شرح زيارة آل ياسين

شرح زيارة آل ياسين0%

شرح زيارة آل ياسين مؤلف:
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
الصفحات: 136

شرح زيارة آل ياسين

مؤلف: علي الكوراني
تصنيف:

الصفحات: 136
المشاهدات: 57368
تحميل: 4435

توضيحات:

شرح زيارة آل ياسين
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 136 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 57368 / تحميل: 4435
الحجم الحجم الحجم
شرح زيارة آل ياسين

شرح زيارة آل ياسين

مؤلف:
العربية

وفي صحيح مسلم « 6 / 3 » : « عن جابر بن سمرة قال : دخلت مع أبي على النبي « ص » فسمعته يقول : إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة ». ونحوه أحمد : 5 / 86.

4. لا يتوقف منصب الخلافة للإمام المهديعليه‌السلام على أن يحكم فعلاً ، فهو ثابتٌ له منذ خلقه الله تعالى ، وهو في مدة غيبته يقوم بمهام خليفة الله تعالى ومعه الخضرعليه‌السلام والأبدال الذين هم جنود الله في الغيب ، نعم تظهر خلافته ظهوراً كاملاً عندما يظهر ويقيم دولة العدل الإلهي.

السلام عليك يا خليفة الله وناصرحقه

حق الله تعالى في الأرض : أن يُوَحِّدَهُ الناس ولا يشركوا به ، وأن يطيعوه ولا يعصوه. ومعنى نصرة الإمام المهديعليه‌السلام لهذا الحق : أنه يدافع عنه ، ويعمل لتحقيقه بدعوة الناس الى الإيمان بالله وتوحيده ، والإيمان بما أنزله على رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويطبق ذلك ببرامج وقوانين.

ومعنى نصرة حق الله تعالى : أنه يوجد مَن يعتدي على هذا الحق ، ويجب مجاهدته ورد ظلمه ، وهم الملحدون والمجسمون لله تعالى.

٦١

والإمام المهديعليه‌السلام صاحب الحق في جهادهم ، وهذا يعني أن سياسة جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله كانت لمرحلة ، فهو يكملها ، وتتسع دائرة من يجاهدهم.

وفي بعض النسخ : وناصر خلقه بدل حقه ، وتكون نصرة خلق الله تعالى بأن يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما أخبر جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

« 5 » السلام عليك يا حجة الله ودليل إرادته

معنى حجة الله تعالى : الدليل الواضح الذي يحتج به على عباده ، كما قال تعالى :لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ . وقال :فَللَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ . وقال :لايُكَلِّفُ الَّلهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا . وقال :لايُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا . وقال :وَمَاكُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً .

وقد عقد الكليني (قدس سره) في الكافي « 1 / 162 » : « باب البيان والتعريف ولزوم الحجة » وأورد تحته عدة أبواب ، وعشرات الأحاديث.

قال الإمام الصادقعليه‌السلام « 1 / 25 » : « حجة الله على العباد النبي ، والحجة فيما بين العباد وبين الله العقل ».

وقالعليه‌السلام « الكافي : 1 / 178 » : « ما زالت الأرض إلا ولله فيها الحجة ، يُعَرِّفُ الحلال والحرام ، ويدعو الناس إلى سبيل الله ».

٦٢

وقال عليه‌السلام « 1 / 168 » : « للزنديق الذي سأله : من أين أثبت الأنبياء والرسل؟ قال : إنه لما أثبتنا أن لنا خالقاً صانعاً متعالياً عنا وعن جميع ما خلق ، وكان ذلك الصانع حكيماً متعالياً ، لم يجز أن يشاهده خلقه ، ولا يلامسوه ، فيباشرهم ويباشروه ويحاجهم ويحاجوه ، ثبت أن له سفراء في خلقه ، يعبرون عنه إلى خلقه وعباده ، ويدلونهم على مصالحهم ومنافعهم ، وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم ، فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه ، المعبرون عنه جل وعز ، وهم الأنبياءعليهم‌السلام وصفوته من خلقه ، حكماء مؤدبين بالحكمة ، مبعوثين بها ، غير مشاركين للناس ـ على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب ـ في شئ من أحوالهم ، مؤيدين من عند الحكيم العليم بالحكمة. ثم ثبت ذلك في كل دهر وزمان مما أتت به الرسل والأنبياءعليهم‌السلام من الدلائل والبراهين ، لكيلا تخلو أرض الله من حجة يكون معه عَلَمٌ يدل على صدق مقالته ».

