المزار الكبير

المزار الكبير8%

المزار الكبير مؤلف:
المحقق: جواد القيّومي الإصفهاني
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
ISBN: 964-92002-0-7
الصفحات: 702

المزار الكبير
  • البداية
  • السابق
  • 702 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 187487 / تحميل: 6373
الحجم الحجم الحجم
المزار الكبير

المزار الكبير

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٩٢٠٠٢-٠-٧
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

المستجدّة، أم في بحث السُنن والآداب الدينيّة الاجتماعيّة المستجدّة.

هل يمكن استفادة الجواز من دليل:(مَن سَنّ سُنّةً حَسنة كان له أجرها وأجر مَن عملَ بها إلى يوم القيامة) (1) ، والتدليل على شرعيّة الآداب والسُنن التي تُستحدث من قِبَل المتشرِّعة؟

هل يعطي هذا الدليل نوعاً من التخويل بيد المتشرِّعة؟ ثمّ ما هو محلّ هذه المنطقة من التشريع؟ هذا بحث مستقلّ، وسنرى أنّ هذه المنطقة التي فُوّض فيها التشريع تشمل بعض السُنن الاجتماعيّة المشروعة في دائرة معيّنة، في الوقت الذي مُنع التفويض في موارد أخرى.

أي سُوِّغ في بعض ومُنع في بعض آخر، وسوف نُبيّن أنّ هذه المنطقة هي نفس منطقة اتّخاذ الشعائر، وهي منطقة تطبيق العمومات أو العناوين الثانويّة في جنبة الموضوع على المصاديق.

يُنقل أنّ الميرزا النوري (قدِّس سرّه) - صاحب كتاب مستدرك الوسائل - هو الذي شيّد سُنّة السير على الأقدام من النجف إلى كربلاء، بقصد زيارة سيّد الشهداء (عليه السلام) في الأربعين، وإن كانت الروايات تدلّ على العموم، مثل ما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام):(مَن أتى قبر الحسين (عليه السلام) ماشياً كتبَ الله له بكلّ خطوة ألف حسنةٍ، ومحى عنه ألف سيّئة، ورفعَ له ألف درجة..) (2) .

ولكن على صعيد سُنّة وطقس خاص: كالسير لزيارة النصف من رجب، والنصف من شعبان ونحو ذلك، قد تتفشّى وتنتشر سُنّة وعادة خاصّة

____________________

(1) المصدر السابق.

(2) وسائل الشيعة 10: 342؛ كامل الزيارات: 133.

(2) من الجواب التفصيلي عن إشكاليّة وضع الشعائر بيد العُرف.

١٠١

لدى المؤمنين، فتُقرّر المشروعيّة بواسطة العموم الذي يشمل كلّ المصاديق، ويتناول المصاديق المحلّلة بالحلّيّة بالمعنى الأعم، أو قد يُعمّم تناوله للمحرّمة منها والمنجّزة كما مرّ.

خلاصة القول في النقطة الثالثة (1) :

إنّ الشارع إذا أمرَ بالمعنى العام الكلّي، فإنّه يُستفاد من ذلك التخيير أو الجواز الشرعي في التطبيق على الأفراد المتعدِّد، ومقتضى هذا التخيير والجواز هو التطبيق على الموارد والأفراد في الخصوصيّات المتعدّدة، مثل: ما إذا أمرَ الشارع بالصلاة، أو أمرَ ببرّ الوالدين، أو بمودّة ذوي القربى، أو أمرَ بفعل من الأفعال الكلّيّة، فيجوز تطبيق هذه الطبيعة الكلّيّة بالمعنى العام على أفراد الخصوصيّات في الموارد العديدة، باعتبار أنّ الشارع لم يُقيّد الفعل المأمور به بخصوصيّة أو بقيدٍ خاصّ معيّن، إلاّ أنّ هذا الجواز العقلي في تطبيق الطبيعة على الموارد والخصوصيات الكثيرة، لا يشمل موارد كون الأفراد محرّمة، فهذا الجواز والتخيير إنّما يُحدَّد بدائرة الأفراد المحلّلة.

فهذا حال العناوين الثانويّة التي تطرأ على المصاديق، ومثل: طروّ الصلاة على المصاديق قد يقال إنّها حالة ثانويّة، مثلاً: الصلاة حالة ثانويّة في الدار الغصبيّة، أو الصلاة في الأرض المخطورة، أو الأرض السبخة، على كلّ حال طروّ العنوان الكلّي على الأفراد المخصوصة يكون طروّاً ثانويّاً، والمفروض بمقتضى النقطة الأولى التي ذكرناها، وهي: أنّ للمكلّف التخيير في تطبيق الكلّي على موارد الأفراد العديدة، وبمقتضى النقطة الثانية ذكرنا

____________________

(1) من الجواب التفصيليّ عن إشكاليّة وضع الشعائر بيد العُرف.

١٠٢

أنّ الطبيعة الكلّيّة تكون حالة ثانويّة بالنسبة للأفراد وللخصوصيّات.

وبمقتضى النقطة الثالثة أيضاً، فالمفروض أنّ هذا العنوان الثانوي في جنبة الموضوع لا في جنبة الحكم، وهذا العنوان الثانوي في جنبة الموضوع لا يسوغ تطبيقه في الفرد الحرام؛ وإنّما يختصّ بدائرة الأفراد المحلّلة(1) .

وقد قرأتُ بعض كلمات الأعلام التي مؤدّاها: أنّ مثل إظهار الحزن والبكاء على مصاب الحسين (عليه السلام) إذا كان مصداقه لبس السواد - الذي هو مكروه في الصلاة مثلاً -، ومثل الشبيه وغيره، يسوغ اتّخاذه شعيرةً لإظهار الحزن على مصاب الحسين (عليه السلام)، فيُلاحظ في الكثير من فتاوى أساطين الفقه أنّهم سوّغوا اتّخاذها شعيرة، وحكموا بعدم الكراهة إذا كانت بعنوان الحزن، فانتهى البحث إلى ضرورة تحليل ضابطة التعارض وضابطة التزاحم؛ كي يتمّ تمحيص دائرة تطبيق العمومات للطبائع المأمور بها والمندوب إتيانها.

وإنّ دَيدن الفقهاء في الفتاوى المختصّة بالشعائر، والتي أشرنا إلى بعضها: هو التمييز بين التعارض والتزاحم للأدلّة ومعرفة الضابطة للتفرقة بينهما، حيث إنّه مع التعارض سوف يُزوى الدليل المبتلى بالتعارض عن التمسّك به كمستند ويسقط، وبعبارةٍ أخرى، سوف لا يكون مستنداً شرعيّاً، ولا مَدركاً شرعيّاً، وبالتالي ما يؤتى به من مصاديق تكون غير

____________________

(1) وقد ذهبَ بعض العلماء مثل: الميرزا القمّي (قدِّس سرّه) وغيره إلى أكثر من ذلك، حيث عمّم دائرة تطبيق متعلّق الأمر على المصداق المحرّم فيما إذا كانت الحرمة غير منجّزة، بل يتناول العموم كذلك الفرد المحرّم المنجّز أيضاً، وإن امتنع الامتثال في الصورة الأخيرة؛ لكونه فاسداً، لبداهة امتناع التقرّب بالمصداق المحرّم.

١٠٣

شرعيّة.

وأمّا إذا بنينا على التزاحم، فلا يسبِّب ذلك سقوطاً للدليل، فيكون حكمه فعليّاً بفعليّة موضوعه، فيجوز الاستناد إليه شرعاً، فلابدّ من معرفة ضابطة التزاحم والتعارض في هذه النقطة الثالثة من الجهة الرابعة.

ضابطةُ التعارض والتزاحم

إنّ ثمرة هذه الضابطة هي معرفة الموارد التي ينعدمُ ويُلغى فيها الدليل، فيكون عملنا في المصداق بلا شرعيّة، ويُحكم عليه بالبدعيّة، بعكس ما إذا أثبتنا عدم التعارض ووجود الدليل بالفِعل، فيكون عملنا عملاً شرعيّاً ومستنِداً إلى مدارك شرعيّة.

وهذه الزاوية هي أحد الزوايا التي تدفع البدعيّة في المقام، وتُثبت الشرعيّة.

والضابطة: هي أنّ كلّ مورد يكون فيه بين الدليلين تنافياً وتضادّاً وتنافراً في عالَم الجعل والتشريع، مثل: طلب النقيضين كما في (صلّ)، و(لا تصلِّ) فهنا يتحقّق التعارض، وبعبارةٍ أخرى: أن يكون التنافي بين الدليلين غالبيّاً، أو دائميّاً على صعيد التنظير والإطار لطبيعة متعلّق كلّ من الدليلين، سواء كانت النسبة نسبة عموم وخصوص من وجه، أو عموم و خصوص مطلق، أو تباين، سوف يكون تعارضاً، أمّا التزاحم فهو أنّ التنافي والتنافر بين الدليلين ليس ناشئاً من عالَم الجعل والتشريع، وإنّما يطرأ في عالَم الامتثال والتطبيق، أي أنّ التنافي هنا ينشأ بين الدليلين من باب الصدفة والاتّفاق، مثل: تصادف وجوب امتثال إنقاذ الغريق بالمرور على أرض مغصوبة.

١٠٤

هذه هي الضابطة بين التعارض والتزاحم.

وحالات العلاقة بين الأدلّة هي حالات عديدة جدّاً، وبعنوان الفهرسة فقط نذكر أنّ هناك وروداً وتوارداً وحكومة في مقام التنظير ومؤدّى الدليل، أي هناك تعارض وتزاحم ملاكي، وتزاحم امتثالي وحكومة في مقام الامتثال أو إحرازه.

