أحكام القرآن الجزء ٣

أحكام القرآن15%

أحكام القرآن مؤلف:
تصنيف: مفاهيم القرآن
الصفحات: 388

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 388 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 77362 / تحميل: 5401
الحجم الحجم الحجم
أحكام القرآن

أحكام القرآن الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ١: -

النص والاجتهاد

تأليف الإمام عبد الحسين شرف الدين الموسوي قدس الله سره

تحقيق وتعليق أبو مجتبى

بسم الله الرحمن الرحيم(١)

[ خطبة الكتاب ]

الحمد لله الذي اختص عبده ورسوله محمدا بما اختصه به من الكرامة والمنزلة والزلفى لديه، فعلمه علم ما كان وعلم ما بقي، وآتاه من الفضل ما لم يؤت أحدا من العالمين، و " الله أعلم حيث يجعل رسالته " فختم به النبوة والوحي ونسخ بشريعته السمحة ما كان قبلها من شرائعه المقدسة المتعلقة بأفعال المكلفين(٢) فحلال محمد هو الحلال إلى يوم القيامة، وكذلك حرامه وسائر أحكامه(٣) ، سواء أكانت تكليفية أم وضعية. وهذا مما أجمع عليه

____________________

(١) بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد والأئمة من آله شهداء دار الفناء وشفعاء دار البقاء وعلى الصالحين من ذريتهم ومواليهم في كل خلف ورحمة الله وبركاته (منه قدس).

(٢) دون ما كان منها متعلقا بأصول الدين كالتوحيد والعدل والنبوة والبعث والجنة والنار والثواب والعقاب، فان هذه وأمثالها مما جاء به آدم وسائر من بعده من الأنبياء حتى خاتمهمصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليهم أجمعين (منه قدس).

(٣) مضمون الحديث القائل: حلال محمد حلال إلى يوم القيامة. وسائل الشيعة ج ١٨ / ١٢٤ ح ٤٧ (*).

٢١

كافة، كإجماعهم على نبوتهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم ينبس(١) منهم واحد بكلمة من خلاف فيه، ولا رتم بها أبدا. وقد علموا - ولله الحمد - ان الشرائع الإسلامية قد وسعت الدنيا والآخرة بنظمها وقوانينها وحكمتها في جميع أحكامها وقسطها في موازينها، وانها المدنية الحكيمة الرحيمة الصالحة لأهل الأرض في كل مكان وزمان، على اختلافهم في أجناسهم وأنواعهم وألوانهم ولغاتهم.

لم يبق شارع الإسلام " وهو علام الغيوب جل وعلا " غاية الا أوضح سبيلها وأقام لأولي الألباب دليلها، وحاشاه تعالت آلاؤه أن يوكل الناس إلى آرائهم، أو يذرهم يسرحون في دينه على غلوائهم، بل ربطهم - على لسان عبده وخاتم رسالته - بحبليه، وعصمهم بثقليه، وبشرهم بالهدى ما ان أخذوا بهديهما، وأنذرهم الضلال ان لم يتمسكوا بهما، واخبرهم انهما لن يفترقا ولن تخلو الأرض منهما حتى يردا عليه الحوض(٢) ، فهما معا مفزع الأمة ومرجعها بعد نبيها، فالمنتهج نهجهما لاحق به، والمتخلف عنهما أو عن أحدهما مفارق لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) .

____________________

(١) أي ما تكلم، وكذا ما نبس ولا رتم (منه قدس).

(٢) أشارة إلى حديث الثقلين الآتي مع مصادره تحت رقم - ١٥ -.

(٣) مشيرا إلى قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله في القرآن وعترته: " فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم اعلم منكم " راجع الحديث في: الصواعق المحرقة ص ١٤٨ و ٢٢٦ ط المحمدية وص ٨٩ و ١٣٦ ط الميمنية، مجمع الزوائد ج ٩ ص ١٦٣ ط بيروت، كنز العمال ج ١ ص ١٦٨ ح ٩٥٨ ط ٢، الدر المنثور للسيوطي ج ٢ ص ٦٠ ط مصر، ينابيع المودة للقندوزى ص ٤١ و ٣٥٥ ط الحيدرية وص ٣٧ و ٢٩٦ ط اسلامبول، الغدير للأميني ج ١ ص ٣٤ وج ٣ ص ٨٠ ط بيروت.

٢٢

مثلهم في هذه الأمة كباب حطة في بني إسرائيل، وكسفينة نوح في قومه(٤) ، فليس لأحد - وان عظم شأنه - أن يتبع غير سبيلهم،( وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا ) (٥)

وليس لأحد أن يحمل من المأثور عن الله تعالى آية أو عن رسوله سنة الا على ظاهرهما المتبادر منهما إلى الأذهان، وليس له أن يحيد عن الظاهر المتبادر فضلا عن المنصوص عليه بصراحة، الا بسلطان مبين، فان كان هناك سلطان يخرج به الظاهر عن ظاهره عمل بمقتضاه، والا فقد ضل وابتدع.

هذا ما عليه الأمة المسلمة - امة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله - بجميع مذاهبها، فان من دينهم التعبد بظواهر الكتاب والسنة، فضلا عن نصوصها الصريحة.

جروا في الأخذ بهما، والعمل على مقتضاهما مجرى أهل العرف من أهل اللغات كلها، فان أهل اللغات بأسرهم انما يحملون ألفاظهم المطلقة على ما يسبق منها إلى أذهانهم من المعاني، لا يتأولون منها - عند انطلاقها - شيئا، ولا يحملونها على ما تقتضيه أغراضهم ومصالحهم، شخصية كانت أم عامة.

نعم رأيت - بكل أسف - بعض ساسة السلف وكبرائهم يؤثرون اجتهادهم في ابتغاء المصالح على التعبد بظواهر الكتاب والسنة ونصوصهما

____________________

(٤) مشيرا إلى حديث السفينة الآتي تحت رقم (١٧) فراجع.

(٥) أخرج ابن مردويه في تفسير الآية: ان المراد بمشاققة الرسول هنا انما هي المشاققة في شأن علي وان الهدى في قوله بعد ما تبين له الهدى انما هو شأنهعليه‌السلام وأخرج العياشي في تفسيره نحوه، والصحاح متواترة من طريق العترة الطاهرة، في ان سبيل المؤمنين انما هو سبيلهمعليهم‌السلام (منه قدس). تفسير على بن إبراهيم القمي ج ١ ص ١٥٢ ط النجف، البرهان في تفسير القرآن ج ٢ ص ٤١٥ ط طهران. (*)

٢٣

الصريحة يتأولونها بكل جرأة ويحملون الناس على معارضتهما طوعا وكرها بكل قوة وهذا أمر ليس له قبلة ولا دبرة(١) فانا لله وإنا إليه راجعون.

وقد قال الله تعالى:( ... وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (٢) )

وقال عز سلطانه:( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا (٣) )

( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا (٤) )

( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ (٥) )

( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ * وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (٦) )

( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ) (٧) .

فنطقهصلى‌الله‌عليه‌وآله كالقرآن الحكيم( لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) (٨)

فليس لمن يؤمن بهذه الآيات أو يصدق بنبوتهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يحيد عن نصوصه قيد شعرة فما دونها، وما كان القوم كحائدين، وانما كانوا كمجتهدين متأولين( وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ) فانا لله وإنا إليه راجعون.

____________________

(١) أي لا يعرف له وجه (منه قدس).

(٢) الحشر آية ٧.

(٣) الأحزاب آية ٣٦.

(٤) النساء آية ٦٥.

(٥) التكوير آية ١٩.

(٦) الحاقة آية ٤٠.

(٧) النجم آية ٣.

(٨) فصلت آية ٤٢ (*).

٢٤

واليك في كتابنا هذا (النص والاجتهاد) من موارد تأولهم للنصوص واجتهادهم في إيثار المصلحة عليها ما تسعه العجالة وضعف الشيخوخة، وبلابل المحن والإحن ونوائب الزمن، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت واليه أنيب.

فخذها إليك مائة مورد في فصول سبعة لتسمعن بها ولك بعد ذلك رأيك، والله الهادي إلى الحق والصواب، واليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير.

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٦: -

[ الفصل الأول ] [ تأول أبى بكر واتباعه ] [ المورد (١) يوم السقيفة ]

إذ بسط أبو بكر يده ليبايع بالخلافة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فبايعه من بايعه طوعا، وبايعه - بعد ذلك - آخرون كرها(٦) مع علمهم جميعا بعهد رسول

____________________

(٦) وقد تخلف عن بيعة أبى بكر جماعة منهم: ١ - على بن أبى طالبعليه‌السلام . ٢ - العباس بن عبد المطلب ٣ - الفضل بن العباس ٤ - عتبة بن أبى لهب ٥ - سلمان الفارسي ٦ - أبو ذر الغفاري ٧ - عمار بن ياسر ٨ - المقداد ٩ - البراء بن عازب ١٠ - أبى بن كعب ١١ - سعد بن أبى وقاص ١٢ - طلحة بن عبيد الله ١٣ - الزبير بن العوام ١٤ - خزيمة بن ثابت ١٥ - فروة بن عمرو الأنصاري ١٦ - خالد بن سعيد بن العاص الأموي ١٧ - سعد بن عبادة الأنصاري لم يبايع حتى مات في خلافة عمر. وجماعة من بني هاشم راجع: العقد الفريد لابن عبد ربه ج ٤ ص ٢٥٩ ط ٢ بمصر وج ٢ ص ٢٥١ ط آخر و =>

٢٥

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بها إلى أخيه وابن عمه علي بن أبي طالب، وقد رأوه وسمعوه ينص عليه مستمرا في تكرار هذا النص من مبدأ أمره - في نبوته - إلى منتهى عمره الشريف. ويورده بطرق مختلفة في وضوح الدلالة عليه.

ومن أراد التفصيل فعليه بكتابنا (المراجعات) (٧) إذ استقصينا البحث ثمة عن تلك النصوص، وعن كل ما هو حولها مما يقوله الفريقان في هذا الموضوع، تبادلنا ذلك مع شيخنا شيخ الإسلام ومربي العلماء الأعلام الشيخ سليم البشري المالكي شيخ الجامع الأزهر يومئذرحمه‌الله تعالى، أيام كنا في خدمته(١) وكان إذ ذاك شيخ الأزهر، فعني بي عنايته بحملة العلم عنه، وجرت بيننا وبينه حول الخلافة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونصوصها مناظرات

____________________

=> ج ٣ ص ٦٤ ط آخر أيضا، عبد الله بن سبأ للعسكري ج ١ ص ١٠٥ ط ٣ بيروت، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١ ص ١٣١ - ١٣٤ ط ١ بمصر، الغدير للأميني ج ٥ ص ٣٧٠ - ٣٧١ وج ٧ ص ٧٦ و ٧٧ ط بيروت، مروج الذهب للمسعودي ج ٢ ص ٣٠١ ط دار الأندلس بيروت، أسد الغابة لابن الأثير ج ٣ ص ٢٢٢ ط مصر، تاريخ الطبري ج ٣ ص ٢٠٨ ط دار المعارف بمصر، الكامل في التاريخ لابن الأثير ج ٢ ص ٣٢٥ و ٣٣١ ط دار صادر، تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٠٣ و ١٠٥ ط الغرى، سمط النجوم العوالي للعاصمى المكى ج ٢ ص ٢٤٤ ط السلفية، السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٥٦ ط البهية بمصر.

