المزار الكبير

المزار الكبير8%

المزار الكبير مؤلف:
المحقق: جواد القيّومي الإصفهاني
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
ISBN: 964-92002-0-7
الصفحات: 702

المزار الكبير
  • البداية
  • السابق
  • 702 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 187484 / تحميل: 6373
الحجم الحجم الحجم
المزار الكبير

المزار الكبير

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٩٢٠٠٢-٠-٧
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

بكاءً، كما في سورة الدخان(1) ، روى الفريقان تحقّق هذا الأمر في شهادة الحسين (عليه السلام)، مثل: ابن عساكر في تاريخه في ترجمة سيّد الشهداء (عليه السلام)، حيث ذكرَ جملة من الروايات المُسندة في ذلك عن مشاهدة الدم تحت الأحجار وفوق الحيطان وغير ذلك.

أوجهُ الاعتراض على ظاهرة البكاء والجواب عليها

نذكر بعد ذلك ما يُثار حول ظاهرة البكاء من انتقادات وإشكالات ونتعرّض للجواب عنها بالتفصيل تباعاً، فهناك عدّة نظريات وآراء مخالفة لظاهرة البكاء تعتمد على وجوه عديدة.

الوجه الأوّل: أنّ أدلة وروايات البكاء تشتمل على مضامين لا يقبلها العقل، مثل:(إنّ مَن بكى ودَمعت عيناه بقدر جَناح ذُبابة، غُفر له كلّ ذنوبه) فهذه الروايات - بتعبيرهم - مضمونها إسرائيلي، شبيه لمـَا لدى النصارى من أنّ المسيح قُتل لتُغفر ذنوب أمّته، فهذه الروايات فيها ما يشابه هذا المضمون، أنّ الحسين (عليه السلام) قُتل ليُكفّر عن ذنوب شيعته إلى يوم القيامة، فهي - بزعم هؤلاء - إغراء بالذنوب وإغراء للمعاصي، فلا يمكن العمل بهذه الروايات؛ لأنّ فيها نفس الإغراء الموجود في الفكرة المسيحيّة واليهوديّة، فحينئذٍ مضمون هذه الروايات لا يقبلها العقل ولا يصدّقها، وهو مضمون دخيل كما عبّروا، وهذا الوجه - في الحقيقة - يتألّف من أمرين:

____________________

(1) الدخان: 29.

٣٠١

الأول: ضعفُ سند هذه الروايات.

الثاني: ضعفُ المضمون؛ لاشتماله على هذا الإغراء الباطل.

الجواب: أمّا ضعفُ السند، فقد ذكرنا سابقاً أنّ كتاب بحار الأنوار يتضمّن باب ثواب البكاء على الحسين (عليه السلام)، ويحتوي على خمسين رواية في فضل واستحباب البكاء، وهذه الروايات الخمسون، ممّا جَمعها صاحب البحار هي غير الروايات العشرين التي جَمعها صاحب الوسائل وغير الروايات المتناثرة التي تربو على العشرات في الأبواب الأخرى، فكيف نردّ هذه الروايات؟ وبأيّ ميزان دِرائيّ ورجالي نُشكّك بها؟ فالقول بضعف السند لهذه الروايات ناتج من ضعف الانتباه أو ضعف الحيطة العلميّة؛ لأنّه بأدنى تصفّح في المصادر المعتبرة الحديثيّة تحصل القناعة واليقين بوجود أسانيد كثيرة جدّاً، منها: الصحيح، والموثّق، والمُعتبر، فضلاً عن كونها تصل إلى حدّ الاستفاضة بل التواتر.

وأمّا المضمون، فقد طعنَ عليه غير واحد، حيث قالوا: إنّ ذِكر الثواب في البكاء على الحسين (عليه السلام)، فيه إغراء للناس لارتكاب الذنوب والاتّكاء على البكاء، ويستشهدون على ذلك: بكون كثير من العوامّ يرتكبون المعاصي ويشاركون في نفس الوقت مشاركة فعّالة في الشعائر الحسينيّة ويخدمون ويحضرون المجالس ويبكون، واتّكالاً على هذه المشاركة وتذرّعاً بهذا البكاء فإنّهم يرتكبون ما يروق لهم من المعاصي، فبالتالي يصبح مضمون هذه الشعائر باطلاً.

الجواب عن هذا الإشكال: إنّ مثل هذا المضمون موجود في موارد عديدة في الشريعة، وهي موارد مسلّمة، مثلاً:( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ

٣٠٢

سَيِّئَاتِكُمْ ) (1) ، فهل هذا إغراء بالصغائر، أو:( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ) (2) ، هل هذا إغراء بكلّ المعاصي غير الشِّرك؟!

يُضاف إلى ذلك، روايات عديدة أخرى وردت من طرق العامّة والخاصّة في ثواب البكاء من خشية الله، منها:

عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :(مَن خرجَ من عينيه مثل الذُباب من الدمع من خشية الله، آمنهُ الله يوم الفزع الأكبر) (3) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله :(مَن بكى على ذنبه حتّى تسيل دموعه على لحيته، حرّم الله ديباجة وجهه على النار) (4) فهل هذا إغراء لارتكاب المعاصي والذنوب؟! وكذلك ورد في ثواب الحجّ والصلاة المفترضة والصوم وغيرها من الثواب العظيم، وغفران الذنوب، بل يمكن الردّ على الإشكال في هذه الموارد بوجوه عديدة:

أوّلاً: الترغيب في نفس العمل، لا أنّه إغراء بالمنافرات والمضادّات.

ثانياً: فتح باب التوبة وعدم اليأس.

ثالثاً: إنّ البكاء من خشية الله؛ إنّما يكون من باب المقتضي للتكفير عن الصغائر أو لغفران الذنب، وليس من باب العلّة التامّة، أي أنّ هناك أموراً وشرائط أخرى لابدّ من توفّرها مع المقتضي، من قبيل: عدم الإصرار على الصغائر، والعزم والتصميم على الإقلاع عن المعصية وغير ذلك، فإذا تمّت جميع هذه المقدّمات

____________________

(1) النساء: 31.

(2) النساء: 48.

(3) روضة الواعظين (الفتال النيسابوري): 452.

(4) المصدر السابق.

٣٠٣

وتوفّر المقتضي فتحصل العلّة التامّة للتكفير أو للمغفرة، لذلك نقول: إنّ هذه الأمور هي من باب المقتضي وليست من باب العلّة التامّة.

ورابعاً: في آية( إِنْ تَجْتَنِبُوا... ) المقصود تكفير الذنوب السابقة وليس الآتية في المستقبل، والذي يرتكب الذنوب في المستقبل قد لا يوفّق إلى مثل هذا التكفير والغفران، وهذا نظير ما وردَ في باب الحج: أنّ مَن حجّ يقال له بعد رجوعه استأنفَ العمل(1)، أو أنّه يرجع كما ولدتهُ أمّه، ويُغفر لمَا سبقَ من ذنوبه، فهذا ليس إغراءً بالجهل وبالذنوب، بل المقصود: أنّ هذه مقتضيات، لا أنّها تُحدّد المصير النهائي والعاقبة النهائيّة.

وقد ورد في مضمون بعض الروايات: مَن مات على الولاية، يَشفع ويُشفّع(2)، لكن مَن يضمن أنّه يموت على الولاية إذا كان يرتكب الذنوب والكبائر، فليست ولاية أهل البيت مُغرية للوقوع في الذنوب والمعاصي.

إذ إنّ ارتكاب المعاصي يُسبّب فقدان أغلى جوهرة وأعظم حبل للنجاة، وهو العقيدة، ويؤدّي إلى ضياع الإيمان، حيث قال تعإلى:( ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ

____________________

(1) بحار الأنوار 99: 315 / 6؛ وكذلك في تفسير القمّي 1: 70؛ واللفظ للأخير: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال:(إنّ العبد المؤمن حين يخرج من بيته حاجّاً، لا يخطو خطوة ولا تخطو به راحلته إلاّ كُتب له بها حسنة، ومُحيَ عنه سيّئة، ورُفع له بها درجة، فإذا وقفَ بعرفات فلو كانت له ذنوب عدد الثرى رجعَ كما ولدتهُ أُمّه، فقال له: استأنِف العمل..) .

(2) ورد في بحار الأنوار 8: 30 عدّة روايات بهذا المضمون منها: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :(إنّي أشفعُ يوم القيامة فأُشفّع، ويشفع عليّ فيُشفّع، ويشفع أهل بيتي فيُشفّعون، وإنّ أدنى المؤمنين شفاعة ليشفَع في أربعين من إخوانه كلّ قد استوجبوا النار) .

٣٠٤

أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ ) (1) ، حيث إنّ مجموع الدين يُعتبر كتلة واحدة، ولا ننظر إلى الدين من جهة دون أخرى، وإذا كان تمام الأدلّة الدينيّة يشير إلى أنّ ارتكاب المعاصي والإصرار عليها يؤدّي إلى فقدان الإيمان والمآل إلى سوء العاقبة - والعياذ بالله - فليس فيها جانب إغراء، بل فيها إشارة إلى جهة معيّنة، وهي: أنّها تُخلّص الإنسان وتنقذه من حضيض المعاصي والرذائل، وتعرج به إلى سموّ الفضائل وجادّة الصواب والصراط المستقيم.

