مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح

مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح0%

مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح مؤلف:
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 354

مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الدكتور علاء الدين السيد امير محمد القزويني
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 354
المشاهدات: 57976
تحميل: 4262

توضيحات:

مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 354 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 57976 / تحميل: 4262
الحجم الحجم الحجم
مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح

مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح

مؤلف:
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الصحيح، أنّ النوري، لا يؤمن بالتحريف، شأنه شأن جميع علماء الشيعة، وإنّما هو مجرّد عرض للروايات ومناقشتها، ولهذا يقول الدكتور الموسوي كما في صفحة «132»:

«و كما قلنا فإنّ الرأي السائد لدى الأكثرية من فقهاء الشيعة هو عدم التحريف، ولكن هذا الرأي يعقبه رأي آخر هو من الغرابة بمكان ولا توجد له أدلة هذا إلّا في الروايات التي يرويها رواة الشيعة، ونحن في حركتنا التصحيحية لا نستطيع أن نغفل آراء شاذّة كتلك، وعلينا أن نشير إليها لكي يكون التصحيح جامعاً ومانعاً، وهنا نذكر رأياً لكبير علماء الشيعة وهو الإمام الخوئي الذي يقول في تفسيره «البيان» ص259. وذلك بعد أن استعرض آراء فقهاء المسلمين ومحدّثيهم بما فيهم الشيعة حول التحريف في القرآن أو عدم وقوعه ما هو نصّه:

«وممّا ذكرناه قد تبين للقارئ أنّ حديث تحريف القرآن حديث خرافة لا يقول به إلّا من ضعف عقله أو من لم يتأمل في أطرافه حقّ التأمل أو من لجأ إليه... وأما العاقل المنصف المتدبر فلا يشك في بطلانه». وأمّا الرأي الثاني الذي أشرنا إليه فهو في ص222 من الكتاب المذكور وجاء فيه:

«إنّ وجود مصحف لأمير المؤمنين (عليه‌السلام ) يغاير القرآن الموجود في ترتيب السور ممّا لا ينبغي الشك فيه، وتسالم العلماء الأعلام على وجوده، أغنانا عن التكلف لإثباته، كما أنّ اشتمال قرآنه (عليه‌السلام ) على الزيادات ليس في القرآن الموجود

٢٨١

وإن كان صحيحاً إلّا أنّه لا دلالة في ذلك على أنّ هذه الزيادات كانت من القرآن، وقد أسقطت منه بالتحريف، بل الصحيح أنّ تلك الزيادات كانت تفسيراً بعنوان التأويل وما يؤول إليه الكلام، أو بعنوان التنزيل من الله تعالى شرحاً للمراد».

وبهذه العبارات يريد فقيهنا إثبات مصحف للإمام علي لا يختلف عن القرآن، ولكنه في الوقت نفسه يضيف جملة محيّرة وهي:

«أو بعنوان التنزيل من الله تعالى شرحاً للمراد».

ولست أدري ما هذا الإصرار على تسمية شرح للقرآن أو تفسير له بالمصحف. ثم ما هو هذا الإجماع الذي يدّعيه بقوله:

«تسالم العلماء الأعلام على وجوده أغنانا عن التكلّف لإثباته».

ومتى أجمعت العلماء على ذلك، اللهم إلّا نفر قليل استندوا على كلام ينسب إلى الإمام علي ذكره الطبرسي في الاحتجاج».

أقول : نقلنا كلام الدكتور هذا بطوله، ليرى المنصف ما في كلامه من تهافت وتناقض ومجانبة للحقّ والحقيقة، فتارة يدّعي أنّ الشيعة قالوا بالتحريف، وتارة يقول: إن الرأي السائد لدى الأكثرية من فقهاء الشيعة هو عدم التحريف، ثم نقل عن السيد الخوئي، أنّ القول بالتحريف، أو أنّ حديث تحريف القرآن حديث خرافة، ولا شكّ أنّ الخوئي لا يتكلم إلّا بلسان جميع الشيعة منذ القديم حتى وقتنا هذا، ولكن الدكتور الموسوي يحاول بأي شكل أن

٢٨٢

ينسب التحريف إلى علماء الشيعة، وإن أدّى به إلى الجهل وعدم الاطّلاع على ما قاله القوم في تحريف القرآن.