وهذه حالات عديدة لكن لا تعنينا الآن، بل يُعنينا في المقام هو التفرقة بين التعارض وعدمه من الحالات الأخرى.

أمّا حالات عدم التعارض فلها بحث آخر، والمهمّ التثبّت من عدم وجود تعارض في البَين؛ لأنّ التعارض سوف يؤدّي إلى إزواء وإسقاط أحد الدليلين أو كلا الدليلين عن المورد، فسوف يكون المصداق والتطبيق في ذلك المورد خِلواً من الدليل ومجرّداً عن الشرعيّة.

إذاً، الاتفاقيّة في تنافي الدليلين على صعيد المؤدّى الفرضي، والدائميّة هي ضابطة التعارض وعدم التعارض، ولذلك نجد في العديد من موارد اجتماع الأمر والنهي - التي هي عموم من وجه - أنّهم لا يلتزمون بالتعارض لاتّفاقية التنافي وعدم دائميّته، وموارد التضادّ أيضاً، ومسألة التزاحم في الامتثال بين الحُكمين - كالصلاة وتطهير المسجد - هي مسألة التلازم الاتّفاقي بامتثال أحدهما لترك الآخر واتّفاق التقارن لدليلين في ظرف واحد، تكون النسبة شبيهة بعمومٍ وخصوص من وجه أيضاً، لكنّها اتّفاقيّة وليست بدائميّة.

وليست الدائميّة والاتفاقيّة بلحاظ الزمن - كما قد يتبادر في الذهن - بل المراد هو أنّ نفس مفاد الدليلين في أنفسهما - بغضّ النظر عن التطبيق الخارجي، وبغضّ النظر عن الممارسة الخارجيّة والمصداق الخارجي - يتحقّق بينها تنافي وتنافر. الدليلان في نفسيهما لو وضعتهما في بوتقة الدلالة وبوتقة التنظير والمفاد الفرضي، يحصل التنافي بينهما.

وتارةً الدليلان في نفسيهما في عالَم الدلالة وأُفق الدلالة وأُفق المفاد، أي بلحاظ الأجزاء الذاتيّة لماهيّة متعلّق الدليلين هناك نقطة تلاقي واتّحاد بين المتعلّقين، مع كون حكميهما متنافيين، أي بلحاظ إطار طبيعة كلّ من متعلّق الحُكمين، بغضّ النظر عن التطبيق والمصداق والممارسة الخارجيّة، نفس مؤدّى دلالة الدليلين ليس بينهما تنافٍ؛ وإنّما نَشأ التنافي من ممارسة خارجيّة، أي من وحدة الوجود لا من وحدة بعض أجزاء الماهيّة، فإن كان التنافي نشأ من ممارسة خارجيّة فيُقرّر أنّ التنافي اتفاقي، وإن كانت الممارسة طويلة الأمد في عمود الزمان، لكنّها ليست من شؤون الدلالة والتقنين وإنشاء القانون، فليس هناك تكاذب في الجعل، وأمّا إذا كانت بلحاظ نفس مؤدّى ماهيّة كلّ من المتعلّقين ودلالة الدليلين فهو من التعارض.

١٠٥

وإنّ مبنى المشهور شهرة عظيمة: أنّ النسبة بين العناوين الثانويّة في جنبة الحكم - مثل: الضرر، الحرج، الاضطرار، الإكراه، النسيان، وغيرها - نسبتها مع الأحكام الأوّليّة ليست نسبة التعارض، بل نسبة التزاحم، ويُعبّرون عنها بأنّها (حاكمة) على أدلّة الأحكام الأوّليّة، يعني حاكمة في صورة الدلالة، أو واردة في صورة الدلالة، لكنّ هذه الحكومة أو الورود في صورة الدلالة هي لُبّاً تزاحم.

ومن ثمرات هذه الضابطة التي تميّز التعارض عن عدم التعارض، والاتفاقيّة والدائميّة: أنّ النسبة بين العناوين الثانويّة في جنبة الحكم والأحكام الأوّليّة هي نسبة اتفاقيّة؛ لأنّ الضرر، أو الحرج، أو النسيان، أو الإكراه نشأ بسبب الممارسة الخارجيّة، وإلاّ ففي الفرض التقرّري لمعنى وماهيّة مؤدّى كِلا الدليلين، يتبيّن أنّه لا تصادُم بين دليل الإكراه أو الضرر - مثلاً - وبين أدلّة الأحكام الأوّليّة، وهذا دليل على أنّ التنافي ليس بسبب الدلالة؛ وإنّما هو بسبب الممارسة الخارجيّة وفي عالَم الامتثال.

بخلاف ما إذا كان التنافي والتصادم دائميّاً وغالبيّاً فهو تعارضي.

فبمقتضى النقطة الثانية: أنّ هذه العناوين الكلّيّة حالات ثانويّة في المصداق، لكنّ ملاكها أوّلي، فتكون ملاكاً أوّليّاً للمصاديق، وإن كانت حالات ثانويّة في المصداق، فكونها ثانويّة في المصداق، لا يُتوهّم ويُتخيّل منه أنّها ثانويّة واستثنائيّة وشاذّة الملاك، بل حكمها أوّلي؛ إنّما هي ثانويّة الموضوع، هذا بمقتضى النقطة الثانية.

١٠٦

وبمقتضى النقطة الثالثة: أنّ الشرعيّة باقية وإن كان المصداق حكمه الكراهة، فضلاً عن الاستحباب , وفضلاً عن الإباحة، وفضلاً عن الوجوب.

بل ولو كان المصداق محرّماً إذا كان غير منجزّ، ويكون حينئذٍ من قبيل: اجتماع الأمر والنهي، سواء مع المندوحة أو بدونها(1) ، بل في تصوير بعض الأعلام ولو كان منجّزاً(2) بشرط الاتفاقيّة في التصادق.

والمفروض أنّ اتّخاذ الشعائر - وسُبل ووسائل الإنذار، والبثّ الديني ووسائل إعزاز وإعلاء الدين - اتفاقي بلحاظ تقرّر معنى ومؤدّى الدليلَين - دليل الشعائر ودليل الحرمة -؛ لأنّ التصادق بسبب الخارج، وهو ليس بدائمي.

فمن ثُمّ نقول في الجهة الرابعة، إنّنا لو سلّمنا بنظريّة القائل بأنّ الشعائر حقيقة شرعيّة، فلن ننتهي إلى النتيجة التي يأمل أن يصل إليها، وهي الحُكم على الشعائر المستجدّة المُستحدَثة بأنّها بدعة، بل يحكم عليها بمحض الدليل بالشرعيّة، لمَا بيّنّاه من الفَرق بين البدعيّة والشرعيّة.

وإنّ البدعيّة أحد ضوابطها إزواء الدليل وسقوط حجّيّته عن التأثير في ذلك

____________________

(1) إذا كان الأمر هو (صلّ)، والنهي (لا تغصب)، فمع المندوحة: أي مع فرض التمكّن من الخروج من الأرض المغصوبة وأداء الصلاة في مكان آخر (والمندوحة معناها: التمكّن والمجال والسعة)، لا يتحقّق التزاحم أصلاً.

أمّا بدون المندوحة: فهي في فرض عدم التمكّن من الخروج من الأرض المغصوبة، فهنا يتحقّق التزاحم؛ لعدم إمكان امتثال الحُكمين معاً فيُقدّم الأهمّ منها.

(2) مثل: وجوب الصلاة وحرمة الغصب، غاية الأمر أنّ تنجّز الغصب يمانع من صحّة الصلاة، ولا يُمانع من شمول الأمر بالصلاة للفرد الغصبي، وقد ذهبَ إلى ذلك الميرزا القمّي (قدِّس سرّه).

١٠٧

المصداق في مجال التطبيق، أمّا إذا لم يسقط الدليل وشملَ وعمّ وتناول ذلك المصداق، فسوف يكون هناك تمام الشرعيّة وفقاً لمَا بيّنّاه عبر النقاط الثلاث الآنفة الذكر.

هذا تمام الكلام في الجواب التفصيليّ الأوّل عن إشكاليّة وضع الشعائر بيد العُرف، وكما يظهر منه أنّه جوابٌ نقضي.

الجوابُ التفصيلي الثاني (1) :

عن إشكاليّة وضع الشعائر بيد العرف، وهو جواب مبنائي وحلّي لنقوض المعترِض: وهو أنّ القائل بأنّ الشعائر حقيقة شرعيّة استندَ إلى عدّة أدلّة(2) ذكرناها سابقاً، مثل: استلزام ذلك تحليل الحرام، وتحريم الحلال، وإنّ ذلك يستلزم اتّساع الشريعة، وغير ذلك من الوجوه التي استند إليها المُستدل.

ومن الواضح أنّ هذه الوجوه يمكن الردّ عليها بما يلي:

أوّلاً: تحريم الحلال وتحليل الحرام إن كان بمعنى أن يتّخذ المكلّف أو المتشرّعة فعلاً ومصداقاً خارجيّاً حراماً، أو يتّخذوه حلالاً من دون دليل شرعي، فحينئذٍ يصدق تحريم الحلال وبالعكس، ويثبت الاعتراض.

لكن إذا استندوا إلى دليل شرعي، فما المانع من ذلك؟ حيث لا يُنسب التحريم والتحليل إليهم؛ وإنّما المحلّل والمحرّم هو المَدرك والدليل الشرعي.