استعمال القوة والإكراه في البيعة لأبي بكر. راجع: شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١ ص ٢١٩ وج ٦ ص ٩ و ١١ و ١٩ و ٤٠ و ٤٧ و ٤٨ و ٤٩ ط مصر بتحقيق محمد أبو الفضل وج ١ ص ٧٤ وج ٢ ص ٤ - ١٩ ط ١، وغيرها.

(٧) وكتابنا (سبيل النجاة في تتمة المراجعات) المطبوع ملحقا بالمراجعات ط بغداد والطبعة الثانية في بيروت ١٤٠٢ ه‍.

(١) وذلك سنة ١٣٢٩ والتي بعدها بعد رجوعنا من الجامعة العلمية في النجف الأشرف (منه قدس) (*).

٢٦

ومراجعات خطية، بذلنا الوسع فيها ايغالا في البحث والتمحيص، وإمعانا فيما يوجبه الإنصاف والاعتراف بالحق، فكانت تلك المراجعات بيمن نقيبة الشيخ سفرا من انفع أسفار الحق، يتجلى فيها الهدى بأجلى مظاهره والحمد لله على التوفيق(١) .

وها هي تلك، منتشرة في طول البلاد وعرضها، تدعو إلى المناظرة بصدر شرحه الله للبحث، وقلب واع لما يقوله الفريقان، ورأي جميع ولب رصين، فلا تفوتنكم أيها الباحثون. نعم لي رجاء أنيطه بكم فلا تخيبوه.

أمعنوا في أهداف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ومراميه من أقواله وأفعاله. التي هي محل البحث بيننا وبين الجمهور، ولا تغلبنكم العاطفة على إفهامكم وعقولكم، كالذين عاملوها معاملة المجمل أو المتشابه من القول، لا يأبهون بشئ من صحتها، ولا من صراحتها، والله تعالى يقول:( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ ) (٨) فأين تذهبون، أيها المسلمون( إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ) (٩) .

ما رأيت كنصوص الخلافة صريحة متواترة صودرت من أكثر الأمة، والجرح لما يندمل والنبي لما يقبر. على ان حياة النبي بعد النبوة كانت مليئة مفعمة بتلك النصوص منذ يوم الإنذار في دار أبي طالب(١٠) فما بعده من الأيام حتى سجيصلى‌الله‌عليه‌وآله على فراش الموت

____________________

(١) وقد بلغت مائة واثنتي عشرة مراجعة (منه قدس).

(٨) سورة التكوير آية: ١٩ - ٢٢.

(٩) سورة الحاقة آية: ٣ - ٥.

(١٠) إذا دعا عشيرته الأقربين لينذرهم، وكان آخر كلامه معهم ان أخذ بيد على =>

٢٧

..

____________________

=> فقال: ان هذا أخي ووزيري ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا، فلتراجع المراجعة ٢٠ والتي بعدها من المراجعات (منه قدس).

حديث الدار يوم الإنذار وفيه قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلىعليه‌السلام : " ان هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا ".

راجع: تاريخ الطبري ج ٢ ص ٣١٩ - ٣٢١ ط دار المعارف بمصر، الكامل في التاريخ لابن الأثير الشافعي ج ٢ ص ٦٢ و ٦٣ ط دار صادر في بيروت، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١٣ ص ٢١٠ و ٢٤٤ وصححه ط مصر بتحقيق أبو الفضل، السيرة الحلبية للحلبي الشافعي ج ١ ص ٣١١ ط البهية بمصر، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ ص ٤١ و ٤٢ ط الميمنية بمصر، شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي ج ١ ص ٣٧١ ح ٥١٤ و ٥٨٠ ط ١ بيروت، كنز العمال ج ٦ ص ٣٩٢ ط ١ وج ١٥ ص ١١٥ ح ٣٣٤ ط ٢، ترجمة الإمام على بن أبى طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي ج ١ ص ٨٥ ح ١٣٩ و ١٤٠ و ١٤١ ط ١ بيروت، حياة محمد لمحمد حسين هيكل ص ١٠٤ الطبعة الأولى سنة ١٣٥٤ ه‍

وفى الطبعة الثانية وما بعدها من طبعات الكتاب حذف من الحديث قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " وان يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم " ! وأكبر شاهد مراجعة الطبعة الأولى والطبعات الأخرى، جريدة السياسة المصرية لمحمد حسين هيكل ملحق عدد - ٢٧٥١ - بتاريخ ١٢ ذي القعدة ١٣٥٠ ه‍ ص ٥ وص ٦ من ملحق عدد: - ٢٧٨٥ - ذكر الحديث بتمامه، تفسير الخازن ج ٣ ص ٣٧١ و ٣٩٠ ط مصر، التفسير المنير لمعالم التنزيل للجاوي ج ٢ ص ١١٨ ط ٣، تفسير الطبري ج ١٩ ص ١٢١ ط ٢ ولكن المؤلف أو الطابع حرف آخر الحديث فحذف قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " ان هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم " وذكر بدله " ان هذا أخي وكذا وكذا ! ! " فيا للعجب لهذه الأعمال التي تنطوي على الحقد الدفين والحسد المشين مع انه ذكر الحديث تاما في تاريخه ج ٢ ص ٢١٩ كما تقدم. وبلفظ آخر: وفيه نزل قوله تعالى: "( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) " الشعراء: ٢١٤ يوجد في =>

٢٨

والحجرة غاصة بأصحابه فقال: " أيها الناس يوشك أن اقبض قبضا سريعا فينطلق بي. وقد قدمت إليكم الا أني مخلف فيكم كتاب الله عزوجل وعترتي أهل بيتي ". ثم أخذ بيد علي فرفعها فقال: " هذا علي مع القرآن، والقرآن مع علي لا يفترقان حتى يردا علي الحوض "(١١) . وكفى بنصوص

____________________

=> شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي ج ١ ص ٣٧٢ ح ٥١٤ وج ٢ ص ٤٢٠ ح ٥٨٠ ط ١ بيروت، مسند أحمد ج ١ ص ١١١ ط الميمنية بمصر، كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص ٢٠٤ - ٢٠٦ ط الحيدرية وص ٨٩ ط الغرى، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزى الحنفي ص ٣٨ ط الحيدرية وص ٤٤ ط النجف، كنز العمال ج ٦ ص ٣٩٦ ط ١ وج ١٥ ص ١١٣ و ١١٥ ط ٢، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ ص ٤١ و ٤٢ و ٤٣ ط الميمنية بمصر، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ١٠٥ ط اسلامبول وص ١٢٢ ط الحيدرية، تاريخ أبى الفداء ج ١ ص ١١٩ ط القسطنطنية، الدر المنثور للسيوطي ج ٥ ص ٩٧ ط مصر، تفسير ابن كثير ج ٣ ص ٣٥١ ط مصر. وبلفظ ثالث يوجد في: خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص ٨٦ ط الحيدرية وص ٣٠ ط بيروت، نظم درر السمطين للزرندى الحنفي ص ٨٣ ط النجف، مجمع الزوائد ج ٨ ص ٣٠٢ وج ٩ ص ١١٣ ط القدسي. ولاجل المزيد من المصادر راجع (سبيل النجاة في تتمة المراجعات) تحت رقم - ٧١١ - ط بيروت .

(١١) يوجد في: الصواعق المحرقة لابن حجر الشافعي ص ١٢٤ ط المحمدية وص ٧٥ ط الميمنية بمصر، ينابيع المودة للقندوزى الحنفي ص ٢٨٥ ط اسلامبول وص ٣٤٢ ط الحيدرية.

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " علي مع القرآن والقرآن مع على لن يفترقا حتى يردا علي الحوض " يوجد في: المستدرك على الصحيحين للحاكم ج ٣ ص ١٢٤ وصححه، تلخيص المستدرك للذهبي مطبوع بذيل المستدرك ج ٣ ص ١٢٤ وصححه أيضا، المناقب للخوارزمي الحنفي =>

٢٩

الثقلين حكما بين الفريقين(١٢) ، وخصائص علي كل نص جلي:( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ) (١٣) .

استأثروا بالأمر يوم السقيفة، متأولين نصوص لا يلوون على شئ، وقد قضوا أمرهم بينهم بدون أن يؤذنوا به أحدا من بني هاشم وأوليائهم(١٤) وهم أهل بيت النبوة، وموضع الرسالة ومختلف الملائكة، ومهبط الوحي والتنزيل، حتى كأنهمعليهم‌السلام لم يكونوا ثقل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وأعدال كتاب الله عزوجل(١٥) .

____________________

=> ص ١١٠ ط الحيدرية وص ١٠٧ ط تبريز، المعجم الصغير للطبراني ج ١ ص ٥٥ ط دار النصر بالقاهرة، كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص ٣٩٩ ط الحيدرية وص ٢٥٤ ط الغرى، مجمع الزوائد ج ٩ ص ١٣٤ ط القدسي، الصواعق المحرقة ص ١٢٢ و ١٢٤ ط المحمدية وص ٧٤ و ٧٥ ط الميمنية، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ١٧٣ ط السعادة، إسعاف الراغبين المطبوع بهامش نور الأبصار ص ١٥٧ ط السعيدية وص ١٤٣ ط العثمانية، الغدير للأميني ج ٣ ص ١٨٠ ط بيروت، نور الأبصار للشبلنجى ص ٧٣ ط السعيدية، ينابيع المودة للقندوزى ص ٤٠ و ٩٠ و ١٨٥ و ٢٣٧ و ٢٨٣ و ٢٨٥ ط اسلامبول وص ٤٤ و ١٠٣ و ٢١٩ و ٢٨١ و ٣٣٩ و ٣٤٢ ط الحيدرية وج ١ ص ٣٨ و ٨٨ وج ٢ ص ١٠ و ٦١ و ١٠٨ و ١١٠ ط العرفان بصيدا، فيض القدير للشوكاني ج ٤ ص ٣٥٨، الجامع الصغير للسيوطي ج ٢ ص ٥٦ ط الميمنية، الفتح الكبير للنبهاني ج ٢ ص ٢٤٢ ط مصر، غاية المرام ص ٥٤٠ (باب) ٤٥ ط ايران، أسنى المطالب للحوت ص ٢٠١ ح ٨٩٨.

(١٢) سوف تأتى مصادره تحت رقم (١٥)

(١٣) سورة ق: ٣٧.

