• البداية
  • السابق
  • 137 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 9951 / تحميل: 5623
الحجم الحجم الحجم
الدعاء المعاني والصيغ والأنواع

الدعاء المعاني والصيغ والأنواع

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

د. كُرْجي: أعتقد أنَّ هذه الأدلّة ألقى بها الشارع إلى العُرف وإلى ما يفهمه هذا العُرف منها، كما أعتقد بأنَّ العُرف لا يختصّ بزمان معيّن، ولا يتحدَّد به، فنحن الآن نتعامل مع( أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ ) كما كان يتعامل معها الفقهاء السابقون؛ حيث إنَّهم كانوا يستنبطون حلِّيَّة البيع من خلالها. الأمر نفسه بالنسبة لنا الآن، فما زال لهذا الدليل نفسه الاعتبار والقيمة نفسيهما، بحيث نستنبط منه حكم البيع، ونبني على أساسه.

ثمّ أودُّ أن أشير إلى نقطة ثانية، وهي: إنّ المراد، من مثل هذه العبارات والجمل، هو عمل العُرف.

الشيخ شَبَسْـتَري: يعني العُرف الذي كان في زمن النزول وفي عصر صدر الإسلام؟

د. كُرْجي: كلاّ، فليس المقصود ذلك من حيث الأصل، البيع يعني المعاملة، طبيعي هذا ما يكون إبتداءً، فالبيع هو الفعل الحقوقي الذي يمارسه العُرف، وأنا قبلته.

الشيخ شَبَسْـتَري: ليس المراد إذن هو المعنى المطابقي لـ( أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ ) ، أو تقول إنَّ هناك معنى آخر قبل ذلك؟

د. كُرْجي: كلاّ، إنَّما أريد أن أقول: إنَّ هذا شيء شبيه بشأن النزول، شبيه بالمورد، فالمورد لا يخصِّص.

الشيخ شَبَسْـتَري: ولكن هذا شيء آخر دكتور.

* هناك مصطلح في علم الأصول هو: الوضع العام والموضوع له الخاص (١)، فهل الألفاظ التي وضعت لروح المعاني جاءت على أساس خصوصيّة المورد أو لمعنى عام؟

الشيخ شَبَسْـتَري: حسناً، ولكنَّهم لا يقبلون.

* الذي يبدو أنَّ العُرف لا يلاحظ أبداً خصوصية المورد؛ مثل كلمة مصباح، ميزان وغيرهما من الأمثلة، فرغم الاختلاف بين المعاني المرادة من هذه الكلمات، وبين المعاني التي كانت تستعمل فيها هذه الكلمات، إلا أنَّ العُرف لا يستعملها في هذه الأيام على نحو المجاز.

الشيخ شَبَسْـتَري: ليس النزاع في استخدام الألفاظ، فالألفاظ ربَّما تُستخدم على نحو الحقيقة، وإنَّما المعاني هي التي تختلف من عصر لآخر.

٤١

د. كُرْجي: المعاني لا تختلف، وإنَّما قيودها هي التي تختلف، فالقيود التي تؤخذ بنظر الاعتبار في العصور المختلفة، هي التي تختلف. أمَّا الماهية (الجوهر أو الحقيقة) القانونية، فلا تتغيَّر.

الشيخ شَبَسْـتَري: المسألة تكمن تماماً في هذا الجانب الماثل في عدم إمكانية استخدام مصطلح الماهية في البحوث اللغوية. فبحث الماهية وعوارضها هو من بحوث الفلسفة.

د. كُرْجي: لم أقصد الماهية المنطقية.

الشيخ شَبَسْـتَري: أجل، إنَّه بحث فلسفي (أنطولوجي). وحين أتحدَّث لا أقصد المبنى؛ أي لا أريد أن أقول ما إذا كان هذا المبنى صحيحاً أم لا، وإنَّما غاية ما أريد، هو أن ألفتَ الانتباه إلى هذا المبنى بشكل دقيق. فهذا الذي يعرض هنا هو بحث فلسفي (أنطولوجي) وما شاكل ذلك. أمَّا البحث اللغوي، فهو شيء يختلف تماماً.

د. كُرْجي: هذا صحيح في المجال الفلسفي.

الشيخ شَبَسْـتَري: البحث اللغوي يعني أنَّ لفظ البيع - على سبيل المثال - أو أي لفظ آخر، يمكن أن يبقى بين مجتمع معيَّن لآلاف السنوات، بَيْدَ أنَّه ينطوي في كلّ عصر على معنى خاص. فاللفظ المتداول هو هو، والمعنى الخاص المراد منه هو الذي يتغيَّر، بمعنى أنَّهم يفهمون منه معنى مختلفاً. اللفظ إذاً باقٍ، والاستخدامات هي التي تتغيَّر؛ لذلك إذا حمل حكم معيّن على معنى خاص، كان يُراد من اللفظ في بعض العصور، فلا يمكن لهذا الحكم أن يسري ِإلى معانٍ أخرى.

د. كُرْجي: البيع عمل حقوقي، وهذا العمل الحقوقي ثابت لم يتغيَّر.

الشيخ شَبَسْـتَري: لماذا؟ لقد تَغيَّر واختلف.

د. كُرْجي: لم يتغيَّر، فالبيع لم يتحوَّل إلى إجارة، فالماهيَّات ليست أموراً حقوقية.

الشيخ شَبَسْـتَري: صحيح، لكن التغيُّرات طرأت عليها في نفسها، وإلاّ هل ترى الأنواع العشرة من التجارة (التي افترضنا أنَّها سائدة اليوم) متشابهة، لا فرق في ما بينها، أو هي تُعبِّر عن عشرة ضروب اعتبارية؟

٤٢

د. كُرْجي: (التجارة) تشمل كلّ شيء؛ أي هي عنوان جامع للأنواع العشرة.

الشيخ شَبَسْـتَري: السؤال يكمن هنا بالذات، فلو استُخدم مصطلح التجارة في أحد الأزمنة، وفُهم منه نوع واحد من ضروب التجارة، بحيث نفترض أنَّ الأنواع الأخرى لم تكن قد عرفتها البشرية بعد، فعلى أيِّ أساس يصحُّ أن نقول: إنَّ هذا اللفظ جامع لجميع الأنواع، حتّى تلك التي لم تُكتشف بعد ولم تُعرف؟

د. كُرْجي: يتمّ ذلك بالمصداق الأوَّلي، فالمصداق الأوَّلي جامع.

الشيخ شَبَسْـتَري: هذا هو التجريد الفلسفي عينه الذي نمارسه على اللغة، والآخرون يقولون: لا وجود للتجريد الفلسفي في اللغة.

* مرادنا من البحث في هذا الموضوع؛ أنَّ بحث أصالة الحظر وأصالة الإباحة والبحث اللغوي، جاءت إلى بحوثنا في أصول الفقه من الفلسفات والعلوم الأخرى، ونفذت إليه بعنوان كونها مقدِّمة للفقه ومن الأصول، فكان لها تأثيرها الكامل على الفقه. هذا هو مبتغانا من السؤال الأوَّل؛ إذ أردنا أن نبيِّن أنَّ هناك بحثاً لغويَّاً نفذ إلى الفقه عِبر علم الأصول. ففي مسألة: هل يدلُّ الأمر على الفور أو على التراخي؟ وما هي مقدِّمات الحكمة في باب الإطلاق؟ هذه جميعاً بحوث تدخل في إطار البحث المعرفي في اللغة نفذت إلى (علم الأصول)، ولمَّا كان علم أصول الفقه بمثابة مقدِّمة الفقه، فقد كان لها - إذاً - تأثيرها الكامل الذي تركته على الفقه.

المسألة تعود في نهاية المطاف إلى المبنى الذي يلتزمه الفقيه في أصول الفقه، وإلى طبيعة الآراء التي يقبلها ويؤمن بها. كذلك الحال بالنسبة إلى البحث الكلامي الذي يأتي في مجال أصالة الحظر وأصالة الإباحة.

د. ناصر كاتوزْيان: بالرغم من أنَّ فروع العلوم في عصرنا الحاضر قد اتّسعت وامتدّت على مساحة واسعة، واتّسمت بالتعقيد؛ بحيث لا يمكن لأيِّ إنسان أن يستوعبها جميعاً، لكن مع ذلك ينبغي ألاَّ نستبعد ما للفلسفة والكلام من صلة بالفقه.

٤٣

فالفلسفة ما زالت تلقي بظلالها على جميع العلوم، ففي كل مرّة يعود الإنسان إلى معارفه ومعتقداته، يراجعها في ضوء العقل، إنَّما هو يعود في الواقع إلى الفلسفة، ولكن غاية ما هناك أنَّ دور الفلسفة لم يعُد كما كان يعتقد الماضون، فقد اختلف كثيراً عن السابق؛ بحيث لم يعُد ثَمَّة وجود لادعاء الإحاطة بجميع المعارف والعلوم، وإنَّما عادت الفلسفة لتعبِّر عن النظريات العامة في كلّ فرع من فروع العلم والمعرفة، كما هي الحال في فلسفة العلوم، فلسفة التاريخ، فلسفة الأدب، فلسفة الرياضيات، وفلسفة القانون، ففي كلّ حقل من هذه الحقول ثَمَّة متخصِّصون يرتبطون به.

ففلسفة الحقوق - على سبيل المثال - هي حقل معرفي يشتغل على تحقيقه وإعداد مكوِّناته حكماء ينصرفون إلى هذا الحقل (مثل فلسفة الحقوق عند هيغل وكانت)، أو يشتغل فيه حقوقيُّون يضطلعون بالبحث في باني الحقوق وهدفها وتعريفها وماهيَّـتها.

وما هو سائد الآن هو القسم الثاني، إذ هناك، في كلّ حقل من حقول العلم، علماء لهم ذوق فلسفي، ينصرفون إلى العمل على فلسفة العلم الذي يختصّون به.

من هذا المنطلق نجد أنَّ هناك فراغاً في حقل المعارف الإسلامية الجديدة، يشير إلى غياب الفلسفة التي تضطلع بالتنظير للحقوق الإسلامية، أو الفقه بشكل خاص، وحين نعود لتأمُّل الموضوع نجد أنَّ مباني هذا الحقل ومكوِّناته موزَّعة الآن في ثنايا الفلسفة، والكلام، وأصول الفقه، وهي بحاجة إلى أساتذة مبدعين لينهضوا بمهمِّة التأليف والجمع لتلك المباحث المتفرِّفة من السلف الصالح.

٤٤

ويدخل، في مضمار فلسفة الفقه، مسائل وقضايا من قبيل:البحث في الحسن والقبح العقليّين والشرعيّين ،مفهوم الإجماع ومكانته، العلاقة بين السُّـنَّة والقرآن، مكانة الاستحسان والمصالح المرسلة في الاستنباط،العلاقة بين الفقه والعدالة والأخلاق، دور العُرف في التكوين الشرعي، مبنى الإلتزام في الأحكام الشرعية (سواء تعلَّق بالأوامر والنواهي الإلهي أم بالأوامر التي تصدر من الحكومة)،معنى الولاية ومجالها (سواء كانت ولاية النبي والإمام أم ولاية الفقيه)،علل الأحكام وحكمها والجواب عن مسالة ما إذا كانت الأحكام تدور مدار العلَّة أم لا؟ كما أنَّ هناك عشرات المسائل الأخرى المشابهة التي يمكن أن تكوِّن - مع منطق الفقيه وأدواته - حقل فلسفة الفقه، أو فلسفة النظام الحقوقي الإسلامي.