مثلاً في باب النذر: قد يُحرّم الإنسان على نفسه الحلال بواسطة النذر

____________________

(1) الجواب الأوّل تراجعه بملاحظة ص 78 من هذا الكتاب.

(2) راجع ص 79 من هذا الكتاب.

١٠٨

لغرضٍ راجح.

وفي باب الاضطرار يُحلَّل الحرام فيما إذا كان الحرام مضطرّاً إليه وما شابه.

فهنا يستند إلى دليل شرعي، فما المانع من ذلك؟ إذ يؤول ويؤوب في نهاية الأمر إلى أنّ التحليل والتشريع إنّما هو بيد الشارع وليس بيد المكلّف؛ لأنّ المفروض أنّه استندَ إلى دليل شرعي، وإلاّ سوف تجري هذه الشبهة - شبهة التحليل والتحريم - بغير ما أنزلَ الله سبحانه، حتّى في الصلاة إذا صلاّها الإنسان في مكانٍ مباح، والكون في المسجد، أو في البيت، أو في الصحراء، هذا الوجود والكون حلال، لكن بما أنّه مصداق للصلاة فيكون واجباً، فهل هذا تحريم للحلال؟!

أو هناك شيء محرّم، لكن بسبب الاضطرار أو غيره أصبح حلالاً، فتحليل الحرام هنا ليس من قِبَل المكلّف، كلاّ، التحريم هو من قِبَل الشارع.

التشريعُ بين التطبيق والبِدعة

وذكرنا أنّ بيت القصيد وعَصب البحث هو بحث إزواء وسقوط الدليل وعدم سقوطه، فإذا فرغنا وانتهينا من ذلك سوف تسهل بقيّة المباحث، مع الالتفات إلى النقاط الثلاث السابقة، إذ لابدّ لنا من إيصال الدليل وشموليّته للمصداق، هذا بالنسبة إلى تحريم الحلال و تحليل الحرام.

وأمّا بالنسبة إلى الدليل الآخر: من أنّ هذا فتح لباب التشريع وجعله بيد المكلّف والمتشرِّعة فلا يخفى ضعفه؛ لأنّ المتشرّعة لا يُفوّض إليهم التشريع، إذ

١٠٩

من المفروض أنّ باب التطبيق ليس فيه تفويض للتشريع، ومثاله الواضح في قوانين الدولة حينما يشكِّل دستور أوّلي مشتمل على قانون من القوانين الوضعيّة، مثلاً يشتمل الدستور على مائتي مادّة، ثُمّ بعد ذلك تُفوّض الدولة وتُنزّل تلك المواد الدستوريّة إلى المجالس النيابيّة في الشُعَب المختلفة، ثُمّ تتنزّل هذه القوانين المتوسطة الشُعبيّة إلى درجات أنزل، أي إلى الوزارات والإدارات المختلفة، فحينئذٍ يصبح هناك تعميم وزاري أنزل وأدون بتوسّط لوائح داخليّة، ثُمّ تُخوّل الوزارات المؤسّسات التجاريّة والاقتصاديّة والأندية السياسيّة والحقوقيّة والمؤسّسات.

كلّ ذلك حقيقته يرجع إلى نوع من التشريع، وهذا البعد الذي تُخوّله الوزارات إلى عموم شرائح المجتمع من فئات سياسيّة، أو تجاريّة، أو اقتصاديّة، أو حقوقيّة، أو غيرها، هذا التخويل ليس تشريعاً مذموماً، ولا يصدق عليه البدعة أو الإحداث في القانون أو التبديل في الشريعة، بل هو نوع من تطبيق القوانين، لكن ليس تطبيق القوانين الفوقانيّة جدّاً، ولا المتوسّطة، بل هو بمثابة تطبيق النازلة التحتانيّة على المصاديق.

فالمتشرّعة لا يُنشئون الأحكام الشرعيّة الفوقانيّة، بل الأحكام الفوقانيّة الكلّيّة هي على حالها، والذي يحصل من المتشرّعة هو تطبيق تلك القوانين الكلّيّة، والتطبيق ليس نوعاً من التشريع، بل هو نوع من الممارسة التي أذِن الشارع فيها، كما في موارد كثيرة حيث يأمر الشارع بعناوين عامّة ويُوكل جانب التطبيق ويُخوّله إلى المتشرّعة، سواء المتشرِّعة على صعيد فردي، أو على صعيد جماعات، أو على صعيد حاكم، وهكذا.

١١٠

وذكرنا أنّ هذا المقدار من التخويل في التشريع مع التطبيق لابدّ منه في أيّ قانون، حتّى في القوانين الوضعيّة(1) ، ولابدّ من الأخذ بالاعتبار أنّ القانون - مهما بلغَ من التنزّل - يبقى له جهة كلّيّة، وله جهة عامّة، وليس مخصوصاً بجزئي حقيقي ومصداق متشخّص فيبقى كلّيّاً ويبقى تنظيريّاً، وإذا بقي كذلك فمقام التطبيق الأخير لابدّ حينئذٍ من أن يكون بيد المكلّف، فجانب التطبيق ليس فيه نوع من التشريع المنكر، أو القبيح في حكم العقل، أو في حكم الوضع، بل هو نوع من التطبيق الذي لابدّ منه في كلّ القوانين.

مراتبُ تنزّل القانون

وهنا لفتة لا بأس من الإشارة إليها، وهي: أنّ بعض القوانين - سواء القانون الوضعي، أو القانون السماوي - يتكفّل الشارع أو المُقنّن بنفسه تنزيلها إلى

____________________

(1) وهنا قد يتبادر تساؤل، وهو: هل يمكن قياس التشريع الإلهي بالقانون الوضعي؟

والجواب: أنّ لغة القانون والاعتبار لغة ينطوي في مبادئها التصوّريّة والتصديقيّة، أنّها لغة موحّدة بين التقنين السماوي والوضعي إلاّ ما دلّ الدليل على الخلاف، ومن ثُمّ ترى علماء الأصول والفقهاء يبنون على وحدة معاني وماهيّات العناوين المستخدمة كآلة قانونيّة، في العرف العقلائي مع العرف الشرعي إلاّ ما استثناه الدليل، وبعبارة أخرى: كما أنّ الشارع لم يستحدث لغة لسانيّة جديدة في صعيد حواره مع الأُمّة المخاطَبة، فكذلك لم يستحدث لغة اعتباريّة قانونيّة جديدة في صعيد التخاطب القانوني التشريعي، وإن كانت تشريعات الشرع المبين مغايرة لتشريعات العرف البشري؛ فإنّ ذلك على صعيد المسائل التفصيليّة وتصديقاتها، لا على صعيد مبادئ اللغة القانونيّة: كمعنى الموضوع، ومعنى الحكم من الوجوب، والحرمة، والملكيّة، والصحّة، والبطلان، والحُجّيّة ونحوها.

١١١

درجات، وبعض المواد قد ترى أنّ الشارع قد أبقاها على وضعها الكلّي الفوقاني.

فالمواد الكلّيّة القانونيّة على أنحاء:

بعضها عمومات فوقانيّة جدّاً، وبعضها كلّيّات فوقانيّة متوسّطة، وبعضها كلّيّات تحتانيّة متنزّلة، فالمواد القانونيّة مختلفة المراتب، ومتفاوتة الدرجات.

وكيفيّة إيكال الشارع وتطبيقه لهذه المواد يختلف بحسب طبيعة المادّة وطبيعة المتعلّق لتلك المادة القانونيّة، وبحسب طبيعة الموضوع.

قاعدةُ اتّخاذ السُّنّة الحَسنة

فعلى ضوء ذلك، لا مانع عقلاً ولا شرعاً في تخويل المتشرِّعة في التطبيق لا سيّما في العمومات المتنزلّة، وبالمناسبة هنا نشير إلى معنى القاعدة المنصوصة المستفيضة عند الفريقين:(مَن سَنّ سُنّةً حَسنة كان له أجرها وأجر مَن عمل بها) (1) ، وهو حديث نبوي مستفيض بين الفريقين العامّة والخاصّة، وهو قاعدة مسلّمة.

فما هو المائز بينها وبين قاعدة حرمة البدعة والبدعيّة؟

المائز والفارق: هو أنّ كلّ مورد يوجد فيه عموم يمكن أن يستند إليه المكلّف أو المتشرّعة، هذا أوّلاً،

وثانياً: يوكَل تطبيقه وإيقاعه إلى المكلّف أو إلى المتشرّعة، فيكون مشمولاً للحديث السابق:(مَن سَنّ سُنّة حَسنة...) بخلاف البدعة التي هي في

____________________

(1) انظر: سُنن ابن ماجة 1: 74 / ح 203، المعجم الكبير للطبراني 2: 315 / ح 2312؛ و 22: 74 / ح 184.

١١٢

مورد إنشاء تشريع فردي أو اجتماعي، من دون الاستناد إلى دليل فوقاني، أو إلى عموم معيّن.

فالفارق بين مؤدّى:(مَن سَنّ سُنّة حَسنة) وبين موارد حرمة البدعة: هو أنّ موارد حرمة البدعة لا يستند فيها إلى دليل، وتشريع معيّن، بينما في موارد السُنّة الحسنة وإنشاء العادات الدينيّة في المجتمع والأعراف ذات الطابع الاجتماعي، يستند فيها إلى دليل شرعي.

والعبارة الأخرى:(ومَن سَنّ سُنّة سيئة) (1) ، معناها ظاهر بمقتضى المقابلة، حيث يكون سبباً لنشر الرذائل بين الناس لدرجة تتحوّل إلى ظاهرة اجتماعيّة، أي تطبيق الحرمة بشكل مُنتشر وكظاهرة اجتماعيّة، وهذا عليه الوزر المضاعف.

