• البداية
  • السابق
  • 137 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 9473 / تحميل: 4808
الحجم الحجم الحجم
الدعاء المعاني والصيغ والأنواع

الدعاء المعاني والصيغ والأنواع

مؤلف:
العربية

بما نسي ولا ترهقني من أمري عسراً ) (1) وقال أيضاً :( قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذراً ) (2) فقوله :( لا تؤاخذني ) ،( ولاترهقني ) ،( بعد ها فلا ) دعاء على صورة النهي ولعل السؤال عن كيفية كون النبي في هذا الموضع داعياً وهو ضمن سياقات الخطب الاعتيادية لا يكون إلاّ عالي الرتبة وتعليل ذلك أن السياق القرآني يبينموسيفي خطابه مع الخضر طالباً التعلّم قا تعالى :( قال له موسى هل أتّبعك على أن تعلّمن ممّا علّمت رشداً ) (3) فكلام موسى جاء على صيغة السؤال لا الأمر وهو بذلك أفصح « عن الخلق والأدب البارع الحري بالمتعلم المستفيد قبالة الخضر وهوكليم الله الرسول النبي أحد أولي العزم فكلامه موضوع على التواضعمن أوله إلى آخره وقد تأدّب معه أولاً فلم يورد طلبه منه التعليم في صورة الأمر بل في صورة الاستفهام هضماً لنفسه »(4) ما دام السياق القرآني سياق تعليم وتعلّم فهو أرمز

__________________

جهة أخري فإن البشر متساوون أمام خالقهم وموجدهم تبارك وتعالى ولا يفترقون إلاّ من جهة الاستعلاء داخل الرتبة الواحدة وهي عبادتهم لله سبحانه ومنزلتهم داخل الرتبة الواحدة وهذا بعض مفهوم الأصوليين في تقسيمهم للأمرعلى واجب ومندوب فالواجب ما كان من عالي الرتبة والمندوب ما كان ضمن الرتبة الواحدة وانماز بصفة الاستعلاء , ويمكن أن نتناول ضمن مفهوم دعاء الالتماس الدعاء بين المخلوقين وأقصد بذلك ما دار بين نبي الله موسى والعبد الصالح الخضر وغيرها.

(1) سورة الكهف : 18 / 73.

(2) سورة الكهف : 18 / 76.

(3) سورة الكهف : 18 / 66.

(4) الميزان في تفسير القرآن 343 : 13.

٨١

إلى التواضع والتلطّف في طلب العلم المفروض تخلّق المتعلّم بها على جلالة شأنه وعظيم منزلته وليس بعد منزلته النبي منزلة إلاّ أنّ ذلك لا يمنع أن يكون النبي في موضع المتعلّم دلالة على سمو درجة العلم وفضلاً عن هدف قرآني يقصد من وهو الإبانة عن أخلاق المتعلم وفي هذا السياق لا نجد موسى داعياً فقط بل هو منهي عن السؤال من قبل الخضر كما في قوله تعالى :( قال فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيء حتّى أحدث لك منه ذكراً ) (1)

ولا أدل من ذلك على علو مرتبة الخضر في هذا السياق وهو بالضرورة أعلى حيث المعلم أعلى درجة من المتلم.

لذلك يكون كل ما صدرفي هذا السياق عن موسى دعاء(2) والله أعلم بالصواب.

وكل`ما جاء من الدعاء ضمن الصورة الثانية ـ صيغة النهي ـ صريح إلاّ في آية واحدة حيث حذفت الأداة (لا) والفعل المضارع معهما لإغناء السياق عنها ولسبقها في الكلام قال تعالى :( ... ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ) (3) فقد أغنى العطف ب (أو) عن تكرار السياق وتقديره ـ والله أعلم ـ (لاتؤاخذنا إن نسيناو لا تؤخذنا إن أخطأنا).

ولا تخفى دلالة الإيجاز في الحذف في سياق الدعاء هنا وقد يأتي النهي

__________________

(1) سورة الكهف : 18 / 70.

(2) من المفيد أن نذكّر أنّ الدعاء بين المخلوقين ـ في صورة النهي ـ جاء في ثمانية مواضع أربعة منها على لسان هارون في الأعراف : 150 طه : 94 وآية واحدة في سورة التوبة : 49 فضلاً عمّا جاء على لسان موسى.

(3) سورة البقرة : 2 / 286.

٨٢

من خلال أسلوب الاستفهام مجازاً(1) ويراد به للدعاء كما في قوله تعالى :( أتهلكنا بما فعل السّفهاء منّا ) (2) .(3) فليس هذا باستفهام حقيقي إذ ليس يعقل « أن يظن موسى ـ لأن الكلام على لسانه ـ أنّ الله تعالى يهلك قوماً بذنوب غيرهم »(4) فهو إذا يذكر الفعل كي يخلص بالنتيجة إلى إنكار وقوعه(5) ومن ذلك قوله تعالى :( ... أتعجل فيها من يفسد فيها ويسفك الدّمآء ) (6) والاستفهام في هذه الآية لم يقصد به طلب الاستخبار من الله تعالى هل يجعل في الأرض من يسفك الدماء أة لا لأنّ الله تعالى قد قدّم في قوله ما يبيّن استخلافه جلّ وعلا للإنسان في الأرض(7) حين قا :( ... إنّي جاعل في الأرض خليفةً ) (8) فالنهي جاء عن طريق الاستفهام مجازاً وقصد به الدعاء. وعلى الرغم من أن الدعاء على صورة النهي أسلوب طلبي يجاب عنه بجوابمجزوم ـ كالأمر ـ كما ذكر ذلك