وأمّا إنكار الدكتور لوجود مصحف للإمام علي (عليه‌السلام )، فهو إنكار للضرورات التي لا تحتاج إلى إقامة دليل عليها ولا برهان، وهذا ما تسالم عليه علماء الحكمة، من أن الضروري ما كان ظاهراً بنفسه، لظهوره ووضوحه. فالدكتور ينكر أن يكون هناك مصحف للإمام علي (ع)، كما ينكر أن يكون الإمام علي قد شرح وفسّر القرآن كما جاء عن النبي (ص)، ولا يخفى أنّ النبي (ص) قد بيّن ما في القرآن كما أمره الله سبحانه، والأدلة متظافرة على ذلك عند علماء المسلمين، فقول الدكتور الموسوي: «و متى أجمعت العلماء على ذلك». قول باطل، ونحن نذكر ما جاء في مصادر أهل السنّة وحفّاظهم على وجود مصحف للإمام علي جمعه وشرحه على حسب تنزيله وتأويله، ليرى شبابنا المثقف، أنّ الشيعة لا تؤمن بشيء إلّا إذا كان ممّا أجمع عليه المسلمون، وإليك نبذة ممّا رواه علماء أهل السنّة من وجود مصحف للإمام علي (ع):

مصحف الإمام علي في كتب أهل السنّة

وأمّا ما ورد في كتب أهل السنّة من وجود مصحف للإمام علي فروايات كثيرة نذكر منها على سبيل المثال:

يقول ابن حجر في صواعقه: «و أخرج ابن أبي داود عن محمد بن سيرين قال: لما توفي رسول الله (ص) أبطأ علي عن بيعة

٢٨٣

أبي بكر، فلقيه أبو بكر فقال: أكرهت إمارتي؟ فقال: لا، ولكن آليت لا أرتدي بردائي إلّا إلى الصلاة حتى أجمع القرآن، فزعموا أنّه كتبه على تنزيله قال محمد بن سيرين: لو أصبت ذلك الكتاب كان فيه العلم»(1) . وهذا دليل على أنّ الإمام عليّاً له مصحف كما يقول الإمام الخوئي، وأنّ هذا المصحف فيه زيادات، وأنّ تلك الزيادات من قبيل التفسير والتأويل، ولهذا قال ابن سيرين: لو أصبت ذلك الكتاب كان فيه العلم. فهل يبقى شكّ عند الدكتور في وجود هذا المصحف.

ويقول السيوطي: «و علي - رضي الله عنه - أحد العشرة المشهود لهم بالجنّة وأحد العلماء الربانييّن... وأحد من جمع القرآن وعرضه على النبي عليه الصلاة والسلام»(2) .

وعن أبي داود عن محمد بن سيرين قال: «لما توفي النبي (ص) أبطأ علي عن بيعة أبي بكر فلقيه أبوبكر، فقال: أكرهت إمارتي؟ فقال: لا، ولكن أن لا أرتدي بردائي إلّا إلى الصلاة حتى أجمع القرآن، فزعموا أنّه كتبه على تنزيله...»(3) .

وفي الرياض النضرة للمحب الطبري: «عن محمد بن سيرين قال: لما بويع أبو بكر أبطأ علي في بيعته وجلس في بيته، قال:

_____________________

(1) ابن حجر الهيتمي: الصواعق المحرقة-ص126-باب نبذ من كرامات الإمام علي.

(2) السيوطي: تاريخ الخلفاء-ص166.

(3) نفس المصدر:ص185.

٢٨٤

فبعث إليه أبو بكر... إلى قوله: ولكن آليت أن لا أرتدي ردائي إلّا إلى الصلاة حتى أجمع القرآن. قال ابن سيرين: فبلغني أنّه كتبه علي على تنزيله، ولو أصيب ذلك الكتاب لوجد فيه علم كثير»(1) .

وفي رواية أنّه لقيه عمر فقال: تخلّفت عن بيعة أبي بكر، فقال: وذكر الحديث، وزاد بعد قوله: حتى أجمع القرآن، فإنّي خشيت أن يفلت ثم خرج فبايعه، أخرجه أبو عمر وغيره»(2) .

وأخرج الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في حلية الأولياء عن علي قال؛«لما قبض رسول الله (ص) أقسمت - أو حلفت - أن لا أضع ردائي عن ظهري حتى أجمع ما بين اللوحين، فما وضعت ردائي عن ظهري حتى جمعت القرآن»(3) .