إذاً، استحداث سُنّة حَسنة بالشروط السابقة ليس بتفويض ممقوت أو مكروه؛ إنّما التفويض الباطل هو أن يشرِّع المتشرّعة تشريعاً ابتدائيّاً، ومن حصول هذا التفويض في التشريع المتنزّل في قاعدة الشعائر الدينيّة وفي قاعدة(مَن سَنّ سُنّةً حَسنة) ، يُقرّر وجهان إضافيّان لأدلّة الولاية التشريعيّة للنبي والأئمّة (عليهم السلام) المنزِّلة للأصول التشريعيّة الإلهيّة.

لمحةٌ حول الولاية التشريعيّة

ولهذا البحث صلة ببحث منطقة الولاية التشريعيّة المفوّضة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة (عليهم السلام)، تمييزاً عن التشريع الذي هو بيد الله سبحانه وتعالى.

____________________

(1) المصدر السابق.

١١٣

وهذا غير ما يُخوّل به المتشرّعة، الذي هو نوع تطبيقي محض في جانب المتشرّعة.

كما وردت في ذلك بعض الآيات مثل:( وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (1) ، وقوله تعالى:( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) (2) وغيرها، والروايات العديدة التي تُثبت الولاية التشريعيّة لهم.

وللتفرقة بين المقامين لأجل بيان حقيقة التطبيق المسموح به للمتشرِّعة، تفريقاً له عمّا فُوّض به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة (عليهم السلام): هو أنّه في عالَم التقنين، سواء الوضعي ولغة القانون، أو لغة الشريعة السماويّة، أنّ العمومات الفوقانيّة يكون تنزّلها قهريّاً انطباقيّاً مصداقيّاً، وهناك بعض العمومات المسمّاة بالأصول القانونيّة والأصول والأُسس التشريعيّة، لا تتنزّل بنفسها بتنزّل قهري عقلي تكويني، بل لا تتنزّل هذه العمومات الفوقانيّة القانونيّة إلاّ بجعلٍ قانوني.

وهذه الظاهرة من ضروريّات القانون، هذا التشريع والجعل - الموجِب لتنزّل الأصول القانونيّة بمعنى تنزيل تشريعات الله عزّ وجلّ إلى تشريعات تنزّليّة - نظير ما هو موجود الآن في المجالس النيابيّة، إذ لا يمكن للمادّة الدستوريّة أن تُعطى بيد رئيس الوزراء، فضلاً عن أن تُعطى بيد موظف في الوزارة، وفضلاً عن أن تُعطى بيد عامّة المجتمع، بل المادّة الدستوريّة لابدّ لها من تنزيل بواسطة المجلس النيابي بعد أن ينزِّلها المجلس النيابي بتنزيلات عديدة، ثُمّ تُعطى بيد الوزير أو بيد رئيس الوزراء، ولابدّ أن تُنزّل بتوسّط الوزير والوزارة أيضاً إلى

____________________

(1) الحشر: 7.

(2) الأحزاب: 21.

١١٤

الشُعَب الوزاريّة بتنزّلات أخرى، ثُمّ تُعطى بيد عامّة المجتمع، فهذا السِنخ من التنزّلات ليس من قبيل ما طرقَ أسماعنا وشاع في أذهاننا،من كونها تطبيقات قهريّة مصداقيّة عقليّة تكوينيّة، كلاّ، بل هي من قبيل تطبيقات جعليّة بجعول قانونيّة، إذ لابدّ من جعل قانوني ينزِّل هذه المادّة ويُعدّها للتطبيق، وبعض المواد القانونيّة تكون خاصيّتها كذلك، وبعضها لا تكون خاصيّتها كذلك.

والذي فُوّض إلى المكلّف أو المتشرّع هو غير سنخ ما يُوكل ويفوّض إلى النبي والأئمّة (عليهم السلام) في التشريع؛ إنّما هو سنخ تطبيقي ساذج بسيط، وهو تطبيق قهري تنزّلي عقلي، بخلاف المنطقة التي يُفوّض بها إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو إلى الأئمّة (عليهم السلام)، فتلك تحتاج إلى جعول وتقنينات أخرى تنزيليّة، نظير ما هو موجود في المجالس النيابيّة، نقول هو نظيره وليس هو عينه، إذ التمثيل إنّما هو من جهة لا من كلّ الجهات، وإلاّ فالمجالس النيابيّة تسمّى القوّة التشريعيّة، وهي التي يكون على كاهلها وفي عهدتها تنزيل المواد الدستوريّة، ثُمّ تُدلي بها إلى القوّة التنفيذيّة الإجرائيّة.

إذاً، لا بدّ من تخويل تشريعي في المجلس النيابي، إذ إنّ بعض الكلّيّات الفوقانيّة الأمّ لا يمكن أن تتنزّل إلى عامّة المكلّفين وعامّة المجتمع بتوسّط نفس المادّة الدستوريّة، فلابدّ من تفويض مرجع ومصدر له صلاحيّة تشريعيّة، وهذا اصطلاح في علم الأصول، وهو أنّ لدينا عمومات فوقانيّة تختلف عن العمومات الفوقانيّة الرائجة، التي هي تتنزّل بتنزّل قهري تطبيقي، هناك عمومات فوقانيّة لا تتنزّل إلاّ بجعول تطبيقيّة.

١١٥

بعضُ الفوارق بين صلاحيّة التفويض للأئمّة (عليهم السلام) والقوانين الوضعيّة

وهذا - كما يُقال - تشبيه من جهة وليس من جميع الجهات كل جهة، إذ هناك عدّة من الفوارق، نُشير إلى جملة منها:

الأوّل: إنّ الدستور بتمامه ليس إلاّ بعض أبواب الفقه في فروع الدين، فضلاً عن أصول ومعارف الدين.

الثاني: إنّ مصوّبات المجالس النيابيّة يمكن نسخها بمصوّبات المجالس النيابيّة اللاحقة، فضلاً عن المصوّبات القانونيّة الوزاريّة، وهذا بخلاف التشريعات النبويّة؛ فإنّها لا تنسخ من غيره، وكذلك سُنن وأحكام المعصوم لا تنسخ من غير المعصوم.

الثالث: إنّ مصوّبات المجالس النيابيّة لا تعدو الأنظار الظنّيّة القابلة للخطأ والصواب، بخلاف تشريعات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والوصي؛ فإنّها من عين العصمة والعلم اللدنّي.

وغيرها من الفوارق المذكورة في مظانّها.

فهذه هي العمومات الفوقانيّة التي لا تتنزّل إلاّ بجعول تنزيليّة أخرى(1) ، وهي غير التطبيق الساذج الذي أُوكلَ إلى عامّة المكلّفين، الذي هو تطبيق محض ليس فيه أيّ شائبة جعل أو تشريع أو ولاية تشريعيّة، بل هو نوع من التطبيق الساذج.

____________________

(1) وقد ذكرهُ الأستاذ المحاضر بشرح مفصّل في خاتمة كتابه (العقل العملي) ص: 377.

١١٦

فهذا جواب المحذور الثاني الذي ذكره المُستدل.

وإلاّ لكان كلّ تطبيقات وأداء العمومات الكلّيّة من قِبَل المتشرّعة نوعاً من التشريع، فيخلط بين ما هو مشروع وما هو تشريع، وبين ما هو بدعة وما هو شرعي، فلابدّ من معرفة الفرق بين الشرعي والبدعيّة.

ويفرِّط القائل بحماية الدين من البِدَع، والمتشدّد بقاعدة البدعة بتوهّم حراسة الشريعة، حيث يقع في المحذور الذي حاولَ الفرار منه؛ لأنّ طمس الشرعيّات هو نوع من البدعة وضربٌ من الإحداث في الدين.

وينبغي المحافظة على حدود الفوارق بين هذين الأمرين، ومعرفة الفيصل بين ما هو شرعي وبين ما هو بدعي؛ لأنّ طغيان البدعي على الشرعي هو بحدّ ذاته بدعةٌ أيضاً.

تعريفُ البدعة

البدعة لها تعاريف عديدة، منها: النسبة إلى الله ما لم يشرّعه، أو النسبة إليه ما لم يأمر به وينهى عنه، أو ما لم يحكم به.

أو هي: إدخال في الدين ما ليس في الدين.

وهذا المعنى الأخير لا يمكن الإلمام به إلاّ بعد الإحاطة بكلّ شؤون التشريع، كي نعلم أنّ التشريع منتفي أو غير منتفٍ؛ لأنّه مأخوذ في موضوع البدعة عدم التشريع وعدم الجعل الشرعي.

فليس من السهولة أن نعرف موارد البدعة، من دون الإلمام بكلّ عالَم القانون ومشجّرة التشريع وشؤونهما المختلفة.

١١٧

ومن دون معرفة كافية - وعلى مستوى واسع وعميق - بالشريعة وبموازينها وأُسسها وقوانينها، ليس من السهل إطلاق البدعيّة على موردٍ من الموارد.

وما نحن فيه هو إعطاء حقّ تطبيق المعاني والعناوين الكلّيّة الواردة في الأدلّة العامّة بيد المتشرِّعة، وهذا لا يمتّ إلى البدعة بأيّ صلة.

