المزار الكبير

المزار الكبير8%

المزار الكبير مؤلف:
المحقق: جواد القيّومي الإصفهاني
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
ISBN: 964-92002-0-7
الصفحات: 702

المزار الكبير
  • البداية
  • السابق
  • 702 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 187385 / تحميل: 6367
الحجم الحجم الحجم
المزار الكبير

المزار الكبير

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٩٢٠٠٢-٠-٧
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

صلى الله عليك وعلى روحك وبدنك ، اشهد انك مضيت علىبينة من ربك ، وان من سرك فقد سر رسول الله ، ومن جفاك فقد جفارسول الله ، ومن قطعك فقد قطع رسول الله ، لأنك بضعة(١) منه وروحهالتي بين جنبيه ، كما قال عليه أفضل سلام الله وأفضل صلواته.

اشهد الله ورسوله وملائكته اني راض عمن رضيت عنه ، ساخطعمن سخطت عليه ، متبرئ ممن تبرأت منه ، موال لمن واليت ، معادلمن عاديت ، مبغض لمن أبغضت ، محب لمن أحببت ، وكفى باللهشهيدا حسيبا وجازيا ومثيبا.

ثم قل :

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد بن عبد الله خاتمالنبيين وخير الخلق أجمعين ، وصل على وصيه علي بن أبي طالبأمير المؤمنين وامام المسلمين وخير الوصيين ، وصل على فاطمة بنتمحمد سيدة نساء العالمين ، وصل على سيدي شباب أهل الجنة الحسنوالحسين ، وصل على زين العابدين علي بن الحسين ، وصل علىمحمد بن علي باقر علم النبيين ، وصل على الصادق عن الله جعفر بنمحمد ، وصل على كاظم الغيظ في الله موسى بن جعفر ، وصل علىالرضا علي بن موسى ، وصل على التقي محمد بن علي ، وصل علىالنقي علي بن محمد ، وصل على الزكي الحسن بن علي ، وصل على

__________________

(١) البضعة ـ بفتح الباء وقد يكسر ـ القطعة من اللحم.

٨١

الحجة القائم بن الحسن بن علي.

اللهم أحيي به العدل ، وأمت به الجور ، وزين ببقائه الأرض ، وأظهر به دينك وسنة نبيك ، حتى لا يستخفى بشئ من الحق مخافة أحدمن الخلق ، واجعلنا من أشياعه واتباعه والمقبولين في زمرة أوليائه يارب العالمين ، اللهم صل على محمد وأهل بيته الذين أذهبت عنهمالرجس وطهرتهم تطهيرا.

ثم صل ما بدا لك وادع بما شئت(١) .

٣ ـ زيارة أخرى لهاعليها‌السلام عند بيتها وبالبقيع ، تقول :

السلام على البتولة الشهيدة ابنة النبي الرحمة ، وزوج الوصيالحجة وأم السادة الأئمة ، السلام عليك يا فاطمة الزهراء ابنة النبيالمصطفى ، السلام عليك وعلى أبيك ، السلام عليك وعلى بعلك وبنيك.

السلام عليك أيتها الممتحنة ، السلام عليك أيتها المظلومةالصابرة ، لعن الله من منعك حقك ودفعك عن ارثك ، ولعن الله منكذبك وأعنتك(٢) وغصصك بريقك وادخل الذل بيتك ، لعن الله منرضي بذلك وشايع فيه واختاره وأعان عليه ، والحقهم بدرك الجحيم.

اني أتقرب إلى الله سبحانه بولايتكم أهل البيت والبراءة من

__________________

(١) رواه الشيخ في التهذيب ٦ : ٩ ، عنه البحار ١٠٠ : ١٩٤.

(٢) أعنته : ادخل المشقة عليه.

٨٢

أعدائكم من الجن والإنس ، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين(١) .

الباب (٤)

ذكر ما يفعله الزائر عند مقام جبرئيلعليه‌السلام بالمسجد

سئل الصادق جعفر بن محمدعليهما‌السلام عن مقام جبرئيلعليه‌السلام فقال :تحت الميزاب الذي إذا خرجت من الباب الذي يقال له باب فاطمةعليها‌السلام بحيال الباب ، والميزاب فوقك والباب من وراء ظهرك(٢) .

فان قدرت ان تصلي فيه ركعتين مندوبا فافعل ، فإنه لا يدعو أحدهناك الا استجيب له ، وتقول هناك :

يا من خلق السماوات وملاها جنودا من المسبحين له من ملائكتهوالممجدين لقدرته وعظمته ، وافرغ على أبدانهم حلل الكرامات ،وأنطق ألسنتهم بضروب اللغات ، وألبسهم شعار التقوى ، وقلدهمقلائد النهي ، وجعلهم أوفر أجناس خلقه معرفة بوحدانيته وقدرتهوجلالته وعظمته ، وأكملهم علما به ، وأشدهم فرقا ، وأدومهم له طاعةوخضوعا واستكانة وخشوعا.

يا من فضل الأمين جبرئيلعليه‌السلام بخصائصه ودرجاتهومنازله ، واختاره لوحيه وسفارته وعهده وأمانته ، وانزال كتبه وأوامره

__________________

(١) رواه السيد في مصباح الزائر : ٢٦ ، عنه البحار ١٠٠ : ١٩٨.

(٢) عنه البحار ١٠٠ : ١٨٠.

٨٣

على أنبيائه ورسله ، وجعله واسطة بين نفسه وبينهم.

أسألك ان تصلي على محمد وعلى جميع ملائكتك وسكانسماواتك ، اعلم خلقك بك ، وأخوف خلقك لك ، وأقرب خلقك منكواعمل خلقك بطاعتك ، الذين لا يغشاهم نوم العيون ، ولا سهوالعقول ، ولا فترة الأبدان ، المكرمين بجوارك ، والمؤتمنين على وحيك ،المجتنبين الآفات ، الموقين السيئات.

اللهم واخصص الروح الأمين صلواتك عليه باضعافها منك ،وعلى ملائكتك المقربين وطبقات الكروبيين والروحانيين ، وزد فيمراتبه عندك ، وحقوقه التي له على أهل الأرض بما كان ينزل به منشرايع دينك وما بينته لهم على السنة أنبيائك من محللاتك ومحرماتك.

اللهم أكثر صلواتك على جبرئيل ، فإنه قدوة الأنبياء ، وهاديالأصفياء ، وسادس أصحاب الكساء ، اللهم اجعل وقوفي في مقامه هذاسببا لنزول رحمتك به علي وتجاوزك عني.

وتقول :

اي جواد اي كريم ، اي قريب اي بعيد ، أسألك ان تصلي علىمحمد وال محمد وان توفقني لطاعتك ، ولا تزل عني نعمتك ، وانترزقني الجنة برحمتك ، وتوسع علي من فضلك ، وتغنيني عن شرارخلقك ، وتلهمني شكرك وذكرك ، ولا تخيب يا رب دعائي ، ولا تقطع

٨٤

رجائي بمحمد واله(١) .

الباب (٥)

ما يفعله عند أسطوانة أبي لبابةرضي‌الله‌عنه

تصلي ركعتين مندوبا عند أسطوانة أبي لبابة ، وهي أسطوانة التوبة ، وقل بعدهما :

بسم الله الرحمن الرحيم ، اللهم لا تهني بالفقر ، ولا تذلني بالدين ،ولا تردني إلى الهلكة ، واعصمني كي اعتصم ، وأصلحني كي انصلح ،واهدني كي اهتدي.

اللهم أعني على اجتهاد نفسي ، ولا تعذبني بسوء ظني ،ولا تهلكني وأنت رجائي ، وأنت أهل ان تغفر لي ، وقد أخطأت وأنتأهل العفو عني ، وقد أقررت وأنت أهل ان تقيل ، وقد عثرت وأنتأهل ان تحسن ، وقد أسأت وأنت أهل التقوى والمغفرة ، فوفقني لماتحب وترضى ، ويسر لي اليسير وجنبني كل عسير.

اللهم أغنني بالحلال عن الحرام ، وبالطاعات عن المعصيات ،وبالغني عن الفقر ، وبالجنة عن النار ، وبالابرار عن الفجار ، يا من ليسكمثله شئ وهو السميع البصير ، وأنت على كل شئ قدير(٢) .

__________________

(١) رواه السيد في مصباح الزائر : ٢٥ ، عنه البحار ١٠٠ : ١٦٦.

(٢) عنه البحار ١٠٠ : ١٦٧.

٨٥

الباب (٦)

باب زيارة الأئمةعليهم‌السلام بالبقيع

أبي محمد الحسن بن علي ، وأبي محمد علي بن الحسينزين العابدين ، وأبي جعفر محمد بن علي الباقر ، وأبي عبد الله جعفر بنمحمد الصادق صلوات الله عليهم أجمعين.