ووجود مثل هذا التخصُّص الذي يتَّصل بهذه المباحث من الفلسفة والكلام، ممَّا له ارتباط بالفقه وأسلوب استنباط الأحكام، أو له في الحقيقة صلة بالنظرية العامة لنظام الحقوق الإسلامي، هو من الأمور الضرورية للفقيه، كما أنَّه من الضرورات للاجتهاد. أمَّا بحوث من قبيلِ قِدم القرآن وحدوثه، معنى اللوح المحفوظ ومراتب العقل، كيفيّة نزول الوحي، أوصاف الباري وارتباطها بذات واجب الوجود، أصالة الوجود والماهية، فلا تُعَدُّ ضرورية للاجتهاد. بَيْدَ أنَّ ما يؤسف له ويبعث على الأسى أنَّ الإنسان، الذي لا يملك عمراً كافياً للمرور مرّة واحدة على الكتب التي ترتبط باختصاصه ومجال عمله، يتحوَّل إلى فقيه يحاول أن يعكس في شخصيَّـته الجمع بين المعقول والمنقول معاً، فيقع ضحية التشتُّت في الفكر، ويغفل في نهاية المطاف عن المسائل الأصلية ذات الصلة بعمله الأساس.

ويبدو، في هذا المضمار، أنَّ مقدور علم اجتماع الحقوق أن يكون الوسيلة المناسبة، وهمزة الوصل في إيجاد الارتباط بين الحوزة والمدرسة من جهة، وبين المجتمع من جهة أخرى؛ بحيث يدخل هذا الاختصاص ليكون في موقع المعاون الفكري للفقهاء، ويحلُّ بديلاً عن الفلسفة المحضة.

٤٥

كما أنَّ علم الحقوق (ما هو أشمل من القانون)، بمعناه الجديد، يتقدَّم على كثير من المقدِّمات التقليدية للاجتهاد؛ لأنَّ على الفقيه في إطار الحكومة الإسلامية أن ينتبه إلى الانعكاسات الاجتماعية لأحكامه التي يستنبطها، ويكون على بيِّنة من كيفيّة تنفيذ الحكم المستنبَط، والموانع والعقبات التي تحول دون ذلك.

تأثيرات الزمان والمكان

* هل هناك تأثير للزمان والمكان في الاجتهاد الفقهي؟ وما هي طبيعة تأثيرهما في تغيُّر الأحكام أو تكاملها؟ وهل تستوجب معرفةُ الزمان والمكان معرفةَ الموضوعات المستحدَثة؟

السيد مرعشي: ليس ثَمَّة شكٌّ في أنَّ على كلِّ مجتهد أن يكون مطّلعاً على مقتضيات الزمان واعياً لها. فوظيفة المجتهد لا تقتصر على البحث في المنابع الفقهية سنداً ودلالة فقط، بل يجب عليه أن يتحلَّى برؤية؛ بحيث يميِّز في الحكم الصادر بين أن يكون قد صدر طبقاً لمقتضيات الزمان في عصر النص، أو أنَّه حكم كلِّي وعام. فقد يكون الأمر كذلك في مسألة تعلُّق الدية بالعاقلة، أو في الديات الستّ مثلاً؛ بمعنى أنَّها أحكام تختصّ بزمان الصدور، من دون أن يكون ثَمَّة موضوعية لأيٍّ منها. كما أنَّه هناك شكّ في أنَّ الاطّلاع على مسائل العصر ووعيها، ومعرفة الموضوعات المستحدَثة، هي أمور ضرورية للمجتهدين، وإلاّ إذا لم يطّلع المجتهدون عليها، ولم تكن لهم معرفة بها، فكيف يكون بمقدورهم أن يبيِّنوا أحكامها ويستنبطوها؟

٤٦

السيد الحائري: نبدأ الحديث هنا عن مدرسة المرحوم النائيني، فالنائيني كان يعتقد أنَّ أمامنا في مثل( آتَوْا الزَّكَاةَ ) ثلاثة أمور، هي: الوجوب (وهو الحكم)، والإيتاء (وهو متعلَّق الحكم)، والزكاة (وهي الموضوع أو متعلَّق المتعلَّق)؛ إذ يتعلَّق الإيتاء به. وهنا ثَمَّة فرق بين الموضوع والمتعلَّق:

المقصود من الموضوع - بحسب المصطلح الأصولي - هو الشيء مفروض الوجود؛ أي الذي يفترض في المرتبة السابقة، ثُمَّ يأتي الحكم بعده، وذلك خلافاً للمتعلَّق الذي لا يُؤخذ مفروض الوجود. فالمتعلَّق يوجد بوساطة الأمر؛ أي هو الشيء الذي نُؤمن نحن بالعمل به أو بتركه. أمَّا الموضوع فليس كذلك؛ بحيث نوجده نحن، الموضوع موجود.

على أساس هذا المبنى علينا أن ننظر أين يمكن أن يكون للزمان دخل في هذه الأمور الثلاثة: فهل يؤثِّر الزمان في الموضوع بحيث يبدِّله، ما يستدعي تبدُّل الحكم (بمعنى أنَّ الموضوع الجديد يحتاج إلى حكم جديد، لا بمعنى تغيُّر الحكم الإلهي الكلّي)، أم أنَّ الزمان والمكان يَستبدلان المتعلَّق؟ علينا أن نتأمَّل المسألة لننظر أي أمر من هذه الأمور الثلاثة يطاله التغيير والتبديل.

في الحالة الأولى، عندما يقوم المكان والزمان بتغيير الموضوع، فمن الطبيعي أن يتبدَّل الحكم تبعاً لذلك. ففي عصر من العصور لم يكن ممكناً مواجهة الحكومات المنحرفة، ففي مثل هذه الحالة نجد أنَّ الأئمّةعليهم‌السلام أكَّدوا بشكل كبير وجوب التقيّة. أمَّا لو تغيَّرت الشروط الزمانية، وتوافرت الأرضية المناسبة لمواجهة الحكومة المنحرفة، فإنَّ ذلك يستدعي ظهور حكم جديد، وذلك تبعاً للتغيُّر الذي طرأ على الموضوع، إذ يوضع حكم التقية جانباً، ويترك مكانه لحكم الجهاد والمواجهة.

في هذه الحالة لم يتغيَّر الحكم الإلهي، بل تبدَّل الحكم تبعاً لتبدُّل الموضوع، ولا أحد يناقش في هذا البعد.

٤٧

أمَّا في القسم الثاني، فيمكن لمتعلَّق الحكم أن يتغيِّر بمرور الزمان أو بتأثير تغيير المكان، وحينئذ يتغيَّر الحكم تبعاً لتغيُّر المتعلَّق، من دون أن يكون تغيير المتعلَّق قد جاء تبعاً لتغيُّر الموضوع.

مثال ذلك قولنا: احترم الوالدين، فربَّما يختلف متعلَّق الحكم (الاحترام) تبعاً للزمان والمكان؛ إذ يمكن أن يكون الاحترام في صدر الإسلام بنحو معيّن، وفي عصرنا الراهن بنحو آخر.

كما يمكن أن نشير للحالة بمثال يدلّ عليها من خلال ما جاء في الرواية التي تقول:(اتّقوا النار ولو بشقِّ تمرة)؛ بمعنى أنَّ الإنسان إذا أفطر صائماً في شهر رمضان ولو بشقّ تمرة، فإنَّ ذلك يكون له نجاة من النار، فهنا توهَّم بعض المتديِّنين أنَّ الرواية تنطوي على العموم؛ بحيث إنَّ أيَّ إنسان يبادر إلى إفطار صائم في المسجد، أو في الشارع بشقّ تمرة، يكون قد تمثَّل حالة( اتَّقُوا النَّارَ ) وصار مصداقاً لها، في حين ليس الأمر كذلك، إنَّما ترتبط الرواية بحال الصائم إذا كان فقيراً، بحيث ينقذه شقّ التمرة من الجوع.

نأتي الآن إلى القسم الثالث الذي نقول فيه: إنَّ الحكم يتبدَّل مباشرة من دون تبدُّل المتعلَّق والموضوع. هذا أمر لا يكون في نظرنا، إلاّ إذا قلنا: إنَّ فهم الفقيه يزداد بمرور الزمان ويتَّجه إلى نقاط أكثر، بحيث يرتاد هذا الفقيه آفاقاً أخرى لم يكن السابقون قد انتبهوا إليها، فقي حالة كهذه يمكن أن يتبدَّل الحكم أو الفتوى.

هذا ما حصل - على سبيل المثال - في مسألة ماء البئر؛ إذ كان يُحكم بتأثُّره بالنجاسة التي تسقط فيه إلى ما قبل عصر العلاّمة الحلّي، لكن منذ عصر العلاّمة الحلّي فما بعد تبدَّل إلى الطهارة مع حفظ (ثبات) الموضوع والمتعلَّق.

ثُمَّ مثال آخر يمكن أن نأخذه من الموقف من الخمس، فقد كان بعضهم يفتي بوجوب دفنه، ثُمَّ تحوَّل الأمر إلى استنكار هذا القول، واستبدلوه بآخر يقول بوجوب صرفه بدلاً من دفنه.

٤٨

وما نريد أن نخلص إليه هو أنَّ تبدُّل الحكم، إذا حُمل على هذا المعنى، فهذا حمل صحيح. فلو افترضنا أنَّ الفقهاء هم بمنزلة الشخص الواحد، فإنَّ هذا الشخص ينتبه إلى نقاط أكثر كلَّما تقدَّم به العمر أكثر، وعندئذ يمكن أن تتبدَّل الفتاوى والأحكام، لكن إذا كان المقصود من المسألة المثارة للنقاش أنَّ الزمان والمكان يغيِّران الكبرى الكلّية للحكم، فهذا أمر غير صحيح، وهو يخالف الرواية التي تقول:(حلال محمّد حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة)، فتغيير الكبرى الكلّية للحكم، يتوقّف على مجيء نبي ونسخه لها!

* يمكن أن نقول: إنَّ ما نعنيه هو القسم الثالث، بحيث يتغيَّر فهم الفقيه من الآية والرواية تبعاً لأوضاع الزمان والمكان، وذلك كما في حكم حرمة تشبُّه المسلم بالكافر، إذ تغيَّر هذا التشبُّه بمرور الزمان؟

السيد الحائري: كلاّ، ما ذُكر في السؤال يدخل في القسم الأوَّل، أو في القسم الثاني، حيث يكون التشبّه متعلَّقاً للحكم. الزمان والمكان لا يغيِّران من فهم الفقيه، إلاّ في الحالة التي أشرتُ لها؛ من أنَّ طول خط المرجعية واستمراره ودوامه يؤدِّي إلى تكامل فهم الفقهاء. أمَّا إذا قلنا: إنَّ الزمان والمكان يغيِّران الفهم، فإنَّ ما يكون حجة هو الفهم الذي كان سائداً في عصر الإمام، لا الفهم السائد في زماننا. أمَّا ما يتعلَّق بمثال التشبُّه بالكفّار، فهو مصداق لتبدُّل الموضوع، حيث لا تندرج المسألة بعد ذلك - بتغيُّر الموضوع - في باب التشبُّه بالكفّار، إذ غدا ارتداء اللباس في العُرف السائد في العالم على شكل واحد، ومن ثَمَّ لا معنى للتشبّه. ويمكن أيضاً أن ننظر إلى المسألة من زاوية أخرى، إذ تقود دقَّه العلماء المتأخِّرين إلى اكتشاف أنَّ دليل العلماء المتقدِّمين كان يتمثَّل برواية ضعيفة عملوا بها، وقد سَلَّم بها مَن سلَّم انطلاقاً من القول: إنَّ عمل الأصحاب جابر لضعف السند، في حين يمكن للفقهاء المتأخّرين أن لا يلتزموا بهذه القاعدة، وبالتالي يرون أن الرواية الضعيفة ليست دليلاً كافياً على حرمة التشبّه، فيتغيَّر الحكم على هذا الأساس، وهذا مدخل يختلف عن القول: إنَّ الزمان والمكان يفضيان إلى تغيير الحكم.