يقول ابن أبي الحديد: «و أمّا قراءته القرآن والاشتغال به فهو المنظور إليه في هذا الباب، اتّفق الكل على أنّه كان يحفظ القرآن على عهد رسول الله (ص) ولم يكن غيره يحفظه، ثم هو أول من جمعه، نقلوا كلهم أنّه تأخر عن بيعة أبي بكر... تشاغل بجمع القرآن،فهذا يدلّ على أنّه أول من جمع القرآن، لأنّه لو كان مجموعاً في حياة رسول الله (ص) لما احتاج إلى أن يتشاغل بجمعه

_____________________

(1) المحبّ الطبري: الرياض النضرة-ح1-ص242-ط1-1984-بيروت.

(2) نفس المصدر: ص243.

(3) الحافظ الأصبهاني: حلية الأولياء-ح1-ص67-ط4-1985-دار الكتاب العربي.

٢٨٥

بعد وفاته (ص).

وفي رواية ابن النديم: «... عن عليعليه‌السلام أنّه رأى من الناس طيرة عند وفاة النبي (ص) فأقسم أن لا يضع عن ظهره رداءه حتى يجمع القرآن، فجلس في بيته ثلاثة أيام حتى جمع القرآن فهو أول مصحف جمع فيه القرآن من قلبه، وكان المصحف عند أهل جعفر، ورأيت أنا في زماننا عند أبي يعلي حمزة الحسني رحمه الله مصحفاً قد سقط منه أوراق بخط علي بن أبي طالب يتوارثه بنو حسن على مرّ الزمان، وهذا ترتيب السور من ذلك المصحف...»(2) . وقد ذكر اليعقوبي الأجزاء التي جمعها علي بن أبي طالب حسب السور(3) .

وقد أخرج حديث مصحف الإمام علي كل من: المتقي الهندي في كنز العمال(4) ، والقندوزي في ينابيع المودة(5) ، والبلاذري في أنساب الأشراف(6) ، وقد جاء عن الصاحب بن عباد كما ينقله سبط بن الجوزي:(7)

_____________________

(1) ابن أبي الحديد: شرح النهج-ح1-ص279-ط2-1965-دار إحياء الكتب العربية.

(2) ابن النديم: الفهرست -ص47-48.

(3) تاريخ اليعقوبي: ج2-ص124.

(4) المتقي الهندي: كنز العمال-ح2-ص373.

(5) القندوزي: ينابيع المودة-ح1-ص149.

(6) البلاذري: أنساب الأشراف-ح1-ص586-587-1959-دارالمعارف بمصر.

(7) سبط بن الجوزي: تذكرة الخواص-ص148.

٢٨٦

هل مثل جمعك للقرآن تعرفه

لفظاً ومعنى وتأويلاً وتبيينا

يقول جرجي زيدان: «و مع تشديد الصحابة في التعويل على مصحف عثمان دون سواه، فقد ظلّ عند بعض المسلمين نسخ من مصاحف أخرى أشهرها مصحف علي»(1) .

ويقول دونلدسن: «و تؤكد بعض الروايات أنّه كان عند علي نسخة من القرآن جمعها ورتّبها بنفسه وعلّق عليها بعض الحواشي حسب ما كلّم الرسول (ص) به...»(2) .

أقول : بعد هذه الشواهد التي ذكرناها على سبيل المثال، هل يبقى عند الدكتور الموسوي وغيره، شك فيما يقوله الإمام الخوئي، وهذه الروايات لو انضمت إلى غيرها من روايات أهل السنّة والشيعة، لحصل القطع على وجود مصحف الإمام علي (ع)، لتواتر تلك الروايات، فقول الدكتور: «و متى أجمعت العلماء على ذلك، اللهم إلّا نفر قليل استندوا على كلام ينسب إلى الإمام علي ذكره الطبرسي في الاحتجاج»، باطل بالضرورة، حيث أنّ العلماء من أهل السنّة أجمعوا على وجود مصحف الإمام علي كما قدمنا ذلك عن ابن أبي الحديد، فاسناد الدكتور الموسوي ذلك إلى الطبرسي ما هو إلّا من الجهل المركب، ولهذا يظهر فساد ما يقوله في صفحة «134»:

_____________________

(1) جرجي زيدان: تاريخ التمدن الإسلامي-ح3-ص66.

(2) دونلدسن: عقيدة الشيعة-ص63.

٢٨٧

«إن كل ما قيل وذكر في الكتب الشيعية عن مصحف الإمام علي ليس أكثر من إضفاء حالة من الغلو على شخصية الإمام علي حسب زعم الذين كانوا وراء وضع هذه الأساطير وإثبات أن الإمام عليّاً إنّما هو تالي تلو وأحقّ بخلافة الرسول (ص) من غيره، ولذلك يحتفظ بمصحف خاص لا يحتفظ به غيره».