جواب المحذور الثالث:

والمحذور الثالث الذي ذكره القائل كدليل على أنّ قاعدة الشعائر الدينيّة لا بدّ أن تكون حقيقة شرعيّة وليست حقيقة لغويّة: هو استلزام اتساع الشريعة وزيادتها عمّا كانت عليه، إذ سوف تتبدّل رسومها - لا سمحَ الله - وتتبدّل أعلامها وملامحها، حيث تُتّخذ شعائر كثيرة ومتنوّعة إلى حدّ تطغى معه على ما هي عليه الشريعة من ثوابت ومن حالة أوّليّة.

هذا هو المحذور، وهو ليس دليلاً على أنّها حقيقة شرعيّة، بل هو دليل على أنّها حقيقة لغويّة، والسرّ في ذلك: هو أنّ هذا الاتّساع والتضخّم والانتشار الذي يتخوّف ويحذر منه المستدل، على قسمين:

أ) إن كان اتّساعاً وانتشاراً للشريعة، فهذا ممّا تدعو إليه نفس الآيات القرآنيّة التي ذكرناها، والدالّة على نفس قاعدة الشعائر الدينيّة، وقد صنّفناها من أدلّة الصنف الثاني، مثل آية:( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ... ) فالله عزّ وجل يريد أن يتمّ نوره، أن يبثّه وأن ينشره، وكذلك آية:( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ... ) فالله سبحانه وتعالى يريد إظهار الدين.

وكذلك:( وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ) يريد

١١٨

السموّ والعلو ورفرفة المعالم والأعلام الدينيّة، وهذا الانتشار لابدّ منه، ولابدّ أنّ له آليّاته المتنوّعة وأساليبه المختلفة، ومن أساليبه اتّخاذ الشعائر التي تؤدّي إلى اتّساع رقعة الدين وكثرة الملتزمين به، وزيادة تفاعلهم وانجذابهم إلى رسوم الدين وطقوسه.

ب) وإن كان معنى اتّساع الدين على حساب زوال الثوابت، وسبباً لإعطاء التنازلات تلو التنازلات في الأحكام الشرعيّة، فهذا المعنى لا ريب في بطلانه، وهذا يجب أن يُجعل محذوراً ومانعاً.

لكنّ الكلام في أنّ الشعائر المتّخذة هل هي من النوع الأوّل أم من النوع الثاني؟ هل هي توجب طمس الثوابت في الدين، أم هي بالعكس توجب اتّساع تلك الثوابت وانتشارها في ضمن متغيّرات مختلفة؟

الثابتُ والمتغيّر في الشريعة

فالبحث يقع في تقرير الفرق بين الثابت والمتغيّر.

أو قل - بالعبارة الاصطلاحيّة -: القضيّة الشرعيّة - مهما كانت - تشتمل على محمول وعلى موضوع، ومصاديق الموضوع متعدّدة ومستجدّة ومتغيّرة.

أمّا قَولبة عنوان الموضوع، وهيكل عنوان الموضوع والمحمول فيظلّ ثابتاً.

وهذه أحد الضوابط المهمّة جدّاً في التمييز بين الثابت والمتغيّر، أو في تمييز ما هو دائم في الشريعة وما هو متغيّر، المتغيّر في الحقيقة هو المصاديق.

كما في رواية الإمام الباقر (عليه السلام) في وصفه للقرآن الكريم أنّه(يجري كما

١١٩

يجري الشمس والقمر) (1) ، يعني باعتبار اختلاف المصاديق وتنوّعها وتكثّرها، سواء مصاديق الموضوع أو مصاديق المتعلّق للحكم (قد مرّ بنا سابقاً أنّ القضيّة الشرعيّة تشتمل على ثلاثة محاور: محو الموضوع، محور المتعلّق، محور المحمول)(2) .

فمصاديق الموضوع أو مصاديق المتعلّق متكثّرة ومتعدّدة، ومستجدّة حسب كثرة الموارد وتعدّد البيئات.

مثل:( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ) (3) .

فالقوّة سواء كانت ضمن أساليب القتال القديمة أو الحديثة، القوّة مصاديقها متعدّدة، لكنّ وجوب إعداد القوّة هو ثابت في الشريعة.

فالشاهد أنّ أحد ضوابط تمييز الثابت عن المتغيّر هي: أنّ جانب المحمول وعنوان الموضوع يظلّ ثابتاً، غاية الأمر أنّ مصاديق آليّات الموضوع تختلف.

ففي مقام الجواب عن المحذور السابق - وهو اتّساع الشرعيّة - إن كان بمعنى شموليّة موضوعاتها وشموليّة قوانينها، فهذا لا ضير فيه، بل لا بدّ من الانتشار والاتّساع، أمّا بمعنى زوال القضايا الأوّليّة، وزوال جنبة الحكم وتغيّره، فهذا

____________________

(1) بحار الأنوار 92: 97، نقلاً عن كتاب بصائر الدرجات، بسنده عن فضيل بن يسّار قال: سألتُ أبا جعفر (عليه السلام) عن هذه الرواية:(ما من القرآن آية إلاّ ولها ظهر وبطن) فقال:(ظهره تنزيله، وبطنه تأويله، منه ما قد مضى، ومنه ما لم يكن، يجري كما يجري الشمس والقمر، كلّما جاء تأويل شيء منه يكون على الأموات كما يكون على الأحياء، قال الله: ( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْم ) نحن نعلمه) .

(2) راجع ص72 من هذا الكتاب.

(3) الأنفال: 60.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

الباب (١١)

ذكر العمل بالمسجد الجامع بالكوفة

فإذا اتيته فقف على الباب المعروف بباب الفيل ، فإنه روي عنمولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه وسلامه أنه قال : ادخل إلى جامعالكوفة من الباب الأعظم فإنه روضة من رياض الجنة(١) .

فإذا أردت الدخول فقف على الباب وقل :

السلام على رسول الله ، السلام على أمير المؤمنين ورحمة اللهوبركاته ، ومنتهى مشاهده ، وموضع مجلسه ، ومقام حكمته ، وآثارآبائه ، آدم ونوح وإبراهيم وإسماعيل ، وتبيان تبيانه(٢) .

السلام على الإمام الحكيم(٣) ، الصديق الأكبر ، والفاروق الأعظم ،القائم بالقسط ، الذي فرق الله به بين الحق والباطل ، والشرك والتوحيد ،والكفر والايمان ، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة.

اشهد يا أمير المؤمنين وخاصة المنتجبين وزين الصديقينوصابر الممتحنين ، انك حكم الله في ارضه وقاضي امره ، وبابحكمته ، وعاقد عهده ، وكهف النجاة ، ومنهاج التقى ، والدرجة العليا ،

__________________

(١) عنه البحار ١٠٠ : ٤٠٩ ، رواه الشهيد في مزاره : ٢٢٩.

(٢) في بعض المصادر : بنيان بيناته ، وفي البحار : بنيان بنيانه اي الأبنية التي بنيت فيمواضع ظهرت فيها معجزاته ، كبيت الطست.

(٣) الحليم ( خ ل ).

١٦١

ومهيمن القاضي الاعلى ، يا أمير المؤمنين بك أتقرب إلى الله تعالىزلفى ، وأنت وليي وسيدي ووسيلتي في الدنيا والآخرة.

ثم تدخل المسجد وتقول :

الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، هذا مقام العائذ بالله وبمحمد ،وبولاية أمير المؤمنين والأئمة المهديين الصادقين ، الناطقينالراشدين ، الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، رضيت بهمأئمة وهداة وموالي ، سلمت لأمر الله لا أشرك به شيئا ، ولا اتخذ مع اللهوليا ، كذب العادلون بالله وضلوا ضلالا بعيدا ، حسبي الله وأولياء الله.

اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبدهورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وان عليا وليه ، والأئمة المهديين منذريتهعليهم‌السلام أوليائي ، وحجة الله على خلقه(١) .

ثم تصير إلى السابعة مما يلي الأنماط الرابعة ، تصير إلى الأسطوانةبمقدار سبعة أذرع أقل أو أكثر.

فقد روي عن مولانا الصادق جعفر بن محمدعليهما‌السلام انه جاء في أيامالسفاح حتى دخل من باب الفيل فتياسر قليلا ثم دخل فصلى عندالأسطوانة الرابعة ، وهي بحذاء الخامسة ، فقيل له في ذلك فقال : تلكأسطوانة إبراهيمعليه‌السلام (٢) .

__________________

(١) رواه السيد في مصباح الزائر : ٣٩ ، والشهيد في مزاره : ٢٣١ ، عنهما البحار ١٠٠ : ٤٠٩.

(٢) رواه في الكافي ٣ : ٤٩٣ ، التهذيب ٣ : ٢٥١ ، عنهما الوسائل ٥ : ٢٦٤ ، البحار ١٠٠ : ٤٠١.

ذكره الشهيد في مزاره : ٢٣٢ ، والسيد في مصباح الزائر : ٣٩ ، عنهما البحار ١٠٠ : ٤١٠.

١٦٢

الصلاة والدعاء عندها ، تصلي أربع ركعات وتقول

السلام على عباد الله الصالحين الراشدين ، الذين اذهب الله عنهمالرجس وجعلهم أنبياء المرسلين ، وحجة على الخلق أجمعين ، وسلامعلى المرسلين ، والحمد لله رب العالمين ، ذلك تقدير العزيز العليم.

وتقول :

نحن على وصيتك يا ولي المؤمنين التي أوصيت بها ذريتك منالمرسلين والصديقين ، نحن من شيعتك وشيعة نبيك نبينا محمد عليهالسلام وعليك وعلى جميع المرسلين والأنبياء والصديقين ، وملةإبراهيم ، ودين محمد النبي الأمي والأئمة المهديين ، وولاية عليأمير المؤمنين.