__________________

(1) جاء الاستفهام خارجاً إلى النهي مجازاً في القرآن الكريم في اثنين وثلاثين موضعاً : ظ : صيغ الأمر والنهي في القرآن : 197 وعد السيوطي في الإتقان أكثر من ثلاثين غرضاً بلاغيّاً يخرج الاستفهام لها2 : 70 ـ 80.

(2) سورة الأعراف : 7 / 155.

(3) في المعنى ظ : قوله تعالى :( أفتهلكنا بما فعل المبطلون ) [ سورة الأعراف : 7 / 173] أي لا تهلكنا والله أعلم.

(4) مفاتيح الغيب 18 : 15 مجمع البيان 35 : 3.

(5) أساليب الاستفهام في القرآن الكريم / عبد العليم السيد فوده : 258.

(6) سورة البقرة : 2 / 30.

(7) البرهان 341 : 2.

(8) سورة البقرة : 2 / 30.

٨٣

النحاة(1) إلاّ أنّه لم يرد الدعاء على هذه الصورة مجاباً في القرآن الكريم(2) والله أعلم بالصواب.

الصورة الثالثة ـ الدعاء بالخبر :

سبقت الإشارة في بدء هذا الفصل إلى أنّ قسمي الكلام : الخبر والإنشاء يقع كل منهماموقع الآخر فالأمر ـ إنشاء طلبي ـ قد يقع موقع الخبر(3) والخبر قد يوضع كذلك موضع الإنشاء وما يعنينا من ذلك : الدعاء بالخبر.

ولاريب في إنّ خروج الخبر عن حقيقته ـ إلى الدعاء ـ يخدم أغراضاً ومقاصد يرمز إليها المتكلم ويهدف لها وهو ما اعتنى به البلاغيون بالدرجة الأساس وأجمعوا ـ وهم على حق ـ على أنّ الدعاء بالخبر أبلغ من أخراج الدعاء بصيغة المعهودة السابقة فقولنا : ( غفرالله لك ورحمك الله إعزّك ) إظهار بتيقّن الاستجابة والتفاؤل بحصول الغفران والرحمة والإعزاز فضلاً عن التأكيد والحرص على وقوعها(4) .

وحدّد القزويني إغراض وقوع الخبر موقع الإنشاء وهي : « إمّا للتفاؤل أو لإظهار الحرص في وقوعه والدعاء بصيغة الماضي من البليغ يتحمّل الوجهين أو للاحتراز عن صورة الأمر كقول العبد للمولي إذا حوّل عنه وجهه : ينظر المولي إليّ ساعة أو لحمل المخاطب على المطلوب »(5) والناظر في

__________________

(1) ظ : الكتاب93 : 3.

(2) ظ : صيغ الأمر والنهي في القرآن : الملحق (58) : 364.

(3) ظ : بدائع الفوائد 139 : 2 ـ 140 معجم المصطلحات البلاغية 321 : 1.

(4) ظ : الكشاف 270 : 1.

(5) الإيضاح 245 : 1.

٨٤

دلالة الدعاء على الزمن يجده في دلالة على الاستقبال ـ بخاصة ـ أمثل من دلالته على الحال(1) وبصيغة أخرى إنّ الدعاء وإن دلّ على الحال في شيء من زمنه فهو على الاستقبال أدلّ إذ يصحّ أن نخبر بالفعل المضارع لدلالة على الحال كما في قولة جلّ شأنه :( قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الرّاحمين ) (2) فقوله :( يغفر ) إخبار عن الحال ولكنّه إذا أريد له الدعاء كان دالّاً على الاستقبال(3) . والدعاء بالخبر أو بصيغة الفعل الماضي يجد فيه المتكلّم والسامع لطافة في التعبير عن الزمن الواسع بكلّ أوقاته : الماضي والحال والاستقبال معاً أمّا دلالة الماضي فكأنّ استجابة الدعاء واقعة من جهة المتكلّم بشكل من الأشكال بفعل التفاؤل الشديد بها الحرص الأكيد عليها فيكون حين الإخبار بها ماضياً لأنّها بحكم الواقع في الزمن الماضي بالنسبة للداعي. أمّا من جهة الحال والستقبال فه في أنّ وقوع الاستجابة حتماً يعقب الدعاء سواء في ذلك أستجيب للداعي في حال دعائه أم في قابل زمنه ومستقبله وبذلك تكون دلالة الماضي والحال والاستقبال ظاهرة في صيغة الدعاء بالخبر يصح إرجاعه ـ تأويله ـ إلى الأمر والنهي فقولنا :

__________________

(1) ذهبد. تمام حسان إلى أن الدعاء دال على الحال والاستقبال ظ : العربية معناها ومبناها : 251 وأرى أن دلالة الدعاء لربما تنحصر أكثر في الاستقبال دون الحال والله أعلم.

