المزار الكبير

المزار الكبير8%

المزار الكبير مؤلف:
المحقق: جواد القيّومي الإصفهاني
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
ISBN: 964-92002-0-7
الصفحات: 702

المزار الكبير
  • البداية
  • السابق
  • 702 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 187470 / تحميل: 6371
الحجم الحجم الحجم
المزار الكبير

المزار الكبير

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٩٢٠٠٢-٠-٧
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

ب ـ وروى سلمان الفارسي رحمة الله عليه قال : دخلت علىرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في آخر يوم من جمادي الآخرة في وقت لم ادخل عليهقبله فيه ، قال : يا سلمان أنت منا أهل البيت ، أفلا أحدثك؟ قلت : بلى فداكأبي وأمي يا رسول الله.

قال : يا سلمان ما من مؤمن ولا مؤمنة صلى في هذا الشهر ثلاثينركعة وهو شهر رجب ، يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة ، و( قل هوالله أحد ) ثلاث مرات ، و( قل يا أيها الكافرون ) ثلاث مرات ، الا محىالله تعالى عنه كل ذنب عمله في صغره وكبره ، وأعطاه الله من الاجركمن صام ذلك الشهر كله ، وكتب عند الله من المصلين إلى السنة المقبلة ،ورفع له في كل يوم عمل شهيد من شهداء بدر ، وكتب له بصوم كل يوميصومه عبادة سنة ، ورفع له الف درجة ، فان صام الشهر كله انجاه الله منالنار وأوجب له الجنة ، يا سلمان اخبرني بذلك جبرئيلعليه‌السلام وقال : يامحمد هذه علامة بينك وبين المنافقين ، لان المنافقين لا يصلون ذلك.

قال سلمان : قلت : يا رسول الله أخبرني كيف أصلي هذه الثلاثينركعة ، ومتى اصليها؟

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا سلمان تصلي في أوله عشر ركعات ، تقرأ في كل ركعةفاتحة الكتاب مرة واحدة ، و( قل هو الله أحد ) ثلاث مرات ، و( قل ياأيها الكافرون ) ثلاث مرات ، فإذا سلمت رفعت يديك وقلت :

٢٠١

لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحييويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير ، اللهملا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد.

ثم امسح بها وجهك.

وصل في وسط الشهر عشر ركعات ، تقرأ في كل ركعة فاتحةالكتاب مرة واحدة ، و( قل هو الله أحد ) ثلاث مرات ، و( قل يا أيهاالكافرون ) ثلاث مرات.

فإذا سلمت فارفع يديك إلى السماء وقل :

لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحييويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير ، الهاواحدا أحدا فردا صمدا لم يتخذ صاحبة ولا ولدا.

ثم امسح بها وجهك.

وصل في آخر الشهر عشر ركعات ، تقرأ في كل ركعة فاتحةالكتاب مرة واحدة ، و( قل هو الله أحد ) ثلاث مرات ، و( قل يا أيهاالكافرون ) ثلاث مرات ، فإذا سلمت فارفع يديك إلى السماء وقل :

لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحييويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير ، ،وصلى الله على محمد وآله الطاهرين ، ولا حول ولا قوة الا بالله العليالعظيم.

٢٠٢

ثم امسح بها وجهك وسل حاجتك فإنه يستجاب لك دعاؤكويجعل الله بينك وبين جهنم سبعة خنادق ، وكل خندق كما بين السماءوالأرض ، ويكتب لك بكل ركعة الف الف ركعة ، ويكتب لك براءة منالنار وجواز على الصراط.

قال سلمان : فلما فرغ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من الحديث خررت ساجدا أبكيشكرا لله لما سمعت هذا الحديث(١) .

٢ ـ ومما يستحب ان يزار به أمير المؤمنينعليه‌السلام في ليلة المبعثهذه الزيارة ، وكل امام حضرت عنده في رجب أيضا.

روى الشيخ أبو بكر بن عياشرضي‌الله‌عنه قال : حدثني خير(٢) بنعبد اللهرضي‌الله‌عنه ، عن مولاه ـ يعني أبا القاسم الحسين بن روحرضي‌الله‌عنه ـ قال :

زر أي المشاهد كنت بحضرتها في رجب ، تقول إذا دخلت :

الحمد لله الذي اشهدنا مشهد أوليائه في رجب ، وأوجب علينا منحقهم ما قد وجب ، وصلى الله على محمد المنتجب ، وعلى أوصيائهالحجب.

__________________

(١) رواه السيد ابن طاووس في الاقبال ٣ : ١٩٨ عن الشيخ في مصباحه.

أورده الكفعمي في مصباحه : ٥٢٦.

(٢) كذا هنا وفي المصباح والاقبال ، وفي بعض نسخ المصباح : حسين ، وفي بعض نسخالاقبال : جبير.

٢٠٣

اللهم فكما أشهدتنا مشهدهم فأنجز لنا موعدهم ، وأوردناموردهم ، غير محلئين عن ورد(١) في دار المقامة والخلد ، والسلامعليكم اني قصدتكم واعتمدتكم بمسألتي وحاجتي ، وهي فكاكرقبتي من النار ، والمقر معكم في دار القرار مع شيعتكم الأبرار ، والسلامعليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار.

انا سائلكم واملكم فيما إليكم التفويض ، وعليكم التعويض ،فبكم يجبر المهيض(٢) ، ويشفي المريض وما تزداد الأرحام وما تغيض ،اني بسركم مؤمن ، ولقولكم مسلم ، وعلى الله بكم مقسم ، في رجعتيبحوائجي ، وقضائها وامضائها ، وانجاحها وابراحها(٣) ، وبشؤوني لديكموصلاحها ، والسلام عليكم سلام مودع ، ولكم حوائجه مودع.

يسأل الله إليكم المرجع ، وسعيه إليكم غير منقطع ، وان يرجعنيمن حضرتكم خير مرجع ، إلى جناب(٤) ممرع(٥) ، وخفض(٦) موسع ،ودعة(٧) ومهل إلى حين الاجل ، وخير مصير ومحل في النعيم الأزل ،

__________________

(١) الورد : الماء الذي يرد عليه.

(٢) المهيض : العظم المكسور.

(٣) ابراحها : اظهارها.

(٤) الجناب : الناحية.

(٥) أمرع الوادي : صار ذا كلاء.

(٦) الخفض : الراحة.

(٧) الدعة : السعة في العيش.

٢٠٤

والعيش المقتبل(١) ودوام الاكل ، وشرب الرحيق والسلسل(٢) وعلونهل(٣) ، لا سأم منه ولا ملل ، ورحمة الله وبركاته وتحياته ، حتى العودإلى حضرتكم ، والفوز في كرتكم ، والحشر في زمرتكم ، والسلامعليكم ورحمة الله وبركاته عليكم وصلواته وتحياته ، وهو حسبناونعم الوكيل(٤) .

٣ ـ زيارة أخرى لأمير المؤمنين صلوات الله عليه ، زار بها الصادقعليه‌السلام في سابع عشر ربيع الأول عند طلوع الشمس ـ وفي هذا اليوم ولدالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وعلمها لمحمد بن مسلم الثقفي ، قال :

إذا اتيت مشهد أمير المؤمنينعليه‌السلام فاغتسل غسل الزيارة ، والبسأنظف ثيابك ، وشم شيئا من الطيب ، وامش وعليك السكينة والوقار ،فإذا وصلت إلى باب السلام فاستقبل القبلة وكبر الله تعالى ثلاثين مرةوقل :

السلام على رسول الله ، السلام على خيرة الله ، السلام على البشير

__________________

(١) المقتبل : المستأنف.

(٢) ماء سلسل : سهل الدخول في الحلق لعذوبته وصفائه.

(٣) العل : الشرب الثاني ، النهل : الشرب الأول.

(٤) رواه الشيخ في المصباح : ٧٥٥ ، باسناده عن ابن عياش ، عن خير بن عبد الله ، عنأبي القاسم الحسين بن روح.

أورده السيد في الاقبال ٣ : ١٨٣ عن الشيخ باسناده ، عنه البحار ١٠٢ : ١٩٥.

٢٠٥

النذير السراج المنير ورحمة الله وبركاته ، السلام على الطهر الطاهرالسلام على العلم الزاهر ، السلام على المنصور المؤيد ، السلام علىأبي القاسم محمد ورحمة الله وبركاته.

السلام على أنبياء الله المرسلين وعباده الصالحين ، السلام علىالملائكة الحافين بهذا الحرم وبهذا الضريح اللائذين به ورحمة اللهوبركاته.

ثم ادن من القبر وقل :

السلام عليك يا وصي الأوصياء ، السلام عليك يا عماد الأتقياء ،السلام عليك يا ولي الأولياء ، السلام عليك يا سيد الشهداء ، السلامعليك يا آية الله العظمى.

السلام عليك يا خامس أهل العباء ، السلام عليك يا قائد الغرالمحجلين(١) الأتقياء ، السلام عليك يا عصمة الأولياء ، السلام عليك يازين(٢) الموحدين النجباء ، السلام عليك يا خالص الأخلاء ، السلام عليكيا والد الأئمة الامناء.

السلام عليك يا صاحب الحوض وحامل اللواء ، السلام عليك ياقسيم الجنة ولظى ، السلام عليك يا من شرفت به مكة ومنى.

__________________

(١) عن الجزري : أمتي الغر المحجلين اي بيض مواضع الوضوء من الأيدي والاقدام ،استعار اثر الوضوء في الوجه واليدين والرجلين للانسان من البياض الذي يكون في وجهالفرس ويديه ورجليه.

(٢) فارس ( خ ل ).

٢٠٦

السلام عليك يا بحر العلوم وكهف الفقراء ، السلام عليك يا منولد في الكعبة وزوج في السماء بسيدة النساء ، وكان شهودها الملائكةالسفرة البررة الأصفياء.

السلام عليك يا مصباح الضياء ، السلام عليك يا من خصه النبيبجزيل الحباء(١) ، السلام عليك يا من بات على فراش خاتم الأنبياء ووقاهبنفسه شر الأعداء ، السلام عليك يا من ردت له الشمس فسامى(٢) شمعونالصفا ، السلام عليك يا من أنجى الله سفينة نوح باسمه واسم أخيه حيثالتطم الماء حولها وطمى(٣) .

السلام عليك يا من تاب الله به وباخيه على ادم إذ غوى ، السلامعليك يا فلك النجاة الذي من ركبه نجى ومن تأخر عنه هوى(٤) ، السلامعليك يا من خاطب الثعبان وذئب الفلا ، السلام عليك يا أمير المؤمنينورحمة الله وبركاته.

السلام عليك يا حجة الله على من كفر وأناب ، السلام عليك ياإمام ذوي الألباب ، السلام عليك يا معدن الحكمة وفصل الخطاب ،السلام عليك يا من عنده علم الكتاب ، السلام عليك يا ميزان يومالحساب ، السلام عليك يا فاصل الحكم الناطق بالصواب.

__________________

(١) الحباء : العطاء.

