شرح زيارة آل ياسين

شرح زيارة آل ياسين42%

شرح زيارة آل ياسين مؤلف:
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
الصفحات: 136

شرح زيارة آل ياسين
  • البداية
  • السابق
  • 136 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 60413 / تحميل: 5289
الحجم الحجم الحجم
شرح زيارة آل ياسين

شرح زيارة آل ياسين

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

من جهة أخرى؟

إلى غير ذلك من الأبحاث الكثيرة والمتعدّدة.

هذه الأمور والاحتمالات التي طرحناها لم تُعرض ضمن بحث مستقلٍ منفرد ومتميّز في الكتب، أو الأبواب الفقهيّة.

وقد يجدها المتتبّع في طيّات كلمات الفقهاء وأبحاثهم هنا وهناك في موارد متفرّقة، ومواضع مختلفة.

مثلاً: قد يجدها المتتبّع في موضوع حرمة تنجيس القرآن أو وجوب تطهيره إذا لاقته النجاسة.

وفي بحث الوقف والصدقات وإحياء الموات، وقضيّة حُرمة المؤمن، وحُرمة الكعبة، وفي باب الحدود، في حكم سبّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله - والعياذ بالله تعالى - أو هتك مقدّسات الدين، حيث يبحث العلماء في هذه الموارد عن الشعائر الدينيّة، وإنّ هتكها هل هو موجب للكفر أم لا؟

ومضافاً إلى ذلك، هناك بعض الكتب والرسائل التي أُلِّفت في بحث الشعائر الحسينيّة(1)، وقد ذكروا فيها بعض الضوابط الشرعيّة إلى حدّ ما، فمن الجدير مراجعة تلك الكتب وملاحظة الخطوط العامّة لهذا البحث، وما تتضمّنه من نقض وإبرام.

____________________

(1) نذكر - على سبيل المثال - بعض تلك الرسائل والمؤلّفات:

الشعائر الحسينيّة في الميزان الفقهي، لآية الله الشيخ عبد الحسين الحلّي (رحمه الله).

نصرة المظلوم، لآية الله الشيخ حسن المظفّر (رحمه الله).

الشعائر الحسينيّة، سماحة السيّد حسن الشيرازيّ (رحمه الله).

نجاة الأمّة في إقامة العزاء، الحاج السيّد محمّد رضا الحسيني الحائري.

الشعائر الحسينيّة سُنّة أم بدعة، الشيخ أحمد الماحوزي.

٢١

الجانبُ الرابع: إطار موضوع القاعدة

قد تُضافُ الشعائر إلى لفظ الجلالة (الله) فنقول: (شعائر الله)، كما في الآيات الكريمة(1) ، ومنها قوله تعالى:( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) (2) .

وأيضاً الشعائر أو الشعيرة أو الشعارة - على اختلاف هيئات المادّة - قد تضاف إلى المذهب، فيقال: شعائر المذهب.

وأيضاً، قد تضاف إلى الحسين (عليه السلام) باسم الشعائر الحسينيّة.

وأيضاً، قد تضاف إلى الدين، فتُعرف باسم شعائر الدين وشعائر الإسلام.

وسيتبيّن أنّ هذه الإضافات ما هي إلاّ تفريعات وتطبيقات لنفس القاعدة الواحدة، فيقال: شعائر الله، أو يقال: الشعائر الحسينيّة، أو يقال: شعائر المذهب، أو يقال: شعائر الإسلام، أو شعائر الدين، وهي - على كلّ حال - تبويبات وتصنيفات لذكر فروع لأصل واحد، أو تكون مرادفات لنفس المسمّى.

وسيظهر ما في هذا التعبير من نواحٍ تربويّة متعدّدة، وتفريعات لنكاتٍ فقهيّة مختلفة.

____________________

(1) المائدة: 2، الحج: 32، البقرة: 158.

(2) الحجّ: 32.

٢٢

الجانبُ الخامس:

جرياً على ديدن العلماء في تصنيف كلّ مسألة بإدراجها في باب من الأبواب الفقهية، ففي أيّ باب من الأبواب يمكن درج هذه القاعدة؟ هل في باب الفقه السياسي، أم في باب الفقه الاجتماعي، أم باب فقه القضاء، أم فقه المعاملات؟

وسيظهر خلال مراحل البحث: أنّ من خصائص هذه القاعدة وهذا الواجب الدينيّ العظيم، أنّ هذا الواجب ليس واجباً ملقى على عاتق رموز الدولة الإسلاميّة أو الحكومة فحسب، وليس مُلقى على عاتق المرجعيّة فقط، الّتي قد تُسمّى بالاصطلاح الأكاديمي الحديث حكومة المرجع، ولا على عاتق الهيئات الدينيّة دون غيرها.

وإنّما هذا الواجب - كما سيتبيّن - هو واجب كفائيّ يُلقى على عاتق عموم المسلمين، ويتحمّل مسؤوليّة إقامته جميع طبقات وشرائح المجتمع الإسلامي، ومن ثُمّ كان الأولَى إدراج هذه القاعدة في أبواب فقه الاجتماع، من قبيل: باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا في خصوص الفقه السياسي، ولا في خصوص فقه الأبواب الأُخرى، بل يكون انضمامها تحت باب الفقه الاجتماعي هو الأنسب لهذه القاعدة.

هذه جوانب ذكرناها بعنوان ديباجة وتمهيد للبحث، أمّا بالنسبة إلى تبويب وتصنيف جهات البحث؛ فإنّ البحث سيقع - إن شاء الله تعالى - في مقامين رئيسيّين:

٢٣

المقامُ الأول

في عُموم قاعِدة الشَعائر الدينيّة

وهذا المقام يتألّف من الجهات التالية:

الجهة الأولى: الأدلّة الإجماليّة الواردة في هذه القاعدة.

الجهة الثانية: أقوال الفقهاء والمتكلّمين والمفسّرين والمحدّثين حول قاعدة الشعائر الدينيّة.

الجهة الثالثة: البحث في معنى وماهيّة الموضوع، وهو الشعيرة والشعائر من الناحية اللُّغويّة.