وسئل الإمام الرضا عليه‌السلام : أتبقى الأرض بغير إمام؟ قال : لا ، قلت : فإنا نروي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنها لاتبقى بغير إمام إلا أن يسخط الله تعالى على أهل الأرض أو على العباد ، فقال : لا ، لا تبقى ، إذاً لساخت »! « الكافي : 1 / 179 ».

٦٣

وقال الإمام الباقر عليه‌السلام « الكافي : 1 / 179 » : « والله ما ترك الله أرضاً منذ قبض آدمعليه‌السلام إلا وفيها إمام يُهتدي به إلى الله ، وهو حجته على عباده ، ولا تبقى الأرض بغير إمام حجة لله على عباده ».

كما بين الأئمةعليهم‌السلام أن الحجة لا بد أن تكون واضحة تامة ، وأن القرآن بسبب وجود المحكم والمتشابه فيه لايكون حجة إلا بقَيِّمٍ يُفسره ، ويبين المقصود اليقيني لله تعالى منه. « الكافي : 1 / 169 ».

وبينوا أنهم هم ورثة الكتاب وحجج الله تعالى على عباده. قال الإمام الباقرعليه‌السلام « الكافي : 1 / 145 » : « نحن حجة الله ، ونحن باب الله ».

وفي حديث الإمام الصادق عليه‌السلام في جواب بريهة الراهب « الكافي : 1 / 227 » : « أنَّى لكم التوراة والإنجيل وكتب الأنبياءعليهم‌السلام ؟ قال : هي عندنا وراثةً من عندهم ، نقرؤها كما قرؤوها ، ونقولها كما قالوا ، إن الله لا يجعل حجة في أرضه يُسأل عن شئ فيقول لا أدري ».

وبذلك يتضح معنى : السلام عليك يا حجة الله ، فالإمام المهديعليه‌السلام خاتم حجج الله تعالى الذين هم رسول الله وعترتهعليهم‌السلام ، وهم معدن

٦٤

الحجة وتجسيدها الكامل ، وقد تمت على أجيال من الناس ، وبقي أن يظهر المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) فيتم الله به حجته على العالم كله.

السلام عليك يا حجة الله ودليل إرادته

في الإرادة بحوث أطال فيها علماء الكلام ، والفلسفة ، وأصول الفقه. والذي يهمنا هنا أن إرادة الله تعالى تستعمل بمعنى أمره ونهيه ، وبمعنى رضاه وغضبه. والذي يدل على ذلك هو المعصومعليه‌السلام .

والإمامعليه‌السلام دليل إرادة الله ، ويشمل ذلك المعنى التشريعي لأن الإمام يدل على الحلال والحرام ، وبقية الأحكام ومتعلقاتها.

ويشمل المعنى التكويني بمعنى أن حالات الإمامعليه‌السلام من الرضا والغضب والحزن والسرور ، تعكس إرادة الله تعالى في أمره ونهيه ، ورضاه وغضبه ، فهي تدل عليها.