(2) سورة يوسف : 12 / 92.

(3) ظ : معاني النحو 317 : 3.

٨٥

غفر الله لأحمد بمعنى اغفر اللّهمّ لأحمد وقولنا : ( يغفرالله لك ) بمعنى ( ليغفر الله لك ) وكذلك قولنا : ( لايرحم الله قاتلك ) بمعنى ( لا يرحمه الله ) بالجزم وكذلك الماضي بعد ( لا ) الطلبية في نحو قولنا : لا غفرالله له بمعنى لا يغفره الله له جزماً فنريد من لفظ الخبر ـ ماضياً ومضارعاً ـ معنى الدعاء الصادر عن الأمر والنهي مجازاً(1) ز وقد يشكل الدعاء بالخبر في وقوع الماضي بعد ( لا ) الطلبية إذ لا يقع بعدها إلاّ المستقبل كي لا تلتبس ب ( لا ) النافية ولكن جاز ذلك في الدعاء ـ أي وقوع الماضي بعد لا الطلبية ـ للأسباب التي ذكرناها وهي التفاءل بالاستجابة والإخبار عنها بلفظ واحد دالّاً على الماضي والحال والاستقبال جاء في البرهان الكشاف : « لا يكاد يقع بعد ( لا ) ـ أي الطلبية ـ الفعل الماضي إلاّ إذا أريد به الدعاء كقوله : ( لا غفرالله لفلان ) ليجمعوا بين التفاؤل بالإجابة حتى كأنّها وقعت وصارت من قبيل ما يخبر عنه بالوقوع والدعاءفي لفظ واحد ليعلم الداعي السامع أنّه مخبر »(2) وزيادة على ذلك أن عدم التباس ( لا ) الطلبية والفعل الماضي بعدها ب ( لا ) النافية هو ما يوضحه السياق ففي الدعاء « هيبة ترفع الالتباس وذكرالله تعالى مع الفعل ليس بمنزلة ذكرالناس »(3) وإذا علمنا أن ثمة فرقاً بين عمل الأداتين ( لا الطلبية ) و ( لا النافية ) في الفعل جزماً ونصباً زال الالتباس وانتهي. أمّا النحويون فقد اشترطوا في مجيء الدعاء على لفظ الخبر بعدم اللبس(4) بمعنة أنّهم يمنعونه

__________________

(1) ظ : المتقضب 273 : 3 175 : 4.

(2) البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن / ابن الزملكاني : 173.

(3) بدائع الفوائد 103 : 1.

(4) ظ : الأصول 177 : 2 دقائق التصريف : 18.

٨٦

إذا اختلف المعنى والتبس اسياق فإذا قلنا : « ليغفر الله لزيد ويقطع يده لم يجز جزم ( يقطع ) لاختلاف المعنى ولكن يجوز في جميع ذا الرفع فيكون لفظه لفظ الخبر والمعنى دعاء وإذا أسقطت ( اللاّم ) رفعت الفعل المضارع فقلت : يغفر الله لك وغفرالله لك »(1)

وفي القرآن الكريم جاء الدعاء بلقظ الخبر في آيات عدّ’(2) منها قوله تعالى :( إيّاك نستعين ) (3) فاللفظ جاء على سبيل الإخبار إلاّ أن معناه الدعاء « أي أعنّا على عبادتك »(4) و منه قوله تعالى :( ... قاتلهم الله أنّي يؤفكون ) (5) و معنى قوله : (قاتلهم الله) « خبر أريد به الدعاء عليهم »(6) و منها قوله تعالى :( والخامسة أنّ غضب الله عليها ) (7) قوله :( غضب ) خبر بلفظ الماضي خرج إلى الدعاء(8) ومنها قوله عزّوجلّ :( سلام عليكم ) (9) اللفظ لفظ الخبر والمقصود الدعاء لهم(10) و هذا ينطبق علىجمع الآيات الواردة على هذه

__________________

(1) الأصول 177 : 2 ـ 178.

(2) ظ : البرهان 326 : 2 صيغ الإتقان 227 : 3 صيغ الأمر والنهي في القرآن الكريم : 317 أساليب المجاز في القرآن الكريم : 512 وما بعدها.

(3) سورة الفاتحة : 1 / 5.

(4) البرهان 321 : 2.

(5) سورة التوبة : 9 / 30 وسورة المنافقون : 63 / 4.

(6) الجامع لأحكام القرآن 111 : 8.

(7) سورة النور : 24 / 9.

(8) ظ : نحو الفعل / الجواري : 31.

(9) سورة الرعد : 13 / 24.

(10) ظ : البرهان 347 : 3.

