المزار الكبير

المزار الكبير8%

المزار الكبير مؤلف:
المحقق: جواد القيّومي الإصفهاني
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
ISBN: 964-92002-0-7
الصفحات: 702

المزار الكبير
  • البداية
  • السابق
  • 702 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 187413 / تحميل: 6367
الحجم الحجم الحجم
المزار الكبير

المزار الكبير

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٩٢٠٠٢-٠-٧
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

الفصل الثالث : الإمام الصادق في ظل جدّه وأبيهعليهم‌السلام

ملامح عصر الإمام زين العابدين ومواقفه

لقد واجه الإمام زين العابدينعليه‌السلام بعد استشهاد أبيه الحسينعليه‌السلام ما يلي :

١ ـ التعاطف مع أهل البيتعليهم‌السلام تعاطفاً كان يفتقد الوعي ويقتصر على الشعور الإيجابي بالولاء مع خلوّه عن الموقف العملي الجادّ .

٢ ـ ثورات انتقاميّة كانت تتحرّك نحو هدف محدود ، وثورات نفعية مصلحيّة ، ونشوء حركات منافقة ، وظهور وعّاظ السلاطين لإسباغ الشرعية على السلطة القائمة .

٣ ـ بروز ظاهرة الشعور بالإثم عند الأمة بسبب ما ارتكبته من خذلان لأبيه الحسين السبطعليه‌السلام لكن هذا الشعور كما هو معروف كان بلا ترشيد واضح ، والعقليات المدبّرة للثورة على الوضع القائم كانت تفكر بالثأر فحسب وهنا خطط الإمام زين العابدينعليه‌السلام لعمله على مرحلتين أو خطوتين :

الخطوة الأولى : تناول الإمامعليه‌السلام ظاهرة الشعور بالإثم وعمل على ترشيدها بعد أن عمّقها بشكل متواصل عبر تذكيره الأمة بمأساة كربلاء والمظالم التي لحقت بآل البيتعليهم‌السلام وقد استغرق هذا التذكير زمناً طويلاً ،

٤١

حيث حاول إعطاء ظاهرة الشعور بالإثم بُعداً فكرياً صحيحاً ليجعل منه أداة دفع وتأثير في عملية البناء والتغيير .

وبعد أن تراكم هذا الشعور شكّل في نهاية الأمر خزيناً داخلياً كانت لا تقوى الأمة أن تصبر عليه طويلاً ، وأصبح الإلحاح على مخرج تعبّر به الأمّة عن ألمها أمراً جدّياً ، حتَّى حدثت الثورة الكبرى وطبيعي أنّ هذا الجو المشحون الذي كان ينبئ بالثورة والإطاحة بالأمويين جعلهم يشددّون الرقابة على الإمام زين العابدينعليه‌السلام باعتباره الرأس المدبّر لهذه المطالبة ولكونه الوريث الشرعي للخلافة بعد أبيه الحسينعليه‌السلام ومن هنا كانت الحكومة الأموية تفسّر أيّ حركة تصدر من الإمامعليه‌السلام على أنّها تمهيد للثورة .

الخطوة الثانية : توزّع نشاط الإمامعليه‌السلام في هذه الخطوة على عدّة اتّجاهات .

الاتجاه الأوّل : قام الإمامعليه‌السلام ببلورة العواطف الهائجة وحاول أن يدفعها باتّجاه الفكر الصحيح ويضع لها الأسس العقائديّة ويجعل منها مقدمة لعملية التغيير التي ينشدها الإمامعليه‌السلام ، وقد تمثّلت في إيجاد الفكر الإسلامي الصحيح الذي طالما تعرّض للتشويه والتحريف ثم إعداد الطليعة الواعية التي تشعر بالمسؤولية وتكون أهلاً لحمل الأمانة الإلهيّة .

الاتّجاه الثاني : تحرّك الإمام زين العابدينعليه‌السلام انطلاقاً من مسؤوليته في حماية الإسلام وبقائه كشريعة دون تحريف وتشويه لمحتواه ضمن عدة نشاطات :

١ ـ النشاط الأول : واجه الإمامعليه‌السلام الحركات الانحرافية والفرق الضالّة والمغالية التي كانت تستهدف الفكر الإسلامي وتعتمد الإسرائيليات والنظريات الهندية واليونانية حول الكون والحياة في فهم القرآن والحديث

٤٢

الشريف ، وقام بنشر مختلف العلوم والفنون وتبيان الصيغة الصحيحة للعلاقات الاجتماعية والسياسية والأخلاقية التي كان قد أصابها الفساد ، كما يتّضح ذلك بجلاء في رسالته المعروفة برسالة الحقوق ، كما ساهم في حل المشاكل التي كانت تهدّد كرامة الدولة الإسلامية كما يلاحظ ذلك جليّاً فيما حدث في جوابه على رسالة ملك الروم حين هدّد الخليفة بالحصار الاقتصادي(١) .

النشاط الثاني : إنّ الأمويين كانوا قد ضيّقوا على حركة الإمامعليه‌السلام ونشاطه مع الأمة إلاَّ أنّ الإمامعليه‌السلام استخدم الدعاء سلاحاً للارتباط الفكري والمعنوي بها ، وحيث إنّ هذا السلاح لم يستهدف الأمويين مباشرة ، توفّر للإمامعليه‌السلام مجالٌ أوسع لمعالجة الظواهر المرضية والانحرافات الأخلاقية .

الاتّجاه الثالث : التأكيد على أهمية العمل الثوري ومكافحة الظلم والانحراف ، وإيقاد روح الجهاد التي كانت خمدت في الأمة عبر سنوات الانحراف ، كما يتجلّى ذلك في دعائه للمختار الذي طالب بثأر الحسين وكان على اتصال دائم بالإمامعليه‌السلام أثناء ثورته من خلال عمّه محمد ابن الحنفيّة .

الاتّجاه الرابع : لم يكن موقف الإمامعليه‌السلام من الحكّام موقف المواجهة والتحدّي المباشر ; إذ لو كان قد فعل الإمام زين العابدينعليه‌السلام ؛ ذلك لما كان يستطيع أن يحقق ما حققه من مكاسب في الأمة في مجال التربية ، ولما توفّرت أجواء سليمة وفرص واسعة لنشاط الإمام الباقرعليه‌السلام من بعده وللجماعة الصالحة التي ربّاها .

لكن هذا لا يعني أن الإمامعليه‌السلام لم يوضح رأيه في الحكومة فلم يترك

ـــــــــــــــــ

(١) البداية والنهاية : ٩/١٢٢ .

٤٣

الأمر ملتبساً على شيعته ، بل كانت للإمام زين العابدينعليه‌السلام مواقف مع الحكّام سوف نشير إلى بعض منها ، وكان هدفه منها إعطاء خطّ في التربية والتغيير حفاظاً على الشيعة من الضياع ; إذ لم تكن الجماعة الصالحة على سبيل المواجهة ولكنها كانت كافية في التحصين في تلك المرحلة على مستوى التربية والإعداد وتأسيساً لمستقبل سياسي أفضل .

ونستطيع أن نلاحظ موقف الإمامعليه‌السلام مع السلطة من خلال رسالته الجوابية إلى عبد الملك حين لامَ عبد الملك الإمامعليه‌السلام على زواجه بأمته التي كان قد أعتقها .

إنّ ردّ الإمامعليه‌السلام على عبد الملك كان يتضمّن تحدّياً للخليفة الذي كان يفكرّ بعقلية جاهلية ; فإنّ الإمامعليه‌السلام وضّح فيها الموقف الإسلامي الذي يلغي كل الامتيازات التي وضعتها الجاهلية بقولهعليه‌السلام :( فلا لؤم على امرئ مسلم إنَّما اللؤمُ لؤم الجاهلية ) .

يظهر هذا التحدّي ممَّا جاء في مصادر التأريخ من أن الخليفة الأموي بعد أن قرأها هو وابنه سليمان ، قال الابن : يا أمير المؤمنين لَشدَّ ما فخر عليك علي بن الحسين !! فردّ الخليفة على ابنه قائلاً : ( يا بنيّ لا تَقل ذلك فإنّها ألسن بني هاشم التي تَفلق الصخر وتغرف من بحر ، إنّ عليّ بن الحسين يا بني يرتفع من حيث يتّضع الناس(١) .

وفي هذا الجواب إشارة إلى أنّ المواجهة مع الإمام من قبل الخليفة لا تخدم سلطان بني أمية .

ومن مواقف الإمام زين العابدينعليه‌السلام تجاه السلطة أيضاً موقفه من

ـــــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار : ٤٦/١٦٥ ، والعقد الفريد : ٧/١٢١ .

٤٤

الزهري ذلك المحدث الذي كان مرتبطاً بالبلاط الأموي ـ فقَد أرسل إليه الإمامعليه‌السلام رسالة قَرعه فيها على شنيع فعله(١) ، وان كان قد علم الإمام بأنّه غارق إلى هامته في موائد السلطان ولهوه ، إلاَّ أنّها رسالة للأجيال .

ومن الأحاديث التي وضعها هذا الرجل دعماً لسياسة بني أمية حينما منعوا حج بيت الله الحرام لمّا كان ابن الزبير مسيطراً على الحرمين الشريفين ما رواه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : لا تشد الرحال إلاَّ إلى ثلاثة : مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى .

ملامح عصر الإمام محمد الباقرعليه‌السلام

استشهد الإمام زين العابدينعليه‌السلام سنة ( ٩٥ هـ ) في أيام حكم الوليد ابن عبد الملك وتوّلى الإمام محمد بن علي الباقرعليه‌السلام مسؤولية الإمامة بوصية من أبيه حيث أعلن عن إمامته أمام سائر أبنائه وعشيرته حين سلّمه صندوقاً فيه سلاح رسول اللهعليه‌السلام وقال له :( يا محمَّد هذا الصندوق فاذهب به إلى بيتك ، ثم قالعليه‌السلام :أما إنّه لم يكن فيه دينار ولا درهم ولكنه مملوءٌ علم ) (٢) .

إذن فهو صندوق يرمز لمسؤولية القيادة الفكرية والعلمية كما أنّ السلاح يرمز لمسؤولية القيادة الثورية .

وبالرغم من توالي الثورات التي تلت واقعة الطف والتي كان الإمام الباقرعليه‌السلام قد عاصرها جميعاً مع أبيهعليه‌السلام بقي موقف الأعمّ الأغلب من الناس الاستجابة لمنطق السيف الأموي إلى جانب القسم الآخر الذي آمن بأنّ الحكّام الأمويين يمثّلون الخلافة الإسلامية .

ـــــــــــــــــ

(١) تحف العقول : ٢٧٢ ـ ٢٧٧ .

(٢) بصائر الدرجات ٤/٤٤ و٤٨ ، وأصول الكافي ١/٣٠٥ وعنهما في بحار الأنوار : ٤٦/٢٢٩ .

٤٥

كما أنّه عاصر عمليات الهدم الفكري والتحريف والمسخ الثقافي الذي مارسه الأمويون بحق الرسالة والقيم الإسلامية .

وعند مجيء سليمان بن عبد الملك إلى الحكم بعد وفاة أخيه الوليد بن عبد الملك سنة ( ٩٦ هـ ) أصدر قرارات جديدة استراحت الأمة بسببها قليلاً حيث أمر بالتَنكيل ( بآل ) الحجاج بن يوسف الثقفي وطرد كلّ عمّاله وولاته(١) كما أطلق سراح المسجونين في سجون الحجّاج(٢) .

وفي سنة ( ٩٩ هـ ) تقلّد الحكم الأموي عمر بن عبد العزيز فازدادت الحريّات في مدّة خلافته القصيرة ، كما يراه بعض المؤرّخين ، كما أنّه عالج مشكلة الخراج التي قال عنها بأنّها سنّة خبيثة سنّها عمّال السوء(٣) .

وعامل العلويين معاملة خالف فيها أسلافه فقد جاء في كتابه لعامله على المدينة : ( فأقسم في ولد علي من فاطمة رضوان الله عليهم عشرة آلاف دينار فطالما تخطّتهم حقوقهم )(٤) ورَدَّ فدكاً ـ التي كان قد صادرها الخليفة الأوّل ـ على الإمام الباقرعليه‌السلام (٥) ورفع سبّ الإمام عليّعليه‌السلام الذي كان قد سنّه معاوية(٦) .

أمّا الناحية الفكرية : فتبعاً للتغيّرات السياسية نلمس تطوّراً في الجانب الفكري أيضاً ؛ فقد برزت في هذا الظرف تيارات فكريّة جديدة واتجّه الناس

ـــــــــــــــــ

(١) الكامل ، ابن الأثير : ٤/١٣٨ .

(٢) تاريخ ابن عساكر : ٤/٨٠ .

(٣) الكامل : ٥/٢٩ وتاريخ الطبري : ٨/١٣٩ .

(٤) مروج الذهب : ٣/١٩٤ .

(٥) الكامل : ٤/١٦٤ والمناقب : ٤/٢٠٧ وسفينة البحار : ٢/٣٧٢ .

(٦) انظر الفكر السامي ١/٢٧٦ عن صحيح مسلم ، وتاريخ اليعقوبي ٢/٢٢٣ و٢٣٠ و٢٣٥ و٣٠٥ ، وشرح النهج للمعتزلي ٥/٩٨ تاريخ الخميس : ٢/٣١٧ .

٤٦

للبحث والدرس وتلقّي المعرفة الإسلامية ورفع المنع الحكومي عن تدوين الحديث النبوي وبدأت تتميّز مدرسة أهل الحديث عن مدرسة أهل الرأي ومال الموالي من غير العرب إلى مدرسة أهل الرأي في الكوفة ، وتزعّم أبو حنيفة هذه المدرسة في حينها ضد مدرسة أهل الحديث في المدينة(١) .

وكنتيجة طبيعية للإخفاق الذي سجّلته الحركات الفكرية ، ظهرت فكرة الاعتزال التي نادى بها ( واصل بن عطاء ) في البصرة عندما اعتزل حلقة درس أستاذه ( الحسن البصري ) وهي تعتبر تعديلاً لفكرة الخوارج التي لم تلقَ رواجاً حينما قالت بكفر مرتكب الكبيرة(٢) ، والمرجئة التي قالت بأنّه لا تضر مع الإيمان معصية(٣) فقال واصل ( مؤسس اتّجاه الاعتزال والمتوفى في ١٣١هـ ) : إنّ صاحب الكبيرة ليس بمؤمن بإطلاق بل هو في منزلة بين منزلتين أي إنّ مرتكب الكبيرة ليس بمؤمن ولا كافر لكنّه فاسق والفاسق يستحق النار بفسقه(٤) .

هذه صورة مجملة عن الواقع الذي عايشه الإمام الصادقعليه‌السلام خلال مرحلة قيادة أبيه الباقرعليه‌السلام .

متطلّبات عصر الإمام الباقرعليه‌السلام

ونلخّص دور الإمام الباقرعليه‌السلام في ثلاثة خطوط أساسية :

الخط السياسي ، وإكمال بناء الجماعة الصالحة ، وتأسيس جامعة أهل البيتعليه‌السلام العلمية .

ـــــــــــــــــ

(١) ضحى الإسلام لأحمد أمين : ٢/١٧٨ .

(٢) الملل والنحل : ١/١٥٨ .

(٣) تاج العروس ، مادة رجأ .

(٤) الأغاني : ٧ / ١٥ .

٤٧

١ ـ الخط السياسي للإمام الباقر عليه‌السلام

لقد كان الخيار السياسي للإمام الباقرعليه‌السلام في فترة تصدّيه للإمامة هو الابتعاد عن الصدام والمواجهة مع الأمويين وهذا واضح من خلال تصريحه الذي تضمّن بياناً للجوّ السائد وحالة الأمة ومستوى وعيها آنذاك :( إنْ دَعَوْناهم لم يستجيبوا لنا ) (١) .

كما نجده فيما بعد يستوعب سياسة الانفتاح والاعتدال التي أبداها عمر ابن عبد العزيز ، سواء كان هذا الاعتدال بدافع ذاتي لعلاقته بالإمامعليه‌السلام ، أم بدافع الضغوط الخارجيّة وخوفه من انهيار الدولة الأموية .

إنّ الإمام قد رسم خطّه السياسي في هذه المرحلة بأسلوبين :

الأسلوب الأول : تصريح الإمامعليه‌السلام برأيه حول عمر بن عبد العزيز وحكومته قبل تصدّي عمر للخلافة فعن أبي بصير ، قال : كنت مع أبي جعفر الباقرعليه‌السلام في المسجد ودخل عمر بن عبد العزيز وعليه ثوبان ممصّران متكئاً على مولى له فقالعليه‌السلام :( لَيَلِيَنَّ هذا الغلام [ أي سوف يتولّى السُلطة ]فيظهر العدل ) (٢) .

ولكن الإمامعليه‌السلام قدح في ولايته باعتبار وجود مَن هو أولى منه .

الأسلوب الثاني : أسلوب المراسلة واللقاء فقد روي أنّ عمر بن

ـــــــــــــــــ

(١) الإرشاد ، للشيخ المفيد : ٢٨٤ .

(٢) سفينة البحار : ٢/١٢٧ .

٤٨

عبد العزيز كرّم الإمام أبا جعفرعليه‌السلام وعظّمه وقد أرسل خلفه فنون ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود وكان من عُبّاد أهل الكوفة فاستجاب له الإمامعليه‌السلام وسافر إلى دمشق فاستقبله عمر استقبالاً رائعاً واحتفى به وجَرَت بينهما أحاديث وبقي الإمام أيّاماً في ضيافته(١) .

ومن المراسلات ما جاء أنّه : كتب عمر للإمامعليه‌السلام بقصد الاختبار فأجابه الإمام برسالة فيها موعظة ونصيحة له(٢) ، ولكن سياسة الابتعاد عن الصدام المباشر لم تمنع الإمام الباقرعليه‌السلام من أن يقف من الأمة بشكل عام ومن الأمويين وهشام بن عبد الملك بشكل خاص موقف التحدّي الفكري والعقائدي والعلمي لبيان الحق المغتصب وكشف ستار الباطل الذي كان قد أسدله الحكّام على الحق ورموزه .

وحين حجّ هشام بن عبد الملك بن مروان سنة من السنين وكان قد حجّ في تلك السنة محمّد بن علي الباقرعليه‌السلام وابنه جعفر ، قال جعفر بن محمدعليه‌السلام في بعض كلامه :( الحمد لله الذي بعث محمّداً نبيّاً وأكرمنا به ، فنحن صفوة الله على خلقه وخيرته من عباده فالسعيد مَن اتّبعنا والشقيّ مَن خالفَنَا ، ومن الناس مَن يقول : إنّه يتولاَّنا وهو يتولّى أعدائنا ومَن يليهم من جلسائهم وأصحابهم ، فهو لم يسمع كلام ربّنا ولم يعمل به ) (٣) .