الجهة الرابعة: كيفيّة تحقّق الموضوع، وهو الشعيرة والشعائر ومعالجة العديد من قواعد التشريع.

الجهة الخامسة: البحث في متعلّق الحكم لقاعدة الشعائر.

الجهة السادسة: نسبة حكم الشعائر مع العناوين الأوّليّة للأحكام من جهة، ومع العناوين الثانويّة للأحكام من جهة أُخرى.

الجهة السابعة: الموانع الطارئة على الشعائر، كالخرافة والاستهزاء والهتك والشنعة.

٢٤

المقامُ الثاني

الشَعائرُ الحُسينيّة

يقع البحث في خصوصيات الشعائر الحسينيّة، ودراسة قوّة وتماميّة الأدلّة الخاصّة الواردة فيها، وردّ الإشكالات والانتقادات التي وُجِّهت لها، وأُثيرَت حولها.

وهل يختلف حكمها عن الأحكام العامّة في الشعائر؟

أم هي تتضمّن الأحكام العامّة للشعائر وزيادة؟

ويقع البحث خلال الجهات الآتية:

الجهة الأولى: أهداف النهضة الحسينيّة.

الجهة الثانية: أدلّة الشعائر الحسينيّة.

الجهة الثالثة: أقسام الشعائر الحسينيّة.

الجهة الرابعة: الرواية في الشعائر الحسينيّة.

الجهة الخامسة: البكاء.

الجهة السادسة: الشعائر الحسينيّة والضرر.

الجهة السابعة: لبس السواد.

الجهة الثامنة: ضرورة لعن أعداء الدين.

الجهة التاسعة: العزاء والرثاء سُنّة قرآنيّة.

مِسكُ الختام: مآتم العزاء التي أقامها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على الحسين (عليه السلام).

هذا ما سنتطرّق إليه مفصّلاً فيما يأتي من البحوث - إن شاء الله تعالى - ونبدأ البحث في جهات المقام الأول:

٢٥

٢٦

المقامُ الأوّل الشَعائرُ الدينيّة

٢٧

٢٨

الجهةُ الأوّلى:الأدلّةُ الإجماليّة

٢٩

٣٠

في بداية كلّ بحث لابدّ أن يعثر الفقيه أو المجتهد على أدلّة معيّنة لعنوان البحث، وهذه الأدلّة حسب قواعد علم الفقه والأصول لها ثلاثة محاور، هي: الموضوع، والمحمول، والمتعلّق.

الموضوع: هو ما يُشار به إلى قيود الحُكم.

والمحمول: هو الحكم الشرعي، إمّا وجوب، أو حُرمة، أو مِلكيّة، أو غير ذلك، بمعنى الحُكم الشرعي الشامل للحُكم التكليفي وللحُكم الوضعي.

المتعلَّق: وهو الفعل المطلوب حصوله في الخارج إذا كان الحُكم وجوباً، أو الفعل اللازم تركه إذا كان الحكم حرمةً.

على سبيل المثال: في دليل: (إذا زالت الشمس فصلِّ)، نلاحظ هذه المَحاور الثلاثة كالآتي:

الموضوع: هو الزوال.

والمحمول: الحُكم وهو الوجوب.

والمتعلّق: وهو صلاة الظهر.

ومِحور الموضوع الذي هو قيود الوجوب، ويُطلق على قيود أيّ حكم تكليفي أو وضعي بأنّه: موضوع أصولي، أو موضوع فقهي، وفي مثالنا السابق يعتبر الزوال من قيود الوجوب.

٣١

فاللازم استعراض الأدلّة الواردة في قاعدة الشعائر وتقرير مفادها على ضوء هذا التثليث.

الطائفة الأولى من الأدلّة:

(1) -( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آَمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ ) (1) .

قد ورد في الآية عموم لفظ الشعائر، وهو حُكم من الأحكام القرآنيّة، فلنتعرّف على موضوع ومتعلّق هذا المورد، وعلى حكمه أيضاً.

الموضوع: هو الشعائر(2) .

المتعلّق: هو التعظيم إن جُعِل الحُكم إيجابيّاً، أو التهاون إن جُعِل الحكم تحريميّاً.

الحُكم: حرمة التحليل وحرمة التهاون، ويمكن جعل الحُكم وجوب التعظيم.

(2) -( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ *

____________________

(1) المائدة: 2.

(2) وقد يقال للموضوع: متعلّق المتعلّق، ففي مثال حرمة شرب الخمر؛ فإنّ الحُرمة تتعلّق بالشُرب، والشرب بدوره يتعلّق بالخمر، فالخمر يقال له: متعلّق متعلّق الحكم.. وهذا تابع لقاعدة أصوليّة محرّرة عند علماء الأصول تقول: إنّ متعلّق متعلّق الحُكم يكون موضوعاً للحُكم، سواء كان الحكم تكليفيّاً أم وضعيّاً. اعتمدَت عليها مدرسة الميرزا النائيني (رحمه الله)، إلاّ أنّ مشهور الطبقات المتقدِّمة من العلماء على خلاف ذلك، وهو الأصح.

٣٢

لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ * ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ) (1) .

هذا المقطع من الآية الشريفة( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ... ) ، أدرجهُ كثير من العلماء ضمن آيات الشعائر أيضاً، مع أنّه لم يرد فيه لفظة الشعائر، والوجه في ذلك: هو الاعتماد على قاعدة معروفة ومشهورة لدى أساطين الفقه.

وهي أنّ الموضوع أو المتعلّق كما يمكن الاستدلال له بالأدلّة الوارد فيها العنوان نفسه أو المتضمّنة له، أو مرادفاته، كذلك يمكن الاستدلال له بالأدلّة الوارد فيها العنوان نفسه أو المتضمّنة له، أو مرادفاته، كذلك يمكن الاستدلال له بما يشترك معه في الماهيّة النوعيّة أو الجنسيّة، أي المماثل أو المجانس، بشرط أن يكون الحُكم مُنصبّاً على تلك الماهيّة، وإلاّ كان التعدّي قياساً باطلاً، كما يمكن الاستدلال له بالدليل الذي يتضمّن جزء الماهيّة، كذلك يمكن الاستدلال له بما يدلّ على اللازم له أو الملزوم له، فتتوسّع دائرة دلالة الأدلّة الدالّة على المطلوب.