١ ـ فإذا أتيتهم فقف عندهم واجعل القبر بين يديك ، وقل :

السلام عليكم أئمة الهدى ، السلام عليكم أهل التقوي ، السلامعليكم أيها الحجج على أهل الدنيا ، السلام عليكم أيها القوام في البرية ،السلام عليكم أهل الصفوة ، السلام عليكم أهل النجوي(١) .

اشهد انكم قد بلغتم ونصحتم وصبرتم في ذات اللهعزوجل ،وكذبتم وأسئ إليكم فغفرتم ، واشهد انكم الأئمة الراشدون المهديون ،وان طاعتكم مفروضة ، وان قولكم الصدق ، وانكم دعوتم فلم تجابوا ،وأمرتم فلم تطاعوا ، وانكم دعائم الدين ، وأركان الأرض.

لم تزالوا بعين الله(٢) عزوجل ، ينسخكم في أصلاب كل مطهر ،وينقلكم في الأرحام الطاهرات ، لم تدنسكم الجاهلية الجهلاء ،

__________________

(١) أهل النجوي : اي تناجون الله ويناجيكم ، أو عندكم الاسرار التي ناجي الله بها رسوله.

(٢) لم تزالوا بعين الله : اي منظورين بعين عنايته ولطفه.

٨٦

ولم تشرك فيكم فتن الأهواء(١) طبتم وطهرتم

من بكم علينا ديان الدين ، فجعلكم في بيوت اذن الله ان ترفعويذكر فيها اسمه ، وجعل صلاتنا عليكم ، رحمة لنا وكفارة لذنوبنا ،واختاركم لنا ، وطيب خلقنا بما من به علينا من ولايتكم ، وكنا عندهمسمين.

وهذا مقام من أسرف واخطأ ، واستكان(٢) وأقر بما جنى ، يرجوبمقامه الخلاص ، وان يستنقذه بكم مستنقذ الهلكى ، فكونوا لي شفعاء ،فقد وفدت إليكم إذ رغب عنكم مخالفوكم عنكم من أهل الدنيا ،واتخذوا آيات الله هزوا ولعبا واستكبروا عنها(٣) .

ثم ترفع رأسك وتقول :

يا من هو قائم لا يسهو ، ودائم لا يلهو ، ومحيط بكل شئ ، لكالمن بما وفقتني وعرفتني بما أعنتني عليه ، إذ صد عنه عبادك ، وجهلوامعرفتهم ، واستخفوا بحقهم ، ومالوا إلى سواهم ، وكانت المنة لك عليومنك إلي.

فلك الحمد إذ كنت عندك في مقامي هذا مذكورا مكتوبا ،

__________________

(١) لم تشرك فيكم فتن الأهواء : لم يصادفكم في آبائكم أهل الأهواء الباطلة ، اي لم يكونوا كذلك بلكانوا على الحق والدين القويم ، أو المراد خلوص نسبهم عن الشبهة ، أو انه لم تشرك في عقائدكم وأعمالكمفتن الأهواء والبدع ـ البحار

(٢) استكان : تضرع.

(٣) ثم ترفع رأسك وتقول ( خ ل ).

٨٧

فلا تحرمني ما رجوت ، ولا تخيبني فيما دعوت

وادع لنفسك ولوالديك ولمن أحببت بما شئت من الدعاء ، وصللكل امام ركعتين زيارة مندوبا وانصرف(١) .

٢ ـ زيارة أخرى لهمعليهم‌السلام :

يستحب لمن أراد زيارتهم ان يغتسل أولا ثم يأتي بسكينة(٢) ووقار ،فإذا ورد إلى الباب الشريف وقف عليه وقال :

يا موالي يا أبناء رسول الله ، عبدكم وابن أمتكم ، الذليل بينأيديكم ، والمضعف في علو قدركم ، والمعترف بحقكم ، جاءكممستجيرا بكم ، قاصدا إلى حرمكم ، متوسلا إلى مقامكم ، متوسلا إلىالله بكم.

أأدخل يا موالي ، أأدخل يا أمناء الله ، أأدخل يا أولياء الله ،أأدخل يا ملائكة الله المحدقين بهذا الحرم ، المقيمين بهذا المشهد.

واخشع لربك وابك ، فان خشع قلبك ودمعت عيناك فهو علامةالقبول والاذن ، وادخل رجلك اليمنى القبة واخر اليسرى ، وقل :

الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا ، وسبحان الله بكرة وأصيلا ،

__________________

(١) رواه في الكامل : ١١٧ ، عنه البحار ١٠٠ : ٢٠٣ ، ذكره في مصباح المتهجد : ٦٥٧.

(٢) قال الكفعمي : السكينة فعيلة من السكون ، يعني السكون الذي هو وقار ، لا السكون الذي هوضد الحركة.

٨٨

والحمد لله الفرد الصمد الماجد الاحد ، المتفضل المنان المتطولالحنان ، الذي من بطوله ، وسهل زيارة سادتي باحسانه ، ولم يجعلنيعن زيارتهم ممنوعا بل تطول ومنح.

ثم ادخل واجعل القبور بين يديك وقل :

السلام عليكم أئمة الهدى ، السلام عليكم أهل التقوى ، السلامعليكم أيها الحجج على أهل الدنيا ، السلام عليكم القوام في البريةبالقسط ، السلام عليكم أهل الصفوة ، السلام عليكم أهل النجوى.

اشهد انكم قد بلغتم عن الله ونصحتم أولياء الله وصبرتم فيذات الله ، وانكم المهتدون ، وان طاعتكم مفروضة ، وان قولكمالصدق ، وانكم دعائم الدين ، وأركان الأرض.

لم تزالوا بعين الله ، ينسخكم في أصلاب كل مطهر ، وينقلكم منأصلاب المطهرات ، لم تدنسكم الجاهلية الجهلاء ، ولم تشرك فيكم فتنالأهواء ، طبتم وطاب منبتكم.

من بكم علينا ديان الدين ، فجعلكم في بيوت اذن الله ان ترفعويذكر فيها اسمه ، وجعل صلاتنا عليكم ، وطيب خلقتنا بما من به علينامن ولايتكم ، وكنا عنده مسمين بعلمكم ، معترفين بتصديقنا إياكم.

وهذا مقام من أسرف واخطأ ، واستكان وأقر بما جنى ، ورجابمقامه الخلاص من لظى ، وان يستنقذه بكم مستنقذ الهلكى من الردى ،فكونوا لي شفعاء ، فقد وفدت إليكم إذ رغب عنكم أهل الدنيا ، واتخذوا

٨٩

آيات الله هزوا واستكبروا عنها.

السلام عليكم يا ساداتي ، انا عبدكم ومولاكم وزائركم ، اللائذبكم ، أتوسل إلى الله في نجح طلبتي وكشف كربتي ، وإجابة دعوتي وغفران حوبتي ، واسأله ان يسمع ويجيب برحمته.

وصل صلاة الزيارة ، وصفتها ان تنوي بقلبك صلاة الزيارة مندوباقربة إلى الله تعالى ، وتكون النية مقارنة للفعل ، وتصلي لكل امام ركعتين ، وادع بما تحب ، واسأله الحوائج ، فإنه موضع إجابة(١) .

الباب (٧)

زيارة إبراهيم ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

فإذا خرجت من قبة الأئمةعليهم‌السلام وامض إلى قبر إبراهيمعليه‌السلام ، فإذاوقفت عليه فقل :

السلام على رسول الله ، السلام على نبي الله ، السلام على حبيبالله ، السلام على صفي الله ، السلام على نجي الله ، السلام على محمدابن عبد الله سيد الأنبياء وخاتم المرسلين وخيرة الله من خلقه وسمائه ،السلام على جميع أنبياء الله ورسله ، السلام على الشهداء والسعداءوالصالحين ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

السلام عليك أيتها الروح الزاكية ، السلام عليك أيتها النفس

__________________

(١) عنه البحار ١٠٠ : ٢١١.

٩٠

الشريفة ، السلام عليك أيتها السلالة الطاهرة ، السلام عليك أيتها النسمةالزاكية ، السلام عليك يا بن خير الورى ، السلام عليك يا بن النبيالمجتبى ، السلام عليك يا بن المبعوث إلى كافة الورى.

السلام عليك يا بن البشير النذير ، السلام عليك يا بن السراجالمنير ، السلام عليك يا بن المؤيد بالقرآن ، السلام عليك يا بن المرسلإلى الإنس والجان ، السلام عليك يا بن صاحب الراية والعلامة ، السلامعليك يا بن الشفيع يوم القيامة ، السلام عليك يا بن من حباه الله بالكرامة ،السلام عليك ورحمة الله وبركاته.