(٢) المساماة : المطاولة والمفاخرة من السمو بمعنى العلو والرفعة.

(٣) طمى البحر : إذا ارتفع بأمواجه.

(٤) هوى : هلك.

٢٠٧

السلام عليك أيها المتصدق بالخاتم في المحراب ، السلام عليك يامن كفى الله المؤمنين القتال به في يوم الأحزاب ، السلام عليك يا منأخلص لله بالوحدانية وأناب ، السلام عليك يا قالع خيبر من الصخرةالصلاب(١) .

السلام عليك يا من دعاه خير البرية إلى المبيت على فراشه فأسلمنفسه للمنية وأجاب ، السلام عليك يا من له طوبى وحسن مآب ورحمةالله وبركاته ، السلام عليك يا ولي عصمة الدين وسيد السادات ، السلامعليك يا صاحب المعجزات.

السلام عليك يا من نزلت في فضله سورة العاديات ، السلام عليكيا من كتب اسمه في السماء على السرادقات ، السلام عليك يا مظهرالعجائب والآيات ، السلام عليك يا أمير الغزوات.

السلام عليك يا مخبرا بما غبر وبما هو آت ، السلام عليك يامخاطب ذئب الفلوات(٢) ، السلام عليك يا خاتم الحصى ومبينالمشكلات ، السلام عليك يا من عجبت من حملاته في الوغى(٣) ملائكةالسماوات.

__________________

(١) السلام عليك يا قاتل خيبر وقالع الباب ( خ ل ) ، أقول : قاتل خيبر من قبيل إضافة كريمالبلد ، اي القاتل في الخيبر ، ولعله كان في الأصل : قاتل مرحب ، وفي الاقبال : يا قالع بابخيبر الصيخود من الصلاب ، يقال : صخرة صيخود اي شديدة.

(٢) الفلوات جمع فلاة ، وهي المفازة لا ماء فيها ، أو الصحراء الواسعة.

(٣) الوغى ـ كفتى ـ الصوت والجلبة ، وهنا كناية عن معارك الحرب.

٢٠٨

السلام عليك يا من ناجى الرسول فقدم بين يدي نجواه الصدقاتالسلام عليك يا والد الأئمة البررة السادات ورحمة الله وبركاته ، السلامعليك يا تالي المبعوث ، السلام عليك يا وارث خير موروث(١) ورحمةالله وبركاته.

السلام عليك يا سيد الوصيين ، السلام عليك يا إمام المتقين ،السلام عليك يا غياث المكروبين ، السلام عليك يا عصمة المؤمنين ،السلام عليك يا مظهر البراهين ، السلام عليك يا طه ويس ، السلام عليكيا حبل الله المتين.

السلام عليك يا من تصدق في صلاته بخاتمه على المسكين ،السلام عليك يا قالع الصخرة عن فم القليب ، ومظهر الماء المعين ،السلام عليك يا عين الله الناظرة في العالمين ، ويده الباسطة ، ولسانهالمعبر عنه في بريته أجمعين.

السلام عليك يا وارث علم النبيين ، ومستودع علم الأولينوالآخرين ، وصاحب لواء الحمد ، وساقي أوليائه من حوض خاتمالمرسلين ، السلام عليك يا يعسوب الدين وقائد الغر المحجلين ووالدالأئمة المرضيين ورحمة الله وبركاته.

السلام على اسم الله الرضي ، ووجهه المضئ ، وجنبه القوي ،وصراطه السوي ، السلام على الامام التقي المخلص الصفي ، السلام

__________________

(١) وارث علم خير موروث ( خ ل ).

٢٠٩

على الكوكب الدري ، السلام على الامام أبي الحسن علي ورحمة اللهوبركاته.

السلام على أئمة الهدى ، ومصابيح الدجى ، وأعلام التقى ، ومنارالهدى ، وذوي النهى ، وكهف الورى ، والعروة الوثقى ، والحجة علىأهل الدنيا ورحمة الله وبركاته.

السلام على نور الأنوار ، وحجج الجبار ، ووالد الأئمة الأطهار ،وقسيم الجنة والنار ، المخبر عن الآثار ، المدمر على الكفار ، مستنقذالشيعة المخلصين من عظيم الأوزار ، السلام على المخصوص بالطاهرةالتقية ابنة المختار ، المولود في البيت ذي الأستار ، المزوج في السماءبالبرة الطاهرة الرضية المرضية والدة الأئمة الأطهار ورحمة اللهوبركاته.

السلام على النبأ العظيم ، الذي هم فيه مختلفون ، وعليهيعرضون ، وعنه يسألون ، السلام على نور الله الأنور ، وضيائه الأزهرورحمة الله وبركاته ، السلام عليك يا ولي الله وحجته ، وخالصة اللهوخاصته.

اشهد انك يا ولي الله وولي رسوله ، لقد جاهدت في سبيل اللهحق جهاده ، واتبعت منهاج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحللتحلال الله ، وحرمت حرامه ، وشرعت أحكامه ، وأقمت الصلاة ، وآتيتالزكاة ، وأمرت بالمعروف ، ونهيت عن المنكر ، وجاهدت في سبيل الله

٢١٠

صابرا ناصحا مجتهدا محتسبا عند الله عظيم الاجر ، حتى اتاك اليقين

فلعن الله من دفعك عن مقامك ، وأزالك عن مرامك ، ولعن اللهمن بلغه ذلك فرضي به ، انا إلى الله من أعدائك برئ ، اشهد اللهوملائكته وأنبياءه ورسله اني ولي لمن والاه ، وعدو لمن عاداه ، والسلامعليك ورحمة الله وبركاته.

ثم انكب على القبر فقبله وقل :

اشهد انك تسمع كلامي وتشهد مقامي ، واشهد لك يا ولي اللهبالبلاغ والأداء ، يا مولاي يا حجة الله ، يا امين الله ، يا ولي الله ، ان بينيوبين الله ذنوبا قد أثقلت ظهري ومنعتني من الرقاد ، وذكرها يقلقلأحشائي ، وقد هربت منها إلى الله واليك ، فبحق من ائتمنك على سره ،واسترعاك أمر خلقه ، وقرن طاعتك بطاعته ، وموالاتك بموالاته ، كن ليإلى الله شفيعا ، ومن النار مجيرا ، وعلى الدهر ظهيرا.

ثم انكب على القبر وقل :

يا حجة الله ، يا ولي الله ، يا باب حطة الله ، وليك وزائرك واللائذبقبرك ، والنازل بفنائك ، والمنيخ رحله في جوارك ، أسألك ان تشفع ليإلى الله في قضاء حاجتي ، وانجح طلبتي في الدنيا والآخرة ، فان لكعند الله الجاه العظيم والشفاعة المقبولة.

فاجعلني يا مولاي من همك ، وادخلني في حزبك ، والسلام عليكوعلى والديك وعلى الأئمة الطاهرين من ذريتك ورحمة الله وبركاته.

٢١١

وصل ست ركعات لأمير المؤمنينعليه‌السلام ركعتين للزيارة ، ولآدم عليهالسلام ركعتين كذلك ، ولنوحعليه‌السلام ركعتين وادع الله كثيرا تجاب إن شاء اللهتعالى(١) .

٤ ـ زيارة أخرى لهعليه‌السلام مختصرة :

تقف على ضريحه صلى الله عليه وتقول :

السلام على رسول الله ، السلام على نبي الله ، السلام على خيرةالله ، السلام على محمد بن عبد الله ، السلام عليك يا أمير المؤمنين ،السلام عليك يا يعسوب الدين ، السلام عليك يا أمير المؤمنين ، السلامعليك يا سيد الوصيين ، السلام عليك أيها الامام التقي النقي الرضيالزكي الولي ، الصديق الأكبر ، الطهر الطاهر المطهر ، الفاروق الأعظم ،ورحمة الله وبركاته.

اشهد انك حجة الله على عباده بعد نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله ،وعيبة علمه ، وميزان حكمه ، ومصباح نوره ، الذي تقطع به الظلمة ،ويقطع به الرامي غرض الظلمة.

اشهد يا مولاي انك المفرق بين الحلال والحرام ، والأمين علىباطن السر ، ومستودع العلم ، وخازن الوحي ، والعالم بكل سر ،

__________________

(١) رواه المفيد في مزاره ، والشهيد في مزاره : ٨٩ ، والسيد في الاقبال ٣ : ١٣٠ ، ، عنهالبحار ١٠٠ : ٣٧٣.

٢١٢

والمبدئ بشرائع الحق ومنهاج الصدق ، والمتبع سبل النجاة ، والذائدعن الهلكات.

واشهد انك حجة المعبود ، والشاهد على العباد ، والدال علىصراط الله المستقيم ، وقسيم الجنة والنار ، واشهد انك والأئمة منذريتك ، سفينة النجاة ، ودعائم الأوتاد ، وأركان البلاد ، وساسة العباد ،وحجج الله على العالمين ، والسبب إليه ، والطريق إلى حسنه ،والملجأ والكهف الحصين.

واشهد ان المتوسل بولايتك من الفائزون بالكرامة في الدنياوالآخرة ، ومن يعدل عنكم لا يقبل الله له عملا ، ولا يقيم له يوم القيامةوزنا ، وهو في الآخرة من الخاسرين في درك الجحيم ، ان هذا جار لكم ،وان محبكم من الفائزين.

ثم تنكب على القبر وقبله وقل :

يا سيدي إليك وفودي ، يا سيدي وانا اللائذ بقبرك ، والحالبفنائك ، وبك أتوسل إلى الله ، واشهد ان المتوسل بك غير خائب ،والطالب بك غير مردود الا بنجاح طلبته ، فكن لي يا مولاي إلى الله ربيوربك شفيعا في فكاك رقبتي من النار ، والمتفضل علي بالجنة وتيسيرأموري ، وغفران ذنوبي وسعة رزقي ، واصلاح شأني في الدنياوالآخرة ، والسلام عليك يا مولاي ورحمة الله وبركاته.

ثم صل عنده ما بدا لك ، وادع ما شئت وانصرف راشدا.

٢١٣

٥ ـ زيارة أخرى لأمير المؤمنين والحسين بن علي صلوات اللهعليهما

روي محمد بن خالد الطيالسي ، عن سيف بن عميرة قال : خرجتمع صفوان بن مهران الجمال وجماعة من أصحابنا إلى الغري بعد ما وردأبو عبد اللهعليه‌السلام ، فزرنا أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فلما فرغنا من الزيارة صرفصفوان وجهه إلى ناحية أبي عبد اللهعليه‌السلام وقال : نزور الحسين بن عليعليهما‌السلام من هذا المكان من عند رأس أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وقال صفوان :

وردت مع سيدي أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمد صلوات اللهعليه ففعل مثل هذا ودعا بهذا الدعاء ، بعد أن صلى وودع ، ثم قال لي : ياصفوان تعاهد هذه الزيارة وادع بهذا الدعاء وزرهما بهذه الزيارة ، فانيضامن على الله لكل من زارهما بهذه الزيارة ودعا بهذا الدعاء من قرب أوبعد أن زيارته مقبولة ، وان سعيه مشكور ، وسلامه واصل غير محجوب ،وحاجته مقضية من الله بالغا ما بلغت ، وان الله يجيبه.