(١٤) لم يحضر أحد من بني هاشم السقيفة بل كانوا متخلفين راجع المصادر تحت رقم (٦)

(١٥) إشارة إلى النصوص الصريحة في السنن الصحيحة، التي أنزلت العترة من منزلة الكتاب فجعلتهما القدوة لأولى الألباب، وقد أخرجها مسلم في صحيحه، وأخرجها =>

٣٠

.

____________________

=> الترمذي والنسائي والإمام أحمد في مسنده والطبراني في الكبير، والحاكم في مستدركه والذهبي في تلخيص المستدرك، وابن أبى شيبة وأبو يعلى في سننهما، وابن سعد في الطبقات، وغير واحد من أصحاب السنن بطرق متعددة وأسانيد كثيرة، والتفصيل في المراجعة ٨ من مراجعاتنا (منه قدس).

أقول: إشارة إلى مضمون الحديث المتواتر وهو حديث الثقلين قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : " يا أيها الناس إني تركت فيكم ما ان أخذتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ". راجع الحديث في: صحيح الترمذي ج ٥ ص ٣٢٨ ط بيروت وج ١٣ ص ١٩٩ ط الصاوى وج ٢ ص ٣٠٨ ط بولاق بمصر، تفسير ابن كثير ج ٤ ص ١١٣ دار إحياء الكتب العربية بمصر، مصابيح السنة للبغوي ص ٢٠٦ ط القاهرة وج ٢ ص ٢٧٩ ط محمد على صبيح، جامع الأصول لابن الأثير ج ١ ص ١٨٧ ط مصر، مشكاة المصابيح ج ٣ ص ٢٥٨ ط دمشق، إحياء الميت للسيوطي بهامش الإتحاف ص ١١٤ ط الحلبي، الفتح الكبير للنبهاني ج ١ ص ٥٠٣ وج ٣ ص ٣٨٥ ط دار الكتب العربية، الشرف المؤبد للنبهاني أيضا ص ١٨ ط مصر، نظم درر السمطين للزرندى الحنفي ص ٢٣٢ ط النجف، ينابيع المودة للقندوزى الحنفي ص ٣٣ و ٤٥ و ٤٤٥ ط الحيدرية وص ٣٠ و ٤١ و ٣٧٠ ط اسلامبول

وبلفظ ثان قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : " إني تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدى، أحدهما أعظم من الأخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا على الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما ". راجع الحديث في: صحيح الترمذي ج ٥ ص ٣٢٩ ط دار الفكر بيروت وج ١٣ ص ٢٠٠ ط الصاوى وج ٢ ص ٣٠٨ ط بولاق بمصر، نظم درر السمطين للزرندى ص ٢٣١ ط النجف، الدر المنثور للسيوطي ج ٦ ص ٧ و ٣٠٦ ط مصر، ذخائر العقبى ص ١٦ ط القدسي، الصواعق المحرقة ص ٨٩ ط الميمنية وص ١٤٧ و ٢٢٦ ط المحمدية، أسد الغابة لابن الأثير ج ٢ ص ١٢ =>

٣١

وأمان الأمة من الاختلاف(١٦)

____________________

=> ط مصر، المعجم الصغير للطبراني ج ١ ص ١٣٥ ط دار النصر بمصر، ينابيع المودة للقندوزى الحنفي ص ٣٣ و ٤٠ و ٢٢٦ و ٣٥٥ ط الحيدرية وص ٣٠ و ٣٦ و ١٩١ و ٢٩٦ ط اسلامبول، تفسير ابن كثير ج ٤ ص ١١٣ ط مصر، عبقات الأنوار ج ١ من حديث الثقلين ص ٢٥ ط اصفهان، كنز العمال ج ١ ص ٤٤ ح ٨٧٤ ط ١ وج ١ ص ١٥٤ ط ٢، الفتح الكبير للنبهاني ج ١ ص ٤٥١ ط مصر، تفسير الخازن ج ١ ص ٤ ط مصر، مصابيح السنة للبغوي ج ٢ ص ٢٧٩ ط محمد على صبيح وص ٢٠٦ ط الخيرية، جامع الأصول لابن الأثير ج ١ ص ١٨٧ ط مصر، مشكاة المصابيح للعمري ج ٣ ص ٢٥٨ ط دمشق.

وفى لفظ ثالث عن زيد بن ثابت قال: " قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إني تارك فيكم خليفتين كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض أو ما بين السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وانهما لن يتفرقا حتى يردا على الحوض ". راجع: الفضائل لأحمد بن حنبل بترجمة الإمام الحسين ص ٢٨ ح ٥٦. مسند أحمد بن حنبل ج ٥ / ١٨٢ و ١٨٩ ط ١، فرائد السمطين للحموينى ج ٢ / ١٤٤ عن زيد بن ثابت قال: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله عزوجل وعترتي أهل بيتي ألا وهما الخليفتان من بعدى ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض ".

وعن أبى سعيد الخدري أيضا: " إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الأخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وانهما لن يتفرقا حتى يردا على الحوض ". الفضائل لأحمد بن حنبل ص ٢٠ ح ٣٥ ترجمة الحسين وح ٣٦. ويوجد هذا الحديث بألفاظ أخرى متعددة ومصادر كثيرة جدا ولأجل المزيد من الاطلاع راجع (سبيل النجاة في تتمة المراجعات تحت رقم - ٣٠ و ٣١ و ٣٢ و ٣٣ و ٣٤ و ٣٥ و ٣٦ ط في بغداد وبيروت مع المراجعات).

(١٦) إشارة إلى قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف، فإذا خالفتهم =>

٣٢

وسفينة نجاتها من الضلال(١٧) . وباب حطتها(١٨) .

____________________

=> قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس. أخرجه الحاكم في ص ١٤٩ من الجزء ٣ من المستدرك، ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (منه قدس). والصواعق المحرقة لابن حجر ص ٩١ و ١٤٠ ط الميمنية وص ١٥٠ و ٢٣٤ ط المحمدية وصححه، إحياء الميت للسيوطي بهامش الإتحاف ص ١١٤ ط الحلبي بمصر، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ ص ٩٣ ط الميمنية بمصر، ينابيع المودة للقندوزى الحنفي ص ٢٩٨ ط اسلامبول وص ٣٥٧ ط الحيدرية، جواهر البحار للنبهاني ج ١ / ٣٦١. ولأجل المزيد من المصادر راجع كتاب (سبيل النجاة في تتمة المراجعات طبع ملحقا بالمراجعات في بغداد وبيروت تحت رقم - ٤١ -).

(١٧) إشا رة إلى ما أخرجه الحاكم بالإسناد إلى أبى ذر ص ١٥١ من الجزء ٣ من المستدرك قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " ان مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق " (منه قدس). وراجع أيضا: تلخيص المستدرك للذهبي، نظم درر السمطين للزرندى الحنفي ص ٢٣٥ ط النجف، ينابيع المودة للقندوزى ص ٣٠ و ٣٧٠ ط الحيدرية وص ٢٧ و ٣٠٨ ط اسلامبول، الصواعق المحرقة ص ١٨٤ و ٢٣٤ ط المحمدية وص ١١١ و ١٤٠ ط الميمنية، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص، إسعاف الراغبين للصبان ص ١٠٩ ط السعيدية و ١٠٢ ط العثمانية، جواهر البحار ج ١ / ٣٦١، الفضائل لأحمد بن حنبل بترجمة الإمام الحسين ص ٢٨ ح ٥٥.

(١٨) إشارة إلى ما أخرجه الطبراني في الأوسط عن أبى سعيد قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: إنما مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق، وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة بني إسرائيل من دخله غفر له (منه قدس). راجع: كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص ٣٧٨ ط الحيدرية وص ٢٣٤ ط الغرى، مجمع الزوائد ج ٩ ص ١٦٨، المعجم الصغير للطبراني ج ٢ ص ٢٢ ط دار =>

٣٣

وكأنهم لم يكونوا من الأمة بمنزلة الرأس من الجسد، وبمنزلة العينين من الرأس(١٩) بل كأنهم انما كانوا ممن عناهم الشاعر في المثل السائر.

____________________

=> النصر بمصر، إحياء الميت للسيوطي بهامش الإتحاف ص ١١٣ ط الحلبي، ينابيع المودة ص ٢٨ و ٢٩٨ ط اسلامبول وص ٣٠ و ٣٥٨ ط الحيدرية، رشفة الصادى لأبي بكر الحضرمي ص ٧٩ ط مصر، الصواعق المحرقة ص ٩١ ط الميمنية وص ١٥٠ ط المحمدية وهذا الحديث من الأحاديث المتواترة وان شئت المزيد فراجع (سبيل النجاة في تتمة المراجعات تحت رقم - ٣٩ و ٤٠) ففيهما عشرات المصادر.

وفى لفظ آخر يقولصلى‌الله‌عليه‌وآله : " مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ". يوجد في: حلية الأولياء ج ٤ ص ٣٠٦ ط السعادة بمصر، مناقب على بن أبى طالب لابن المغازلى الشافعي ص ١٣٢ ح ١٧٣ و ١٧٦ ط ١ بطهران، ذخائر العقبى ص ٢٠ ط القدسي، مجمع الزوائد ج ٩ / ١٦٨، إحياء الميت ص ١١٣، الجامع الصغير للسيوطي ج ٢ / ١٣٢ ط الميمنية، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ / ٩٢ ط الميمنية، الفتح الكبير للنبهاني ج ٣ / ١٢٣ ط مصر، ينابيع المودة ص ١٨٧ و ١٩٣ ط اسلامبول وص ٢٢١ و ٢٢٨ ط الحيدرية، مقتل الحسين للخوارزمي ج ١ / ١٠٤ ط مطبعة الزهراء. وغيرها من المصادر.

(١٩) نقل الإمام الصبان في كتابه - إسعاف الراغبين - والشيخ يوسف النبهاني في - الشرف المؤبد - وغير واحد من الثقات بالإسناد إلى أبى ذر قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اجعلوا أهل بيتي منكم مكان الرأس من الجسد، ومكان العينين من الرأس، ولا يهتدى الرأس الا بالعينين، ومن أراد تفصيل هذه الأحاديث وما يجرى مجراها فعليه بمراجعاتنا، ولا سيما المراجعة ٦ وما بعدها حتى المراجعة ١٣ (منه قدس). راجع: إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص ١١٠ ط السعيدية وص ١٠٢ ط العثمانية، الفصول المهمة لابن الصباغ المالكى ص ٨ ط الحيدرية، مجمع الزوائد ج ٩ ص ١٧٢ ط بيروت، الشرف المؤبد للنبهاني. (*)

٣٤

ويقضي الأمر حين تغيب تيم * ولا يستأذنون وهم شهود(٢٠)

أجل قضي الأمر في السقيفة ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لقى بين عترته الطاهرة وأوليائهم ثلاثة أيام، وهم حوله يتقطعون حسرات، ويتصعدون زفرات قد أخذهم من الحزن ما تنفطر به المرائر، ومن الهم والغم ما يذيب لفائف القلوب، ومن الرعب والوجل ما تميد به الجبال ومن الهول والفرق ما أطار عيونهم، وضيق الأرض برحبها عليهم.