اشهد انك قد اختار الله لك دار انعامه قبل ان يكتب عليك احكامهأو يكلفك حلاله وحرامه ، فنقلك إليه طيبا زاكيا مرضيا طاهرا من كلنجس ، مقدسا من كل دنس ، وبوأك جنة المأوى ، ورفعك إلى درجاتالعلى ، وصلى الله عليك صلاة يقر بها عين رسوله ، ويبلغه بها أكبرمأمولة.

اللهم اجعل أفضل صلواتك وأزكاها ، وأنمى بركاتك وأوفاها ،على رسولك ونبيك وخيرتك من خلقك ، محمد خاتم النبيين ، وعلىما نسل من أولاده الطيبين ، وعلى ما خلف من عترته الطاهرين ،برحمتك يا ارحم الراحمين.

اللهم إني أسألك بحق محمد صفيك ، وإبراهيم نجل نبيك ، انتجعل سعيي بهم مشكورا ، وذنبي بهم مغفورا ، وحياتي بهم سعيدة ،

٩١

وعافيتي بهم حميدة ، وحوائجي بهم مقضية ، وافعالي بهم مرضيةوأموري بهم مسعودة ، وشؤوني بهم محمودة.

اللهم وأحسن لي التوفيق ، ونفس عني كل هم وضيق ، اللهمجنبني عقابك ، وامنحني ثوابك ، واسكني جنانك ، وارزقني رضوانكوأمانك ، واشرك في صالح دعائي والدي وولدي وجميع المؤمنينوالمؤمنات ، الاحياء منهم والأموات ، انك ولي الباقيات الصالحات ،امين رب العالمين.

ثم يسأل حوائجه ، ويصلي ركعتي الزيارة مندوبا قربة إلى الله(١) .

الباب (٨)

زيارة فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام

فإذا وقف على قبرها قال :

السلام على نبي الله ، السلام على رسول الله ، السلام على محمدسيد المرسلين ، السلام على سيد الأولين ، السلام على سيد الآخرين ،السلام على من بعثه الله رحمة للعالمين ، السلام عليك أيها النبيورحمة الله وبركاته.

السلام على فاطمة بنت أسد الهاشمية ، السلام عليك أيتهاالصديقة المرضية ، السلام عليك أيتها التقية النقية ، السلام عليك أيتها

__________________

(١) عنه وعن المفيد والشهيد والسيد ، البحار ١٠٠ : ٢١٧.

٩٢

الكريمة الرضية ، السلام عليك يا كافلة محمد خاتم النبيين.

السلام عليك يا من ظهرت شفقتها على رسول الله خاتم النبيين ،السلام عليك يا من تربيتها لولي الله الأمين ، السلام عليك وعلىروحك وبدنك الطاهر ، السلام عليك وعلى ولدك ورحمة اللهوبركاته.

اشهد انك أحسنت الكفالة وأديت الأمانة ، واجتهدت في مرضاةالله ، وبالغت في حفظ رسول الله ، عارفة بنبوته ، مستبصرة بنعمته ،كافلة بتربيته ، مشفقة على نفسه ، واقفة على خدمته ، مختارة رضاه ،مؤثرة رضاه.

واشهد انك مضيت على الايمان والتمسك بأشرف الأديان ،راضية مرضية ، طاهرة زكية ، تقية نقية ، فرضي الله عنك وأرضاك ،وجعل الجنة منزلك ومأواك.

اللهم صل على محمد وال محمد وانفعني بزيارتها ، وثبتني علىمحبتها ، ولا تحرمني شفاعتها وشفاعة الأئمة من ذريتها ، وارزقنيمرافقتها ، واحشرني معها ومع أولادها الطاهرين.

اللهم لا تجعله اخر العهد من زيارتي إياها ، وارزقني العود إليهاابدا ما أبقيتني ، وإذا توفيتني فاحشرني في زمرتها ، وادخلني فيشفاعتها ، برحمتك يا ارحم الراحمين.

اللهم بحقها عندك ومنزلتها لديك اغفر لي ولوالدي ولجميع

٩٣

المؤمنين والمؤمنات ، وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنابرحمتك عذاب النار.

وتصلي ركعتين للزيارة مندوبا قربة إلى الله تعالى(١) .

الباب (٩)

زيارة حمزة بن عبد المطلب بأحدرضي‌الله‌عنه

إذا اتيت قبرهعليه‌السلام بأحد فقل :

السلام عليك يا عم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، السلام عليكيا خير الشهداء ، السلام عليك يا أسد الله واسد رسوله ، اشهد انك قدجاهدت في اللهعزوجل ، وجدت بنفسك ، ونصحت لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكنت فيما عند الله سبحانه راغبا.

بابي أنت وأمي اتيتك متقربا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك ، راغبا إليك في الشفاعة ، ابتغي بزيارتك خلاص نفسي ، متعوذابك من نار استحقها مثلي بما جنيت على نفسي ، هاربا من ذنوبي التياحتطبتها على ظهري ، فزعا إليك رجاء رحمة ربي.

اتيتك استشفع بك إلى موالي ، وأتقرب بنبيه إليه ليقضي لي بكحوائجي ، اتيتك من شقة بعيدة طالبا فكاك رقبتي من النار ، وقد أوقرتظهري ذنوبي ، واتيت ما اسخط ربي ، ولم أجد أحدا افزع إليه خيرا لي

__________________

(١) عنه البحار ١٠٠ : ٢١٧.

٩٤

منكم أهل بيت الرحمة ، وكن لي شفيعا يوم فقري وحاجتي

فقد سرت إليك محزونا ، واتيتك مكروبا ، وسكبت عبرتي عندكباكيا ، وصرخت إليك منفردا ، أنت ممن امرني الله بصلته ، وحثني علىبره ، ودلني على فضله ، وهداني لحبه ، ورغبني في الوفادة إليه ،والهمني طلب الحوائج عنده ، أنتم أهل بيت لا يشقى من تولاكم ،ولا يخيب من اتاكم ، ولا يخسر من يهواكم ، ولا يسعد من عاداكم.

ثم تستقبل القبلة وتجعل القبر بين يديك وتصلي ركعتين مندوباللزيارة ، فإذا فرغت من صلاتك فانكب على القبر وقل :

اللهم صل على محمد وال محمد ، اللهم إني تعرضت لرحمتكبلزومي لقبر عم نبيكصلى‌الله‌عليه‌وآله لتجيرني من نقمتك وسخطكومقتك ، في يوم تكثر فيه الأصوات ، وتشغل كل نفس بما قدمت ، وتجادل كل نفس عن نفسها ، فان ترحمني اليوم فلا خوف علي ولا حزن ،وان تعاقب فمولى له القدرة على عبده ، ولا تخيبني بعد اليوم ، ولاتصرفني بغير حاجتي.

فقد لصقت بقبر عم نبيك ، وتقربت به إليك ابتغاء مرضاتك ورجاء رحمتك ، فتقبل مني ، وعد بحلمك على جهلي ، وبرأفتك علىجناية نفسي ، فقد عظم جرمي ، وما أخاف ان تظلمني ولكن أخاف سوءالحساب ، فانظر اليوم تقلبي على قبر عم نبيكعليهما‌السلام ، فبهمافكني من النار ، ولا تخيب سعيي ، ولا يهونن عليك ابتهالي ، ولا تحجبنعنك صوتي ، ولا تقلبني بغير حوائجي.

٩٥

يا غياث كل مكروب ومحزون ، يا مفرجا عن الملهوف الحيرانالغريق المشرف على الهلكة ، فصل على محمد وال محمد وانظر إلينظرة لا أشقى بعدها ابدا ، وارحم تضرعي وعبرتي وانفرادي ، فقدرجوت رضاك وتحريت(١) الخير الذي لا يعطيه أحد سواك ، فلا ترد املي.

اللهم ان تعاقب فمولى له القدرة على عبده وجزاؤه فعله ،فلا أخيبن اليوم ، ولا تصرفني بغير حاجتي ، ولا يخيبن شخوصيووفادتي ، فقد أنفدت نفقتي ، وأتعبت بدني ، وقطعت المفازات ،وخلفت الأهل والمال وما خولتني ، واثرت ما عندك على نفسي ،ولذت بقبر عم نبيكصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتقربت به ابتغاء مرضاتك ،فعد بحلمك على جهلي ، وبرأفتك على ذنبي فقد عظم جرمي برحمتكيا كريم(٢) .

الباب (١٠)

زيارة قبور الشهداء بأحد رضوان الله عليهم

إذا اتيت قبورهم فقل :

السلام على رسول الله ، السلام على نبي الله ، السلام على محمدابن عبد الله ، السلام على أهل بيته الطاهرين.

__________________

(١) تحري الامر : قصده وفضله.