يا صفوان وجدت هذه الزيارة مضمونة بهذا الضمان عن أبي ، وأبيعن أبيه علي بن الحسين ، وعلي بن الحسين عن أبيه الحسين ، والحسينعن أخيه الحسن ، عن أمير المؤمنين مضمونا بهذا الضمان ،وأمير المؤمنين عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، عن جبرئيلعليه‌السلام مضمونا بهذاالضمان ، قد آلى الله على نفسهعزوجل ان من زار الحسين بن عليعليهما‌السلام

٢١٤

بهذه الزيارة من قرب أو بعد في يوم عاشوراء ، ودعا بهذا الدعاء ، قبلتزيارته وشفعته في مسألته بالغا ما بلغ وأعطيته سؤله ، ثم لا ينقلب عنيخائبا وأقلبه مسرورا قريرا عينه ، بقضاء حوائجه والفوز بالجنة والعتقمن النار ، وشفعته في كل من شفع له ما خلا الناصب لنا أهل البيت ،آلى الله تعالى بذلك على نفسه ، وأشهد ملائكته على ذلك ، وقالجبرئيل : يا محمد ان الله أرسلني إليك مبشرا لك ولعلي وفاطمةوالحسن والحسين والأئمة من ولدك إلى يوم القيامة ، فدام سرورك يامحمد وسرور علي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة وشيعتكم إلىيوم البعث.

وقال صفوان : قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : يا صفوان إذا حدث لك إلى اللهحاجة فزره بهذه الزيارة من حيث كنت ، وادع بهذا الدعاء وسل ربكحاجتك تأتك من الله ، والله غير مخلف وعده ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله بمنه ،والحمد لله.

وهذه الزيارة(١) :

السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا صفوة الله ، السلامعليك يا أمين الله ، السلام على من اصطفاه الله واختصه واختاره من

__________________

(١) كذا ، ما ذكره من رواية صفوان هو وارد في شأن زيارة عاشوراء المعروفة ، لا ما نقلهالمؤلف بعيد هذا ، فتذكر.

٢١٥

بريته ، السلام عليك يا خليل الله ما دجى الليل وغسق(١) وأضاء النهاروأشرق ، السلام عليك ما صمت صامت ونطق ناطق وذر شارق(٢) ورحمة الله وبركاته.

السلام على مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، صاحبالسوابق والمناقب ، والنجدة(٣) ، ومبيد الكتائب(٤) ، الشديد البأس ،العظيم المراس(٥) ، المكين الأساس ، ساقي المؤمنين بالكأس من حوضالرسول المكين الأمين.

السلام على صاحب النهى(٦) والفضل والطوائل(٧) ، والمكرماتوالنوائل(٨) ، السلام على فارس المؤمنين ، وليث الموحدين ، وقاتلالمشركين ، ووصي رسول رب العالمين ورحمة الله وبركاته.

السلام على من أيده الله بجبرئيل ، وأعانه بميكائيل ، وأزلفه فيالدارين ، وحباه بكل ما تقر به العين ، صلى الله عليه وعلى اله الطيبينالطاهرين ، وعلى أولاده المنتجبين ، وعلى الأئمة الراشدين ، الذين

__________________

(١) دجى الليل : أظلم ، وغسق بمعناه.

(٢) ذرت الشمس : إذا طلعت ، والشارق : الشمس حين تشرق.

(٣) النجدة : الشجاعة.

(٤) الإبادة : الاهلاك ، الكتائب جمع الكتيبة وهي الجيش.

(٥) المراس : الشدة.

(٦) النهى : العقل.

(٧) الطول : الفضل والعلو على الأعداء.

(٨) المكرمة : فعل الكرم ، النائل : العطاء.

٢١٦

أمروا بالمعروف ، ونهوا عن المنكر ، وفرضوا لنا الصلوات ، وأمروابايتاء الزكاة ، وعرفونا صيام شهر رمضان ، وقراءة القرآن.

السلام عليك يا أمير المؤمنين ، السلام عليك يا يعسوب الدينوقائد الغر المحجلين ، السلام عليك يا باب الله ، السلام عليك يا عينالله الناظرة(١) ، ويده(٢) الباسطة ، واذنه الواعية(٣) ، وحكمته البالغة(٤) ونعمته السابغة(٥) ، السلام على قسيم الجنة والنار ، السلام على نعمة اللهعلى الأبرار ونقمته على الفجار ، السلام على سيد المتقين الأخيار.

السلام على أخي رسول الله وابن عمه ، وزوج ابنته والمخلوقمن طينته ، السلام على الأصل القديم(٦) والفرع الكريم ، السلام علىالثمر الجني ، السلام على أبي الحسن علي ، السلام على شجرة طوبىوسدرة المنتهى(٧) .

__________________

(١) اي شاهده على عباده ، فكما ان الرجل ينظر بعينه ليطلع على الأمور كذلك خلقه اللهليكون شاهدا على الخلق ناظرا في أمورهم.

(٢) اليد كناية عن النعمة والرحمة أو القدرة.

(٣) وجه الاستعارة لان الله تعالى ـ على ما ورد في الروايات في تفسير : ( وتعيها اذنواعية ) ـ خلقه ليسمع ويحفظ علوم الأولين والآخرين.

(٤) كلمته ( خ ل ) ، اي مظهرها أو مخزنها.

(٥) السابغة : الكاملة.

(٦) المراد بالقديم المتقادم في الزمان لا الأزلي ، لكون نورهم سابقا في الخلق على سائرالمخلوقات.

(٧) التشبيه بالثمرة والشجرة والسدرة لوفور منافعه وعموم فوائده لجميع المخلوقات.

٢١٧

السلام على ادم صفوة الله ، ونوح نبي الله ، وإبراهيم خليل اللهوموسى كليم الله ، وعيسى روح الله ، ومحمد حبيب الله ، ومن بينهممن النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

السلام على نور الأنوار ، وسليل(١) الأطهار ، وعناصر(٢) الأخيار ،السلام على والد الأئمة الأبرار ، السلام على حبل الله المتين(٣) ، وجنبهالمكين ، ورحمة الله وبركاته.

السلام على أمين الله في أرضه وخليفته في عباده ، والحاكمبأمره ، والقيم بدينه ، والناطق بحكمته ، والعامل بكتابه ، أخي الرسول ،وزوج البتول ، وسيف الله المسلول ، السلام على صاحب الدلالاتوالآيات الباهرات والمعجزات القاهرات ، المنجي من الهلكات ، الذيذكره الله في محكم الآيات ، فقال تعالى( وانه في أم الكتاب لدينا لعليحكيم ) (٤) .

السلام على اسم الله الرضي ، ووجهه المضئ ، وجنبه العليورحمة الله وبركاته ، السلام على حجج الله وأوصيائه ، وخاصة اللهوأصفيائه ، وخالصته وامنائه ، ورحمة الله وبركاته.

__________________

(١) السليل : الولد.

(٢) العنصر ـ بضم الصاد وقد يفتح ـ : الأصل والحسب ، والجمع للمبالغة ، أو المراد أحدالعناصر.

(٣) المتانة : الشدة.

(٤) الزخرف : ٤.

٢١٨

قصدتك يا مولاي يا امين الله وحجته ، زائرا عارفا بحقك ، مواليالأوليائك ، معاديا لأعدائك ، متقربا إلى الله بزيارتك ، فاشفع لي عند اللهربي وربك في خلاص رقبتي من النار وقضاء حوائجي حوائج الدنياوالآخرة.

ثم انكب على القبر فقبله وقل :

سلام الله وسلام ملائكته المقربين ، والمسلمين لك بقلوبهم ياأمير المؤمنين ، والناطقين بفضلك ، والشاهدين على أنك صادق أمين ،واشهد أنك طهر طاهر طهر ، من طهر طاهر مطهر.

اشهد لك يا ولي الله وولي رسوله بالبلاغ والأداء ، واشهد أنكجنب الله وبابه ، وحبيب الله ووجهه الذي يؤتى منه ، وأنك سبيل الله ،وأنك عبد الله وأخو رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

اتيتك متقربا إلى الله بزيارتك ، راغبا إليك في الشفاعة ، أبتغيبشفاعتك خلاص رقبتي من النار ، متعوذا بك من النار ، هاربا من ذنوبيالتي احتطبتها على ظهري ، فزعا إليك رجاء رحمة ربي.

اتيتك أستشفع بك يا مولاي ، وأتقرب إلى الله ليقضي بكحوائجي ، فاشفع لي يا أمير المؤمنين إلى الله ، فاني عبد الله ومولاكوزائرك ، ولك عند الله المقام المحمود ، والجاه العظيم ، والشأنالكبير ، والشفاعة المقبولة.

اللهم صل على محمد وال محمد ، وصل على أمير المؤمنين

٢١٩

عبدك المرتضى ، وأمينك الأوفى ، وعروتك الوثقى ، ويدك العلياوجنبك(١) الأعلى ، وكلمتك الحسنى ، وحجتك على الورى ، وصديقكالأكبر ، وسيد الأوصياء ، وركن الأولياء ، وعماد الأصفياء ، أمير المؤمنين ،ويعسوب الدين ، وقدوة الصالحين ، وإمام المخلصين ، والمعصوم منالخلل ، المهذب من الزلل ، المطهر من العيب ، المنزه من الريب ، أخينبيك ووصي رسولك ، البائت على فراشه ، والمواسي(٢) له بنفسه ،وكاشف الكرب عن وجهه.

الذي جعلته سيفا لنبوته ، واية لرسالته ، وشاهدا على أمته ، ودلالةلحجته ، وحاملا لرايته ، ووقاية لمهجته ، وهاديا لامته ، ويدا لبأسه ،وتاجا لرأسه ، وبابا لسره ، ومفتاحا لظفره ، حتى هزم جيوش الشركباذنك ، وأباد عساكر الكفر بأمرك ، وبذل نفسه في مرضات رسولك ،وجعلها وقفا على طاعته ، فصل اللهم عليه صلاة دائمة باقية.

ثم قل :

السلام عليك يا ولي الله ، والشهاب الثاقب ، والنور العاقب(٣) ،

__________________

(١) المراد بالجنب اما القرب ، فالمعنى أنت أقرب افراد الخلق إلى الله ، من باب تسميةالحال باسم المحل ، واما الطاعة ، فالمراد ان طاعتك طاعة الله.

(٢) المواساة : المشاركة والمساهمة في المعاش ، اي لم يضن بنفسه بل بذل نفسه فيوقايتهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

(٣) العاقب : الذي يخلف من كان قبله في الخير ، والمراد الآتي بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وخليفته.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

الفصل السابع

بعض مُنجَزَات الإمام المهدي (ع)

على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي

لعلَّ من الواضح أنَّ الاطِّلاع على التفاصيل الكاملة لهذه المـُنجزات مُتعذِّر تماماً لإنسان ما قبل الظهور، مهما كان عبقرياً، غير أنَّ المـُهمَّ هو مُحاولة الاطِّلاع على بعض هذه المـُنجزات في حدود ما تدلُّنا عليه القواعد العامة الإسلامية من ناحية، والأخبار الخاصة الدالة على هذه المـُنجزات في الدولة العالمية، من ناحية أخرى.