وأولئك في معزل عن المسجى ثلاثا - بأبي وأمي - يرهفون لسلطانه عزائمهم ويشحذون لملكه آراءهم، لم يهتموا في شئ من أمره، حتى قضوا أمرهم مستأثرين به. وما ان فاءوا إلى مواراته حتى فاجأوا أولياءه وأحباءه بأخذ البيعة منهم، أو التحريق عليهم(٢١) كما قال شاعر النيل حافظ إبراهيم في قصيدته السائرة :

____________________

(٢٠) هذا البيت.

(٢١) تهديدهم عليا بالتحريق ثابت بالتواتر القطعي، وحسبك ما أخرجه أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب (السقيفة) كما في ص ١٣٠ وفى ص ١٣٤ من المجلد الأول من شرح النهج الحميدى. وأخرجه ابن جرير الطبري في موضعين في أحداث السنة الحادية عشرة من تاريخ الأمم والملوك. وذكره ابن قتيبة في أوائل كتابه - الإمامة والسياسة -. وابن عبد ربه المالكي في حديث السقيفة في الجزء الثاني من العقد الفريد.

والمسعودي في مروج الذهب نقلا عن عروة بن الزبير في مقام الاعتذار عن أخيه عبدالله، إذ هم بالتحريق على بني هاشم حين تخلفوا عن بيعته. وابن الشحنة حيث ذكر بيعة السقيفة في كتابه (روضة المناظر). وأبو الفداء حيث أتى على ذكر أخبار أبى بكر في تاريخه الموسوم بالمختصر في أخبار البشر. ورواه الشهرستاني عن النظام عند ذكره للفرقة النظامية من كتاب - الملل والنحل - ونقله العلامة الحلي في (نهج الصدق) عن كتاب (المحاسن وأنفاس الجواهر) وغرر ابن خنزابة. وأفرد أبو مخنف لبيعة السقيفة كتابا فيه التفصيل (منه قدس) =>

٣٥

وقولة لعلي قالها عمر

أكرم بسامعها أعظم بملقيها

حرقت دارك لا أبقى عليك بها

ان لم تبايع وبنت المصطفى فيها

ما كان غير أبي حفص بقائلها

أمام فارس عدنان وحاميها(٢٢)

فلو فرض ان لا نص بالخلافة على أحد من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفرض كونهم مع هذا غير مبرزين في حسب أو نسب، أو أخلاق، أو جهاد، أو علم، أو عمل، أو إيمان، أو إخلاص ولم يكن لهم السبق في مضامير كل فضل، بل كانوا كسائر الصحابة، فهل كان من مانع شرعي أو عقلي أو عرفي، يمنع من تأجيل عقد البيعة إلى فراغهم من تجهيز رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ ؟ ولو بأن يوكل حفظ الأمن إلى القيادة العسكرية مؤقتا حتى يستتب أمر الخلافة ؟

أليس هذا المقدار من التريث كان أرفق بأولئك المفجوعين ؟ وهم وديعة النبي لديهم، وبقيته فيهم، وقد قال الله تعالى:( لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) (٢٣) أليس على حق هذا الرسول - الذي يعز عليه عنت الأمة، ويحرص على

____________________

=> تهديد عمر عليا وفاطمة بالإحراق: راجع: الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج ١ / ١٢ ط مصر، العقد الفريد لابن عبد ربه المالكي ج ٤ / ٢٥٩ و ٦٠ ط ٢ بمصر، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١ / ١٣٤ وج ٢ / ١٩ ط ١ بمصر وج ٢ / ٥٦ وج ٦ / ٤٨ ط مصر بتحقيق أبو الفضل وج ١ / ١٥٧ ط دار الفكر، تاريخ الطبري ج ٣ / ٢٠٢ ط دار المعارف بمصر، الملل والنحل للشهرستاني ج ١ / ٥٧ ط بيروت، تاريخ أبى الفداء ج ١ / ١٥٦، أعلام النساء ج ٣ / ١٢٠٧، تاريخ ابن شحنة بهامش الكامل ج ٧ / ١٦٤، بحار الأنوار ج ٢٨ / ٣٢٨ و ٣٣٩ ط الجديد، الغدير للأميني ج ٧ / ٧٧ ط بيروت، عبدالله بن سبأ ج ١ / ١٠٨ ط بيروت.

(٢٢) ديوان حافظ إبراهيم

(٢٣) سورة التوبة: ١٢٨ (*).

٣٦

سعادتها، وهو الرؤوف بها الرحيم لها - ان لا تعنت عترته فلا تفاجأ بمثل ما فوجئت به، - والجرح لما يندمل، والنبي لما يقبر - ؟ ! وحسبها يومئذ فقد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قارعة تفترش بها القلق، وتتوسد الأرق، وتساور الهموم، وتسامر النجوم، وتتجرع الغصص، وتعالج البرحاء، فالتريث الذي قلناه كان أولى بتعزيتها، وأدنى إلى حفظ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيها، وأجمع لكلمة الأمة، واقرب إلى استعمال الحكمة، ولكن القوم صمموا على صرف الخلافة عن آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله مهما كلفهم الأمر، فخافوا من التريث أن يفضي بهم إلى خلاف ما صمموا عليه، فان آل محمد إذا حضروا المشورة ظهرت حجتهم وعلت كلمتهم، فبادر القوم بعقد البيعة، واغتنموا اشتغال الهاشميين برزيتهم، وانتهزوا انصرافهم بكلهم إلى واجباتهم بتجهيز جنازتهم المفداة.

وأعان أولئك على ما دبروه دهشة المسلمين وذعرهم، وتزلزل أقدامهم، واجتماع أكثر الأنصار في السقيفة يرشحون سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج، لكن ابن عمه بشير بن سعد بن ثعلبة الخزرجي وأسيد بن الحضير سيد الأوس، كانا ينافسانه في السيادة فحسداه على هذا الترشيح وخافا أن يتم له الأمر، فأضمرا له الحسيكة مجمعين على صرف الأمر عنه بكل ما لديهما من وسيلة، وصافقهما على ذلك عويم بن ساعدة الأوسي، ومعن بن عدي حليف الأنصار، وقد كان هذان على اتفاق سري مع أبي بكر وعمر وحزبهما، فكانا من أولياء أبي بكر على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكانا مع ذلك ذوي بغض وشحناء لسعد بن أبي عبادة، فانطلق عويم إلى أبي بكر وعمر مسرعا فشحذ عزمهما لمعارضة سعد، وأسرع بهما إلى السقيفة ومعهما أبو عبيدة، وسالم مولى أبي حذيفة، ولحقهم آخرون من حزبهم من المهاجرين.

٣٧

فاحتدم الجدال بين المهاجرين والأنصار، واشتدت الخصومة حتى ارتفعت أصواتهم بها وكادت الفتنة أن تقع، فقام أبو بكر بكلام أثنى فيه على الأنصار، واعترف لهم بالجميل خاطبا ودهم بلين ورقة

واحتج عليهم: بأن المهاجرين شجرة رسول الله وبيضته التي تفقأت عنه، ورشحهم للوزارة إذا تمت للمهاجرين الإمرة، ثم أخذ بضبعي عمر وأبي عبيدة فأمر المجتمعين بمبايعة أيهما شاؤا، وما ان فعل ذلك حتى تسابق إلى بيعته عمر وبشير، وما ان بايعاه حتى تبارى إلى بيعته أسيد بن الحضير، وعويم بن ساعدة، ومعن بن عدي، وأبو عبيدة بن الجراح، وسالم مولي أبي حذيفة، وخالد بن الوليد(٢٤) واشتد هؤلاء على حمل الناس على البيعة بكل طريق، وكان أشدهم في ذلك عمر، ثم أسيد وخالد وقنفذ(١) بن عمير بن جدعان التميمي(٢٥) وما بويع أبو بكر حتى أقبلت به الفئة التي بايعته تزفه إلى مسجد

____________________

(٢٤) ولأجل المزيد من المصادر راجع: كتاب عبدالله بن سبأ للعسكري ج ١ / ٨٢ - ١٣٢.

(١) كان هؤلاء مع الجماعة الذين دخلوا بيت فاطمةعليها‌السلام وحسبك ما هو منقول عنهم في ص ١٩ من المجلد الثاني من شرح النهج. وروى أحمد بن عبد العزيز الجوهري - كما في ص ١٣٠ من المجلد الأول من شرح النهج - قال: لما بويع أبو بكر كان الزبير والمقداد يختلفان في جماعة من الناس إلى علي وهو في بيت فاطمة فخرج عمر حتى دخل على فاطمة فقال: يا بنت رسول الله ما من أحد من الخلق أحب إلينا من أبيك، ومنك بعد أبيك وايم الله ما هذا بما نعى ان اجتمع هؤلاء النفر عندك ان آمر بتحريق البيت عليهم. (الحديث) (منه قدس).

(٢٥) استعمال القوة والإكراه في البيعة لأبي بكر: راجع: شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١ / ٢١٩ وج ٦ / ٩ و ١١ و ١٩ و ٤٠ و ٤٧ و ٤٨ و ٤٩ ط مصر بتحقيق أبو الفضل وج ١ / ٧٤ وج ٢ / ٤ - ١٩ ط ١ بمصر .(*)

٣٨

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله زفاف العروس(٢٦) والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ثمة لقي بين أولئك المولهين والمولهات من الطيبين والطيبات، فما وسع أمير المؤمنينعليه‌السلام حينئذ الا التمثيل بقول القائل ؟

وأصبح أقوام يقولون ما اشتهوا * ويطغون لما غال زيدا غوائل(٢٧)

وكانعليه‌السلام على علم من تصميم القوم على صرف الأمر عنه، وانه لو نازعهم فيه لنازعوه، ولو قاتلهم عليه لقاتلوه، وان ذلك يوجب التغرير في الدين والخطر بالأمة، فاختار الكف احتياطا على الإسلام، وإيثارا للصالح العام، وتقديما للأهم على المهم، عهد معهود من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . صبر أمير المؤمنين على تنفيذه وفي العين قذى، وفي الحلق شجى(١) .

نعم قعد في بيته ساخطا مما فعلوه، حتى أخرجوه كرها(٢٨) احتفاظا بحقه المعهود به إليه

____________________

(٢٦) نص على زفافه الزبير بن بكار في الموفقيات كما في ص ٨ من المجلد الثاني من شرح النهج (منه قدس). وج ٦ / ١٩ ط مصر بتحقيق أبو الفضل.

(٢٧) نقل تمثله بهذا البيت أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب - السقيفة - كما في ص ٥ من المجلد الثاني من شرح النهج الحميدى (منه قدس). شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ٦ / ١٤ بتحقيق أبو الفضل.