٨٧

الصيغة في القرآن ففي( سلام عليكم ) معنى « الإخبار بحصول السلامة والإنشاء للدعاء بها وإرادتها وتمنّيها وكذلك ( ويل ) »(1) ومن ذلك قوله تعالى :( أعوذ بالله ) (2) وكل استعاذة بالله تعالى تكون بلفظ الخبر والمعنى دعاء فقولنا : أعوذ بالله « لفظه الخبر ومعناه الدعاء والتقدير : اللّهمّ أعذني »(3) وكذلك يمكن عد آيات الحمد أو دعاء الحمد في القرآن من صيغ الدعاء بلفظ الخبر قال تعالى :( الحمد الله الّذي خلق السّموات ) (4) أي أنّ الحمد جاء « في لفظ الخبر ومعناه الأمر : أي المحمد الله وإنما جاء على صيغة الخبر وإن كان فيه معنى الأمر لأنه أبلغ في البيان من حيث إنّه يجمع الأمرين »(5) والمقصود بالأمر الدعاء لأنّ الحمد دعاء. وكذلك قوله تعالى :( ... ربّنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنّك لا تخلف الميعاد ) (6) فقوله : (إنّك لا تخلف الميعاد) جاء في لفظ الخبر كما نقل الطوسي ذلك عن آخرين فقد خرج الكلام « مخرج المساءلة ومعناه الخبر »(7) ومن ذلك قوله تعالى :( تبّت يدا أبي لهبٍ وتبَّ ) (8) فقوله تعالى :( تبّت ) « الأول دعاء والثاني خبر »(9)

__________________

(1) بدائع الفوائد 139 : 2.

(2) سورة البقرة : 2 / 67.

(3) مفاتيح الغيب 96 : 1.

(4) سورة الأنعام : 6 / 1.

(5) مجمع البيان 7 : 3.

(6) سورة آل عمران : 3 / 194.

(7) التبيان / الطوسي 86 : 3.

(8) سورة المسد : 111 / 1.

(9) معاني القرآن / الفراء 298 : 3.

٨٨

في قوله تعالى :( ... حصرت صدورهم ) (1) « قيل هو دعاء عليهم بضيع صدورهم عن قتال أحد »(2) . وغير ذلك آيات كثيرة جاءت بلفظ الخبر ومعناها الدعاء(3) .

و لابدّ من الإشارة ـ في نهاية الفصل ـ إلى بعض الظواهر النحوية المتعلّقة بالدعاء منها دخول ( لا ) النافية على الفعل الماضي لإفادة الدعاء(4) نحو قولنا : ( لا فضّ الله فاك ) إلاّ أنّ هذه الصيغة لم ترد في القرآن الكريم وإنما دخلت ( لا ) النافية على المصادر التي يدعى بها(5) في موضعين فقط وهي قوله تعالى :( هذا فوج مقتحم معكم لا مرحبأً بهم إنّهم صالوا النّار ٭قالوا بل أنتم لا مرحباً بكم أنتم قدّمتموه لنا فبئس القرار ) (6) و دخول ( لا ) النافية على المصدر ( مرحباً ) لم تعمل فيه ولم تغيره لأنّه قد عمل فيه فعل مقدّر فنصبه على المصدر لأنّه لا يجوز « أن يعمل في حرف عاملان »(7) و لعل ورود الدعاء بصيغة الفعل الماضي الذي تسبقه ( لا ) النافية فأكثر ما ورد سماعاً عن العرب ثم اشتهر في أشعارهم وكلامهم على أنّه صيغة من صيغ الدعاء ومن الظواهر الأخرى مجيء ( لن ) للدعاء وتباينت آراء النحاة في ذلك فقد ذهب ابن

__________________

(1) سورة النساء 4 / 90.

(2) الإتقان 327 : 3.

(3) ظ : الآيات التالية في المعنى نفسه : المائدة : 5 / 64 يوسف : 12 / 92 الذاريات : 51 / 10 المدثّر : 74 / 19 و 20 عبس : 80 / 17 البروج : 85 / 4 النمل : 27 / 8 التوبة : 9 / 128 النساء : 4 / 9.

(4) ظ : البرهان 354 : 4.

(5) ظ : دراسات لأساليب القرآن 548 : 2.

(6) سورة ص : 38 / 59 و 60.

(7) المقتضب 380 : 4.

٨٩

السراج إلى أنّ « الدعاء ب (الن) غي معروف وإنّما الأصل ما ذكرناه أن يجيء على لفظ الأمر والنهي »(1) بينما أجاز الفراء مجيئها للدعاء كما في قوله تعالى :( قال ربّ بما أنعمت عليّ فلن أكون ظهيرًا للمجرمين ) (2) « فقد تكون ( لن أكون ) على هذا المعنة دعاء من موسى : اللّهمّ لن أكون ظهيراً فيكون دعاء »(3) والظاهر أنّ ( لن ) قد تأتي للدعاء إذا سبقت بسياق دعائي يحتم خروجها من معنى الإخبار إلى الطلب ـ الدعاء ـ وبالنتيجة : يمكن حملها على الدعاء من هذا الجانب والله وأعلم »(4) .

و خلاصة القول : أنّ الدعاء يصدر عن أسلوبي الأمر والنهي الحقيقيين وله صيغه التي بها يتمثّل وقد استقصيناها بالتفصيل وسنعرض لما في هذا الأسلوب من نكات بلاغية تنطوي تحت فنون علوم البلاغية : البيان والمعاني والبديع.