٤٩

د. كُرْجي: تنطوي الأحكام الفقهية على أقسام كثيرة، وما هو موجود في الكتب الفقهية، وبخاصة كتب الفقه الشيعي، هو فقط أقسام محدودة. أصول هذه الأقسام هي:الأحكام التكليفيّة العبادية وغير العبادية، أحكام الأحوال الشخصية، الأحكام الوضعية الخصوصية ،العقود والإيقاعات والأحكام العامة (الأحكام الحكومية التي تمارسها الدولة). لا تأثير للمكان والزَّمان على العبادات، في حين يكون لهما تأثيرهما الكبير على بقيَّة الأحكام، لا سيَّما الأحكام العامة، التي يكون المجتمع موضوعاً لها. ما نجده في الكتب الفقهية أنَّها لم تبحث في هذه الأحكام، وإنَّما تناولها الحقوقيُّون فقط بالبحث، وذلك من قبيل: الحقوق المدنية، الحقوق الجزائية العامة والخاصة، حقوق التجَّار، النقل، الضمان، الضرائب، القوانين الدولية العامة والخاصة، القوانين التي تنظِّم الحقوق البحرية، كما هناك أقسام أخرى (الحقوق هنا أشمل من القانون)، فهذه الحقول جميعاً تشهد، من دون ريب، تأثيراً كبيراً للزمان والمكان فيها.

وما يجب على الفقهاء هو أن يُدْخِلوا هذه الأبواب جميعاً إلى الفقه، ويستنبطوا أحكامها وفق النهج الفقهي الصحيح. بَيْدَ أنَّ الذي يؤسف له هو أنَّ الفقهاء لم يشرَعوا في هذه المهمَّة حتى الآن.

أجل، إنَّ الكتاب والسُّـنَّة يشتملان على كلِّيات الأحكام العامة، بَيْدَ أنَّ الأساس الذي تقوم عليه هو مصالح المجتمع ومفاسده، ومن الطبيعي أنَّ أكثر العوامل تأثيراً في هذه المصالح والمفاسد، هما: الزمان والمكان. كذلك الحال في بقيَّة الأحكام الأخرى، وبخاصة العقود والإيقاعات.

صحيح أنَّ هذا الضرب من الأحكام مُمْضَى؛ أي هو من الأحكام التي أقرَّها الشارع ولم يوجدها بنفسه، ولكن لا يصحّ أبداً أن يقال: إنَّ الشارع أمضى فقط مقرَّرات زمانه وحسب، أي أمضى العُرف الجاهلي وحده، بل هو أمضى أحكام العُرف في جميع الأزمنة. فالشارع المقدَّس أمضى صحّة جميع العقود بموجب الآية الشريفة:( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) ، ولم يقتصر إمضاءه على العقود المتعارفة في زمن النص وعصر التشريع.

٥٠

الشيخ شَبَسْـتَري: ينبغي أن نحدِّد بشكل دقيق ما نعنيه من القول:(هل للزمان والمكان دور في الاجتهاد أو لا؟) ، فماذا نعني بمقولة:(إنَّ للزمان والمكان دخلاً في الاجتهاد)؟ هل المقصود من الزمان والمكان مجموعة التحوُّلات التي تطرأ على الحياة البشرية خلال الزمان والمكان، أو المراد أنَّ للزمان والمكان تأثيراً مباشراً على الاجتهاد؟ إذا ما أراد الفقيه أن يتحدَّث بهذا المنطق، وهو يعتقد أنَّ للتحوُّلات المختلفة التي تطرأ على الحياة البشرية دخلاً في الأحكام، فمعنى ذلك أنَّ هناك(حقيقة) جديدة اسمها:(التحوُّلات البشرية المختلفة)، يجب أن يأخذها بنظر الاعتبار إلى جوار الكتاب. حينئذٍ ليس من الصحيح أن نقول: إنَّ الفقيه ينظر، في عملية الاستنباط، إلى الكتاب والسُّـنَّة فقط، وإنَّما برزت أمامه(حقيقة) (ظاهرة) أخرى لها دورها في الاستنباط.

إذا أراد الفقيه أن يأخذ بنظر الاعتبار مسألة التحوُّلات الاجتماعية، عليه - إذاً - أن يحدِّد لنفسه معنى واضحاً للتحوُّلات الاجتماعية، وللحضارة بشكل عام؛ فما هو المراد من التحوُّلات الاجتماعية، ومن الحضارة؟ وماذا يقبل منهما وماذا يرفض؟

كنَّا شهوداً على ما كتبه الإمام الخمينيرحمه‌الله في رسالة جوابية بعث بها إلى أحد السادة العلماء في قم، حيث كتب له:(وفق الرأي الذي تؤمن به يجب أن تُرفض الحضارة الجديدة، في حال أنَّنا يجب أن نقبل هذه الحضارة الجديدة) . لقد استخدم الإمام مصطلح(الحضارة الجديدة) ، والآن نسأل: ماذا يعني قبول الحضارة أو التقدُّم الحضاري الجديد؟

يترافق التقدُّم الحضاري الجديد مع سيل من التحوُّلات الحياتية في معيشة البشر، وإن كان الجزء الذي نلمسه منه ونتعاطى معه بشكل مباشر هو المسائل المادِّية والمعيشيَّة من هذا التقدُّم.

٥١

وليس الأمر كما يقال من أنَّ التقدُّم الحضاري الجديد افترق فقط عن السابق بأدوات المعاش والوسائل الحياتية، كما كان الشهيد مُطهَّري يصرُّ على هذا الرأي في كتابه(الإسلام ومقتضيات الزمان) ؛ إذ كان يذهب إلى أنَّ التحوُّلات التي لا يستطيع الإنسان تجنُّبها ورفضها، هي فقط ما يطرأ على الحياة الإنسانية من تغيُّر في وسائل المعاش. فإذا أراد الإنسان - مثلاً - أن يحمل مفهوماً صحيحاً عن التنمية الاقتصادية، أو مفهوماً صحيحاً عن الحياة الاجتماعية لمجتمع ما، في إطار دستور مدوَّن - وهاتان الظاهرتان كلتاهما من الإفرازات الأساسية للتطوُّر الحضاري الجديد - فلا يسعه أبداً أن يفكِّر في وسائل المعاش المادِّية وحدها؛ والسبب هو: أنَّ التنمية الاقتصادية، أو العيش في إطار دستور مدوَّن، ترافقهما منظومة قيمية خاصة، كما يرافقهما أيضاً طراز خاص من الحياة الفردية والاجتماعية.

لذلك كلِّه ينبغي ألاَّ نمرَّ على هذه المسائل ببساطة، ونكتفي بالقول: إنَّ معرفة الزمان والمكان ووعيهما يعنيان فقط معرفة الموضوعات المستحدَثة في المعنى الذي يقتصر على الوسائل الحياتية المادّية وحدها، كلاّ، إنَّما نرى أنَّ آثار الزمان والمكان ودورهما أكثر عمقاً وسِعةً من حدود هذا الكلام، ومن ثَمَّ فإنَّ الاجتهاد الذي يمارَس في إطار مقولتي الزمان والمكان، له صولة مباشرة بقبول الكثير من القيم الأخلاقية والثقافية أو رفضها. طبيعي أن قبول هذه القيم أو رفضها هو فرع ونتيجة لوعي تلك القيم وتلك الثقافة وإدراكهما ومعرفتهما.

ومن الطبيعي أن يكون ثَمَّة أسلوب واجب الاتباع في عملية التعرَّف، والوعي، والإدراك. إنَّ القضية التي تُعبِّر عن نفسها في مضمون السؤال الآتي: وفق أيِّ أسلوب نريد أن ندرك تلك القيم وتلك الثقافة ونعيمها ونتعرَّف إليهما؟ هي مسألة في غاية الأهمية؛ فهل نريد أن نمارس التعرُّف والوعي والإدراك بأسلوبنا الفلسفي القديم أو بالأساليب الجديدة؟ وماذا نختار من هذه الناهج الجديدة، ولماذا؟

٥٢

لو عدنا - مثلاً - إلى أسلوب القدماء، لرأينا أنَّ تصوُّرهم للمجتمع يقوم على أساس ما يأتي: هم يفترضون أنَّ المجتمع كجسم الإنسان، تتمثَّل سلامته وتوازنه في وضع كلِّ إنسان في المجتمع، أو قوَّة من القوى الاجتماعية، في مكانها الطبيعي، على هذا الأساس يكون العدل في هذا التصور هو:(وضع كلِّ شيء في موضعه). والسؤال: هل نريد أن نتعرَّف إلى القيم التي تتَّصل بالحياة الاجتماعية على أساس هذا التصوُّر للمجتمع والعدل الاجتماعي، أو نريد أن نفعل ذلك على أساس فلسفة القيم في علم الاجتماع، أو فلسفة السياسية، أو فلسفة الأخلاق؟ وهذا مجرَّد مثال واحد.

ما نريد أن نخلص إليه هو أنَّه لا يسع الفقيه، اليوم، أن يكتفي بالتعامل مع الظَّواهر السطحية الملموسة والمادية من التقدُّم الحضاري الجديد، ثُمَّ يقرِّر، على أساس هذه الكيفية في التعامل، ما يقبله وما يرفضه من التمدُّن الجديد. وهذا ما يقال في عناوين تُطرح في المجال الفقهي؛ فحينما تُطْرح في المجال الفقهي قضايا من قبيل: لزوم مراعاة المصلحة، والعسر والحرج، وما شابهها، فإنَّها جميعاً تنصرف إلى التحوُّلات الحياتية، ولا يمكن قصر هذه العناوين على السطح الملموس الظاهر من الحياة المعاصرة. فالضرورة والمصلحة يجدان معناهما دائماً من خلال مقصد معيّن. على ضوء ذلك، يتعيَّن أن نلاحظ، في المرتبة الأولى، طبيعة المقصد الذي يؤمن به الفقيه، لكي يقول على أساسها - وفي المرتبة الثانية -: إنَّ هذه المسألة ضرورة، أو أنَّها تُعبِّر عن المصلحة.

٥٣

دوائر تأثير المكان والزمان

د. كاتوزْيان: للزمان والمكان تأثير على الاجتهاد الفقهي والأحكام القابلة للتنفيذ من جهات مختلفة، من دون أن يكون ذلك التأثير متعارضاً مع إثبات الأحكام الإلهية.

لا أظنُّ أنَّنا نستطيع، في هذا الجواب القصير المجمل، أن نعرض لجميع العوامل المؤثِّرة في الاجتهاد، إنَّما نشير إلى بعض العوامل من باب المثال، من خلال النقاط الآتية:

١ - تحوّل القيم الأخلاقية: أبرز علامة تشهد على هذا التحوُّل هي مسألة العبيد؛ إذ تكفينا في هذا المضمار نظرة عامة إلى تاريخ الفقه والأحكام المتعلّقة بالعبيد والإماء في الكتب الفقهية، لكي نلحظ فيها انخفاض الاهتمام بهذا الباب تدريجياً، حتّى إذا ما ألغي نظام العبيد، ترى أنَّ الكتب الفقهية لا تتحدَّث عن الموضوع إلاَّ لُماماً.