فإنّ التفاعل العاطفي مع أحداث عاشوراء ليس يُنفّر من أعداء أهل البيت (عليهم السلام) فقط، بل هو أيضاً ينفّر من السلوكيّات المنحرفة المبتلى بها، وتتولّد في أعماق الشخص المتأثّر حالة تأنيب الضمير لذلك، فهو يُجسّد في نفسه الصراع والجهاد، فإذا عَرضت له أشكال من المعصية كأنّما يتحرّك عنده هاجس الحرارة الحسينيّة، وينشأ في روحه جانب تأنيب الضمير، فهذا نوع من الانجذاب القلبي والعزم الإرادي نحو الصراط المستقيم.

وليس مفاد الروايات: أنّ مَن بكى على الحسين فلهُ الضمان في حسن العاقبة، وله النتيجة النهائيّة في الصلاح والفلاح، ليس مفادها ذلك؛ إنّما مفاد الروايات: مَن بكى على الحسين غُفرت له ذنوبه، مثل أثر فريضة الحجّ، وغفران الذنوب مشروط - كما يقال - بالموافاة، والموافاة: اصطلاح كلامي وروائي، أي أن يوافي الإنسان خاتمة أجره بحُسن العاقبة، وإلاّ فمعَ سوء العاقبة - والعياذ بالله - ترجع عليه السيئات وتُحبط الحسنات ولا تُكتب له.

____________________

(1) الروم: 10.

٣٠٥

فليس في منطق هذه الروايات إغراء بالمعاصي، وليست هي كعقيدة النصارى بأنّ المسيح قد قُتل ليُغفر للنصارى جميعاً، حتّى وإن عملوا المعاصي والكبائر وأنواع الظلم والعدوان، ولا كعقيدة اليهود الذين قالوا إنّ عزيراً أو غيره له هذه القابليّة على محو المعاصي والكبائر عن قومه.

وإلاّ لأُشكلَ علينا أنّ قرآننا توجد فيه إسرائيليّات، فمنطق الآية:( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ ...) يختلف عن ذاك المنطق الذي ينادي به النصارى، أولئك يقولون: نعمل ما نشاء والعاقبة ستُختم لنا بالحسنى، فأين هذا عن المعنى الذي نحن بصدده؟

مضمون أن يُغفر له ولو كان كزبد البحر، مخالفٌ غير ذلك المعنى أصلاً، بل فيه نوع من إدانة المذنبين، إضافةً إلى فتح باب الأمل وعدم القنوط وعدم اليأس، بل الأمل بروح الله أن ينجذب الإنسان إلى الصراط المستقيم وجانب الطاعات، ولا يقع في طريق المعاصي ويتخبّط في الذنوب.

الوجهُ الثاني: سلّمنا بكون هذه الروايات المشتملة على البكاء تامّة سنداً ومتناً ومضموناً، لكن مضمونها غير أبدي، وليس بدائم، مضمونها هو الحثّ على البكاء في فترة الأئمّة (عليهم السلام)، وهي فترة وحقبة التقيّة، حيث كان الأسلوب الوحيد لإبراز المعارضة والاستنكار للظلم وإبراز التضامن مع أهل البيت (عليهم السلام) هو البكاء، أمّا في يومنا هذا، فالشيعة - ولله الحمد - يعيشون في جوّ من الحريّة النسبيّة، فليست هذه الوسيلة صحيحة.

كان الهدف من تشريع هذه الوسيلة والحثّ عليها هو: حصول غرض معيّن، وهو إبراز التضامن مع أهل البيت (عليهم السلام)، أو التولّي لأهل البيت، وإظهار الاستنكار

٣٠٦

والتبرّي من أعدائهم والمعارضة لخطّهم، باعتبار أنّ الظرف كان ظرف تقيّة، كانت الأفواه مكمّمة، وكانت النفوس في معرض الخطر من الظالم، فقد يكون البكاء هو الأسلوب الوحيد آنذاك، أمّا في أيّامنا هذه - وقد زال الخوف - فهذا ليس بالأسلوب الصحيح.

أمّا الآن فقد انتفت الغاية منها، فتكون أشبه بالقضيّة الخارجيّة الظرفيّة، لا القضيّة الحقيقيّة العامّة الدائمة.

الجواب: فنقول: أمّا كونه أحد الغايات للبكاء فتام، لكن ليس هو تمام غاية البكاء، بل هو أحد الغايات والسُبل لإظهار الظلامة، هذا أوّلاً، وثانياً: ما الموجب لكون هذه الغاية غير قابلة للتحقّق، بل هي مستمرة قابلة للتحقّق؛ لأنّ البكاء نوع من السلوك التربوي لإثارة وجدان أبناء الفِرق الأخرى من المسلمين ومن غير المسلمين، وإلاّ لو حاولت - إظهار النفرة لظالمي أهل البيت والتبرّي من أعداء الدين الذين قادوا التحريف والانحراف في الأمّة الإسلاميّة - بمجرد كلمات فكريّة أو إدراكيّة يكون الأسلوب غير ناجح وغير نافع، وقد يُسبِّب ردّة فعل سلبيّة عندهم، أمّا أسلوب العاطفة الصادقة فهو أكثر إثارة، وأنجح علاجاً لهداية الآخرين، لمَا مرّ من أنّ الطبيعة الإنسانيّة مركّبة من نَمطين جِبلييّن: نَظري إدراكي، وعَملي انفعالي.

والغاية ليست منحصرة في ذلك، بل هناك عِلل كثيرة - كما سنقرأ من الروايات في ختام بحث البكاء - وحصر علّة البكاء بهذه العلّة غير صحيح.

اعتراض: أمّا ما يقال: بأنّ الحسين (عليه السلام) قد منعَ الفواطم أو العقائل من شقّ الجيوب، وخَمش الوجوه، ونهاهنّ عن البكاء، فهذا النهي في الواقع مُغيّى

٣٠٧

ومُعلّل، عندما أخبرَ الحسين (عليه السلام) زينب العقيلة (عليها السلام) بأنّه راحل عن قريب، لطمَت وجهها وصاحت وبكت، فقال لها الحسين (عليه السلام):(مَهلاً لا تُشمِتي القوم بنا) (1) .

حذّرها شماتة الأعداء قبل انتهاء الحرب وقبل حلول الفادحة والمصيبة العظمى؛ لأنّه يُسبّب نوعاً من الضعف النفسي في معسكر الحسين (عليه السلام)، أمّا إخماد الجزع بعد شهادته (عليه السلام)، أو إخماد الوَلولة وكَبت شِدّة الحُزن فهي نوع من إخماد وإسكات لصوت نهضة الحسين (عليه السلام)، وحدٌّ من وصول ظلامته إلى أسماع العالَم بأسره، وكلّ مستقرئ يرى أنّ الذي أوصلَ صوت الحسين (عليه السلام) إلى العالَم، وأنجحَ نهضته إلى اليوم وإلى يوم القيامة هم السبايا ومواقف العقيلة (عليها السلام) وخطبها، وخُطب السجّاد (عليه السلام) في المواضع المختلفة من مشاهد السبي لأهل البيت (عليهم السلام)(2) .

والسرّ واضح؛ لأنّه حينما تكون حالة هياج وحالة احتراق للخيام وتشرّد وهيام الأطفال واليتامى، فالظرف هنا ليس ظرف جزع ولا ظرف إظهار الندبة، بل هو ظرف حزم الأمور وقوّة الجَنان، ومحاولة الإبقاء على البقيّة الباقية من أهل البيت (عليهم السلام).

____________________

(1) اللهوف في قتلى الطفوف (السيّد ابن طاووس): 55؛ بحار الأنوار 44: 391 / 2.

(2) وهناك نهي آخر عن الحسين لسكينة بالخصوص مُغيّى أيضاً بقتله، كما يظهر من الأبيات المنسوبة له (عليه السلام) حين توديع ابنته سكينة:

سيطولُ بعدي يا سُكينة فاعلَمي منكِ البكاء إذا الحِمام دَهاني

لا تُحرقي قلبي بدمعك حسرةً مادام مني الروح في جثماني

وإذا قُتلتُ فأنتِ أولى بالذي تأتينهُ يا خيرة النِسوان

مناقب آل أبي طالب (ابن شهر آشوب) 3: 257.

٣٠٨

الجواب: ليس من المعقول أن تبدو في الإنسان ظاهرة عاطفيّة انفعاليّة من دون أن تكون وليدة لإدراك معيّن، ولا ناشئة عن فهم معلومة ما.

وأصلاً؛ فإنّ التفكيك بين الانفعال والتأثّر العاطفي من جهة، وبين الإحساس والإدراك لأمرٍ ما من جهةٍ أخرى غير ممكن، بل البكاء - كما بيّنا فيما سبق موضوعاً وحكماً، سواءً بالحكم العقلي أو النقلي - هو نوع من الإخبات للمعلومة الحقيقيّة، وشدّة التأثّر بها، وشدّة الإذعان والمتابعة لها، فلو أنّ الإنسان ذكرَ معلومة من المعلومات الحقيقيّة المؤلمة ولم يتأثّر بها، فهذا يعني أنّه لم يشتدّ إذعانه لها، ولم يُرتّب عليها آثار المعلومة الحقيقيّة، بخلاف ما لو تأثّر بها بأيّ نوع من التأثّر، فهذا يدلّ على شدّة إيقانه بتلك الحقيقة.

ومن غير الممكن أن توجد ظاهر البكاء في الجناح العملي في النفس وكفعل نفساني، من دون أن يكون هناك إدراك ما، فكيف إذا كان إدراك حرمان ذروة التكامل في المعصوم، وشدّة الحسرة على فقدان تلك الكمالات البشريّة، ومن ثَمّ شدّة التلهّف للاقتداء والانجذاب إلى ذلك الكمال والمثل الأعلى، فسوف يتأثّر الإنسان بشدّة وينفعل بدرجة عالية، هذا أدنى ما يمكن أن يتصوّر.