ففي هذه الآية الشريفة:

الموضوع: حُرمات الله.

المتعلّق: التعظيم.

الحكم: الوجوب، أي: وجوب التعظيم.

(3) -( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) (2) .

____________________

(1) الحج: 27 - 30.

(2) الحج: 32.

٣٣

وهذه من أوضح الآيات على إثبات المطلوب، حيت تدلّ على محبوبيّة ورجحان التعظيم لشعائر الله، حسب التقسيم الثلاثي المذكور من الموضوع والمتعلّق والحُكم.

(4) -( وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ) (1) .

هنا وردت (مِن) تبعيضيّة، والمعنى: أنّ البدن من مصاديق الشعائر.

(5) -( إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ) (2) .

(6) -( فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ) (3) .

هذه الآية الشريفة تعرّضت للشعائر، ولكن بصيغة المشعر.

هذه الطائفة من الأدلّة وافية في المقام، وعلينا أن نسبر غَورها لنصل إلى المَحاور الأساسيّة فيها، ولنتعرّف على مفادها ودلالتها.

الطائفةُ الثانية من الأدلّة:

هذه الأدلّة لم يرد فيها لفظ (الشعائر)، إلاّ أنّ بعض العلماء والمحقّقين(4) ذهبوا إلى استفادة حُكم الشعائر منها، وهي:

____________________

(1) الحجّ: 36.

(2) البقرة: 158.

(3) البقرة: 198.

(4) الميرزا القمّي (قدِّس سرّه) ضمن فتواه في كتاب (جامع الشتات) حول الشعائر الحسينيّة، والسيّد اليزدي (قدِّس سرّه) صاحب العروة في فتواه، والسيّد جمال الدين الگلبايكاني، أشاروا إلى وجود عمومات أخرى إضافةً لأدلّة الطائفة الأولى في المقام.

٣٤

(1) -( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (1) .

ومن سياق الآيات التي قبلها:( قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الأَخِرِ.. ) .

وآية:( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ.. ) .

يُفهم أنّ الآيات بصدد بيان مسألة وجوب الجهاد، وضرورة المعرفة الحقّة والتوحيد ونشر الدين وتبليغه..

ثُمّ بعد ذلك تُبيّن الآية:( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) أهميّة النور الإلهي، ومحاولات أعداء الدين لإطفاء ذلك النور، ولكنّ الله سبحانه كتبَ على نفسه إحباط تلك المحاولات الشيطانيّة، ويأبى سبحانه إلاّ إتمام النور ونشر الصلاح والهدى.

ففي هذه الآية الشريفة:

الموضوع: هو نور الله سبحانه، وهو بدل لفظ (الشعائر) في آية( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ... ) ، ونور الله سبحانه عام يشمل جميع الأحكام.

المتعلَّق: النشر والتبليغ والبيان، وهو بدل التعظيم في تلك الآية.

والحُكم: وهو الوجوب، وجوب النشر أو حرمة الإطفاء والكتمان.

فيكون هذا الدليل - كقضيّة شرعيّة - مرادفاً ومكافئاً للآية الشريفة:( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ ) .

- وهذا يعني أنّنا لا نقتصر في إثبات هذه القاعدة على الآيات من الطائفة

____________________

(1) التوبة: 32.

٣٥

الأولى من الأدلّة، بل يمكن الاستدلال أيضاً بما يفيد مفادها أيضاً.

(2) -( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ والآصَال ) (1) بملاحظة الآيات التي تسبق هذه الآية من سورة النور، وهي:( وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ * اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (2) من سياق هذه الآيات، يظهر أنّ المراد من لفظة( فِي بُيُوتٍ... ) : هي البيوت التي فيها نور الله، والمراكز التي تكون مصادر إشعاع الدين، ومحالّ نشر الهداية والحق، ومحطّات بيان أحكام الدين الحنيف.

وهذه (البيوت) النوريّة والباعثة للنور، شاء الله وأراد أن تُرفع وتُكرّم، وأن تُبجّل وتُحترم، وينبغي أن يستمرّ ويدوم فيها ذِكر الله وعبادته وطاعته.

فهذه الآية من سورة النور، مرادفة لآية تعظيم الشعائر(3) ، ولآية( لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ... ) .

فالآية الشريفة تدلّ على وجوب نشر ورفع كلّ موطن ومركز ومحلّ يتكفّل ببيان أحكام الله وتعاليم رسالة السماء، المكنّى عنه في الآية الشريفة بنور الله.

____________________

(1) النور: 36.

(2) النور: 34 - 35.

(3)( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) الحجّ: 32.

٣٦

ومن ذلك يظهر أنّ الشعائر لا تختصّ بباب دون آخر، فهي لا تختصّ بمناسك الحجّ، ولا بالعبادات.

وإنّما تشمل كلّ ما فيه نشر لأحكام الدين، وتعمّ جميع ما به بيان وتبليغ للمعارف الإسلاميّة المختلفة.

(3) -( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (1) .

هذه الآية تدلّ على أنّ حفظ الدين وحفظ ذِكر الله سبحانه، وكذلك حفظ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي هو قوام الدين، وحفظ ذِكر أهل البيت (عليهم السلام) الذين هم العِدل الآخر للقرآن، كلّ ذلك يُعتبر من الأغراض الشرعيّة العُليا للحق سبحانه وتعالى.

(4) -( وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (2) .

بتقريب أنّ كلّ ما يؤول إلى إعلاء كلمة الله سبحانه وإزهاق كلمة الكافرين، فهو من الأغراض الشرعيّة والمقاصد الدينيّة.

(5) -( فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) (3) .