فبيّنعليه‌السلام مفهوم القيادة الإلهية ومصداقها الحقيقي الذي يمثّلها آنئذ .

وهذا الطرح وان كان فيه نوع مجابهة صريحة للحاكم وما يدور في

ـــــــــــــــــ

(١) تاريخ دمشق : ٥١/٣٨ .

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢/٣٠٥ .

(٣) دلائل الإمامة : ١٠٤ ـ ١٠٩ ، بحار الأنوار : ٤٦/٣٠٦ .

٤٩

أذهان الناس لكنّه لم يكن مغامرة ; لأنّ الظرف كان بحاجة إلى مثل هذا الطرح والتوضيح ، بالرغم من أنّه قد أدّى إلى أن يستدعي هشام الإمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام إلى الشام فيما بعد .

٢ ـ إكمال بناء الجماعة الصالحة

لم تكن عملية بناء الجماعة الصالحة وليدة عصر الإمام الباقرعليه‌السلام فقد باشرها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم لإمام عليعليه‌السلام ، حيث نجد لأشخاص أمثال مالك الأشتر وهاشم المرقال ، ومحمد بن أبي بكر ، وحجر بن عدي ، وميثم التمّار ، وكميل بن زياد ، وعبد الله بن العباس ، دوراً كبيراً في الصراع الذي خاضه الإمام عليعليه‌السلام مع مناوئيه .

واستمرت عملية البناء بشكل فاعل في عصر الإمامين الحسن والحسينعليهما‌السلام ، ثم تقلّص النشاط المباشر في بناء هذه القاعدة وتوسيعها ، ثم استمرّت عملية البناء في العقود الأخيرة من حياة الإمام زين العابدينعليه‌السلام وتكاملت في عصر الإمام الباقرعليه‌السلام حيث سنحت الفرصة له بأن يتحرك نحو تطوير الجماعة الصالحة بتوضيح أهدافها التي تمثّلت في الدفاع عن المجتمع الإسلامي وحفظ الشريعة الإسلامية من التحريف إلى جانب توسيع القاعدة كمّاً مع تطويرها كيفاً .

ونقتصر فيما يلي على بعض ما قام به الإمام الباقرعليه‌السلام من خطوات :

الخطوة الأولى : أخذ الإمامعليه‌السلام يعمّق ويوضّح صفات الجماعة الصالحة الموالية لأهل البيتعليهم‌السلام ودورها في المجتمع ، فقد جاء في وصفه لهذه الجماعة قولهعليه‌السلام :( إنّما شيعتنا ـ شيعة علي ـالمتباذلون في ولايتنا المتحابّون في

٥٠

مودّتنا ، المتزاورون لإحياء أمرنا ، الذين إذا غضبوا لم يظلموا ، وإذا رضوا لم يسرفوا ، بركة على مَنْ جاوروا ، سلم لمَن خالطوا ) (١) ، وقال أيضاً :( شيعتنا من أطاع الله ) (٢) .

وبهذا أراد الإمامعليه‌السلام أن يرسّخ الكمالات الإنسانية في جانبي الأخلاق والعبادة التي تعرّضت للضياع طيلة سنوات المحنة ، ويوضّح أن الانتماء لخطّ أهل البيتعليهم‌السلام هو بالعمل والتحلّي بهذه الصفات .

الخطوة الثانية : قام الإمامعليه‌السلام ـ بالإضافة إلى توضيح مستوى الروح الإيمانية التي ينبغي أن يتَمتّع بها أفراد الجماعة الصالحة ـ بشحذِ هممها وتربيتها على روح الصبر والمقاومة لكي تمتلك القدرة على مواصلة العمل في سبيل الله ومواجهة التحدّيات المستمرّة وعدم التنازل أمام الإغراءات أو الضغوط الظالمة ، فقد جاء في كلامهعليه‌السلام لرجل حين قال له : والله إنّي لأحبّكم أهل البيت فقالعليه‌السلام :( فاتّخذ للبلاء ، جلباباً ، فو الله إنّه لأسرع إلينا وإلى شيعتنا من السيل في الوادي ، وبنا يبدو البلاء ثم بكم ، وبنا يبدو الرخاء ثم بكم ) (٣) .

هكذا رسم الإمامعليه‌السلام معالم الطريق الشائك أمامه ، إنّه طريق مفروش بالدماء والدموع ، والإمام رائد المسيرة على هذا الطريق يصيبه البلاء أوّلاً قبل أن يصيب شيعتَه .

وقد كان الإمامعليه‌السلام يذكّرهم بمعاناة الشيعة قبل هذا الظرف بقولهعليه‌السلام :( قتلت شيعتنا بكلّ بلدة وقُطِعت الأيدي والأرجل على الظنة وكان مَن يذكر بحبّنا والانقطاع إلينا سُجن ونُهب مالُه وهُدِمَت داره ) (٤) .

ومن الأعمال التي قام بها الإمامعليه‌السلام في بناء الجماعة الصالحة هو إلزام

ـــــــــــــــــ

(١) تحف العقول : ٢٩٥و ٣٠٠ .

(٢) تحف العقول : ٢٩٥و ٣٠٠ .

(٣) بحار الأنوار : ٤٦/٣٦٠ ، وأمالي الشيخ الطوسي : ٩٥ .

(٤) حياة الإمام الحسنعليه‌السلام دراسة وتحليل : ٢/٢٥٧ .

٥١

أتباعه وخاصّته بمبدأ التقية ؛ حفاظاً عليهم من القمع والإرهاب والإبادة التي طالما تعرّضوا لها وقد اعتبر هذا المبدأ من الواجبات الشرعية ذات العلاقة بالإيمان ، فكان يوصيِهم بالتقية قائلاً :( التقيّة ديني ودين آبائي ، ومَن لا إيمان له لا تقيّة له ) (١) .

ومن المبادئ التي تتداخل مع التقيّة : كتمان السرّ ، فقد جاء عنهعليه‌السلام في وصيّته لجابر بن يزيد الجعفي في أوّل لقاء له بالإمامعليه‌السلام : أن لا يقول لأحد أنّه من أهالي الكوفة ، وليظهر بمظهر رجل من أهل المدينة وجابر الجعفي هذا قد أصبح فيما بعد صاحب سرّ الإمامعليه‌السلام ، ولشدّة فاعليّته وتأثيره في الأمة أمر هشام بن عبد الملك واليه في الكوفة بأن يأتيه برأس جابر ، لكنّ جابراً قد تظاهر بالجنون قبل أن يصدر الأمر بقتله حسب إرشادات الإمام الباقرعليه‌السلام التي كانت تصله سرّاً ، فقد جاء في كتاب هشام إلى واليه : أن أُنظر رجلاً يقال له جابر بن يزيد الجعفي فاضرب عنقه وابعث إليَّ برأسه .

فالتفت إلى جلسائه فقال لهم : مَن جابر بن يزيد الجعفي ؟ قالوا : أصلحك الله ، كان رجلاً له علم وفضل وحديث وحجّ فجنّ وهو ذا في الرحبة مع الصبيان على القصب يلعب معهم .

قال : فأشرف عليه فإذا هو مع الصبيان يلعب على القصب فقال : الحمد لله الذي عافاني من قتله(٢) .

وكان في هذه المرحلة رجال كتموا تشيّعهم وما رسوا نشاطات مؤثرة في حياة الأمة فكرية وعسكرية وفقهية مع الاحتفاظ بعلاقاتهم ، فمن فقهاء الشيعة : سعيد بن المسيّب ، والقاسم بن محمد ، فقد كانا بارزين بين علماء ذلك العصر

ـــــــــــــــــ

(١) أصول الكافي : ٢/١٧٤ .

(٢) بحار الأنوار : ٤٦/٢٨٢ ، والكافي : ١/٣٩٦ .

٥٢

في الفقه وغيره إلاَّ أنّه لم تكن لهم صبغة التشيّع الصريح ، فقد شاع عن سعيد بن المسيّب أنّه كان يجيب أحياناً برأي غيره من علماء عصره أو برأي مَن سبقه من الصحابة ؛ مخافة أن يصيبه ما أصاب سعيد بن جبير ويحيى بن أم الطويل وغيرهما ممّن تعرّضوا للقتل والتشريد بسبب تشيّعهم .

وهذا موسى بن نصير من رجالات الكوفة العسكريين وزهّادها المؤمنين ممّن عرف بولائه لأهل البيتعليهم‌السلام هو وأبوه نصير ، ولقد غضب عليه معاوية إذ لم يخرج معه لصفِّين ، وموسى هو الذي فتح الفتوحات العظيمة في بلاد المغرب وكان تحت إمرته مولاه طارق بن زياد وولده عبد العزيز وبسبب تشيّعه غضب عليه سليمان بن عبد الملك وقبل أن يقتله عرّضه لأنواع العذاب فقتل ولده أمامه وألزمه بدفع مبلغ كبير(١) .

وكان لجابر الجعفي وزرارة وأبان بن تغلب وغيرهم دور بالغ في نجاح حركة الإمام الفكريّة ، وأصبحوا ـ فيما بعد ـ النواة لجامعته ، وبقي هؤلاء بعد وفاة الإمام الباقرعليه‌السلام بصحبة ولده الصادقعليه‌السلام ليمارسوا مسؤولياتهم بحجم أكبر كما سيأتي توضيحه .

٣ ـ تأسيس جامعة أهل البيت عليهم‌السلام

جاءت فكرة زرع البذرة الفكرية وتشكيل النواة الأولى لجامعة علمية إسلامية في هذهِ المرحلة كضرورة حضارية لمواجهة التحدّي الحاضر ونسف البنى الفكرية لكل الأطروحات السابقة التي وجدت من ظروف المحنة مناخاً مناسباً لبثّ أفكارها .