وهذا التفاعل: إنّما هو انجذاب النفس إلى الكمالات الموجودة المطويّة في شخصيّة المعصوم؛ وإنّما التأثّر به والقرب منه يُعدّ من أسمى الفضائل، ويُعتبر نفرة عن الرذائل.

فالفضائل كلّها مجتمعة في الذات المطهّرة لسيّد الشهداء (عليه السلام)، والبراءة من أعدائه ومناوئيه تُعتبر نفرة من الرذائل والآثام المجتمعة في أعداء أهل البيت (عليهم السلام).

٣٠٩

وهذه أقلّ حصيلة يمكن أن تُتصوّر في البكاء، حيث إنّ أدنى مرتبة من مراتب مجلس الرثاء والتعزية هي نفس هذا المقدار أيضاً، وهو في الواقع أمر عظيم ينبغي عدم الاستهانة به، حيث يولِّد الانجذاب نحو الفضائل، والنفرة والارتداع عن الرذائل، وهل المقصود من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غير هذا؟ وهل الغاية في نشر الدين وتبليغ الرسالة إلاّ انتشال الفرد من مستنقع الرذائل والصعود به إلى سموّ الفضائل.

هذا أدنى حصيلة عمليّة تنشأ من البكاء، فهو نوع من المجاوبة والتفاعل لا الجمود والخمول، ولا الحياديّة السلبيّة.

فربّما يواجه الإنسان فضيلةً وتُعرض عليه رذيلةً، فيظلّ مرتاباً متردّداً، ومتربّصاً في نفسه لا يحسم الموقف:( وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ ) (1) ، فيضلّ يعيش فترة حياديّة مع نفسه، لا هو ينجذب للفضائل، ولا يتأثّر بالرذائل، يعني تسيطر على نفسه حالة تربّص، وهذه حالة التربّص قد ذمّها القرآن الكريم، وهي مرغوب عنها في علم الأخلاق وعلم السير والسلوك؛ لأنّ نفس التوقّف هو تسافل ودركات، أمّا الانجذاب نحو الفضائل فيُعتبر نوعاً من التفاعل السليم.

فالبكاء يعني التأثّر والانجذاب والإقرار والإذعان، وبالتالي التبعيّة.

بخلاف ما لو لم يبكِ الإنسان ولم يتفاعل، بل يكون موقفه التفرّج والحياديّة، وشتّان بين الحالتين!

أضف إلى ذلك: أنّ في البكاء نوعاً من التولّي، حيث إنّ البكاء يدلّ على

____________________

(1) الحديد: 14.

٣١٠

فإذاً، ظرف المرحلة بخصوصها هي جنبة ضبط وتدبير وحزم، وليس من الصحيح إظهار المآتم والعزاء في ذلك الظرف، فمن ثَمّ فإنّ أمره (عليه السلام) مختصّ بذلك الظرف، وهو نوع من التدبير والحكمة منه (عليه السلام)، ولابدّ من لمّ الشَمل وجمع الشِتات للأرامل واليتامى، وإنّ ذلك الظرف ليس ظرف بكاء ورثاء ولا محل لإظهار المصيبة.

خلاصة القول: في مقام الإجابة على الانتقادات والاعتراضات السابقة: أنّ ما ذُكر في العلوم التخصصيّة في حقيقة البكاء من جهة البحث الموضوعي، هو أنّ هناك شرطان لرجحان البكاء هما: أن يكون البكاء وليداً لمعلومة ولإدراك حقيقي، وأن يكون لغاية حقيقيّة وهادفة إيجابيّة، فيكون من سنخ الانفعالات الكماليّة الممدوحة للنفس بلا ريب، وهو كذلك ممدوح في لغة القرآن ولغة النصوص الشرعيّة، وخَلصنا إلى أنّ البكاء هو نوع من التفاعل الجدّي والفعلي مع الحقيقة.

وبعبارةٍ أخرى: أنّ إعطاء السامع، أو القارئ، أو المُشاهد، أو المُوالي فكرة إدراكيّة بحتة غير مثمر بمفرده، وإنّ البكاء بمنزلة إمضاء مُحرّك للسير على تلك الفكرة، أو ما يعبّر عنه: بحصول إرادة جدّيّة عازمة فعليّة للمعنى.

فالبكاء إذا ولّدَ حضور الفكرة، العِبرة إذا تعقّبت العَبرة حينئذٍ يكون نوع من التفاعل الشديد والإيمان الأكيد بالفكرة والعِبرة.

ويُعتبر ذلك نوعاً من التسجيل المؤكَّد لتفاعل الباكي وإيمانه واختياره لمسيرة تلك العِبرة.

الوجهُ الثالث: الذي يُذكر للنقض على البكاء: أن لو سلّمنا أنّنا قَبلنا بأمر البكاء في الجملة، ولكنّ استمرار البكاء على نحو سنوي، أو راتب شهري، أو

٣١١

أسبوعي بشكلٍ دائم يولِّد حالة وانطباعاً عن الشيعة والموالين لأهل البيت (عليهم السلام)، بأنّ هؤلاء أصحاب أحقاد وضغون، وإنّهم يحملون العُقد، واستمرارهم بالبكاء واجترارهم له يدلّ على أنّهم عَديمي الأمل فهذه ظاهرة سلبيّة انهزاميّة تكشف عن عُقد روحيّة، وكبت نفسي دَفين، فبدل أن يَقدموا على أعمال وبرامج ومراحل لبناء مذهبهم ولبناء أنفسهم ليخرجوا من حالة المظلوميّة إلى حالة قيادة أنفسهم والغلبة على مَن ظلمهم، فإنّهم يبقون على حالة الانتكاس والتراجع، وهذه الحالة يمكن أن نسمّيها الحالة الروحيّة الشاذّة، هي حالة توجِد خَللاً في الاتّزان الروحي (كما في علم النفس وعلم الاجتماع)، فالبكاء حيث إنّه في علم النفس ليس بحالة اتّزان روحي؛ وإنّما حالة اختلال فكري لا نستطيع معهما أن نهتدي السبيل، بل نحن عديمو الأمل، لدينا حالة كبت، وهذه الأوصاف هي أوصاف مَرضيّة وليست أوصاف روحيّة سليمة.

فحينئذٍ يكون الإبقاء على مثل هذه الظاهرة إبقاءً على حالة مرضيّة بإجماع العلوم الإنسانيّة التجريبيّة الحديثة، ولمّا كانت هذه الظاهرة المرضيّة تتشعّب إلى أمراض روحيّة أو فكريّة أو نفسيّة عديدة، فمن اللازم الابتعاد عنها ونبذها جانباً.

فملخّص الاعتراض في هذا الوجه الثالث: هو كون البكاء عبارة عن مجموعة من العُقد النفسيّة، وهو يوجِب انعكاس حالة مرضيّة روحيّة لأفراد المذهب وأبناء الطائفة.

الجواب: فنقول: على ضوء ما ذكرنا سابقاً من كلمات علماء النفس

٣١٢

والاجتماع والفلسفة: بأنّ الفطرة الإنسانيّة السليمة التي هي باقية على حالها لابدّ لها من التأثّر والتفاعل، أمّا التي لا تتأثّر بالأمور المحرِّكة للعاطفة تكون ممسوخة، إذ فيها جناح واحد فقط وهو جناح الإدراك، أمّا جناح العمل فإنّه مُنعدم فيها، كما هو الفرق بين المجتمعات الغربيّة والمجتمعات الشرقيّة.

فعلى عكس زعم المُعترض، تكون هذه حالة صحيحة وسليمة وليست حالة مرضيّة، ولا حالة عُقد، بل ذكرنا أنّ العُقد إنّما تجتمع فيمن لا يكون له متنفّس للانفعال، يعني أنّ الذي لا ينفعل، والذي لا يظهر انفعاله إزاء المعلومات الحقيقيّة التي تصيبه والذي يكبت ردود الفعل الطبيعيّة للحوادث سوف تتكدّس عنده الصدَمات إلى أن تصبح عُقد وتناقضات، وإلى أن تنفجر يوماً ما، وربّما تظهر لديه حالات شاذّة من قبيل: سوء الظن بالآخرين، أو اتّخاذ موقف العَداء لجميع مَن حوله.

والشخصيّات المعروفة في المجتمعات البشريّة - بعد استقراء أحوالهم وأطوارهم - نجدها تتمتّع بهذه الصفة الأساسيّة في النفس، فالذي لا يُبدي العواطف الإنسانيّة الصادقة، ولا تظهر أشكالها عليه، سوف يجتمع في خفايا نفسه ركام من الحقد وأكوام من العُقد، حيث إنّ الإنسان لا يخلو من جانب العاطفة، والاستجابة للعاطفة أمرٌ ثابت ناشئ ومتولّد عن الظاهرة العمليّة والوجدانيّة والضميريّة من الإدراك الحقيقي.

فإذا لم تحصل هذه الاستجابة فلابدّ من وجود اختلال في توازن الإنسان.

لذلك نجد أنّ المنطق القرآني والإرشادات من السنّة النبويّة الشريفة والسيرة العلويّة الكريمة، كلّها تُقرّر هذه الموازنة والتعادل بين جميع قوى النفس دون أن

٣١٣

يتمّ ترجيح جانبٍ للنفس دون جانب آخر.