السلام على البشير النذير ، وصلوات الله ورحمته ورضوانهوبركاته على وصيه وخليفته وحجته ، الشاهد لله على خلقه ، عليأمير المؤمنين ، الصديق الأكبر ، والفاروق المبين ، الذي اخذت بيعتهعلى العالمين ، ورضيت بهم أوليائي وموالي وحكاما ، في نفسيوولدي ، وأهلي ومالي ، وقسمي وحلي واحرامي ، واسلامي وديني ،ودنياي وآخرتي ، ومحياي ومماتي.

أنتم الحكمة في الكتاب ، وفصل المقام ، وفصل الخطاب ، واعينالحي الذي لا ينام ، وأنتم حكماء(١) الله ، وبكم حكم الله ، وبكم عرف

__________________

(١) حكم ( خ ل ).

١٦٣

حق الله ، لا إله إلا الله ، وأنتم نور الله من بين أيدينا ومن خلفنا

أنتم سنة الله يسبق بها القضاء يا أمير المؤمنين ، انا لك مسلمتسليما ، وعليك مهيمنا سلما ، لا أشرك بالله ربا ولا اتخذ وليا ، الحمدلله الذي هداني بكم وما كنت لأهتدي لولا أن هدانا الله ، الله أكبر اللهأكبر ، الحمد لله على ما هدانا(١) .

ثم تصلي في صحن المسجد أربع ركعات للحوائج ، ركعتينبالحمد و( قل هو الله أحد ) ، وركعتين بالحمد و( انا أنزلناه ) ، فإذافرغت فسبح تسبيح الزهراءعليها‌السلام .

فقد روي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال لبعض أصحابه : يا فلان اماتغدو في الحاجة ، اما تمر في المسجد الأعظم عندكم بالكوفة؟ قال : بلى ،قال : فصل فيه أربع ركعات وقل :

الهي ان كنت عصيتك فاني قد أطعتك في أحب الأشياء إليك ،لم اتخذ لك ولدا ولم ادع لك شريكا ، وقد عصيتك في أشياء كثيرة علىغير وجه المكابرة لك ، ولا الاستكبار عن عبادتك ، ولا الجحودلربوبيتك ، ولا الخروج عن العبودية لك ، ولكن اتبعت هواي ، وأزلنيالشيطان بعد الحجة والبيان ، فان تعذبني فبذنوبي غير ظالم أنت لي ،وان تعف عني وترحمني فبجودك وكرمك يا كريم.

وتقول أيضا :

__________________

(١) رواه الشهيد في مزاره : ٢٣٢ ، والسيد في مصباح الزائر : ٣٩ ، عنهما البحار ١٠٠ : ٤١٠.

١٦٤

غدوت بحول الله وقوته ، غدوت بغير حول مني ولا قوة ، ولكنبحول الله وقوته ، يا رب أسألك بركة هذا البيت وبركة أهله ، وأسألك انترزقني رزقا حلالا طيبا ، تسوقه إلي بحولك وقوتك ، وانا خافض فيعافيتك(١) .

الصلاة والدعاء عند الثالثة مما يلي باب كندة لزين العابدين علي بنالحسينعليهما‌السلام بعد ثلاث أساطين من باب كندة.

ثم صر في آخرها مما يلي القبلة ، ثم تصلي ركعتين وقل :

بسم الله الرحمن الرحيم ، اللهم ان ذنوبي قد كثرت ولم يبق الارجاء عفوك ، وقد قدمت آلة الحرمان ، وأسألك ما لا استوجبه عليك ،اللهم ان تعذبني فبذنوبي لم تظلمني شيئا وان تغفر لي فخير راحم أنتيا سيدي.

اللهم أنت أنت وانا انا ، أنت العواد بالمغفرة وانا العواد بالذنوب ،وأنت المتفضل بالحكم وانا العواد بالجهل.

اللهم فاني أسألك يا كنز الضعفاء ، ويا عظيم الرجاء ، ويا منقذالغرقى ، يا منجي الهلكى ، يا مميت الاحياء ، يا محيى الموتى ، أنت اللهلا إله إلا أنت ، سجد لك شعاع الشمس(٢) ، ودوي الماء ، ونور القمر ،

__________________

(١) رواه الشهيد في مزاره : ٢٣٤ ، عنه وعن المزار ، البحار ١٠٠ : ٤١٤ ، المستدرك ٦ : ٣١٣.

(٢) السجود هنا مستعمل في معناه اللغوي ، اي تذلل وانقاد وجرى بأمرك وتدبيرك فيه.

١٦٥

وظلمة الليل ، وضوء النهار ، وخفقان الطير(١)

فأسألك اللهم يا عظيم بحقك على محمد وآل محمد الصادقين ،وبحق محمد وآل محمد الصادقين عليك ، وبحقك على علي وبحقعلي عليك ، وبحقك على فاطمة وبحق فاطمة عليك ، وبحقك علىالحسن وبحق الحسن عليك ، وبحقك على الحسين وبحق الحسينعليك ، فان حقوقهم من أفضل انعامك عليهم ، وبالشأن الذي لكعندهم ، وبالشأن الذي لهم عندك.

صل يا رب عليهم صلاة دائمة منتهى رضاك ، واغفر لي الذنوبالتي بيني وبينك ، وأتمم نعمتك علي كما أتممتها على آبائي من قبل ،ولا تجعل لاحد من المخلوقين علي فيها امتنانا ، وامنن علي كما مننتعلى آبائي من قبلي ، يا كهيعص ، اللهم صل على محمد وآل محمدواستجب لي دعائي فيما سألتك.

ثم ضع خدك الأيمن علي الأرض وقل :

يا سيدي يا سيدي صل على محمد وآل محمد واغفر ليواغفر لي.

وأكثر من قولك ذلك مهما أمكنك ، واخشع وابك ، وكذلك تقولفي الخد الأيسر والسجود الأخير(٢) .

__________________

(١) دوي الماء : صوته عند الجري والتحرك ، وخفقان الطائر طيرانه وضربه بجناحيه.

(٢) رواه الشهيد في مزاره : ٢٣٦ ، والسيد في مصباح الزائر : ٤٢ ، عنهما البحار ١٠٠ : ٤١٦.

١٦٦

الصلاة والدعاء عند الأسطوانة الخامسة

روي عن مولانا أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام أنه قال لبعض أصحابه : يافلان إذا دخلت المسجد من الباب الثاني عن ميمنة المسجد ، فعد خمسةأساطين ، اثنتان منها في الظلال وثلاث منها في صحن الحائط ، فصلهناك ، فعند الثالثة مصلى إبراهيم ، وهي الخامسة من المسجد ركعتين ،وقل :

السلام على أبينا ادم وامنا حواء ، السلام على هابيل المقتول ظلماوعدوانا على مواهب الله(١) ورضوانه ، السلام على شيث صفوة اللهالمختار الأمين ، وعلى الصفوة الصادقين من ذريته الطيبين ، أولهمواخرهم.

السلام على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وعلى ذريتهمالمختارين ، السلام على موسى كليم الله ، السلام على عيسى روح الله.

السلام على محمد حبيب الله ، السلام على المصطفين علىالعالمين ، السلام على أمير المؤمنين وذريته الطيبين الطاهرين ورحمةالله وبركاته ، السلام عليك في الأولين.

السلام عليك في الآخرين ، السلام على فاطمة الزهراء ، السلامعلى الرقيب الشاهد لله على الأمم لله رب العالمين.

__________________

(١) اي المقتول لأجل مواهب الله ، أو كائنا عليها.

١٦٧

اللهم صل على محمد واله واكتبني عندك من المقبولينواجعلني من الفائزين المطمئنين الذين لا خوف عليهم ولا هميحزنون(١) .

الصلاة عند السابعة والدعاء :

وبالاسناد مرفوعا إلى أبي حمزة الثمالي رحمة الله عليه قال : بيناانا قاعد يوما في المسجد عند السابعة ، إذا برجل مما يلي أبواب كندة قددخل ، فنظرت إلى أحسن الناس وجها ، وأطيبهم ريحا ، وأنظفهم ثوبا ،معمم بلا طيلسان ولا ازار ، عليه قميص ودراعة وعمامة ، وفي رجليهنعلان عربيان ، فخلع نعليه ، ثم قام عند السابعة ورفع مسبحتيه حتى بلغتاشحمتي اذنيه ، ثم أرسلهما بالتكبير ، فلم يبق في بدني شعرة الا قامت ،ثم صلى أربع ركعات أحسن ركوعهن وسجودهن ، وقال :

الهي ان كنت قد عصيتك فقد أطعتك في أحب الأشياء إليك ،الايمان بك ، منا منك به علي لا منا مني به عليك ، لم اتخذ لك ولداولم ادع لك شريكا.

وقد عصيتك على غير وجه المكابرة(٢) ، ولا الخروج عنعبوديتك ، ولا الجحود لربوبيتك ، ولكن اتبعت هواي ، وأزلني الشيطان

__________________

(١) رواه الشهيد في مزاره : ٢٣٨ ، عنه البحار ١٠٠ : ٣٨٨.

(٢) المكابرة : المعاندة.

١٦٨

بعد الحجة علي والبيان ، فان تعذبني فبذنوبي غير ظالم لي ، وان تعفعني فبجودك وكرمك ، يا كريم.