كما تأتي ضرورة وجود تيّار فكري يبلور الأفكار الإسلامية الأصيلة

ـــــــــــــــــ

(١) تاريخ اليعقوبي : ٢/٢٩٤ .

٥٣

ويعبّئ بها ذهن الأمة ويفوّت الفرصة على الظالمين في حالة تبدّل الظروف .

ويمكن تلخيص الأسباب التي شكّلت عاملاً مهمّاً في التهيئة لنجاح هذه الجامعة فيما يلي :

١ ـ لقد عُزلت الأمة عن تبني أفكار الأئمة من أهل البيتعليهم‌السلام وفقههم أكثر من قرن وبقيت تتناقله الخواص في هذه الفترة عن طريق الكتابة والحفظ شفاهاً وبالطرق السرّية .

٢ ـ في هذه الفترة طرحت على العالم الإسلامي تساؤلات فكريّة ومستجدّات كثيرة لم تمتلك الأمة لها حلاًّ بسبب اتّساع البلاد الإسلامية وتبدّل الظروف وحاجات المسلمين .

٣ ـ شعر المسلمون في هذا الظرف بأهمية البحث عن مبدأ فكري يتكفّل حلّ مشكلاتهم ; لأنّ النصّ المحرّف واجتهادات الصحابة أصبح متخلّفاً عن المواكبة ، بل أصبح بنفسه مشكلة أمام المسلم لتعارضه مع العقل والحياة .

٤ ـ في هذا العصر ظهرت مدارس فكرية متطرّفة مثل مدرسة الرأي القائلة بالقياس والاستحسان ، زاعمة أنّ للنصوص التي نقلت عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قليلة(١) لا تفي بالغرض ، الأمر الذي تسرّب فيه العنصر الذاتي للمجتهد ودخل الإنسان بذوقه الخاص إلى التشريع(٢) ، كما ظهرت مدرسة الحديث قِبال

ـــــــــــــــــ

(١) هذا في غير مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام الذين حرصوا على نقل تراث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وواجهوا منع تدوين السنّة النبوية بالحث على التدوين والنقل والتعليم ؛ لئلاَّ تندرس معالم الدين .

(٢) فقد عرف حسن أبي حنيفة أنّه لم يصح عنده من أحاديث الرسول الفقهية سوى سبعة حشر حديثاً راجع مقدمة ابن خلدون : ٣٧٢ .

٥٤

مدرسة الرأي والتي عرفت بالجمود على ظاهر النص ولم تتفرّغ لتمييز صحيح النصوص من غيره .

٥ ـ غياب القدوة الحسنة والجماعة الصالحة التي تشكّل مناخاً لنمو الفضيلة وزرع الأمل في نفوس الأمة باتّجاه الأهداف الربّانيّة .

في هذا الظرف الذي ذهب فيه الخوف واستطاع المسلم أن يبحث عن المعرفة وعن حل لمشكلاته الفكرية ، قام الإمام الباقرعليه‌السلام بتشكيل حلقاته العلمية في مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ؛ فكان وجودهعليه‌السلام مركز جذب لقلوب طلاب الحقيقة فالتفّ حوله صحابة أبيه الإمام زين العابدينعليه‌السلام ، وبدأ منذ ذلك الحين بالتركيز على بناء الكادر العلمي آملاً أن يواجه به المشكلات الفكرية التي بدأت تغزو الأمة المسلمة وكان يشكّل هذا الكادر فيما بعد الأرضية اللازمة لمشروع الإمام الصادقعليه‌السلام المرتقب ، فتناول الإمامعليه‌السلام أهمّ المشكلات الفكرية التي كان لها ارتباط وثيق بحياة الناس العقائدية والأخلاقية والسياسية .

وزجّ الإمام بكادره العلمي وسط الأمة بعد أن عبّأه بكل المؤهّلات التي تمكّنهُ من خوض المعركة الفكرية حينما قال لأبان بن تغلب :( اجلس في مسجد المدينة وافت الناس فإنّي أحبّ أن أرى في شيعتي مثلك ) (١) .

وعندما يدرك الأصحاب مغزى هدف الإمام من هذا التوجيه وضرورة الحضور مع الناس ؛ يتصدّى هؤلاء بأنفسهم لمعالجة المشكلات الفكرية وإبطال الشبه عن طريق الحوار والمناظرة حسب الخط الذي رسمه لهم الإمامعليه‌السلام في وقت سابق .

ـــــــــــــــــ

(١) اختيار معرفة الرجال للكشي ٢/٦٢٢ ، ح ٦٠٣ .

٥٥

قال عبد الرحمن بن الحجاج : كنّا في مجلس أبان بن تغلب فجاء شاب فقال له : يا أبا سعيد أخبرني كم شهد مع علي بن أبي طالب من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ وأدرك أبان مراده فانبرى قائلاً : كأنّك تريد أن تعرف عليّاً بمَن تبعه من أصحاب رسول الله ؟ فقال هو ذاك .

فأجابه أبان : والله ما عرفنا فضلهم ـ أي الصحابة ـ إلاَّ باتّباعهم إيّاه .

وتعميقاً لهذا التوجيه وبنفس السياق يبادر محبوب أهل البيت ولسانهم مؤمن الطاق ليواجه أفكار حركة الخوارج ويردّ على جرأتها في التشكيك بموقف الإمام عليعليه‌السلام من مسألة التحكيم(١) .

يدخل مؤمن الطاق على بعض زعماء الخوارج في الكوفة فيقول له : أنا على بصيرة من ديني وقد سمعتك تصف العدل فأحببت الدخول معك ، فيقول الخارجي لأصحابه إن دخل هذا معكم نفعكم.

فيقول له مؤمن الطاق : لِمَ تبرّأتم من عليّ بن أبي طالب واستحللتم قتله وقتاله ؟

يجيبه الخارجي : لأنّه حكّم الرجال في دين الله .

فيقول له : وكلَّ من حكّم في دين الله استحللتم قتله ؟

فيجيب الخارجي : نعم .

فيقول له : أخبرني عن الدين الذي جئت أُنظارك به لأدخل معك فيه ، إن غَلَبَتْ حجّتي حجّتك ، من يوقِفُ المخطئ منّا عن خطئه ويحكم للمصيب بصوابه ؟

فيشير الضحّاك إلى رجل من أصحابه ويقول : هذا هو الحكم بيننا .

ـــــــــــــــــ

(١) معجم رجال الحديث : ١/٢١ ـ ٢٢ وتنقيح المقال : ١/٤ .

٥٦

هنا يتوجّه مؤمن الطاق إلى مَن كان حاضراً من الخوارج ويقول : زعيمكم هذا قد حكّم في دين الله(١) وهكذا يفحمهم بحجّته البالغة ومنطقه القويم .

وقبل أن ننتهي من حياة الإمامعليه‌السلام نشير إلى ثلاث وقائع تاريخية لها صلة بالمرحلة التي سوف يتصدّى لها الإمام الصادقعليه‌السلام .

الواقعة الأولى : إنّ هشام بن عبد الملك هو واحد من الحكّام الأمويين الَّذين نصبوا العداوة لأهل البيت ، بل نراه قد زاد على غيره حتَّى أنّه على أثر الخطبة التي خطبها الإمام الصادقعليه‌السلام في مكة والتي أوضح فيها معنى القيادة ولمَن تكون القيادة ، يأمر هشام فور رجوعه إلى الشام بجلب الإمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام إلى دمشق لغرض التنكيل بهما .

وبعد اللقاء بهشام تفوّق الإمام الباقرعليه‌السلام في البلاط الأموي في الحوار الذي أجراه مع هشام ثم حواره مع عالم النصارى في الشام ، يسمح لهما هشام بالرجوع إلى المدينة ولكنّه يأمر أمير ( مدين ) ـ وهي المدينة الواقعة في طريقهما ـ بإيذائهما فقد جاء في رسالته : إنّ ابن أبي تراب الساحر محمّد بن علي وابنه جعفر الكذابين فيما يظهران من الإسلام ، قد وردا عليّ فلمّا صرفتهما إلى يوم الدين مالا إلى القسسين والرهبان ، وتقربّا إليهم بالنصرانية فكرهت النكال لقربهما ، فإذا مرّا بانصرافهما عليكم فليناد في الناس : برئت الذمّة ممّن باعهما وشاراهما وصافحهما وسلّم عليهما ، ورأى أمير المؤمنين قتلهما ودوابّهما وغلمانهما لارتدادهما والسلام(٢) .

ولم يترك هشام الإمام الباقرعليه‌السلام حُرّاً يتحرّك في المدينة ، ولم يسترح

ـــــــــــــــــ

(١) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة : ٢/ ٧٢ .

(٢) دلائل الإمامة : ١٠٤ ـ ١٠٩ وبحار الأنوار : ٤٦ ـ ٣٠٦ .

٥٧

من تواجده في الساحة الإسلامية حتَّى أقدم على قتله غيلةً بالسمّ سنة (١١٤هـ)(١) .

الواقعة الثانية : في هذهِ الفترة تحفّز زيد بن علي بن الحسينعليه‌السلام وصمّم على الثورة ضد هشام بن عبد الملك على أثر تصرّفات الأمويين ، ولا سيّما تصرّف هشام المهين بحق زيد ، والنيل من كرامته ، وما كان يفعله هشام بحق الشيعة بشكل خاص .