(٢) عنه البحار ١٠٠ : ٢٢٠.

٩٦

السلام عليكم أيها الشهداء المؤمنون ، السلام عليكم يا أهلالايمان والتوحيد ، السلام عليكم يا أنصار دين الله وأنصار رسوله عليهواله السلام ، سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار.

اشهد ان الله اختاركم لدينه واصطفاكم لرسوله ، واشهد انكمجاهدتم في الله حق جهاده ، وذبيتم عن دين الله وعن نبيه ، وجدتمبأنفسكم دونه ، واشهد انكم قتلتم على منهاج رسول الله ، فجزاكم اللهعن نبيه وعن الاسلام وأهله أفضل الجزاء ، وعرفنا وجوههم في محلرضوانه وموضع اكرامه ، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحينوحسن أولئك رفيقا.

اشهد انكم حزب الله ، وان من حاربكم فقد حارب الله ، وانكممن المقربين الفائزين ، الذين هم احياء عند ربهم يرزقون ، فعلى من قتلكملعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

اتيتكم يا أهل التوحيد زائرا ، ولحقكم عارفا ، وبزيارتكم إلى اللهمتقربا ، وبما سبق من شريف الأعمال ومرضي الافعال عالما ، فعليكمسلام الله ورحمة الله وبركاته ، وعلى من قتلكم لعنة الله وغضبهوسخطه.

اللهم انفعني بزيارتهم ، وثبتني على قصدهم ، وتوفني على ماتوفيتهم عليه ، واجمع بيني وبينهم في مستقر دار رحمتك ، اشهد انكملنا فرط ونحن لكم لاحقون.

٩٧

ويقرأ سورة( انا أنزلناه في ليلة القدر ) ما قدر عليه ، وينصرفراشدا ، وتصلي عند كل من زرته ركعتي الزيارة مندوبا إلى الله تعالى(١) .

الباب (١١)

ذكر المساجد المعظمة

ينبغي ان يصلي في المساجد المعظمة ان تمكن من ذلك ، ويبتدئمنها بمسجد قبا ، وهو الذي أسس على التقوى(٢) .

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( من اتي قبا فصلي فيه ركعتين رجع بعمرة )(٣) .

فإذا دخله صلى فيه ركعتين تحية المسجد ، فإذا فرغ من الصلاة وسبحوقال :

السلام على أولياء الله وأصفيائه ، السلام على أنصار الله وخلفائه ،السلام على محال معرفة الله ، السلام على معادن حكمة الله ، السلامعلى عباد الله المكرمين الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملونالسلام على مظاهر امره ونهيه ، السلام على الادلاء على الله ، السلامعلى المستقرين في مرضاة الله ، السلام على الممحصين في طاعة الله.

السلام على الذين من والاهم فقد والى الله ، ومن عاداهم فقد

__________________

(١) عنه البحار ١٠٠ : ٢٢١.

(٢) التوبة : ١٠٨ : ( لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق ان تقوم فيه ).

(٣) روى مضمونه العياشي في تفسيره ٢ : ١١١ ، عنه البحار ١٠٠ : ٢١٥ ، الوسائل ١٤ : ٣٥٦.

٩٨

عادى الله ، ومن عرفهم فقد عرف الله ، ومن جهلهم فقد جهل الله ،ومن اعتصم بهم فقد اعتصم بالله ، ومن تخلى منهم فقد تخلى من الله.

اشهد الله اني حرب لمن حاربكم ، سلم لمن سالمكم ، مؤمن بماامنتم به ، كافر بما كفرتم به ، محقق لما حققتم ، مبطل لما أبطلتم ، مؤمنبسركم وعلانيتكم ، مفوض في ذلك كله إليكم ، لعن الله عدوكم منالجن والإنس ، ضاعف عليهم العذاب الأليم.

وتدعو فتقول :

يا كائنا قبل كل شئ ، ويا كائنا بعد هلاك كل شئ ، لا يستتر عنهشئ ، ولا يشغله شئ عن شئ ، كيف تهتدي به القلوب لصفتك ، أوتبلغ العقول نعتك ، وقد كنت قبل الواصفين من خلقك ، ولم تركالعيون بمشاهدة الابصار فتكون بالعيان موصوفا ، ولم تحط بك الأوهامفتوجد متكيفا محدودا.

حارت الابصار دونك ، وكلت الألسن عنك ، وعجزت الأوهامعن الإحاطة بك ، وغرقت الأذهان في نعت قدرتك ، وامتنعت عنالابصار رؤيتك ، وتعالت عن التوحيد أزليتك ، وصار كل شئ خلقتهحجة لك ومنتسبا إلى فعلك ، وصادرا عن صنعك ، فمن بين مبتدعيدل على ابداعك ، ومصور يشهد بتصويرك ، ومقدر ينبئ عن تقديرك ،ومدبر ينطق عن تدبيرك ، ومصنوع يومي إلى تأثيرك.

وأنت لكل جنس من مصنوعاتك ومبروراتك ومفطوراتك ،

٩٩

صانع وبارئ وفاطر ، لم تمارس في خلقك السماوات والأرض نصبا ،ولا في ابتداعك أجناس المخلوقين تعبا ، ولا لك حال سبق حالا فتكونأولا قبل أن تكون اخرا ، وتكون ظاهرا قبل أن تكون باطنا ، أحاط بكلشئ علمك ، واحصى كل شئ غيبك.

لست بمحدود فتدركك الابصار ، ولا بمتناه فتحويك الأقطار ،ولا بجسم فتكفيك الاقدار ، ولا بمرئي فتحجبك الأستار ، ولم تشبهشيئا فيكون لك مثلا ، ولا كان معك شئ فتكون لك ضدا.

ابتدأت الخلق لا من شئ كان من أصل يضاف إليه فعلك حتىتكون لمثاله محتديا ، وعلى قدر هيبته مهيئا ، ولم يحدث(١) لك إذاخلقته علما ، ولم تستفد به عظمة ولا ملكا ، ولم تكون سماواتكوارضك وأجناس خلقك لتشديد سلطانك(٢) ، ولا لخوف من زوالونقصان ، ولا استعانة على ضد مكاثر(٣) أو ند مشاور ، ولا يؤودك حفظما خلقت ولا تدبير ما ذرأت ، ولا من عجز اكتفيت بما برأت ، ولا مسكلغوب فيما فطرت وبنيت ، وعليه قدرت ، ولا دخلت عليك شبهة فيماأردت.

يا من تعالى عن الحدود وعن أقاويل المشبهة والغلاة واجبار

__________________

(١) لم يخلق ( خ ل ).

(٢) لم تكن ، سلطان ( خ ل ).

(٣) مكابر ( خ ل ).

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

يكون من العسير تشخيصها ، إلّا المؤمنين المتوكّلين على الله والمشمولين برحمته وحمايته :( إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) (1) .

ولا بدّ من الانتباه إلى أنّ كلمة الشيطان تستبطن التمرّد والعناد والبعد عن كلّ خير وبركة. إلّا أنّ ذكر كلمة «مريد» (الفاقد لكلّ خير وسعادة) بعد كلمة الشيطان مباشرة ، هو تأكيد لتوضيح مصير من يتّبعه.

4 ـ تفسير عبارة( كُتِبَ عَلَيْهِ ) (2) .

واضح أنّ هذه العبارة تعني «الإلزام» ، سواء كانت في عالم الخلق أم في عالم التشريع. إلّا أنّه يجب أن لا نتصوّر أنّها تعني «الجبر» وأنّ الشياطين مجبورون على إضلال أتباعهم ليرسلوهم إلى دار البوار. بل إنّها نتيجة مؤكّدة لبرنامج اختاروه بمحض إرادتهم. فإبليس قائد الشياطين وكبيرهم خالف أمر الله وعنده بملء إرادته ، حتّى بلغت به الجرأة أن يعترض على ذات الله. فهو ضالّ ومضلّ وكذلك سائر الشياطين من الجنّ والإنس. وذلك كما نقول للمدمن على المخدرات : كتب على جبينه سوء الطالع والتعاسة ، فهل يعني ذلك جبرا؟!

* * *

__________________

(1) سورة الحجر ، 40.

(2) قال البعض : إنّ ضمير «عليه» يعود إلى الشيطان ، وقال آخرون : إنّه يعود إلى اتّباع الشيطان. كما يستنتج ذلك من عبارة «ومن الناس» أيضا ، إلّا أنّ ظاهره يؤكّد أنّه يعود إلى الشيطان ، لا سيّما وأنّ الضمير المتّصل بـ «من تولّاه» يعود إلى الشيطان أيضا.

