذي لبّ رجحان الأوّل على الثاني في ميزان الحياة.

ثمّ إنّ اُمّهات هذه التقسيمات الحديثة الثمانية من القوانين والحقوق موجودة

__________________

(١) راجع هذا البحث في الجزء الثالث من المجموعة القرآنيّة التي تفسير الآيات تفسيراً موضوعياً وفي ضوء القرآن.

٤٥٩

بمغزاها في التشريع الإسلاميّ وإن لم تكن تحت العناوين والتسميات الحديثة فالقانون الأساسيّ في الإسلام هو عبارة عن الأحكام والاُصول الكليّة الموجودة في الكتاب والسنّة غير المتغيّرة عبر الزمان والمكان، والتي يجب أن يقوم عليها كلّ تخطيط وتنظيم لحياة المسلمين في جميع المجالات.

أمّا النظام الإداريّ ( وهو القسم الثاني من الحقوق الداخليّة العامّة ) فتجدها مذكورة بتوسّع وتفصيل في كتب الفقه وقد أخذها فقهاء الإسلام من سيرة النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله وسنّته الشريفة، وسيرة الإمام عليّ وكلماتهعليه‌السلام وغيرهما في المجال الإداريّ والتدبير الحكوميّ، ويمكن للقارئ الكريم أن يقف على الكثير منها في الكتابين التاليين :

١. الراعي والرعيّة للفكيكيّ.

٢. نظام الحكم والإدارة في الإسلام للقرشيّ وغيرهما.

وأمّا الحقوق والقوانين الجزائيّة فقد ألّف فيها علماء الإسلام المطوّلات والمختصرات التي تحتوي على تفصيلاتها وجزئيّاتها فلاحظ كتب الحدود والقصاص والديات هذا كلّه في مجال الحقوق والقوانين الداخليّة العامّة.

وأمّا الداخليّة الخاصّة الراجعة إلى العلاقات العائليّة والشخصيّة فقد بسط فيها الفقهاء القول تحت عنوان « الأحوال الشخصيّة » والمذكورة ـ قديماً ـ تحت عناوين النكاح والطلاق والميراث والوصايا وما شابهها.

وأمّا ما يرجع إلى القضاء فقد بحث عنها الفقهاء تحت عنوان القضاء والشهادات.

وأمّا ما يرجع إلى ( العلاقات التجاريّة ) فقد بيّن الفقهاء أحكامها المفصّلة في كتبهم تحت العناوين التالية: التجارة، الخيار، السلف، المفلس، الحجر، الضمان، الصلح، العارية، الوديعة، الشركة، المضاربة، المزارعة، المساقاة، الإجارة، الوكالة، الوقف، السبق والرماية.

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702