لقد دخل زيد على هشام فسلّم عليه بالإمرة فلم يردّ السلام إهانةً له ، بل أغلظ في الكلام ولم يفسح له في المجلس .

فقال زيد : السلام عليك يا أحول ، فإنّك ترى نفسك أهلاً لهذا الاسم فغضب هشام وجرت بينهما محاورة كان نصيب هشام فيها الفشل ، وخرج زيد وهو يقول : ما كره قومٌ حرّ السيوف إلاَّ ذلّوا .

وأمر هشام بردّه وقال له : اُذكر حوائجك ، فقال زيد : أما وأنت ناظر على أمور المسلمين فلا وخرج من عنده وقال : مَن أحبّ الحياة ذلّ(٢) .

ومضى زيد إلى الكوفة ثمّ خطّط للثورة واستشار بذلك الإمام الباقرعليه‌السلام .

قال الإمام الصادقعليه‌السلام :إنّ عمّي أتى أبي فقال إنّي أريد الخروج على هذا الطاغية .

ولمّا أزمع على الخروج أتاه جابر بن يزيد الجعفي فقال له : إنّي سمعت أخاك أبا جعفر يقول :إنّ أخي زيد بن علي خارج ومقتول وهو على الحق فالويل لمَن خذله ، والويل لمَن حاربه ، والويل لمَن يقتله فقال له زيد : يا جابر لم يسعني أن أسكت وقد خولف كتاب الله تعالى

ـــــــــــــــــ

(١) شذرات الذهب : ١/١٤٩ ، تاريخ بن الأثير : ٤/٢١٧ ، طبقات الفقهاء : ٣٦ .

(٢) تاريخ الطبري : حوادث سنة ( ١٢١ ) ، وتاريخ ابن عساكر : ٦ / ٢٢ ـ ٢٣ .

٥٨

وتحوكم بالجبت والطاغوت(١) .

الواقعة الثالثة : ولمّا قربت وفاة الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام دعا بأبي عبد الله جعفر الصادقعليه‌السلام فقال له :إنّ هذه الليلة التي وُعدت فيها ثم سلّم إليه الاسم الأعظم ومواريث الأنبياء والسلاح وقال له :يا أبا عبد الله ، الله الله في الشيعة فقال أبو عبد الله :لا تركتهم يحتاجون إلى أحد ... (٢) .

بهذا العرض ننتهي من تصوير حياة الإمام الصادق مع أبيه لتبدأ مرحلة تصدّيه للإمامة ، وبها يبدأ عصر جديد من العمل والجهاد والإصلاح .

ـــــــــــــــــ

(١) راجع تيسير المطالب : ١٠٨ ـ ١٠٩ .

(٢) إثبات الهداة : ٥/٣٣٠ .

٥٩

الباب الثالث :

وفيه فصول :

الفصل الأوّل : ملامح عصر الإمام الصادقعليه‌السلام .

الفصل الثاني : دور الإمامعليه‌السلام في تثبيت معالم الرسالة .

الفصل الثالث : دور الإمامعليه‌السلام في بناء الجماعة الصالحة .

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

الباب (١٣)

فضل طين قبر الحسين صلوات الله عليه ومقدار ما يؤخذ من تربته

وما يقال عند اخذها ويصنع ، وفضل السبحة منها والتسبيح بها

وما يقال عند اكلها

١ ـ وبالاسناد عن أبي جعفر بن بابويه وأبي القاسم جعفر بن محمدابن قولويهرضي‌الله‌عنهما ، عن أبويهما ، قالا جميعا : حدثنا سعد بنعبد الله ، عن أحمد بن الحسين بن سعيد ، عن أبيه ، عن محمد بن سليمانالبصري ، عن أبيه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : في طين قبر الحسينعليه‌السلام الشفاء من كل داء وهو الدواء الأكبر(١) .

٢ ـ وقالعليه‌السلام : لو أن مريضا من المؤمنين يعرف حق أبي عبد اللهعليه‌السلام وحرمته وولايته اخذ له من طين قبر الحسينعليه‌السلام مثل رأس أنملةكان له دواء(٢) .

٣ ـ وقالعليه‌السلام : طين قبر الحسينعليه‌السلام فيه شفاء وان اخذ علىرأس ميل(٣) .

٤ ـ وقالعليه‌السلام : من اصابته علة فبدأ بطين قبر الحسينعليه‌السلام شفاه

__________________

(١) رواه الشيخ في التهذيب ٦ : ٧٤ ، عنه البحار ١٠١ : ١٢٣.

(٢) رواه ابن قولويه في الكامل : ٤٦٥ و ٤٦٧ ، عنه البحار ١٠١ : ١٢٢ و ١٢٥ ، الوسائل١٤ : ٥٣٠.

(٣) رواه ابن قولويه في الكامل : ٤٦٢ ، والشيخ في مصباحه : ٦٧٤ ، عنه البحار ١٠١ : ١٢٤ ،الوسائل ١٤ : ٥١٣.

٣٦١

الله من تلك العلة الا أن تكون علة السام(١) .(٢)

٥ ـ وبالاسناد قال : حدثني محمد بن جعفر الرزاز ، عن محمد بنالحسين بن أبي الخطاب ، عن موسى بن سعدان ، عن عبد الله بن القاسم ،عن الحسين بن أبي العلاء ، قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : حنكواأولادكم بتربة الحسين صلوات الله عليه ، فإنها أمان(٣) .

٦ ـ وبالاسناد قال : حدثني أبي وجماعة مشايخيرحمهم‌الله ،عن سعد بن عبد الله ، عن محمد بن عيسى ، عن رجل قال : بعث إلي الرضاعليه‌السلام من خراسان بثياب رزم(٤) وكان بين ذلك طين ، فقلت للرسول : ما هذا ،فقال : طين قبر الحسينعليه‌السلام ما يكاد يوجد شيئا من الثياب ولا غيره الاويجعل فيه الطين ، وكان يقول : هو أمان بإذن الله(٥) .

٧ ـ وبالاسناد قال : حدثني أبي ومحمد بن الحسن وعلي بنالحسينرحمهم‌الله ، عن سعد ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن رزقالله بن العلاء ، عن سليمان بن عمرو السراج ، عن بعض أصحابنا ، عن

__________________

(١) السام : الموت.

(٢) رواه ابن قولويه في الكامل : ٤٦٢ ، عنه وعن فقه الرضاعليه‌السلام ، البحار ١٠١ : ١٢٤و ١٣١ ، الوسائل ١٤ : ٥٢٦.

(٣) رواه ابن قولويه في الكامل : ٤٦٦ ، والشيخ في التهذيب ٦ : ٧٤ ، عنه البحار ١٠١ : ١٢٤ ،الوسائل ١٤ : ٥٢٤.

(٤) رزم الثياب جمعها وشدها في ثوب.

(٥) رواه ابن قولويه في الكامل : ٤٦٧ ، والشيخ في التهذيب ٨ : ٤٠ ، الاستبصار ٣ : ٢٧٩ ،عنهم البحار ١٠١ : ١٢٤ ، الوسائل ١٤ : ٥٢٤.

٣٦٢

أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : يؤخذ طين قبر الحسين صلوات الله عليه من عندالقبر على قدر سبعين ذراعا(١) .

٨ ـ وبالاسناد قال : حدثني أبو عبد الله محمد بن أحمد بن يعقوب ،عن علي بن الحسن بن علي بن فضال ، عن أبيه ، عن بعض أصحابه ، عنأحدهماعليهما‌السلام قال : ان الله تبارك وتعالى خلق آدم من الطين فحرم الطينعلى ولده ، قال : قلت : فما تقول في طين قبر الحسينعليه‌السلام ، قال : يحرمعلى الناس اكل لحومهم ويحل لهم اكل لحومنا ، ولكن الشئ اليسيرمنه مثل الحمصة(٢) .

٩ ـ وبالاسناد قال : ان رجلا سأل الصادقعليه‌السلام فقال : اني سمعتكتقول : ان تربة الحسينعليه‌السلام من الأدوية المفردة ، وانها لا تمر بداء الاهضمته ، فقال : قد كان ذلك أو قد قلت ذلك فما بالك؟ قال : اني تناولتهافما انتفعت بها ، فقال : أما ان لها دعاء فمن تناولها ولم يدع به واستعملهالم يكد ينتفع بها ، قال : فقال له : ما أقول إذا تناولت التربة؟ فقال :

قبلها قبل كل شئ وضعها على عينيك ، ولا تناول منها أكثر منحمصة ، فإذا تناولت ، فقل :

اللهم إني أسألك بحق الملك الذي قبضها ، واسالك بحق النبي

__________________

(١) رواه الكليني في الكافي ٤ : ٥٨٨ ، وابن قولويه في الكامل : ٤٦٩ و ٤٧١ ، والشيخ فيالتهذيب ٦ : ٧٤ ، والسيد في مصباح الزائر : ١٣٦ ، عنهم البحار ١٠١ : ١٣٠ ، الوسائل ١٤ : ٥١١.

(٢) رواه ابن قولويه في الكامل : ٤٧٨ ، والشيخ في التهذيب ٦ : ٧٤ ، والسيد في مصباحالزائر : ١٣٦ ، عنهم البحار ١٠١ : ١٣٠ ، الوسائل ١٤ : ٥٢٨.

٣٦٣

الذي خزنها ، واسالك بحق الوصي الذي حل فيها ان تصلي على محمدوال محمد وان تجعله شفاء من كل داء ، وأمانا من كل خوف ، وحفظامن كل سوء.

