المزار الكبير

المزار الكبير8%

المزار الكبير مؤلف:
المحقق: جواد القيّومي الإصفهاني
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
ISBN: 964-92002-0-7
الصفحات: 702

المزار الكبير
  • البداية
  • السابق
  • 702 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 187383 / تحميل: 6367
الحجم الحجم الحجم
المزار الكبير

المزار الكبير

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٩٢٠٠٢-٠-٧
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

يكون من العسير تشخيصها ، إلّا المؤمنين المتوكّلين على الله والمشمولين برحمته وحمايته :( إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) (1) .

ولا بدّ من الانتباه إلى أنّ كلمة الشيطان تستبطن التمرّد والعناد والبعد عن كلّ خير وبركة. إلّا أنّ ذكر كلمة «مريد» (الفاقد لكلّ خير وسعادة) بعد كلمة الشيطان مباشرة ، هو تأكيد لتوضيح مصير من يتّبعه.

4 ـ تفسير عبارة( كُتِبَ عَلَيْهِ ) (2) .

واضح أنّ هذه العبارة تعني «الإلزام» ، سواء كانت في عالم الخلق أم في عالم التشريع. إلّا أنّه يجب أن لا نتصوّر أنّها تعني «الجبر» وأنّ الشياطين مجبورون على إضلال أتباعهم ليرسلوهم إلى دار البوار. بل إنّها نتيجة مؤكّدة لبرنامج اختاروه بمحض إرادتهم. فإبليس قائد الشياطين وكبيرهم خالف أمر الله وعنده بملء إرادته ، حتّى بلغت به الجرأة أن يعترض على ذات الله. فهو ضالّ ومضلّ وكذلك سائر الشياطين من الجنّ والإنس. وذلك كما نقول للمدمن على المخدرات : كتب على جبينه سوء الطالع والتعاسة ، فهل يعني ذلك جبرا؟!

* * *

__________________

(1) سورة الحجر ، 40.

(2) قال البعض : إنّ ضمير «عليه» يعود إلى الشيطان ، وقال آخرون : إنّه يعود إلى اتّباع الشيطان. كما يستنتج ذلك من عبارة «ومن الناس» أيضا ، إلّا أنّ ظاهره يؤكّد أنّه يعود إلى الشيطان ، لا سيّما وأنّ الضمير المتّصل بـ «من تولّاه» يعود إلى الشيطان أيضا.

٢٨١

الآيات

( يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7) )

التّفسير

دليل المعاد في عالم الأجنّة والنّبات :

بما أنّ البحث في الآيات السابقة كان يدور حول تشكيك المخالفين للمبدأ والمعاد ، فالآيات محل البحث طرحت دليلين منطقيين قويّين لإثبات المعاد

٢٨٢

الجسماني : أحدهما التغيّرات التي تحدث في مراحل تكوين الجنين ، والآخر هو التغيّرات التي تحدث في الأرض عند خروج النبات.

والقرآن شرح صورا للمعاد ممّا يلمسه الناس في هذه الدنيا ، ويرونه بامّ أعينهم ، إلّا أنّهم لم ينتبهوا لذلك ، ليعلموا أنّ الحياة بعد الموت ليست ضربا من الخيال ، بل هي حادثة فعلا مشهودة للعيان ، والخطاب القرآني يعمّ جميع الناس بنوره( يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ) (1) كلّ ذلك من أجل أن نوضّح لكم حقيقة قدرتنا على القيام بأي عمل( لِنُبَيِّنَلَكُمْ ) .

فتبقى الأجنّة في الأرحام إلى مدّة معلومة نحن نحدّدها لتمرّ بمراحل تكاملها. ونسقط ما نريد منها فنخرجها من الأرحام في وسط الطريق قبل أن تكمل( وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ) ثمّ تبدأ الأجنّة مرحلة تطوّر جديدة. لنخرجكم أطفالا من أرحام أمّهاتكم.

( ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ) وبهذا تنتهي مرحلة حياتكم المحدّدة في بطون أمّهاتكم.

فتضعون أقدامكم في محيط أوسع مملوء بالنور والصفاء ، وإمكانات واسعة جدّا ، إلّا أنّ تكاملكم يستمرّ في قطع المسافات بسرعة لتبلغوا الهدف ، ألا وهو الرّشد والكمال الجسمي والعقلي.( ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ) .

وهنا يتبدّل الجهل إلى علم ، والضعف إلى قوّة ، والتبعيّة إلى الاستقلال ، لكن مسيرة حياتكم تطوى وتستمر فبعضكم يودّع الحياة بينما يستمرّ آخرون حتّى المرحلة الأخيرة من الحياة ، أي مرحلة الشيخوخة بعد تكاملهم :( وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ ) .

أجل ، فالمرء يصل إلى مرحلة لا يتذكّر فيها شيئا ، حيث يسيطر عليه النسيان ،

__________________

(1) «المضغة» مشتقة من «المضغ» وتعني مقدارا من اللحم يمكن للإنسان مضغه في لقمة واحدة. وهذا تشبيه رائع للجنين في المرحلة التي تعقب مرحلة العلقة.

٢٨٣

ويصبح في وضع وكأنّه طفل( لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً ) وهذا الضعف والخمول دليل على بلوغ المرء مرحلة انتقالية جديدة كما نجد ضعف التحام الثمرة بالشجرة حين تبلغ مرحلة النضج ممّا يدلّ على وصولها إلى مرحلة الانفصال.

وهذه التغيّرات المدهشة المتلاحقة التي تتحدّث عن قدرة الله تعالى غير المحدودة ، توضّح أنّ إحياء الموتى يسير على الله جلّت عظمته. وهناك بحوث تعرض لمراحل الحياة المختلفة هذه ، سنذكرها في الملاحظات القادمة.

ثمّ تتناول الآية بيان الدليل الثّاني أي حياة النباتات ، فتبيّن ما يلي : تنظر إلى الأرض في فصل الشتاء فتجدها جافّة وميتة ، فإذا سقط المطر وحلّ الربيع ، دبّت الحياة والحركة فيها ونبتت أنواع النباتات فيها ونمت( وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ) (1) .

الآيتان اللاحقتان تشرحان ما توصّلنا إليه ، وذلك باستعراض خمس

* * *

ملاحظات

1 ـ إنّ ما استعرضته الآيات الخاصّة بالمراحل التي تسبق مراحل الحياة للإنسان وعالم النبات ، من أجل أن تعلموا أنّ الله تعالى حقّ( ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ ) وبما أنّه هو الحقّ ، فالنظام الذي خلقه حقّ أيضا ، لهذا لا يمكن أن يكون

__________________

«الهامدة» تعني في الأصل النّار التي أطفئت ، ويطلق على الأرض التي جفّت نباتاتها وأصبحت دون حركة «مفردات الراغب الاصفهاني» والبعض الآخر قال : إنّ كلمة «هامدة» تطلق على الحدّ الفاصل بين الموت والحياة (تفسير في ظلال القرآن).

«اهتزّت» مشقّة من «الهزّ» وتعني تحرّكت بشدّة.

«ربت» مشقّة من «الربو». وتعني الزيادة والنمو ، كما أنّ كلمة «ربا» مشتقّة أيضا من «الربو».

«بهيج» تعني الجميل السّاحر السارّ.

٢٨٤

هذا الخلق دون هدف ، كما يذكر القرآن الكريم هذا المعنى في مورد آخر :( وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ) (1) .

وبما أنّ هذه الحياة ليست عبثا ، وأنّ لها هدفا ، وأنّنا لا نصل إلى تحقيق ذلك الهدف في حياتنا ، إذن نعلم من ذلك وجود المعاد والبعث حتما.

2 ـ إنّ هذا النظام الذي يسيطر على عالم الحياة يقول لنا( وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى ) .

إنّ الذي يلبس الأرض لباس الحياة ، ويغيّر النطفة التافهة إلى إنسان كامل ، ويمنح الحياة للأرض الميتة ، لقادر على أن يمنح الحياة للموتى ، فهل يمكن التردّد في قبول فكرة المعاد مع وجود كلّ هذه التشكيلات الحيّة الدائمة للخالق جلّ وعلا في هذا العالم(2) ؟

3 ـ الهدف الآخر هو أن نعلم( وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ولا يستحيل على قدرته شيء.

هل يمكن لأحد تحويل الأرض الميتة إلى نطفة؟ ويطوّر هذه النطفة التافهة في مراحل الحياة؟ ويلبسها كلّ يوم لباسا جديدا من الحياة! ويجعل الأرض الجافّة العديمة الروح خضراء زاهية تعلوها بهجة الحياة؟! أليس القادر على القيام بهذه الأعمال بقادر على أن يحيي الإنسان بعد موته؟!

4 ـ إنّ كلّ هذا لتعلموا أنّ ساعة نهاية هذا العالم وبداية عالم آخر ، ستحلّ بلا شكّ فيها( وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها ) .