لمحة عن الإرادة الإلهية

روى في الكافي « 1 / 148 » : « عن معلى بن محمد قال : سئل العالم « الإمامعليه‌السلام » كيف عَلِمَ الله؟ قال : علم ، وشاء ، وأراد ، وقدر ، وقضى ، وأمضى. فأمضى ما قضى ، وقضى ما قدر ، وقدر ما أراد. فبعلمه كانت المشيئة ،

٦٥

وبمشيئته كانت الإرادة ، وبإرادته كان التقدير ، وبتقديره كان القضاء ، وبقضائه كان الإمضاء ، والعلم متقدم على المشيئة ، والمشيئة ثانية ، والإرادة ثالثة ، والتقدير واقع على القضاء بالإمضاء.

فلله تبارك وتعالى البداء فيما علم متى شاء ، وفيما أراد لتقديرالأشياء ، فإذا وقع القضاء بالإمضاء فلا بداء ، فالعلم في المعلوم قبل كونه ، والمشيئة في المنشأ قبل عينه ، والإرادة في المراد قبل قيامه ، والتقدير لهذه المعلومات قبل تفصيلها وتوصيلها عياناً ووقتاً.

والقضاء بالإمضاء هو المبرم من المفعولات ، ذوات الأجسام ، المدركات بالحواس ، من ذوي لون وريح ووزن وكيل ، وما دب ودرج ، من إنس وجن وطير وسباع وغير ذلك ، مما يدرك بالحواس.

فلله تبارك وتعالى فيه البداء مما لا عين له ، فإذا وقع العين المفهوم المدرك فلا بداء ، والله يفعل ما يشاء ، فبالعلم علم الأشياء قبل كونها ، وبالمشيئة عرف صفاتها وحدودها ، وأنشأها قبل إظهارها ، وبالإرادة ميز أنفسها في ألوانها وصفاتها ، وبالتقدير قدر أقواتها وعرف أولها وآخرها ، وبالقضاء أبان للناس أماكنها ودلهم عليها ، وبالإمضاء شرح عللها ، وأبان أمرها. وذلك تقدير العزيز العليم ».

٦٦

وعن الإمام الصادق عليه‌السلام قال « الكافي : 1 / 149 » : « لا يكون شئ في الأرض ولا في السماء إلا بهذه الخصال السبع : بمشيئة وإرادة وقدر وقضاء وإذن وكتاب وأجل ، فمن زعم أنه يقدر على نقض واحدة فقد كفر. وفي رواية : فمن زعم غير هذا فقد كذب على الله ، أو رد على الله ».

وروى في الكافي : 1 / 151 : « عن الفتح بن يزيد الجرجاني ، عن أبي الحسن الهاديعليه‌السلام قال : إن لله إرادتين ومشيئتين : إرادة حتم وإرادة عزم ، ينهى وهو يشاء ويأمر وهو لا يشاء ، أو ما رأيت أنه نهى آدم وزوجته أن يأكلا من الشجرة وشاء ذلك ، ولو لم يشأ أن يأكلا لما غلبت مشيئتهما مشيئة الله تعالى ، وأمر إبراهيم أن يذبح إسحاق ولم يشأ أن يذبحه ، ولو شاء لما غلبت مشيئة إبراهيم مشيئة الله تعالى ».

قال الكليني (قدس سره) في الكافي : 1 / 111 : « جملة القول في صفات الذات وصفات الفعل : أن كل شيئين وصفت الله بهما وكانا جميعاً في الوجود ، فذلك صفة فعل. وتفسير هذه الجملة : أنك تثبت في الوجود ما يريد وما لا يريد ، وما يرضاه وما يسخطه ، وما يحب وما يبغض.

٦٧

فلو كانت الإرادة من صفات الذات مثل العلم والقدرة ، كان ما لا يريد ناقضاً لتلك الصفة ، ولو كان ما يحب من صفات الذات كان ما يبغض ناقضاً لتلك الصفة ، ألا ترى أنا لا نجد في الوجود ما لايعلم وما لا يقدر عليه. وكذلك صفات ذاته الأزلية لسنا نصفه بقدرة وعجز وعلم وجهل وسفه وحكمة وخطأ وعز وذلة.