فإذا فعلت ذلك إن شاء الله فاشددها في شئ ، واقرأ عليها :( اناأنزلناه في ليلة القدر ) ، فان الدعاء الذي تقدم لاخذها في الاستيذانلاخذها ، وقراءة( انا أنزلناه ) ختمها ، فإذا أردت اكلها فقل :

بسم الله وبالله ، اللهم اجعله رزقا واسعا ، وعلما نافعا ، وشفاء منكل داء ، انك على كل شئ قدير(١) .

١٠ ـ وبالاسناد عن جابر بن يزيد الجعفي قال : دخلت على مولاناأبي جعفر محمد بن علي الباقرعليهما‌السلام فشكوت إليه علتين متضادتين بي ،إذا داويت أحدهما انتقضت الأخرى ، وكان بي وجع الظهر ووجعالجوف ، فقال لي : عليك بتربة الحسين بن عليعليهما‌السلام ، فقلت : كثيرا مااستعملتها ولا تنجح في.

قال جابر : فتبينت في وجه سيدي ومولاي الغضب ، فقلت : يامولاي أعوذ بالله من سخطك ، وقام فدخل الدار وهو مغضب ، فاتى

__________________

(١) رواه الشيخ في مصباحه : ٦٧٦ ، مرسلا عن الصادقعليه‌السلام ، عنه البحار ١٠١ : ١٣٥ ،الوسائل ١٦ : ٣٩٧.

أورده المفيد في مزاره : ١٣٠ عنه عليه‌السلام ، ذكره السيد في مصباح الزائر : ١٣٦ عنه عليه‌السلام .

ذكره الراوندي في دعواته : ١٨٦ ، والكفعمي في مصباحه : ٥٠٨ مرسلا عنه عليه‌السلام .

أورده الطبرسي في مكارم الأخلاق ١ : ٣٦٠ ، الرقم : ١١٨٠ مرسلا عنه عليه‌السلام

٣٦٤

بوزن حبة في كفه فناولني إياها ، ثم قال لي : استعمل هذه يا جابر ،فاستعملتها فعوفيت لوقتي ، فقلت : يا مولاي ما هذه التي استعملتهافعوفيت لوقتي ، فقال : هذه التي ذكرت انها لم تنجح فيك شيئا ، فقلت :والله يا مولاي ما كذبت فيها ولكن قلت لعل عندك علما فأتعلمه منكفيكون أحب إلي مما طلعت عليه الشمس ، فقال لي :

إذا أردت ان تأخذ من التربة ، فتعمد لها آخر الليل ، واغتسل لهابماء القراح(١) والبس أطهر اطمارك ،(٢) وتطيب بسعد(٣) ، وادخل فقفعند الرأس ، فصل أربع ركعات ، تقرأ في الأولى الحمد واحدى عشرةمرة( قل يا أيها الكافرون ) ، وفي الثانية الحمد مرة واحدى عشرة مرة( انا أنزلناه في ليلة القدر ) ، وتقنت فتقول في قنوتك :

لا إله إلا الله حقا حقا ، لا إله إلا الله عبودية ورقا ، لا إله إلا اللهوحده وحده ، انجز وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، سبحانالله مالك السماوات وما فيهن وما بينهن ، سبحان الله ذي العرشالعظيم والحمد لله رب العالمين.

ثم تركع وتسجد وتصلي ركعتين أخراوين ، تقرأ في الأولى الحمدواحدى عشر مرة( قل هو الله أحد ) وفي الثانية الحمد واحدى عشرة

__________________

(١) الماء القراح : الماء الذي لا يخالطه شئ.

(٢) الطمر جمع اطمار : الثوب البالي.

(٣) السعد : نبت له أصل تحت الأرض ، يستعمل في الطيب والأدوية.

٣٦٥

مرة( إذا جاء نصر الله والفتح ) ، وتقنت كما قنت في الأوليين ، ثم تسجدسجدة الشكر وتقول الف مرة : شكرا ، ثم تقوم وتتعلق بالتربة وتقول :

يا مولاي يا بن رسول الله اني اخذ من تربتك باذنك ، اللهم فاجعلهاشفاء من كل داء ، وعزا من كل ذل ، وامنا من كل خوف ، وغنى من كلفقر ، لي ولجميع المؤمنين والمؤمنات.

وتأخذ بثلاث أصابع ثلاث مرات ، وتدعها في خرقة نظيفة أوقارورة زجاج ، وتختمها بخاتم عقيق ، عليه :

ما شاء الله ، لا قوة الا بالله ، استغفر الله.

فإذا علم الله منك صدق النية لم يصعد معك في الثلاث قبضات الاسبعة مثاقيل وترفعها لكل علة ، فإنها تكون مثل ما رأيت(١) .

١١ ـ وبالاسناد عن إبراهيم بن محمد الثقفي ، عن أبيه ، عن الصادقجعفر بن محمدعليهما‌السلام قال : ان فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليهما

__________________

(١) عنه البحار ١٠١ : ١٣٨ ، المستدرك ١٠ : ٣٢٨.

أورده السيد ولي الله في مجمع البحرين في مناقب السمطين مع اختلاف ، عنه المستدرك ١٠ :٣٣٩ ، البحار ١٠١ : ١٣٩.

قال في البحار ١٠١ : ١٣٩ : ( وجدت تلك الرواية عن جابر رضي الله عليه نقلا عن خط ابنسكون قدس‌سره ).

رواه ابن قولويه في الكامل : ٤٦٩ ، باسناده عن حكيم بن داود ، عن سلمة ، عن علي بنالريان ، عن الحسين بن أسد ، عن أحمد بن مصقلة ، عن عمه أبي جعفر الموصلي ، عن الباقر عليه‌السلام ، عنه البحار ١٠١ : ١٢٧ ، المستدرك ١٠ : ٣٣٩.

أورده في مصباح الزائر : ١٣٦ مرسلا ، عنه البحار ١٠١ : ١٣٧.

٣٦٦

كانت سبحتها من خيط صوف مفتل معقود عليه عدد التكبيرات ، وكانتعليها‌السلام تديرها بيدها ، تكبر وتسبح ، حتى قتل حمزة بن عبد المطلبعليه‌السلام فاستعملت تربته وعملت التسابيح فاستعملها الناس ، فلما قتل الحسينصلوات الله عليه وجدد على قاتله العذاب ، عدل بالامر إليه ، فاستعملواتربته لما فيها من الفضل والمزية(١) .

١٢ ـ وروي عن الصادقعليه‌السلام أنه قال : من أدار الحجير من تربةالحسينعليه‌السلام فاستغفر به مرة واحدة كتبت له بالواحدة سبعون مرة ، ومنأمسك السبحة بيده ولم يسبح بها ففي كل حبة منها سبعة مرات(٢) .

١٣ ـ وروى أبو القاسم محمد بن علي ، عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال : من أدار الطين من التربة فقال :

سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.

مع كل حبة منها كتب الله له بها ستة آلاف حسنة ، ومحا عنه ستةآلاف سيئة ، ورفع له ستة آلاف درجة ، وأثبت له من الشفاعة مثلها(٣) .

١٤ ـ وفي كتاب الحسن بن محبوب : ان أبا عبد اللهعليه‌السلام سئل عناستعمال التربتين من طين قبر حمزة وقبر الحسينعليهما‌السلام والتفاضلبينهما ، فقالعليه‌السلام : السبحة التي هي من طين قبر الحسينعليه‌السلام تسبح بيد

__________________

(١) عنه البحار ١٠١ : ١٣٣.

(٢) رواه الشيخ في مصباحه : ٥١٢ ، عنه البحار ١٠١ : ١٣٦.

(٣) عنه البحار ١٠١ : ١٣٣ ، المستدرك ٤ : ١٣ و ١٠ : ٣٤٤.

ذكره المفيد في مزاره : ١٣٢ عن أبي القاسم محمد بن علي.

٣٦٧

الرجل من غير أن يسبح(١) .

١٥ ـ قال : وقال : رأيت أبا عبد اللهعليه‌السلام وفي يده السبحة منها ،وقيل له في ذلك(٢) ، فقال : اما انها أعود علي ، أو قال : أخف علي(٣) .

١٦ ـ وروي ان الحور العين إذا بصرت بواحد من الاملاك يهبط إلىالأرض لأمر ما يهدين منه السبح والتربة من طين قبر الحسينعليه‌السلام (٤) .

١٧ ـ وروي عن الصادقعليه‌السلام أنه قال : السبح الرزق في أيديشيعتنا مثل الخيوط الزرق في أكسية بني إسرائيل ، ان اللهعزوجل أوحى إلى موسىعليه‌السلام ان مر بني إسرائيل ان يجعلوا في أربعة جوانبأكسيتهم الخيوط الزرق ويذكرون بها اله السماء(٥) .

١٨ ـ وروى عبيد الله بن علي الحلبي ، عن أبي الحسن موسىصلوات الله عليه أنه قال : لا يخلو المؤمن من خمسة : سواك ، ومشط ،وسجادة ، وسبحة فيها أربع وثلاثون حبة ، وخاتم عقيق(٦) .

__________________

(١) عنه البحار ١٠١ : ١٣٣.

(٢) اي سئل لم اختار طين قبر الحسينعليه‌السلام على طين قبر حمزة ، فأجاب بكونها أعودمن العادة أو العود مع فقده ، أو كونها أخف تقية ـ البحار.

(٣) عنه البحار ١٠١ : ١٣٣.

(٤) عنه البحار ١٠١ : ١٣٤.

(٥) عنه البحار ١٠١ : ١٣٤ ، قائلا : الظاهر كون حبات السبح زرقا ، ويحتمل أن يكون المرادكون خيطها كذلك كما قيل.