٢٨١

الآيات

( يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7) )

التّفسير

دليل المعاد في عالم الأجنّة والنّبات :

بما أنّ البحث في الآيات السابقة كان يدور حول تشكيك المخالفين للمبدأ والمعاد ، فالآيات محل البحث طرحت دليلين منطقيين قويّين لإثبات المعاد

٢٨٢

الجسماني : أحدهما التغيّرات التي تحدث في مراحل تكوين الجنين ، والآخر هو التغيّرات التي تحدث في الأرض عند خروج النبات.

والقرآن شرح صورا للمعاد ممّا يلمسه الناس في هذه الدنيا ، ويرونه بامّ أعينهم ، إلّا أنّهم لم ينتبهوا لذلك ، ليعلموا أنّ الحياة بعد الموت ليست ضربا من الخيال ، بل هي حادثة فعلا مشهودة للعيان ، والخطاب القرآني يعمّ جميع الناس بنوره( يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ) (1) كلّ ذلك من أجل أن نوضّح لكم حقيقة قدرتنا على القيام بأي عمل( لِنُبَيِّنَلَكُمْ ) .

فتبقى الأجنّة في الأرحام إلى مدّة معلومة نحن نحدّدها لتمرّ بمراحل تكاملها. ونسقط ما نريد منها فنخرجها من الأرحام في وسط الطريق قبل أن تكمل( وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ) ثمّ تبدأ الأجنّة مرحلة تطوّر جديدة. لنخرجكم أطفالا من أرحام أمّهاتكم.

( ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ) وبهذا تنتهي مرحلة حياتكم المحدّدة في بطون أمّهاتكم.

فتضعون أقدامكم في محيط أوسع مملوء بالنور والصفاء ، وإمكانات واسعة جدّا ، إلّا أنّ تكاملكم يستمرّ في قطع المسافات بسرعة لتبلغوا الهدف ، ألا وهو الرّشد والكمال الجسمي والعقلي.( ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ) .

وهنا يتبدّل الجهل إلى علم ، والضعف إلى قوّة ، والتبعيّة إلى الاستقلال ، لكن مسيرة حياتكم تطوى وتستمر فبعضكم يودّع الحياة بينما يستمرّ آخرون حتّى المرحلة الأخيرة من الحياة ، أي مرحلة الشيخوخة بعد تكاملهم :( وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ ) .

أجل ، فالمرء يصل إلى مرحلة لا يتذكّر فيها شيئا ، حيث يسيطر عليه النسيان ،

__________________

(1) «المضغة» مشتقة من «المضغ» وتعني مقدارا من اللحم يمكن للإنسان مضغه في لقمة واحدة. وهذا تشبيه رائع للجنين في المرحلة التي تعقب مرحلة العلقة.

٢٨٣

ويصبح في وضع وكأنّه طفل( لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً ) وهذا الضعف والخمول دليل على بلوغ المرء مرحلة انتقالية جديدة كما نجد ضعف التحام الثمرة بالشجرة حين تبلغ مرحلة النضج ممّا يدلّ على وصولها إلى مرحلة الانفصال.

وهذه التغيّرات المدهشة المتلاحقة التي تتحدّث عن قدرة الله تعالى غير المحدودة ، توضّح أنّ إحياء الموتى يسير على الله جلّت عظمته. وهناك بحوث تعرض لمراحل الحياة المختلفة هذه ، سنذكرها في الملاحظات القادمة.

ثمّ تتناول الآية بيان الدليل الثّاني أي حياة النباتات ، فتبيّن ما يلي : تنظر إلى الأرض في فصل الشتاء فتجدها جافّة وميتة ، فإذا سقط المطر وحلّ الربيع ، دبّت الحياة والحركة فيها ونبتت أنواع النباتات فيها ونمت( وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ) (1) .

الآيتان اللاحقتان تشرحان ما توصّلنا إليه ، وذلك باستعراض خمس

* * *

ملاحظات

1 ـ إنّ ما استعرضته الآيات الخاصّة بالمراحل التي تسبق مراحل الحياة للإنسان وعالم النبات ، من أجل أن تعلموا أنّ الله تعالى حقّ( ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ ) وبما أنّه هو الحقّ ، فالنظام الذي خلقه حقّ أيضا ، لهذا لا يمكن أن يكون

__________________

«الهامدة» تعني في الأصل النّار التي أطفئت ، ويطلق على الأرض التي جفّت نباتاتها وأصبحت دون حركة «مفردات الراغب الاصفهاني» والبعض الآخر قال : إنّ كلمة «هامدة» تطلق على الحدّ الفاصل بين الموت والحياة (تفسير في ظلال القرآن).

«اهتزّت» مشقّة من «الهزّ» وتعني تحرّكت بشدّة.

«ربت» مشقّة من «الربو». وتعني الزيادة والنمو ، كما أنّ كلمة «ربا» مشتقّة أيضا من «الربو».

«بهيج» تعني الجميل السّاحر السارّ.

٢٨٤

هذا الخلق دون هدف ، كما يذكر القرآن الكريم هذا المعنى في مورد آخر :( وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ) (1) .

وبما أنّ هذه الحياة ليست عبثا ، وأنّ لها هدفا ، وأنّنا لا نصل إلى تحقيق ذلك الهدف في حياتنا ، إذن نعلم من ذلك وجود المعاد والبعث حتما.

2 ـ إنّ هذا النظام الذي يسيطر على عالم الحياة يقول لنا( وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى ) .

إنّ الذي يلبس الأرض لباس الحياة ، ويغيّر النطفة التافهة إلى إنسان كامل ، ويمنح الحياة للأرض الميتة ، لقادر على أن يمنح الحياة للموتى ، فهل يمكن التردّد في قبول فكرة المعاد مع وجود كلّ هذه التشكيلات الحيّة الدائمة للخالق جلّ وعلا في هذا العالم(2) ؟

3 ـ الهدف الآخر هو أن نعلم( وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ولا يستحيل على قدرته شيء.

هل يمكن لأحد تحويل الأرض الميتة إلى نطفة؟ ويطوّر هذه النطفة التافهة في مراحل الحياة؟ ويلبسها كلّ يوم لباسا جديدا من الحياة! ويجعل الأرض الجافّة العديمة الروح خضراء زاهية تعلوها بهجة الحياة؟! أليس القادر على القيام بهذه الأعمال بقادر على أن يحيي الإنسان بعد موته؟!

4 ـ إنّ كلّ هذا لتعلموا أنّ ساعة نهاية هذا العالم وبداية عالم آخر ، ستحلّ بلا شكّ فيها( وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها ) .

5 ـ ثمّ إنّ كلّ هذا مقدّمة لنتيجة أخيرة هي( وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ) .

__________________

(1) سورة ص ، 27.

(2) يرى بعض المفسّرين في عبارة( أَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى ) إشارة إلى حياة الناس في القيامة. مع أنّ هذا المعنى تضمّنته عبارة( وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ) أيضا ، مع فارق هو أنّ العبارة الأولى إشارة إلى أصل الحياة ، والثّانية إشارة إلى كيفية إحياء الموتى.

إلّا أنّ التّفسير الآخر الذي استندنا إليه بصورة أكثر ، هو أنّ عبارة ( أَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى ) إشارة إلى منح الله الحياة بشكل مستمر في هذه الدنيا ، ليكون دليلا على إمكان تحقّق ذلك يوم البعث.

٢٨٥

وهذه النتائج الخمس بعضها مقدّمة ، وبعضها ذو المقدّمة ، البعض منها إشارة إلى الإمكان ، والآخر إشارة إلى الوقوع ، ومترتّبة بعضها على بعض وكلّ يكمل صاحبه ، وجميعها ينتهي إلى نقطة واحدة ، هي أنّ البعث ليس ممكن فحسب ، بل إنّه سيقع حتما.

فالذين يشكّون في إمكان الحياة بعد الموت يشاهدون الصور المشابهة لها في حياة البشر والنباتات بامّ أعينهم. وهي تتكرّر كلّ يوم وكلّ عام.

وإذا شكّوا في قدرة الله فإنّ قدرة الله جعلتهم يشاهدون أمثلة بارزة لها بأعينهم. ألم يخلق الإنسان من تراب؟ ألا نشاهد كلّ عام احياء الأرض الميتة؟

فهل عجيب أمر حياة الأموات ثانية ونهوضهم من تراب؟

وإن شكّوا في وقوع مثل هذه الأمور ، فعليهم أن يعلموا أنّ النظام المسيطر على الخلق في العالم يدلّ على وجود هدف له ، وإلّا فإنّه باطل تافه ، والحياة القصيرة المملوءة بالآلام وخيبة الآمال غير جديرة بأن تكون هي الهدف الأخير لعالم الخلق.

وعلى هذا يجب أن يكون هناك عالم آخر ، وسيع ، خالد ، جدير بأن يعدّ هدفها للخلق.