__________________

(1) الأصول 178 : 2 ظ : تسهيل الفوائد : 229 البحر المحيط 110 : 7.

(2) سورة القصص : 28 / 17.

(3) معاني القرآن 304 : 2 البرهان 388 : 4.

(4) ظ : الأصول 178 : 2.

٩٠

الفصل الثالث

معالم الدعاء وأنواعه في القرآن الكريم

المبحث الأوّل

معالم الدعاء في القرآن الكريم

شغل الدعاء مكاناً كبيراً ومهمّاً من كتاب الله العزيز ولعلّك تلحظ تناثر الدعاء من أول سورةٍ فيه مروراً بطوال السور وقصارها مكيّها ومدنيّها حتى إذا النتهينا عند آخر سور الكتاب المجيد وجدناها دعاءً كريماً يجسد صورةً معبرة لاعتراف الإنسان بضعفه ولجوئه إلى خالقه وتعلّقه بحصنه من كلّ ما دار بفكرٍ أو جال بخاطرٍ من أمرٍ عظيمٍ.

وبدء القرآن بالدعاء وانتهاؤه به دافع للتفكّر بأنّ « هناك سرّاً إلهيّاً في أن تكون فاتحة الكتاب كلّها دعاءً وخاتمته دعاءً وما بين الفاتحة والخاتمة عقيدة وعبادة ودعاء »(1) .

والناظر المستقرئ لظاهرة الدعاء في القرآن العظيم يأنس تعدّد صورها

__________________

(1) الدعاء في القرآن الكريم / محمود بن الشريف : 7.

٩١

واختلاف أساليبها وتنوّع مستوياتها فمرّةً يجد حثّناً على الدعاء وثانيةً تعليماً له وثالثةً بياناً متواصلاً لحالات الداعين من المؤمنين حيناً ومن المشركين حيناً آخر. وإذا تابعنا السير في ظلّ هذه الظاهرة الكريمة نرى أنّها عالجت قضايا الإنسان العقائدية في التوحيد والعدل والنبؤة والإمامة والمعاد فضلاً عن حاجاته النفسيّة والاجتماعيّة التي تفتقر قواه والذّرية والنّصرة في مواقف الحرب وإلى غير من قضايا مهمة.

و أول ما تجدر الإشارة إليه في بيان معالم الدّعاء أنّها رسمت لنا منهجاً واضحاً في الاعتقاد ومعرفة الخالق وآداباً في سؤاله وخطابه جلّ وعلا. ولعلّ الذي يظهر ذلك ويوضحه الآيات التي أبرزت نزوع الإنسان الفطري في حالات الضّر والشدّة والخوف والرعب إليه تعالى ونبذ سواه والبراءة منه والاعتراف بكلّ خضوعٍ وذلّةٍ وتمسكنٍ بالضعف والقصور ثمّ ما يلبث الإنسان بعد إجابته أن يعود إلى ما كان عليه من اعتقادٍ باطلٍ. وفي ذلك إقامة للحجّة على صحّة نزوعه وفطرة عقيدته من جهة وبطلان ما كان بضد ذلك من جهة أخرى ولقد صوّرت الآيات الكريمة ذلك في مشهدين :

الأوّل : مشهد الإنسان الذي مسّة الضّرّ فلا يجد سبيلاً غير الله فليوذ به طالباً كشف ضرّه فال الله تعالى :( وإذا مسّ الإنسان الضّرّ دعانا لجنبه أو فاعدًا أو قائماً فلمّا كشفناعنه ضرّة مرّ كان لم يدعنا إلى ضرّ مسّة كذلك زيّن للمسرفين ما كانوا يعملون ) (1) .(2)

__________________

(1) سورة يونس : 10 / 12.

(2) ظ : في السياق عينه : الأنعام : 6 / 40 ـ 41 الروم : 30 / 33 فصلت : 41 / 49 ـ 50 الزمر : 39 / 8 النحل : 16 / 53 ـ 54 هود : 11 / 9 ـ 10.

٩٢

و ينبئك بيان الحالات الثلاث (الاضطجاع والقعود والقيام) للإنسان الداعي مدى الاجتهاد في الدعاء والتضرّع إليه تعالى لكي يكشف الضّرّ عنه وما أحسن هذا التقسيم المعلن عن لجوء الإنسان إلى خالقه الحقّ في ضرّة وهو في مختلف حالاته المتقدّمة(1) .

الثاني : مشهد الإنسان وسط أهوال البحر في هيجانه يدعوه جلّ وعلا باجتهادٍ وتيضرّع راجياً النجاة قال تعالى :( فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدّين فلمّا نجّاهم إلى البرّ إذا هم يشركون ) (2) .(3)

و موقف كهذا يصوّر بدقةٍ متناهيةٍ فطرة الإنسان في صدق توجهه وإخلاص دعوته لله تعالى وهجر ما سبق من اعتقادٍ بالطلٍ في ساعة شدّته وخوفه ثمّ سرعان ما تعود تلك النفوس التي تناقض فطرتها إلى ما اعتادت عليه من الشرك(4) .