تُقرِّر الآية الكريمة وجوب التفقّه على المسلمين بعد الهجرة، ثُمّ الرجوع إلى بلادهم ووجوب التبليغ والإنذار، مُقدّمةً لحصول حالة الحذر، فهذا الإنذار

____________________

(1) الحجر: 9.

(2) التوبة: 4.

(3) التوبة: 122.

٣٧

لنشر معالم الدين وترسيخ قواعده يُبيّن في الواقع ماهيّة الشعائر.

فهذه الآية (آية الإنذار) بمنزلة المُبيّن والمفسِّر لأحد أركان ماهيّة العناوين التي وردت في الألسنة الأخرى من الأدلّة، وهو التبليغ والنشر للدين الحنيف.

(6) -( فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) (1) .

لسان هذه الآية، يوضِّح بُعداً آخر في حقيقة الشعائر، حيث تتضمّن في متعلّقها جنبة أخرى غير الأحكام الأوّليّة، ألا وهي جنبة ازدياد العلو والسُموّ للإسلام والمسلمين، وهذه غير جهة الإعلام، وإن كانت هي أحد نتائج الإعلام والنشر والإنذار.

فالبُعد الآخر الذي تتضمّنه قاعدة الشعائر الدينيّة: هو جنبة إعلاء كلمة الله سبحانه، وإعزاز كلمة المسلمين.

وقد توفّرت الأدلّة في إثبات ذلك بقدر وافٍ.

الطائفةُ الثالثة من الأدلّة:

وقد استُدلّ أيضاً على هذه القاعدة بما وردَ في الأبواب الخاصّة من الأدلّة، مثل: أدلّة خاصّة في مناسك الحج، أو أدلّة خاصّة في الشعائر الحسينيّة وغير ذلك، مثل: قول الصادق (عليه السلام):(رحمَ الله مَن أحيا أمرَنا) (2) .

وقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :(يا علي، مَن عمّر قبوركم، وتَعاهدها، فكأنّما أعانَ

____________________

(1) النساء: 141.

(2) بحار الأنوار 2: 151: 30.

٣٨

سليمان بن داوود على بناء بيت المَقدس) (1) وما شابه ذلك.

أو ما ورد على لسان العقيلة زينب الكبرى (عليها السلام) بالنسبة لعزاء سيّد الشهداءصلى‌الله‌عليه‌وآله :(وسيوكِّل الله مَن يُجدّد له العزاء في كلّ عام) (2) تلك العناوين خاصّة في أبواب خاصّة.

وهذا اللسان الثالث من الأدلّة هو عبارة عن أحكام خاصّة في الموارد الأخرى، التي مفادها هو عين مفاد الشعائر، من لزوم البثّ والإعلان.

فزبدة القول: إنّ لدينا ثلاثة أشكال من الأدلّة:

الأوّل: أدلّة عامّة وردَ فيها لفظ الشعائر.

الثاني: أدلّة عامّة ومطلقه يظهر منها جانب الإعلام والإعلاء للدين.

الثالث: أدلّة مختصّة ببعض الأبواب، وتكون مرادفة لتعظيم الشعائر ولنشر الدين وإعلاء كلمته.

____________________

(1) بحار الأنوار 100: 120: 22.

(2) بحار الأنوار 44: 292.

٣٩

الجهةُ الثانية أقوالُ العامّة والخاصّة حول هذه القاعدة

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

وفي صحيح مسلم « ٦ / ٣ » : « عن جابر بن سمرة قال : دخلت مع أبي على النبي « ص » فسمعته يقول : إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة ». ونحوه أحمد : ٥ / ٨٦.

٤. لا يتوقف منصب الخلافة للإمام المهديعليه‌السلام على أن يحكم فعلاً ، فهو ثابتٌ له منذ خلقه الله تعالى ، وهو في مدة غيبته يقوم بمهام خليفة الله تعالى ومعه الخضرعليه‌السلام والأبدال الذين هم جنود الله في الغيب ، نعم تظهر خلافته ظهوراً كاملاً عندما يظهر ويقيم دولة العدل الإلهي.

السلام عليك يا خليفة الله وناصرحقه

حق الله تعالى في الأرض : أن يُوَحِّدَهُ الناس ولا يشركوا به ، وأن يطيعوه ولا يعصوه. ومعنى نصرة الإمام المهديعليه‌السلام لهذا الحق : أنه يدافع عنه ، ويعمل لتحقيقه بدعوة الناس الى الإيمان بالله وتوحيده ، والإيمان بما أنزله على رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويطبق ذلك ببرامج وقوانين.

ومعنى نصرة حق الله تعالى : أنه يوجد مَن يعتدي على هذا الحق ، ويجب مجاهدته ورد ظلمه ، وهم الملحدون والمجسمون لله تعالى.

٦١

والإمام المهديعليه‌السلام صاحب الحق في جهادهم ، وهذا يعني أن سياسة جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله كانت لمرحلة ، فهو يكملها ، وتتسع دائرة من يجاهدهم.

وفي بعض النسخ : وناصر خلقه بدل حقه ، وتكون نصرة خلق الله تعالى بأن يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما أخبر جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

« ٥ » السلام عليك يا حجة الله ودليل إرادته

معنى حجة الله تعالى : الدليل الواضح الذي يحتج به على عباده ، كما قال تعالى :لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ . وقال :فَللَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ . وقال :لايُكَلِّفُ الَّلهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا . وقال :لايُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا . وقال :وَمَاكُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً .

وقد عقد الكليني (قدس سره) في الكافي « ١ / ١٦٢ » : « باب البيان والتعريف ولزوم الحجة » وأورد تحته عدة أبواب ، وعشرات الأحاديث.

قال الإمام الصادقعليه‌السلام « ١ / ٢٥ » : « حجة الله على العباد النبي ، والحجة فيما بين العباد وبين الله العقل ».

وقالعليه‌السلام « الكافي : ١ / ١٧٨ » : « ما زالت الأرض إلا ولله فيها الحجة ، يُعَرِّفُ الحلال والحرام ، ويدعو الناس إلى سبيل الله ».