طبيعي أنَّ هناك مَن يذهب في تفسير هذا التحوُّل، وعدم اهتمام الفقه بالعبيد، إلى القول بانتفاء الموضوع؛ في حين أنَّ السبب الحقيقي يتمثَّل بالتحوُّل الذي طرأ على القيم الأخلاقية، فلو قَتَل كافرٌ في المجتمع الإسلامي مسلماً، فهل يحقُّ لورثة القتيل المسلم، أن يسترقُّوا الكافر ويتَّخذوه عبداً؟ هل سألنا أنفسنا عن طبيعة المانع الذي يحول دون الاستفادة من حقِّ التملُّك الشرعي هذا؟

في مرحلة أدنى ممَّا يعكسه المثال المشار إليه آنفاً، ينبغي أن نتحدَّث عن طبيعة العلاقة بين المرأة وزوجها، وما طرأ على ذلك من تحوُّلات طوال تاريخ الفقه. الأسئلة المثارة هنا هي:هل يعكس ما يحكم مجتمعاتنا الحاضرة وما يسودها الآن، ما قاله الفقهاء وما بَلْوَروه من أحكام؟ إذا كان هناك مَن يشكّ، فلا بأس في أن نلجأ إلى التحكيم لنرى، فهل من الواجب على الرجل الذي يريد أن يُطلِّق زوجته، أن يعود إلى الحاكم ويخضع للتحكيم؟ وهل يصدق الشقاق (النفرة أو الاختلاف بين الجانبين) على الرجل الذي يريد أن يطلِّق زوجته؟ ثُمَّ هل يُعَدُّ العسر وحرج المرأة القاعدة العامة لجواز طلاق المرأة؟ وهل

٥٤

يقبل الجميع فتوى المرحوم السيِّد محمد كاظم الطباطبائي في عسر المرأة وحرجها إذا غاب عنها زوجها وخيف عليها من الوقوع في الحرام(٢) ؟ هل تستطيع المرأة أن تتقاضى الأجر من زوجها؟ ثَمَّ كثير من الأسئلة غير ذلك. دعونا نقترب من المسألة أكثر لنسأل: هل ينطوي مفهوم المعاشرة بالمعروف( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) ، في مجتمعنا المعاصر، على معناه السابق الذي كان عليه؟ وهل يَتساوى بين حياة القرية وحياة المدينة؟ وهل ترون أنَّه يمكن لزوجٍ ثريٍ أن يتزوَّج في مجتمعنا المعاصر من فتاة متعلّمة لكنَّها فقيرة، ثُمَّ يعاملها في النفقة على ضوء أصلها العائلي، بحيث يعيِّن لها نفقة تتناسب مع المستوى المعيشي لعائلتها الفقيرة، من دون أن يأخذ بنظر الاعتبار شؤون العائلة الجديدة؟ وهل يصحُّ، في نظركم، أنَّ هذه الزوجة المحتاجة لا تستطيع أن تأخذ من زوجها نفقة الدواء والسفر، وأنَّ عليها فقط أن تكتفي بالمسكن والطعام واللباس وتقنع بها؟ ثُمَّ هل تنطوي قيمومة الرجل ورئاسته للأسرة( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ) على معنى امتثال التكليف وحفظ الأمانة - كما هو في قيادة الجماعة - أو يُعبَّر هذا الموقع عن نزعة التسلُّط وإشباع نزعات الرضا والميول الشخصية لدى الزوج؟ علينا إذن أن نقبل، في ضوء هذه الأسئلة وما تمليه من معطيات، أنَّ التحوُّل الهادئ في القيم الأخلاقية أعاد ترسيم الحدود المألوفة والمتوارثة، واقتضى بروز اجتهادات فقهية جديدة.

ــــــــــــــ

٢ - العوامل الجغرافية والمكانية: لقد أبرز عدم اتساق سِن البلوغ الشرعي عند البنات مع الواقع الطبيعي والاجتماعي المُعاش، في عصرنا الحاضر، ميلاً للقول: إنَّ سِن التكليف إنَّما هو أحد العوامل الكاشفة عن البلوغ، وليس موضوعاً كاملاً. ومشكلة عدم اتساق الحكم الشرعي مع المحيط الجغرافي تتأكَّد أكثر في المناطق الباردة. ففي السويد - مثلاً - لا تبلغ الفتاة جسمياً إلاَّ بعد سِن العشرين، فكيف يصحُّ الادّعاء بأنَّ الفتاة تبلغ في سِن التاسعة (أو أقلّ) وتكون مستعدَّة للزواج؟!

٥٥

٣ - تغيُّر العلوم والتقدُّم التكنولوجي: نصَّ الفقه على أنَّ البرص والقَرن(٣) عند المرأة من أسباب فسخ النكاح؛ والسبب الذي يُذكر لذلك، هو: أنَّهما صعبا العلاج، ويمنعان من الرغبة في المعاشرة أو يُقلِّلان منها، كذلك يقال بالنسبة للعنن أو العجز الجنسي الذي يُصاب به الزوج.

والآن لنفترض أنَّ علم الطب استطاع أن يعالج هذه الأمراض، بالدواء أو بالجراحة البسيطة، خلال عدَّة أيَّام، فهل تبقى بعد ذلك أسباباً لفسخ النكاح؟ إذا كان جوابكم بالإيجاب، فكيف تجيبون إذن عن هذا السؤال: هل العائلة الإسلامية هي بهذه السهولة بحيث يفرَّط بها لسبب هو بمثابة إصابة الإنسان بنزلة البرد؟!

٤ - تغيُّر الاحتياجات والضرورات: ليست قليلة هي الأحكام التي أُدرجت في الفقه استجابة لحاجات الناس الملحَّة، أو جاءت جرياً على العُرف السائدة في زمان سابق. وفي عصرنا الحاضر، تَفرض بعض الضرورات إيجاد تحوُّلات في القواعد الحاكمة على بعض الجماعات الاجتماعية التي تعيش حالة العجز أمام المستطيعين والأقوياء، وأهمُّ جماعتين تبرزان على هذا الصعيد، هما:العُمَّال والأجراء . ففي حال العُمَّال، من الطبيعي أن لا تستطيع بعض القواعد المتَّصلة بباب إجارة الأشخاص أن تنهض بالعدالة المطلوبة في طبيعة علاقة الأجير بصاحب العمل، وبذلك يضطرُّ قانون العمل أن يخرج عن بعض الأصول تأميناً للعدالة المطلوبة. وفي العلاقة بين المستأجر والمؤجِّر اضطرّ مجلس الشورى الإسلامي (في إيران) للتوسُّل بقاعدة(العسر والحرج) للوقوف في وجه الحالات غير العادلة التي تتبدَّى في تخلية المنازل.

٥٦

لقد بلغت ضغوطات الضرورات والاحتياجات شأواً بحيث لم تقتصر فقط على استبدال الأحكام الثانوية وتبدُّلها، بل أصبح لها تأثيرها في استنباط الأحكام الطبيعية الأوَّلية في الشرع. والطريقة الأفضل لرؤية الأثر القوي النافذ، وما تتحلَّى به هذه الضغوطات من قوَّة، تتمثَّل بذكر بعض الأمثلة:

أ - يُعَدُّ عقد التأمين من أبرز العقود التي وجدت طريقها إلى الفقه الإسلامي؛ ذلك أنَّ الفقهاء يحكمون ببطلان المعاوضة التي لا يُعلم أحد عوضيها، لأجل الغرر المنهي عنه (نهى النبي عن الغرر)، ومع ذلك، فقد مال عدد من الفقهاء إلى تصحيح عقد التأمين رغم ما يترتَّب عليه من غرر؛ لعدم معلومية أحد العوضين.

ب - حين نترك موضوع عقد الضمان وما طرأ عليه من تغيير في الدائرة الفقهية، بتأثير تبدُّل الاحتياجات وبروز ضرورات جديدة، نصل إلى مثال بارز آخر يتمثَّل في:عقد مبادلة البضاعة بالبضاعة. نبدأ أوَّلاً ببيع ثمرة العمل بالمؤجَّل، فقد حُرِّم هذا الضرب من البيع في زمن كان الحكم فيه قانوناً لتنفيذ العدالة، والحيلولة دون الظلم الذي يطال العامل الكادح من قبل المتموِّل الظالم، فقد كان صاحب رأس المال يستفيد من ضَعف الفلاح، وعدم وجود ملجأ يلجأ إليه، وينتهز هذه الحالة بشكل سلبي، فقد كان يشتري حنطة المزرعة بثمن بخس وبالمؤجَّل، وكان الزارع يرضى بهذه المعاملة؛ لأنَّها توفِّر له ضماناً مستقبلياً لمحصوله.

أمَّا اليوم، فقد برزت مصالح أهم، أخذت تدفع للقبول بمثل هذا الضرب من التعامل، بل تجعله ضرورياً لا يمكن تجنُّبه. فنحن اليوم نبيع نفطنا بهذه الطريقة، ونؤمِّن جميع ما نحتاج إليه من بضائع وسلع عن طريق بيع السلعة بالسلعة. فهل نجرؤ على أن نحكم ببطلان جميع هذه المعاملات؟ وإذا فهم الأجانب أنَّ مثل هذه العاملة باطلة في فقهنا الحقوقي، فهل يكونون على استعداد بعد ذلك للتعامل مع الحكومة الإسلامية؟ ربَّما لم تدخل هذه المسألة إلى الحوزة بعد، بَيْدَ أنَّها ستطرح وستشقُّ طريقها إليها إن عاجلاً أم آجلاً، تماماً كما هي مطروحة اليوم بين الحقوقيِّين، وقد اختلفت فيها الآراء.

٥٧

في جميع الأحوال، فإنَّ إعادة النظر في مباني الاستنباط يمكن أن تنتهي إلى نتيجة معقولة؛ تتمثَّل بالشكّ بالإجماع المدّعى حولها، فما نهت عنه الأخبار صراحة هو(بيع الدَّين بالدَّين) (٤) ، كما أنَّ التردُّد موجود في مفاد أخبار(لا يباع الدَّين بالدَّين)؛ إذ هل المقصود هو بيع الدين قبل العقد، أو أن يشمل النهي الدَّين المترتِّب على العقد؟ إنَّ القدر المتيقَّن في الإجابة هو الاحتمال الأوّل؛ يعني ما يقال له دَيناً قبل العقد(٥) .

ليس لدينا متَّسع من الوقت لتفصيل المسألة أكثر، لكنَّ الحدَّ الأدنى الذي يجب أن نقبل به، هو أنَّ إعادة النظر التي تمَّت في الاستنباط والاجتهاد، نشأت من الضرورات والاحتياجات(٦) .

٥ - تغيير البنية الاقتصادية: في الوقت الذي تستطيع فيه المعامل الصغيرة أن تؤمِّن حاجات المجتمع برساميل صغيرة، فإنَّ صاحب العمل يحتاج لاستمرار حياته الاقتصادية إلى الأجير والعامل، وفي الوقت نفسه يحتاج الأجير والعامل إلى صاحب العمل. في الحصيلة يمكن لعقد الإجارة - الذي يُنظَّم عن تراضٍ بين الطرفين - أن يؤمِّن العلاقة العادلة بينهما. أمَّا اليوم، فإنَّ الواقع يعكس وجود أصحاب رساميل جشعين، مع عمَّال سبق لهم أن ذاقوا مرارة البطالة، طبيعي أنَّ هذه المجموعة من العمَّال تحتاج إلى الحماية، وهذه الحاجة تدع وجدان الفقيه متأثِّراً، وتدفعه كما ذكرنا لاستنباطات جديدة.

أمَّا في جواب سؤالكم الثاني، فينبغي القول: ما دام نقص القانون وكماله أمرين نسبيَّين لهما صلة بالزمان والمكان، فمن الأفضل أن نُطلق على هذا التحوُّل اسم:اكتمال الحركة الفقهية .

وفي شأن السؤال الثالث، فقد أضحى بديهياً، فما لم يُدرك الفقيه الزمان والمكان ويعيهما، فلا يستطيع أن يصل إلى مفهوم كثير من المسائل.

الشيخ معرفت: ليس للزمان والمكان تأثير في الأحكام نفسها، ولا يمكن أن يكون لهما تأثير في ذلك، لكن يمكن أن يؤثِّرا في الموضوعات، كما جاء في نهاية السؤال من قولكم: هل الزمان والمكان يوجبان معرفة الموضوعات المستحدَثة؟ والسبب أنَّ للزمان والمكان دوراً مؤثِّراً على الموضوعات التي أوكلها الشارع للعُرف.

٥٨

في توضيح ذلك ينبغي أن نقول: إنَّ لدينا ثلاثة عناوين، للفقيه تأثير في بعضها، وليس له تأثير في بعضها الآخر. وهذه العناوين الثلاثة هي:الأحكام، والموضوعات ، والمصاديق .