أقول : إذا كان ما ذكر في الكتب الشيعية عن مصحف للإمام علي، يضفي هالة من الغلو على شخصية الإمام علي (عليه‌السلام )، فبماذا يعلّل الدكتور الموسوي، ما ذكرته كتب أهل السنّة من وجود مصحف للإمام؟ وأنّه لو أصيب لكان فيه العلم، أيتهم علماء أهل السنّة بالغلو في شخصية الإمام علي؟ فإن قال بذلك، فقد حكم على علماء أهل السنّة بالغلو، وإن قال بأنّ ما ذكره الشيعة من وجود مصحف للإمام علي كان صحيحاً، فقد بطل قوله، وظهر فساد تصحيحه، وهذا هو شأنه في كتابه الشيعة والتصحيح، أو الصراع بين الشيعة والتشيع.

يقول الدكتور الموسوي في صفحة «133»:

«إنّ فقهائنا-علمائنا-هكذا مكتوبة بالجر، والصحيح بالنصب، فقهاءنا وعلماءنا-يستدلون على وجود مصحف للإمام علي برواية يذكرها الطبرسي في كتاب الاحتجاج وهي أنّ الإمام قال: «يا طلحة إنّ كل آية أنزلها الله تعالى على محمد (ص) عندي بإملاء رسول الله، وخط يدي، وتأويل كل آية أنزلها الله تعالى على محمد (ص) وكل حلال وحرام...».

٢٨٨

أقول : لما كان الدكتور الموسوي ليس من أهل التحقيق والتدقيق، حاول إلصاق ذلك بالطبرسي في كتابه الاحتجاج. إن من لا يعرف أبسط قواعد النحو، فكيف يعرف طرق الاستدلال، ولذا نجد الدكتور يقول: «إنّ فقهائنا وعلمائنا» حيث جر كلمة فقهاء وعلماء، والصحيح، علماءنا وفقهاءنا، فإذا كانت هذه حاله من المعرفة بالنحو، فما حاله إذن في معرفة طرق القوم في الاستدلال القائم على المقدمات العقلية والبراهين المنطقية، ومن هنا نذكر جملة من الروايات التي وردت في كتب أهل السنّة الدالة على أنّ كل آية في القرآن، فالإمام علي عنده علم الظاهر والباطن منها، كما عنده علم التفسير، وأنّه (ع) يعرف أين نزلت تلك الآيات وفيمن نزلت، وأنّ التأويل والتفسير في الإسلام يرجع إليه (عليه‌السلام ).

«الإمام علي وعلوم القرآن»

وإليك أيها القارئ الكريم ما جاء عن أهل السنّة في أنّ الإمام عليّاً عنده علوم القرآن وليس عند غيره ما عنده:

يقول ابن حجر الهيتمي: «أخرج ابن سعد عنه قال: والله ما نزلت آية إلّا وقد علمت فيم نزلت وأين نزلت وعلى من نزلت، إنّ ربّي وهب لي قلباً عقولاً ولساناً ناطقاً» وأخرج ابن سعد وغيره عن أبي الطفيل قال: قال علي: سلوني عن كتاب الله، فإنّه ليس من آية إلّا وقد عرفت بليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم

٢٨٩

جبل»(1) .

وأخرج أبو نعيم في الحلية عن عبد الله بن مسعود قال: «إنّ القرآن أنزل على سبعة أحرف ما منها حرف إلّا وله ظهر وبطن، وإنّ علي بن أبي طالب عنده علم الظاهر والباطن»(2) . وفي رواية عن علي: «قال: والله ما نزلت آية إلّا وقد علمت فيم نزلت وأين نزلت، إنّ ربّي وهب لي قلباً عقولاً ولساناً سؤولاً(3) .

وفي الرياض النضرة للمحب الطبري عن أبي الطفيل قال: شهدت عليّاً يقول: سلوني والله لا تسألوني عن شيء إلّا أخبرتكم، وسلوني عن كتاب الله، فوالله ما من آية إلّا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار، في سهل أم في جبل»، قال سعيد بن المسيب: «لم يكن أحد من أصحاب رسول الله (ص) يقول: سلوني إلّا عليّاً»(4) . وقد أخرج هذه الروايات جمع من علماء أهل السنّة وحفّاظهم(5) .