٦٢

وقال عليه‌السلام « ١ / ١٦٨ » : « للزنديق الذي سأله : من أين أثبت الأنبياء والرسل؟ قال : إنه لما أثبتنا أن لنا خالقاً صانعاً متعالياً عنا وعن جميع ما خلق ، وكان ذلك الصانع حكيماً متعالياً ، لم يجز أن يشاهده خلقه ، ولا يلامسوه ، فيباشرهم ويباشروه ويحاجهم ويحاجوه ، ثبت أن له سفراء في خلقه ، يعبرون عنه إلى خلقه وعباده ، ويدلونهم على مصالحهم ومنافعهم ، وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم ، فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه ، المعبرون عنه جل وعز ، وهم الأنبياءعليهم‌السلام وصفوته من خلقه ، حكماء مؤدبين بالحكمة ، مبعوثين بها ، غير مشاركين للناس ـ على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب ـ في شئ من أحوالهم ، مؤيدين من عند الحكيم العليم بالحكمة. ثم ثبت ذلك في كل دهر وزمان مما أتت به الرسل والأنبياءعليهم‌السلام من الدلائل والبراهين ، لكيلا تخلو أرض الله من حجة يكون معه عَلَمٌ يدل على صدق مقالته ».

وسئل الإمام الرضا عليه‌السلام : أتبقى الأرض بغير إمام؟ قال : لا ، قلت : فإنا نروي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنها لاتبقى بغير إمام إلا أن يسخط الله تعالى على أهل الأرض أو على العباد ، فقال : لا ، لا تبقى ، إذاً لساخت »! « الكافي : ١ / ١٧٩ ».

٦٣

وقال الإمام الباقر عليه‌السلام « الكافي : ١ / ١٧٩ » : « والله ما ترك الله أرضاً منذ قبض آدمعليه‌السلام إلا وفيها إمام يُهتدي به إلى الله ، وهو حجته على عباده ، ولا تبقى الأرض بغير إمام حجة لله على عباده ».

كما بين الأئمةعليهم‌السلام أن الحجة لا بد أن تكون واضحة تامة ، وأن القرآن بسبب وجود المحكم والمتشابه فيه لايكون حجة إلا بقَيِّمٍ يُفسره ، ويبين المقصود اليقيني لله تعالى منه. « الكافي : ١ / ١٦٩ ».

وبينوا أنهم هم ورثة الكتاب وحجج الله تعالى على عباده. قال الإمام الباقرعليه‌السلام « الكافي : ١ / ١٤٥ » : « نحن حجة الله ، ونحن باب الله ».

وفي حديث الإمام الصادق عليه‌السلام في جواب بريهة الراهب « الكافي : ١ / ٢٢٧ » : « أنَّى لكم التوراة والإنجيل وكتب الأنبياءعليهم‌السلام ؟ قال : هي عندنا وراثةً من عندهم ، نقرؤها كما قرؤوها ، ونقولها كما قالوا ، إن الله لا يجعل حجة في أرضه يُسأل عن شئ فيقول لا أدري ».

وبذلك يتضح معنى : السلام عليك يا حجة الله ، فالإمام المهديعليه‌السلام خاتم حجج الله تعالى الذين هم رسول الله وعترتهعليهم‌السلام ، وهم معدن

٦٤

الحجة وتجسيدها الكامل ، وقد تمت على أجيال من الناس ، وبقي أن يظهر المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) فيتم الله به حجته على العالم كله.

السلام عليك يا حجة الله ودليل إرادته

في الإرادة بحوث أطال فيها علماء الكلام ، والفلسفة ، وأصول الفقه. والذي يهمنا هنا أن إرادة الله تعالى تستعمل بمعنى أمره ونهيه ، وبمعنى رضاه وغضبه. والذي يدل على ذلك هو المعصومعليه‌السلام .

والإمامعليه‌السلام دليل إرادة الله ، ويشمل ذلك المعنى التشريعي لأن الإمام يدل على الحلال والحرام ، وبقية الأحكام ومتعلقاتها.

ويشمل المعنى التكويني بمعنى أن حالات الإمامعليه‌السلام من الرضا والغضب والحزن والسرور ، تعكس إرادة الله تعالى في أمره ونهيه ، ورضاه وغضبه ، فهي تدل عليها.

لمحة عن الإرادة الإلهية

روى في الكافي « ١ / ١٤٨ » : « عن معلى بن محمد قال : سئل العالم « الإمامعليه‌السلام » كيف عَلِمَ الله؟ قال : علم ، وشاء ، وأراد ، وقدر ، وقضى ، وأمضى. فأمضى ما قضى ، وقضى ما قدر ، وقدر ما أراد. فبعلمه كانت المشيئة ،

٦٥

وبمشيئته كانت الإرادة ، وبإرادته كان التقدير ، وبتقديره كان القضاء ، وبقضائه كان الإمضاء ، والعلم متقدم على المشيئة ، والمشيئة ثانية ، والإرادة ثالثة ، والتقدير واقع على القضاء بالإمضاء.

فلله تبارك وتعالى البداء فيما علم متى شاء ، وفيما أراد لتقديرالأشياء ، فإذا وقع القضاء بالإمضاء فلا بداء ، فالعلم في المعلوم قبل كونه ، والمشيئة في المنشأ قبل عينه ، والإرادة في المراد قبل قيامه ، والتقدير لهذه المعلومات قبل تفصيلها وتوصيلها عياناً ووقتاً.

والقضاء بالإمضاء هو المبرم من المفعولات ، ذوات الأجسام ، المدركات بالحواس ، من ذوي لون وريح ووزن وكيل ، وما دب ودرج ، من إنس وجن وطير وسباع وغير ذلك ، مما يدرك بالحواس.

فلله تبارك وتعالى فيه البداء مما لا عين له ، فإذا وقع العين المفهوم المدرك فلا بداء ، والله يفعل ما يشاء ، فبالعلم علم الأشياء قبل كونها ، وبالمشيئة عرف صفاتها وحدودها ، وأنشأها قبل إظهارها ، وبالإرادة ميز أنفسها في ألوانها وصفاتها ، وبالتقدير قدر أقواتها وعرف أولها وآخرها ، وبالقضاء أبان للناس أماكنها ودلهم عليها ، وبالإمضاء شرح عللها ، وأبان أمرها. وذلك تقدير العزيز العليم ».