5 ـ ثمّ إنّ كلّ هذا مقدّمة لنتيجة أخيرة هي( وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ) .

__________________

(1) سورة ص ، 27.

(2) يرى بعض المفسّرين في عبارة( أَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى ) إشارة إلى حياة الناس في القيامة. مع أنّ هذا المعنى تضمّنته عبارة( وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ) أيضا ، مع فارق هو أنّ العبارة الأولى إشارة إلى أصل الحياة ، والثّانية إشارة إلى كيفية إحياء الموتى.

إلّا أنّ التّفسير الآخر الذي استندنا إليه بصورة أكثر ، هو أنّ عبارة ( أَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى ) إشارة إلى منح الله الحياة بشكل مستمر في هذه الدنيا ، ليكون دليلا على إمكان تحقّق ذلك يوم البعث.

٢٨٥

وهذه النتائج الخمس بعضها مقدّمة ، وبعضها ذو المقدّمة ، البعض منها إشارة إلى الإمكان ، والآخر إشارة إلى الوقوع ، ومترتّبة بعضها على بعض وكلّ يكمل صاحبه ، وجميعها ينتهي إلى نقطة واحدة ، هي أنّ البعث ليس ممكن فحسب ، بل إنّه سيقع حتما.

فالذين يشكّون في إمكان الحياة بعد الموت يشاهدون الصور المشابهة لها في حياة البشر والنباتات بامّ أعينهم. وهي تتكرّر كلّ يوم وكلّ عام.

وإذا شكّوا في قدرة الله فإنّ قدرة الله جعلتهم يشاهدون أمثلة بارزة لها بأعينهم. ألم يخلق الإنسان من تراب؟ ألا نشاهد كلّ عام احياء الأرض الميتة؟

فهل عجيب أمر حياة الأموات ثانية ونهوضهم من تراب؟

وإن شكّوا في وقوع مثل هذه الأمور ، فعليهم أن يعلموا أنّ النظام المسيطر على الخلق في العالم يدلّ على وجود هدف له ، وإلّا فإنّه باطل تافه ، والحياة القصيرة المملوءة بالآلام وخيبة الآمال غير جديرة بأن تكون هي الهدف الأخير لعالم الخلق.

وعلى هذا يجب أن يكون هناك عالم آخر ، وسيع ، خالد ، جدير بأن يعدّ هدفها للخلق.

* * *

بحوث

1 ـ مراحل حياة الإنسان السبع

الآيات السابقة شرحت حركة الإنسان في مسيرة ذات مراحل سبع ، لتبيّن البعث وتثبت إمكانه :

المرحلة الأولى : عند ما كان الإنسان ترابا ، وقد يراد به التراب الذي خلق منه آدمعليه‌السلام . كما قد يكون إشارة إلى أنّ جميع البشر ـ من تراب ، لأنّ جميع المواد

٢٨٦

الغذائية التي تكوّن النطفة وغذاءها ـ من بعد ـ من تراب. ولا شكّ في أنّ الماء يشكّل جزءا ملحوظا من جسم الإنسان ، والجزء الآخر من الأوكسجين والكاربون ، وليس من التراب ، إلّا أنّ العنصر الأساس الذي تتشكّل منه أعضاء الجسم مصدره التراب. إذن عبارة خلق الإنسان من تراب صحيحة حتما.

المرحلة الثّانية : (النطفة) : يتحوّل التراب ، هذا الموجود البسيط المهمل العديم الحسّ والحركة ، يتحوّل إلى نطفة تتألّف من أحياء مجهولة مثيرة تسمّى عند الرجل «أسپر» أو الحيمن وعند المرأة «أوول» أو البويضة وهي غاية في الصغر حتّى أنّها تبلغ الملايين في نطفة الرجل!

والمثير أنّ الإنسان يواصل عقب ولادته حركة تدريجيّة هادئة ، تأخذ في الغالب شكل «التكامل الكمّي» في الوقت الذي كانت حركته في الرحم «كيفيّة» ترافقها طفرات سريعة مغيّرة. والتغيّرات المتعاقبة للجنين في الرحم مدهشة إلى درجة يمكن تشبيهها بحشرة صغيرة بسيطة تتطوّر بعد أشهر قليلة إلى طائرة نفّاثة!

وقد تطوّرت وتوسّعت الدراسات عن «علم الأجنة» اليوم بحيث تمكّن علماؤه من دراسة الجنين في مراحله المختلفة ، وكشفوا عن أسرار هذه الظاهرة العجيبة في عالم الوجود. وعرضوا النتائج الباهرة التي توصّلوا إليها في دراساتهم عن الجنين.

وفي المرحلة الثّالثة يصبح الجنين علقة ، وتكون خلاياه كحبّات التوت ، بشكل قطعة دم خاثر متلاصقة ، يطلق عليها علميّا «مورولا». وبعد مضي مدّة قصيرة تظهر أخاديد التقسيم الصغيرة كبداية لتقسيم أجزاء الجنين ، ويطلق على الجنين في هذه المرحلة اسم «لاستولا».

وفي المرحلة الرّابعة يتّخذ الجنين شكل قطعة لحم ممضوغ ، دون أن تتّضح معالم الأعضاء فيه ، وفجأة تحدث تغييرات في قشرة «الجنين» وتتّخذ شكلا يلائم العمل المطلوب منه القيام به ، فتظهر أعضاء الجسم تدريجيّا ، ويسقط كلّ جنين

٢٨٧

لا يمكنه المرور بهذه المرحلة ، ويمكن أن تكون عبارة( مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ) إشارة إلى هذه المرحلة ، أي أنّ الجنين يكون «كامل الخلقة» أو «ناقص الخلقة».

ومن المثير أنّ القرآن المجيد ذكر عبارة( لِنُبَيِّنَ لَكُمْ ) بعد ذكر هذه المراحل الأربع ، مؤكّدا أنّ هذه التغييرات السريعة المدهشة التي تغيّر قطرة ماء صغيرة إلى إنسان كامل ، لدليل واضح على أنّ الله قادر على كلّ شيء.

ثمّ أشار القرآن الكريم إلى مرحلة الجنين الخامسة والسّادسة والسّابعة ، التي تلي الولادة أي «الطفولة» و «البلوغ» و «الشّيخوخة»(1) .

والجدير بالذكر أنّ ولادة الإنسان ـ من التراب ـ كائنا حيّا ، قفزة كبيرة ، ومراحل الجنين المختلفة قفزات متعاقبة ، وولادة الإنسان من بطن أمّه قفزة مهمّة جدّا ، وهكذا البلوغ والشيخوخة.

وتعبير القرآن عن يوم القيامة بالبعث ، قد يكون إشارة إلى مفهوم القفزة ذاتها التي تحدث يوم البعث أيضا. وما أجدرنا بالانتباه إلى أنّ القرآن تحدّث عن مراحل تكوّن الجنين قبل أن يظهر علم الأجنّة ، وحديثه عنها في ذلك الزمن دليل حيّ على أنّ هذا الكتاب العظيم إنّما هو وحي يوحى من قدرة قادرة هي التي أبدعت الطبيعة وما وراءها.

2 ـ المعاد الجسماني

ممّا لا شكّ فيه أنّ القرآن الكريم أينما تحدث عن البعث قصد بعث الإنسان جسما وروحا في العالم الأخروي ، والذين حصروا البعث في الروح وقالوا ببقائها هي وحدها لم يفقهوا آيات القرآن قطّ.

__________________

(1) الذي يثير الانتباه أنّ تعبير القرآن( ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ) عن ولادة الإنسان لم يرد بصيغة الجمع (أطفال) وفقا للقاعدة ، إلّا أنّ هذا التعبير (طفلا) يمكن أن يكون مصدرا يتساوى فيه المفرد والجمع ، أو أن يكون الهدف بيان النوع. وليس خصائص الأطفال ، فالفروق بين البشر في هذه المرحلة مخفية تبرز في المراحل اللاحقة.

٢٨٨

فهذه الآيات المباركة كالآية السابقة تصرّح بالمعاد الجسماني. وإلّا فما هو وجه التشابه بين المعاد الروحي ، ومراحل الجنين وإحياء الأرض الموات بنمو النباتات؟ ويؤكّد ذلك ختام الآيات التي نحن بصددها إذ تقول :( وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ) والقبر موضع جسم الإنسان وليس روحه.

وأساسا فانّ تعجّب المشركين إنّما هو من البعث الجسماني ، فهم يقولون : كيف يمكن للإنسان أن يعود للحياة ثانية بعد ما صار ترابا؟ وبقاء الروح لم يكن شيئا عجبا ، لأنّه كان موضع قبول ورضى الأقوام الجاهلية.