* * *

بحوث

1 ـ مراحل حياة الإنسان السبع

الآيات السابقة شرحت حركة الإنسان في مسيرة ذات مراحل سبع ، لتبيّن البعث وتثبت إمكانه :

المرحلة الأولى : عند ما كان الإنسان ترابا ، وقد يراد به التراب الذي خلق منه آدمعليه‌السلام . كما قد يكون إشارة إلى أنّ جميع البشر ـ من تراب ، لأنّ جميع المواد

٢٨٦

الغذائية التي تكوّن النطفة وغذاءها ـ من بعد ـ من تراب. ولا شكّ في أنّ الماء يشكّل جزءا ملحوظا من جسم الإنسان ، والجزء الآخر من الأوكسجين والكاربون ، وليس من التراب ، إلّا أنّ العنصر الأساس الذي تتشكّل منه أعضاء الجسم مصدره التراب. إذن عبارة خلق الإنسان من تراب صحيحة حتما.

المرحلة الثّانية : (النطفة) : يتحوّل التراب ، هذا الموجود البسيط المهمل العديم الحسّ والحركة ، يتحوّل إلى نطفة تتألّف من أحياء مجهولة مثيرة تسمّى عند الرجل «أسپر» أو الحيمن وعند المرأة «أوول» أو البويضة وهي غاية في الصغر حتّى أنّها تبلغ الملايين في نطفة الرجل!

والمثير أنّ الإنسان يواصل عقب ولادته حركة تدريجيّة هادئة ، تأخذ في الغالب شكل «التكامل الكمّي» في الوقت الذي كانت حركته في الرحم «كيفيّة» ترافقها طفرات سريعة مغيّرة. والتغيّرات المتعاقبة للجنين في الرحم مدهشة إلى درجة يمكن تشبيهها بحشرة صغيرة بسيطة تتطوّر بعد أشهر قليلة إلى طائرة نفّاثة!

وقد تطوّرت وتوسّعت الدراسات عن «علم الأجنة» اليوم بحيث تمكّن علماؤه من دراسة الجنين في مراحله المختلفة ، وكشفوا عن أسرار هذه الظاهرة العجيبة في عالم الوجود. وعرضوا النتائج الباهرة التي توصّلوا إليها في دراساتهم عن الجنين.

وفي المرحلة الثّالثة يصبح الجنين علقة ، وتكون خلاياه كحبّات التوت ، بشكل قطعة دم خاثر متلاصقة ، يطلق عليها علميّا «مورولا». وبعد مضي مدّة قصيرة تظهر أخاديد التقسيم الصغيرة كبداية لتقسيم أجزاء الجنين ، ويطلق على الجنين في هذه المرحلة اسم «لاستولا».

وفي المرحلة الرّابعة يتّخذ الجنين شكل قطعة لحم ممضوغ ، دون أن تتّضح معالم الأعضاء فيه ، وفجأة تحدث تغييرات في قشرة «الجنين» وتتّخذ شكلا يلائم العمل المطلوب منه القيام به ، فتظهر أعضاء الجسم تدريجيّا ، ويسقط كلّ جنين

٢٨٧

لا يمكنه المرور بهذه المرحلة ، ويمكن أن تكون عبارة( مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ) إشارة إلى هذه المرحلة ، أي أنّ الجنين يكون «كامل الخلقة» أو «ناقص الخلقة».

ومن المثير أنّ القرآن المجيد ذكر عبارة( لِنُبَيِّنَ لَكُمْ ) بعد ذكر هذه المراحل الأربع ، مؤكّدا أنّ هذه التغييرات السريعة المدهشة التي تغيّر قطرة ماء صغيرة إلى إنسان كامل ، لدليل واضح على أنّ الله قادر على كلّ شيء.

ثمّ أشار القرآن الكريم إلى مرحلة الجنين الخامسة والسّادسة والسّابعة ، التي تلي الولادة أي «الطفولة» و «البلوغ» و «الشّيخوخة»(1) .

والجدير بالذكر أنّ ولادة الإنسان ـ من التراب ـ كائنا حيّا ، قفزة كبيرة ، ومراحل الجنين المختلفة قفزات متعاقبة ، وولادة الإنسان من بطن أمّه قفزة مهمّة جدّا ، وهكذا البلوغ والشيخوخة.

وتعبير القرآن عن يوم القيامة بالبعث ، قد يكون إشارة إلى مفهوم القفزة ذاتها التي تحدث يوم البعث أيضا. وما أجدرنا بالانتباه إلى أنّ القرآن تحدّث عن مراحل تكوّن الجنين قبل أن يظهر علم الأجنّة ، وحديثه عنها في ذلك الزمن دليل حيّ على أنّ هذا الكتاب العظيم إنّما هو وحي يوحى من قدرة قادرة هي التي أبدعت الطبيعة وما وراءها.

2 ـ المعاد الجسماني

ممّا لا شكّ فيه أنّ القرآن الكريم أينما تحدث عن البعث قصد بعث الإنسان جسما وروحا في العالم الأخروي ، والذين حصروا البعث في الروح وقالوا ببقائها هي وحدها لم يفقهوا آيات القرآن قطّ.

__________________

(1) الذي يثير الانتباه أنّ تعبير القرآن( ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ) عن ولادة الإنسان لم يرد بصيغة الجمع (أطفال) وفقا للقاعدة ، إلّا أنّ هذا التعبير (طفلا) يمكن أن يكون مصدرا يتساوى فيه المفرد والجمع ، أو أن يكون الهدف بيان النوع. وليس خصائص الأطفال ، فالفروق بين البشر في هذه المرحلة مخفية تبرز في المراحل اللاحقة.

٢٨٨

فهذه الآيات المباركة كالآية السابقة تصرّح بالمعاد الجسماني. وإلّا فما هو وجه التشابه بين المعاد الروحي ، ومراحل الجنين وإحياء الأرض الموات بنمو النباتات؟ ويؤكّد ذلك ختام الآيات التي نحن بصددها إذ تقول :( وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ) والقبر موضع جسم الإنسان وليس روحه.

وأساسا فانّ تعجّب المشركين إنّما هو من البعث الجسماني ، فهم يقولون : كيف يمكن للإنسان أن يعود للحياة ثانية بعد ما صار ترابا؟ وبقاء الروح لم يكن شيئا عجبا ، لأنّه كان موضع قبول ورضى الأقوام الجاهلية.

3 ـ ما هو «أرذل العمر»؟

«الأرذل» مشتقّة من «رذل» أي المنحطّ وغير المرغوب فيه. ويقصد بـ «أرذل العمر» تلك المرحلة من عمر الإنسان التي هي أكثر انحطاطا وغير مرغوب فيها لما يفقده فيها الإنسان من القوّة والذاكرة ، ولما يغلبه فيها من الضعف والانفعال ، حتّى تراه يغتاظ من أدنى شيء ، ويرضى ويفرح لا يسر شيء ، ويفقد سعة صدره وصبره ، وربّما قام بحركات طفولية. مع فارق بينه وبين الطفل وهو أنّ الناس لا يتوقّعون منه ذلك ، لأنّه ليس طفلا ، مضافا إلى أنّ الطفل يؤمل في أن يكبر وينضج جسديّا ونفسيّا وتزول عنه هذه الحركات الصبيانية ، لهذا يتركوا أحرارا في ممارستها ، وليس كذلك في الفرد المسنّ ، أي أنّ الطفل ليس لديه شيء ليفقده ، ولكن المسنّ يفقد رأس مال حياته بذلك. وعلى هذا فإنّ وضع الشيوخ المعمّرين يثير الشفقة والأسى عند مقارنته بوضع الأطفال.

وجاء في بعض الأحاديث أنّ أرذل العمر هو الذي يبلغ مائة عام وأكثر(1) وقد تعني هذه العبارة نوع الأشخاص ، وإلّا فهناك من يبلغ هذه الحالة وسنّهم أقل من

__________________

(1) تفسير نور الثقلين ، المجلّد الثّالث ، الصفحة 472.

٢٨٩

مائة عام. كما أنّ هناك أشخاصا تجاوزت أعمارهم مائة عام وهم بكامل وعيهم وذكائهم. وتندر مشاهدة من يصابون بهذه الحالة بين العلماء الذين شغلتهم المعارف والبحوث.

وما أولانا بدعاء الله تعالى أن يحفظنا من هذه الحالة! وما أجدرنا أن ننهي غرورنا وغفلتنا بمجرد الفكر بهذه العاقبة! علينا أن نفكّر ماذا كنّا وعلى ماذا أصبحنا وماذا سنكون؟

* * *

٢٩٠

الآيات

( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (8) ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ (9) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (10) )

التّفسير

الجدال بالباطل مرّة أخرى :

تتحدّث هذه الآيات أيضا عمّن يجادلون في المبدأ والمعاد جدالا خاويا لا أساس له ، في البداية يقول القرآن المجيد :( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ ) .