ومن المعالم الدعائيّة في القرآن العزيز هو افتتاح بعض السور بالدّعاء وقد عدّ الزركشي سوراً ثلاثاً استفتحت بالدعاء(5) و لا يفوتنا أن نذكر أن ثمة سوراًختمت بالدعاء أيضاً(6) .

__________________

(1) ظ : مجمع البيان / الطبرسي 20 : 3 الكشاف 323 : 2 مفاتيح الغيب / الرازي 51 : 17 البرهان / الزركشي 472 : 3 تحرير التحبير / ابن أبي الإصبع المصري 175 : 1.

(2) سورة العنكبوت : 29 / 65.

(3) ظ : في السياق نفسه : يونس : 10 / 22 الإسراء : 17 / 66 ـ 67 الأنعام : 6 / 63 ـ 64 لقمان : 31 / 31 ـ 32.

(4) ظ : مفاتيح 92 : 25.

(5) وهي : المطففين : 83 / 1 الهمزة : 104 / 1 المسد : 111 / 1 ظ : البرهان 180 : 1.

(6) ظ : الآيات التالية : الفاتحة : 1 / 7 البقرة : 2 / 286 الزمر : 39 / 75

٩٣

و من أجلى معالم الدعاء في القرآن الكريم اقترانه بأمرين مهمّين :

أوّلهما : الحثّ عليه والترغيب فيه.

ثانيهما : استجابته.

أمّا الحثّ عليه : فقد جاء تبياناً لمكانةالدّعاء وتشريفاً إليهاً للداعين في آنٍ واحدٍ قال تعالى :( وقال ربّكم ادعوني أستجب لكم إنّ الّذين يستكبرون عن عبادتي سيد خلون جهنّم داخرين ) (1) .(2)

و في الحثّ على الدّعاء « في الآية دلالةً على عظيم قدر الدعاء عنه الله تعالى وعلى فضل الانقطاع إليه »(3) و في الحثّ كذلك بيان لكمال الألطاف الإلهية ومنتهى التكريم منه تعالى وهو الغني المطلق عنٍ خلقه هذا من جهة وإشارة إلى ضعف الإنسان وافتقاره له تعالى فطرةً وطبعأً من جهة ثانية وجمعت الآية بين الحثّ والاستجابة من ناحية وبين حقيقة الدعاء في أنّه العبادة من ناحية أخرى بل إنها « تجعل مطلق العبادة دعاءً حيث إنّها هو على ترك العبادة رأساًلا على ترك بعض أقسامها دون بعض فاضل العبادة دعاء »(4) و في مجيء الحث بهذه الصورة ـ مقترناً بالإجابة ـ إيناس للداعي وتأييد لا طمئنانه في استجابة دعائه ولايخفى ما في ذلك من تشريفٍ وتكريم.

وفي الحثّ تصريح وتأكيد على التوحيد ونبذ وتسفيه كلّ عقيدةٍ باطلةٍ

__________________

الصافات 37 / 182 المؤمنون : 23 / 118.

(1) سورة غافر : 40 / 60.

(2) ظ : الآيات في السياق نفسه : البقرة : 2 / 186 الأعراف : 7 / 29 ، 55 ، 56 ، 180 الإسراء : 17 / 115 غافر : 40 / 14 ، 65.

(3) مجمع البيان 209 : 5.

(4) الميزان في تفسير القرآن / محمد حسين الطباطبائي 34 : 1.

٩٤

لأن جوهر الدعاء يمثّل حقيقة التوحيد بل إنّ التوحيد ركن أساس من أركان الدعاء القلبية قال تعالى :( هو الحيّ لا إله إلاّ هو فادعوه مخلصين له الدّين الحمد لله ربّ العالمين ) (1) .

و لا ريب في أنّ الدعاء دون الاعتقاد بإلهٍ واحدٍ قادرٍ على إجابة الدّعاء يفضي إلى القول بتعدّد الآلهة والتعدّد يقتضي التضادّ والتناقض في الإجابة ضمن المشيئة الإلهيّة المتعدّدة وعليه يكون الدعاء إلى عدم الإجابة أقرب منه إلى الإجابة وليس بإله من تعجز قدراته عن إجابة خلقه لذلك خاطب القرآن الكريم بأبلغ صورةٍ من كانت حاله كذلك قال تعالى :( له دعوة الحقّ واللّذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلاّ كباسط كفّية إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلاّ في ضلال ) (2) .

فليس أبلغ من هذا الاستنكار للذين يدعون من لا يقدرون على نغع أنفسهم أو ضرّها وما دعاء الداعين إلاّ في ضلالٍ وما هم إلاّ ضالّون عن سبيل الحقّ وجادّة الصواب ولنا في بدء هذه الآية ( له دعوة الحقّ ) تأكيد بتقييد وتخصيص دعاء الحقّ به تعالى وليس لأحدٍ سواء غير الباطل والضلال.

ومن جانب آخر امتدح القرآن الكريم الذين انتهجوا نهج الحقّ في الدّعاء ووجّهوا دعاءهم إليه تعالى آملين ـ بخشيةٍ وسرورٍ ـ إجابتهم قال تعالى :( ... إنّهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين ) (3) .

فضلاً عن ذلك فقد نقل لنا الكتاب العزيز ما سيكون الكفار عليه من

__________________

(1) سورة غافر : 40 / 65.