3 ـ ما هو «أرذل العمر»؟

«الأرذل» مشتقّة من «رذل» أي المنحطّ وغير المرغوب فيه. ويقصد بـ «أرذل العمر» تلك المرحلة من عمر الإنسان التي هي أكثر انحطاطا وغير مرغوب فيها لما يفقده فيها الإنسان من القوّة والذاكرة ، ولما يغلبه فيها من الضعف والانفعال ، حتّى تراه يغتاظ من أدنى شيء ، ويرضى ويفرح لا يسر شيء ، ويفقد سعة صدره وصبره ، وربّما قام بحركات طفولية. مع فارق بينه وبين الطفل وهو أنّ الناس لا يتوقّعون منه ذلك ، لأنّه ليس طفلا ، مضافا إلى أنّ الطفل يؤمل في أن يكبر وينضج جسديّا ونفسيّا وتزول عنه هذه الحركات الصبيانية ، لهذا يتركوا أحرارا في ممارستها ، وليس كذلك في الفرد المسنّ ، أي أنّ الطفل ليس لديه شيء ليفقده ، ولكن المسنّ يفقد رأس مال حياته بذلك. وعلى هذا فإنّ وضع الشيوخ المعمّرين يثير الشفقة والأسى عند مقارنته بوضع الأطفال.

وجاء في بعض الأحاديث أنّ أرذل العمر هو الذي يبلغ مائة عام وأكثر(1) وقد تعني هذه العبارة نوع الأشخاص ، وإلّا فهناك من يبلغ هذه الحالة وسنّهم أقل من

__________________

(1) تفسير نور الثقلين ، المجلّد الثّالث ، الصفحة 472.

٢٨٩

مائة عام. كما أنّ هناك أشخاصا تجاوزت أعمارهم مائة عام وهم بكامل وعيهم وذكائهم. وتندر مشاهدة من يصابون بهذه الحالة بين العلماء الذين شغلتهم المعارف والبحوث.

وما أولانا بدعاء الله تعالى أن يحفظنا من هذه الحالة! وما أجدرنا أن ننهي غرورنا وغفلتنا بمجرد الفكر بهذه العاقبة! علينا أن نفكّر ماذا كنّا وعلى ماذا أصبحنا وماذا سنكون؟

* * *

٢٩٠

الآيات

( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (8) ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ (9) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (10) )

التّفسير

الجدال بالباطل مرّة أخرى :

تتحدّث هذه الآيات أيضا عمّن يجادلون في المبدأ والمعاد جدالا خاويا لا أساس له ، في البداية يقول القرآن المجيد :( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ ) .

وعبارة( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ) هي ذاتها التي ذكرت في آية سابقة ، وإعادتها تبيّن لنا أنّ العبارة الأولى إشارة إلى مجموعة من الناس ، والثّانية إلى مجموعة أخرى. وبعض المفسّرين يرى أنّ الفرق بين هاتين المجموعتين من الناس هو أنّ الآية السابقة الذكر دالّة على وضع الأتباع الضالّين الغافلين ، في

٢٩١

وقت تكون فيه هذه الآية دالّة على قادة هذه المجموعة الضالّة(1) .

وعبارة( لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ) تبيّن هدف هذه المجموعة ، ألّا وهو تضليل الآخرين ، وهذا دليل واضح على الفرق بينهما ، مثلما توضّح هذا المعنى عبارة( يَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ ) في الآيات السابقة التي تتحدّث عن اتّباع الشياطين.

ولكن ما الفرق بين «العلم» و «الهدى» و «الكتاب المنير»؟

للمفسّرين آراء في هذا المجال أقربها إلى العقل هو أنّ «العلم» إشارة إلى الاستدلال العقلي. و «الهدى» إشارة إلى إرشاد القادة الرّبانيين. و «الكتاب المنير» إشارة إلى الكتب السماويّة ، أي أنّها تعني الأدلّة الثلاثة المعروفة «الكتاب» و «السنّة» و «الدليل العقلي». وأمّا الإجماع فإنّه يعود إلى السنّة طبقا لدراسات العلماء ، وقد جمعت هذه الأدلّة الأربعة في هذه العبارة أيضا.

ويحتمل بعض المفسّرين أنّ «الهدى» إشارة إلى الإرشادات المعنوية التي يكتسبها الإنسان في ظلّ بناء الذات وتهذيب النفس وتقواه. «وبالطبع يمكن ضمّ هذا المعنى إلى ما تقدّم آنفا».

ويمكن أن يكون الجدال العلمي مثمرا إذا استند إلى أحد الأدلّة : العقل ، أو الكتاب ، أو السنّة.

ثمّ يتطرّق القرآن المجيد في جملة قصيرة عميقة المعنى إلى أحد أسباب ضلال هؤلاء القادة ، فيقول :( ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ) إنّهم يريدون أن يضلّوا الناس عن سبيل الله بغرورهم وعدم اهتمامهم بكلام الله وبالأدلّة العقليّة الواضحة.

«ثاني» مشتقّة من «ثني» بمعنى التواء و «عطف» تعني «جانب» فالجملة تعني ثني الجانب ، أي الإعراض عن الشيء وعدم الاهتمام به.

__________________

(1) تفسير الميزان ، والتّفسير الكبير للفخر الرازي ، في تفسير الآيات موضع البحث.

٢٩٢

ويمكن أن تكون عبارة «ليضلّ» هدف هذا الإعراض ، أي إنّهم (قادة الضلال) يستخفّون بآيات الله والهداية الإلهيّة لتضليل الناس. ويمكن أن تكون نتيجة لذلك. أي أنّ محصّلة الإعراض وعدم الاهتمام هو صدّ الناس عن سبيل الحقّ. ويعقب القرآن ذلك ببيان عقابهم الشديد في الدنيا والآخرة بهذه الصورة :( لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ ) .

ونقول له :( ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ ) و( أَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ) لا يعاقب الله أحدا بلا ذنب ، ولا يضاعف عقاب أحد دون سبب ، فهو العدل المطلق سبحانه(1) .

وهذه الآية من الآيات التي تنفي مذهب الجبريّة ، وتثبت مبدأ العدالة في أفعال الله تعالى. (للمزيد من التفصيل راجع تفسير الآية (182) من سورة آل عمران).

* * *

__________________

(1) «ظلّام» صيغة مبالغة تعني كثير الظلم. وطبيعي أنّ الله لا يظلم أبدا لا كثيرا ولا قليلا ، ويمكن أن يكون استخدام هذا التعبير هنا إشارة إلى أنّ العقاب دون مبرّر من قبل الله تعالى ـ جلّ عن ذلك وعلا علوّا كبيرا ـ مصداق ظلم كبير.

٢٩٣

الآيات

( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (11) يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (12) يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13) إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ (14) )

التّفسير

الواقف على حافّة وادي الكفر

تحدّثت الآيات السابقة عن مجموعتين : الأتباع الضالّين ، والقادة المضلّين.

أمّا هذه الآيات ، فتتحدّث عن مجموعة ثالثة هم ضعاف الإيمان. قال القرآن المجيد عن هذه المجموعة :( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ ) أي إنّ بعض الناس يعبد الله بلقلقة لسان ، وإنّ إيمانه ضعيف جدّا. ولم يدخل الإيمان إلى قلبه.

٢٩٤

وعبارة «على حرف» ربّما تكون إشارة إلى أنّ إيمانهم باللسان فقط ، وأنّ قلوبهم لم تر بصيصا من نوره إلّا قليلا ، وقد تكون إشارة إلى أنّ هذه المجموعة تحيا على هامش الإيمان والإسلام وليس في عمقه ، فأحد معاني «الحرف» هو حافّة الجبل والأشياء الاخرى. والذي يقف على الحافّة لا يمكنه أن يستقرّ. فهو قلق في موقفه هذا ، يمكن أن يقع بهزّة خفيفة ، وهكذا ضعاف الإيمان الذين يفقدون إيمانهم بأدنى سبب.

ثمّ تناول القرآن الكريم عدم ثبات الإيمان لدى هؤلاء الأشخاص( فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ ) (1) إنّهم يطمئنون إذا ضحكت لهم الدنيا وغمرتهم بخيراتها! ويعتبرون ذلك دليلا على أحقّية الإسلام.

إلّا أنّهم يتغيّرون ويتّجهون إلى الكفر إن امتحنوا بالمشاكل والقلق والفقر ، فالدين والإيمان لديهم وسيلة للحصول على ما يبتغون في هذه الدنيا ، فإن تمّ ما يبغونه كان الدين حقّا ، وإلّا فلا.

وذكر «ابن عبّاس» ومفسّرون قدماء سبب نزول هذه الآية : «أنّها نزلت في أعراب كانوا يقدمون على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمدينة مهاجرين من باديتهم ، فكان أحدهم إذا صحّ بها جسمه ونتجت فرسه مهرا حسنا. وولدت امرأته غلاما وكثر ماله وماشيته ، رضي به واطمأنّ إليه ، وإن أصابه وجع وولدت امرأته أنثى أو أجهضت فرسه أو ذهب ماله أو تأخّرت عنه الصدقة ، أتاه الشيطان وقال له : ما جاءتك هذه الشور إلّا بسبب هذا الدين. فينقلب عن دينه»(2) .