(١) وتفصيل هذه الأمور كلها في رسالتنا - فلسفة الميثاق والولاية - وحسبك المراجعة ٨٢ و ٨٤ من كتابنا - المراجعات - فان فيهما من التفصيل ما يثلج الغليل. وكذلك التنبيه المعقود في الفصل الثامن من - فصولنا المهمة - فراجع (منه قدس).

(٢٨) أخرج أبو بكر الجوهري في كتاب السقيفة - كما في ص ١٩ من المجلد الثاني من شرح النهج الحميدى - عن الشعبى حديثا قال فيه: فانطلق عمر وخالد بن الوليد إلى بيت فاطمة فدخل عمر ووقف خالد على الباب، فقال عمر للزبير: ما هذا =>

٣٩

واحتجاجه على من استبد به(٢٩) وما أبلغ حجته إذ قال مخاطبا لأبي بكر :

فأن كنت بالقربى حججت خصيمهم

فغيرك أولى بالنبي وأقرب

____________________

=> السيف ؟ قال: أعددته لأبايع عليا. قال وكان في البيت ناس كثير منهم المقداد وجمهور الهاشميين، فاخترط عمر السيف وضرب به صخرة في البيت فكسره ثم أخرجوا الزبير إلى خالد ومن معه، وكان معه جمع كثير أرسلهم أبو بكر ردءا لعمر وخالد، ثم قال عمر لعلى: قم فبايع. فتلكأ وأحتبس، فأخذ بيده فقال: قم، فأبى فحملوه ودفعوه إلى خالد كما دفعوا الزبير وساقهما عمر ومن معه من الرجال سوقا عنيفا، واجتمع الناس ينظرون، وامتلأت شوارع المدينة بالرجال، فلما رأت فاطمة ما صنع عمر صرخت وولولت، واجتمع معها نساء كثير من الهاشميات وغيرهن، فخرجت إلى باب حجرتها ونادت: يا أبا بكر ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله. والله لا أكلم عمر حتى ألقى الله، (الحديث)، ومن استقصى ما كان منهم يومئذ تجلت له الحقيقة في قول أبى بكر عند موته: وددت إني لم أكشف عن بيت فاطمة ولو أغلق على حرب.

وأخرج أبو بكر الجوهري في كتاب السقيفة أيضا من حديث أبى لهيعة عن أبى الأسود: ان عمر وأصحابه اقتحموا الدار وفاطمة تصيح وتناشدهم الله، وأخرجوا عليا والزبير يسوقهما عمر سوقا، وأخرج أبو بكر الجوهري: ان عمر جاء إلى بيت فاطمة في رجال من الأنصار ونفر قليل من المهاجرين، فقال: والذي نفسي بيده لتخرجن إلى البيعة أو لأحرقن البيت عليكم، فخرج إليه الزبير مصلتا بالسيف، فاجتمعوا عليه حتى ندر السيف من يده، فضرب به عمر الحجر فكسره، ثم أخرجهم بتلابيبهم يسوقهم سوقا عنيفا. (الحديث)، فراجعه في ص ١٩ من المجلد الثاني من شرح النهج، وكل ما ذكرناه هنا تجده هناك (منه قدس).

أخراج الإمام أمير المؤمنين (ع) كرها لأجل البيعة: راجع: العقد الفريد ج ٤ / ٣٣٥ ط لجنة التأليف والنشر في مصر وج ٢ / ٢٨٥ ط آخر، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ٣ / ٤١٥ ط أفست بيروت وج ٦ / ١١ و ٤٨ ط مصر بتحقيق أبو الفضل.

(٢٩) مطالبة الإمام (ع) بحقه واحتجاجه عليهم =>

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

فذبيحته مذكاة إذا سمى الله عليها وإن سمى النصراني عليها باسم المسيح لم تؤكل ولا فرق بين العرب والعجم في ذلك وقال مالك ما ذبحوه لكنائسهم أكره أكله وما سمى عليه باسم المسيح لا يؤكل والعرب والعجم فيه سواء وقال الثوري إذا ذبح وأهل به لغير الله كرهته وهو قول إبراهيم وقال الثوري وبلغني عن عطاء أنه قال قد أحل الله ما أهل به لغير الله لأنه قد علم أنهم سيقولون هذا القول وقال الأوزاعى إذا سمعته يرسل كلبه باسم المسيح أكل وقال فيما ذبح أهل الكتابين لكنائسهم وأعيادهم كان مكحول لا يرى به بأسا ويقول هذه كانت ذبائحهم قبل نزول القرآن ثم أحلها الله تعالى في كتابه وهو قول الليث بن سعد وقال الربيع عن الشافعى لا خير في ذبائح نصارى العرب من بنى تغلب قال ومن دان دين أهل الكتاب قبل نزول القرآن وخالف دين أهل الأوثان قبل نزول القرآن فهو خارج من أهل الأوثان وتقبل منه الجزية عربيا كان أو عجميا ومن دخل عليه إسلام ولم يدن بدين أهل الكتاب فلا يقبل منه إلا الإسلام أو السيف قال أبو بكر وقد روى عن جماعة من السلف القول في أهل الكتاب من العرب لم يفرق أحد منهم فيه بين من دان بذلك قبل نزول القرآن أو بعده ولا نعلم أحدا من السلف أو الخلف اعتبر فيهم ما اعتبره الشافعى في ذلك فهو منفرد بهذه المقالة خارج بها عن أقاويل أهل العلم* وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله( لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ ) قال كانت المرأة من الأنصار لا يعيش لها ولد فتحلف لأن عاش لها ولد لتهودنه فلما أجليت بنو النضير إذا فيهم ناس من أبناء الأنصار فقالت الأنصار يا رسول الله أبناؤنا فأنزل الله( لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ ) قال سعيد فمن شاء لحق بهم ومن شاء دخل الإسلام فلم يفرق فيما ذكر بين من دان باليهودية قبل نزول القرآن وبعده* وروى عبادة بن نسى(١) عن غضيف بن الحارث أن عاملا لعمر بن الخطاب كتب إليه أن ناسا من السامرة يقرؤن التوراة ويسبتون السبت ولا يؤمنون بالبعث فما ترى فكتب إليه عمر أنهم طائفة من أهل الكتاب وروى محمد بن سيرين عن عبيدة قال سألت عليا عن ذبائح نصارى العرب فقال لا تحل ذبائحهم فإنهم لم يتعلقوا من دينهم بشيء إلا بشرب الخمر * وروى عطاء بن

__________________

(١) قوله نسى بضم النون وفتح السين وتشديد الياء.

«٢١ ـ أحكام لث»

٣٢١

السائب عن عكرمة عن ابن عباس قال كلوا من ذبائح بنى تغلب وتزوجوا من نسائهم فإن الله تعالى قال في كتابه( وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ) فلو لم يكونوا منهم إلا بالولاية كانوا منهم ولم يفرق أحد من هؤلاء بين من دان بذلك قبل نزول القرآن وبعده فهو إجماع منهم* ويدل على بطلان هذه المقالة من التفرقة بين من دان بدين أهل الكتاب قبل نزول القرآن أو بعده قول الله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ ) وذلك إنما يقع على المستقبل فأخبر تعالى بعد نزول القرآن أن من يتولاهم من العرب فهو منهم وذلك يقتضى أن يكون كتابيا لأنهم أهل الكتاب وأن تحل ذبائحهم لقوله تعالى( وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ ) ومن الناس من يزعم أن أهل الكتاب هم بنو إسرائيل الذين ينتحلون اليهودية والنصرانية دون من سواهم من العرب والعجم الذين دانوا بدينهم ولم يفرقوا في ذلك بين من دان بذلك قبل نزول القرآن وبعده ويحتجون في ذلك بقوله( وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ) فأخبر أن الذين آتاهم الكتاب هم بنو إسرائيل وبحديث عبيدة السلماني عن على أنه قال لا تحل ذبائح نصارى العرب لأنهم لم يتعلقوا من دينهم بشيء إلا بشرب الخمر * أما الآية فلا دلالة فيها على قولهم لأنه إنما أخبر أنه آتى بنى إسرائيل الكتاب ولم ينف بذلك أن يكون من انتحل دينهم في حكمهم وقد قال ابن عباس تحل ذبائحهم لقوله تعالى( لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ) فلو لم يكونوا منهم إلا بالولاية لكانوا منهم وقول على رضى الله عنه في ذلك وحظر ذبائح نصارى العرب ليس من جهة أنهم من غير بنى إسرائيل لكن من قبل أنهم غير متمسكين بأحكام تلك الشريعة لأنه قال إنهم لا يتعلقون من دينهم إلا بشرب الخمر ولم يقل لأنهم ليسوا من بنى إسرائيل فقول من قال إن أهل الكتاب لا يكونون إلا من بنى إسرائيل وإن دانوا بدينهم قول ساقط مردود وروى هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبى عبيدة عن حذيفة عن عدى بن حاتم قال أتينا النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يا عدى بن حاتم أسلم تسلم فقلت له إن لي دينا فقال أنا أعلم بدينك منك قلت أنت أعلم بديني منى قال نعم ألست ركوسيا قال قلت بلى قال ألست ترأس قومك قال قلت بلى قال ألست تأخذ المرباع قال

٣٢٢

قلت بلى قال فإن ذلك لا يحل لك في دينك قال فكأنى رأيت أن على بها غضاضة وكأنى تواضعت بها وروى عبد السلام بن حرب عن عطيف بن أعين عن مصعب بن سعد عن عدى بن حاتم قال أتيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وفي عنقي صليب ذهب فقال ألق هذا الوثن عنك ثم قرأ( اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ ) قال قلت يا رسول الله ما كنا نعبدهم قال أليس كانوا يحلون لكم ما حرم الله عز وجل فتحلونه ويحرمون عليكم ما أحل الله فتحرمونه قال فتلك عبادتهم وفي هذين الخبرين ضروب من الدلالة على ما ذكرنا أحدها أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم نسبه إلى متخذي الأحبار والرهبان أربابا وهم اليهود والنصارى ولم ينف ذلك عنه من حيث كان عربيا وقال في الحديث الأول ألست ركوسيا وهم صنف من النصارى فلم يخرجه عنهم بأخذهم المرباع وهو ربع الغنيمة وليس ذلك من دين النصارى لأن في دينهم أن الغنائم لا تحل فهذا يدل على أن ترك التمسك بما ينتحله المنتحلون للأديان لا يخرجهم من أن يكونوا من أهل تلك الشريعة وذلك الدين ويدل على أن العرب وبنى إسرائيل سواء فيما ينتحلون من دين أهل الكتاب وأنهم غير مختلفي الأحكام ولما لم يسأله النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم عما انتحله من دين النصارى أكان قبل نزول القرآن أو بعده ونسبه إلى فرقة منهم من غير مسألة دل على أنه لا فرق بين من انتحل ذلك قبل نزول القرآن أو بعده والله أعلم.