ونحن نبدأ بسرد الأخبار الخاصة أولاً من دون ترتيب، فإنَّ الخبر الواحد قد يحتوي على عدَّة مُنجزات يمتُّ كلٌّ منها إلى حقل من حقول الحياة، ثمَّ نتحدَّث بعد ذلك عن الفهم العام لها وترتيبها مُطبَّقة على القواعد العامة، ثمَّ نذكر لهذا الفصل خاتمتين:

إحداهما: حول المـُنجزات القضائية والعسكرية والفقهية للإمام المهدي.

والأخرى: حول المـُنجزات التي تُسمَّى بـ (العلمية) في الإصلاح الحديث، ونسرد عدداً من الأخبار الدالة على أنَّ المهدي يستعمل آخر مُنجزات العلم الحديث في دولته.

وينبغي أن يقع الكلام في هذا الفصل ضمن عدَّة جهات:

الجهة الأُولى: في إيراد الأخبار المـُتضمِّنة لأهمِّ ما ورد من مُنجزات الإمام في دولته على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، وقد تحدَّثت عن ذلك أخبار الفريقين بغزارة.

فمن أخبار العامة في ذلك:

ما أخرجه البخاري(1) ، بسنده عن أبي موسى عنه، عن النبي (ص) قال:

____________________

(1) ج2 ص136.

٥٤١

( ليأتينَّ على الناس زمان يطوف الرجل فيه بالصدقة من الذهب، ثمَّ لا يجد أحداً يأخذها... ) الحديث.

وما أخرجه أيضاً(1) ، عن أبي هريرة: أنَّ رسول الله (ص) قال: ( لا تقوم الساعة... - وعدَّ علامات كثيرة حتى قال: - وحتى يكثر فيكم المال فيفيض، حتى يهمَّ ربُّ المال مَن يقبل صدقته، وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه: لا أربَ لي به ).

وما أخرجه مسلم(2) ، بسنده عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (ص): ( والله، لينزلنَّ ابن مريم... - إلى أن قال: - ليدعونَّ إلى المال، فلا يقبله أحد ).

وما أخرجه أيضاً(3) ، بسنده عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله (ص): ( من خلفائكم خليفة يحثو المال حثياً، لا يعدُّه عدَّاً ).

وفي خبر آخر، عن أبي سعيد، وجابر بن عبد الله، قالا: قال رسول الله (ص): ( يكون في آخر الزمان خليفة يُقسِّم المال ولا يعدُّه ).

وذكر له مسلم سندين، وأخرج الحاكم في مُستدركه(4) بهذا المضمون أكثر من حديث واحد.

وأخرجه الحاكم أيضاً(5) ، عن أبي سعيد في حديث النبي (ص) يقول فيه: (... فيبعث الله رجلاً من عترتي، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً، يرضى ساكن السماء وساكن الأرض، لا تدخر الأرض من بذرها شيئاً إلاَّ أخرجته، ولا السماء من قطرها شيئاً إلاَّ صبَّته عليهم مدراراً... تتمنَّى الأحياء والأموات ممَّا صنع الله عزَّ وجلَّ بأهل الأرض من خيره ).

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يُخرجاه.

____________________

(1) ج9 ص74.

(2) ج1ص94.

(3) ج8ص185.

(4) ج4ص454.

(5) ج4ص465.

٥٤٢

وأخرجه أيضاً(1) ، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي (ص ): ( يكون في أُمَّتي المهدي، إن قصر فسبع وإلاَّ فتسع، تنعم أُمَّتي فيه نعمةً لم ينعموا مثلها قطُّ، تؤتي الأرض أُكُلها لا تدخر عنهم شيئاً، والمال يومئذ كدوس، يقوم الرجل فيقول: يا مهدي، أعطني. فيقول: خُذْ ).

وأخرج أيضاً(2) عن ابن عباس، في حديث، قال: وأمَّا المهدي الذي يملأ الأرض عدلاً، كما مُلئت جوراً، تأمن البهائم والسباع، وتُلقي الأرض أفلاذ أكبادها.

قال: قلت: وما أفلاذ أكبادها؟

قال: أمثال الأسطوانة من الذهب والفضَّة.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح، ولم يُخرجاه.

وأخرج أيضاً(3) عن أبي سعيد: أنَّ رسول الله (ص) قال: ( يخرج في آخر أُمَّتي المهدي، يسقيه الله الغيث، وتخرج الأرض نباتها، ويُعطى المال صحاحاً، وتكثر الماشية وتعظم الأُمَّة... ) الحديث.

قال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يُخرجاه.

وأخرج الترمذي(4) ، بسنده عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (ص): ( تقيء الأرض أفلاذ أكبادها أمثال الأسطوان من الذهب والفضَّة - قال: - فيجيء السارق فيقول: في هذا قُطعت يدي. ويجيء القاتل فيقول: في هذا قتلت. ويجيء القاطع فيقول: في هذا قطعت رحمي. ثمَّ يُدعونه ولا يأخذون منه شيئاً ).

وأخرج القندوزي في الينابيع(5) ، عن الترمذي، عن أبي سعيد، عن النبي (ص) - في قصَّة المهدي -: (... فيجيء إليه الرجل فيقول: يا مهدي، أعطني، أعطني، أعطني

____________________

(1) ج4 ص558.

(2) ج4ص514.

(3) ج4ص558.

(4) ج3ص334.

(5) ص517 ط النجف.

٥٤٣

- قال: - فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله ).

وأخرج أيضاً(1) ، عن أحمد والماوردي أنَّه (ص) قال: ( أبْشِروا بالمهدي! رجل من قريش من عترتي، يخرج في اختلاف من الناس وزلزال، فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً، كما مُلئت ظلماً وجوراً، ويرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، ويُقسِّم المال بالسويَّة، ويملأ قلوب أُمَّة محمد غناه ويسعهم عدله، حتى إنَّه يأمر مُنادياً فيُنادي: مَن له حاجة إلى المال يأتيه. فما يأتيه أحد، إلاَّ رجل واحد يأتيه، فيقول له المهدي: ائت السادن حتى يؤتيك.

فيأتيه فيقول: أنا رسول المهدي، أرسلني إليك لتُعطيني.

فيقول: اُحثُ. فيحثو، فلا يستطيع أن يحمله، فيخرج، فيندم، فيقول: أنا كنت أجْشع الأُمَّة نفساً، كلُّهم دُعيَ إلى هذا المال فتركوه غيري، فيردُّ عليه، فيقول السادن: إنَّا لا نقبل شيئاً أعطيناه... ) الحديث.

وقال في الينابيع(2) : وفي بعض الآثار... أنَّه يبلُغ سلطانه المشرق والمغرب، وتظهر له الكنوز، ولا يبقى في الأرض خراب إلاَّ يُعمَّر.

أقول: وانظر هذه المضامين في عدد آخر من المصادر العامة، كمسند أبي داود، وابن ماجة، وأحمد، والبيان للكنجي، والصواعق لابن حجر، ونور الإبصار للصبَّان، وإسعاف الراغبين للشبلنجي وغيرها.

وأمَّا أخبار المصادر الخاصة، فهي كما يلي:

فمن ذلك: ما أخرجه المفيد في الإرشاد(3) ، عن أبي جعفر (ع) أنَّه ذكر المهدي (ع) وخُطبته الأُولى في مسجد الكوفة، وقال: ( فإذا كانت الجمعة الثانية، سأله الناس أن يُصلِّي بهم الجمعة، فيأمر أن يُخطَّ له مسجد على الغريِّ، ويُصلِّي بهم هناك، ثمَّ يأمر مَن يحفر من ظهر مشهد الحسين (ع) نهراً يجري إلى الغريَّين، حتى ينزل الماء في النجف،

____________________

(1) ص562 وما بعدها، وانظر الحاوي للسيوطي ج2 ص124.

(2) ص563.

(3) ص341.

٥٤٤

ويعمل على فوهته القناطير والأرحاء، فكأنِّي بالعجوز على رأسها مِكْتَل فيه بُرٌّ، تأتي تلك الأرحاء فتطحنه بلا كري ).

وأخرج عن المفضل بن عمر(1) ، قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: ( إذا قام قائم آل محمد (ع) بَنى في ظهر الكوفة مسجداً له ألف باب، واتَّصلت بيوت أهل الكوفة بنهري كربلاء ).

وأخرج عنه(2) قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: ( إنَّ قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربِّها... - إلى أن قال: - وتُظهر الأرض من كنوزها حتى يراها الناس على وجهها، ويطلب الرجل منكم مَن يصله بماله ويأخذ منه زكاته، فلا يجد أحداً يقبل منه ذلك، واستغنى الناس بما رزقهم الله من فضله ).

وأخرج(3) عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله (ع): ( إذا قام القائم (ع)، هدم المسجد الحرام حتى يردَّه إلى أساسه، وحوَّل المقام إلى الموضع الذي كان فيه ).

وأخرج أيضاً(4) عنه، عن أبي جعفر (ع) في حديث طويل أنَّه قال: ( إذا قام القائم (ع) سار إلى الكوفة، فهدم بها أربعة مساجد، ولم يبقَ مسجد على وجه الأرض له شرف إلاَّ هدمها وجعلها جماء، ووسَّع الطريق الأعظم، وكسر كل جناح خارج في الطريق، وأبطل الكنف والميازيب إلى الطرقات، لا ويترك بدعة إلاَّ أزالها ولا سنَّة إلاَّ أقامها ).

وأخرج الشيخ في الغيبة(5) ، بسنده عن المفضَّل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: ( إنَّ قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربِّها، واستغنى الناس... ويبني في ظهر الكوفة مسجداً له ألف

____________________

(1) ص342.

(2) نفس الصفحة.

(3) ص343.

(4) ص344.

(5) ص280، وكذلك الخبر الذي يليه.

٥٤٥

باب، وتتَّصل بيوت الكوفة بنهر كربلاء بالحيرة، حتى يخرج الرجل يوم الجمعة على بغلة سفواء يريد الجمعة فلا يُدركها ).

وفي حديث آخر، عن أبي جعفر (ع) يقول فيه: (... فيخرج إلى الغريِّ، فيخطُّ مسجداً له ألف باب، يسع الناس عليه أصيص، ويبعث فيحفر من خلف قبر الحسين (ع) لهم نهراً يجري إلى الغريِّين، حتى ينبذ في النجف، ويعمل على فوهته قناطر وأرحاء على السبيل، وكأنِّي بالعجوز وعلى رأسها مِكْتل فيه بُرٌّ حتى تطحنه بكربلاء ).