وعبارة( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ) هي ذاتها التي ذكرت في آية سابقة ، وإعادتها تبيّن لنا أنّ العبارة الأولى إشارة إلى مجموعة من الناس ، والثّانية إلى مجموعة أخرى. وبعض المفسّرين يرى أنّ الفرق بين هاتين المجموعتين من الناس هو أنّ الآية السابقة الذكر دالّة على وضع الأتباع الضالّين الغافلين ، في

٢٩١

وقت تكون فيه هذه الآية دالّة على قادة هذه المجموعة الضالّة(1) .

وعبارة( لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ) تبيّن هدف هذه المجموعة ، ألّا وهو تضليل الآخرين ، وهذا دليل واضح على الفرق بينهما ، مثلما توضّح هذا المعنى عبارة( يَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ ) في الآيات السابقة التي تتحدّث عن اتّباع الشياطين.

ولكن ما الفرق بين «العلم» و «الهدى» و «الكتاب المنير»؟

للمفسّرين آراء في هذا المجال أقربها إلى العقل هو أنّ «العلم» إشارة إلى الاستدلال العقلي. و «الهدى» إشارة إلى إرشاد القادة الرّبانيين. و «الكتاب المنير» إشارة إلى الكتب السماويّة ، أي أنّها تعني الأدلّة الثلاثة المعروفة «الكتاب» و «السنّة» و «الدليل العقلي». وأمّا الإجماع فإنّه يعود إلى السنّة طبقا لدراسات العلماء ، وقد جمعت هذه الأدلّة الأربعة في هذه العبارة أيضا.

ويحتمل بعض المفسّرين أنّ «الهدى» إشارة إلى الإرشادات المعنوية التي يكتسبها الإنسان في ظلّ بناء الذات وتهذيب النفس وتقواه. «وبالطبع يمكن ضمّ هذا المعنى إلى ما تقدّم آنفا».

ويمكن أن يكون الجدال العلمي مثمرا إذا استند إلى أحد الأدلّة : العقل ، أو الكتاب ، أو السنّة.

ثمّ يتطرّق القرآن المجيد في جملة قصيرة عميقة المعنى إلى أحد أسباب ضلال هؤلاء القادة ، فيقول :( ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ) إنّهم يريدون أن يضلّوا الناس عن سبيل الله بغرورهم وعدم اهتمامهم بكلام الله وبالأدلّة العقليّة الواضحة.

«ثاني» مشتقّة من «ثني» بمعنى التواء و «عطف» تعني «جانب» فالجملة تعني ثني الجانب ، أي الإعراض عن الشيء وعدم الاهتمام به.

__________________

(1) تفسير الميزان ، والتّفسير الكبير للفخر الرازي ، في تفسير الآيات موضع البحث.

٢٩٢

ويمكن أن تكون عبارة «ليضلّ» هدف هذا الإعراض ، أي إنّهم (قادة الضلال) يستخفّون بآيات الله والهداية الإلهيّة لتضليل الناس. ويمكن أن تكون نتيجة لذلك. أي أنّ محصّلة الإعراض وعدم الاهتمام هو صدّ الناس عن سبيل الحقّ. ويعقب القرآن ذلك ببيان عقابهم الشديد في الدنيا والآخرة بهذه الصورة :( لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ ) .

ونقول له :( ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ ) و( أَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ) لا يعاقب الله أحدا بلا ذنب ، ولا يضاعف عقاب أحد دون سبب ، فهو العدل المطلق سبحانه(1) .

وهذه الآية من الآيات التي تنفي مذهب الجبريّة ، وتثبت مبدأ العدالة في أفعال الله تعالى. (للمزيد من التفصيل راجع تفسير الآية (182) من سورة آل عمران).

* * *

__________________

(1) «ظلّام» صيغة مبالغة تعني كثير الظلم. وطبيعي أنّ الله لا يظلم أبدا لا كثيرا ولا قليلا ، ويمكن أن يكون استخدام هذا التعبير هنا إشارة إلى أنّ العقاب دون مبرّر من قبل الله تعالى ـ جلّ عن ذلك وعلا علوّا كبيرا ـ مصداق ظلم كبير.

٢٩٣

الآيات

( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (11) يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (12) يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13) إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ (14) )

التّفسير

الواقف على حافّة وادي الكفر

تحدّثت الآيات السابقة عن مجموعتين : الأتباع الضالّين ، والقادة المضلّين.

أمّا هذه الآيات ، فتتحدّث عن مجموعة ثالثة هم ضعاف الإيمان. قال القرآن المجيد عن هذه المجموعة :( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ ) أي إنّ بعض الناس يعبد الله بلقلقة لسان ، وإنّ إيمانه ضعيف جدّا. ولم يدخل الإيمان إلى قلبه.

٢٩٤

وعبارة «على حرف» ربّما تكون إشارة إلى أنّ إيمانهم باللسان فقط ، وأنّ قلوبهم لم تر بصيصا من نوره إلّا قليلا ، وقد تكون إشارة إلى أنّ هذه المجموعة تحيا على هامش الإيمان والإسلام وليس في عمقه ، فأحد معاني «الحرف» هو حافّة الجبل والأشياء الاخرى. والذي يقف على الحافّة لا يمكنه أن يستقرّ. فهو قلق في موقفه هذا ، يمكن أن يقع بهزّة خفيفة ، وهكذا ضعاف الإيمان الذين يفقدون إيمانهم بأدنى سبب.

ثمّ تناول القرآن الكريم عدم ثبات الإيمان لدى هؤلاء الأشخاص( فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ ) (1) إنّهم يطمئنون إذا ضحكت لهم الدنيا وغمرتهم بخيراتها! ويعتبرون ذلك دليلا على أحقّية الإسلام.

إلّا أنّهم يتغيّرون ويتّجهون إلى الكفر إن امتحنوا بالمشاكل والقلق والفقر ، فالدين والإيمان لديهم وسيلة للحصول على ما يبتغون في هذه الدنيا ، فإن تمّ ما يبغونه كان الدين حقّا ، وإلّا فلا.

وذكر «ابن عبّاس» ومفسّرون قدماء سبب نزول هذه الآية : «أنّها نزلت في أعراب كانوا يقدمون على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمدينة مهاجرين من باديتهم ، فكان أحدهم إذا صحّ بها جسمه ونتجت فرسه مهرا حسنا. وولدت امرأته غلاما وكثر ماله وماشيته ، رضي به واطمأنّ إليه ، وإن أصابه وجع وولدت امرأته أنثى أو أجهضت فرسه أو ذهب ماله أو تأخّرت عنه الصدقة ، أتاه الشيطان وقال له : ما جاءتك هذه الشور إلّا بسبب هذا الدين. فينقلب عن دينه»(2) .

وممّا يلفت النظر أنّ القرآن الكريم يعبّر عن إقبال الدنيا على هؤلاء الأشخاص بالخير. وعن إدبارها بالفتنة (وسيلة الامتحان) ولم يطلق عليها كلمة

__________________

(1) كلمة «انقلب» في جملة «انقلب على وجهه» تعني التراجع. ويمكن أن تكون إشارة إلى ترك الإيمان تماما ، حتّى إنّه لا يعود إليه. فهو غريب عن الإيمان دوما.

(2) تفسير الفخر الرازي ، المجلّد الثّالث والعشرون ، ص 13 ، وتفسير القرطبي ، المجلّد السادس ، ص 4409.

٢٩٥

الشّر ، إشارة إلى أنّ هذه الأحداث غير المرتقبة ليست شرّا ولا سوءا وإنّما هي وسيلة للامتحان.

ويضيف القرآن المجيد في الختام ـ( خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ) و( ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ ) مؤكّدا أنّ أفدح الضرر وأفظع الخسران ، هو أن يفقد الإنسان دينه ودنياه. وهؤلاء الأشخاص الذين يقيسون الحقّ بإقبال الدنيا عليهم ينظرون إلى الدين وفق مصالحهم الخاصّة ، وهذه الفئة موجودة بكثرة في كلّ مجتمع ، وإيمانها مزيج بالشرك وعبادة الأصنام ، إلّا أنّ أصنامهم هي وأزواجهم وأبناؤهم وأموالهم ومواشيهم ، ومثل هذا الإيمان أضعف من بيت العنكبوت!

وهناك مفسّرون يرون أنّ هذه الآية تشير إلى المنافقين ، لكن إذا اعتبرنا أنّ المنافق هو من لا يملك ذرّة من الإيمان ، فإنّ ذلك يخالف ظاهر هذه الآية ، فعبارة «يعبد الله» و «اطمأنّ به» و «انقلب على وجهه» تبيّن أنّه ذو إيمان ضعيف قبل هذا.