وممّا يلفت النظر أنّ القرآن الكريم يعبّر عن إقبال الدنيا على هؤلاء الأشخاص بالخير. وعن إدبارها بالفتنة (وسيلة الامتحان) ولم يطلق عليها كلمة

__________________

(1) كلمة «انقلب» في جملة «انقلب على وجهه» تعني التراجع. ويمكن أن تكون إشارة إلى ترك الإيمان تماما ، حتّى إنّه لا يعود إليه. فهو غريب عن الإيمان دوما.

(2) تفسير الفخر الرازي ، المجلّد الثّالث والعشرون ، ص 13 ، وتفسير القرطبي ، المجلّد السادس ، ص 4409.

٢٩٥

الشّر ، إشارة إلى أنّ هذه الأحداث غير المرتقبة ليست شرّا ولا سوءا وإنّما هي وسيلة للامتحان.

ويضيف القرآن المجيد في الختام ـ( خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ) و( ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ ) مؤكّدا أنّ أفدح الضرر وأفظع الخسران ، هو أن يفقد الإنسان دينه ودنياه. وهؤلاء الأشخاص الذين يقيسون الحقّ بإقبال الدنيا عليهم ينظرون إلى الدين وفق مصالحهم الخاصّة ، وهذه الفئة موجودة بكثرة في كلّ مجتمع ، وإيمانها مزيج بالشرك وعبادة الأصنام ، إلّا أنّ أصنامهم هي وأزواجهم وأبناؤهم وأموالهم ومواشيهم ، ومثل هذا الإيمان أضعف من بيت العنكبوت!

وهناك مفسّرون يرون أنّ هذه الآية تشير إلى المنافقين ، لكن إذا اعتبرنا أنّ المنافق هو من لا يملك ذرّة من الإيمان ، فإنّ ذلك يخالف ظاهر هذه الآية ، فعبارة «يعبد الله» و «اطمأنّ به» و «انقلب على وجهه» تبيّن أنّه ذو إيمان ضعيف قبل هذا.

أمّا إذا قصد بالمنافق من يملك قليلا من الإيمان ، فلا يعارض ما قلناه ، ويمكن قبوله.

وتشير الآية التالية إلى إعتقاد هذه الفئة الخليط بالشرك ، خاصة بعد الانحراف عن صراط التوحيد والإيمان بالله ، فتقول :( يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ ) أي إذا كان هذا الإنسان يسعى إلى تحقيق مصالحه الماديّة والابتعاد عن الخسائر ويرى صحّة الدين في إقبال الدنيا عليه ، وبطلانه في إدبارها عنه. فلما ذا يتوجّه إلى أصنام لا يؤمّل منها خير ، ولا يخاف منها ضرر.

فهي أشياء لا فائدة فيها ، ولا أثر لها في مصير البشر؟! أجل( ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ ) . إنّ هؤلاء ليبتعدون عن الصراط المستقيم بعدا حتّى لا ترجى عودتهم إلى الحقّ إلّا رجاء ضعيفا جدّا.

ويوسّع القرآن الكريم هذا المعنى فيقول :( يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ ) .

لأنّ هذا المعبود المختلق ينزل بفكرهم إلى الحضيض في هذه الدنيا ، ويدفعهم

٢٩٦

نحو الخرافات والجهل ، ويدعهم في الآخرة في نار جهنّم ، بل هم كما تقول الآية 98 من سورة الأنبياء :( إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ) .

وتضيف الآية في الختام( لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ ) فما أسوأه ناصرا ومعينا ، وما أسوأه مؤنسا ومعاشرا.

وهنا يثار سؤال ، فالآية السابقة تنفي كلّ فائدة ونفع من هذه الأصنام وكلّ ضرر ، وهذه الآية تقول إنّ ضررها أقرب من نفعها! فكيف ينسجم الحكمان؟

في الجواب عن ذلك نقول : إنّ ذلك أمر اعتيادي في المخاطبة ، ففي مرحلة لا يعتبرون لشيء فائدة وتأثير يذكر ثمّ يترقّى إلى الحال في مرحلة أخرى فيعدّونه مصدر الضرر. كأن نقول : لا تصادق فلانا ، فلا نفع فيه لدينك ولا لدنياك.

وبعدها نتقدّم فنقول إنّما هو : (أي هذا الصديق) سبب لتعاستك وافتضاحك. وهنا تجد إضافة إلى كون الأصنام لا ضرر فيها لأعداء المشركين ، لأنّها غير قادرة على الإضرار بأعدائهم كما يتوقّعون منها ، ولكنّها تتضمّن ضررا حتميّا لأتباعها.

كما أنّ صيغة «أفعل التفضيل» في كلمة «أقرب» كما قلنا سابقا : تعني عدم اتّصاف طرفي المقارنة بصفة معينّة. وقد يكون الطرف الأضعف فاقدا لأيّة صفة ، كأن نقول : ساعة صبر عن الذنب خير من نار جهنّم (وليس معنى ذلك أنّ نار جهنّم فيها خير ، إلّا أنّ الصبر أفضل منها ،).

وقد اختار هذا الرأي عدد من كبار المفسّرين كالشيخ الطوسي في «التبيان» والطبرسي في «مجمع البيان».

واحتمل البعض كالفخر الرازي في تفسير الآية بأنّ كلّ واحدة من هاتين الآيتين إشارة إلى مجموعة من الأصنام ، فالآية الأولى تخصّ الأصنام الحجرية والخشبية ، وأمّا الآية الثّانية فتخصّ الطواغيت والبشر المتعالين أشباه الأصنام.

فالمجموعة الأولى لا تضرّ ولا تنفع ، بل هي بالتأكيد خالية من أيّة صفة. أمّا المجموعة الثّانية «أئمّة الضلال» فإنّهم يضرّون ولا ينفعون. وإذا كان فيهم خير

٢٩٧

قليل فضرّهم كبير جدّا ، وعبارة( لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ ) تؤكّد ذلك ، وعليه فلا تناقض بين الآيتين(1) .

وختام الآية المباركة نلحظ مقارنة بين الخير والشرّ كما هو دأب القرآن الكريم لتتّضح النتائج بشكل أكبر ، فتقول الآية :( إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ) . فعاقبتهم معلومة ومنهج تفكير هم وسلوكهم واضح فمولاهم هو الله تعالى ، ورفاقهم وجلساؤهم في الآخرة هم الأنبياء والصالحون والملائكة ، وأنّ الله سبحانه يثيب المؤمنين العاملين للصالحات ، جنّات تجري من تحتها الأنهار ، لينعموا بالسعادة والسرور جزاء استقامتهم على الحقّ واستجابتهم له في الحياة الدنيا( إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ ) .

وثوابهم يسير عليه ـ جلّ وعلا ـ يسر عقاب الذين ظلموا أنفسهم بإيثار الباطل على الحقّ ، وبعبادتهم الأصنام من دون الله سبحانه.

وفي هذه المقارنة نلاحظ طائفة من الناس لم يؤمنوا إلّا بلسانهم ، فهم على جانب من الدين وينحرفون بأدنى وسوسة ، وليس لهم عمل صالح ، أمّا المؤمنون الحقيقيّون فإيمانهم راسخ ولا تزعزعه العواطف ومثمر هذا من جهة ومن جهة أخرى فلئن كان مولى الخاسرين لا ينفع ولا يضرّ ، فإنّ مولى الصالحين على كلّ شيء قدير. ولئن خسر الظالمون كلّ شيء ، فقد ربح المهتدون خير الدنيا وسعادة الآخرة.

* * *

__________________

(1) بعض المفسّرين الأفاضل كمفسّر الميزان فسّر عبارة «يدعو» بمعنى «يقول» إلّا أنّ ذلك لا يطابق ظاهر الآية.

٢٩٨

الآيات

( مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ (15) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ وَأَنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (16) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17) )

سبب النّزول

روى بعض المفسّرين حول سبب نزول الآية الأولى من هذه الآيات ، أنّها نزلت في نفر من أسد وغطفان قالوا : نخاف أنّ الله لا ينصر محمّدا ، فينقطع الذي بيننا وبين حلفائنا من اليهود فلا يميروننا. فحذّرتهم هذه الآية ووبّختهم بشدّة.

وقال آخرون : إنّها نزلت في قوم من المسلمين لشدّة غيظهم وحنقهم على المشركين ، يستبطئون ما وعد الله رسوله من النصر ، فنزلت هذه الآية(1) تلومهم

__________________

(1) أبو الفتوح الرازي ، وكذلك الفخر الرازي في تفسير هما الآيات موضع البحث.

٢٩٩

على عدم صبرهم.

التّفسير

البعث نهاية جميع الخلافات :

بما أنّ الآيات السابقة كانت تتحدّث عن ضعفاء الإيمان ، فإنّ الآيات مورد البحث ترسم لنا صورة أخرى عن هؤلاء فتقول :( مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ ) .