يقول طاش كبرى زاده: «و أمّا علي كرم الله وجهه فروي عنه الكثير، روي عنه أنّه قال وهو يخطب، سلوني فوالله لا تسألوني عن شيء إلّا أخبرتكم به، وسلوني عن كتاب الله فوالله ما من آية إلّا وأنا أعلم أبليل نزلت أو بنهار، أم في سهل أم في جبل. وروي عنه

_____________________

(1) ابن حجر الهيتمي: الصواعق المحرقة-ص125-126.

(2) أبو نعيم الأصبهاني: حلية الأولياء-ح1-ص65.

(3) نفس المصدر: ص67-68.

(4) المحب الطبري: الرياض النضرة-ح3-ص166-167.

(5) انظر المتقي الهندي: كنز العمال-ح2-ص357. والسيوطي: تاريخ الخلفاء-ص185.

٢٩٠

أيضاً أنّه قال: والله ما نزلت آية إلّا وقد علمت فيم أنزلت وأين أنزلت، إنّ ربّي وهب لي قلباً عقولاً ولساناً سؤولا. وروي عن ابن مسعود أنّه قال: إنّ القرآن أنزل على سبعة أحرف ما منها حرف إلّا وله ظهر وبطن وإنّ علي بن أبي طالب عنده منه الظاهر والباطن...»(1) . ولهذا قال ابن مسعود: «قرأت سبعين سورة على رسول الله (ص) وقرأت البقية على أعلم هذه الأمّة بعد نبينا (ص) علي بن أبي طالب»(2) .

هذه نبذة ممّا رواه علماء أهل السنّة على سبيل المثال، من أنّ كل آية أنزلها الله سبحانه، فتأويلها عند الإمام علي (عليه‌السلام )، وعلى هذا، فهل يبقى عند الدكتور الموسوي شك أو ريب من ذلك، حتى يدّعي أنّ الشيعة يستدلون على ذلك برواية يذكرها الطبرسي في الاحتجاج، حاشا لعلماء الشيعة أن يستدلوا على شيء إلّا إذا كان مجمعاً عليه عند المسلمين.

«نداء التصحيح من الدكتور الموسوي»

يقول الدكتور في صفحة «131»: «و من هنا نوّجه نداء التصحيح إلى كل الناشرين في البلاد الشيعية كي يقلعوا عن نشر كتب كهذه، لأنّها كتب تخالف كتاب الله...».

أقول : إنّ نداء التصحيح من الدكتور الموسوي ينبغي أن

_____________________

(1) طاش كبرى زاده: مفتاح السعادة-ح1-ص400.

(2) القندوزي: ينابيع المودة-ح2-ص71.

٢٩١

يكون عامّاً بحيث يشمل جميع الكتب التي تدّعي وجود التحريف في كتاب الله سبحانه، لا فرق في ذلك بين كتب الشيعة وغيرها من كتب أهل السنّة مادام التصحيح متوجهاً إلى الناشرين لهذه الكتب. ومن هنا نوّجه إلى الدكتور السؤال التالي:

إذا كان بعض كتب الشيعة فيها روايات تدلّ على وجود التحريف في القرآن، وهذه الروايات لا تعد وكونها روايات آحاد غير معمول بها عند أكثر فقهاء الشيعة كما يدّعي ذلك الدكتور، وهي ساقطة بإجماع علماء الشيعة، فبماذا يقول الدكتور الموسوي في الصحيحين البخاري ومسلم اللذين هما أصحّ الكتب بعد القرآن بإجماع من يعتدّ به عند أهل السنّة والجماعة؟

يقول ابن حجر في صواعقه: «روى الشيخان البخاري ومسلم في صحيحيهما اللذين هما أصحّ الكتب بعد القرآن بإجماع من يعتدّ به»(1) . فلو ثبت فيهما القول بتحريف القرآن فهل تشمل دعوته التصحيحية إلى كل الناشرين في البلاد الإسلامية كي يقلعوا عن نشرهما؟ وماذا يقول لو وجد في الصحيحين القول بالتحريف وهما من الصحّة بمكان لا يمكن ردّهما أو تضعيف روايتهما؟ فبماذا يجيب الدكتور الموسوي؟

وأمّا كتب الشيعة التي تروى فيها بعض الروايات الدالة على وجود التحريف، فإنّها لا تخرج عن كونها من أخبار الآحاد، لا

_____________________

(1) ابن حجر الهيتمي: الصواعق المحرقة-ص7.