أمّا إذا قصد بالمنافق من يملك قليلا من الإيمان ، فلا يعارض ما قلناه ، ويمكن قبوله.

وتشير الآية التالية إلى إعتقاد هذه الفئة الخليط بالشرك ، خاصة بعد الانحراف عن صراط التوحيد والإيمان بالله ، فتقول :( يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ ) أي إذا كان هذا الإنسان يسعى إلى تحقيق مصالحه الماديّة والابتعاد عن الخسائر ويرى صحّة الدين في إقبال الدنيا عليه ، وبطلانه في إدبارها عنه. فلما ذا يتوجّه إلى أصنام لا يؤمّل منها خير ، ولا يخاف منها ضرر.

فهي أشياء لا فائدة فيها ، ولا أثر لها في مصير البشر؟! أجل( ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ ) . إنّ هؤلاء ليبتعدون عن الصراط المستقيم بعدا حتّى لا ترجى عودتهم إلى الحقّ إلّا رجاء ضعيفا جدّا.

ويوسّع القرآن الكريم هذا المعنى فيقول :( يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ ) .

لأنّ هذا المعبود المختلق ينزل بفكرهم إلى الحضيض في هذه الدنيا ، ويدفعهم

٢٩٦

نحو الخرافات والجهل ، ويدعهم في الآخرة في نار جهنّم ، بل هم كما تقول الآية 98 من سورة الأنبياء :( إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ) .

وتضيف الآية في الختام( لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ ) فما أسوأه ناصرا ومعينا ، وما أسوأه مؤنسا ومعاشرا.

وهنا يثار سؤال ، فالآية السابقة تنفي كلّ فائدة ونفع من هذه الأصنام وكلّ ضرر ، وهذه الآية تقول إنّ ضررها أقرب من نفعها! فكيف ينسجم الحكمان؟

في الجواب عن ذلك نقول : إنّ ذلك أمر اعتيادي في المخاطبة ، ففي مرحلة لا يعتبرون لشيء فائدة وتأثير يذكر ثمّ يترقّى إلى الحال في مرحلة أخرى فيعدّونه مصدر الضرر. كأن نقول : لا تصادق فلانا ، فلا نفع فيه لدينك ولا لدنياك.

وبعدها نتقدّم فنقول إنّما هو : (أي هذا الصديق) سبب لتعاستك وافتضاحك. وهنا تجد إضافة إلى كون الأصنام لا ضرر فيها لأعداء المشركين ، لأنّها غير قادرة على الإضرار بأعدائهم كما يتوقّعون منها ، ولكنّها تتضمّن ضررا حتميّا لأتباعها.

كما أنّ صيغة «أفعل التفضيل» في كلمة «أقرب» كما قلنا سابقا : تعني عدم اتّصاف طرفي المقارنة بصفة معينّة. وقد يكون الطرف الأضعف فاقدا لأيّة صفة ، كأن نقول : ساعة صبر عن الذنب خير من نار جهنّم (وليس معنى ذلك أنّ نار جهنّم فيها خير ، إلّا أنّ الصبر أفضل منها ،).

وقد اختار هذا الرأي عدد من كبار المفسّرين كالشيخ الطوسي في «التبيان» والطبرسي في «مجمع البيان».

واحتمل البعض كالفخر الرازي في تفسير الآية بأنّ كلّ واحدة من هاتين الآيتين إشارة إلى مجموعة من الأصنام ، فالآية الأولى تخصّ الأصنام الحجرية والخشبية ، وأمّا الآية الثّانية فتخصّ الطواغيت والبشر المتعالين أشباه الأصنام.

فالمجموعة الأولى لا تضرّ ولا تنفع ، بل هي بالتأكيد خالية من أيّة صفة. أمّا المجموعة الثّانية «أئمّة الضلال» فإنّهم يضرّون ولا ينفعون. وإذا كان فيهم خير

٢٩٧

قليل فضرّهم كبير جدّا ، وعبارة( لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ ) تؤكّد ذلك ، وعليه فلا تناقض بين الآيتين(1) .

وختام الآية المباركة نلحظ مقارنة بين الخير والشرّ كما هو دأب القرآن الكريم لتتّضح النتائج بشكل أكبر ، فتقول الآية :( إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ) . فعاقبتهم معلومة ومنهج تفكير هم وسلوكهم واضح فمولاهم هو الله تعالى ، ورفاقهم وجلساؤهم في الآخرة هم الأنبياء والصالحون والملائكة ، وأنّ الله سبحانه يثيب المؤمنين العاملين للصالحات ، جنّات تجري من تحتها الأنهار ، لينعموا بالسعادة والسرور جزاء استقامتهم على الحقّ واستجابتهم له في الحياة الدنيا( إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ ) .

وثوابهم يسير عليه ـ جلّ وعلا ـ يسر عقاب الذين ظلموا أنفسهم بإيثار الباطل على الحقّ ، وبعبادتهم الأصنام من دون الله سبحانه.

وفي هذه المقارنة نلاحظ طائفة من الناس لم يؤمنوا إلّا بلسانهم ، فهم على جانب من الدين وينحرفون بأدنى وسوسة ، وليس لهم عمل صالح ، أمّا المؤمنون الحقيقيّون فإيمانهم راسخ ولا تزعزعه العواطف ومثمر هذا من جهة ومن جهة أخرى فلئن كان مولى الخاسرين لا ينفع ولا يضرّ ، فإنّ مولى الصالحين على كلّ شيء قدير. ولئن خسر الظالمون كلّ شيء ، فقد ربح المهتدون خير الدنيا وسعادة الآخرة.

* * *

__________________

(1) بعض المفسّرين الأفاضل كمفسّر الميزان فسّر عبارة «يدعو» بمعنى «يقول» إلّا أنّ ذلك لا يطابق ظاهر الآية.

٢٩٨

الآيات

( مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ (15) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ وَأَنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (16) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17) )

سبب النّزول

روى بعض المفسّرين حول سبب نزول الآية الأولى من هذه الآيات ، أنّها نزلت في نفر من أسد وغطفان قالوا : نخاف أنّ الله لا ينصر محمّدا ، فينقطع الذي بيننا وبين حلفائنا من اليهود فلا يميروننا. فحذّرتهم هذه الآية ووبّختهم بشدّة.

وقال آخرون : إنّها نزلت في قوم من المسلمين لشدّة غيظهم وحنقهم على المشركين ، يستبطئون ما وعد الله رسوله من النصر ، فنزلت هذه الآية(1) تلومهم

__________________

(1) أبو الفتوح الرازي ، وكذلك الفخر الرازي في تفسير هما الآيات موضع البحث.

٢٩٩

على عدم صبرهم.

التّفسير

البعث نهاية جميع الخلافات :

بما أنّ الآيات السابقة كانت تتحدّث عن ضعفاء الإيمان ، فإنّ الآيات مورد البحث ترسم لنا صورة أخرى عن هؤلاء فتقول :( مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ ) .

أي من يظنّ أنّ الله لا ينصر نبيّه في الدنيا والآخرة ، وهو غارق في غضبه ، فليعمل ما يشاء ، وليشدّ هذا الشخص حبلا من سقف منزله ويعلّق نفسه حتّى ينقطع نفسه ويبلغ حافّة الموت ، فهل ينتهي غضبه؟!

لقد اختار هذا التّفسير عدد كبير من المفسّرين ، أو ذكروه كاحتمال يستحقّ الاهتمام به(1) .

الضمير في قوله سبحانه :( لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ ) بحسب هذا التّفسير يعود إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و «السّماء» تعني سقف المنزل (لأنّ كلّ شيء فوقنا يطلق عليه سماء). أمّا عبارة «ليقطع» فتعني قطع النفس والوصول إلى حافّة الموت.

واحتمل البعض احتمالات أخرى في تفسير هذه الآية لا حاجة لذكرها ، ما عدا تفسيرين منها يستحقّان الاهتمام ، وهما :

1 ـ إنّ السّماء يقصد بها السّماء الحقيقيّة ، وبناء على هذا الرأي : فإنّ الأشخاص الذين يظنّون أنّ الله لا ينصر نبيّه ، ليذهبوا إلى السّماء وليشدّوا بها حبلا ويعلّقوا أنفسهم بينها وبين الأرض حتّى تنقطع أنفسهم. (أو يقطعوا الحبل الذي تعلّقوا به كي يسقطوا) ولينظروا إلى أنفسهم هل انتهى غضبهم؟!

__________________

(1) تراجع تفاسير «مجمع البيان» و «التبيان» و «الميزان» و «الفخر الرازي» و «أبو الفتوح الرازي» و «تفسير الصافي» و «القرطبي» في تفسير الآية التي يدور حولها البحث.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702