ثم خر ساجدا يقولها حتى انقطع نفسه ، وقال أيضا في سجوده :

يا من يقدر على قضاء حوائج السائلين ، يا من يعلم ضميرالصامتين ، يا من لا يحتاج إلى التفسير ، يا من يعلم خائنة الأعين وماتخفي الصدور ، يا من انزل العذاب على قوم يونس وهو يريد ان يعذبهمفدعوه وتضرعوا إليه فكشف عنهم العذاب ، ومتعهم إلى حين.

قد ترى مكاني ، وتسمع كلامي ، وتعلم حاجتي ، فاكفني ما أهمنيمن أمر ديني ودنياي واخرتي ، يا سيدي يا سيدي ـ سبعين مرة.

ثم رفع رأسه ، فتأملته فإذا هو مولاي زين العابدين علي بن الحسينعليهما‌السلام ، فانكببت علي يديه أقبلهما ، فنزع يده مني وأومأ إلي بالسكوت ،فقلت : يا مولاي انا من قد عرفته في ولائكم فما الذي أقدمك إلى هاهنا ،فقال : هو لما رأيت(١) .

الصلاة والدعاء عند باب أمير المؤمنين عليه‌السلام للحاجة :

تصلي ركعتين وتقول :

اللهم إني حللت بساحتك لعلمي بوحدانيتك وصمدانيتك ، وانهلا قادر على قضاء حاجتي غيرك ، وقد علمت يا رب انه كل ما شاهدت

__________________

(١) رواه الشهيد في مزاره : ٢٣٩ ، عنهما البحار ١٠٠ : ٣٨٨.

١٦٩

نعمتك علي اشتدت فاقتي إليك ، وقد طرقني يا رب من مهم أمري ما قدعرفته قبل معرفتي ، لأنك عالم غير معلم.

فاسالك بالاسم الذي وضعته على السماوات فانشقت ، وعلىالأرضين فانبسطت ، وعلى النجوم فانتثرت ، وعلى الجبال فاستقرت ،واسالك بالاسم الذي جعلته عند محمد ، وعند علي ، وعند الحسنوالحسين ، وعند الأئمة كلهم صلوات الله عليهم أجمعين ، ان تصليعلى محمد وال محمد وان تقضي لي يا رب حاجتي ، وتيسر ليعسيرها ، وتكفيني مهمها ، وتفتح لي قفلها ، فان فعلت فلك الحمد ، وانلم تفعل فلك الحمد ، غير جائر في حكمك ، ولا حائف(١) في عدلك.

ثم تبسط خدك الأيمن على الأرض ، وتقول :

اللهم ان يونس بن متي عبدك ونبيك دعاك في بطن الحوتفاستجبت له ، وانا أدعوك فاستجب لي فبحق محمد وال محمد عليك.

وتدعو بما تحب ، وتقلب خدك الأيسر وتقول :

اللهم أمرت بالدعاء وتكفلت بالإجابة ، وانا أدعوك كما امرتنيفصل على محمد وآل محمد واستجب لي كما وعدتني يا كريم.

ثم تعود إلى السجود وتقول :

يا عز كل ذليل ، يا مذل كل عزيز ، تعلم كربتي فصل على محمد

__________________

(١) حاف عليه : جار عليه وظلمه.

١٧٠

وال محمد وفرج عني يا كريم(١)

صلاة أخرى للحاجة :

تصلي عند باب أمير المؤمنينعليه‌السلام أربع ركعات وتقول :

اللهم إني أسألك يا من لا تراه العيون ، ولا تحيط به الظنون ،ولا يصفه الواصفون ، ولا تغيره الحوادث ، ولا تفنيه الدهور ، يعلممثاقيل الجبال ، ومكائيل البحار ، وورق الأشجار ، ورمل القفار ، وماأضاءت به الشمس والقمر ، واظلم عليه الليل ووضح به النهار ،لا تواري منك سماء سماء ، ولا ارض أرضا ، ولا جبل ما في أصله ،ولا بحر ما في قعره ، أسألك ان تصلي على محمد وآل محمد وانتجعل خير أمري آخره ، وخير أعمالي خواتيمها ، وخير أيامي يوم ألقاك ،انك على كل شئ قدير.

اللهم من أرادني بسوء فارده ، ومن كادني فكده ، ومن بغاني بهلكةفأهلكه ، واكفني ما أهمني ممن ادخل همه علي ، اللهم أدخلني فيدرعك الحصينة ، واسترني بسترك الواقي.

يا من يكفي كل شئ ولا يكفي منه شئ ، اكفني من أمر الدنياوالآخرة ، وصدق قولي وفعالي ، يا شفيق يا رفيق فرج عني المضيقولا تحملني ما لا أطيق.

__________________

(١) رواه الشهيد في مزاره : ٢٤٢ ، والسيد في مصباح الزائر : ٤٤ ، عنهما البحار ١٠٠ : ٤١٧.

١٧١

اللهم احرسني بعينك التي لا تنام ، وارحمني بقدرتك علي ياارحم الراحمين ، يا علي يا عظيم أنت عالم بحاجتي وعلى قضائها قدير ،وهي لديك يسيرة ، وانا إليك فقير ، فمن بها علي يا كريم ، انك على كلشئ قدير.

ثم تسجد وتقول :

الهي قد علمت حوائجي فصل على محمد وآله واقضها ، وقدأحصيت ذنوبي فصل على محمد وآله واغفرها لي يا كريم.

ثم تقلب خدك الأيمن وتقول :

ان كنت بئس العبد فأنت نعم الرب ، افعل بي ما أنت أهله ولا تفعلبي ما انا أهله يا ارحم الراحمين.

ثم تقلب خدك الأيسر وتقول :

الهي ان عظم الذنب من عبدك فليحسن العفو من عندك.

وتعود إلى السجود وتقول :

ارحم من أساء واقترف ، واستكان واعترف(١) .

الصلاة والدعاء في مصلى أمير المؤمنينعليه‌السلام :

تصلي ركعتين وتقول :

يا من أظهر الجميل وستر القبيح ، يا من لا يؤاخذ بالجريرة

__________________

(١) رواه الشهيد في مزاره : ٢٤٤ ، والسيد في مصباح الزائر : ٤٥ ، عنهما البحار ١٠٠ : ٤١٧.

١٧٢

ولم يهتك الستر والسريرة ، يا عظيم العفو ، يا حسن التجاوز ، يا واسعالمغفرة ، يا باسط اليدين بالرحمة ، يا صاحب كل نجوى ، يا منتهى كلشكوى ، يا كريم الصفح ، يا عظيم الرجاء ، يا سيدي صل على محمد وآلمحمد وافعل بي ما أنت أهله يا كريم(١) .

وتقول أيضا :

الهي قد مد إليك الخاطئ المذنب يديه لحسن ظنه بك ، الهي قدجلس المسئ بين يديك فلا تخيبه برحمتك من فضلك ، الهي قد جثاالعائد إلي المعاصي بين يديك ، الهي جاءك العبد الخاطئ فزعا مشفقا ،ورفع إليك طرفه حذرا راجيا ، وفاضت عبرته مستغفرا نادما ، الهيفصل على محمد وآل محمد واغفر لي برحمتك يا خير الغافرين(٢) .

مناجاة أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام :

اللهم إني أسألك الأمان يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى اللهبقلب سليم ، وأسألك الأمان يوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتنياتخذت مع الرسول سبيلا.

واسالك الأمان يوم يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصيوالاقدام ، وأسألك الأمان يوم لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز

__________________

(١) رواه الشهيد في مزاره : ٢٤٦ ، والسيد في مصباح الزائر : ٤٥ ، عنهما البحار ١٠٠ : ٤١٨.

(٢) رواه الشهيد في مزاره : ٢٤٦ ، والسيد في مصباح الزائر : ٤٥ ، عنهما البحار ١٠٠ : ٤١٨.

١٧٣

عن والده شئ ، ان وعد الله حق ، واسالك الأمان يوم لا ينفع الظالمينمعذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار ، وأسألك الأمان يوم لا تملكنفس لنفس شيئا والامر يومئذ لله.

وأسألك الأمان يوم يفر المرء من أخيه ، وأمه وأبيه ، وصاحبتهوبنيه ، لكل امرئ منهم يؤمئذ شأن يغنيه ، وأسألك الأمان يوم يودالمجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه ، وصاحبته وأخيه ، وفصيلتهالتي تؤويه ، ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه ، كلا انها لظى ، نزاعةللشوى.

مولاي يا مولاي أنت المولى وانا العبد ، وهل يرحم العبد الاالمولى ، مولاي يا مولاي أنت المالك وانا المملوك ، وهل يرحمالمملوك الا المالك ، مولاي يا مولاي أنت العزيز وانا الذليل ، وهل يرحمالذليل الا العزيز.

مولاي يا مولاي أنت الخالق وانا المخلوق ، وهل يرحم المخلوقالا الخالق ، مولاي يا مولاي أنت العظيم وانا الحقير ، وهل يرحم الحقيرالا العظيم ، مولاي يا مولاي أنت القوي وانا الضعيف ، وهل يرحمالضعيف الا القوي.

مولاي يا مولاي أنت الغني وانا الفقير ، وهل يرحم الفقير الاالغني ، مولاي يا مولاي أنت المعطي وانا السائل ، وهل يرحم السائل الاالمعطي.

١٧٤

مولاي يا مولاي أنت الحي وانا الميت وهل يرحم الميت الاالحي ، مولاي يا مولاي أنت الباقي وانا الفاني ، وهل يرحم الفاني الاالباقي ، مولاي يا مولاي أنت الدائم وانا الزائل ، وهل يرحم الزائل الاالدائم.