فإذاً، المنطق المتعادل والمتوازن هو كون نفس الإنسان في حالة من التجاذب والتأثير والتأثّر بين أجنحتها المختلفة.

الوجهُ الرابع: أنّ البكاء ظاهرة تُنافي الصبر المرغوب فيه، ولا تنسجم مع الاستعانة بالله عزّ وجل، كما في سورة البقرة( الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) (1) فالبكاء منافٍ للصبر والتحمّل ومُناقض للاستعانة بالله سبحانه.

الجواب: أمّا الجواب لمَا قيل من وجوب الصبر والتحمّل عند نزول المصيبة كما في الآية الشريفة:( الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ( 156 ) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) (2) .

فنقول: كيف يتّفق هذا مع بكاء يعقوب على يوسف حتّى ابيضّت عيناه، هل هذا خلاف الصبر؟ أو بكاء السجّاد على أبيه سيّد الشهداء (عليه السلام) والأوامر التي بَلغت حدّ التواتر، الواردة في ثواب البكاء على الحسين (عليه السلام) إلى ظهور المهدي (عجّل الله فرجه) بل في بعضها إلى يوم القيامة.

فهل يتنافى ذلك كلّه مع الصبر؟ كلاّ.

وقد وردَ عن الصادق (عليه السلام):(إنّ البكاء والجزع مكروه للعبد في كلّ ما جَزع ما خلا البكاء على الحسين بن عليّ (عليه السلام)؛ فإنّه فيه مأجور) (3) ، هذا ليس استثناءً

____________________

(1) البقرة: 156 - 157.

(2) البقرة: 156 - 157.

(3) بحار الأنوار 44: 291 / 32. راجع روايات الجزع ص: 312 من هذا الكتاب.

٣١٤

متّصلاً، بل هو استثناء منقطع؛ لأنّ الجزع نوع اعتراض على تقدير الله ويُعتبر حالة من الانهيار والتذمّر والانكسار، أمّا في الجزع على الحسين فليس اعتراضاً على قضاء الله وقدره، بل هو - بالعكس - نوع من الاعتراض على ما فعله أعداء الله، ولا يُعدّ انهياراً أو انكساراً، بل هو ذروة الإرادة للتخلّق والاتّصاف بالفضائل، وشَحذ الهِمم للانتقام من الظالمين، والاستعداد لنصرة أئمّة الدين والتهيئة لظهور الإمام الحجّة المنتظر (عجّل الله فرجه).

فقد يقال: أليس الحالة التي يندب إليها الشرع والقرآن عند المصيبة هي الصبر وقول:( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) ، فلا موضع للبكاء، بل البكاء يخالف الخُلق القرآني والتوصية الشرعيّة في ذلك، ونرى أنّ القرآن حين يستعرض لنا بأنّ الصبر هو الموقف الإيجابي عند البلاء والمصيبة، وفي نفس الوقت يستعرض لنا القرآن أمثولة نموذجيّة وهي: نبيّ الله يعقوب، يستعرض فعله بمديح وثناء لا انتقاصَ فيه، مضافاً إلى ما وردَ عن الصادق (عليه السلام).

ينحلّ هذا التضاد البدوي بأدنى تأمّل؛ وذلك بالبحث عن سبب كراهة الجزع، أو عن سبب إيجابيّة الصبر في المصائب، باعتبار أنّ الجزع مردّه إلى كراهة قضاء الله وقدره، ومآله إلى الانهيار أو الانكسار مثلاً، ولا ريبَ هذا أمر سلبيّ وغير إيجابي؛ لأنّه من الضعف وعدم الصمود والطيش، وعدم رباطة الجأش، وعدم الرضا بقضاء الله سبحانه وتعإلى وقدره، أو مردّه إلى الاعتراض على الله - والعياذ بالله - أو كراهة ما قضى الله سبحانه، ولذلك لو كان الصبر في موضع آخر لمَا كان الصبر ممدوحاً، مثلاً: صبر المسلمين مقابل كيد الكافرين ليس موضع صبر؛ لأنّ اللازم عليهم الردّ وحفظ عزّتهم لو كان لهم عدد وعدّة ومع

٣١٥

توفّر الشروط الموضوعيّة للقتال، كما في تعبير الآيات القرآنية مثل:( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ) (1) .

فالصبر ثمّة ليس في محلّه، ومثله تعبير أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة:(رَوّوا السيوف من الدماء، تَرووا من الماء) (2) ، و(ما غُزي قومٌ في عُقر دارهم إلاّ ذلّوا) (3) ، فيتبيّن أنّ الصبر ليس راجحاً في كلّ مورد، بل الصبر بلحاظ ظرفه وجهته يكون ممدوحاً أو حسناً، وإلاّ قد يكون خلاف ذلك، فمن ثَمّ قد يكون إيجابيّاً و سلبيّاً فلابدّ أن يُقسّم الصبر إلى: مذموم، ومحمود.

ومثلُ ما في قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي (عليه السلام):(أبشِر فإنّ الشهادة من وراءك، فكيف صبرك إذاً، فقلتُ: يا رسول الله، ليس هذا من مواطن الصبر، ولكن من مواطن البشرى والشكر..) (4) .

أي هذا موضع إبراز الشكر لله، لا موضع السكوت والتحمّل والصبر، نعم، هو مقابل اصطدام البليّة يكون صبراً، أمّا في مقابل تقدير الله، ليس عليك فقط أن تصبر، بل عليك الشكر والرضا بقضائه وقدره.

فالصبر درجة، أمّا الشكر لله سبحانه والرضا بقضائه وقدره فهو أرقى وأسمى.

الصبر وتحمّل المصيبة يمثّل درجة، أمّا الإحساس بعذوبة تقديره سبحانه

____________________

(1) البقرة: 193.

(2) نهج البلاغة 3: 244.

(3) نهج البلاغة 2: 74.

(4) شرح نهج البلاغة 9: 305.

٣١٦

وبحلاوة قضائه فيجسّد درجة أرقى، فتكون مورداً للرضا وللشكر، وهذه الحالة لا تُنافي الصبر بل تزيد عليه فضيلة، كذلك في موارد التشوّق إلى ذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حيث وردَ على لسان الأئمّة (عليهم السلام) أنّهم يَعدّون خسران وفقدان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مصيبة عُظمى، وتعبيرهم (عليهم السلام):(لم يُصب أحد فيما يُصاب، كما يُصاب بفقد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى يوم القيامة، فهي أعظم مصيبة) .

إذا كان الصبر معناه الحمد لله سبحانه على قضائه وقدره، فهذا صحيح وفي محلّه، لكن ليس معنى ذلك استلزامه عدم إبراز الأحاسيس، وعدم حصول التشوّق والعاطفة الصادقة التي هي وليدة الانجذاب للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل ههنا عدم إظهار ذلك غير محمود، الإظهار هو نوع من الفضيلة زائدة على الصبر، لا أنّ هذا الإظهار ينافي الصبر.

وفي مصحّحة معاوية بن وهب:(كلّ الجَزع والبكاء مكروه ما خلا الجزع والبكاء لقتل الحسين (عليه السلام)) (1) .

وفي رواية علي بن أبي حمزة:(إنّ البكاء والجزع مكروه للعبد في كلّ ما جَزع، ما خلا البكاء على الحسين بن عليّ (عليه السلام) فإنّه فيه مأجور) (2) .

وفي صحيح معاوية بن وهب الآخر، المروي بعدّة طُرق عن أبي عبد الله (عليه السلام):(وارحَم تلك الأعين التي جَرت دموعها رحمةً لنا، وارحَم تلك

____________________

(1) وسائل الشيعة 14: 505 أبواب المزار - باب 66 استحباب البكاء لقتل الحسين وما أصاب أهل البيت (عليهم السلام).

(2) وسائل الشيعة 14: 507 أبواب المزار باب 66، ح13.

٣١٧

القلوب التي جَزعت واحترَقت لنا، وارحَم الصرخة التي كانت لنا) (1) .

الجَزع: بمعنى الانكسار، ولكنّه هنا ليس انكساراً، وليس بجزع بحقيقته، نعم، جزع من ظلم الأعداء وجزع من رذائل الأداء، وهذا جزع محمود وليس جزعاً مذموماً، باعتبار أنّه نوع من التشوّق الشديد لسيّد الشهداء (عليه السلام)، كما رواه الشيخ في أماليه بسنده عن عائشة، قالت: لمّا مات إبراهيم بكى النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى جَرت دموعه على لحيته، فقيل: يا رسول الله، تنهى عن البكاء وأنت تبكي؟!

فقال:(ليس هذا بكاء؛ وإنّما هذه رحمة، ومَن لا يَرحم لا يُرحم) (2) .

والسرّ في ذلك: هو أنّ أيّ فضيلة من الفضائل التي هي مربوطة بالخلق الإلهي، أو بالآداب الإلهيّة، أو بكلمات الله، كنماذج مجسّمة في المعصومين (عليهم السلام)، فعدم التفاعل الشديد معها ومع هذا الخلق ومع تلك الآداب، يُعتبر أمراً غير محمود بل مذموماً، فلابدّ من الانجذاب والتولّي والمتابعة والمودّة لهم، وهذا التشوّق ليس بالمذموم بل محمود وحسن، ليس هو من الجزع المذموم، والتشكّي ليس فيه اعتراض على الله، بل هو اعتراض واستنكار على الظلم والظالمين ونبذ للرذيلة وأصحابها، كما في جواب العقيلة (عليها السلام) حينما دخلت في الكوفة إلى مجلس عبيد الله بن زياد، وتوجّه إليها وقال: كيف رأيتِ صُنعَ الله بكِ وبأهل بيتكِ، قالت: (ما رأيتُ إلاّ جميلاً)(3) .