وأخرج أيضاً(1) ، بسنده عن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد الله يقول: ( ما تستعجلون بخروج القائم؟ فوالله، ما لباسه إلاَّ الغليظ، وما طعامه إلاَّ الشعير الجَشِب ).

وأخرج الراوندي في الخرايج والجرايج(2) نحوه، في حديث طويل عن علي بن الحسين (ع).

وأخرج الصدوق في إكمال الدين(3) ، والطبرسي في إعلام الورى(4) ، عن محمد بن مسلم الثقفي، قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر (ع) يقول: ( القائم منَّا، منصور بالرعب، مؤيَّد بالنصر، تُطوى له الأرض، وتظهر له الكنوز... ولا يبقى في الأرض خراب إلاَّ عُمِّر ).

وأخرج الطبرسي أيضاً(5) ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: سمعت رسول الله يقول: ( إنَّ ذا القرنين كان عبداً صالحاً... - إلى أن قال: - وإنَّ الله سيُجري سنَّته في القائم من وُلْدي... ويُظهر الله له كنوز الأرض ومعادنها وينصره بالرعب، ويملأ الأرض به عدلاً وقسطاً، كما مُلئت جوراً وظلماً ).

وأخرج أيضاً(6) ، عن علي بن عقبة عن أبيه، قال:

____________________

(1) ص 277.

(2) ص196.

(3) انظر المصدر المخطوط.

(4) ص433.

(5) ص413.

(6) ص432.

٥٤٦

وأخرج المجلسي في البحار(1) ، قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه - في حديث -: (... ولو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها، ولأخرجت الأرض نباتها، ولذهبت الشحناء من قلوب العباد، واصطلحت السباع والبهائم، حتى تمشي المرأة بين العراق إلى الشام لا تضع قدميها إلاَّ على النبات وعلى رأسها زينتها، لا يُهيجها سبع ولا تخافه ).

فهذه نُخبة من الأحاديث الكثيرة الواردة في هذا الصدد.

وكثرة الأخبار بهذا الصدد تُنتِج لنا أمرين:

الأمر الأول: اتِّضاح مدى اهتمام قادة الإسلام - النبي (ص) فمن بعده - إيضاح خصائص دولة المهدي وما يقوم به من أعمال، وما يُنتجه من خيرات، كيف لا؟ وهو يُمثِّل القمَّة لجهودهم والثمرة الطيِّبة لأعمالهم، والنتيجة الكبرى للتخطيط الإلهي الطويل.

الأمر الثاني: إنَّنا نستطيع بهذا السرد أن نؤدِّي حساب كل حادثة من الحوادث المنقولة بشكل أكثر وأدقّ، ونوفِّر لها المـُثبتات بشكل أكثر؛ لوضوح أنَّ الروايات كلَّما زادت على الحادثة الواحدة، كانت آكد وأوضح في الذهن، وأقوى ثبوتاً من الناحية التاريخية.

والآن، لابدَّ أن نأخذ كل رواية من الروايات العامة المنقولة من هذه الأخبار، لنرى مقدار ثبوتها وموافقتها للقواعد العامة والقرائن المـُثبتة، وذلك ضمن الجهات الآتية:

الجهة الثانية (*) : المسلك الشخصي للإمام المهدي بصفته رئيساً للدولة العالمية العادلة، وهو ما صرَّحت به بعض هذه الأخبار، من أنَّ لباسه الخشن الغليظ، وطعامه الشعير

____________________

(1) ج13 ص182.

* هكذا وردت في الكتاب من غير ذكر الجهة الأُولى. [ الشبكة ]

٥٤٧

الجَشِب، وفي الخبر إيراد القسم على ذلك.

وهذا هو المسلك الصحيح لرئيس الدولة الإسلامية العادلة على طول الخطِّ، فإنَّه قد أخذ الله تعالى على كل إمام عادل يتولَّى الحكم الفعلي في المجتمع، أن يعيش في طعامه ولباسه على شكل أو أسلوب أقلِّ أفراد شعبه، والحِكْمَة من ذلك، أوضح من أن تخفى، وهو أن لا يدعوه المنصب الكبير والمال الوفير إلى تناسي الفقراء من أبناء شعبه ومحكوميه.

وهذا المسلك هو الذي طبَّقه رسول الله (ص) على نفسه، حين تولَّى رئاسة الدولة الإسلامية بعد فتح مكَّة، واتَّخذه الخلفاء الأوائل الذين حكموا بعده إلى عصر خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.

وكذلك سوف يكون الإمام المهدي (ع) حين يُمارس الحُكم العالمي العادل؛ لأنَّه سيكون من الواجب عليه أن يكون في عيشه مُماثلاً لأقلِّ فرد جائع ومسكين في العالم كله.

وسيكون أيضاً على هذا المسلك أصحابه الخاصة، الذين يوزِّعهم حكَّاماً على الأرض؛ لأنَّ الفرد منهم سيكون رئيساً عادلاً لمنطقة من الأرض، فيجب عليه أن يكون في حياته مُماثلاً لأقلِّ فرد في منطقته.

وقد سبق أن سمعنا في أخبار بيعة الإمام في المسجد الحرام لأول مرَّة، أنَّه (ع) يشترط على هؤلاء الخاصة شروطاً، يعود عدد منها إلى الحفاظ والتقيد من الناحية الشخصية، والعدد الآخر إلى العدل في المسلك الاجتماعي.

ففيما يعود إلى الناحية الشخصية يشترط عليهم أن (... لا يتمنطقوا بالذهب، ولا يلبسوا الخزَّ، ولا يلبسوا الحرير، ولا يلبسوا النعال الصرارة... ويلبسون الخشن من الثياب، ويوسِّدون التراب على الخدود، ويأكلون الشعير ويرضون بالقليل ) الخ الخبر(1) .

وحيث لا يكون ذلك واجباً على كل المسلمين، نعرف أنَّ الإمام المهدي (ع) إنَّما يشترط ذلك عليهم باعتبارهم سيُصبحون بعد فترة غير طويلة ريثما فتح العالم واستتباب الدولة العادلة، حكَّاماً على أقاليم الأرض، أو مشاركين في الحكومة المركزية معه. وهذا المضمون من الواضح في القواعد الإسلامية العامة، بحيث لا يحتاج إلى خبر خاص يُعرب عنه.

وأمَّا الخبر الوارد بهذا الصدد، والذي سمعناه يقول: ( فوالله، ما لباسه إلاَّ الغليظ،

____________________

(1) انظر الملاحم والفتن ص122.

٥٤٨

وما طعامه إلاَّ الشعير الجَشِب... )، فهو بالرغم من مُطابقته لهذه القواعد العامة يواجه سؤالين، لابدَّ من عرضهما مع مُحاولة الجواب عنهما.

السؤال الأول: أنَّ ما تقتضيه القواعد العامة، هو أن يعيش الرئيس في حياته الخاصة كأقلِّ فرد من محكوميه، وبعد أن نعرف طبقاً للروايات المـُستفيضة عموم الرفاه، وكثرة المال في دولة المهدي العالمية، نعرف نتيجةً لذلك أنَّ الواجب عليه سيتغيَّر؛ لأنَّ أقلَّ الأفراد في العالم سيعيش مرفَّهاً عالي الدخل، فيكون للإمام المهدي (ع) أن يتوسَّع في حياته الخاصة إلى حدٍّ كبير، وكذلك أصحابه الخاصُّون تماماً؟

وجواب ذلك من عدَّة وجوه، نذكر منها اثنتين:

الوجه الأول: أنَّ الرواية لم تدلَّ على بقاء هذا المسلك للمهدي (ع) طيلة أيام حكمه، بل يكفي في صدقها كونه على ذلك فترة من الزمن في أول حكمه؛ لأنَّ العدل إنَّما يؤثِّر تدريجاً في نشر الرفاه في الأرض، والسعادة بين أبناء البشر أجمعين، وما لم يعمَّ الرفاه كل العالم بشكل حقيقي كامل، يبقى الفرد البائس موجوداً في بعض زويا العالم بطبيعة الحال، وما دام هذا الفرد موجوداً، يبقى المسلك المـُشار إليه في الرواية واجباً على الإمام المهدي (ع).

الوجه الثاني: إنَّنا نحتمل - على أقلِّ تقدير - أنَّ تدريجية تأثير العدل في نشر الرفاه في العالم بكامله، سوف تستمرُّ طيلة حياة المهدي شخصياً، وإنَّما سيتحقَّق هذا الهدف الكبير بعده طبقاً لنظامه الذي يسنُّه هو (ع) للحكَّام العالميين الذين يخلفونه، ومن الصحيح أنَّ الأعم الأغلب من مناطق العالم ستكون مرفَّهة؛ ومن هنا يكتسب العالم كلُّه سِمة الرفاه والسعادة، في حياة المهدي، غير أنَّه من الممكن وجود الفرد البائس في مناطق نائية أو مُتخلفة حضارياً من العالم، الأمر الذي يُحتِّم عليه بقاؤه على هذا المسلك طيلة حياته، وإنَّما تستطيع الدولة العالمية العادلة اجتثاث ذلك، على أيدي خلفائه.

السؤال الثاني: أنَّ الرواية تقول: ( ما تستعجلون بخروج القائم؟! فوالله، ما لباسه إلاَّ الغليظ، وما طعامه إلاَّ الشعير الجَشِب )، مع أنَّ هذا المسلك الحياتي الذي يتَّخذه لا يُنافي استعجال ظهوره (ع)؛ لأمرين:

أحدهما: إنَّ الفرد المؤمن يتمنَّى ظهور الإمام (ع) لأجل المصلحة العامة، وهي

٥٤٩

تطبيق العدل في العالم كله، وتنفيذ الهدف الرئيس من خلق البشرية، حتى وإن أوجب ذلك اتخاذ الفرد مسلك الزهد والتقشُّف، أو أوجب الإجهاز على مصالحه الشخصية.

ثانيهما: إنَّ الفرد لو كان يتمنَّى ظهور الإمام (ع)، من أجل مصالحه الشخصية لرفع ظلاماته وترفيه عيشه، فهذا متوفِّر له على أيِّ حال، لما عرفناه من أنَّ هذا المسلك خاص غير عام، وسيكون الفرد الاعتيادي مُرفَّهاً سعيداً طيلة حياة المهدي (ع) وما بعده، ولن يكون هذا الفرد مسؤولاً عن اتخاذ ذلك المسلك؛ لأنَّه لا يكون مُمارساً للحكم في أيِّ منطقة من الأرض.

ومعه؛ يكون مؤدَّى الاستفهام الاستنكاري حين يقول: ( ما تستعجلون بخروج القائم؟!... )، غامضاً مجهول القصد.

وجواب ذلك: إنَّنا ينبغي أن نفهم مَن هم المـُخاطبون بقوله: ( ما تستعجلون... )، لننطلق من ذلك إلى الجواب.