٦٦

وعن الإمام الصادق عليه‌السلام قال « الكافي : ١ / ١٤٩ » : « لا يكون شئ في الأرض ولا في السماء إلا بهذه الخصال السبع : بمشيئة وإرادة وقدر وقضاء وإذن وكتاب وأجل ، فمن زعم أنه يقدر على نقض واحدة فقد كفر. وفي رواية : فمن زعم غير هذا فقد كذب على الله ، أو رد على الله ».

وروى في الكافي : ١ / ١٥١ : « عن الفتح بن يزيد الجرجاني ، عن أبي الحسن الهاديعليه‌السلام قال : إن لله إرادتين ومشيئتين : إرادة حتم وإرادة عزم ، ينهى وهو يشاء ويأمر وهو لا يشاء ، أو ما رأيت أنه نهى آدم وزوجته أن يأكلا من الشجرة وشاء ذلك ، ولو لم يشأ أن يأكلا لما غلبت مشيئتهما مشيئة الله تعالى ، وأمر إبراهيم أن يذبح إسحاق ولم يشأ أن يذبحه ، ولو شاء لما غلبت مشيئة إبراهيم مشيئة الله تعالى ».

قال الكليني (قدس سره) في الكافي : ١ / ١١١ : « جملة القول في صفات الذات وصفات الفعل : أن كل شيئين وصفت الله بهما وكانا جميعاً في الوجود ، فذلك صفة فعل. وتفسير هذه الجملة : أنك تثبت في الوجود ما يريد وما لا يريد ، وما يرضاه وما يسخطه ، وما يحب وما يبغض.

٦٧

فلو كانت الإرادة من صفات الذات مثل العلم والقدرة ، كان ما لا يريد ناقضاً لتلك الصفة ، ولو كان ما يحب من صفات الذات كان ما يبغض ناقضاً لتلك الصفة ، ألا ترى أنا لا نجد في الوجود ما لايعلم وما لا يقدر عليه. وكذلك صفات ذاته الأزلية لسنا نصفه بقدرة وعجز وعلم وجهل وسفه وحكمة وخطأ وعز وذلة.

ويجوز أن يقال : يحب من أطاعه ويبغض من عصاه ، ويوالي من أطاعه ويعادي من عصاه ، وإنه يرضى ويسخط ».

عظمة مقام : دليل إرادته

دلالة الإمام المهديعليه‌السلام على إرادة الله تعالى بالمعنى التشريعي بمعنى المعلم والدليل المختار من ربه على أحكام شريعته وتطبيقاتها ، وهو مقامٌ عظيم يتفرد به عن الناس ، كما تفرد آباؤه وجده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

أما دلالتهعليه‌السلام التكوينية فمقامٌ أعظم من الأول ، لأن معناه أن إرادة الله تعالى تنعكس على روح المعصوم ، وملامح وجهه ، وبدنه!

والسر كل السر ، والعلم كل العلم في سعة إرادة الله تعالى وتنوعها ، وكيفية انعكاسها على روح المعصوم وملامحه.

٦٨

فعندما تقول الرواية مثلاً : نظر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الى الشئ الفلاني ، فأعرض عنه وعافه ، فمعناه أن إرادة الله تعالى ظهرت في ذلك الشخص أو الشئ ، وانعكست في ذهن المعصوم وحواسه ، وظهرت لنا إعراضاً وعدم رضا! فتكون شخصية المعصومعليه‌السلام صفحة لعلم الله تعالى وإرادته ، كصفحة الحاسب ، تظهر عليها خصائص برنامج معين.

ومن أمثلته ما رواه البخاري « ٤ / ٧١ » قال : « بينا رسول الله « ص » ساجدٌ وحوله ناسٌ من قريش المشركين ، إذ جاءه عقبة بن أبي معيط بسَلَى جزور « كرش ناقة » فقذفه على ظهر النبي « ص » فلم يرفع رأسه حتى جاءت فاطمةعليها‌السلام فأخذت من ظهره ودعت على من صنع ذلك ، فقال النبي « ص » : اللهم عليك الملأ من قريش ، اللهم عليك أبا جهل بن هشام ، وعتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وعقبة بن أبي معيط ، وأمية بن خلف أو أبي بن خلف ».

وإذا عرفنا أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يدع على قومه قبل ذلك ، بل كان يقول : اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون ، فما الذي حدث حتى دعا عليهم؟

٦٩

حدث أنه سمع دعاء ابنته فاطمةعليها‌السلام ، التي تنعكس عليها إرادة الله تعالى ، ففهم من ذلك الإذن الإلهي أو الأمر بالدعاء عليهم ، فدعا!

وبهذا المعنى كان المهديعليه‌السلام مظهر إرادة الله تعالى وتجسيدها ودليلها.

لأنه دليل إرادة الله صار القدوة والأسوة

إن أي إنسان ينظر الى السماء والأرض ويتأمل في الطبيعة المحيطة به ، يتساءل في نفسه عن موقعه من هذا الكون ، وعما يريد منه خالقه المبدع الحكيم عز وجل؟ فالحاجة الى القدوة والأسوة تنشأ من تفكير الإنسان في الكون وخالقه عز وجل ، وشعوره بالحاجة الى معرفة ما يريده منه الله سبحانه ، وكيف يحقق تكامل وجوده الذي خلق من أجله؟

فيجد الجواب الشافي في الإمام الرباني ، الذي يعرف ما يريد الله من الإنسان ، وتظهر إرادته على ملامحه ، وحركاته وسكناته.

* *

٧٠

« ٦ » السلام عليك يا تالي كتاب الله وترجمانه

١. تلاوة القرآن : قراءته ، وسُمىت تلاوةً لأن الكلمات فيها تتلو بعضها. ولا تستعمل لقراءة النص العادي ، ولذا يقال : قرأ الرسالة وتلا القرآن. قال تعالى :وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ. إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ. الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ .

نعم استعملت لتلاوة آيات الله غير القرآن :وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ .

وسمَّى الوحي الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله تلاوة :ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ .

وقد كان مصطلح التلاوة مستعملاً لطريقة قراءة الكتاب الإلهي قبل القرآن ، قال تعالى :وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ. أَتَامُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ .

٢. فمعنى أن الإمام المهديعليه‌السلام تالي كتاب الله ، أنه التالي الرسمي للقرآن ، فهو منصوبٌ من الله تعالى لتلاوته ، لأنه ممن أورثهم الله الكتاب :ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا .

٧١

ومن الذين عندهم علم الكتاب :قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ .

وممن عندهم تفسير الكتاب وبيانه ، الذين وعد بهم الله تعالى :إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ. فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ. ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ .

وهذه الصفات لا توجد إلا في عترة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولهذا أوصى بهم وقرنهم بالقرآن فقال : إني تارك فيكم الثقلين ، كتاب الله وعترتي.

فالإمام المهديعليه‌السلام يتلو القرآن على الأمة ، ويفسره لها ، ويظهر علومه ومعجزاته ، كما أنه يتلوه على العالم ويفسره لهم بلغاتهم ، ويدعوهم اليه.

السلام عليك يا تالي كتاب الله وترجمانه

١. معنى ترجمان القرآن : أن الإمام المهديعليه‌السلام يُترجم القرآن الى لغات الناس المفهومة ، أي يفسره لهم ، فالذين يعرفون العربية يحتاجون الى تفسيره ويسمى ترجمة. وغيرهم يحتاجون الى ترجمته وتفسيره.

قال ابن منظور « ١٢ / ٦٦ » : « التُّرجمان بالضم والفتح : هو الذي يُتَرْجِم الكلام ، أَي ينقله من لغة إلى لغة أُخرى ، والجمع التَّراجِم ».

٧٢

والقرآن لا تتم حجيته إلا بمفسر رسمي له قيِّمٍ عليه ، لأن فيه المحكم والمتشابه ، والعام والخاص ، والناسخ والمنسوخ الخ.

ولذا ورد أنه إنما يفهم القرآن من خوطب به وهم أهل البيتعليهم‌السلام ، فهؤلاء يفهمونه حق فهمه ، ويتلونه حق تلاوته.

وفي الكافي « ٨ / ٣١١ » : « دخل قتادة بن دعامة على أبي جعفرعليه‌السلام فقال : يا قتادة أنت فقيه أهل البصرة؟ قال : هكذا يزعمون. فقال أبو جعفرعليه‌السلام : بلغني أنك تفسر القرآن؟ فقال له قتادة : نعم ، فقال له أبو جعفرعليه‌السلام : بعلم تفسره أم بجهل؟ قال : لا ، بعلم ، فقال له أبو جعفر : فإن كنت تفسره بعلم فأنت أنت ، وأنا أسألك؟ قال قتادة : سل. قال : أخبرني عن قول الله عز وجل في سبأ :وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِي وَأَيَّامًا آمِنِينَ . فقال قتادة : ذلك من خرج من بيته بزاد حلال وراحلة وكراء حلال ، يريد هذا البيت كان آمناً ، حتى يرجع إلى أهله. فقال أبو جعفرعليه‌السلام : نشدتك الله يا قتادة هل تعلم أنه قد يخرج الرجل من بيته بزاد حلال وراحلة وكراء حلال ، يريد هذا البيت فيقطع عليه الطريق فتذهب نفقته ويضرب مع ذلك ضربة فيها اجتياحه؟ قال قتادة : اللهم نعم ، فقال أبو جعفرعليه‌السلام : ويحك يا قتادة إن كنت إنما فسرت القرآن

٧٣

من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت ، وإن كنت قد أخذته من الرجال ، فقد هلكت وأهلكت.

ويحك يا قتادة ، ذلك من خرج من بيته بزاد وراحلة وكراء حلال يروم هذا البيت عارفاً بحقناً يهوانا قلبه كما قال الله عز وجل :فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ ، ولم يعن البيت فيقول : إليه ، فنحن والله دعوة إبراهيمعليه‌السلام التي من هوانا قلبه قبلت حجته وإلا فلا.

يا قتادة فإذا كان كذلك كان آمناً من عذاب جهنم يوم القيامة ، قال قتادة : لا جرم والله لا فسرتها إلا هكذا. فقال أبو جعفرعليه‌السلام : ويحك يا قتادة إنما يعرف القرآن من خوطب به ».

ومن خوطب به ليفسره للناس ، هم رسول الله وأهل بيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٢. قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا ، كذباً وبغياً علينا ، أنْ رفعنا الله ووضعهم ، وأعطانا وحرمهم ، وأدخلنا وأخرجهم. بنا يُستعطى الهدى ويُستجلى العمى. إن الأئمة من قريش ، غرسوا في هذا البطن من هاشم. لا تصلح على سواهم ، ولا تصلح الولاة من غيرهم »! « نهج البلاغة : ٢ / ٢٧ ».

٧٤

وهم الذين عندهم علم الكتاب ، والذين أورثوا الكتاب ، وأهل الذكر. وقد روى السيوطي في الدر المنثور بثلاث روايات « ٣ / ٣٢٤ » : « أخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وأبو نعيم في المعرفة ، عن علي بن أبي طالب قال : ما من رجل من قريش إلا نزل فيه طائفة من القرآن. فقال له رجل : ما نزل فيك؟ قال أما تقرأ سورة هود :أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ : رسول الله على بينة من ربه ، وأنا شاهد منه ».

وفي تفسير العياشي « ٢ / ٢٢٠ » عن عبد الله بن عطاء قال : « قلت لأبي جعفر : هذا ابن عبد الله بن سلام يزعم أن أباه الذي يقول الله :قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ . قال : كَذِبَ. هو علي بن أبي طالب »!