باب تزوج الكتابيات

قال الله تعالى( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) قال أبو بكر اختلف في المراد بالمحصنات هاهنا فروى عن الحسن والشعبي وإبراهيم والسدى أنهم العفائف وروى عن عمر ما يدل على أن المعنى عنده ذلك وهو ما حدثنا جعفر بن محمد الواسطي قال حدثنا جعفر بن محمد بن اليمان قال حدثنا أبو عبيد قال حدثنا محمد بن يزيد عن الصلت ابن بهرام عن شقيق بن سلمة قال تزوج حذيفة بيهودية فكتب إليه عمر أن خل سبيلها فكتب إليه حذيفة أحرام هي فكتب إليه عمر لا ولكني أخاف أن تواقعوا المومسات منهن قال أبو عبيد يعنى العواهر فهذا يدل على أن معنى الإحصان عنده هاهنا كان على العفة وقال مطرف عن الشعبي في قوله( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) قال إحصان اليهودية والنصرانية أن تغتسل من الجنابة وأن تحصن فرجها وروى ابن

٣٢٣

أبى نجيح عن مجاهد( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) قال الحرائر قال أبو بكر الاختلاف في نكاح الكتابية على أنحاء مختلفة منها إباحة نكاح الحرائر منهن إذا كن ذميات فهذا لا خلاف بين السلف وفقهاء الأمصار فيه إلا شيئا يروى عن ابن عمر أنه كرهه حدثنا جعفر بن محمد قال حدثنا جعفر بن محمد بن اليمان قال حدثنا أبو عبيد قال حدثنا يحيى بن سعيد عن عبد الله بن نافع عن ابن عمر أنه كان لا يرى بأسا بطعام أهل الكتاب ويكره نكاح نسائهم قال جعفر وحدثنا أبو عبيد قال حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث قال حدثني نافع عن ابن عمر أنه كان إذا سئل عن نكاح اليهودية والنصرانية قال إن الله حرم المشركات على المسلمين ولا أعلم من الشرك شيئا أعظم من أن تقول ربها عيسى بن مريم أو عبد من عبيد الله* قال أبو عبيد وحدثني على بن معبد عن أبى المليح عن ميمون بن مهران قال قلت لابن عمر إنا بأرض يخالطنا فيها أهل الكتاب أفننكح نساءهم ونأكل طعامهم قال فقرأ على آية التحليل وآية التحريم قال قلت إنى أقرأ ما تقرأ أفننكح نسائهم ونأكل طعامهم قال فأعاد على آية التحليل وآية التحريم* قال أبو بكر يعنى بآية التحليل( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) وبآية التحريم( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ ) فلما رأى ابن عمر الآيتين في نظامها تقتضي إحداهما التحليل والأخرى التحريم وقف فيه ولم يقطع بإباحته واتفق جماعة من الصحابة على إباحة أهل الكتاب الذميات سوى ابن عمر وجعلوا قوله( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ ) خاصا في غير أهل الكتاب حدثنا جعفر بن محمد قال حدثنا جعفر بن محمد بن اليمان قال حدثنا أبو عبيد قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدى عن سفيان عن حماد قال سألت سعيد ابن جبير عن نكاح اليهودية والنصرانية قال لا بأس قال قلت فإن الله تعالى قال( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ ) قال أهل الأوثان والمجوس وقد روى عن عمر ما قدمنا ذكره* وروى أن عثمان بن عفان تزوج نائلة بنت الفرافصة(١) الكلبية وهي نصرانية وتزوجها على نسائه وروى عن طلحة بن عبيد الله أنه تزوج يهودية من أهل الشام وتروى إباحة ذلك عن عامة التابعين منهم الحسن وإبراهيم والشعبي في آخرين منهم ولا يخلو قوله

__________________

(١) قوله الفرافصة بفتح الفاء الأولى وكسر الفاء الثانية قال ابن الأنبارى كل ما في العرب فرافصة بضم الفاء الأولى إلا فرافصة أبا نائلة امرأة عثمان رضى الله عنه.

٣٢٤

تعالى( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ ) من أحد معنيين إما أن يكون إطلاقه مقتضيا لدخول الكتابيات فيه أو مقصورا على عبدة الأوثان غير الكتابيات فإن كان إطلاق اللفظ يتناول الجميع فإن قوله( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) يخصه ويكون قوله تعالى( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ ) مرتبات عليه لأنه متى أمكننا استعمال الآيتين على معنى ترتيب العام على الخاص وجب استعمالهما ولم يجز لنا نسخ الخاص بالعام إلا بيقين وإن كان قوله( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ ) إنما يتناول إطلاقه عبدة الأوثان على ما بيناه في غير هذا الموضع فقوله تعالى( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) ثابت الحكم إذ ليس في القرآن ما يوجب نسخه فإن قيل قوله تعالى( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) إنما المراد به اللاتي كن كتابيات فأسلمن كما قال تعالى في آية أخرى( وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ ) وقوله تعالى( لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) والمراد من كان من أهل الكتاب فأسلم كذلك قوله( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) المراد به من كان من أهل الكتاب فأسلم* قيل له هذا غلط من وجوه أحدها أن إطلاق لفظ أهل الكتاب ينصرف إلى الطائفتين من اليهود والنصارى دون المسلمين ودون سائر الكفار ولا يطلق أحد على المسلمين أنهم أهل الكتاب كما لا يطلق عليهم أنهم يهود أو نصارى والله تعالى حين قال( وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ ) فإنه لم يطلق الاسم عليهم إلا مقيدا بذكر الإيمان عقيبه وكذلك قال( مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ) فذكر إيمانهم بعد وصفهم أنهم أهل الكتاب ولست واجدا في شيء من القرآن إطلاق أهل الكتاب من غير تقييد إلا وهو يريد به اليهود والنصارى والثاني أنه قد ذكر المؤمنات في قوله( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ ) فانتظم ذلك سائر المؤمنات مما كن مشركات أو كتابيات فأسلمن وممن نشأ منهن على الإسلام فغير جائز أن يعطف عليه مؤمنات كن كتابيات فوجب أن يكون قوله( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) على الكتابيات اللاتي لم يسلمن وأيضا فإن ساغ التأويل الذي ادعاه من خالف في ذلك فغير جائز لنا الانصراف عن الظاهر إلى غيره إلا بدلالة وليس معناه دلالة

٣٢٥

توجب صرفه عن الظاهر وأيضا فلو حمل على ذلك لزالت فائدته إذ كانت مؤمنة وقد تقدم في الآية ذكر المؤمنات* وأيضا لما كان معلوما أنه لم يرد بقوله تعالى( وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ ) طعام المؤمنين الذين كانوا من أهل الكتاب وأن المراد به اليهود والنصارى كذلك قوله( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ) هو على الكتابيات دون المؤمنات ويحتج للقائلين بتحريمهن بقوله تعالى( وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ ) قيل له إنما ذلك في الحربية إذا خرج زوجها مسلما أو الحربي تخرج امرأته مسلمة ألا ترى إلى قوله( وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ) وأيضا فلو كان عموما لخصه قوله( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) وقد اختلف في نكاح الكتابيات من وجه آخر فقال ابن عباس لا تحل نساء أهل الكتاب إذا كانوا حربا وتلا هذه الآية( قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ) إلى قوله( وَهُمْ صاغِرُونَ ) قال الحكم حدثت بذلك إبراهيم فأعجبه ولم يفرق في غيره ممن ذكرنا قوله من الصحابة بين الحربيات والذميات وظاهر الآية يقتضى جواز نكاح الجميع لشمول الاسم لهن قال أبو بكر ومما يحتج به لقول ابن عباس قوله تعالى( لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ ) والنكاح يوجب المودة بقوله تعالى( خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ) فينبغي أن يكون نكاح الحربيات محظورا لأن قوله تعالى( يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ ) إنما يقع على أهل الحرب لأنهم في حد غير حدنا وهذا عندنا إنما يدل على الكراهة وأصحابنا يكرهون مناكحات أهل الحرب من أهل الكتاب* وقد اختلف السلف في نكاح المرأة من بنى تغلب فروى عن على أنه لا يجوز لأنهم لم يتعلقوا من النصرانية إلا بشرب الخمر وهو قول إبراهيم وجابر بن زيد وقال ابن عباس لا بأس بذلك لأنهم لو لم يكونوا منهم إلا بالولاية لكانوا منهم واختلف أيضا في نكاح الأمة الكتابية وقد ذكرنا اختلاف الفقهاء فيه في سورة النساء ومن تأول قوله( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) على الحرائر جعل الإباحة مقصورة على نكاح الحرائر من الكتابيات ومن تأوله على العفة أباح نكاح الإماء الكتابيات* واختلف في المجوس فقال جل السلف وأكثر الفقهاء ليسوا أهل الكتاب وقال آخرون هم أهل الكتاب والقائلون بذلك شواذ والدليل

٣٢٦

على أنهم ليسوا أهل الكتاب قوله تعالى( وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا ) فأخبر تعالى أن أهل الكتاب طائفتان فلو كان المجوس أهل الكتاب لكانوا ثلاث طوائف ألا ترى أن من قال إنما لي على فلان جبتان لم يكن له أن يدعى أكثر منه وقول القائل إنما لقيت اليوم رجلين ينفى أن يكون قد لقى أكثر منهما فإن قيل إنما حكى الله ذلك عن المشركين وجائز أن يكونوا قد غلطوا قيل له إن الله لم يحك هذا القول عن المشركين ولكنه قطع بذلك عذرهم لئلا يقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين فهذا إنما هو قول الله واحتجاج منه على المشركين في قطع عذرهم بالقرآن وأيضا فإن المجوس لا ينتحلون شيئا من كتب الله المنزلة على أنبيائه وإنما يقرؤن كتاب زرادشت وكان متنبيا كذابا فليسوا إذا أهل كتاب ويدل عل أنهم ليسوا أهل كتاب حديث يحيى ابن سعيد عن جعفر بن محمد عن أبيه قال قال عمر ما أدرى كيف أصنع بالمجوس وليسوا أهل كتاب فقال عبد الرحمن بن عوف سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول سنوا بهم سنة أهل الكتاب فصرح عمر بأنهم ليسوا أهل كتاب ولم يخالفه عبد الرحمن ولا غيره من الصحابة وروى عبد الرحمن بن عوف عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال سنوا بهم سنة أهل الكتاب فلو كانوا أهل الكتاب لما قال سنوا بهم سنة أهل الكتاب ولقال هم من أهل الكتاب وفي حديث آخر أنه أخذ الجزية من مجوس هجر وقال سنوا بهم سنة أهل الكتاب * فإن قيل إن لم يكونوا أهل كتاب فقد جعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم حكمهم حكم أهل الكتاب بقوله سنوا بهم سنة أهل الكتاب قيل له إنما قال ذلك في الجزية خاصة وقد روى ذلك في غير هذا الخبر وروى سفيان عن قيس بن مسلم عن الحسن بن محمد قال كتب النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى مجوس هجر يدعوهم إلى الإسلام قال فإن أسلمتم فلكم مالنا وعليكم ما علينا ومن أبى فعليه الجزية غير أكل ذبائحهم ولا نكاح نسائهم وقد روى النهى عن صيد المجوس عن على وعبد الله وجابر بن عبد الله والحسن وسعيد بن المسيب وأبى رافع وعكرمة وهذا يوجب أن لا يكونوا عندهم أهل كتاب ويدل على أنهم ليسوا أهل كتاب أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم كتب إلى صاحب الروم يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم وكتب إلى كسرى ولم ينسبه إلى كتاب وروى في قوله تعالى( الم غُلِبَتِ الرُّومُ ) أن المسلمين أحبوا غلبة الروم لأنهم أهل كتاب