ويجوز أن يقال : يحب من أطاعه ويبغض من عصاه ، ويوالي من أطاعه ويعادي من عصاه ، وإنه يرضى ويسخط ».

عظمة مقام : دليل إرادته

دلالة الإمام المهديعليه‌السلام على إرادة الله تعالى بالمعنى التشريعي بمعنى المعلم والدليل المختار من ربه على أحكام شريعته وتطبيقاتها ، وهو مقامٌ عظيم يتفرد به عن الناس ، كما تفرد آباؤه وجده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

أما دلالتهعليه‌السلام التكوينية فمقامٌ أعظم من الأول ، لأن معناه أن إرادة الله تعالى تنعكس على روح المعصوم ، وملامح وجهه ، وبدنه!

والسر كل السر ، والعلم كل العلم في سعة إرادة الله تعالى وتنوعها ، وكيفية انعكاسها على روح المعصوم وملامحه.

٦٨

فعندما تقول الرواية مثلاً : نظر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الى الشئ الفلاني ، فأعرض عنه وعافه ، فمعناه أن إرادة الله تعالى ظهرت في ذلك الشخص أو الشئ ، وانعكست في ذهن المعصوم وحواسه ، وظهرت لنا إعراضاً وعدم رضا! فتكون شخصية المعصومعليه‌السلام صفحة لعلم الله تعالى وإرادته ، كصفحة الحاسب ، تظهر عليها خصائص برنامج معين.

ومن أمثلته ما رواه البخاري « 4 / 71 » قال : « بينا رسول الله « ص » ساجدٌ وحوله ناسٌ من قريش المشركين ، إذ جاءه عقبة بن أبي معيط بسَلَى جزور « كرش ناقة » فقذفه على ظهر النبي « ص » فلم يرفع رأسه حتى جاءت فاطمةعليها‌السلام فأخذت من ظهره ودعت على من صنع ذلك ، فقال النبي « ص » : اللهم عليك الملأ من قريش ، اللهم عليك أبا جهل بن هشام ، وعتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وعقبة بن أبي معيط ، وأمية بن خلف أو أبي بن خلف ».

وإذا عرفنا أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يدع على قومه قبل ذلك ، بل كان يقول : اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون ، فما الذي حدث حتى دعا عليهم؟

٦٩

حدث أنه سمع دعاء ابنته فاطمةعليها‌السلام ، التي تنعكس عليها إرادة الله تعالى ، ففهم من ذلك الإذن الإلهي أو الأمر بالدعاء عليهم ، فدعا!

وبهذا المعنى كان المهديعليه‌السلام مظهر إرادة الله تعالى وتجسيدها ودليلها.

لأنه دليل إرادة الله صار القدوة والأسوة

إن أي إنسان ينظر الى السماء والأرض ويتأمل في الطبيعة المحيطة به ، يتساءل في نفسه عن موقعه من هذا الكون ، وعما يريد منه خالقه المبدع الحكيم عز وجل؟ فالحاجة الى القدوة والأسوة تنشأ من تفكير الإنسان في الكون وخالقه عز وجل ، وشعوره بالحاجة الى معرفة ما يريده منه الله سبحانه ، وكيف يحقق تكامل وجوده الذي خلق من أجله؟

فيجد الجواب الشافي في الإمام الرباني ، الذي يعرف ما يريد الله من الإنسان ، وتظهر إرادته على ملامحه ، وحركاته وسكناته.

* *

٧٠

« 6 » السلام عليك يا تالي كتاب الله وترجمانه

1. تلاوة القرآن : قراءته ، وسُمىت تلاوةً لأن الكلمات فيها تتلو بعضها. ولا تستعمل لقراءة النص العادي ، ولذا يقال : قرأ الرسالة وتلا القرآن. قال تعالى :وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ. إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ. الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ .

نعم استعملت لتلاوة آيات الله غير القرآن :وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ .

وسمَّى الوحي الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله تلاوة :ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ .

وقد كان مصطلح التلاوة مستعملاً لطريقة قراءة الكتاب الإلهي قبل القرآن ، قال تعالى :وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ. أَتَامُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ .

2. فمعنى أن الإمام المهديعليه‌السلام تالي كتاب الله ، أنه التالي الرسمي للقرآن ، فهو منصوبٌ من الله تعالى لتلاوته ، لأنه ممن أورثهم الله الكتاب :ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا .

٧١

ومن الذين عندهم علم الكتاب :قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ .

وممن عندهم تفسير الكتاب وبيانه ، الذين وعد بهم الله تعالى :إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ. فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ. ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ .

وهذه الصفات لا توجد إلا في عترة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولهذا أوصى بهم وقرنهم بالقرآن فقال : إني تارك فيكم الثقلين ، كتاب الله وعترتي.

فالإمام المهديعليه‌السلام يتلو القرآن على الأمة ، ويفسره لها ، ويظهر علومه ومعجزاته ، كما أنه يتلوه على العالم ويفسره لهم بلغاتهم ، ويدعوهم اليه.

السلام عليك يا تالي كتاب الله وترجمانه

1. معنى ترجمان القرآن : أن الإمام المهديعليه‌السلام يُترجم القرآن الى لغات الناس المفهومة ، أي يفسره لهم ، فالذين يعرفون العربية يحتاجون الى تفسيره ويسمى ترجمة. وغيرهم يحتاجون الى ترجمته وتفسيره.

قال ابن منظور « 12 / 66 » : « التُّرجمان بالضم والفتح : هو الذي يُتَرْجِم الكلام ، أَي ينقله من لغة إلى لغة أُخرى ، والجمع التَّراجِم ».

٧٢

والقرآن لا تتم حجيته إلا بمفسر رسمي له قيِّمٍ عليه ، لأن فيه المحكم والمتشابه ، والعام والخاص ، والناسخ والمنسوخ الخ.

ولذا ورد أنه إنما يفهم القرآن من خوطب به وهم أهل البيتعليهم‌السلام ، فهؤلاء يفهمونه حق فهمه ، ويتلونه حق تلاوته.

وفي الكافي « 8 / 311 » : « دخل قتادة بن دعامة على أبي جعفرعليه‌السلام فقال : يا قتادة أنت فقيه أهل البصرة؟ قال : هكذا يزعمون. فقال أبو جعفرعليه‌السلام : بلغني أنك تفسر القرآن؟ فقال له قتادة : نعم ، فقال له أبو جعفرعليه‌السلام : بعلم تفسره أم بجهل؟ قال : لا ، بعلم ، فقال له أبو جعفر : فإن كنت تفسره بعلم فأنت أنت ، وأنا أسألك؟ قال قتادة : سل. قال : أخبرني عن قول الله عز وجل في سبأ :وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِي وَأَيَّامًا آمِنِينَ . فقال قتادة : ذلك من خرج من بيته بزاد حلال وراحلة وكراء حلال ، يريد هذا البيت كان آمناً ، حتى يرجع إلى أهله. فقال أبو جعفرعليه‌السلام : نشدتك الله يا قتادة هل تعلم أنه قد يخرج الرجل من بيته بزاد حلال وراحلة وكراء حلال ، يريد هذا البيت فيقطع عليه الطريق فتذهب نفقته ويضرب مع ذلك ضربة فيها اجتياحه؟ قال قتادة : اللهم نعم ، فقال أبو جعفرعليه‌السلام : ويحك يا قتادة إن كنت إنما فسرت القرآن

٧٣

من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت ، وإن كنت قد أخذته من الرجال ، فقد هلكت وأهلكت.

ويحك يا قتادة ، ذلك من خرج من بيته بزاد وراحلة وكراء حلال يروم هذا البيت عارفاً بحقناً يهوانا قلبه كما قال الله عز وجل :فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ ، ولم يعن البيت فيقول : إليه ، فنحن والله دعوة إبراهيمعليه‌السلام التي من هوانا قلبه قبلت حجته وإلا فلا.