دور الفقيه في الأحكام هو أن يضطلع بمهمَّة استنباط الأحكام من المصادر الأوَّلية بشكل أصولي. أمَّا بالنسبة للمصاديق، فليس ثَمَّة أي دور للفقيه فيها، فليس من وظيفة الفقيه، بما هو فقيه، أن يشخِّص المصاديق ويعيِّنها؛ ومردُّ ذلك لعدم دخل فقاهته في تشخيص المصاديق الخارجية، وإذا كانت له معرفة بمصداق من المصاديق الخارجية، فقيمتها تدخل في نطاق الخبرة، وليس في نطاق الفقاهة، أي لكونه خبيراً بهذا المصداق، وليس لكونه فقيهاً. فالفقيه، في نهاية المطاف، هو أحد أفراد المجتمع وأحد أبناء العُرف، بالإضافة إلى ما يتحلَّى به من فقاهه. الفقيه يستفيد من الأدَّلة: نجاسةَ الدم - مثلاً - لكن إذا عُرضت عليه مادّة حمراء اللون، لها غلظة (كثافة) الدم، وسُئل عنها فيما إذا كانت دماً، فتجري عليها أحكام النجاسة، أم لا؟ في مثل هذه الحالة، لا قيمة لأيِّ جواب يتقدَّم به الفقيه في هذا المجال، لا فرق في أن يقول: إنَّ هذه المادَّة دم، أو إنَّها ليست دماً، إنَّما تكتسب إجابته قيمة من خلال موقعه كأحد أبناء العُرف وأعضاء المجتمع، لا من خلال كونه فقيهاً؛ إذ لا صلة لفقاهته بهذا الموضوع.

حين ننتقل إلى الموضوعات، وهي غير الأحكام والمصاديق، يمكن أن يكون للفقيه دور مؤثِّر؛ إذ يجب على الفقيه أن يُعيِّن حدود الموضوع الواقع في لسان الدليل، فهل النجاسة تنصرف إلى مطلق الدم أو إلى الدم المراق فقط؟ أي هل تشمل النجاسة الدم النابض المتدفق الذي خرج من الشرايين فقط، بحيث يكون الدم المتبقِّّي ليس نجساً، أو تشمل النجاسة مطلق الدم المتخلِّف وغير المتخلِّف؟ ثُمَّ هل نقطة الدم التي توجد في البيضة، مشمولة لحكم الشريعة القاضي بنجاسة الدم، أو تكون نقطة الدم هذه خارجة عن نطاق الدم الذي تحكم الشريعة بنجاسته؟

٥٩

بعبارة أخرى: ينبغي على الفقيه أن يعرف ما إذا كانت أدلَّة النجاسة تنطوي على الإطلاق أم لا؟ فالشارع يقرِّر أنَّ كلَّ دم نجس، لكن إذا لم يكن بين يدي الفقيه مثل هذا الإطلاق والشمول في اللفظ، فلا يستطيع أن يفتي بنجاسة الدم الموجود في البيضة؛ لذلك نرى الإمام الخمينيرحمه‌الله يذهب إلى ما يأتي:(نفتي بحرمة الدم الموجود في البيضة (حرمة أكله)؛ على أساس الإطلاق الذي بين أيدينا، القاضي بحرمة أكل الدم مطلقاً؛ ولكن لأنَّنا نفتقر إلى مثل هذا الإطلاق في باب النجاسة، فنحن نفتي بطهارته في البيضة وفقاً لقاعدة الطهارة). كما أنَّ الإمام يذهب إلى أنَّ الدم إذا استُهلك من خلال الاختلاط والدمج، ترتفع حرمة أكله أيضاً؛ لعدم وجود موضوع الحرمة في الخارج.

يتَّضح ممَّا مرَّ أنَّ من وظائف الفقيه سدَّ ثغور الموضوع؛ بمعنى أنَّ على الفقيه أن يرى ما عليه موضوع الحكم في لسان الدليل.

والحاصل: إنَّ الفقه هو استنباط الحكم وتعين الموضوع. أمَّا معرفة مفهوم هذا الموضوع - أي الدم في هذا المثال - فهو أمر يجب على الفقيه أن يعود فيه إلى العُرف وأهل الخبرة؛ لأنَّ الشارع المقدَّس أوكل ذلك إلى العُرف، ومعنى هذا الإيكال أنَّ على الفقيه أن يرجع إلى الخبير في معرف ما هو دم وتعيينه.

توضيح ذلك: إنَّ على الفقيه أن يعود إلى العُرف في حال عدم معرفته بمفهوم الموضوع وعدم قدرته على تشخيصه من جهة المفهوم، وهذا ما يُطلق عليه بلغة الاصطلاح بالشبهة المصداقيَّة، وهذه غير الشبهة المصداقيَّة(٧)، ففي الشبهة المصداقيَّة يكون العُرف هو المرجع؛ بمعنى أنَّ الفقيه يأخذ مفهوم موضوع الحكم الشرعي من العُرف. أمَّا حدوده وثغوره وشرائطه، فيأخذها من الشرع ولسانه.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

بما نسي ولا ترهقني من أمري عسراً ) (١) وقال أيضاً :( قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذراً ) (٢) فقوله :( لا تؤاخذني ) ،( ولاترهقني ) ،( بعد ها فلا ) دعاء على صورة النهي ولعل السؤال عن كيفية كون النبي في هذا الموضع داعياً وهو ضمن سياقات الخطب الاعتيادية لا يكون إلاّ عالي الرتبة وتعليل ذلك أن السياق القرآني يبينموسيفي خطابه مع الخضر طالباً التعلّم قا تعالى :( قال له موسى هل أتّبعك على أن تعلّمن ممّا علّمت رشداً ) (٣) فكلام موسى جاء على صيغة السؤال لا الأمر وهو بذلك أفصح « عن الخلق والأدب البارع الحري بالمتعلم المستفيد قبالة الخضر وهوكليم الله الرسول النبي أحد أولي العزم فكلامه موضوع على التواضعمن أوله إلى آخره وقد تأدّب معه أولاً فلم يورد طلبه منه التعليم في صورة الأمر بل في صورة الاستفهام هضماً لنفسه »(٤) ما دام السياق القرآني سياق تعليم وتعلّم فهو أرمز

__________________

جهة أخري فإن البشر متساوون أمام خالقهم وموجدهم تبارك وتعالى ولا يفترقون إلاّ من جهة الاستعلاء داخل الرتبة الواحدة وهي عبادتهم لله سبحانه ومنزلتهم داخل الرتبة الواحدة وهذا بعض مفهوم الأصوليين في تقسيمهم للأمرعلى واجب ومندوب فالواجب ما كان من عالي الرتبة والمندوب ما كان ضمن الرتبة الواحدة وانماز بصفة الاستعلاء , ويمكن أن نتناول ضمن مفهوم دعاء الالتماس الدعاء بين المخلوقين وأقصد بذلك ما دار بين نبي الله موسى والعبد الصالح الخضر وغيرها.

(١) سورة الكهف : ١٨ / ٧٣.

(٢) سورة الكهف : ١٨ / ٧٦.

(٣) سورة الكهف : ١٨ / ٦٦.

(٤) الميزان في تفسير القرآن ٣٤٣ : ١٣.

٨١

إلى التواضع والتلطّف في طلب العلم المفروض تخلّق المتعلّم بها على جلالة شأنه وعظيم منزلته وليس بعد منزلته النبي منزلة إلاّ أنّ ذلك لا يمنع أن يكون النبي في موضع المتعلّم دلالة على سمو درجة العلم وفضلاً عن هدف قرآني يقصد من وهو الإبانة عن أخلاق المتعلم وفي هذا السياق لا نجد موسى داعياً فقط بل هو منهي عن السؤال من قبل الخضر كما في قوله تعالى :( قال فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيء حتّى أحدث لك منه ذكراً ) (١)

ولا أدل من ذلك على علو مرتبة الخضر في هذا السياق وهو بالضرورة أعلى حيث المعلم أعلى درجة من المتلم.

لذلك يكون كل ما صدرفي هذا السياق عن موسى دعاء(٢) والله أعلم بالصواب.

وكل`ما جاء من الدعاء ضمن الصورة الثانية ـ صيغة النهي ـ صريح إلاّ في آية واحدة حيث حذفت الأداة (لا) والفعل المضارع معهما لإغناء السياق عنها ولسبقها في الكلام قال تعالى :( ... ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ) (٣) فقد أغنى العطف ب (أو) عن تكرار السياق وتقديره ـ والله أعلم ـ (لاتؤاخذنا إن نسيناو لا تؤخذنا إن أخطأنا).

ولا تخفى دلالة الإيجاز في الحذف في سياق الدعاء هنا وقد يأتي النهي

__________________

(١) سورة الكهف : ١٨ / ٧٠.

(٢) من المفيد أن نذكّر أنّ الدعاء بين المخلوقين ـ في صورة النهي ـ جاء في ثمانية مواضع أربعة منها على لسان هارون في الأعراف : ١٥٠ طه : ٩٤ وآية واحدة في سورة التوبة : ٤٩ فضلاً عمّا جاء على لسان موسى.

(٣) سورة البقرة : ٢ / ٢٨٦.

٨٢

من خلال أسلوب الاستفهام مجازاً(١) ويراد به للدعاء كما في قوله تعالى :( أتهلكنا بما فعل السّفهاء منّا ) (٢) .(٣) فليس هذا باستفهام حقيقي إذ ليس يعقل « أن يظن موسى ـ لأن الكلام على لسانه ـ أنّ الله تعالى يهلك قوماً بذنوب غيرهم »(٤) فهو إذا يذكر الفعل كي يخلص بالنتيجة إلى إنكار وقوعه(٥) ومن ذلك قوله تعالى :( ... أتعجل فيها من يفسد فيها ويسفك الدّمآء ) (٦) والاستفهام في هذه الآية لم يقصد به طلب الاستخبار من الله تعالى هل يجعل في الأرض من يسفك الدماء أة لا لأنّ الله تعالى قد قدّم في قوله ما يبيّن استخلافه جلّ وعلا للإنسان في الأرض(٧) حين قا :( ... إنّي جاعل في الأرض خليفةً ) (٨) فالنهي جاء عن طريق الاستفهام مجازاً وقصد به الدعاء. وعلى الرغم من أن الدعاء على صورة النهي أسلوب طلبي يجاب عنه بجوابمجزوم ـ كالأمر ـ كما ذكر ذلك

__________________

(١) جاء الاستفهام خارجاً إلى النهي مجازاً في القرآن الكريم في اثنين وثلاثين موضعاً : ظ : صيغ الأمر والنهي في القرآن : ١٩٧ وعد السيوطي في الإتقان أكثر من ثلاثين غرضاً بلاغيّاً يخرج الاستفهام لها٢ : ٧٠ ـ ٨٠.

(٢) سورة الأعراف : ٧ / ١٥٥.

(٣) في المعنى ظ : قوله تعالى :( أفتهلكنا بما فعل المبطلون ) [ سورة الأعراف : ٧ / ١٧٣] أي لا تهلكنا والله أعلم.

(٤) مفاتيح الغيب ١٨ : ١٥ مجمع البيان ٣٥ : ٣.

(٥) أساليب الاستفهام في القرآن الكريم / عبد العليم السيد فوده : ٢٥٨.

(٦) سورة البقرة : ٢ / ٣٠.

(٧) البرهان ٣٤١ : ٢.

(٨) سورة البقرة : ٢ / ٣٠.

٨٣

النحاة(١) إلاّ أنّه لم يرد الدعاء على هذه الصورة مجاباً في القرآن الكريم(٢) والله أعلم بالصواب.