(٦) رواه الشيخ في مصباحه : ٥١١ ، عنه البحار ١٠١ : ١٣٦.

٣٦٨

الباب (١٤)

التوجه إلى مشهد أبي عبد الله الحسين صلوات الله عليه وشرائطه

فإذا خرجت من الكوفة أو غيرها متوجها نحو مشهد الحسين بنعلي صلوات الله عليه ، أو من منزلك ، أو من حيث توجهت ، فكن علىالسنن الذي قدمنا وصفه ، من الصمت الا من ذكر الله تعالى وما يتعلق بهمن الكلام المحمود ، واهجر اللهو واللعب ، واجتنب الملذ من الطعاموالشراب ، واقتصر على المقيم للرمق مما عداه.

١ ـ فقد روي عن الصادقعليه‌السلام أنه قال : إذا زرت الحسينعليه‌السلام فزرهوأنت حزين مكروب ، شعث مغبر ، جائع عطشان ، فان الحسين صلواتالله عليه قتل حزينا مكروبا ، شعثا مغبرا عطشان ، واسأله الحوائجوانصرف عنه ، ولا تتخذه وطنا(١) .

٢ ـ وروي عنهعليه‌السلام أنه قال : بلغني ان قوما زاروا الحسينعليه‌السلام فحملوا معهم السفر فيها الحداء والأحبصة وأشباهه ، ولو زاروا قبورأحبائهم ما حملوا معهم هذا(٢) .

٣ ـ وروي عنهعليه‌السلام أنه قال : تزورون خير من أن لا تزورونولا تزورون خير من أن تزوروا ، فقال له المفضل بن عمر رحمة الله عليه

__________________

(١) رواه الصدوق في ثواب الأعمال : ٨٠ ، وابن قولويه في الكامل : ٢٥٢ ، والشيخ فيالتهذيب ٦ : ٧٦ ، عنهم البحار ١٠١ : ١٤٠.

(٢) رواه الصدوق في ثواب الأعمال : ٨٠ ، وابن قولويه في الكامل : ٢٥٠ ، عنهما البحار١٠١ : ١٤١.

٣٦٩

قطعت ظهري ، فقال تالله ان أحدكم ليذهب إلى قبر أبيه كئيبا حزيناوتأتونه أنتم بالسفر ، كلا حتى تأتونه شعثا غبرا(١) .

الباب (١٥)

ورود كربلاء وموضع النزول منها والغسل

فإذا وردت إن شاء الله ارض كربلاء فأنزل منها بشاطئ العلقمي ، ثماخلع ثياب سفرك ، واغتسل منه غسل الزيارة مندوبا ، وصف هذه النيةلهذا الغسل بقلبك : اغتسل غسل زيارة الحسينعليه‌السلام مندوبا قربة إلىالله ، وتكون النية مقارنة للفعل ، وقل وأنت تغتسل :

بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، اللهم صل على محمد وال محمد وطهر قلبي ، وزك عملي ،ونور بصري ، واجعل غسلي هذا طهورا وحرزا ، وشفاء من كل داءوسقم وآفة وعاهة ، ومن شر ما احذر ، انك على كل شئ قدير.

اللهم صل على محمد وال محمد واغسلني من الذنوب كلهاوالآثام والخطايا ، وطهر جسمي وقلبي من كل آفة يمحق بها ديني ،واجعل عملي خالصا لوجهك يا ارحم الراحمين.

اللهم صل على محمد وال محمد واجعله لي شاهدا يوم حاجتيوفقري وفاقتي ، انك على كل شئ قدير.

__________________

(١) رواه ابن قولويه في الكامل : ٢٥٠ ، عنه البحار ١٠١ : ١٤١.

٣٧٠

فاقرأ( انا أنزلناه في ليلة القدر ) .

فإذا فرغت من الغسل فالبس ما طهر من ثيابك ، ثم توجه إلىالمشهد على ساكنه السلام ، وعليك السكينة والوقار ، وأنت متحفخاضع ذليل ، تكبر الله تعالى وتحمده وتسبحه وتستغفره ، وتكثر منالصلاة على نبيه محمد وآله الطاهرينعليهم‌السلام .

باب ورود المشهد :

فإذا انتهيت إلى بابه فقف عليه وكبر أربعا ثم قل :

اللهم ان هذا مقام أكرمتني به وشرفتني ، اللهم فاعطني فيه رغبتي ،على حقيقة ايماني بك وبرسولكعليه‌السلام .

ثم ادخل رجلك اليمنى قبل اليسرى وقل :

بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، اللهم أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين.

ثم امش حتى تدخل الصحن ، فإذا دخلته فكبر أربعا وتوجه إلىالقبلة ، وارفع يديك وقل :

اللهم إني إليك توجهت ، واليك خرجت ، واليك وفدت ،ولخيرك تعرضت ، وبزيارة حبيب حبيبك إليك تقربت ، اللهمفلا تمنعني خير ما عندك لشر ما عندي.

اللهم اغفر لي ذنوبي ، وكفر عني سيئاتي ، وحط عني خطيئاتي

٣٧١

واقبل حسناتي.

ثم اقرأ الحمد والمعوذتين و( قل هو الله أحد ) ، و( انا أنزلناه ) ،وآية الكرسي ، وآخر الحشر :

( لو أنزلنا هذا القران على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشيةالله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون * هو الله الذي لا إلهالا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم * هو الله الذي لا إله إلا هوالملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبرسبحان الله عما يشركون * هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماءالحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم ) (١) .

وتصلي ركعتين تحية المشهد ، وصفة النية لها ان تضمر بقلبكأصلي تحية المشهد مندوبا قربة إلى الله.

فإذا فرغت وسبحت فقل :

الحمد لله الواحد في الأمور كلها ، خالق الخلق ، لم يعزب عنهشئ من أمورهم ، عالم كل شئ بغير تعليم ، وصلوات الله وصلواتملائكته وأنبيائه ورسله وجميع خلقه ، وسلامه وسلام جميع خلقهعلى محمد المصطفى وأهل بيته.

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، الحمد لله الذي أنعم عليوعرفني فضل محمد وأهل بيته صلى الله عليه وعليهم ورحمة الله

__________________

(١) الحشر : ٢١ ـ ٢٤.

٣٧٢

وبركاته.

اللهم أنت خير من وفد إليه الرجال ، وشدت إليه الرحال ، وأنت ياسيدي أكرم مأتي وأكرم مزور ، وقد جعلت لكل آت تحفة ، فاجعلتحفتي بزيارة قبر وليك وابن بنت نبيك وحجتك على خلقك فكاكرقبتي من النار.

اللهم صل على محمد وآل محمد وتقبل عملي ، واشكر سعيي ،وارحم مسيري من أهلي ، بغير من اللهم مني عليك ، بل لك المن علي ،إذ جعلت لي السبيل إلى زيارة وليك ، وعرفتني فضله ، وحفظتني حتىبلغتني.

اللهم وقد أتيتك وأملتك ، فلا تخيب أملي ، ولا تقطع رجائي ،واجعل مسيري هذا كفارة لما قبله من ذنوبي ، ورضوانا تضاعف بهحسناتي ، وسببا لنجاح طلباتي ، وطريقا لقضاء حوائجي ، يا أرحمالراحمين.

اللهم صل على محمد وآل محمد ، واجعل سعيي مشكورا ،وذنبي مغفورا ، وعملي مقبولا ، ودعائي مستجابا ، إنك على كل شئقدير ، اللهم إني أردتك فأردني ، وأقبلت بوجهي إليك فلا تعرض عني ،وقصدتك فتقبل مني ، وإن كنت لي ماقتا فارض عني ، وارحم تضرعيإليك ولا تخيبني.

٣٧٣

باب القول عند معاينة الجدث :

ثم امش حتى تعاين الجدث ، فإذا عاينته فكبر أربعا واستقبلوجهه بوجهك ، واجعل القبلة بين كتفيك وقل :

اللهم أنت السلام ، ومنك السلام ، وإليك يرجع السلام ، ياذا الجلال والاكرام ، السلام على رسول الله ، أمين الله على وحيهوعزائم أمره ، الخاتم لما سبق ، والفاتح لما استقبل ، والمهيمن على ذلككله ، وعليه‌السلام ورحمة الله وبركاته.

السلام على أمير المؤمنين ، عبد الله وأخي رسوله ، الصديقالأكبر ، والفاروق الأعظم ، سيد المسلمين ، وإمام المتقين ، وقائد الغرالمحجلين ، السلام على الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة منالخلق أجمعين.

السلام على أئمة الهدى الراشدين ، السلام على الطاهرة الصديقةفاطمة سيدة نساء العالمين.

السلام على ملائكة الله المنزلين ، السلام على ملائكة اللهالمردفين ، السلام على ملائكة الله المسومين ، السلام على ملائكة اللهالزوارين ، السلام على ملائكة الله الذين هم في هذا المشهد بإذن اللهمقيمون.

٣٧٤

باب القول عند الوقوف على الجدث :

ثم امش حتى تقف عليه ، فإذا وقفت فاستقبله بوجهك على الحدالمرسوم لك عند المعاينة وقل :

السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله ، السلام عليك يا وارث نوحنبي الله ، السلام عليك يا وارث إبراهيم خليل الله ، السلام عليك ياوارث موسى كليم الله ، السلام عليك يا وارث عيسى روح الله ، السلامعليك يا وارث محمد حبيب الله.