٢٩٢

تفيد علماً ولا عملاً، وقد طعن فيها جميع علماء الشيعة، ووجود الواحد أو الإثنين ممّن قال بوجود التحريف لا يؤثّر في إجماع علماء الشيعة وفقهائهم، كما لا يعبّر عن معتقداتهم في القرآن. وهذا بخلاف ما في الصحيحين البخاري ومسلم، حيث أجمع علماء أهل السنة على صحة رواياتهما، ولهذا كان المائز بين الصحيحين، وبين كتب الشيعة، هو، أنّ الصحيحين لا خلاف في صحة ما يروى فيهما، بخلاف ما يروى في كتب الشيعة، فهي تشمل على الغث والسمين، والصحيح وغير الصحيح، فليس عندهم من الكتب التي تتصف بالصحّة كما هو الحال في صحاح أهل السنّة، ولأجل ذلك دون علماء الشيعة علم الدراية لمعرفة الصحيح من غير الصحيح بعد أن فتحوا باب الاجتهاد لتنقيح هذه الروايات.

«أهل السنّة وتحريف القرآن»

يقول إحسان ظهير في كتابه الشيعة والسنّة: «من أهمّ الخلافات التي تقع بين السنّة والشيعة، هو اعتقاد أهل السنّة كجميع طوائف المسلمين بأنّ القرآن المجيد الذي أنزله الله على نبينا محمد (ص) هو الكتاب الأخير المنزّل من عند الله إلى الناس كافة، وانّه لا يتغير ولم يتبدل وليس هذا فحسب بل أنّ لن يتغيّر ولن يتحرف إلى أن تقوم الساعة...».

ويقول أيضاً: «و أمّا القول بأنّ مثل هذه الروايات توجد عند

_____________________

(1) إحسان ظهير: الشيعة والسنة-ص77.

٢٩٣

السنّة فليس إلّا تحكم وتجبر، والحق أنّه لا يوجد في كتب أهل السنّة المعتمد عليها عندهم رواية واحدة صحيحة تدلّ على أنّ القرآن الذي تركه رسول الله (ص) عند وفاته نقص منه أو زيد فيه، بل صرّح أكابر المسلمين بأنّ من يعتقد مثل هذا فقد خرج من الله الحنيفية البيضاء، كما أنّهم قضوا بأنّ الشيعة هم القائلون بهذا القول الخبيث»(1) .

أقول : ليت الأستاذ إحسان ظهير لم يتعرّض لذلك، ويتهم الشيعة بتحريف القرآن من دون دليل أو برهان، وهذا شأنه في كتابه الشيعة والسنّة، معتمداً على بعض الروايات الشاذّة التي لا يقول بها الشيعة، ولهذا فقد ألصق بهم كل وصمة ونفاها عن أهل السنّة وعلمائهم، وسار على منهاجه الدكتور موسى الموسوي.

فالأستاذ إحسان ظهير وغيره ممن تناول القول بتحريف القرآن اتهم الشيعة بهذا القول، ونفاه عن أهل السنّة وعلمائهم، وأنّه لا توجد روايات معتمدة صحيحة تدل على التحريف عند أهل السنّة، وهذا القول باطل، وإنّ قائله لا يريد إلّا الفساد في الأرض إمّا متعمداً وإمّا جهلاً منه بما في كتب أهل السنّة المعتمدة وفيه وفي غيره يقول الشاعر العربي:

لا تنه عن خُلُقٍ وتأتي مثله

عار عليك إذا فعلت عظيم

_____________________

(1) نفس المصدر: ص141.

٢٩٤

نقول للأستاذ إحسان ظهير، هناك روايات كثيرة وردت في صحاح أهل السنّة ومسانيدهم تدل على وقوع التحريف في القرآن، وأنّه قد وقع فيه اللحن والنقصان فماذا تقول بها؟ وبماذا تجيب وقد وردت في أصحّ الكتب بعد القرآن عند أهل السنّة؟

يقول الشيخ محمود أبو رية أحد مشايخ أهل السنّة: «و لم يقف فعل الرواية عند ذلك بل تمادت إلى ما هو أخطر من ذلك حتى زعمت أنّ في القرآن نقصاً ولحناً وغير ذلك مما أورد في كتب السنّة ولو شئنا أن نأتي به كلّه هنا لطال الكلام...»(1) . وإليك نبذة ممّا رواه أهل السنّة في صحاحهم ومسانيدهم على وجود التحريف في القرآن، ليظهر للقارئ المنصف ما قاله إحسان ظهير من مفتريات على الشيعة:

«صحيح البخاري وروايات تحريف القرآن»

روى البخاري في صحيحه وهو أصحّ الكتب بعد القرآن، عن عمر بن الخطاب أنّه قال وهو على المنبر:

«إنّ الله بعث محمداً بالحق نبيّاً وأنزل عليه الكتاب، فكان ممّا أنزل آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها. رجم رسول الله (ص) ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضل بترك فريضة

_____________________

(1) محمود أبو رية: أضواء على السنّة المحمدية-ص229.