الصورة الثالثة ـ الدعاء بالخبر :

سبقت الإشارة في بدء هذا الفصل إلى أنّ قسمي الكلام : الخبر والإنشاء يقع كل منهماموقع الآخر فالأمر ـ إنشاء طلبي ـ قد يقع موقع الخبر(٣) والخبر قد يوضع كذلك موضع الإنشاء وما يعنينا من ذلك : الدعاء بالخبر.

ولاريب في إنّ خروج الخبر عن حقيقته ـ إلى الدعاء ـ يخدم أغراضاً ومقاصد يرمز إليها المتكلم ويهدف لها وهو ما اعتنى به البلاغيون بالدرجة الأساس وأجمعوا ـ وهم على حق ـ على أنّ الدعاء بالخبر أبلغ من أخراج الدعاء بصيغة المعهودة السابقة فقولنا : ( غفرالله لك ورحمك الله إعزّك ) إظهار بتيقّن الاستجابة والتفاؤل بحصول الغفران والرحمة والإعزاز فضلاً عن التأكيد والحرص على وقوعها(٤) .

وحدّد القزويني إغراض وقوع الخبر موقع الإنشاء وهي : « إمّا للتفاؤل أو لإظهار الحرص في وقوعه والدعاء بصيغة الماضي من البليغ يتحمّل الوجهين أو للاحتراز عن صورة الأمر كقول العبد للمولي إذا حوّل عنه وجهه : ينظر المولي إليّ ساعة أو لحمل المخاطب على المطلوب »(٥) والناظر في

__________________

(١) ظ : الكتاب٩٣ : ٣.

(٢) ظ : صيغ الأمر والنهي في القرآن : الملحق (٥٨) : ٣٦٤.

(٣) ظ : بدائع الفوائد ١٣٩ : ٢ ـ ١٤٠ معجم المصطلحات البلاغية ٣٢١ : ١.

(٤) ظ : الكشاف ٢٧٠ : ١.

(٥) الإيضاح ٢٤٥ : ١.

٨٤

دلالة الدعاء على الزمن يجده في دلالة على الاستقبال ـ بخاصة ـ أمثل من دلالته على الحال(١) وبصيغة أخرى إنّ الدعاء وإن دلّ على الحال في شيء من زمنه فهو على الاستقبال أدلّ إذ يصحّ أن نخبر بالفعل المضارع لدلالة على الحال كما في قولة جلّ شأنه :( قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الرّاحمين ) (٢) فقوله :( يغفر ) إخبار عن الحال ولكنّه إذا أريد له الدعاء كان دالّاً على الاستقبال(٣) . والدعاء بالخبر أو بصيغة الفعل الماضي يجد فيه المتكلّم والسامع لطافة في التعبير عن الزمن الواسع بكلّ أوقاته : الماضي والحال والاستقبال معاً أمّا دلالة الماضي فكأنّ استجابة الدعاء واقعة من جهة المتكلّم بشكل من الأشكال بفعل التفاؤل الشديد بها الحرص الأكيد عليها فيكون حين الإخبار بها ماضياً لأنّها بحكم الواقع في الزمن الماضي بالنسبة للداعي. أمّا من جهة الحال والستقبال فه في أنّ وقوع الاستجابة حتماً يعقب الدعاء سواء في ذلك أستجيب للداعي في حال دعائه أم في قابل زمنه ومستقبله وبذلك تكون دلالة الماضي والحال والاستقبال ظاهرة في صيغة الدعاء بالخبر يصح إرجاعه ـ تأويله ـ إلى الأمر والنهي فقولنا :

__________________

(١) ذهبد. تمام حسان إلى أن الدعاء دال على الحال والاستقبال ظ : العربية معناها ومبناها : ٢٥١ وأرى أن دلالة الدعاء لربما تنحصر أكثر في الاستقبال دون الحال والله أعلم.

(٢) سورة يوسف : ١٢ / ٩٢.

(٣) ظ : معاني النحو ٣١٧ : ٣.

٨٥

غفر الله لأحمد بمعنى اغفر اللّهمّ لأحمد وقولنا : ( يغفرالله لك ) بمعنى ( ليغفر الله لك ) وكذلك قولنا : ( لايرحم الله قاتلك ) بمعنى ( لا يرحمه الله ) بالجزم وكذلك الماضي بعد ( لا ) الطلبية في نحو قولنا : لا غفرالله له بمعنى لا يغفره الله له جزماً فنريد من لفظ الخبر ـ ماضياً ومضارعاً ـ معنى الدعاء الصادر عن الأمر والنهي مجازاً(١) ز وقد يشكل الدعاء بالخبر في وقوع الماضي بعد ( لا ) الطلبية إذ لا يقع بعدها إلاّ المستقبل كي لا تلتبس ب ( لا ) النافية ولكن جاز ذلك في الدعاء ـ أي وقوع الماضي بعد لا الطلبية ـ للأسباب التي ذكرناها وهي التفاءل بالاستجابة والإخبار عنها بلفظ واحد دالّاً على الماضي والحال والاستقبال جاء في البرهان الكشاف : « لا يكاد يقع بعد ( لا ) ـ أي الطلبية ـ الفعل الماضي إلاّ إذا أريد به الدعاء كقوله : ( لا غفرالله لفلان ) ليجمعوا بين التفاؤل بالإجابة حتى كأنّها وقعت وصارت من قبيل ما يخبر عنه بالوقوع والدعاءفي لفظ واحد ليعلم الداعي السامع أنّه مخبر »(٢) وزيادة على ذلك أن عدم التباس ( لا ) الطلبية والفعل الماضي بعدها ب ( لا ) النافية هو ما يوضحه السياق ففي الدعاء « هيبة ترفع الالتباس وذكرالله تعالى مع الفعل ليس بمنزلة ذكرالناس »(٣) وإذا علمنا أن ثمة فرقاً بين عمل الأداتين ( لا الطلبية ) و ( لا النافية ) في الفعل جزماً ونصباً زال الالتباس وانتهي. أمّا النحويون فقد اشترطوا في مجيء الدعاء على لفظ الخبر بعدم اللبس(٤) بمعنة أنّهم يمنعونه

__________________

(١) ظ : المتقضب ٢٧٣ : ٣ ١٧٥ : ٤.

(٢) البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن / ابن الزملكاني : ١٧٣.

(٣) بدائع الفوائد ١٠٣ : ١.

(٤) ظ : الأصول ١٧٧ : ٢ دقائق التصريف : ١٨.

٨٦

إذا اختلف المعنى والتبس اسياق فإذا قلنا : « ليغفر الله لزيد ويقطع يده لم يجز جزم ( يقطع ) لاختلاف المعنى ولكن يجوز في جميع ذا الرفع فيكون لفظه لفظ الخبر والمعنى دعاء وإذا أسقطت ( اللاّم ) رفعت الفعل المضارع فقلت : يغفر الله لك وغفرالله لك »(١)

وفي القرآن الكريم جاء الدعاء بلقظ الخبر في آيات عدّ’(٢) منها قوله تعالى :( إيّاك نستعين ) (٣) فاللفظ جاء على سبيل الإخبار إلاّ أن معناه الدعاء « أي أعنّا على عبادتك »(٤) و منه قوله تعالى :( ... قاتلهم الله أنّي يؤفكون ) (٥) و معنى قوله : (قاتلهم الله) « خبر أريد به الدعاء عليهم »(٦) و منها قوله تعالى :( والخامسة أنّ غضب الله عليها ) (٧) قوله :( غضب ) خبر بلفظ الماضي خرج إلى الدعاء(٨) ومنها قوله عزّوجلّ :( سلام عليكم ) (٩) اللفظ لفظ الخبر والمقصود الدعاء لهم(١٠) و هذا ينطبق علىجمع الآيات الواردة على هذه

__________________

(١) الأصول ١٧٧ : ٢ ـ ١٧٨.

(٢) ظ : البرهان ٣٢٦ : ٢ صيغ الإتقان ٢٢٧ : ٣ صيغ الأمر والنهي في القرآن الكريم : ٣١٧ أساليب المجاز في القرآن الكريم : ٥١٢ وما بعدها.

(٣) سورة الفاتحة : ١ / ٥.

(٤) البرهان ٣٢١ : ٢.

(٥) سورة التوبة : ٩ / ٣٠ وسورة المنافقون : ٦٣ / ٤.

(٦) الجامع لأحكام القرآن ١١١ : ٨.

(٧) سورة النور : ٢٤ / ٩.

(٨) ظ : نحو الفعل / الجواري : ٣١.

(٩) سورة الرعد : ١٣ / ٢٤.

(١٠) ظ : البرهان ٣٤٧ : ٣.

٨٧

الصيغة في القرآن ففي( سلام عليكم ) معنى « الإخبار بحصول السلامة والإنشاء للدعاء بها وإرادتها وتمنّيها وكذلك ( ويل ) »(١) ومن ذلك قوله تعالى :( أعوذ بالله ) (٢) وكل استعاذة بالله تعالى تكون بلفظ الخبر والمعنى دعاء فقولنا : أعوذ بالله « لفظه الخبر ومعناه الدعاء والتقدير : اللّهمّ أعذني »(٣) وكذلك يمكن عد آيات الحمد أو دعاء الحمد في القرآن من صيغ الدعاء بلفظ الخبر قال تعالى :( الحمد الله الّذي خلق السّموات ) (٤) أي أنّ الحمد جاء « في لفظ الخبر ومعناه الأمر : أي المحمد الله وإنما جاء على صيغة الخبر وإن كان فيه معنى الأمر لأنه أبلغ في البيان من حيث إنّه يجمع الأمرين »(٥) والمقصود بالأمر الدعاء لأنّ الحمد دعاء. وكذلك قوله تعالى :( ... ربّنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنّك لا تخلف الميعاد ) (٦) فقوله : (إنّك لا تخلف الميعاد) جاء في لفظ الخبر كما نقل الطوسي ذلك عن آخرين فقد خرج الكلام « مخرج المساءلة ومعناه الخبر »(٧) ومن ذلك قوله تعالى :( تبّت يدا أبي لهبٍ وتبَّ ) (٨) فقوله تعالى :( تبّت ) « الأول دعاء والثاني خبر »(٩)

__________________

(١) بدائع الفوائد ١٣٩ : ٢.

(٢) سورة البقرة : ٢ / ٦٧.

(٣) مفاتيح الغيب ٩٦ : ١.

(٤) سورة الأنعام : ٦ / ١.

(٥) مجمع البيان ٧ : ٣.

(٦) سورة آل عمران : ٣ / ١٩٤.

(٧) التبيان / الطوسي ٨٦ : ٣.

(٨) سورة المسد : ١١١ / ١.

(٩) معاني القرآن / الفراء ٢٩٨ : ٣.

٨٨

في قوله تعالى :( ... حصرت صدورهم ) (١) « قيل هو دعاء عليهم بضيع صدورهم عن قتال أحد »(٢) . وغير ذلك آيات كثيرة جاءت بلفظ الخبر ومعناها الدعاء(٣) .

و لابدّ من الإشارة ـ في نهاية الفصل ـ إلى بعض الظواهر النحوية المتعلّقة بالدعاء منها دخول ( لا ) النافية على الفعل الماضي لإفادة الدعاء(٤) نحو قولنا : ( لا فضّ الله فاك ) إلاّ أنّ هذه الصيغة لم ترد في القرآن الكريم وإنما دخلت ( لا ) النافية على المصادر التي يدعى بها(٥) في موضعين فقط وهي قوله تعالى :( هذا فوج مقتحم معكم لا مرحبأً بهم إنّهم صالوا النّار ٭قالوا بل أنتم لا مرحباً بكم أنتم قدّمتموه لنا فبئس القرار ) (٦) و دخول ( لا ) النافية على المصدر ( مرحباً ) لم تعمل فيه ولم تغيره لأنّه قد عمل فيه فعل مقدّر فنصبه على المصدر لأنّه لا يجوز « أن يعمل في حرف عاملان »(٧) و لعل ورود الدعاء بصيغة الفعل الماضي الذي تسبقه ( لا ) النافية فأكثر ما ورد سماعاً عن العرب ثم اشتهر في أشعارهم وكلامهم على أنّه صيغة من صيغ الدعاء ومن الظواهر الأخرى مجيء ( لن ) للدعاء وتباينت آراء النحاة في ذلك فقد ذهب ابن

__________________

(١) سورة النساء ٤ / ٩٠.