في حين أنّها تُبدي استنكارها من عُظم الفجيعة، وقد أحاطتها هالة من

____________________

(1) وسائل الشيعة 14: 412 أبواب المزار باب 37، ح7.

(2) وسائل الشيعة 3: 282 أبواب الدفن باب 88، ح 8.

(3) بحار الأنوار: 45: 116.

٣١٨

الحُزن والأسى.

الوجهُ الخامس: أنّ التمادي في الشعائر الحسينيّة، وفي البكاء يسبِّب طغيان حالة الانفعال والعاطفة على حالة التعقّل والتدبّر والتريّث والاقتباس من المُعطيات السامية لنهضته (عليه الصلاة والسلام)، والحالة العاطفيّة ليست حالة عقلائيّة، بل هي حالة هيجان واضطراب نفسي، وهذا خلاف ما هو الغاية والغرض من الشعائر الحسينيّة، حيث إنّ الغاية والغرض والهدف منها هو: الاتّعاظ والاعتبار من المواقف النبيلة في نهضته (عليه السلام)، والاقتباس من أنوار سيرته، وليس حصول حالة هيجان عاطفي وحماسي فقط من دون تدبّر ورَويّة.

فإذاً، سوف تطغى الحالة العاطفيّة على الحالة العقلائيّة، والحال أنّ المطلوب من الشعائر: هو التذكير بالمعاني الدينيّة والمبادئ الدينيّة، وأخذ العِبر والعِظات التي ضحّى سيّد الشهداء (عليه السلام) من أجلها، وحالة البكاء والهيجان خلاف ذلك، فبدلَ استلهام الدروس والعِبر تُستبدل بحالة عاطفيّة!

وربّما ترجع هذه الإشكالات بعضها إلى البعض الآخر، وإن اختلفت عناوينها.

وبعبارةٍ أخرى: أنّ التمادي في البكاء يُسبّب طغيان حالة الانفعال والعاطفة على حالة التعقّل والتدبّر، فالبكاء ليس فيه تفاعل إيجابي مع أغراض وغايات الشعائر الحسينيّة، وإنّه نوع من إخلاء الشعائر الحسينيّة عن محتواها وتفريغها عن مضمونها.

فالبكاء: صِرف تأثّر عاطفي من دون إدراك مضامين النهضة الحسينيّة، أو من دون إدراك أغراض وغايات وأهداف النهضة الحسينيّة.

٣١٩

الحبّ، وهل التولّي إلاّ الحبّ؟ وهل هناك مصداق للحبّ أوضح وأصدق من البكاء على مصابهم؟ والحُزن لحزنهم؟ والنفرة من أعدائهم؟ وبعبارةٍ أخرى: لو لم يكن للبكاء إلاّ هذا القدر من الفائدة لكفى، فهو نوع من المحافظة على جذور وأسس رُكني العقيدة المقدّسة الشريفة، ألا وهما التولّي لأولياء الله سبحانه والتبرّي من أعدائه وأعدائهم.

نعم، لابدّ فيه من إعطاء حقّ جانب الإدراك، مثل: لابُدّية إعطاء جانب العاطفة حقّها، دون أن يطغى أحد الجانبين على الآخر، كما يظهر من الروايات أنّ هناك دعوة إلى البكاء، كذلك هناك ورايات للتدبّر والتأسي بأفعالهم (عليهم السلام) والاقتداء بسيرتهم:(... ألا وإنّ لكلّ مأمومٍ إماماً يقتدي به، ويستضيء بنور علمه...) (1) ، هذا ضمن مضامين متواترة من الآيات والروايات، التي لا يتمّ الاقتداء والتأسّي إلاّ بعد استخلاص العِبر وتحليلها والتدبّر بها.

ومع ذلك، فإنّ البكاء بأيّ درجة كان وبأيّ شكل حصل - سواء في نثر، أو شعر، أو خطابة - لا يمكن فرضه إلاّ مع فرض تقارنه مع معلومة معيّنة ينطوي ضمنها، فهو يمتزج بنحو الإجمال مع تلك الحقائق الإدراكيّة، ولا يمكن فرض البكاء من دون حصول العِظة والعِبرة ولو بنحو الإجمال؛ لأنّنا نفرض أنّ الحالة العاطفيّة هي دوماً معلولة لجانب إدراكي.

الوجهُ السادس: البكاء في الواقع يُستخدم كسلاح ضدّ النفس، والحال أنّ ما يمتلكه الإنسان من طاقة مملوءة ومخزونة يجب أن يوجّهها ضدّ العدو، أو يوظّفها في الإثارة نحو السلوك العملي والبرنامج التطبيقي، بينما هذه الشحنة التي امتلأ

____________________

(1) شرح نهج البلاغة 16: 205.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

واجعلني من عبادك الذين صرفت عنهم البلايا والأمراض ،والفتن والأعراض ، من الذين تحييهم في عافية ، وتميتهم في عافية ،وتدخلهم الجنة في عافية ، وتجيرهم من النار في عافية ، ووفق لي بمنمنك صلاح ما أؤمل في نفسي وأهلي وولدي وإخواني ومالي ،وجميع ما أنعمت به علي ، يا أرحم الراحمين.

ثم انكب على القبر وقل :

السلام عليك يا حجة الله وأمينه(١) ، وخليفته في عباده ، وخازنعلمه ، ومستودع سره ، بلغت عن الله ما أمرت به ، ووفيت وأوفيت ،ومضيت على يقين شهيدا وشاهدا ومشهودا صلوات الله ورحمتهعليك.

أنا يا مولاي وليك ، اللائذ بك في طاعتك ، ألتمس ثبات القدم فيالهجرة عندك وكمال المنزلة في الآخرة بك ، أتيتك بأبي أنت وأميونفسي ومالي وولدي زائرا ، وبحقك عارفا ، متبعا للهدى الذي أنتعليه ، موجبا لطاعتك ، مستيقنا فضلك ، مستبصرا بضلالة من خالفك ،عالما به ، متمسكا بولايتك وولاية آبائك وذريتك الطاهرين ، ألا لعنالله أمة قتلتكم وخالفتكم ، وشهدتكم فلم تجاهد معكم ، وغصبتكمحقكم.

اتيتك يا ابن رسول الله مكروبا ، واتيتك مغموما ، واتيتك مفتقرا

__________________

(١) السلام عليك يا حجة الله وابن حجته ، اشهد انك حجة الله وأمينه ( خ ل )

٣٨١

إلى شفاعتك ، ولكل زائر حق على من أتاه ، وأنا زائرك ومولاكوضيفك ، النازل بك ، والحال بفنائك ، ولي حوائج من حوائج الدنياوالآخرة.

بك أتوجه إلى الله في نجحها وقضائها ، فاشفع لي عند ربك وربيفي قضاء حوائجي كلها ، وقضاء حاجتي العظمى التي إن أعطانيهالم يضرني ما منعني ، وإن منعتنيها لم ينفعني ما أعطاني فكاك رقبتي منالنار والدرجات العلى ، والمنة علي بجميع سؤلي ورغبتي ، وشهواتيوإرادتي ومناي ، وصرف جميع المكروه والمحذور عني ، وعن أهليوولدي وإخواني ومالي وجميع ما أنعم علي ، والسلام عليك ورحمةالله وبركاته.

ثم ارفع رأسك وقل :

الحمد لله الذي جعلني من زوار ابن نبيه ، ورزقني معرفة فضلهوالاقرار بحقه ، والشهادة بطاعته ، ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسولفاكتبنا مع الشاهدين ، السلام عليك يا ابن رسول الله.

لعن الله قاتليك ، ولعن الله خاذليك ، ولعن الله سالبيك ، ولعنمن رماك ، ولعن من طعنك ، ولعن المعينين عليك ، ولعن السائرينإليك ، ولعن من منعك شرب ماء الفرات ، ولعن من دعاك وغشكوخذلك ، ولعن الله ابن آكلة الأكباد ، ولعن الله ابنه الذي وترك.

ولعن الله أعوانهم واتباعهم وأنصارهم ومحبيهم ، ومن أسس

٣٨٢

لهم ، وحشا الله قبورهم نارا ، والسلام عليك بأبي أنت وأمي ورحمةالله وبركاته.

ثم انحرف عن القبر وحول وجهك إلى القبلة ، وارفع يديك إلىالسماء وقل :

اللهم من تهيأ وتعبأ ، وأعد واستعد لوفادة إلى مخلوق ، رجاءرفده وجائزته ، ونوافله وفواضله وعطاياه ، فإليك يا رب كانت تهيئتيوتعبئتي ، وإعدادي واستعدادي وسفري ، وإلى قبر وليك وفدت ،وبزيارته إليك تقربت ، رجاء رفدك وجوائزك ونوافلك وعطاياكوفواضلك.

اللهم وقد رجوت كريم عفوك ، وواسع مغفرتك ، فلا تردني خائبافإليك قصدت ، وما عندك أردت ، وقبر إمامي الذي أوجبت علي طاعتهزرت ، فاجعلني به عندك وجيها في الدنيا والآخرة ، وأعطني به جميعسؤلي ، واقض لي به جميع حوائجي ، ولا تقطع رجائي ، ولا تخيبدعائي ، وارحم ضعفي ، وقلة حيلتي ، ولا تكلني إلى نفسي ولا إلى أحدمن خلقك.