مولاي يا مولاي أنت الرازق وانا المرزوق ، وهل يرحم المرزوقالا الرازق ، مولاي يا مولاي أنت الجواد وانا البخيل ، وهل يرحم البخيلالا الجواد ، مولاي يا مولاي أنت المعافي وانا المبتلى ، وهل يرحمالمبتلى الا المعافي.

مولاي يا مولاي أنت الكبير وانا الصغير ، وهل يرحم الصغير الاالكبير ، مولاي يا مولاي أنت الهادي وانا الضال ، وهل يرحم الضال الاالهادي ، مولاي يا مولاي أنت الرحمن(١) وانا المرحوم ، وهل يرحمالمرحوم الا الرحمن ، مولاي يا مولاي أنت السلطان وانا الممتحن ، وهليرحم الممتحن الا السلطان.

مولاي يا مولاي أنت الدليل وانا المتحير ، وهل يرحم المتحير الاالدليل ، مولاي يا مولاي أنت الغفور وانا المذنب ، وهل يرحم المذنبالا الغفور ، مولاي يا مولاي أنت الغالب وانا المغلوب ، وهل يرحمالمغلوب الا الغالب ، مولاي يا مولاي أنت الرب وانا المربوب وهليرحم المربوب الا الرب.

__________________

(١) في بعض المصادر في الموضعين : الراحم.

١٧٥

مولاي يا مولاي أنت المتكبر وانا الخاشع ، وهل يرحم الخاشع الاالمتكبر ، مولاي يا مولاي ارحمني برحمتك ، وارض عني بجودكوكرمك ، يا ذا الجود والاحسان ، والطول والامتنان ، برحمتك يا ارحمالراحمين(١) .

الصلاة والدعاء على دكة الصادق عليه‌السلام :

تصلي ركعتين وتقول بعدهما :

يا صانع كل مصنوع ، ويا جابر كل كسير ، يا حاضر كل ملا ، ياشاهد كل نجوى ، يا عالم كل خفية ، يا شاهدا غير غائب ، ويا غالبا غيرمغلوب ، ويا قريبا غير بعيد ، ويا مؤنس كل وحيد ، ويا حي حين لا حيغيره ، يا محيي الموتى ومميت الاحياء ، القائم على كل نفس بما كسبت ،صل على محمد وآل محمد.

وادع بما أحببت(٢) .

الصلاة على دكة القضاء :

تصلي ركعتين وتقول :

__________________

(١) عنه وعن مزار الشهيد : ٢٤٨ ، البحار ١٠٠ : ٤١٩.

أورده الكفعمي في البلد الأمين : ٣١٩ ، عنه البحار ٩٤ : ١٠٩.

(٢) رواه الشهيد في مزاره : ٢٥١ ، والسيد في مصباح الزائر : ٥١ ، عنهما البحار ١٠٠ : ٤٢٤.

١٧٦

يا مالكي ومملكي ومعتمدي بالنعم الجسام بغير استحقاقوجهي خاضع لما تعلوه الاقدام(١) لجلال وجهك الكريم ، لا تجعل هذهالضغطة الشديدة ، ولا هذه المحنة متصلة باستيصال الشافة(٢) ، وامنحنيمن فضلك ما لم تمنح به أحدا من غير مسألة.

انك القديم الأول الذي لم يزل ولا يزال ، وصل على محمد وآلمحمد وافعل بي ما أنت أهله(٣) .

زيارة مسلم بن عقيل رضوان الله عليه :

تقف على بابه وتقول :

سلام الله وسلام ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين وعبادهالصالحين وجميع الشهداء والصديقين ، والزاكيات الطيبات فيماتغتدي وتروح عليك يا مسلم بن عقيل.

اشهد لك بالتسليم والتصديق والوفاء والنصيحة لخلف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله المرسل ، والسبط المنتجب ، والدليل العالم ،والوصي المبلغ ، والمظلوم المهتضم.

__________________

(١) اي اسجد بوجهي الذي هو أشرف أعضائي على التراب الذي هو أذل الأشياء ، ويوطأعليه بالاقدام ، خضوعا لجلال وجهك الكريم.

(٢) الشافة : قرحة تخرج في أسفل القدم فتكوي فتذهب وإذا قطعت مات صاحبها ،استأصل الله شافته اي أذهبه كا تذهب تلك القرحة ، أو معناه ازاله من أصله.

(٣) رواه الشهيد في مزاره : ٢٥٢ ، والسيد في مصباح الزائر : ٤٠ ، عنهما البحار ١٠٠ : ٤١١.

١٧٧

فجزاك الله عن رسوله وعن أمير المؤمنين وعن الحسن والحسينأفضل الجزاء ، بما صبرت واحتسبت وأعنت ، فنعم عقبى الدار ، لعنالله من خذلك وغشك.

اشهد انك قتلت مظلوما وان الله منجز لكم ما وعدكم ، جئتك ياعبد الله وافدا إليكم ، وقلبي لكم مسلم وانا لكم تابع ، ونصرتي لكمعدة ، حتى يحكم الله بأمره وهو خير الحاكمين ، فمعكم معكم لا مععدوكم ، اني بكم وبآبائكم من المؤمنين ، وبمن خالفكم وقتلكم منالكافرين ، قتل الله أمة قتلكم بالأيدي والألسن.

ثم ادخل وانكب على القبر وقل :

السلام عليك أيها العبد الصالح ، المطيع لله ولرسولهولأمير المؤمنين وللحسن والحسين صلى الله عليهم وسلم ، السلامعليك ورحمة الله وبركاته ومغفرته ، وعلى روحك وبدنك.

اشهد واشهد الله انك مضيت على ما مضى به البدريونوالمجاهدون في سبيل الله ، المناصحون في جهاد أعدائه ، المبالغونفي نصرة أوليائه ، الذابون عن أحبائه ، فجزاك الله أفضل الجزاء ، وأوفرجزاء أحد ممن وفى ببيعته ، واستجاب له دعوته ، وأطاع ولاة امره.

اشهد انك قد بالغت في النصيحة ، وأعطيت غاية المجهود ،فبعثك الله في الشهداء ، وجعل روحك مع أرواح السعداء ، وأعطاك منجنانه أفسحها منزلا ، وأفضلها غرفا ، ورفع ذكرك في العليين ، وحشرك

١٧٨

مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

اشهد انك لم تهن ولم تنكل ، وانك مضيت على بصيرة من امرك ،مقتديا بالصالحين ، ومتبعا للنبيين ، فجمع الله بيننا وبينك وبين رسولهوأوليائه في منازل المخبتين ، فإنه ارحم الراحمين.

ثم انحرف إلى عند الرأس ، فصل ركعتين وصل بعدها ما بدا لك ،وسبح وادع بما أحببت ، وقل :

اللهم صل على محمد وآل محمد ولا تدع لي ذنبا الا غفرته ،ولاهما الا فرجته ، ولا مرضا الا شفيته ، ولا عيبا الا سترته ، ولا شملا الاجمعته ، ولا غائبا الا حفظته وأديته ، ولا عريا الا كسوته ، ولا رزقا الابسطته ، ولا خوفا الا آمنته ، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة لك فيهارضى ولي فيها صلاح الا قضيتها ، يا ارحم الراحمين.

فإذا أردت وداعهرضي‌الله‌عنه تقف عليه كوقوفك الأول وقل :

استودعك الله واسترعيك(١) واقرأ عليك السلام ، آمنا باللهوبرسوله وبكتابه وبما جاء به من عند الله ، اللهم اكتبنا مع الشاهدين ،اللهم لا تجعله آخر العهد من زيارتي قبر ابن عم نبيكصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وارزقني زيارته ما أبقيتني ، واحشرني معه ومع آبائه في الجنان ،وعرف بيني وبينه وبين رسولك وأوليائك.

اللهم صل على محمد وآل محمد وتوفني على الايمان بك ،

__________________

(١) استرعاه إياه : استحفظه ذكره.

١٧٩

والتصديق برسولك والولاية لعلي بن أبي طالب والأئمةعليهم‌السلام .

وادع لنفسك ولوالديك وللمؤمنين والمؤمنات ، وأكثر من الدعاءما شئت ، واخرج في دعة الله(١) .

زيارة هاني بن عروةرضي‌الله‌عنه

تقف على قبره ، وتسلم على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وتقول :

سلام الله العظيم وصلواته عليك يا هاني بن عروة ، السلام عليكأيها العبد الصالح ، الناصح لله ولرسوله ولأمير المؤمنين وللحسنوالحسين ، اشهد انك قتلت مظلوما ، فلعن الله من قتلك واستحلدمك ، وحشى الله قبورهم نارا.

اشهد انك لقيت الله وهو عنك راض بما فعلت ، ونصحت للهولرسوله ، وبلغت درجة الشهداء ، وجعل روحك مع أرواح السعداءبما نصحت لله ولرسوله مجتهدا ، وبذلت نفسك في ذات اللهومرضاته ، فرحمك الله ورضي عنك ، وحشرك مع محمد وآلهالطاهرين ، وجمعنا وإياك معهم في دار النعيم ، والسلام عليك ورحمةالله وبركاته.

ثم صل عنده ما بدا لك ، وادع لنفسك بما شئت ، وقبله وانصرف(٢) .

__________________

(١) رواه الشهيد في مزاره : ٢٧٨ ، والسيد في مصباح الزائر : ٥١ ، عنهما البحار ١٠٠ : ٤٢٨.

(٢) رواه الشهيد في مزاره : ٢٨٢ ، والسيد في مصباح الزائر : ٥٤ ، عنهما البحار ١٠٠ : ٤٢٩.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702