(٢) الإتقان ٣٢٧ : ٣.

(٣) ظ : الآيات التالية في المعنى نفسه : المائدة : ٥ / ٦٤ يوسف : ١٢ / ٩٢ الذاريات : ٥١ / ١٠ المدثّر : ٧٤ / ١٩ و ٢٠ عبس : ٨٠ / ١٧ البروج : ٨٥ / ٤ النمل : ٢٧ / ٨ التوبة : ٩ / ١٢٨ النساء : ٤ / ٩.

(٤) ظ : البرهان ٣٥٤ : ٤.

(٥) ظ : دراسات لأساليب القرآن ٥٤٨ : ٢.

(٦) سورة ص : ٣٨ / ٥٩ و ٦٠.

(٧) المقتضب ٣٨٠ : ٤.

٨٩

السراج إلى أنّ « الدعاء ب (الن) غي معروف وإنّما الأصل ما ذكرناه أن يجيء على لفظ الأمر والنهي »(١) بينما أجاز الفراء مجيئها للدعاء كما في قوله تعالى :( قال ربّ بما أنعمت عليّ فلن أكون ظهيرًا للمجرمين ) (٢) « فقد تكون ( لن أكون ) على هذا المعنة دعاء من موسى : اللّهمّ لن أكون ظهيراً فيكون دعاء »(٣) والظاهر أنّ ( لن ) قد تأتي للدعاء إذا سبقت بسياق دعائي يحتم خروجها من معنى الإخبار إلى الطلب ـ الدعاء ـ وبالنتيجة : يمكن حملها على الدعاء من هذا الجانب والله وأعلم »(٤) .

و خلاصة القول : أنّ الدعاء يصدر عن أسلوبي الأمر والنهي الحقيقيين وله صيغه التي بها يتمثّل وقد استقصيناها بالتفصيل وسنعرض لما في هذا الأسلوب من نكات بلاغية تنطوي تحت فنون علوم البلاغية : البيان والمعاني والبديع.

__________________

(١) الأصول ١٧٨ : ٢ ظ : تسهيل الفوائد : ٢٢٩ البحر المحيط ١١٠ : ٧.

(٢) سورة القصص : ٢٨ / ١٧.

(٣) معاني القرآن ٣٠٤ : ٢ البرهان ٣٨٨ : ٤.

(٤) ظ : الأصول ١٧٨ : ٢.

٩٠

الفصل الثالث

معالم الدعاء وأنواعه في القرآن الكريم

المبحث الأوّل

معالم الدعاء في القرآن الكريم

شغل الدعاء مكاناً كبيراً ومهمّاً من كتاب الله العزيز ولعلّك تلحظ تناثر الدعاء من أول سورةٍ فيه مروراً بطوال السور وقصارها مكيّها ومدنيّها حتى إذا النتهينا عند آخر سور الكتاب المجيد وجدناها دعاءً كريماً يجسد صورةً معبرة لاعتراف الإنسان بضعفه ولجوئه إلى خالقه وتعلّقه بحصنه من كلّ ما دار بفكرٍ أو جال بخاطرٍ من أمرٍ عظيمٍ.

وبدء القرآن بالدعاء وانتهاؤه به دافع للتفكّر بأنّ « هناك سرّاً إلهيّاً في أن تكون فاتحة الكتاب كلّها دعاءً وخاتمته دعاءً وما بين الفاتحة والخاتمة عقيدة وعبادة ودعاء »(١) .

والناظر المستقرئ لظاهرة الدعاء في القرآن العظيم يأنس تعدّد صورها

__________________

(١) الدعاء في القرآن الكريم / محمود بن الشريف : ٧.

٩١

واختلاف أساليبها وتنوّع مستوياتها فمرّةً يجد حثّناً على الدعاء وثانيةً تعليماً له وثالثةً بياناً متواصلاً لحالات الداعين من المؤمنين حيناً ومن المشركين حيناً آخر. وإذا تابعنا السير في ظلّ هذه الظاهرة الكريمة نرى أنّها عالجت قضايا الإنسان العقائدية في التوحيد والعدل والنبؤة والإمامة والمعاد فضلاً عن حاجاته النفسيّة والاجتماعيّة التي تفتقر قواه والذّرية والنّصرة في مواقف الحرب وإلى غير من قضايا مهمة.

و أول ما تجدر الإشارة إليه في بيان معالم الدّعاء أنّها رسمت لنا منهجاً واضحاً في الاعتقاد ومعرفة الخالق وآداباً في سؤاله وخطابه جلّ وعلا. ولعلّ الذي يظهر ذلك ويوضحه الآيات التي أبرزت نزوع الإنسان الفطري في حالات الضّر والشدّة والخوف والرعب إليه تعالى ونبذ سواه والبراءة منه والاعتراف بكلّ خضوعٍ وذلّةٍ وتمسكنٍ بالضعف والقصور ثمّ ما يلبث الإنسان بعد إجابته أن يعود إلى ما كان عليه من اعتقادٍ باطلٍ. وفي ذلك إقامة للحجّة على صحّة نزوعه وفطرة عقيدته من جهة وبطلان ما كان بضد ذلك من جهة أخرى ولقد صوّرت الآيات الكريمة ذلك في مشهدين :

الأوّل : مشهد الإنسان الذي مسّة الضّرّ فلا يجد سبيلاً غير الله فليوذ به طالباً كشف ضرّه فال الله تعالى :( وإذا مسّ الإنسان الضّرّ دعانا لجنبه أو فاعدًا أو قائماً فلمّا كشفناعنه ضرّة مرّ كان لم يدعنا إلى ضرّ مسّة كذلك زيّن للمسرفين ما كانوا يعملون ) (١) .(٢)

__________________

(١) سورة يونس : ١٠ / ١٢.

(٢) ظ : في السياق عينه : الأنعام : ٦ / ٤٠ ـ ٤١ الروم : ٣٠ / ٣٣ فصلت : ٤١ / ٤٩ ـ ٥٠ الزمر : ٣٩ / ٨ النحل : ١٦ / ٥٣ ـ ٥٤ هود : ١١ / ٩ ـ ١٠.

٩٢

و ينبئك بيان الحالات الثلاث (الاضطجاع والقعود والقيام) للإنسان الداعي مدى الاجتهاد في الدعاء والتضرّع إليه تعالى لكي يكشف الضّرّ عنه وما أحسن هذا التقسيم المعلن عن لجوء الإنسان إلى خالقه الحقّ في ضرّة وهو في مختلف حالاته المتقدّمة(١) .

الثاني : مشهد الإنسان وسط أهوال البحر في هيجانه يدعوه جلّ وعلا باجتهادٍ وتيضرّع راجياً النجاة قال تعالى :( فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدّين فلمّا نجّاهم إلى البرّ إذا هم يشركون ) (٢) .(٣)

و موقف كهذا يصوّر بدقةٍ متناهيةٍ فطرة الإنسان في صدق توجهه وإخلاص دعوته لله تعالى وهجر ما سبق من اعتقادٍ بالطلٍ في ساعة شدّته وخوفه ثمّ سرعان ما تعود تلك النفوس التي تناقض فطرتها إلى ما اعتادت عليه من الشرك(٤) .

ومن المعالم الدعائيّة في القرآن العزيز هو افتتاح بعض السور بالدّعاء وقد عدّ الزركشي سوراً ثلاثاً استفتحت بالدعاء(٥) و لا يفوتنا أن نذكر أن ثمة سوراًختمت بالدعاء أيضاً(٦) .

__________________

(١) ظ : مجمع البيان / الطبرسي ٢٠ : ٣ الكشاف ٣٢٣ : ٢ مفاتيح الغيب / الرازي ٥١ : ١٧ البرهان / الزركشي ٤٧٢ : ٣ تحرير التحبير / ابن أبي الإصبع المصري ١٧٥ : ١.

(٢) سورة العنكبوت : ٢٩ / ٦٥.

(٣) ظ : في السياق نفسه : يونس : ١٠ / ٢٢ الإسراء : ١٧ / ٦٦ ـ ٦٧ الأنعام : ٦ / ٦٣ ـ ٦٤ لقمان : ٣١ / ٣١ ـ ٣٢.

(٤) ظ : مفاتيح ٩٢ : ٢٥.

(٥) وهي : المطففين : ٨٣ / ١ الهمزة : ١٠٤ / ١ المسد : ١١١ / ١ ظ : البرهان ١٨٠ : ١.

(٦) ظ : الآيات التالية : الفاتحة : ١ / ٧ البقرة : ٢ / ٢٨٦ الزمر : ٣٩ / ٧٥

٩٣

و من أجلى معالم الدعاء في القرآن الكريم اقترانه بأمرين مهمّين :

أوّلهما : الحثّ عليه والترغيب فيه.

ثانيهما : استجابته.

أمّا الحثّ عليه : فقد جاء تبياناً لمكانةالدّعاء وتشريفاً إليهاً للداعين في آنٍ واحدٍ قال تعالى :( وقال ربّكم ادعوني أستجب لكم إنّ الّذين يستكبرون عن عبادتي سيد خلون جهنّم داخرين ) (١) .(٢)

و في الحثّ على الدّعاء « في الآية دلالةً على عظيم قدر الدعاء عنه الله تعالى وعلى فضل الانقطاع إليه »(٣) و في الحثّ كذلك بيان لكمال الألطاف الإلهية ومنتهى التكريم منه تعالى وهو الغني المطلق عنٍ خلقه هذا من جهة وإشارة إلى ضعف الإنسان وافتقاره له تعالى فطرةً وطبعأً من جهة ثانية وجمعت الآية بين الحثّ والاستجابة من ناحية وبين حقيقة الدعاء في أنّه العبادة من ناحية أخرى بل إنها « تجعل مطلق العبادة دعاءً حيث إنّها هو على ترك العبادة رأساًلا على ترك بعض أقسامها دون بعض فاضل العبادة دعاء »(٤) و في مجيء الحث بهذه الصورة ـ مقترناً بالإجابة ـ إيناس للداعي وتأييد لا طمئنانه في استجابة دعائه ولايخفى ما في ذلك من تشريفٍ وتكريم.

وفي الحثّ تصريح وتأكيد على التوحيد ونبذ وتسفيه كلّ عقيدةٍ باطلةٍ

__________________

الصافات ٣٧ / ١٨٢ المؤمنون : ٢٣ / ١١٨.

(١) سورة غافر : ٤٠ / ٦٠.

(٢) ظ : الآيات في السياق نفسه : البقرة : ٢ / ١٨٦ الأعراف : ٧ / ٢٩ ، ٥٥ ، ٥٦ ، ١٨٠ الإسراء : ١٧ / ١١٥ غافر : ٤٠ / ١٤ ، ٦٥.

(٣) مجمع البيان ٢٠٩ : ٥.

(٤) الميزان في تفسير القرآن / محمد حسين الطباطبائي ٣٤ : ١.

٩٤

لأن جوهر الدعاء يمثّل حقيقة التوحيد بل إنّ التوحيد ركن أساس من أركان الدعاء القلبية قال تعالى :( هو الحيّ لا إله إلاّ هو فادعوه مخلصين له الدّين الحمد لله ربّ العالمين ) (١) .

و لا ريب في أنّ الدعاء دون الاعتقاد بإلهٍ واحدٍ قادرٍ على إجابة الدّعاء يفضي إلى القول بتعدّد الآلهة والتعدّد يقتضي التضادّ والتناقض في الإجابة ضمن المشيئة الإلهيّة المتعدّدة وعليه يكون الدعاء إلى عدم الإجابة أقرب منه إلى الإجابة وليس بإله من تعجز قدراته عن إجابة خلقه لذلك خاطب القرآن الكريم بأبلغ صورةٍ من كانت حاله كذلك قال تعالى :( له دعوة الحقّ واللّذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلاّ كباسط كفّية إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلاّ في ضلال ) (٢) .