أي من يظنّ أنّ الله لا ينصر نبيّه في الدنيا والآخرة ، وهو غارق في غضبه ، فليعمل ما يشاء ، وليشدّ هذا الشخص حبلا من سقف منزله ويعلّق نفسه حتّى ينقطع نفسه ويبلغ حافّة الموت ، فهل ينتهي غضبه؟!

لقد اختار هذا التّفسير عدد كبير من المفسّرين ، أو ذكروه كاحتمال يستحقّ الاهتمام به(1) .

الضمير في قوله سبحانه :( لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ ) بحسب هذا التّفسير يعود إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و «السّماء» تعني سقف المنزل (لأنّ كلّ شيء فوقنا يطلق عليه سماء). أمّا عبارة «ليقطع» فتعني قطع النفس والوصول إلى حافّة الموت.

واحتمل البعض احتمالات أخرى في تفسير هذه الآية لا حاجة لذكرها ، ما عدا تفسيرين منها يستحقّان الاهتمام ، وهما :

1 ـ إنّ السّماء يقصد بها السّماء الحقيقيّة ، وبناء على هذا الرأي : فإنّ الأشخاص الذين يظنّون أنّ الله لا ينصر نبيّه ، ليذهبوا إلى السّماء وليشدّوا بها حبلا ويعلّقوا أنفسهم بينها وبين الأرض حتّى تنقطع أنفسهم. (أو يقطعوا الحبل الذي تعلّقوا به كي يسقطوا) ولينظروا إلى أنفسهم هل انتهى غضبهم؟!

__________________

(1) تراجع تفاسير «مجمع البيان» و «التبيان» و «الميزان» و «الفخر الرازي» و «أبو الفتوح الرازي» و «تفسير الصافي» و «القرطبي» في تفسير الآية التي يدور حولها البحث.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

الغامرة ، يأمن من ركبها ، ويغرق من تركها ، المتقدم لهم مارق ، والمتأخرعنهم زاهق ، واللازم لهم لاحق.

اللهم صل على محمد وال محمد الكهف الحصين ، وغياثالمضطر المستكين ، وملجأ الهاربين ، وعصمة المعتصمين.

اللهم صل على محمد وال محمد صلاة كثيرة تكون لهم رضى ،ولحق محمد وال محمد أداء(١) وقضاء ، بحول منك وقوة يا رب العالمين.

اللهم صل على محمد وال محمد الطيبين الأبرار الأخيار ، الذينأوجبت حقوقهم ، وفرضت طاعتهم وولايتهم.

اللهم صل على محمد وال محمد ، واعمر قلبي بطاعتك ،ولا تخزني بمعصيتك ، وارزقني مواساة من قترت عليه من رزقك بماوسعت علي من فضلك ، ونشرت علي من عدلك ، وأحييتني تحتظلك ، وهذا شهر نبيك سيد رسلك ، شعبان الذي حففته(٢) منك بالرحمةوالرضوان ، الذي كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يدأب(٣) في صيامهوقيامه ، في لياليه وايامه ، بخوعا(٤) لك في اكرامه واعظامه إلى محلحمامه.

__________________

(١) أداء : فرضا.

(٢) حففته : حصصته.

(٣) يدأب : يجد ويتعب.

(٤) بخوعا : خضوعا.

٤٠١

اللهم فاعنا على الاستنان بسنته(١) فيه ، ونيل الشفاعة لديه ، اللهمواجعله لي شفيعا مشفعا ، وطريقا إليك مهيعا ،(٢) واجعلني له متبعاحتى ألقاك(٣) يوم القيامة عني راضيا ، وعن ذنوبي غاضيا ، قد أوجبت ليمنك الرحمة(٤) والرضوان ، وأنزلتني دار القرار ، ومحل الأخيار(٥) .

٢ ـ وروى محمد بن أبي حمزة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : من قالفي كل يوم من شعبان سبعين مرة :

استغفر الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ، الحي القيوم ،وأتوب إليه.

كتبه الله في الأفق المبين ، قلت : وما الأفق المبين؟ قال : قاع بينيدي العرش فيه انهار تطرد فيه من القدحان عدد النجوم(٦) .

__________________

(١) الاستنان بسنته : العمل بشريعته.

(٢) مهيعا : واسعا بينا.

(٣) ألقاه ( خ ل ).

(٤) الكرامة ( خ ل ).

(٥) أورده الشيخ في مصباحه : ٥٧٥ بالاسناد عن محمد بن يحيى العطار ، عن أحمد بنمحمد السياري ، عن العباس بن مجاهد ، عنه الوسائل ٧ : ٣٦٥.

رواه السيد في الاقبال ٣ : ٢٩٩ بعدة طرق إلى جده الشيخ ، وعن محمد بن علي الطرازيفي كتابه.

أخرجه الكفعمي في البلد الأمين : ١٨٦ ، وفي مصباحه : ٥٤٤ مرسلا عنه عليه‌السلام .

(٦) رواه الصدوق في الخصال : ٥٨٢ ، ثواب الأعمال : ١٩٨ ، فضائل الأشهر الثلاثة : ٥٦

٤٠٢

ليلة النصف :

الف ـ أفضل الأعمال فيها زيارة أبي عبد الله الحسين بن عليعليهما‌السلام .

١ ـ وروى خداش ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : من زار قبر الحسينابن عليعليهما‌السلام ثلاث سنين متواليات لا يفصل بينهن في النصف من شعبانغفرت له ذنوبه البتة(١) .

٢ ـ وروى محمد بن مارد القمي قال : قال لنا أبو جعفرعليه‌السلام : من زارقبر الحسين في النصف من شعبان غفرت له ذنوبه ولم يكتب عليه سيئةفي سنته حتى يحول عليه الحول ، فان زاره في السنة الثانية غفرت ذنوبه(٢) .

__________________

معاني الأخبار : ٢٢ ، باسناده عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن موسى بن جعفر البغدادي ، عنمحمد بن جمهور ، عن عبد الله بن عبد الرحمان ، عن ابن أبي حمزة ، عنهم البحار ٥٨ : ٢٩ ، ٩٧ : ٩١ ، الوسائل ١٠ : ٥١٠ ، أخرجه الكفعمي في مصباحه : ٥٤٥ ، البلد الأمين : ١٨٧.

ذكره الشيخ في مصباحه : ٧٦١ عن محمد بن أبي حمزة ، عنه السيد في الاقبال ٣ : ٢٩٥.

أورده السيد في الاقبال ٣ : ٢٩٥ عن محمد بن الحسن الصفار من كتاب فضل الدعاء ، وفيه :( الحي القيوم الرحمن الرحيم ) ، عنه الوسائل ١٠ : ٥١١.

(١) رواه ابن قولويه في الكامل : ٣٣٤ ، والشيخ في مصباحه : ٧٦١ ، والأمالي ١ : ٤٦ ، عنهمالبحار ١٠١ : ٩٤.

(٢) رواه ابن قولويه في الكامل : ٣٣٤ ، والشيخ في مصباحه : ٧٦١ ، والأمالي ١ : ٤٦ ، عنهمالبحار ١٠١ : ٩٤ ، الوسائل ١٤ : ٤٦٨.

٤٠٣

٣ ـ وروى عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : من أحب ان يصافحه مائةوعشرون الف نبي فليزر قبر الحسينعليه‌السلام في نصف شعبان ، فان أرواحالنبيين تستأذن في زيارته فيؤذن لهم(١) .

ب ـ صلاة ليلة النصف من شعبان :

١ ـ روى أبو يحيى الصنعاني عن أبي جعفر وأبي عبد اللهعليهما‌السلام ،ورواه عنهما ثلاثون رجلا ممن يوثق به ، قالا : إذا كان ليلة النصف منشعبان فصل أربع ركعات ، تقرأ في كل ركعة( قل هو الله أحد ) مائة مرة ،تنوي أصلي صلاة ليلة النصف من شعبان مندوبا قربة إلى الله تعالى ، كلركعتين بتسليمة ، فإذا فرغت منهما فقل :

اللهم إني إليك فقير ، ومن عذابك خائف مستجير ، اللهم لا تبدلاسمي ، ولا تغير جسمي ، ولا تجهد بلائي ، ولا تشمت بي أعدائي.

أعوذ بعفوك من عقابك ، وأعوذ برحمتك من عذابك ، وأعوذبرضاك من سخطك ، وأعوذ بك منك جل ثناؤك ، أنت كما أثنيت علىنفسك وفوق ما يقول القائلون(٢) .

__________________

(١) رواه ابن قولويه في الكامل : ٣٣٣ ، والشيخ في التهذيب ٦ : ٤٨ ، مصباحه : ٧٦١ ، عنهمالبحار ١٠١ : ٩٣.