مولاي فقد أفحمتني(١) ذنوبي ، وقطعت حجتي ، وابتليتبخطيئتي ، وارتهنت بعملي ، وأوبقت(٢) نفسي ، ووقفتها موقف الأذلاء

__________________

(١) أفحمتني : أسكنتني ولم تدع لي عذرا وجوابا.

(٢) أوبقه : حبسه وأهلكه

٣٨٣

المذنبين ، المجترئين عليك ، التاركين أمرك ، المغترين بك ، المستخفينبوعدك.

وقد أوبقني ما كان من قبيح جرمي وسوء نظري لنفسي ، فارحمتضرعي وندامتي ، وأقلني عثرتي ، وارحم عبرتي ، واقبل معذرتي ،وعد بحلمك على جهلي ، وباحسانك على إساءتي ، وبعفوك علىجرمي ، وإليك أشكو ضعف عملي ، فارحمني يا أرحم الراحمين.

اللهم اغفر لي ، فاني مقر بذنبي ، معترف بخطيئتي ، وهذه يديوناصيتي أستكين بالفقر مني يا سيدي ، فاقبل توبتي ، ونفس كربي ،وارحم خشوعي وخضوعي وأسفي على ما كان مني ، ووقوفي عند قبروليك ، وذلي بين يديك.

فأنت رجائي ومعتمدي ، وظهري وعدتي ، فلا تردني خائبا ،وتقبل عملي ، واستر عورتي ، وآمن روعتي ، ولا تخيبني ، ولا تقطعرجائي من بين خلقك يا سيدي.

اللهم وقد قلت في كتابك المنزل على نبيك المرسل صلى اللهعليه وآله :( ادعوني أستجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتيسيدخلون جهنم داخرين ) (١) .

يا رب وقولك الحق ، وأنت الذي لا تخلف الميعاد ، فاستجب لي يارب ، فقد سألك السائلون وسألتك ، وطلب الطالبون وطلبت منك ،

__________________

(١) غافر : ٦٠.

٣٨٤

ورغب الراغبون ورغبت إليك ، وأنت أهل أن لا تخيبني ولا تقطعرجائي ، فعرفني الإجابة يا سيدي ، واقض لي حوائج الدنيا والآخرة ياأرحم الراحمين.

ثم انحرف إلى عند الرأس ، فصل ركعتين ، تقرأ في الأولى منهمافاتحة الكتاب وسورة يس ، وفي الثانية فاتحة الكتاب وسورة الرحمن.

فإذا سلمت وسبحت تسبيح الزهراءعليها‌السلام ، ومجد الله كثيراواستغفر لذنبك ، وصل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم ارفع يديك وقل :

اللهم إنا أتيناه مؤمنين به ، مسلمين له ، معتصمين بحبله ، عارفينبحقه ، مقرين بفضله ، مستبصرين بضلالة من خالفه ، عارفين بالهدى الذيهو عليه ، اللهم إني أشهدك واشهد من حضر من ملائكتك ، أني بهممؤمن ، وبمن قتلهم كافر.

اللهم اجعل ما أقول بلساني حقيقة في قلبي وشريعة في عملي ،اللهم اجعلني ممن له مع الحسين بن علي قدم ثابت ، وأثبتني فيمناستشهد معه.

اللهم العن الذين بدلوا نعمتك كفرا ، سبحانك يا حليم عما يعملالظالمون في الأرض ، يا عظيم ترى عظيم الجرم من عبادك فلا تعجلعليهم ، فتعاليت عما يقول الظالمون علوا كبيرا يا كريم.

أنت شاهد غير غائب ، وعالم بما أوتي إلى أهل صلواتكوأحبائك ، من الأمر الذي لا تحمله سماء ولا أرض ، ولو شئت لانتقمت

٣٨٥

منهم ، ولكنك ذو أناة ، وقد أمهلت الذين اجترؤوا عليك وعلىرسولك وحبيبك ، فأسكنتهم أرضك ، وغذوتهم بنعمتك إلى أجل همبالغوه ، ووقت هم صائرون إليه ، ليستكملوا العمل فيه ، للذي قدرت ،والأجل الذي أجلت ، في عذاب ووثاق ، وحميم وغساق ، والضريعوالاحراق ، والأغلال والأوثاق ، وغسلين وزقوم وصديد ، مع طولالمقام في أيام لظى ، وفي سقر التي لا تبقي ولا تذر في الحميموالجحيم ، والحمد لله رب العالمين.

ثم استغفر لذنبك وادع بما أحببت ، فإذا فرغت من الدعاء فاسجدوقل في سجودك :

اللهم إني أشهدك واشهد ملائكتك وأنبياءك ورسلك وجميعخلقك ، أنك أنت الله لا إله إلا أنت ربي ، والاسلام ديني ، ومحمد نبيي ،وعلي والحسن والحسين ، وعلي بن الحسين ، ومحمد بن علي ،وجعفر بن محمد ، وموسى بن جعفر ، وعلي بن موسى ، ومحمد بنعلي ، وعلي بن محمد ، والحسن بن علي ، والخلف الباقي ، عليهمأفضل الصلوات ، أئمتي ، بهم أتولى ، ومن عدوهم أتبرأ ، اللهم إنيأنشدك دم المظلوم ـ ثلاثا.

اللهم إني أنشدك بايوائك(١) على نفسك لأوليائك ، لتظفرنهم

__________________

(١) الوأي : الوعد الذي يوثقه الرجل على نفسه ويعزم على الوفاء به ، وعدي بعلىبتضمين معنى الجعل

٣٨٦

بعدوك وعدوهم ، أن تصلي على محمد وعلى المستحفظين من آلمحمد ، اللهم إني أسألك اليسر بعد العسر ـ ثلاثا.

ثم ضع خدك الأيمن على الأرض وقل :

يا كهفي حين تعييني المذاهب ، وتضيق علي الأرض بما رحبت ،ويا بارئ خلقي رحمة بي وقد كان عن خلقي غنيا ، صل على محمدوعلى المستحفظين من آل محمد ـ ثلاثا.

ثم ضع خدك الأيسر على الأرض وقل :

يا مذل كل جبار ، ويا معز كل ذليل ، صل على محمد وال محمدوفرج عني.

ثم قل :

يا حنان يا منان ، يا كاشف الكرب العظام ـ ثلاثا.

ثم عد إلى السجود وقل : شكرا شكرا ـ مائة مرة ، واسأل حاجتك.

باب زيارة علي بن الحسينعليه‌السلام

ثم امض إلى عند الرجلين فقف على علي بن الحسينعليهما‌السلام ، وقل :

سلام الله وسلام ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين وعبادهالصالحين ، عليك يا مولاي وابن مولاي ورحمة الله وبركاته ، وصلىالله عليك وعلى أهل بيتك وعلى عترة آبائك الأخيار الأبرار ، الذينأذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، وعذب الله قاتلك بأنواع

٣٨٧

العذاب ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

زيارة الشهداء رضوان الله عليهم :

ثم أوم إلى ناحية الرجلين بالسلام على الشهداء ، فإنهم هناك ، وقل :

السلام عليكم أيها الربانيون ، أنتم لنا فرط(١) ونحن لكم تبعوأنصار ، اشهد أنكم أنصار الله جل اسمه ، وسادة الشهداء في الدنياوالآخرة ، صبرتم واحتسبتم ولم تهنوا ، ولم تضعفوا ، ولم تستكينوا ،حتى لقيتم الله جل وعز على سبيل الحق ونصره ، وكلمة الله التامة ،صلى الله على أرواحكم وأبدانكم وسلم تسليما ، أبشروا رضوان اللهعليكم بموعد الله الذي لا خلف له ، الله تعالى مدرك بكم ثأر ما وعدكم ،إنه لا يخلف الميعاد.

اشهد انكم جاهدتم في سبيل الله ، وقتلتم على منهاج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وابن رسولهعليه‌السلام ، فجزاكم الله عن الرسولوابنه وذريته أفضل الجزاء ، الحمد لله الذي صدقكم وعده وأراكم ماتحبون

باب زيارة العباس بن علي صلوات الله عليه :

ثم امش حتى تأتي مشهد العباس بن عليعليه‌السلام ، فإذا اتيته فقف

__________________

(١) فرط : إذا تقدم وسبق القوم ليرتاد لهم الماء.

٣٨٨

على باب السقيفة وقل :

سلام الله وسلام ملائكته المقربين ، وأنبيائه المرسلين ، وعبادهالصالحين ، وجميع الشهداء والصديقين ، والزاكيات الطيبات فيماتغتدي وتروح ، عليك يا ابن أمير المؤمنين ، اشهد لك بالتسليموالتصديق لخلف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله المرسل ، والسبطالمنتجب ، والدليل العالم ، والوصي المبلغ ، والمظلوم المضطهد(١) .

فجزاك الله عن رسوله وعن أمير المؤمنين وعن الحسنوالحسين أفضل الجزاء ، بما صبرت واحتسبت وأعنت ، فنعم عقبىالدار ، لعن الله من قتلك ، ولعن الله من جهل حقك ، واستخفبحرمتك ، ولعن الله من حال بينك وبين ماء الفرات ، اشهد انك قتلتمظلوما ، وان الله منجز لكم ما وعدكم.