فليس أبلغ من هذا الاستنكار للذين يدعون من لا يقدرون على نغع أنفسهم أو ضرّها وما دعاء الداعين إلاّ في ضلالٍ وما هم إلاّ ضالّون عن سبيل الحقّ وجادّة الصواب ولنا في بدء هذه الآية ( له دعوة الحقّ ) تأكيد بتقييد وتخصيص دعاء الحقّ به تعالى وليس لأحدٍ سواء غير الباطل والضلال.

ومن جانب آخر امتدح القرآن الكريم الذين انتهجوا نهج الحقّ في الدّعاء ووجّهوا دعاءهم إليه تعالى آملين ـ بخشيةٍ وسرورٍ ـ إجابتهم قال تعالى :( ... إنّهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين ) (٣) .

فضلاً عن ذلك فقد نقل لنا الكتاب العزيز ما سيكون الكفار عليه من

__________________

(١) سورة غافر : ٤٠ / ٦٥.

(٢) سورة الرعد : ١٣ / ١٤.

(٣) سورة الأنبياء : ٢١ / ٩٠.

٩٥

موقف استهجانٍ وتوبيخٍ من قبل الله تعالى يوم القيامة(١) حين تلقة عليهم الحجّة في سخريتهم من المؤمنين الذين يدعونه ويطلبون منه الغفران والرحمة قال تعالى على لسان أهل النار :( قالوا ربّنا غلبت علينا شقوتنا وكنّا قومًا ضالّين * ربّنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنّا ظالمون * قال اخسئوا فيها ولا تكلّمون * إنّه كان فريق من عبادي يقولون ربّنا آمنا فاغفرلنا وارحمنا وأنت خير الرّاحمين * فاتّخذتموهم سخريّاً حتّى أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون * إنّى جزيتهم اليوم بما صبروا أنّهم هم الفائزون ) (٢) . هذا فيما يتعلّق بالحثّ على الدعاء والترغيب فيه وهو أول الأمرين.

استجابة الدعاء :

يقيناً إنّ لكلّ دعاءٍ إجابةً طال وقتها أو قصر وهذا واضح من المنهج الدّعائي في القرآن المجيد حيث تأتي الإجابة عب الدعاء مباشرةً من دون فصلٍ بينهما كما الغالب من آيات الدعاء قال تعالى :( وأيوب إذ نادى ربّه أنّي مسّني الضّرّ وأنت أرحم الرّاحمين * فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضرّ وآتيناه أهله ومثلهم معهم رجمةً من عندنا وذكرى للعابدين ) (٣) .(٤)

و لاشك في أنّ أدعية القرآن بأجمعها مجابةً(٥) بل وحتّى إبليس

__________________

(١) تفسير التبيان / الطوسي ٣٩٩ : ٧.

(٢) سورة المؤمنون : ٢٣ / ١٠٦ ـ ١١١.

(٣) سورة الأنبياء : ٢١ / ٨٣ ، ٨٤.

(٤) ظ : الآت التالية في السياق نفسه : القصص : ٢٨ / ٣٢ ـ ٣٥ يوسف ١٢ / ٣١ ـ ٣٤ طه : ٢٠ / ٢٤ ـ ٣٦ آل عمران : ٣ / ١٩٠ ـ ١٩٥ الشعراء : ٢٦ / ١٠ ـ ١٦.

(٥) ظ : كتاب « لكلّ دعاء واجابة » : ثامر محمود حيث اتّبع منهجاً روائيّا في قصّ حوادث أدعي القرآن الكريم معقّباً عليها بذكر إجابتها في القرآن نفسه.

٩٦

عليه اللعنة المعروف بعدائه للإنسان ولكلّ ما خلق الله تعالى قد أجيب دعاؤه وليس بعد ذلك دلالة على مدى رحمة الله تعالى في إجابة خلقه وعباده إذ من جاهر الله ـ سبحانه ـ بالعصيان والكفر أجيب طلبه(١) فكيف بمن عرق الله تعالى ورجا رحمة ومغفرته لا يجاب؟ قال تعالى على لسان إبليس :( قال ربّ فأنظرني إلى يوم يبعثون * قال فإنّك من المنظرين ) (٢) .(٣)

و إجابة الدّعاء حتمية لا يساورنا فيها أدني شكّ ولذلك فمن ألهم الدعاء لم يحرم الإجابة ومن تمام عنايته تعالى بالإجابة مجاء قوله تعالى :( وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريب أجيب دعوة الدّاع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلّهم يرشدون ) (٤) فما تضمنته الآية من الدلالات والإشارات يبهر العقول فيالعناية بأمر الدّعاء واستجابته وأول ما تلحظ ذلك في طريقة ذكرها للسائلين بلفظ ( عبادي ) حيث جاءت بألطف سلوب وأرقّة في ذكر الداعيين مما يكشف مدي العطف عليهم والترحّم بهم من قبله تعالى(٥) .

فضلاً عن ذلك فالخطاب في الآية الكريمة « قد وضع أساسه على التكلّم وحده دون الغية ونحوها وفي دلالة على كمال العناية بالأمر ثمّ قوله ( عبادي ) ولم يقل الناس أو ما أشبهه يزيد في هذه العناية »(٦) حيث شرّفهم بأن أضافهم

__________________

(١) ظ : إحياء علوم الدين ٣٢٤ : ١.

(٢) سورة الحجر : ١٥ / ٣٦ و ٣٧.

(٣) ظ : الآيات التالية في ضمن هذا السياق : الأعراف : ٧ / ١٢ ـ ١٥ سورة ص : ٣٨ / ٧٩ ـ ٨١.

(٤) سورة البقرة : ٢ / ١٨٦.

(٥) ظ : الطراز / العلوي ١١٧ : ١.

(٦) الميزان ٣٠ : ١.

٩٧

إليه تعالى بلفظ ( عبادي )(١) .

و من اللطائف الخطابية في هذه الآية أنّها تجاوزت الوساطة بين الخالق وعباده وذلك من خلال اتقراء مواضع السؤال والجواب في الكتاب العزيز حيث نلحط اقتران الجواب في التعبير القرآني بلفظ ( قل ) في جميع الآيات التي يتقدّمها السؤال وذلك أمر منه تعالى لنبيّه الأمين بإجابتهم ومن ذلك قوله تعالى :

( ... ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبيّن الله لكم الآيات ) (٢) .(٣)

أما في هذه الآية فقد تولّى سبحانه وتعالى الإجابة عن السؤال بنفسه ولم يصرح بلفظ ( قل )( وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريب أجيب دعوة الدّاع إذا دعان ) (٤) و في هذا غاية التكريم وأرفع درجات التشريف لعباده الداعين يقول الفخر الرازي في تعليقة على هذه الآية : « كأنّه سبحانه وتعالى يقول واسطة بيني وبينك »(٥) .

ومن جمال الآية وسموها أنّه أكّد قربه بـ ( إنّ ) في ( فإنّي )(٦) و لم يقل سبحانه

__________________

(١) ظ : الطراز ٢٦٧ : ٣.

(٢) سورة البقرة : ٢ / ٢١٩.

(٣) ظ : في هذا المعنى سورة البقرة : ٢١٥ ، ٢١٧ ، ٢١٩ ، ٢٢٠ المائدة : ٤ الأعراف : ١٨٧ الكهف ٨٣ وغيرها.

(٤) سورة البقرة : ٢ / ١٨٦.

(٥) مفاتيح الغيب / الفخر الرازي ١٠٧ : ٥ ظ : البرهان / الزركشي ٥٤ : ٤.

(٦) ظ : الميزان ٣٠ : ١.

٩٨

وتعالى « فالعبد مني قريب بل قال أنا منه قريب وهذا فيه سرّ نفيس »(١) .

و يزيد من جمال التعبير التأكيد على الأستجابة من خلال استعمال الفعل المضارع الدّالّ على التجدّد والحدوث للإشارة إلى تجدّد الاستجابة وحدوثها(٢) .

والمتدبّر في الآية الشريفة يجد من الدلالات والإشارات بعد ذلك الشيء الكثير منها الحضور الإلهي في هذه الآية الذي أنبأنا به تكرار ضمير المتكلّم الدّالّ عليه في سبعة مواضع (عبادي ، عنّي ، فإنّى ، أجيب ، دعان لي بي) وهذه الآية الوحيدة في القرآن على هذا الوصف(٣) .

وفضلاً عن كلّ ذلك فإن انتظام هذه الآية بين آيات تريع الصوم(٤) دالَ على تأكيد قول من عدها ضمن آيات الأحكام « من أنّه ليس فيها حكم ظاهرة »(٥) و عليه فلا يغيب عن ذهن المتدبّر فائدة توسطها بين آيات الصوم وما ينبغي للصائم من الدعاء وطلب الحوائج فهو في موقف يكون قربه من الإجابة آكد ومنزلته في التشريف أقرب والله أعلم.

ومن كوامن الرحمة في هذه الآية أنّها « تسكب في قلب المؤمن النداوة والحلاوة والودّ المؤنس والرضي المطمئن والثقة واليقين ويعيش فيها المؤمن في جناب رضي وقربي ندية وملاذٍ أمين وقرارٍ مكين »(٦) .

__________________

(١) كفاتيح الغيب ٣٥ : ٢٢.

(٢) ظ : الميزان ٣١ : ١.

(٣) ظ : الميزان ٣١ : ١.

(٤) ظ : مجمع البيان ١٢٥ : ١ مفاتيح ١٠٣ : ٥.

(٥) تفسير آيات الأحكام / حسين اليزدي ٣١١ : ١.

(٦) في ظلال القرآن / سيد قطب مج ١ ج ٢ ص ٨٣.

٩٩

و لابدّ من التذكير بأن للإجابة شروطاً حدّدثها الأحاديث النبويّة الشيفة والروايات المنقوله عن أهل البيت ولم نرغب في إطالة الكلام بها لأنّ مظانّها كتب الدّعاء التي ألّفت وفقاً لمنهج طلاب الشريعة والعلوم الإسلاميو فمن أراد التزووّد بها فلا بأس من الرجوع إليها والأخذ عنها وإنّما الإشارة لذلك قصداً للإيجاز.

ومهما يكن من أمر الاستجابة فإنّ الداعي لا يعدم الإجابة على الإطلاق فإذا أطأت إجابة فإنّ ذلك لا يعني عدم استجابة دعائه بل يلهمه الله تعالى « سكينةً في نفسه وانشراحاً في صدره وصبراً يسهل معه احتمال البلاء الحاضر وعلى كلّ حالٍ فلا يعدم فائدةً وهو نوع من الاستجابة »(١) .

ونفيد من الحديث عن معالم الدعاء في اقرآن الكريم أن في الحثّ نداءً إلهيّاً يدعو لسدّ ضعف الإنسان وفقره من خلال تعلّقه بخالقه الغنيّ ولجوئه لفيض كرمه وإحسانه وتحصنه بكهفه المنيع.

ونخلص كذلك على أن في الدعاء منهجاً لتعليم الإنسان وتأديبه في كيفية إقباله على بارئه ومخاطبة.

ونلحظ في الإجابة إعظاماً للدّعاء وإكراماً للداعي والتنبيه على أنّهما بيعن الله تعالى وعنايته وإذ جاز لنا اوصف قلنا إنّ الحثّ بذرة والدعاء شجرتها النامية وثمار الشجرة النامية الإجابة فبقدر منزلة الشجرة من النضج تكون ثمارها أكثر وألذّ والله أعلم.

__________________

(١) مفاتيح الغيب١١٠ : ٥.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137