ولا شكَّ أنَّ الإمام أبا عبد الله الصادق (ع) كان يُخاطب قواعده الشعبية بهذا لكلام، تلك المجموعة التي كانت تُعاني من الظلم الأُموي والعباسي أشدَّ العذاب، وكان الفرد منهم ينتظر خروج القائم (ع) من أجل رفع الظلامات وتطبيق العدل، ومن ثمَّ من أجل الحصول على السعادة والرفاه، وهذه المجموعة تنقسم إلى قسمين رئيسين:

القسم الأول: خاصة الإمام الصادق (ع) وطلاَّبه المـُرتفعو الدرجة في العلم والإيمان.

القسم الثاني: الشعب الاعتيادي الموالي للأئمة المعصومين (ع)، والفرد من كلا القسمين يتمنَّى ظهور القائم المهدي بسرعة... وخطاب الإمام الصادق واستنكاره لذلك يمكن أن يشملهما معاً، فيكون لكل قسم فكرته الخاصة في الجواب.

أما القسم الأول، فمن الواضح أنَّه لو حصل التمنِّي وظهر المهدي (ع) يومئذ - بغضِّ النظر عن شرائط الظهور وعلاماته التي كان يجهلها الفرد منهم -، فإنَّ المهدي (ع) سوف يخصُّ أفراد هذا القسم بالاهتمام، ولن يجد غيرهم في التوزيع على مناطق العالم حكَّاماً وقضاةً، وإذا أصبحوا حاكمين كانوا مشمولين لوجوب مسلك التقشُّف كما قلنا.

ومن ثَمَّ لم يحصل السبب المـُهمُّ في التمنِّي لسرعة الظهور، وهو الحصول على الحياة المرفَّهة السعيدة، فكان الاستفهام الاستنكاري عليهم من قِبل الإمام الصادق (ع) في محلِّه جدَّاً؛ لانطلاق جملة منهم من زاوية المصلحة الخاصة في هذا التمنِّي، كما يعرفه الإمام

٥٥٠

الصادق نفسه من أصحابه.

وأمَّا القسم الثاني من الأفراد، فإنَّ الفرد الاعتيادي يومئذ باعتبار بساطته في الإيمان والعلم نسبياً، وعدم مروره بعصور التمحيص الطويلة، التي تصرَّمت بعد ذلك، يتخيَّل نفسه كامل الإيمان عميق الفهم، ويتوقَّع من المهدي (ع) - لو ظهر يومئذ - أن يُقرِّبه ويُمجِّد به؛ ومن هنا نعود إلى نفس التسلسل الفكري الذي عرفناه في القسم الأول.

إنَّ هذا الفرد الاعتيادي، لو حصل ما يتمنَّى وظهر المهدي (ع)، فإن أبعده واعتبره فرداً اعتيادياً من شعبه، فسوف يحصل على الرفاه إلاَّ أنَّ توقُّعه القُرب من المهدي (ع) سوف يتخلَّف، وهي صدمة عنيفة بلا شكٍّ، وأمَّا إذا قرَّبه المهدي (ع) إليه، واعتبره خاصته، فقد حصل توقُّعه من إمامه، إلاَّ أنَّه سيُرسِل هذا الفرد حاكماً في بعض أقاليم العالم، على أحسن تقدير، ومعه يكون مشمولاً لوجوب الزهد والتقشُّف، ولن يحصل على مصلحته الخاصة بحال، ومعه يكون الاستفهام الاستنكاري من قِبل الإمام الصادق (ع) في محلِّه تماماً.

والغرض الرئيسي من هذا الاستفهام سيكون هو أنَّ تمنِّي الظهور، لا ينبغي أن يكون من زوايا المصلحة الخاصة أساساً، وإنَّما يجب أن ينطلق من زاوية المصلحة العامة، التي هي تطبيق العدل العالمي، وتنفيذ الغرض الإلهي... وإلاَّ كان من المتوقَّع تخلُّف هذه المصلحة الخاصة أساساً.

الجهة الثالثة: في السياسة الزراعية التي يتَّبعها الإمام المهدي (ع) في دولته.

نستطيع أن نُحيط علماً ببعض نتائجها وأساليبها من الأخبار السابقة، حيث نصَّت على أنَّ الأرض تُؤتي أُكُلها لا تدخر منه شيئاً، وهو كناية عن أنَّ إنبات الأرض للنبات سيكون إلى أكبر حدٍّ ممكن يتحمَّله وجه البسيطة ( حتى تمشي المرأة بين العراق والشام، لا تضع قدميها إلاَّ على النبات، ومن يخفى عليه حال هذه الصحراء التي تتوسَّط العراق والأردن والشام ونجد... إنَّها صحراء ضخمة موحِشة وجافَّة، لكنَّها ستُصبح يانعة بالأشجار والثمار في أقلِّ مدَّة ممكنة.

وما هذا إلاَّ مثال واحد من العالم كله، وإنَّما نصَّت عليه الأخبار، باعتبار قربه إلى أذهان المجتمع السامع لهذه النصوص في عصر صدورها، وليس ذلك باعتبار الانحصار.

فإذاً دولة المهدي (ع) عالمية، وجهوده وجهود المـُخلصين في دولته، شاملة لكل العالم على حدٍّ سواء، فمن الطبيعي أن نتصوَّر أنَّ هذه الصحراء ليست هي الصحراء الوحيدة التي

٥٥١

ستُصبح خضراء، وإنَّما ستخضرُّ كل الصحاري في العالم، بما فيها الربع الخالي، والصحراء الكبرى في شمال إفريقيا وغيرها.

وإذا كان هذا هو شأن الصحاري، فما هو شأن الأراضي التي كانت خصبة منذ عهد ما قبل الظهور، وما هو مقدار إنتاجها وإسباغ النعمة منها. إنَّ هذا لا يمكن لمـُفكِّر بشري سابق على الظهور أن يُقدِّره.

وعلى أيِّ حال، فما هو العنصر المـُسبِّب لهذا الانقلاب الزراعي الشامل؟ نستطيع أن نوعز - بعد عنصر التساوق بين التشريع والتكوين الذي الذي سنتحدَّث في جهة قادمة من هذا الفصل - نستطيع أن نوعزه إلى الإخلاص الحقيقي في العمل.

فمن السخف أن يُقال: إنَّ البشرية متَّجهة نحو المجاعة، وإنَّ زيادة النسل يؤدِّي حتماً إلى قلَّة الأرزاق في العالم، إنَّ ذلك إنَّما يتحقَّق، حين يكون الإخلاص ضئيلاً والتشريع ظالماً، كما هو الحال في عصر ما قبل الظهور، وأمَّا حين توجد الدولة المـُخلصة والتشريع العادل والأيدي العاملة المـُجدَّة والعمل المـُنظَّم عالمياً، فسوف يمكنه أن يحفظ للبشرية أرزاقهم مهما تزايدت وتكاثرت، بل يمكنها أن تزيد الإنتاج إلى أضعاف الدخل الفردي لكل البشر، بشكل لا مثيل له في ما سبق من تاريخ.

وأمَّا المنهج التفصيلي التشريعي والعملي، الذي يتَّبعه المهدي (ع) في دولته لنيل هذه النتائج الزراعية الرائعة، فالتعرُّف عليه موكول إلى وعي ما بعد الظهور، وإنَّما المـُستطاع التعرُّف على بعض فقراته من خلال ما بين أيدينا من قواعد وأخبار، وهذا ما سنتوفَّر عليه في الكتاب القادم من هذه الموسوعة.

إنَّ نفس الأخبار التي سمعناها تُعطينا بعض الحقائق التي تُفيدنا بهذا الصدد، فالإمام المهدي (ع) سيأمر بحفر نهر خلال الصحراء الواقعة بين كربلاء والنجف، حتى ينزل الماء في النجف، ويعمل على فوهته القناطير - يعني الجسور والأرحاء - وهو جمع أرحية، وهي المطحنة القديمة للحبِّ؛ ومن هنا قال في الرواية: ( فكأنِّي بالعجوز على رأسها مِكْتَل فيه بُرٌّ، تأتي تلك الأرحاء فتطحنه بلا كري )، أي بدون أجرة.

فإذا علمنا أنَّ ذلك ليس إلاَّ مُجرَّد مثال، ذُكِر طبقاً للفهم القديم، استطعنا أن نتصوَّر مقدار الأنهر والقنوات ممدودة في الصحراء للريِّ، ومقدار التجهيز الآلي الزراعي المـُباح التصرُّف فيه للناس مجَّاناً؛ ليُساعد على سرعة الإنتاج وضخامته، وعلى سرعة التوزيع والتسويق.

٥٥٢

وستؤدِّي هذه الثورة الزراعية طبقاً لأيدولوجية الدولة المهدوية، إلى عدَّة نتائج مُهمَّة، نفهم بعضها:

منها: توفُّر الأطعمة والثمار لدى الناس، مع رخص قيمتها السوقية، بل توفُّرها مجَّاناً للكثير من الناس.

ومنها: توفير العمل المـُنتج للعديد من الأيدي العاملة، وبالتالي إشباع الملايين من العوائل التي كانت فقيرة ومُضطهدة في عهد ما قبل الظهور.

ومنها: توفير الفرص الكبيرة لإزجاء الحاجات الحياتية مجَّاناً، وبدون عوض.

وبذلك نستطيع أن نتصوُّر حصول النتيجة المـُهمَّة الكبرى المطلوبة، وهي توفير السعادة والرفاه في ربوع المجتمع البشري.

الجهة الرابعة: في السياسة العُمرانية في دولة المهدي (ع).

ونحن نرى نتائج السياسة واضحة فيما سمعنا من الأخبار، فبيوت الكوفة سوف تتَّصل بكربلاء والحيرة، ويكون الجميع بلدةً واحدةً، وهي من السعة بحيث لو ركب شخص بغلة سفواء - أي سريعة السير - من صبح يوم الجمعة قاصداً المسجد الذي تُقام فيه صلاة الجمعة ظهراً لأجل حضور هذه الصلاة، لم يُدركها، وإذا كان هذا الشخص قد توجَّه من أحد أطراف هذه المدينة، فالمسجد على أيِّ حال، ليس في طرفها الآخر، بل في وسطها؛ ومن هنا نعرف أنَّ هذه المسافة التي يمشيها هذه الرجل ببغلته السريعة، ليست إلاَّ قسماً من البلدة، ولا يُمثِّل أكثرها فضلاً عن جميعها.

وهذا أيضاً من التنبُّؤات الطريفة في الأخبار، فإنَّ سعةَ المـُدن بهذا المقدار، لم تكن معروفة بأيِّ حال في الزمن القديم، بل لعلَّ مُجرَّد تصوُّرها كان فوق الخيال، وأما الآن، فهو يُعتبر أمراً طبيعياً، خاصة في العواصم الأخرى، كيف والكوفة ستُصبح عاصمة للعالم كله، تحت راية الدولة المهدوية؟! فمن الطبيعي لها أن تتَّسع بهذا المقدار.