٢٩٥

أنزلها الله، والرجم في كتاب الله حقّ على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، ثم كنّا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم»(1) .

وعن أنس أنه قال: «... أنزل في الذين قتلوا ببئر معونة قرآناً قرأناه، ثم نسخ بعد، بلغوا قومنا أن قد لقينا ربنّا فرضي عنّا ورضينا عنه»(2) .

وفي رواية أخرى كما في الصحيح: «... قال أنس: فأنزل الله تعالى لنبيّه (ص) في الذين قتلوا أصحاب بئر معونة قرآناً قرأناه حتى نسخ بعد، بلغوا قومنا فقد لقينا ربنّا فرضي عنّا ورضينا عنه»(3) .

وفي حديث طويل كما في الصحيح أيضاً عندما لقي علقمة أبا الدرداء، «قال علقمة لأبي الدرداء: «... كيف يقرأ عبد الله: «و الليل إذا يغشى»، فقرأت عليه، «و الليل إذا يغشى، والنهار إذا تجلّى، والذكر والأنثى»، قال: والله لقد أقرأنيها رسول الله (ص) من فيه إلى فيّ». وفي رواية، «قال: كيف كان عبد الله يقرأ، «و الليل إذا يغشى، والنهار إذا تجلّى»، قلت: «و الذكر والأنثى»، قال: ما زال بي هؤلاء حتى كادوا يستنزلوني عن شيء سمعته من رسول الله (ص)»(4) .

_____________________

(1) صحيح البخاري: ح8-ص169.

(2) نفس المصدر:ح4-ص21.

(3) نفس المصدر: ح5-ص107.

(4) نفس المصدر: ص25.

٢٩٦

وفي رواية: «كيف قرأ ابن أم عبد، والليل، فقرأت: والليل إذا يغشى، والنهار إذا تجلّى، والذكر والأنثى، قال: أقرأنيها النبي (ص) من فيه إلى فيّ، فما زال هؤلاء حتى كادوا يردوني»(1) .

وفي تفسير قوله تعالى: والليل إذا يغشى، عن علقمة قال: «دخلت في نفر من أصحاب عبد الله الشام فسمع بنا أبو الدرداء، فأتانا، فقال: أفيكم من يقرأ، فقلنا نعم، قال: فأيكم أقرأ، فأشاروا إليّ، فقال: إقرأ، فقرأت: والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلّى والذكر والأنثى، قال: أنت سمعتها من صاحبك، قلت: نعم، قال: وأنا سمعتها من في النبي (ص)، وهؤلاء يأبون عليّ». و في رواية الأعمش عن إبراهيم قال: «قدم أصحاب عبد الله على أبي الدرداء فطلبهم فوجدهم، فقال: أيّكم يقرأ على قراءة عبد الله؟ قال: كلنا، قال: فأيّكم يحفظ، وأشاروا إلى علقمة، قال: كيف سمعته يقرأ والليل إذا يغشى، قال علقمة: والذكر والأنثى، قال: اشهد أنّي سمعت النبي (ص) يقرأ هكذا، وهؤلاء يريدون على أن أقرأ: وما خلق الذكر والأنثى، والله لا أتابعهم»(2) .

أقول : هذا ما أخرجه البخاري في صحيحه من وجود التحريف في كتاب الله سبحانه، وهو من أصحّ الكتب بعد

_____________________

(1) نفس المصدر:ص28.

(2) نفس المصدر: ح6-ص170.

٢٩٧

القرآن، عند الأستاذ إحسان ظهير، فهل يبقى لقوله: «و الحق أنّه لا توجد في كتب أهل السنّة المعتمدة عليها عندهم رواية واحدة صحيحة...»، قيمة من الناحية العلمية؟، فالأستاذ إحسان ظهير بقوله هذا، نفى أن يكون صحيح البخاري من الكتب المعتمدة عليها، لأنّها روت روايات التحريف، اللهم إلّا أن يقول: ان صحيح البخاري ليس بصحيح، فيخرج بقوله هذا عن إجماع أهل السنّة في قولهم، بأنّ صحيح البخاري ومسلم من أصحّ الكتب بعد القرآن. بالإضافة إلى ذلك، فقد حكم الأستاذ إحسان ظهير على الإمام البخاري بالخروج عن ملّة الإسلام، وذلك في قوله: «... بل صرّح أكابر المسلمين بأنّ من يعتقد مثل هذا فقد خرج عن الملّة الحنيفية البيضاء...».