(٢) رواه الكليني في الكافي ٣ : ٤٦٩ باسناده عن علي بن محمد مرفوعا عن الصادقعليه‌السلام ، عنه الشيخ في التهذيب ٣ : ١٨٥ ، أورده المفيد في مسار الشيعة : ٧٥ مرسلا

٤٠٤

٢ ـ صلاة أخرى في هذه الليلة

روى أبو يحيى عن جعفر بن محمدعليهما‌السلام قال : سئل الباقرعليه‌السلام عنفضل ليلة النصف من شعبان ، فقال : هي أفضل ليلة بعد ليلة القدر ، فيهايمنح الله العباد فضله ويغفر لهم بمنه ، فاجتهدوا في القربة إلى الله تعالىفيها ، فإنها ليلة آلى اللهعزوجل على نفسه لا يرد سائلا فيها ما لم يسألالله معصية ، فإنها الليلة التي جعلها الله لنا أهل البيت بإزاء ما جعل ليلةالقدر لنبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فاجتهدوا في الدعاء والثناء على الله سبحانه ، فإنه منسبح الله تعالى فيها مائة مرة وحمده مائة مرة وكبره مائة مرة ، غفر الله لهما سلف من معاصيه ، وقضى له حوائج الدنيا والآخرة ما التمسه ، وماعلم حاجته إليه وان لم يلتمسه ، منة وتفضلا على عباده.

قال أبو يحيى : فقلت لسيدنا الصادقعليه‌السلام : أي شئ أفضلالأدعية؟ فقال : إذا أنت صليت عشاء الآخرة فصل ركعتين ، تقرأ فيالأولى الحمد مرة وسورة الجحد ، وهي( قل يا أيها الكافرون ) ، واقرأفي الركعة الثانية الحمد وسورة التوحيد ، وهي( قل هو الله أحد ) .

فإذا أنت سلمت قلت : سبحان الله ـ ثلاثا وثلاثين مرة ، والحمد لله ـ ثلاثا وثلاثين مرة ، والله أكبر ـ أربعا وثلاثين مرة.

__________________

ذكره الشيخ في مصباحه : ٧٦٢ عن أبي يحيى الصنعاني ، عنه السيد في الاقبال ٣ : ٣١٤عنهم البحار ٩٧ : ٨٨ ، ٩٨ : ٤٨ ، الوسائل ٨ : ١٠٦.

ذكره السيد في الاقبال ٣ : ٣١٤ عن أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري مقطوعا.

٤٠٥

ثم قل :

يا من إليه ملجأ العباد في المهمات ، واليه يفزع الخلق فيالملمات ، يا عالم الجهر والخفيات ، يا من لا تخفى عليه خواطر الأوهاموتصرف الخطرات ، يا رب الخلائق والبريات ، يا من بيده ملكوتالأرضين والسماوات.

أنت الله لا إله إلا أنت ، أمت إليك بلا اله الا أنت ، فبلا اله الا أنتاجعلني في هذه الليلة ممن نظرت إليه فرحمته ، وسمعت دعاءهفأجبته ، وعلمت استقالته فأقلته ، وتجاوزت عن سالف خطيئته وعظيمجريرته ، فقد استجرت بك من ذنوبي ، ولجأت إليك في ستر عيوبي.

اللهم فجد علي بكرمك وفضلك ، واحطط خطاياي بحلمكوعفوك ، وتغمدني في هذه الليلة بسابغ كرامتك ، واجعلني فيها منأوليائك الذين اجتبيتهم لطاعتك ، واخترتهم لعبادتك ، وجعلتهمخالصتك وصفوتك.

اللهم اجعلني في هذه الليلة ممن سعد جده ، وتوفر من الخيراتحظه ، واجعلني ممن سلم فنعم ، وفاز فغنم ، واكفني شر ما أسلفت ،واعصمني من الازدياد في معصيتك ، وحبب إلي طاعتك ، وما يقربنيمنك ويزلفني عندك.

سيدي إليك يلجأ الهارب ، ومنك يلتمس الطالب ، وعلى كرمكيعول المستقيل التائب ، أدبت عبادك بالتكرم وأنت أكرم الأكرمين ،

٤٠٦

وأمرت بالعفو عبادك وأنت الغفور الرحيم

اللهم فلا تحرمني ما رجوت من كرمك ، ولا تؤيسني من سابغنعمك ، ولا تخيبني من جزيل قسمك في هذه الليلة لأهل طاعتك ،واجعلني في جنة من شرار بريتك.

رب ان لم أكن من أهل ذلك فأنت أهل الكرم والعفو والمغفرة ،وجد علي بما أنت أهله لا بما استحقه ، فقد حسن ظني بك ، وتحققرجائي لك ، وعلقت نفسي بكرمك ، وأنت ارحم الراحمين وأكرمالأكرمين.

اللهم واخصصني من كرمك بجزيل قسمك ، وأعوذ بعفوك منعقوبتك ، واغفر لي الذنب الذي يحبس عني(١) الخلق ، ويضيق عليالرزق ، حتى أقوم بصالح رضاك ، وانعم بجزيل عطائك ، واسعد بسابغنعمائك.

فقد لذت بحرمك ، وتعرضت لكرمك ، واستعذت بعفوك منعقوبتك ، وبحلمك من غضبك ، فجد بما سألتك ، وأنل ما التمستمنك ، أسألك بك لا بشئ هو أعظم منك.

ثم تسجد وتقول عشرين مرة يا رب ، يا الله ـ سبع مرات ، لا حولولا قوة الا بالله ـ سبع مرات ، ما شاء الله ـ عشر مرات ، لا قوة الا بالله ـ عشر مرات.

__________________

(١) علي ( خ ل ).

٤٠٧

ثم تصلي على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وتسال الله حاجتك ، فوالله لو سألتبها بعدد القطر لبلغك اللهعزوجل إياها بكرمه وفضله(١) .

وتقول :

الهي تعرض لك في هذا الليل المتعرضون ، وقصدك القاصدون ،وأمل فضلك ومعروفك الطالبون ، ولك في هذا الليل نفحات وجوائزوعطايا ومواهب ، تمن بها على من تشاء من عبادك ، وتمنعها منلم تسبق له العناية منك ، وها انا ذا عبيدك الفقير إليك ، المؤمل فضلكومعروفك.

فان كنت يا مولاي تفضلت في هذه الليلة على أحد من خلقك ،وعدت عليه بعائدة من عطفك ، فصل على محمد وال محمد الطيبينالطاهرين ، الخيرين الفاضلين ، وجد علي بطولك ومعروفك يا ربالعالمين ، وصلى الله على محمد خاتم النبيين وآله الطاهرين وسلمتسليما ، ان الله حميد مجيد.

__________________

(١) رواه الشيخ في مصباحه : ٧٦٣ باسناده عن أبي يحيى ، عنه السيد في الاقبال ٣ : ٣١٥ ،عنه البحار ٩٨ : ٤٠٨.

ذكره الشيخ في أماليه ١ : ٣٠٢ باسناده عن الفحام ، عن صفوان بن حمدون الهروي ، عنأحمد بن محمد السري ، عن أحمد بن محمد بن عبد الرحمان ، عن الحسين بن عبد الرحمان بنمحمد الأزدي ، عن أبيه وعمه عبد العزيز بن محمد ، عن عمرو بن أبي المقدام ، عن أبي يحيى ،عنه البحار ٩٧ : ٨٦.

أخرجه الكفعمي في مصباحه : ٥٤١ ، البلد الأمين : ١٧٤.

٤٠٨

اللهم إني أدعوك كما أمرت فاستجب لي كما وعدت انك لا تخلفالميعاد(١) .

٣ ـ صلاة أخرى في هذه الليلة :

روى محمد بن صدقة العنبري قال : حدثنا موسى بن جعفر ، عنأبيهعليهما‌السلام قال : الصلاة ليلة النصف من شعبان أربع ركعات ، تقرأ في كلركعة الحمد مرة و( قل هو الله أحد ) مائتين وخمسين مرة ، ثم تجلسوتتشهد وتسلم.

وتدعو بعد التسليم وتقول :

اللهم إني إليك فقير ، ومن عذابك خائف ، وبك مستجير ، ربلا تبدل اسمي ، رب لا تغير جسمي ، رب لا تجهد بلائي.

اللهم إني أعوذ بعفوك من عقوبتك ، وأعوذ برضاك من سخطك ،وأعوذ برحمتك من عقابك ، وأعوذ بك منك لا إله إلا أنت ، جل ثناؤك ،ولا احصي مدحتك ولا الثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك وفوقما يقول القائلون ، أنت صل على محمد وال محمد وافعل بي كذا وكذا.

وسل حاجتك إن شاء الله(٢) .

٤ ـ صلاة أخرى في هذه الليلة :

__________________

(١) رواه الشيخ في مصباحه : ٧٦٣ مرسلا ، عنه السيد في الاقبال ٣ : ٣١٨ ، عنه البحار٩٧ : ٨٨ و ٩٨ : ٤١١.