ولعلَّنا نستطيع أن نفهم من هذا، مقدار تركيز الدولة واهتمامها بالعُمران في سائر البلدان، وليس في العاصمة فقط، فلئن كانت العاصمة بالتحديد الذي سمعناه، يزيد طولها على الثمانين كيلو متراً، فليكن غيرها مقارباً لذلك أو بمقدار نصفه مثلاً... حسب

٥٥٣

ظروف كل بلدة وموقعها الجغرافي وأهمِّيتها الاجتماعية.

وستنال المساجد اهتماماً خاصاً من قِبل الإمام المهدي (ع)، باعتبارها مراكز إسلامية رئيسية.

فالمسجد الحرام الذي فيه الكعبة المـُشرّفة في مكّة المـُكرَّمة، سوف يشطب على كل توسيعاته، ويهدمها ويردُّ المسجد إلى أساسه الذي كان عليه في صدر الإسلام؛ احتراماً لهذا الأساس الذي كان في زمن رسول الله (ص)، وستترتَّب على هذا التغيير بعض النتائج التي قد نُشير إليها في خاتمة هذا الفصل.

ويُحوِّل المهدي (ع) مقام إبراهيم من موضعه الحالي، ويردَّه إلى مكانه الذي كان عليه مُلاصقاً للكعبة المـُشرّفة، بعد أن كان قد فُصِل عنها عدَّة أمتار، ولا زال مفصولاً عنها إلى العصر الحاضر.

إنَّ فكرة مقام إبراهيم - أساساً - تعني المكان الذي وقف عليه إبراهيم الخليل (ع) حين بنى الكعبة المـُشرّفة، وبطبيعة الحال يقف الباني إلى جنب الجدار الذي يبنيه، ولا معنى أن يقف بعيداً عنه بعدَّة أمتار، ومعه الموضع الطبيعي لمقام إبراهيم هو جوار الكعبة المـُشرَّفة، كما تقتضيه طبائع الأشياء.

وهو أيضاً يهدم في الكوفة، أربعة مساجد من دون تجديد، على ما هو ظاهر الأخبار، باعتبارها لم تُبنَ على التقوى، الذي هو الشرط الأساسي لمشروعية بناء المسجد في الإسلام، فإذا بنى على غير التقوى وجب هدمه لا محالة، ولم تكن قبل ظهور المهدي (ع) قوَّة مؤمنة قادرة على ذلك، ومن ثَمَّ وجب على دولة المهدي المـُبادرة إلى إزالة آثار الانحراف والعدوان.

وأمَّا المسجد الذي يأمر المهدي (ع) ببنائه في ظهر الكوفة، أي خلفها من ناحية النجف، فهو الذي له ألف باب، وقد دلَّ على وجوده عدد من الأخبار، وهذا الرقم وإن لم يكن مقصوداً بنفسه، إلاَّ أنَّه يدلُّ على كثرة كبيرة جدَّاً من الأبواب، تلك الكثرة المـُستلزمة لسعة ضخمة في المسجد.

فإنَّنا لو فرضنا هذا لمسجد مُربَّعاً، وكان في كل ضلع منه مئتان وخمسون باب، وكان بين كل باب وباب عشرة أمتار على الأقل، لأنَّ طول الضلع ألفي متر وخمسمئة متر، وهذا معناه أنَّ سعة المسجد لا تقلُّ عن ستِّ ملايين وربع من الأمتار المربَّعة، وهو مسجد لم

٥٥٤

يسبق له مثيل قبل عهد الظهور يُبنى؛ لكي يُناسب الوضع الإسلامي في الدولة العالمية.

وإنَّما تنبثق الحاجة إلى ذلك، باعتبار صلاة الجمعة التي يُقيمها الإمام (ع) في كل أسبوع، والتي يجب شرعاً أن يحضرها الأعمُّ الأغلب من الذكور من سكَّان العاصمة، وما حواليها من الضواحي، إلى جانب كل مَن يرغب بالحضور للتشرُّف بالصلاة من خلف الإمام المهدي (ع)، وثمَّ سوف يكون التجمُّع كبيراً جدَّاً بحيث يمكن أن يجمعهم جامع الكوفة الكبير الذي يخطب فيه لأول مرَّة كما سمعنا، فاقتضت المصلحة إيجاد مثل هذا المسجد الضخم ليسدَّ هذه الحاجة الإسلامية المـُلحَّة.

ومن هنا ذكرت الأخبار، أنَّ الإمام المهدي (ع) في أوَّل جمعة من وروده إلى العراق يخطب خُطبته الأُولى هناك، وهي التي سبق أن تعرَّضنا لها قال الخبر: ( فإذا كانت الجمعة الثانية، قال الناس: يا بن رسول الله، الصلاة خلفك تُضاهي الصلاة خلف رسول الله (ص)، والمسجد لا يسعنا.

فيقول: أنا مُرتاد لكم.

فيخرج إلى الغريِّ، فيخطُّ مسجداً له ألف باب، يسع الناس )(1) .

والمسجد الذي لا يسع المـُصلِّين، هو جامع الكوفة الكبير الذي كان أمير المؤمنين (ع) يُصلِّي فيه، والغريُّ هو النجف الأشرف الواقع جنوب الكوفة، وقوله: ( مرتاد لكم )، أي طالب ومُترقَّب لإجابة طلبكم.

ومن هنا نعرف أنَّ هذا المسجد يكون من أولى مُنجزاته العمرانية في العالم.

وهو يهتمُّ في كل مسجد أن يُطبِّق عليه الحكم الإسلامي الصحيح، حتى لو كان الحكم استحباباً غير إلزامي، حيث ينبغي أن يتربَّى المجتمع تدريجياً على الالتزام بالواجبات والمـُستحبَّات معاً، ليبلغ في نهاية المطاف درجة العصمة المطلوبة، فهو (ع) يهدم كل مسجد عالي البناء، ويقتصر منه على المقدار الراجح في الشريعة العادلة، قال الخبر: ( ولم يبقَ على وجه الأرض له شرف إلاَّ هدمها وجعلها جماء ).

ومن جملة الأعمال العُمرانية للمهدي (ع) في دولته - كما في الخبر - أنَّه يُوسِّع الطريق الأعظم، والمراد به الطريق الذي بين بلدتين، وليس في الخبر إشارة إلى طريق مُعيَّن، وإنَّما المراد أنَّه يقوم بتوسيع الطُّرقات المـُهمَّة التي تصل بين المدن عموماً.

____________________

(1) انظر غيبة الشيخ ص281، وإعلام الورى ص430.

٥٥٥

وإنَّنا في عصرنا الحاضر لنُدرك أهمِّيَّة هذا التوسيع، وجسامة العمل المـُنتج له أكثر من أيِّ وقت مضى.

ومن تشريعاته العُمرانية أنَّه يمنع الأجنحة إلى الطُّرقات، ويهدم الموجود منها.

والجناح في اللغة هو الروشن أو الكوَّة(1) ، فيكون المراد بها الشبابيك التي تُطلُّ من المنازل على الطُّرق، فتكشف ما في داخل المنزل ما لا يصحُّ كشفه في الشريعة العادلة، فيكون من الواجب إزالتها، وإبدال سبب التهوية بشيء جديد.

وقد يُفهم من الجناح أمر آخر، وهو البروز الذي يجعل عادة في البناء إلى جانب الطريق أو الشارع، أمَّا عن طريق الأعمدة أو بدونها، وهذا أنسب باستعارة الجناح ذوقاً، وإن لم يُنصَّ عليه لغةً، والمفهوم تقليدياً أنَّ المهدي (ع) يُحرِّم هذا النوع من البناء... غير أنَّه ليس من معاني الجناح لغةً.

ومن تشريعاته العُمرانية - كما نصَّ الخبر -: أنَّه يُبطل أي يمنع الكُنُف والمآزيب إلى الطُّرقات، والكُنُف بضمَّتين جمع كنيف، وهو البالوعة، والمراد بها مواسير المياه القذرة.

والمآزيب جمع ميزاب وهو معروف، وكلاهما مُستعمل بكثرة في عصرنا الحاضر، وهما موجبان لاتِّساخ الطُّرق وإزعاج المارَّة؛ ومن هنا يقوم الإمام (ع) بمنعها... ولابدَّ لأهل البيوت من تصريف مياههم بأساليب أكثر نظافة وتهذيباً.

الجهة الخامسة: في أهمَّية التعدين في الدولة المهدوية.

نصَّت الأخبار الواردة بطرق الفريقين، بأنَّ الأرض تُظهر معادنها وكنوزها على سطحها حتى يراها الناس، وتُلقي بأفلاذ أكبادها كأمثال الأُسطوانات من الذهب والفضَّة.

وهذا يمكن فَهْمه على أساس إعجازي، بمعنى يفترض أنَّ ظهور المعادن على سطح الأرض يكون عن طريق المعجزة، تأييداً من الله تعالى للمهدي ودولته.

وهذا الفهم المـُحتمل، على ما سوف يأتي... إلاَّ أنَّه ليس فَهْماً مُنحصراً، بل يمكن تقديم فَهْمٍ آخر، لا يكون الفهم الإعجازي بالقبول منه على أقل تقدير.

وهو أن نفهم الشكل الطبيعي لظهور المعادن، وهو استخراجها بالآلة، عن طريق تخطيط مُعيَّن، واهتمام خاصٍّ من قِبل الدولة، حتى تتوفَّر المعادن بأيدي الكثيرين للقيام بها في الصناعات، وإزجاء مُختلف الحاجات.

____________________

(1) انظر اقرب الموارد.

٥٥٦

ولا يخفانا في هذا الصدد، أنَّ تطبيق الحُكم الإسلامي على المعادن يجعلها مملوكة للأفراد لا للدولة، بخلاف القوانين الوضعية التي تعتبرها جميعاً ملكاً للدولة، كما أنَّه يجعلها مُنتشرة بأيدي الآلاف لا بأيدي عدد قليل من الناس.

وذلك، بأن نفترض أنَّ الدولة المهدوية هي التي توفِّر آلات الاستخراج الضخمة، مع تطبيق الحُكم الإسلامي القائل: إنَّ كل مَن استخرج شيئاً من المعدن يجب عليه أن يدفع خُمسه إلى الفقراء، وهو يملك المقدار الباقي، فيُنتج أنَّ آلاف العمَّال العاملين في المعادن سوف يملكون كمِّيات ضخمة من المعدن المـُستخرَج، وملايين من الفقراء سوف تنسدُّ حاجاتهم عن طريق دفع خُمس المقدار المـُستخرَج إليهم.

فإذا ضممنا إلى ذلك الحُكم الإسلامي القائل: بأنَّه لا يجوز للمـُستخرِج أن يزيد مقدار ما يستخرجه وما يملكه من المعدن، على قوت سنته، عرفنا أنَّه ليس من حقِّ أيِّ فرد من العاملين في المعدن أن يُثرى على حساب الآخرين، وإنَّما بمُجرَّد أن تصل ثروته إلى حدٍّ مُعيَّن، يفي بحاجته السنوية له ولعياله بما يُناسب حاله اجتماعياً، منعته الدولة عن الحصول على مقدار الزائد من المعدن، فإمَّا أن يعتزل العمل ويسمح لغيره بالاستخراج، لكي يملك من المعدن بهذا المقدار أيضاً، أو أن يعمل ويكون الناتج للدولة مباشرة.