السلام عليك يا وارث وصي رسول الله ، السلام عليك يا وارثالحسن الرضي ، السلام عليك أيها الشهيد الصديق ، السلام عليك أيهاالوصي البر التقي ، السلام عليك وعلى الأرواح التي حلت بفنائكوأناخت برحلك ، السلام على ملائكة الله المحدقين بك.

اشهد أنك قد أقمت الصلاة ، وآتيت الزكاة ، وأمرت بالمعروف ،ونهيت عن المنكر ، وتلوت الكتاب حق تلاوته ، وجاهدت في الله حقجهاده ، وصبرت على الأذى في جنبه ، وعبدته مخلصا حتى أتاكاليقين.

لعن الله أمة ظلمتك ، وأمة قاتلتك ، وأمة قتلتك ، وأمة أعانتعليك ، وأمة خذلتك ، وأمة دعتك فلم تجبك ، وأمة بلغها ذلك فرضيتبه ، وألحقهم الله بدرك الجحيم.

اللهم العن الذين كذبوا رسلك ، وهدموا كعبتك ، واستحلوا

٣٧٥

حرمك ، وألحدوا في البيت الحرام ، وحرفوا كتابك ، وسفكوا دماء أهلبيت نبيك ، وأظهروا الفساد في أرضك ، واستذلوا عبادك المؤمنين.

اللهم فضاعف عليهم العذاب الأليم ، واجعل لي لسان صدق فيأولياءك المصطفين ، وحبب إلي مشاهدهم ، وألحقني بهم ، واجعلنيمعهم في الدنيا والآخرة يا أرحم الراحمين.

ثم تضع يدك اليسرى على القبر ، وأشر بيدك اليمنى وقل :

السلام عليك يا ابن رسول الله إن لم تكن أدركت نصرتك بيدي ،فها أنا ذا وافد إليك بنصري ، قد أجابك سمعي وبصري ، وبدني ورأييوهواي على التسليم لك ، وللخلف الباقي من بعدك ، والأدلاء على اللهمن ولدك ، فنصرتي لكم معدة حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين.

ثم ارفع يديك إلى السماء وقل :

اللهم إني اشهد أن هذا القبر قبر حبيبك وصفوتك من خلقك ،الفائز بكرامتك ، أكرمته بالشهادة ، وأعطيته مواريث الأنبياء ، وجعلتهحجة لك على خلقك ، فأعذر في الدعوة ، وبذل مهجته فيك ليستنقذعبادك من الضلالة والجهالة ، والعمى والشك والارتياب ، إلى بابالهدى والرشاد.

وأنت يا سيدي بالمنظر الأعلى ، ترى ولا ترى ، وقد توازر عليه فيطاعتك من خلقك من غرته الدنيا ، وباع آخرته بالثمن الأوكس ،وأسخطك وأسخط رسولكعليه‌السلام ، وأطاع من عبادك أهل الشقاق

٣٧٦

والنفاق ، وحملة الأوزار ، المستوجبين النار ، اللهم العنهم لعنا وبيلا ،وعذبهم عذابا أليما.

ثم حط يدك اليسرى وأشر باليمنى منهما إلى القبر وقل :

السلام عليك يا وارث الأنبياء ، السلام عليك يا وصي الأوصياء ،السلام عليك وعلى آلك وذريتك الذين حباهم الله بالحجج البالغة ،والنور والصراط المستقيم.

بأبي أنت وأمي ما أجل مصيبتك وأعظمها عند الله ، وما أجلمصيبتك وأعظمها عند رسول الله ، وما أجل مصيبتك وأعظمها عندأنبياء الله(١) ، وما أجل مصيبتك وأعظمها عند شيعتك خاصة.

بأبي أنت وأمي يا ابن رسول الله ، اشهد أنك كنت نورا فيالظلمات ، واشهد أنك حجة الله وأمينه(٢) ، وخازن علمه ووصي نبيه ،واشهد أنك قد بلغت ونصحت ، وصبرت على الأذى في جنبه.

واشهد أنك قد قتلت وحرمت ، وغصبت وظلمت ، واشهد أنكقد جحدت واهتضمت(٣) ، وصبرت في ذات الله ، وأنك قد كذبتودفعت عن حقك ، وأسئ إليك فاحتملت.

واشهد انك الامام الراشد الهادي هديت ، وقمت بالحق وعملت

__________________

(١) عند الملا الاعلى ( خ ل ).

(٢) امين الله وحجته ( خ ل ).

(٣) اهتضمت ـ على بناء المجهول ـ غصبت.

٣٧٧

به ، واشهد أن طاعتك مفترضة ، وقولك الصدق ، ودعوتك الحق ، وأنكدعوت إلى الحق ، وإلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنةفلم تجب ، وأمرت بطاعة الله فلم تطع ، واشهد أنك من دعائم الدينوعموده ، وركن الأرض وعمادها.

واشهد أنك والأئمة من أهل بيتك كلمة التقوى ، وباب الهدى ،والعروة الوثقى ، والحجة على أهل الدنيا ، واشهد الله وملائكتهوأنبياءه ورسله وأشهدكم أني بكم مؤمن ، ولكم تابع في ذات نفسي ،وشرايع ديني ، وخواتيم عملي ، ومنقلبي إلى ربي.

واشهد أنك قد أديت عن الله وعن رسوله صادقا ، وقلت أمينا ،ونصحت لله ولرسوله مجتهدا ، ومضيت على يقين ، لم تؤثر ضلالاعلى هدى ، ولم تمل من حق إلى باطل ، فجزاك الله عن رعيتك(١) خيرا ،وصلى الله عليك صلاة لا يحصيها غيره ، وعليك السلام ورحمة اللهوبركاته.

اللهم إني أصلي عليه كما صليت عليه ، وصلى عليه ملائكتكوأنبياؤك ورسلك وأمير المؤمنين والأئمة أجمعون ، صلاة كثيرةمتتابعة مترادفة يتبع بعضها بعضا ، في محضرنا هذا وإذا غبنا ، وعلى كلحال ، صلاة لا انقطاع لها ولا نفاد.

اللهم بلغ روحه وجسده في ساعتي هذه وفي كل ساعة تحية مني

__________________

(١) رعيته ( خ ل ).

٣٧٨

كثيرة وسلاما ، آمنا بالله وحده واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين.

السلام عليك يا ابن رسول الله ، أتيتك بأبي أنت وأمي زائرا وافداإليك ، متوجها بك إلى ربك وربي لينجح لي بك حوائجي ، ويعطينيبك سؤلي ، فاشفع لي عنده ، وكن لي شفيعا ، فقد جئتك هاربا من ذنوبيمتنصلا(١) إلى ربي من سيئ عملي ، راجيا في موقفي هذا الخلاص منعقوبة ربي ، طامعا أن يستنقذني ربي بك من الردى.

أتيتك يا مولاي وافدا إليك ، إذ رغب عن زيارتك أهل الدنيا ،وإليك كانت رحلتي ، ولك عبرتي وصرختي ، وعليك أسفي ، ولكنحيبي وزفرتي ، وعليك تحيتي وسلامي ، ألقيت رحلتي بفنائك ،مستجيرا بك وبقبرك مما أخاف من عظيم جرمي ، وأتيتك زائرا ألتمسثبات القدم في الهجرة إليك.

وقد تيقنت أن الله جل ثناؤه بكم ينفس الهم ، وبكم يكشفالكرب ، وبكم يباعدنا عن نائبات الزمان الكلب(٢) ، وبكم فتح الله ، وبكميختم ، وبكم ينزل الغيث ، وبكم ينزل الرحمة ، وبكم يمسك الأرض أنتسيخ(٣) بأهلها ، وبكم يثبت الله جبالها على مراتبها(٤) .

وقد توجهت إلى ربي بك يا سيدي في قضاء حوائجي ومغفرة

__________________

(١) تنصل إليه من الجناية إذا خرج وتبرأ.

(٢) كلب الزمان : اشتد.

(٣) ساخ قدمه في الطين : غاصت.

(٤) مراسيها ( خ ل ).

٣٧٩

ذنوبي ، فلا أخيبن من بين زوارك فقد خشيت ذلك إن لم تشفع لي ،ولا ينصرفن زوارك يا مولاي بالعطاء والحباء والخير والجزاء ،والمغفرة والرضا ، وأنصرف مجبوها بذنوبي ، مردودا علي عملي ، قدخيبت لما سلف مني.

فان كانت هذه حالي فالويل لي ما أشقاني وأخيب سعيي ، وفيحسن ظني بربي وبنبيي وبك يا مولاي وبالأئمة من ذريتك ساداتي أنلا أخيب ، فاشفع لي إلى ربي ليعطيني أفضل ما أعطى أحدا من زوارك ،والوافدين إليك ، ويحبوني ويكرمني ويتحفني بأفضل ما من به عليأحد من زوارك والوافدين إليك.

ثم ارفع يديك إلى السماء وقل :

اللهم قد ترى مكاني ، وتسمع كلامي ، وترى مقامي وتضرعي ،وملاذي بقبر وليك وحجتك وابن نبيك ، وقد علمت يا سيديحوائجي ، ولا يخفى عليك حالي.

وقد توجهت إليك بابن رسولك وحجتك وأمينك ، وقد أتيتكمتقربا به إليك وإلى رسولك ، فاجعلني به عندك وجيها في الدنياوالآخرة ومن المقربين ، وأعطني بزيارتي أملي ، وهب لي مناي ،وتفضل علي بشهوتي ورغبتي ، واقض لي حوائجي ، ولا تردني خائبا ،ولا تقطع رجائي ، ولا تخيب دعائي ، وعرفني الإجابة في جميع مادعوتك من أمر الدين والدنيا والآخرة.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702