(٢) رواه الشيخ في مصباحه : ٧٦٩ باسناده عن محمد بن صدقة العنبري ، عن الكاظم ، عنأبيهعليهما‌السلام

٤٠٩

روى علي بن الحسن بن فضال ، عن أبيه قال : سألت أبا الحسن عليابن موسى الرضاعليهما‌السلام عن ليلة النصف من شعبان قال : هي ليلة يعتق اللهفيها الرقاب من النار ويغفر فيها الذنوب الكبار ، قلت : فهل فيها صلاةزيادة على سائر الليالي؟ قال : ليس فيها شئ موظف ، ولكن ان أحببت انتتطوع فيها بشئ فعليك بصلاة جعفر بن أبي طالبعليه‌السلام ، وأكثر فيها منذكر الله تعالى ومن الاستغفار والدعاء ، فان أبيعليه‌السلام كان يقول : الدعاءفيها مستجاب ، قلت : ان الناس يقولون : انها ليلة الصكاك ، فقال : تلك ليلةالقدر في شهر رمضان(١) .

وقد روي صلوات اخر ذكرت في المصباح لا نطول بذكره هاهنا.

ج ـ وفي هذه الليلة ولد الحجة الصالح صاحب الزمانعليه‌السلام ،ويستحب ان يدعى فيها بهذا الدعاء :

اللهم بحق ليلتنا ومولودها ، وحجتك وموعودها التي قرنت إلىفضلها فضلا ، فتمت كلمتك صدقا وعدلا ، لا مبدل لكلماتك ولا معقبلآياتك ، نورك المتألق ، وضياؤك المشرق ، والعلم النور في طخياءالديجور ، الغائب المستور ، جل مولده ، وكرم محتده ، والملائكةشهده ، والله ناصره ومؤيده إذا آن ميعاده ، والملائكة أمداده.

__________________

(١) رواه الصدوق في العيون ١ : ٢٩٢ ، الأمالي : ٣٢ ، فضائل الأشهر الثلاثة : ٤٥ ، عنهمالوسائل ٨ : ٦٠.

٤١٠

سيف الله الذي لا ينبو ، ونوره الذي لا يخبو ، وذو الحلم الذيلا يصبو ، مدار الدهر ، ونواميس العصر ، وولاة الامر ، والمنزل عليهم مايتنزل في ليلة القدر ، وأصحاب الحشر والنشر ، تراجمة وحيه وولاةامره ونهيه.

اللهم فصل على خاتمهم وقائمهم ، المستور عن عوالمهم ،وأدرك بنا أيامه ، وظهوره وقيامه ، واجعلنا من أنصاره ، واقرن ثارنابثاره ، واكتبنا في أعوانه وخلصائه ، وأحينا في دولته ناعمين ، وبصحبتهغانمين ، وبحقه قائمين ، ومن السوء سالمين ، يا ارحم الراحمين ،والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد خاتم النبيينوالمرسلين ، وعلى أهل بيته الصادقين وعترته الناطقين ، والعن جميعالظالمين ، واحكم بيننا وبينهم يا احكم الحاكمين(١) .

د ـ وروى إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال : علمني أبو عبد اللهعليه‌السلام دعاء ادعو به ليلة النصف من شعبان وهو :

اللهم أنت الحي القيوم ، العلي العظيم ، الخالق الرازق ، المحييالمميت ، البدئ البديع ، لك الجلال ولك الفضل ، ولك الحمد ولكالمن ، ولك الجود ولك الكرم ، ولك المجد ، ولك الامر ولك الشكر ،وحدك لا شريك لك.

يا واحد يا أحد يا صمد ، يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا

__________________

(١) رواه السيد في الاقبال ٣ : ٣٣٠.

٤١١

أحد ، صل على محمد وال محمد واغفر لي وارحمني ، وكفني ماأهمني ، واقض ديني ، ووسع علي في رزقي ، فإنك في هذه الليلة كلأمر حكيم تفرق ، ومن تشاء من خلقك ترزق ، فارزقني وأنت خيرالرازقين.

فإنك قلت وأنت خير القائلين الناطقين :( واسألوا الله منفضله ) (١) ، فمن فضلك اسال ، وإياك قصدت ، وابن نبيك اعتمدت ، ولكرجوت ، فارحمني يا ارحم الراحمين(٢) .

ه ـ دعاء آخر ليلة شعبان :

روى الحارث بن المغيرة النصري قال : كان أبو عبد اللهعليه‌السلام يقولفي آخر ليلة من شعبان وأول ليلة من شهر رمضان :

اللهم ان هذا الشهر المبارك الذي انزل فيه القران ، وجعل هدىللناس وبينات من الهدى والفرقان قد حضر ، فسلمنا فيه ، وسلمه لنا ،وتسلمه منا ، في يسر منك وعافية ، يا من اخذ القليل وشكر الكثير اقبلمني اليسير.

اللهم إني أسألك ان تجعل لي إلى كل خير سبيلا ، ومن كل ما

__________________

(١) النساء : ٣٢.

(٢) رواه الشيخ في مصباحه : ٧٧٤ باسناده عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي.

أورده الكفعمي في البلد الأمين : ١٨٧.

٤١٢

لا تحب مانعا ، يا ارحم الراحمين ، يا من عفى عني وعما خلوت به منالسيئات ، يا من لم يؤاخذني بارتكاب المعاصي ، عفوك عفوك عفوك ، ياكريم ، الهي وعظتني فلم اتعظ ، وزجرتني عن محارمك فلم انزجر ، فماعذري فاعف عني يا كريم ، عفوك عفوك.

اللهم إني أسألك الراحة عند الموت ، والعفو عند الحساب ، عظمالذنب من عبدك فليحسن التجاوز من عندك ، يا أهل التقوى ويا أهلالمغفرة ، عفوك عفوك.

اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ، ضعيف فقير إلىرحمتك ، وأنت منزل الغنى والبركة على العباد ، قاهر مقتدر ، أحصيتأعمالهم ، وقسمت ارزاقهم ، وجعلتهم مختلفة ألسنتهم وألوانهم خلقامن بعد خلق.

اللهم لا يعلم العباد علمك ، ولا يقدر العباد قدرك ، وكلنا فقير إلىرحمتك ، فلا تصرف عني وجهك ، واجعلني من صالحي خلقك فيالعمل والأمل ، والقضاء والقدر.

اللهم أبقني خير البقاء ، وأفنني خير الفناء ، على موالاة أوليائكومعاداة أعدائك ، والرغبة إليك ، والرهبة منك ، والخشوع والوفاءوالتسليم لك ، والتصديق بكتابك ، واتباع سنة رسولك.

اللهم ما كان في قلبي من شك أو ريبة ، أو جحود أو قنوط ، أو فرحأو بذخ ، أو بطر أو خيلاء ، أو رياء أو سمعة ، أو شقاق أو نفاق ، أو كفر

٤١٣

أو فسوق ، أو عصيان أو عظمة ، أو شئ لا تحب ، فأسألك يا رب انتبدلني مكانه ايمانا بوعدك ، ووفاء بعهدك ، ورضا بقضائك ، وزهدا فيالدنيا ، ورغبة فيما عندك ، وأثرة وطمأنينة ، وتوبة نصوحا ، أسألكذلك يا رب العالمين.

الهي أنت من حلمك تعصى ، ومن كرمك وجودك تطاع ، فكأنكلم تعص ، وانا ومن لم يعصك سكان ارضك ، فكن علينا بالفضل جوادا ،وبالخير عوادا ، يا ارحم الراحمين ، وصلى الله على محمد واله ، صلاةدائمة لا تحصى ولا تعد ، ولا يقدر قدرها غيرك ، يا ارحم الراحمين(١) .

١ ـ زيارة للحسين بن عليعليهما‌السلام أيضا مختصرة ، يزار بها في ليلةالقدر وفي العيدين.

وبالاسناد عن أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمدعليهما‌السلام قال : إذاأردت زيارة أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام فليأت مشهده بعد أن تغتسلوتلبس أطهر ثيابك ، فإذا وقفت على قبره فاستقبله بوجهك واجعلالقبلة بين كتفيك وقل :

السلام عليك يا ابن رسول الله ، السلام عليك يا ابن أمير المؤمنين ،

__________________

(١) رواه الشيخ في مصباحه : ٧٨١ باسناده عن الحارث بن المغيرة النضري.

أورده السيد في الاقبال ١ : ٤٣ عن عدة طرق عن الصادق عليه‌السلام .

ذكره الكفعمي في البلد الأمين : ١٩٢.

٤١٤

السلام عليك يا ابن الصديقة الطاهرة سيدة نساء العالمين ، السلام عليكيا مولاي ، يا أبا عبد الله ورحمة الله وبركاته.

اشهد أنك قد أقمت الصلاة ، واتيت الزكاة ، وأمرت بالمعروف ،ونهيت عن المنكر ، وتلوت الكتاب حق تلاوته ، وجاهدت في الله حقجهاده ، وصبرت على الأذى في جنبه محتسبا حتى أتاك اليقين.