يا قتادة فإذا كان كذلك كان آمناً من عذاب جهنم يوم القيامة ، قال قتادة : لا جرم والله لا فسرتها إلا هكذا. فقال أبو جعفرعليه‌السلام : ويحك يا قتادة إنما يعرف القرآن من خوطب به ».

ومن خوطب به ليفسره للناس ، هم رسول الله وأهل بيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

2. قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا ، كذباً وبغياً علينا ، أنْ رفعنا الله ووضعهم ، وأعطانا وحرمهم ، وأدخلنا وأخرجهم. بنا يُستعطى الهدى ويُستجلى العمى. إن الأئمة من قريش ، غرسوا في هذا البطن من هاشم. لا تصلح على سواهم ، ولا تصلح الولاة من غيرهم »! « نهج البلاغة : 2 / 27 ».

٧٤

وهم الذين عندهم علم الكتاب ، والذين أورثوا الكتاب ، وأهل الذكر. وقد روى السيوطي في الدر المنثور بثلاث روايات « 3 / 324 » : « أخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وأبو نعيم في المعرفة ، عن علي بن أبي طالب قال : ما من رجل من قريش إلا نزل فيه طائفة من القرآن. فقال له رجل : ما نزل فيك؟ قال أما تقرأ سورة هود :أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ : رسول الله على بينة من ربه ، وأنا شاهد منه ».

وفي تفسير العياشي « 2 / 220 » عن عبد الله بن عطاء قال : « قلت لأبي جعفر : هذا ابن عبد الله بن سلام يزعم أن أباه الذي يقول الله :قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ . قال : كَذِبَ. هو علي بن أبي طالب »!

وبهذا يتضح معنى أن الإمام المهديعليه‌السلام ترجمان القرآن ، لأنه مفسره الرسمي ، والقيِّم عليه ، ووارث علومه.

3. وقال الإمام الكاظم عليه‌السلام : « إن سليمان بن داود قال للهدهد حين فقده وشكَّ في أمره ، فقال : مَا لِي لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ، حين فقده فغضب عليه وقال : لاعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لاذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَاتِيَنِّى

٧٥

بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ. وإنما غضب لأنه كان يدله على الماء ، فهذا وهو طائر قد أعطي ما لم يعط سليمان!

وقد كانت الريح والنمل والإنس والجن والشياطين والمردة له طائعين ولم يكن يعرف الماء تحت الهواء ، وكان الطير يعرفه!

وإن الله يقول في كتابه :وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى : وقد ورثنا نحن هذا القرآن الذي فيه ما تسير به الجبال وتقطع به البلدان ، وتحيى به الموتى ، ونحن نعرف الماء تحت الهواء ، وإن في كتاب الله لآيات ما يراد بها أمر إلا أن يأذن الله به ، مع ما قد يأذن الله مما كتبه الماضون ، جعله الله لنا في أم الكتاب. إن الله يقول :وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ، ثم قال : ثُمَّأَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ، فنحن الذين اصطفانا الله عز وجل وأورثنا هذا الذي فيه تبيان كل شئ ». « الكافي : 1 / 226 ».

فترجمة الإمام المهديعليه‌السلام للقرآن تعني إظهار علومه للبشر ، وكشف معجزاته وأسراره ، واستثمار طاقاته التي أودعها الله فيه.

* *

٧٦

« 7 » السلام عليك يا بقية الله في أرضه

قال الله تعالى في سورة هود :وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ. وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ. بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ. قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَانَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ . « هود : 84 ـ 87 »

فقد استعمل نبي الله شعيبعليه‌السلام تعبير بقية الله للباقي من الربح الحلال قال :بَقِيَّةُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . وهي قاعدة عامة تعني : أن كل ما أبقاه الله تعالى للإنسان بعد أن ذهب بغيره ، فهو خيرٌ له.