جئتك يا ابن أمير المؤمنين وافدا إليكم ، وقلبي مسلم لكم ، وانالكم تابع ، ونصرتي لكم معدة ، حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين ،فمعكم معكم لا مع عدوكم ، اني بكم وبإيابكم من المؤمنين ، وبمنخالفكم وقتلكم من الكافرين ، لعن الله أمة قتلتكم بالأيدي والألسن.

ثم ادخل ، وانكب على القبر ، وقل :

السلام عليك أيها العبد الصالح ، المطيع لله ولرسوله ،ولأمير المؤمنين والحسن والحسين صلى الله عليهم وسلم ، السلام

__________________

(١) المهتضم ( خ ل ).

٣٨٩

عليك ورحمة الله وبركاته ومغفرته وعلى روحك وبدنك.

اشهد واشهد الله انك مضيت على ما مضى عليه البدريونوالمجاهدون في سبيل الله ، المناصحون له في جهاد أعدائه ، المبالغونفي نصرة أوليائه ، الذابون عن أحبائه ، فجزاك الله أفضل الجزاء ، وأوفرجزاء أحد ممن وفى ببيعته ، واستجاب له دعوته ، وأطاع ولاة امره.

واشهد انك قد بالغت في النصيحة ، وأعطيت به غاية المجهود ،فبعثك الله في الشهداء ، وجعل روحك مع أرواح السعداء ، وأعطاك منجنانه أفسحها منزلا ، وأفضلها غرفا ، ورفع ذكرك في العليين ، وحشركمع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

اشهد انك لم تهن ولم تنكل ، وانك مضيت على بصيرة من امرك ،مقتديا بالصالحين ، ومتبعا للنبيين ، فجمع الله بيننا وبينك وبين رسولهوأوليائه في منازل المحسنين ، فإنه ارحم الراحمين.

ثم انحرف إلى عند الرأس فصل ركعتين ، ثم صل بعدهما ما بدا لك ،وادع الله كثيرا ، وقل عقيب الركعات :

اللهم صل على محمد وال محمد ولا تدع لي في هذا المكانالمكرم والمشهد المعظم ذنبا الا غفرته ، ولا هما الا فرجته ، ولا مرضاالا شفيته ، ولا عيبا الا سترته ، ولا رزقا الا بسطته ، ولا خوفا الا آمنته ، ولا شملا الا جمعته ، ولا غائبا الا حفظته وأديته ، ولا حاجة من حوائجالدنيا والآخرة لك فيها رضى ولي فيها صلاح الا قضيتها ، يا ارحمالراحمين.

٣٩٠

ثم عد إلى الضريح فقف عند الرجلين وقل :

السلام عليك يا أبا الفضل العباس بن أمير المؤمنين ، السلام عليكيا بن سيد الوصيين ، السلام عليك يا بن أول القوم اسلاما وأقدمهم ايماناوأقومهم بدين الله وأحوطهم على الاسلام.

اشهد لقد نصحت لله ولرسوله ولأخيك ، فنعم الأخ المواسي(١) ،فلعن الله أمة قتلتك ، ولعن الله أمة ظلمتك ، ولعن الله أمة استحلتمنك المحارم ، وانتهكت حرمة الاسلام.

فنعم الصابر المجاهد المحامي الناصر ، والأخ الدافع عن أخيه ،المجيب إلى طاعة ربه ، الراغب فيما زهد فيه غيره ، من الثواب الجزيلوالثناء الجميل ، فألحقك الله بدرجة ابائك في دار النعيم.

اللهم إني تعرضت لزيارة أوليائك ، رغبة في ثوابك ورجاءلمغفرتك وجزيل احسانك ، فأسألك ان تصلي على محمد وآله الطاهرينوان تجعل رزقي بهم دارا(٢) ، وعيشي بهم قارا(٣) ، وزيارتي بهممقبولة ، وحياتي بهم طيبة ، وأدرجني ادراج المكرمين ، واجعلني ممنينقلب من زيارة مشاهد أحبائك منجحا ، قد استوجب غفران الذنوبوستر العيوب وكشف الكروب ، انك أهل التقوى وأهل المغفرة.

__________________

(١) المواساة : المشاركة والمساهمة.

(٢) دارا : أي كثيرا يتجدد شيئا فشيئا ، من قولهم : در اللبن إذا زاد وكثر جريانه من الضرع.

(٣) قارا : أي مستقرا دائما غير منقطع ، أو واصلا إلى حال قراري في بلدي فلا احتاج فيتحصيله إلى السفر.

٣٩١

وداع العباس بن عليعليه‌السلام :

فإذا أردت وداعه للانصراف فقف عند القبر وقل :

استودعك الله واسترعيك ، واقرأ عليك السلام ، امنا باللهوبرسوله وبما جاء به من عند الله ، اللهم اكتبنا مع الشاهدين ، اللهملا تجعله اخر العهد من زيارتي قبر ابن أخي رسولكصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وارزقني زيارته ابدا ما أبقيتني ، واحشرني معه ومع ابائه فيالجنان ، وعرف بيني وبين رسولك وأوليائك.

اللهم صل على محمد وال محمد وتوفني على الايمان بك ،والتصديق برسولك ، والولاية لعلي بن أبي طالب والأئمة عليهمالسلام والبراءة من عدوهم ، فاني رضيت بذلك ، وصلى الله علىمحمد وال محمد.

ثم ادع لنفسك ولوالديك وللمؤمنين والمؤمنات ، وتخير منالدعاء ما شئت ، وارجع إلى مشهد الحسينعليه‌السلام ، فأكثر من الصلاة فيهوالزيارة ، وليكن رحلك بنينوى والغاضرية وخلوتك للنوم والطعاموالشراب هناك ، فإذا أردت الرحيل فودع الحسينعليه‌السلام .

باب الوداع :

والوداع هو ان تأتي القبر فتقف عليه كوقوفك في أول الزيارة ،

٣٩٢

وتستقبله بوجهك وتقول :

السلام عليك يا ولي الله ، السلام عليك يا أبا عبد الله ، أنت لي جنةمن العذاب ، وهذا أوان انصرافي ، غير راغب عنك ، ولا مستبدل بكسواك ، ولا مؤثر عليك غيرك ، ولا زاهد في قربك ، جدت بنفسيللحدثان ، وتركت الأهل والأوطان ، فكن لي يوم حاجتي وفقري ، يوملا يغني عني والدي ولا ولدي ، ولا حميمي ولا قريبي.

أسأل الله الذي قدر وخلق ان ينفس بكم كربي ، واسأل الله الذيقدر علي فراق مكانك أن لا يجعله اخر العهد مني ومن رجوعي ،وأسأل الله الذي أبكى عليك عيني أن يجعله سندا لي ، وأسأل اللهالذي نقلني إليك من رحلي وأهلي ان يجعله ذخرا لي ، وأسأل اللهالذي أراني مكانك وهداني للتسليم عليك ولزيارتي إياك ان يوردنيحوضكم ويرزقني مرافقتكم في الجنان مع ابائك الصالحين.

السلام عليك يا صفوة الله ، السلام على محمد بن عبد الله ، حبيبالله وصفوته ، وأمينه ورسوله ، سيد المرسلين ، السلام علىأمير المؤمنين ووصي رسول رب العالمين وقائد الغر المحجلين ،السلام على الأئمة الراشدين المهديين ، السلام على من في الحائر منكمورحمة الله وبركاته.

السلام على ملائكة الله الباقين المقيمين المسبحين ، الذين همبأمر ربهم قائمون ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، والحمد لله

٣٩٣

رب العالمين.

ثم أشر إلى القبر بمسبحتك اليمنى ، وقل :

سلام الله وسلام ملائكته المقربين ، وأنبيائه المرسلين ، وعبادهالصالحين ، يا ابن رسول الله عليك وعلى روحك وبدنك ، وعلىذريتك ومن حضر من أوليائك ، أستودعك الله وأسترعيك ، وأقرأعليك السلام ، امنا بالله وبرسوله وبما جاء به من عند الله ، اللهم فاكتبنامع الشاهدين.

ثم ارفع يديك إلى السماء ، وقل :

اللهم صل على محمد وال محمد ، ولا تجعله اخر العهد منزيارتي ابن رسولك ، وارزقني زيارته أبدا ما أبقيتني ، اللهم وانفعنيبحبهم يا رب العالمين.

اللهم إني أسألك أن تصلي على محمد وال محمد ، ولا تجعلهاخر العهد من زيارتي إياه ، فان جعلته يا رب فاحشرني معه ، ومع ابائهوأوليائه ، وان أبقيتني يا رب فارزقني العود إليه ، ثم العود إليه ،برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم اجعل لي لسان صدق في أوليائك.

اللهم صل على محمد وال محمد ، ولا تشغلني عن ذكرك باكثارمن الدنيا ، تلهيني عجائب بهجتها ، وتفتني زهرات زينتها ، ولا باقلاليضر بعملي كده ، ويملأ صدري همه ، وأعطني من ذلك غنى عن شرارخلقك ، وبلاغا أنال به رضاك ، يا رحمان ، السلام عليكم يا ملائكة الله

٣٩٤

وزوار قبر أبي عبد اللهعليه‌السلام .

ثم ضع خدك الأيمن على القبر مرة والأيسر مرة وألح في الدعاءوالمسألة.

وداع الشهداء رضوان الله عليهم :

ثم حول وجهك إلى قبور الشهداء فودعهم ، وقل :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، اللهم لا تجعله اخر العهد منزيارتي إياهم ، واشركني معهم في صالح ما أعطيتهم على نصرتهم ابننبيك وحجتك على خلقك وجهادهم معه.