(2) سورة الرعد : 13 / 14.

(3) سورة الأنبياء : 21 / 90.

٩٥

موقف استهجانٍ وتوبيخٍ من قبل الله تعالى يوم القيامة(1) حين تلقة عليهم الحجّة في سخريتهم من المؤمنين الذين يدعونه ويطلبون منه الغفران والرحمة قال تعالى على لسان أهل النار :( قالوا ربّنا غلبت علينا شقوتنا وكنّا قومًا ضالّين * ربّنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنّا ظالمون * قال اخسئوا فيها ولا تكلّمون * إنّه كان فريق من عبادي يقولون ربّنا آمنا فاغفرلنا وارحمنا وأنت خير الرّاحمين * فاتّخذتموهم سخريّاً حتّى أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون * إنّى جزيتهم اليوم بما صبروا أنّهم هم الفائزون ) (2) . هذا فيما يتعلّق بالحثّ على الدعاء والترغيب فيه وهو أول الأمرين.

استجابة الدعاء :

يقيناً إنّ لكلّ دعاءٍ إجابةً طال وقتها أو قصر وهذا واضح من المنهج الدّعائي في القرآن المجيد حيث تأتي الإجابة عب الدعاء مباشرةً من دون فصلٍ بينهما كما الغالب من آيات الدعاء قال تعالى :( وأيوب إذ نادى ربّه أنّي مسّني الضّرّ وأنت أرحم الرّاحمين * فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضرّ وآتيناه أهله ومثلهم معهم رجمةً من عندنا وذكرى للعابدين ) (3) .(4)

و لاشك في أنّ أدعية القرآن بأجمعها مجابةً(5) بل وحتّى إبليس

__________________

(1) تفسير التبيان / الطوسي 399 : 7.

(2) سورة المؤمنون : 23 / 106 ـ 111.

(3) سورة الأنبياء : 21 / 83 ، 84.

(4) ظ : الآت التالية في السياق نفسه : القصص : 28 / 32 ـ 35 يوسف 12 / 31 ـ 34 طه : 20 / 24 ـ 36 آل عمران : 3 / 190 ـ 195 الشعراء : 26 / 10 ـ 16.

(5) ظ : كتاب « لكلّ دعاء واجابة » : ثامر محمود حيث اتّبع منهجاً روائيّا في قصّ حوادث أدعي القرآن الكريم معقّباً عليها بذكر إجابتها في القرآن نفسه.

٩٦

عليه اللعنة المعروف بعدائه للإنسان ولكلّ ما خلق الله تعالى قد أجيب دعاؤه وليس بعد ذلك دلالة على مدى رحمة الله تعالى في إجابة خلقه وعباده إذ من جاهر الله ـ سبحانه ـ بالعصيان والكفر أجيب طلبه(1) فكيف بمن عرق الله تعالى ورجا رحمة ومغفرته لا يجاب؟ قال تعالى على لسان إبليس :( قال ربّ فأنظرني إلى يوم يبعثون * قال فإنّك من المنظرين ) (2) .(3)

و إجابة الدّعاء حتمية لا يساورنا فيها أدني شكّ ولذلك فمن ألهم الدعاء لم يحرم الإجابة ومن تمام عنايته تعالى بالإجابة مجاء قوله تعالى :( وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريب أجيب دعوة الدّاع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلّهم يرشدون ) (4) فما تضمنته الآية من الدلالات والإشارات يبهر العقول فيالعناية بأمر الدّعاء واستجابته وأول ما تلحظ ذلك في طريقة ذكرها للسائلين بلفظ ( عبادي ) حيث جاءت بألطف سلوب وأرقّة في ذكر الداعيين مما يكشف مدي العطف عليهم والترحّم بهم من قبله تعالى(5) .

فضلاً عن ذلك فالخطاب في الآية الكريمة « قد وضع أساسه على التكلّم وحده دون الغية ونحوها وفي دلالة على كمال العناية بالأمر ثمّ قوله ( عبادي ) ولم يقل الناس أو ما أشبهه يزيد في هذه العناية »(6) حيث شرّفهم بأن أضافهم

__________________

(1) ظ : إحياء علوم الدين 324 : 1.

(2) سورة الحجر : 15 / 36 و 37.

(3) ظ : الآيات التالية في ضمن هذا السياق : الأعراف : 7 / 12 ـ 15 سورة ص : 38 / 79 ـ 81.

(4) سورة البقرة : 2 / 186.

(5) ظ : الطراز / العلوي 117 : 1.

(6) الميزان 30 : 1.

٩٧

إليه تعالى بلفظ ( عبادي )(1) .