وعلى أيِّ حال، فالدولة تملك الكمِّية الفائضة من المعادن عن كمِّيات العمَّال، وهي كمِّيات كبيرة، قد تزيد على ما ملكه العمَّال جميعاً بأضعاف كثيرة، وهذه الكمِّيات تستخدمها الدولة في صناعاتها وسدِّ احتياجات العمل فيها.

ومن هنا؛ تكون المعادن تحت الحُكم العادل قد أفادت - بطريق مباشر وغير مباشر - ملايين الناس، وأغنت ملايين العوائل في العالم.

الجهة السادسة: في السياسة المالية للدولة المهدوية، كما أشارت الأخبار، واقتضتها القواعد الإسلامية العامة.

وأول ما يواجهنا في الأخبار المـُستفيضة من الفريقين، هو ما نصَّت عليه من وفرة المال وكثرته، بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ، وأنَّ الأفراد كلَّهم يكونون من الغنى المالي، بحيث قد يكون للرجل زكاة أو صدقة، فيبحث عن الفقير لكي يُعطيها فلا يجد، فيعرضها على الناس فيرفضون أخذها استغناءً، وأنَّ الإمام المهدي (ع) يعرض الأموال أمام الناس، ويُعلن التوزيع المجَّاني، لكي يحمل كل فرد منهم ما يستطيع حمله، إلاَّ أنَّ الناس لا يرغبون به ولا يأخذون منه شيئاً،

٥٥٧

غير واحد يأتي ويأخذ ثمَّ يندم؛ لأنَّه أصبح الوحيد الطامع بالمال، ثمَّ يُحاول إرجاعه فيرفض طلبه.

وكلا هاتين الصورتين المعروضتين في الأخبار، صريحتان في شمول الغنى المالي الواسع لكل الناس في المجتمع، وأنَّ المال والذهب والفضَّة والأحجار الكريمة قد سقطت عن الرغبة الاجتماعية، باعتبار توفُّرها كالماء والتراب.

هذا، ولكنَّ هذه الأخبار تواجه بعض الأسئلة يحسن عرضها ومُحاولة الجواب عليها، وسنذكر كل سؤال في ناحية مُستقلَّة.

الناحية الأُولى: ما سبب تكدُّس المال وكثرته في الدولة المهدوية، سواء على مستوى الدولة أم الأفراد؟

وللجواب على ذلك عدَّة أُطروحات مُحتملة، لا بدَّ من عرضها وتمحيصها.

الأُطروحة الأُولى: توفُّر المال عن طريق المعجزة، ببركة الإمام (ع) ودعائه.

ولكنَّ هذه الأُطروحة لا تتمُّ لعدَّة اعتراضات، نذكر منها اثنين.

أولاً: إنَّها خلاف قانون المعجزات؛ من حيث إنَّه مهما أمكن توفُّر المال بالطريق الطبيعي لم يجز حمله على الوجود بسبب إعجازي، وإمكان فَهْم توفُّر المال بالطريق الطبيعي واضح، بعد الاطِّلاع على الأُطروحتين التاليتين.

ثانياً: إنَّ السياق العام لهذه الأخبار التي تذكر تكدُّس المال وكثرته، يُشير إلى عدالة النظام واستقامة الأمور إلى حدٍّ يتوفَّر المال بهذه الكثرة، ومن الواضح أنَّ افتراض توفُّر المال عن طريق المعجزة يُنافي هذا السياق، لإمكان وجود المعجزة - مع اقتضاء المصلحة - في أشدِّ الأنظمة ظلماً وفساداً.

وبتعبير آخر: إنَّ المال سوف يكون نتيجةً للمعجزة لا للنظام العادل، وهو خلاف ظاهر الأخبار؛ ومعه لا تكون هذه الأُطروحة صحيحة.

الأُطروحة الثانية: إنَّ المال يتوفَّر لدى الدولة، عن طريق ما تقوم به في الزراعة والصناعة والتعدين وغيرها من استثمارات، توجب توفُّر المال للدولة والفرد معاً.

وبهذه المشاريع يتوفَّر لدى الدولة المهدوية العالمية الاكتفاء الذاتي، بل زيادة المـُنتجات على الحاجات من ناحية، ويتوفَّر فيها زيادة على ذلك كمِّيَّة ضخمة من النقد، ليس لها مُنفِّذ ومصدر للصرف مُعيَّن، فإنَّ مصادر استهلاك المال - مهما تعدَّدت - فهي تعود إلى الحاجة،

٥٥٨

فحين تكون الحاجة مُنتفية في كل العالم، والدولة واحدة، والأمن مُستتبٌّ، والأُخوَّة عامة بين البشر، والحاجات الأوَّلية والثانوية والتربوية كلها مُستوفات، فيكون المال الزائد بلا مصدر مُعيَّن للصرف.

نعم، يمكن أن يذخر هذا المال لإنقاذ أيِّ منطقة من العالم، قد تُصبح محتاجة نتيجةً لظروف طبيعية طارئة، كالفيضان، أو الزلازل، أو الوباء أو غيرها، إلاَّ أنَّ نسبة حدوث ذلك سوف يكون أقلَّ بكثير من نسبة تزايد المال وتوفُّر النقد.

وهذه الأُطروحة صحيحة لا مانع من القول بصحَّتها.

الأُطروحة الثالثة: إنَّ توفُّر المال يكون عن طريق السيطرة على البنوك الكبرى في العالم، حيث يُعتبر أكثر المال الذي خُزِن فيها مغضوباً وحراماً غير مشروع لمَن سُجِّلت باسمه، من الناحية الإسلامية.

ومن ثَمَّ تقوم الدولة المهدوية بعدَّة خطوات في هذا الطريق، أهمُّها تأسيس نظام مصرفي جديد، قائم على الإيمان بحرمة الربح الربوي من ناحية، وعلى عدم تقبُّل المال ما لم يُحرز كونه مالاً حلالاً من الناحية الإسلامية لصاحبه، من ناحية ثانية.

ثمَّ تقوم الدولة بجرد البنوك التي كانت في عصر ما قبل الظهور، وتصفية حساب الأموال المذخورة فيها، فإن كانت الشرائط الجديدة غير مُتوفِّرة، أُخرج المال من البنك وصادرته الدولة؛ باعتبار كونه مجهول المالك، وهو يعود إلى الدولة الإسلامية في حُكم الإسلام، وإذا ثبت في مال أنَّه مُسجَّل لغير مالكه الحقيقي أُعيد إلى المالك.

إلاَّ أنَّ الأموال التي تحصل عليها الدولة عن هذا الطريق كثيرة، وقد تَرْبُو على عشرات الملايين، وإن كانت هناك كمِّيَّات ضخمة أُخرى، تبقى مُسجَّلة لأصحابها، باعتبارها مُستجمعة للشرائط المطلوبة.

وهذه الأُطروحة أيضاً لا مانع من القول بصحَّتها.

والظاهر أنَّ الدولة تحصل على الأموال عن كلا الطريقين، المـُبيَّنين في الأُطروحتين الثانية والثالثة، والمـُعتقَد أنَّ الأموال الفائضة نتيجةً للأُطروحة الثانية، ستكون أكثر بكثير من الأموال التي تحصل عليها الدولة نتيجةً للأُطروحة الثالثة، بالرغم من كثرتها في نفسها؛ ومعه تكون العمدة في كثرة الأموال هو الأُطروحة الثانية.

٥٥٩

الناحية الثانية: ما هو الهدف الذي يتوخَّاه الإمام المهدي (ع) من عرض الأموال للناس وتوزيعها عليهم مجَّاناً، كما أخبرتنا الأخبار؟

ويمكن أن نتصوَّر لذلك إحدى أُطروحتين مُحتملتين:

الأُطروحة الأُولى: أنَّ كمِّيَّة ضخمة من المال - كما سمعنا - تبقى من دون أن يتوقَّع لها مُنفِّذ مُعيَّن؛ ومن هنا يكون من المنطقي أن تُرصد للمـُحتاجين أفراداً ومجتمعات، على طول الخطِّ، يأخذ منها المحتاج - أيَّاً كان - بدون مقابل وبدون شروط، وبدون تحديد كمِّيَّة مُعيَّنة، مادام المقدار معقولاً ومنطقياً.

غير أنَّ الأخبار دلَّت - بوضوح - على عدم إقدام الناس للحصول على شيء من هذا المال؛ لعدم وجود المحتاج بأيِّ شكل من أشكاله في الدولة المهدوية العادلة، حتى إنَّ هذا الفرد الذي يأخذ المال ثمَّ يندم عليه، سيكون دافعه للأخذ هو الطمع وليس الحاجة؛ ومن هنا أمكنه التفكير بإرجاعه بدون حرج.

الأُطروحة الثانية: إنَّ دولة المهدي (ع) بعد أن تستتبَّ أساليبها وبرامجها في إغناء الناس وإسعادهم، حتى لا يبقى فقير على الإطلاق ولا مُشتاق على المال أصلاً، عندئذ تتعلَّق المصلحة ببيان ذلك، وإيضاحه أمام البشر أجمعين والتاريخ، وذلك بالقيام بتخطيط مُعيَّن مؤقَّت، وهو أن تُعدَّ الأموال الفائضة، ويُعلَن في الناس إعلاناً عاماً، بأنَّ مَن يريد أن يحصل على المال، فإنَّه يستطيع بمقدار ما يشاء، وحين لا يقبل الناس على أخذ المال، غير واحد فقط، يثبت بالضرورة أنَّ جميع الأفراد قد أصبحوا أغنياء ومُرفَّهين إلى حدٍّ انقطعت أطماعهم وتحقَّقت كل آمالهم.

فإذا استطعنا أن نتصوَّر أنَّ هذا التخطيط المـُعيَّن في كثير من بُلدان العالم، يبدأ به المهدي (ع) في العاصمة المركزية، ويُطبِّقه الحُكَّام المـُوزَّعون على الأرض كلٌّ في إقليمه... وإذا كانت الاستجابة من الناس هي نفسها أو مُقاربة في كل البلدان، حتى التي كانت مُعتادة على الجَشَع الرأسمالي... حينئذ نستطيع أن نُدرك كيف ولماذا أصبحت هذه التجربة هي المزيَّة الرئيسية للإمام المهدي (ع)، لم يستطع أحد قبله على الإطلاق أن يؤدِّيها، أو أن يُفكِّر فيها، فضلاً عن أن ينجح في أدائها... مهما كانت دعاوى العقائد المـُنحرفة السابقة على الظهور، ذات ضجيج وعجيج.

ومن هنا؛ نصَّت جملة من الأخبار على هذه المزيَّة بالتعيين، ولم تصف المهدي (ع) إلاَّ بها، كالذي أخرجه مسلم: ( يكون في آخر الزمان خليفة يقسم المال ولا يعدُّه ). وما

٥٦٠

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702