«صحيح مسلم وروايات تحريف القرآن»

وفي صحيح الإمام مسلم عدّة روايات تدلّ على وجود التحريف في القرآن الكريم نذكر نبذة منها على سبيل المثال:

عن سعيد بن جبير قال: قلت لا بن عباس سورة التوبة، قال: التوبة، قال: بل هي الفاضحة، ما زالت تنزل ومنهم ومنهم حتى ظنّوا أنّ لا يبقى منّا أحد إلّا ذكر فيها...»(1) .

أقول : إنّ سورة التوبة من السور التي وقع فيها التحريف

_____________________

(1) صحيح مسلم: ح8-ص245.

٢٩٨

عند أكثر علماء أهل السنّة كما سوف نذكره، ويكفي في ذلك ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، أنّها كانت تسمى بالفاضحة، وأنّها كانت تعادل سورة البقرة، وهذا يدل على وجود النقص في القرآن عند أهل السنّة، فعلى قول الأستاذ إحسان ظهير خروج هؤلاء عن الملّة الحنيفية.

وفي رواية: «... قال أنس: أنزل الله عزّ وجل في الذين قتلوا ببئر معونة قرآناً قرأناه حتى نسخ بعد أن بلغوا قومنا أن قد لقينا ربنّا فرضي عنّا ورضينا عنه»(1) . وعن علقمة قال: «قدمنا الشام فأتانا أبو الدرداء فقال: فيكم أحد يقرأ على قراءة عبد الله، فقلت نعم أنا، قال: كيف سمعت عبد الله يقرأ هذه الآية: والليل إذا يغشى، قال: سمعته يقرأ: والليل إذا يغشى والذكر والأنثى، قال: وأنا والله هكذا سمعت رسول الله (ص) يقرأها، ولكنّ هؤلاء يريدون أن أقرأ: وما خلق، فلا أتابعهم»(2) .

وفي رواية: «... قال: هل تقرأ على قراءة عبد الله بن مسعود، قال: قلت نعم، قال: فاقرأ: والليل إذا يغشى، قال: فقرأت: والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلّى والذكر والأنثى، قال: فضحك ثم قال: هكذا سمعت رسول الله (ص) يقرأها»(3) .

وأخرج الإمام مسلم عن أبي الأسود عن أبيه قال: «بعث أبو

_____________________

(1) نفس المصدر: ح2-ص136.

(2) نفس المصدر: ص206.

(3) نفس المصدر: ص206.

٢٩٩

موسى الأشعري إلى قرّاء أهل البصرة، فدخل عليه ثلاثمئة رجل قد قرأوا القرآن، فقال: أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم، ولا يطولن عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم، وإنّا كنّا نقرأ سورة كنّا نشبهها في الطول والشدّة ببراءة فأنسيتها، غير أنّي قد حفظت منها: «لو كان لا بن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلّا التراب». وكنّا نقرأ سورة كنّا نشبهها بإحدى المسبحات فأنسيتها غير أنّي حفظت منها: «يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة»(1) .

يقول الشيخ أبو رية: «... و لا ندري كيف تذهب هذه الروايات التي تفصح بأنّ القرآن فيه نقص وتحمل مثل هذه المطاعن مع قول الله سبحانه: «إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون»(2) .

«مسند الإمام أحمد وروايات تحريف القرآن»

وفي المسند عن ابن عباس: «جاء رجل إلى عمر، فقال: أكلتنا الضبع-يعني السنة-فقال عمر: لو أنّ لامرئ وادياً أو واديين لا بتغى إليهما ثالثاً، فقال ابن عباس: ولا يملأ جوف ابن آدم إلّا التراب ثم يتوب الله على من تاب، فقال عمر لابن عباس:

_____________________

(1) محمود أبو رية: أضواء على السنّة-ص230. و انظر صحيح مسلم بهامش صحيح البخاري-ح4-ص437. باب كراهة الحرص على الدنيا.

(2) نفس المصدر:ص230.

٣٠٠