اللهم اجمعنا وإياهم في جنتك مع الشهداء والصالحين وحسنأولئك رفيقا ، استودعكم الله واقرأ عليكم السلام ، اللهم ارزقني العودإليهم واحشرني معهم يا ارحم الراحمين.

ثم اخرج ولا تول وجهك عن القبر حتى يغيب عن معاينتك ، وقفقبل الباب متوجها إلى القبلة ، وقل :

اللهم إني أسألك بحق محمد وال محمد ، وبحرمة محمد والمحمد ، وبالشأن الذي جعلت لمحمد وال محمد ان تصلي على محمدوآل محمد وان تتقبل عملي ، وتشكر سعيي ، وتعرفني الإجابة فيجميع دعائي ، ولا تجعله اخر العهد مني به ، وارددني إليه ببر وتقوى ،وعرفني بركة زيارته في الدين والدنيا ، وأوسع علي من فضلك الواسع

٣٩٥

الفاضل المفضل الطيب ، وارزقني رزقا واسعا حلالا ، كثيرا عاجلا ، صباصبا ، من غير كد ولا من من أحد من خلقك ، واجعله واسعا من فضلك ،وكثيرا من عطيتك.

فإنك قلت :( واسألوا الله من فضله ) (١) ، فمن فضلك اسال ، ومنيدك الملئ اسال ، فلا تردني خائبا ، فاني ضعيف فضاعف لي ، وعافنيإلى منتهى اجلي ، واجعل لي في كل نعمة أنعمتها على عبادك أوفرالنصيب.

واجعلني خيرا مما انا عليه ، واجعل ما أصير إليه خيرا مما ينقطععني ، واجعل سريرتي خيرا من علانيتي ، وأعذني من أن يرى الناس فيخيرا ولا خير في ، وارزقني من التجارة أوسعها رزقا.

وأتني يا سيدي وعيالي برزق واسع تغنينا به عن دناة خلقك ،ولا تجعل لاحد من العباد فيه منا ، واجعلني ممن استجاب لك ، وامنبوعدك ، واتبع امرك ، ولا تجعلني أخيب وفدك وزوار ابن نبيك ،وأعذني من الفقر ومواقف الخزي في الدنيا والآخرة ، واقلبني مفلحامنجحا مستجابا لي بأفضل ما ينقلب به أحد من زوار أوليائك ،ولا تجعله اخر العهد من زيارتهم ، وان لم تكن استجبت لي واغفر ليوارض عني ، قبل ان تنأى عن ابن نبيك داري.

فهذا أوان انصرافي ان كنت أذنت لي ، غير راغب عنك ولا عن

__________________

(١) النساء : ٣٢.

٣٩٦

أوليائك ، ولا مستبدل بك ولا بهم.

اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي ، وعن يميني وعنشمالي حتى تبلغني أهلي ، فإذا بلغتني فلا تبرأ مني ، وألبسني وإياهمدرعك الحصينة ، واكفني مؤونة جميع خلقك ، وامنعني من أن يصلإلي أحد من خلقك بسوء ، فإنك ولي ذلك والقادر عليه ، وأعطنيجميع ما سألتك ، ومن علي به ، وزدني من فضلك يا ارحم الراحمين.

ثم انصرف وأنت تحمد الله تعالى وتسبحه وتهلله وتكبره إن شاء اللهتعالى(١) .

الباب (١٦)

في شهر شعبان(٢)

١ ـ فقد ورد في الترغيب في صومه مؤكدا غاية التأكيد ، وخاصةفي اليوم الثالث منه ، فإنه اليوم الذي ولد فيه الحسين بن عليعليهما‌السلام

فخرج إلى القاسم بن العلاء الهمداني وكيل أبي محمدعليه‌السلام انمولانا الحسينعليه‌السلام ولد يوم الخميس لثلاث خلون من شعبان ، فصمهمندوبا وادع فيه بهذا الدعاء :

__________________

(١) عنه وعن المزار للمفيد ، البحار ١٠١ : ٢٠٦ ـ ٢٢٠ ، ذكر بعضه ابن قولويه في الكامل: ٤٤٢ ، والشيخ في التهذيب ٦ : ٧٠ ، وفي مصباحه : ٦٧٢.

(٢) في الأصل : فاما شهر شعبان.

٣٩٧

اللهم إني أسألك بحق المولود في هذا اليوم ، الموعود بشهادتهقبل استهلاله وولادته ، بكته السماء ومن فيها ، والأرض ومن عليها ،ولما يطأ لابتيها(١) .

قتيل العبرة ، وسيد الأسرة(٢) ، الممدود بالنصرة يوم الكرة ،المعوض من قتله ان الأئمة من نسله ، والشفاء في تربته ، والفوز معه فيأوبته ، والأوصياء من عترته بعد قائمهم وغيبته ، حتى يدركوا الأوتارويثأروا الثار(٣) ، ويرضوا الجبار ، ويكونوا خير أنصار صلى الله عليهممع اختلاف الليل والنهار.

اللهم فبحقهم إليك أتوسل ، وأسأل سؤال مقترف معترف مسئإلى نفسه مما فرط في يومه وأمسه ، يسألك العصمة إلى محل رمسه ،اللهم فصل على محمد وعترته ، واحشرنا في زمرته ، وبوئنا معه دارالكرامة ومحل الإقامة.

اللهم وكما أكرمتنا بمعرفته فأكرمنا بزلفته ، وارزقنا مرافقتهوسابقته ، واجعلنا ممن يسلم لامره ، ويكثر الصلاة عليه عند ذكرهوعلى جميع أوصيائه وأهل أصفيائه ، الممدودين منك بالعدد الاثنيعشر ، النجوم الزهر ، والحجج على جميع البشر.

__________________

(١) اللابة : الحرة ، وهي الأرض ذات الحجارة السود ، المراد قبل مشيه على الأرض.

(٢) الأسرة : عشيرة الرجل وأهل بيته.

(٣) يثأروا الثار : يطلبون الدم.

٣٩٨

اللهم وهب لنا في هذا اليوم خير موهبة ، وانجح لنا فيه كل طلبة ،كما وهبت الحسين لمحمد جده ، وعاذ فطرس بمهده ، فنحن عائذونبقبره من بعده ، نشهد تربته ، وننتظر أوبته ، امين رب العالمين(١) .

٢ ـ دعاء آخر في هذا اليوم :

ذكر ابن عياش قال : سمعت أبا عبد الله الحسين بن علي بن سفيانالبزوفري يدعو بهذا الدعاء ويقول : هو من أدعية يوم الثالث من شعبانالذي ولد فيه الحسينعليه‌السلام :

اللهم متعالي المكان(٢) ، عظيم الجبروت ، شديد المحال ، غني عنالخلائق ، عريض الكبرياء ، قادر على ما يشاء ، قريب الرحمة ، صادقالوعد ، سابق النعمة ، حسن البلاء ، قريب إذا دعيت ، محيط بما خلقت ،قابل التوبة لمن تاب إليك ، قادر على ما أردت ، ومدرك ما طلبت ،وشكور إذا شكرت ، وذكور إذا ذكرت.

أدعوك محتاجا ، وارغب إليك فقيرا ، وافزع إليك خائفا ، وابكيإليك مكروبا ، وأستعين بك ضعيفا ، وأتوكل عليك كافيا ، احكم بينناوبين قومنا بالحق ، فإنهم غرونا وخذلونا وغدروا بنا وقتلونا ، ونحن

__________________

(١) رواه الشيخ في مصباحه : ٨٢٦ والسيد في الاقبال ٣ : ٣٠٤ ، باسنادهما عن قاسم بنالعلاء الهمداني ، عنهما البحار ١٠١ : ٣٤٧.

رواه الكفعمي في مصباحه : ٥٤٣ ، والحلي في مختصر البصائر : ٢٣٥.

(٢) أنت متعالي المكان ( خ ل ).

٣٩٩

عترة نبيك وولد حبيبك محمد بن عبد الله ، الذي اصطفيته بالرسالةوائتمنته على وحيك ، فاجعل لنا من أمرنا فرجا ومخرجا ، برحمتك ياارحم الراحمين(١) .

وروي انه آخر دعاء دعا به الحسينعليه‌السلام يوم الطف(٢) .

ما يقال كل يوم منه :

١ ـ روى محمد بن يحيى العطار ، عن أحمد بن محمد السياري ،عن العباس بن مجاهد يقول : قال : كان علي بن الحسينعليه‌السلام يدعو عندكل زوال من أيام شعبان وفي ليلة النصف منه ، ويصلي على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بهذه الصلاة ، يقول :

اللهم صل على محمد وال محمد شجرة النبوة ، وموضع الرسالة ،ومختلف الملائكة(٣) ومعدن العلم(٤) وأهل بيت الوحي.

اللهم صل على محمد وال محمد الفلك الجارية في اللجج

__________________

(١) رواه الشيخ الطوسي في مصباحه : ٨٢٨ ، والسيد ابن طاووس في اقبال الأعمال ٣ :٣٠٥ ، عنهما البحار ١٠١ : ٣٤٨.

أورده أيضا الكفعمي في البلد الأمين : ١٨٦٠.

(٢) الطف ساحل البحر وجانب البر ، سمي مقتلهعليه‌السلام بالطف لأنه طرف البر مما يليالفرات وكانت تجري يومئذ قريبا منه.

(٣) مختلف الملائكة : مكان ترددها.

(٤) معدن العلم : أصله.

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702