واشهد ان الذين خالفوك وحاربوك ، وان الذين خذلوك ، والذينقتلوك ملعونون على لسان النبي الأمي ، وقد خاب من افترى ، لعن اللهالظالمين لكم من الأولين والآخرين ، وضاعف عليهم العذاب الأليم.

اتيتك يا مولاي يا ابن رسول الله ، زائرا عارفا بحقك ، مواليالأوليائك ، معاديا لأعدائك ، مستبصرا بالهدى الذي أنت عليه ، عارفابضلالة من خالفك ، فاشفع لي عند ربك.

ثم تنكب على القبر وتضع خدك عليه وتتحول إلى عند الرأسوتقول :

السلام عليك يا حجة الله في ارضه وسمائه ، صلى الله علىروحك الطيبة وجسدك الطاهر ، وعليك السلام يا مولاي ورحمة اللهوبركاته.

ثم تنكب على القبر وتقبله وتضع خدك عليه وتنحرف إلى عندالرأس فتصلي ركعتين للزيارة وتصلي بعدهما ما تيسر ، ثم تتحول إلىعند الرأس وتزور علي بن الحسينعليهما‌السلام فتقول :

٤١٥

السلام عليك يا مولاي وابن مولاي ورحمة الله وبركاته ، لعن اللهمن ظلمك ، ولعن من قتلك ، وضاعف عليهم العذاب الأليم.

وتدعو بما تريد.

وتزور الشهداء منحرفا من عند الرجلين إلى القبلة فتقول :

السلام عليكم أيها الصديقون ، السلام عليكم أيها الشهداءالصابرون ، اشهد انكم جاهدتم في سبيل الله ، وصبرتم على الأذى فيجنب الله ، ونصحتم لله ولرسوله حتى اتاكم اليقين.

اشهد انكم احياء عند ربكم ترزقون ، فجزاكم الله عن الاسلاموأهله أفضل جزاء المحسنين ، وجمع الله بيننا وبينكم في محل النعيم.

ثم تمضي إلى مشهد العباس ابن أمير المؤمنينعليهما‌السلام ، فإذا وقفتعليه فقل :

السلام عليك يا ابن أمير المؤمنين ، السلام عليك أيها العبدالصالح ، المطيع لله ولرسوله ، اشهد انك قد جاهدت ونصحتوصبرت حتى أتاك اليقين ، لعن الله الظالمين لكم من الأولين والآخرينوالحقهم بدرك الجحيم.

ثم يصلي في مسجده تطوعا ما أراد وينصرف(١) .

__________________

(١) عنه البحار ١٠١ : ٣٥١.

أورده الشهيد في مزاره : ١٦٧ ، والسيد في مصباح الزائر : ١٧١ مقطوعا.

ذكره الشهيد والسيد وابن المشهدي بعنوان زيارته في ليلة القدر والعيدين ، وقال السيد

٤١٦

٢ ـ زيارة أخرى لأبي عبد الله الحسين صلوات الله عليه يزار بهاأيضا في العيدين.

إذا أردت زيارتهعليه‌السلام فصم ثلاثة أيام ، واغتسل في اليوم الثالث ،واجمع أهلك إليك وولدك وقل :

اللهم إني استودعك اليوم نفسي وأهلي ومالي وولدي ، وكل منكان مني بسبيل ، الشاهد منهم والغائب ، اللهم احفظنا بحفظ الايمانواحفظ علينا.

اللهم اجعلنا في حرزك ، ولا تسلبنا نعمتك ، ولا تغير ما بنا مننعمة وعافية ، وزدنا من فضلك انا إليك راغبون.

واخرج من منزلك خاشعا ، وأكثر من التهليل والتكبير والتحميدوالتمجيد والصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وامض وعليك السكينة والوقار.

وروي ان الله تعالى يخلق من عرق زوار قبر الحسين ، من كل عرقةسبعين الف ملك يسبحون الله ويستغفرون له ولزوار الحسين إلى أنتقوم الساعة.

فإذا لاحت لك القبة السامية فقل :

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى ، الله خير اما يشركون ،

__________________

بأنها مختصة بليلة القدر ويزار بها في العيدين ، اما لا يظهر من الرواية اختصاصها بهما والظاهر أنهامن الزيارات المطلقة ولا اختصاص لها بالأزمان ، والله العالم.

٤١٧

وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ، وسلام على آل يس ،انا كذلك نجزي المحسنين ، وسلام على الطيبين الطاهرين ، الأوصياءالصادقين ، القائمين بأمر الله وحجته ، الساعين إلى سبيل الله ،المجاهدين في الله حق جهاده ، الناصحين لجميع عباده ، المستخلفينفي بلاده ، المرشدين إلى هدايته وارشاده.

فإذا أشرفت على قنطرة العلقمي فقل :

اللهم إليك قصد القاصدون ، وفي فضلك طمع الراغبون ، وبكاعتصم المعتصمون ، وعليك توكل المتوكلون ، وقد قصدتك وافدا ،وفي رحمتك طامعا ، ولعزتك خاضعا ، ولولاة امرك طائعا ، ولأمرهممتابعا.

اللهم ثبتني على محبة أوليائك ، ولا تقطع أثري عن زيارتهم ،واحشرني في زمرتهم ، وادخلني الجنة بشفاعتهم.

فإذا اتيت الفرات فكبر الله مائة تكبيرة ، وهلله مائة تهليلة ، وصلعلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مائة مرة ثم قل :

اللهم أنت خير من وفد إليه الرجال ، وشدت إليه الرحال ، وأنتسيدي أكرم مزور وأفضل مقصود ، وقد جعلت لكل زائر كرامة ولكلوافد تحفة.

فاسالك ان تجعل تحفتك إياي فكاك رقبتي من النار ، واشكرسعيي ، وارحم مسيري إليك من أهلي ، بغير من مني عليك بل لك المن

٤١٨

علي ، إذ جعلت لي السبيل إلى زيارة ابن نبيك ، وعرفتني فضلهوحفظتني بالليل والنهار حتى بلغتني هذا المكان ، وقد رجوتكفلا تقطع رجائي ، وقد أملتك فلا تخيب املي ، واجعل مسيري هذا كفارةلذنوبي يا رب العالمين.

فأنزل فاغتسل وقل في غسلك :

بسم الله وبالله ولا حول ولا قوة الا بالله ، وعلى ملة رسول اللهوالصادقين عن الله جل وعز ، اللهم طهر قلبي ، واشرح به صدري ،ونور به قلبي ، ويسر به أمري.

اللهم اجعله لي نورا وطهورا ، وشفاء من كل داء وآفة وعاهةوسوء ما أخاف واحذر ، اللهم اجعل لي شاهدا يوم حاجتي وفقريوفاقتي إليك يا رب العالمين ، انك على كل شئ قدير.

باب الصلاة في مشرعة الصادقعليه‌السلام (١) :

فإذا فرغت من غسلك فالبس ثوبين طاهرين وصل ركعتين خارجالمشرعة ، وهو المكان الذي قال الله جل وعز :( وفي الأرض قطعمتجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان

__________________

(١) الشرعة ـ بالكسر ـ والمشرعة مورد الشاربة من النهر ، والآن النهر العلقمي مطموسوشرعة الصادقعليه‌السلام غير معلوم ، لكن ينسب إليهعليه‌السلام وضع في تلك الجهة ، فلعله هي.

٤١٩

يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الاكل ) (١)

تقرأ في الأولى فاتحة الكتاب و( قل يا أيها الكافرون ) ، وفي الثانيةفاتحة الكتاب و( قل هو الله أحد ) .

فإذا سلمت فسبح ثم قل :

الحمد لله الواحد المتوحد في الأمور كلها ، الرحمن الرحيم ، الذيهدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، لقد جاءت رسل ربنا بالحق.

اللهم لك الحمد حمدا كثيرا ابدا لا ينقطع ولا يفنى ، حمدايصعد أوله ولا ينفد آخره ، حمدا يزيد ولا يبيد ، وصلى الله علىمحمد البشير النذير ، وعلى آله الأخيار الأبرار وسلم تسليما.

فإذا توجهت إلى الحائر على ساكنه السلام فقل :

اللهم إليك توجهت ، ولبابك قرعت ، وبفنائك نزلت ، وبحبلكاعتصمت ، ولرحمتك تعرضت ، وبوليك توسلت ، فصل على محمدواله واجعل زيارتي مبرورة ودعائي مقبولا.

ثم امش وقصر خطاك ، وعليك السكينة والوقار والخشوع ،والتكبير والتهليل والتحميد والتمجيد ، والثناء على الله جل وعز ،والصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والبراءة ممن أسس الجور والظلم عليهم ،ودفعهم عن مقاماتهم وأزالهم عن مراتبهم ، ومن نصب لهم حرباوجحدهم حقاً.

__________________

(١) الرعد : ٤.

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702