٣٢٧

وأحبت قريش غلبة فارس لأنهم جميعا ليسوا بأهل الكتاب فخاطرهم أبو بكر رضى الله عنه والقصة في ذلك مشهورة وأما من قال إنهم كانوا أهل كتاب ثم ذهب منهم بعد ذلك ويجعلهم من أجل ذلك من أهل الكتاب فإن هذا لا يصح ولا يعلم ثبوته وإن ثبت أوجب أن لا يكونوا من أهل الكتاب لأن الكتاب قد ذهب منهم وهم الآن غير منتحلين لشيء من كتب الله تعالى وقد اختلف في الصابئين هم من أهل الكتاب أم لا فروى عن أبى حنيفة أنهم أهل كتاب وقال أبو يوسف ومحمد ليسوا أهل كتاب وكان أبو الحسن الكرخي يقول الصابئون الذين هم عنده من أهل الكتاب قوم ينتحلون دين المسيح ويقرؤن الإنجيل فأما الصابئون الذين يعبدون الكواكب وهم الذين بناحية حران فإنهم ليسوا بأهل كتاب عندهم جميعا* قال أبو بكر الصابئون الذين يعرفون بهذا الاسم في هذا الوقت ليس فيهم أهل كتاب وانتحالهم في الأصل واحد أعنى الذين بناحية حران والذين بناحية البطائح في سواد واسط وأصل اعتقادهم تعظيم الكواكب السبعة وعبادتها واتخاذها آلهة وهم عبدة الأوثان في الأصل إلا أنهم منذ ظهر الفرس على إقليم العراق مملكة الصابئين وكانوا نبطا لم يجسروا على عبادة الأوثان ظاهرا لأنهم منعوهم من ذلك وكذلك الروم وأهل الشام والجزيرة كانوا صابئين فلما تنصر قسطنطين حملهم بالسيف على الدخول في النصرانية فبطلت عبادة الأوثان من ذلك الوقت ودخلوا في عمار النصارى في الظاهر وبقي كثير منهم على تلك النحلة مستخفين بعبادة الأوثان فلما ظهر الإسلام دخلوا في جملة النصارى ولم يميز المسلمين بينهم وبين النصارى إذ كانوا مستخفين بعبادة الأوثان كاتمين لأصل الاعتقاد وهم أكتم الناس لاعتقادهم ولهم أمور وحيل في صبيانهم إذا عقلوا في كتمان دينهم وعنهم أخذت الإسماعيلية كتمان المذهب وإلى مذهبهم انتهت دعوتهم وأصل الجميع اتخاذ الكواكب السبعة آلهة وعبادتها واتخاذها أصناما على أسمائها لا خلاف بينهم في ذلك وإنما الخلاف بين الذين بناحية حران وبين الذين بناحية البطائح في شيء من شرائعهم وليس فيهم أهل كتاب فالذي يغلب في ظني في قول أبى حنيفة في الصابئين أنه شاهد قوما منهم أنهم يظهرون أنهم من النصارى وأنهم يقرؤن الإنجيل وينتحلون دين المسيح تقية لأن كثيرا من الفقهاء لا يرون إقرار معتقدي مقالهم بالجزية ولا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف ومن كان اعتقاده من الصابئين

٣٢٨

ما وصفنا فلا خلاف بين الفقهاء أنهم ليسوا أهل كتاب وأنه لا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم.

باب الطهارة للصلاة

قال الله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) الآية قال أبو بكر ظاهر الآية يقتضى وجوب الطهارة بعد القيام إلى الصلاة لأنه جعل القيام إليها شرطا لفعل الطهارة وحكم الجزاء أن يتأخر عن الشرط ألا ترى أن من قال لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق إنما يقع الطلاق بعد الدخول وإذا قيل إذا لقيت زيدا فأكرمه أنه موجب للإكرام بعد اللقاء وهذا لا خلاف فيه بين أهل اللغة أنه مقتضى اللفظ وحقيقته ولا خلاف بين السلف والخلف أن القيام إلى الصلاة ليس بسبب لإيجاب الطهارة وأن وجوب الطهارة متعلق بسبب آخر غير قيام فليس إذا هذا اللفظ عموما في إيجاب الطهارة بعد القيام إلى الصلاة إذ كان الحكم فيه متعلقا بضمير غير مذكور وليس في اللفظ أيضا ما يوجب تكرار وجوب الطهارة بعد القيام إلى الصلاة من وجهين أحدهما ما ذكرنا من تعلق الحكم بضمير غير مذكور يحتاج فيه إلى طلب الدلالة عليه من غيره والثاني أن إذا لا توجب التكرار في لغة العرب ألا ترى أن من قال لرجل إذا دخل زيد الدار فأعطه درهما فدخلها مرة أنه يستحق درهما فإن دخلها مرة أخرى لم يستحق شيئا وكذلك من قال لامرأته إذا دخلت الدار فأنت طالق فدخلتها مرة طلقت فإن دخلتها مرة أخرى لم تطلق فثبت بذلك أنه ليس في الآية دلالة على وجوب تكرار الطهارة لتكرار القيام بها* فإن قيل فلم يتوضأ أحد بالآية إلا مرة واحدة* قيل له قد بينا أن الآية غير مكتفية بنفسها في إيجاب الطهارة دون بيان مراد الضمير بها فقول القائل إنه لم يتوضأ بالآية إلا مرة واحدة خطأ لأن الآية في معنى المجمل المفتقر إلى البيان فمهما ورد به البيان فهو المراد الذي به تعلق الحكم على وجه الإفراد أو التكرار على حسب ما اقتضاه بيان المراد ولو كان لفظ الآية عموما مقتضيا للحكم فيما ورد غير مفتقر إلى البيان لم يكن أيضا موجبا لتكرار الطهارة عند القيام إليها من جهة اللفظ وإنما كان يوجب التكرار من جهة المعنى الذي علق به وجوب الطهارة وهو الحدث دون القيام إليها* وقد حدثنا من لا أتهم قال حدثنا أبو مسلم الكرخي قال حدثنا أبو عاصم عن سفيان عن علقمة

٣٢٩

ابن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه قالصلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم فتح مكة خمس صلوات بوضوء واحد ومسح على خفيه فقال له عمر يا رسول الله صنعت شيئا لم تكن تصنعه قال عمدا فعلته وحدثنا من لا أتهم قال حدثنا محمد بن يحيى الذهلي قال حدثنا أحمد بن خالد الوهبي قال حدثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن يحيى بن حبان عن عبد الله بن عبد الله بن عمر قال قلت له أرأيت وضوء عبد الله بن عمر لكل صلاة طاهرا كان أو غير طاهر عمن هو قال حدثتنيه أسماء بنت زيد بن الخطاب أن عبد الله بن حنظلة بن أبى عامر الغسيل حدثها أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم كان أمر بالوضوء عند كل صلاة طاهرا فلما شق ذلك على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر بالسواك عند كل صلاة ووضع عنه الوضوء إلا من حدث فكان عبد الله يرى أن به قوة على ذلك ففعله حتى مات* فقد دل الحديث الأول على أن القيام إلى الصلاة غير موجب للطهارة إذ لم يجدد النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لكل صلاة طهارة فثبت بذلك أن فيه ضميرا به يتعلق إيجاب الطهارة وبين في الحديث الثاني أن الضمير هو الحدث لقوله ووضع عنه الوضوء إلا من حدث* ويدل على أن الضمير فيه هو الحدث ما روى سفيان الثوري عن جابر عن عبد الله بن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الله بن علقمة عن أبيه قال كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا أراق ماء نكلمه فلا يكلمنا ونسلم عليه فلا يكلمنا حتى يأتى أهله فيتوضأ وضوءه للصلاة فقلنا له في ذلك حين نزلت آية الرخصة( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) الآية فأخبر أن الآية نزلت في إيجاب الوضوء من الحدث عند القيام إلى الصلاة وحدثنا من لا أتهم في الرواية قال أخبرنا محمد بن على بن زيد أن سعيد بن منصور حدثهم قال حدثنا إسماعيل بن إبراهيم قال أخبرنا أيوب عن عبد الله بن أبى مليكة عن ابن عباس أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج من الخلاء فقدم إليه الطعام فقالوا ألا نأتيك بوضوء قال إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة قال أبو بكر سألوه عن الوضوء من الحدث عند الطعام فأخبر أنه أمر بالوضوء من الحدث عند القيام إلى الصلاة وروى أبو معشر المدني عن سعيد بن أبى سعيد المقبري عن أبى هريرة قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لو لا أن أشق على أمتى لأمرت في كل صلاة بوضوء ومع كل وضوء بسواك وهذا يدل على أن الآية لم تقض إيجاب الوضوء لكل صلاة من وجهين أحدهما أن الآية لو أوجبت ذلك لما قال لأمرت في كل صلاة بوضوء والثاني إخباره بأنه لو أمر به لكان

٣٣٠

واجبا بأمره دون الآية وروى مالك بن أنس عن زيد بن أسلم( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) قال إذا قمتم من المضجع يعنى النوم وقد كان رد السلام محظورا إلا بطهارة وروى قتادة عن الحسن عن حضين أبى ساسان عن المهاجر قال أتيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يتوضأ فسلمت عليه فلما فرغ من وضوئه قال ما منعني أن أرد عليك السلام إلا أنى كنت على غير وضوء وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا محمد بن شاذان قال حدثنا معلى ابن منصور قال أخبرنى محمد بن ثابت العبدري قال حدثنا نافع قال انطلقت مع ابن عمر في حاجة إلى ابن عباس فلما قضى حاجته من ابن عباس كان من حديثه يومئذ قال بينا النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم في سكة من سكك المدينة وقد خرج من غائط أو بول فخرج عليه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه ثم أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ضرب بكفيه على الحائط ثم مسح وجهه ثم ضرب ضربة أخرى فمسح ذراعيه إلى المرفقين ثم رد على الرجل السلام وقال لم يمنعني أن أرد عليك إلا أنى لم أكن على وضوء أو قال على طهارة فهذا يدل على أن رد السلام كان مشروطا فيه الطهارة وجائز أن يكون ذلك كان خاصا للنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لأنه لم يرو أنه نهى عن رد السلام إلا على طهارة ويدل على أن ذلك كان على الوجوب أنه تيمم حين خاف فوت الرد لأن رد السلام إنما يكون على الحال فإذا تراخى فات فكان بمنزلة من خاف فوت صلاة العيد أو صلاة الجنازة إن توضأ فيجوز له التيمم وجائز أن يكون قد نسخ ذلك عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ويجوز أن يكون هذا الحكم قد كان باقيا إلى أن قبضه الله تعالى وقد روى عن أبى بكر وعمر وعثمان وعلى أنهم كانوا يتوضئون لكل صلاة وهذا محمول على أنهم فعلوه استحبابا وقال سعد إذا توضأت فصل بوضوئك ما لم تحدث وقد روى ابن أبى ذئب عن شعبة مولى ابن عباس أن عبيد بن عمير كان يتوضأ لكل صلاة ويتأول قوله تعالى( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ) فأنكر ذلك عليه ابن عباس وقد روى نفى إيجاب الوضوء لكل صلاة من غير حدث عن ابن عمر وأبى موسى وجابر بن عبد الله وعبيدة السلماني وأبى العالية وسعيد ابن المسيب وإبراهيم والحسن ولا خلاف بين الفقهاء في ذلك.