و من اللطائف الخطابية في هذه الآية أنّها تجاوزت الوساطة بين الخالق وعباده وذلك من خلال اتقراء مواضع السؤال والجواب في الكتاب العزيز حيث نلحط اقتران الجواب في التعبير القرآني بلفظ ( قل ) في جميع الآيات التي يتقدّمها السؤال وذلك أمر منه تعالى لنبيّه الأمين بإجابتهم ومن ذلك قوله تعالى :

( ... ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبيّن الله لكم الآيات ) (2) .(3)

أما في هذه الآية فقد تولّى سبحانه وتعالى الإجابة عن السؤال بنفسه ولم يصرح بلفظ ( قل )( وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريب أجيب دعوة الدّاع إذا دعان ) (4) و في هذا غاية التكريم وأرفع درجات التشريف لعباده الداعين يقول الفخر الرازي في تعليقة على هذه الآية : « كأنّه سبحانه وتعالى يقول واسطة بيني وبينك »(5) .

ومن جمال الآية وسموها أنّه أكّد قربه بـ ( إنّ ) في ( فإنّي )(6) و لم يقل سبحانه

__________________

(1) ظ : الطراز 267 : 3.

(2) سورة البقرة : 2 / 219.

(3) ظ : في هذا المعنى سورة البقرة : 215 ، 217 ، 219 ، 220 المائدة : 4 الأعراف : 187 الكهف 83 وغيرها.

(4) سورة البقرة : 2 / 186.

(5) مفاتيح الغيب / الفخر الرازي 107 : 5 ظ : البرهان / الزركشي 54 : 4.

(6) ظ : الميزان 30 : 1.

٩٨

وتعالى « فالعبد مني قريب بل قال أنا منه قريب وهذا فيه سرّ نفيس »(1) .

و يزيد من جمال التعبير التأكيد على الأستجابة من خلال استعمال الفعل المضارع الدّالّ على التجدّد والحدوث للإشارة إلى تجدّد الاستجابة وحدوثها(2) .

والمتدبّر في الآية الشريفة يجد من الدلالات والإشارات بعد ذلك الشيء الكثير منها الحضور الإلهي في هذه الآية الذي أنبأنا به تكرار ضمير المتكلّم الدّالّ عليه في سبعة مواضع (عبادي ، عنّي ، فإنّى ، أجيب ، دعان لي بي) وهذه الآية الوحيدة في القرآن على هذا الوصف(3) .

وفضلاً عن كلّ ذلك فإن انتظام هذه الآية بين آيات تريع الصوم(4) دالَ على تأكيد قول من عدها ضمن آيات الأحكام « من أنّه ليس فيها حكم ظاهرة »(5) و عليه فلا يغيب عن ذهن المتدبّر فائدة توسطها بين آيات الصوم وما ينبغي للصائم من الدعاء وطلب الحوائج فهو في موقف يكون قربه من الإجابة آكد ومنزلته في التشريف أقرب والله أعلم.

ومن كوامن الرحمة في هذه الآية أنّها « تسكب في قلب المؤمن النداوة والحلاوة والودّ المؤنس والرضي المطمئن والثقة واليقين ويعيش فيها المؤمن في جناب رضي وقربي ندية وملاذٍ أمين وقرارٍ مكين »(6) .

__________________

(1) كفاتيح الغيب 35 : 22.

(2) ظ : الميزان 31 : 1.

(3) ظ : الميزان 31 : 1.

(4) ظ : مجمع البيان 125 : 1 مفاتيح 103 : 5.

(5) تفسير آيات الأحكام / حسين اليزدي 311 : 1.

(6) في ظلال القرآن / سيد قطب مج 1 ج 2 ص 83.

٩٩

و لابدّ من التذكير بأن للإجابة شروطاً حدّدثها الأحاديث النبويّة الشيفة والروايات المنقوله عن أهل البيت ولم نرغب في إطالة الكلام بها لأنّ مظانّها كتب الدّعاء التي ألّفت وفقاً لمنهج طلاب الشريعة والعلوم الإسلاميو فمن أراد التزووّد بها فلا بأس من الرجوع إليها والأخذ عنها وإنّما الإشارة لذلك قصداً للإيجاز.

ومهما يكن من أمر الاستجابة فإنّ الداعي لا يعدم الإجابة على الإطلاق فإذا أطأت إجابة فإنّ ذلك لا يعني عدم استجابة دعائه بل يلهمه الله تعالى « سكينةً في نفسه وانشراحاً في صدره وصبراً يسهل معه احتمال البلاء الحاضر وعلى كلّ حالٍ فلا يعدم فائدةً وهو نوع من الاستجابة »(1) .

ونفيد من الحديث عن معالم الدعاء في اقرآن الكريم أن في الحثّ نداءً إلهيّاً يدعو لسدّ ضعف الإنسان وفقره من خلال تعلّقه بخالقه الغنيّ ولجوئه لفيض كرمه وإحسانه وتحصنه بكهفه المنيع.

ونخلص كذلك على أن في الدعاء منهجاً لتعليم الإنسان وتأديبه في كيفية إقباله على بارئه ومخاطبة.

ونلحظ في الإجابة إعظاماً للدّعاء وإكراماً للداعي والتنبيه على أنّهما بيعن الله تعالى وعنايته وإذ جاز لنا اوصف قلنا إنّ الحثّ بذرة والدعاء شجرتها النامية وثمار الشجرة النامية الإجابة فبقدر منزلة الشجرة من النضج تكون ثمارها أكثر وألذّ والله أعلم.

__________________

(1) مفاتيح الغيب110 : 5.

١٠٠