وقد عُبِّرَ بها عمن بقي من الأئمة بعد ذهاب الماضين ، فقال الإمام الكاظم عندما ولد ابنه الرضاعليه‌السلام : « هنيئاً لك يا نجمةُ كرامة ربك خذيه فإنه بقية الله تعالى في أرضه ». « عيون أخبار الرضاعليه‌السلام : 1 / 30 ».

كما سُمِّيَ الإمام المهديعليه‌السلام بقية الله ، لأنه آخر من أبقاه الله من الأئمةعليهم‌السلام ، قال الإمام الصادقعليه‌السلام : « فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة واجتمع عنده

٧٧

ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً ، وأول ما ينطق به هذه الآية : بَقِيَّةُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ، ثم يقول : أنا بقية الله وحجته وخليفته عليكم. فلا يُسَلِّمُ عليه مسلمٌ إلا قال : السلام عليك يا بقية الله في أرضه ».

وفي الكافي « 1 / 411 » عن عمر بن زاهر ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام : « قال سأله رجل عن القائم يسلم عليه بإمرة المؤمنين قال : لا ، ذاك إسمٌ سمَّى الله به أمير المؤمنينعليه‌السلام لم يُسَمَّ أحدٌ قبله ولا يتسمى به بعده إلا كافر!

قلت جعلت فداك كيف يسلم عليه؟ قال : يقولون السلام عليك يا بقية الله ، ثم قرأ :بَقِيَّةُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ».

وفي الإحتجاج « 1 / 240 » في حديث أمير المؤمنين عليه‌السلام مع الزنديق : « هم بقية الله ، يعني المهدي ، يأتي عند انقضاء هذه النَّظْرة « المهلة » فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما ملئت ظلماً وجوراً ».

معنى بقية الله في أرضه

عندما نقول للإمام المهديعليه‌السلام : يا بقية الله في أرضه. نستحضر الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام الذين قتلهم الناس عبر التاريخ ، أو ماتوا ، فلم يبق منهم إلا هذا الوحيد ، فهو بقية الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام !

٧٨

وهو بقية الله تعالى ، الذي حفظه من أعدائه وأبطل خططهم لقتله ، وحفظه من الموت ومدَّ عمره حتى يبلغ المجتمع البشري وقت ظهوره.

ومعناه أيضاً : السلام عليك يا بقية الماضين وذكراهم ، وحامل رسالتهم ومناقبيتهم وعبيرهم الطيب ، ووارث خطهم الرباني ، والآخذ بثارهم ، من ظالميهم الجبابرة ، وجنودهم الأشرار!

ومن عجائب مقادير الله تعالى أن أكبر انتصار إلهي في الأرض سيتحقق على يد بقية الله في أرضه ، فهو الذي يقيم دولة العدل الإلهي التي تدوم الى يوم القيامة ، والتي قال عنها الله للملائكة :إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ .

فما أعظم بركة هذه البقية ، والدور الذي أوكل الى المهديعليه‌السلام !

٧٩

« 8 » السلام عليك يا ميثاق الله الذي أخذه ووكَّده

تقول آيات القرآن إن الله تعالى أخذ مواثيق الناس والملائكة في عالمٍ قبل عالمنا هذا. وتقول أحاديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وآلهعليهم‌السلام إن الناس نسوا مواثيق الله عليهم ، وسوف يُذَكَرُونَ بها فيذكرونها!

قال الله تعالى :وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ . « الأعراف : 172 ».

وقال :وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا . « الأحزاب : 7 ».

وقال :وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ « آل عمرا : 187 ».

وقال :وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . « الحديد : 8 ».

قال الخليل في العين « 5 / 202 » : « والوثيقة في الأمر : إحكامه والأخذ بالثقة والجميع وثائق. والميثاق : من المواثقة والمعاهدة ومنه الموثق ».

٨٠