وبهذا يتضح معنى أن الإمام المهديعليه‌السلام ترجمان القرآن ، لأنه مفسره الرسمي ، والقيِّم عليه ، ووارث علومه.

٣. وقال الإمام الكاظم عليه‌السلام : « إن سليمان بن داود قال للهدهد حين فقده وشكَّ في أمره ، فقال : مَا لِي لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ، حين فقده فغضب عليه وقال : لاعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لاذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَاتِيَنِّى

٧٥

بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ. وإنما غضب لأنه كان يدله على الماء ، فهذا وهو طائر قد أعطي ما لم يعط سليمان!

وقد كانت الريح والنمل والإنس والجن والشياطين والمردة له طائعين ولم يكن يعرف الماء تحت الهواء ، وكان الطير يعرفه!

وإن الله يقول في كتابه :وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى : وقد ورثنا نحن هذا القرآن الذي فيه ما تسير به الجبال وتقطع به البلدان ، وتحيى به الموتى ، ونحن نعرف الماء تحت الهواء ، وإن في كتاب الله لآيات ما يراد بها أمر إلا أن يأذن الله به ، مع ما قد يأذن الله مما كتبه الماضون ، جعله الله لنا في أم الكتاب. إن الله يقول :وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ، ثم قال : ثُمَّأَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ، فنحن الذين اصطفانا الله عز وجل وأورثنا هذا الذي فيه تبيان كل شئ ». « الكافي : ١ / ٢٢٦ ».

فترجمة الإمام المهديعليه‌السلام للقرآن تعني إظهار علومه للبشر ، وكشف معجزاته وأسراره ، واستثمار طاقاته التي أودعها الله فيه.

* *

٧٦

« ٧ » السلام عليك يا بقية الله في أرضه

قال الله تعالى في سورة هود :وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ. وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ. بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ. قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَانَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ . « هود : ٨٤ ـ ٨٧ »

فقد استعمل نبي الله شعيبعليه‌السلام تعبير بقية الله للباقي من الربح الحلال قال :بَقِيَّةُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . وهي قاعدة عامة تعني : أن كل ما أبقاه الله تعالى للإنسان بعد أن ذهب بغيره ، فهو خيرٌ له.

وقد عُبِّرَ بها عمن بقي من الأئمة بعد ذهاب الماضين ، فقال الإمام الكاظم عندما ولد ابنه الرضاعليه‌السلام : « هنيئاً لك يا نجمةُ كرامة ربك خذيه فإنه بقية الله تعالى في أرضه ». « عيون أخبار الرضاعليه‌السلام : ١ / ٣٠ ».

كما سُمِّيَ الإمام المهديعليه‌السلام بقية الله ، لأنه آخر من أبقاه الله من الأئمةعليهم‌السلام ، قال الإمام الصادقعليه‌السلام : « فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة واجتمع عنده

٧٧

ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً ، وأول ما ينطق به هذه الآية : بَقِيَّةُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ، ثم يقول : أنا بقية الله وحجته وخليفته عليكم. فلا يُسَلِّمُ عليه مسلمٌ إلا قال : السلام عليك يا بقية الله في أرضه ».

وفي الكافي « ١ / ٤١١ » عن عمر بن زاهر ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام : « قال سأله رجل عن القائم يسلم عليه بإمرة المؤمنين قال : لا ، ذاك إسمٌ سمَّى الله به أمير المؤمنينعليه‌السلام لم يُسَمَّ أحدٌ قبله ولا يتسمى به بعده إلا كافر!

قلت جعلت فداك كيف يسلم عليه؟ قال : يقولون السلام عليك يا بقية الله ، ثم قرأ :بَقِيَّةُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ».

وفي الإحتجاج « ١ / ٢٤٠ » في حديث أمير المؤمنين عليه‌السلام مع الزنديق : « هم بقية الله ، يعني المهدي ، يأتي عند انقضاء هذه النَّظْرة « المهلة » فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما ملئت ظلماً وجوراً ».

معنى بقية الله في أرضه

عندما نقول للإمام المهديعليه‌السلام : يا بقية الله في أرضه. نستحضر الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام الذين قتلهم الناس عبر التاريخ ، أو ماتوا ، فلم يبق منهم إلا هذا الوحيد ، فهو بقية الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام !

٧٨

وهو بقية الله تعالى ، الذي حفظه من أعدائه وأبطل خططهم لقتله ، وحفظه من الموت ومدَّ عمره حتى يبلغ المجتمع البشري وقت ظهوره.

ومعناه أيضاً : السلام عليك يا بقية الماضين وذكراهم ، وحامل رسالتهم ومناقبيتهم وعبيرهم الطيب ، ووارث خطهم الرباني ، والآخذ بثارهم ، من ظالميهم الجبابرة ، وجنودهم الأشرار!

ومن عجائب مقادير الله تعالى أن أكبر انتصار إلهي في الأرض سيتحقق على يد بقية الله في أرضه ، فهو الذي يقيم دولة العدل الإلهي التي تدوم الى يوم القيامة ، والتي قال عنها الله للملائكة :إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ .

فما أعظم بركة هذه البقية ، والدور الذي أوكل الى المهديعليه‌السلام !

٧٩

« ٨ » السلام عليك يا ميثاق الله الذي أخذه ووكَّده

تقول آيات القرآن إن الله تعالى أخذ مواثيق الناس والملائكة في عالمٍ قبل عالمنا هذا. وتقول أحاديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وآلهعليهم‌السلام إن الناس نسوا مواثيق الله عليهم ، وسوف يُذَكَرُونَ بها فيذكرونها!

قال الله تعالى :وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ . « الأعراف : ١٧٢ ».

وقال :وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا . « الأحزاب : ٧ ».

وقال :وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ « آل عمرا : ١٨٧ ».

وقال :وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . « الحديد : ٨ ».

قال الخليل في العين « ٥ / ٢٠٢ » : « والوثيقة في الأمر : إحكامه والأخذ بالثقة والجميع وثائق. والميثاق : من المواثقة والمعاهدة ومنه الموثق ».

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136