باب فضل تجديد الوضوء

وقد روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أخبار في فضيلة تجديد الوضوء منها ما حدثنا من لا أتهم قال حدثنا محمد بن زيد قال حدثنا سعيد قال حدثنا سلام الطويل عن زيد العمى عن

٣٣١

معاوية بن قرة عن ابن عمر قال دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بماء فتوضأ مرة مرة وقال هذا وظيفة الوضوء وضوء من لا يقبل الله له صلاة إلا به ثم تحدث ساعة ثم دعا بماء فتوضأ مرتين مرتين فقال هذا وضوء من توضأ به ضاعف الله له الأجر مرتين ثم تحدث ساعة ثم دعا بماء فتوضأ ثلاثا ثلاثا فقال هذا وضوئي ووضوء النبيين من قبلي وروى عنهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال الوضوء على الوضوء نور على نور وقالصلى‌الله‌عليه‌وسلم لو لا أن أشق على أمتى لأمرتهم بالوضوء عند كل صلاة فهذا كله يدل على استحباب الوضوء عند كل صلاة وإن لم يكن محدثا وعلى هذا يحمل ما روى عن السلف من تجديد الوضوء عند كل صلاة وقد روى عن على رضى الله عنه أنه توضأ ومسح على نعليه وقال هذا وضوء من لم يحدث ورواه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فثبت بما قدمنا أن قوله تعالى( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ) غير موجب للوضوء لكل صلاة وثبت أنه غير مستعمل على حقيقته وإن فيه ضميرا به يعلق إيجاب الطهارة وأنه بمنزلة المجمل المفتقر إلى البيان لا يصح الاحتجاج بعمومه إلا فيما قام دليل مراده* وقد روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أخبار متواترة في إيجاب الوضوء من النوم وهذا يدل على أن القيام إلى الصلاة غير موجب للوضوء لأنه إذا وجب من النوم لم يكن القيام إلى الصلاة بعد ذلك موجبا ألا ترى أنه إذا وجب من النوم لم يجب عليه بعد ذلك من حدث آخر وضوء آخر إذا لم يكن توضأ من النوم فلو كان القيام إلى الصلاة موجبا للوضوء لما وجب من النوم عند إرادة القيام إليها كالسببين إذا كان كل واحد منهما موجبا للوضوء ثم وجب من الأول لم يجب من الثاني وهذا يدل على أن من النوم هو الضمير الذي في الآية فكان تقديره إذا قمتم من النوم على ما روى عن زيد بن أسلم ويدل على أن النوم الموجب للوضوء هو النوم المعتاد الذي يجوز أن يقال فيه أنه قام من النوم ومن نام قاعدا أو ساجدا أو راكعا لا يقال إنه قام من النوم وإنما يطلق ذلك في نوم المضطجع ومن قال إن النوم ليس بحدث وإنما وجب به الطهارة لغلبة الحال في وجود الحدث فيه فإن الآية دالة على وجوب الطهارة من الريح وإذا كان المعنى على ما وصفنا فيكون حينئذ في مضمون الآية إيجاب الوضوء من النوم ومن الريح وقد أريد به أيضا إيجاب الوضوء من الغائط والبول وذلك من ضمير الآية لأنه مذكور في قوله( أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ ) والغائط هو المطمئن من الأرض وكانوا يأتونه

٣٣٢

لقضاء حوائجهم فيه وذلك يشتمل على وجوب الوضوء من الغائط والبول وسلس البول والمذي ودم الاستحاضة وسائر ما يستتر الإنسان عند وجوده عن الناس لأنهم كانوا يأتون الغائط للاستتار عن الناس وإخفاء ما يكون منهم وذلك لا يختلف باختلاف الأشياء الخارجة من البدن التي في العادة يسترها عن الناس من سلس البول والمذي ودم الاستحاضة فدل ذلك على أن هذه الأشياء كلها أحداث يشتمل عليها ضمير الآية وقد اتفق السلف وسائر فقهاء الأمصار على نفى إيجاب الوضوء على من نام قاعدا غير مستند إلى شيء روى عطاء عن ابن عباس أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أخر صلاة العشاء ذات ليلة حتى نام الناس ثم استيقظوا فجاءه عمر فقال الصلاة يا رسول الله فخرج وصلى ولم يذكر أنهم توضئوا * وروى عن أنس قال كنا نجيء إلى مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ننتظر الصلاة فمنا من نعس ومنا من نام ولا نعيد وضوء وروى نافع عن ابن عمر قال لا يجب عليه الوضوء حتى يضع جنبه وينام وقد ذكرنا اختلاف الفقهاء في ذلك في غير هذا الموضع وروى أبو يوسف عن محمد بن عبد الله عن عطاء عن ابن عباس عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه كان يصلى الصبح ولا يتوضأ فسئل عن ذلك فقال إنى لست كأحدكم إنه تنام عيناي ولا ينام قلبي لو أحدثت لعلمته وهذا الحديث يدل على أن النوم في نفسه ليس بحدث وأن إيجاب الوضوء فيه إنما هو لما عسى أن يكون فيه من الحدث الذي لا يشعر به وهو الغالب من حال النائم وقد روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال العين وكاءا له فإذا نامت العين استطلق الوكاء فلما كان الأغلب في النوم الذي يستثقل فيه النائم وجود الحدث فيه حكم له بحكم الحدث وهذا إنما هو في النوم المعتاد الذي يضع النائم جنبه على الأرض ويكون في المضطجع من غير علم منه بما يكون منه فإذا كان جالسا أو على حال من أحوال الصلاة لغير ضرورة مثل القيام والركوع والسجود لم تنتقض طهارته لأن هذه أحوال يكون الإنسان فيها محتفظا وإن كان منه حدث علم به وقد روى يزيد بن عبد الرحمن عن قتادة عن أبى العالية عن ابن عباس عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال ليس على من نام ساجدا وضوء حتى يضطجع فإذا اضطجع استرخت مفاصله.

فصل قال أبو بكر قوله تعالى( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ) لما كان ضميره ما وصفنا من القيام من النوم أو إرادة القيام إليها في حال الحدث فأوجب ذلك تقديم الطهارة من

٣٣٣

الأحداث للصلاة وكانت الصلاة اسما للجنس يتناول سائرها من المفروضات والنوافل اقتضى ذلك أن تكون من شرائط صحة الصلاة الطهارة أى صلاة إذ لم تفرق الآية بين شيء منها وقد أكد النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ذلك بقوله لا يقبل الله صلاة بغير طهور * قوله تعالى( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) يقتضى إيجاب الغسل والغسل اسم لإمرار الماء على الموضع إذا لم تكن هناك نجاسة وإذا كان هناك نجاسة فغسلها إزالتها بإمرار الماء أو ما يقوم مقامه فقوله تعالى( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) إنما المقصد فيه إمرار الماء على الموضع إذ ليس هناك نجاسة مشروط إزالتها فإذا ليس عليه ذلك الموضع بيده وإنما عليه إمرار الماء حتى يجرى على الموضع* وقد اختلف في ذلك على ثلاثة أوجه فقال مالك بن أنس عليه إمرار الماء وذلك الموضع بيده وإلا لم يكن غسلا وقال آخرون وهو قول أصحابنا وعامة الفقهاء عليه إجراء الماء عليه وليس عليه دلكه بيده وروى هشام عن أبى يوسف أنه إن مسح الموضع بالماء كما يمسح بالدهن أجزأه والدليل على بطلان قول موجبى ذلك الموضع إن اسم الغسل يقع على إجراء الماء على الموضع من غير دلك والدليل على ذلك أنه لو كان على بدنة نجاسة فوالى بين صب الماء عليه حتى أزالها سمى بذلك غاسلا وإن لم يدلكه بيده فلما كان الاسم يقع عليه مع عدم الدلك لأجل إمرار الماء عليه وقال الله تعالى( فَاغْسِلُوا ) فهو متى أجرى الماء على الموضع فقد فعل مقتضى الآية وموجبها فمن شرط فيه ذلك الموضع بيده فقد زاد فيه ما ليس منه وغير جائز الزيادة في النص إلا بمثل ما يجوز به النسخ وأيضا فإنه لما لم يكن هناك شيء يزال بالدلك لم يكن لدلك الموضع وإمساسه بيده فائدة ولا حكم فلم يختلف حكمه إذا دلكه بيده أو أمر الماء عليه من غير دلك وأيضا فليس لذلك الموضع بيده حكم في الطهارة في سائر الأصول فوجب أن لا يتعلق به فيما اختلف فيه فإن قال قائل إذا لم يكن الغسل مأمورا به لإزالة شيء هناك علمنا أنه عبادة فمن حيث شرط فيه إمرار الماء وجب أن يكون دلكه بيده شرطا وإلا فلا معنى لإمرار الماء وإجرائه عليه قيل له قد ثبت في الأصول لإمرار الماء على الموضع حكم في غسل النجاسات ولم يثبت لدلك الموضع حكم بل حكمه ساقط في إزالة الأنجاس لأنه لو كان له حكم لكان اعتبار الدلك فيها أولى فوجب أن يكون كذلك حكمه في طهارة الحدث وأما من أجاز مسح هذه الأعضاء المأمور بغسلها فإن قوله مخالف لظاهر الآية فإن الله

٣٣٤

تعالى شرط في بعض الأعضاء الغسل وفي بعضها المسح فما أمر بغسله لا يجزى فيه المسح لأن الغسل يقتضى إمرار الماء على الموضوع وإجراءه عليه ومتى لم يفعل ذلك لم يسم غاسلا والمسح لا يقتضى ذلك وإنما يقتضى مباشرته بالماء دون إمراره عليه فغير جائز ترك الغسل إلى المسح ولو كان المراد بالغسل هو المسح لبطلت فائدة التفرقة بينهما في الآية وفي وجوب إثبات التفرقة بينهما ما يوجب أن يكون المسح غير الغسل فمتى مسح ولم يغسل فلا يجزيه لأنه لم يفعل المأمور به* ويدل على ذلك أنه ليس عليه في مسح الرأس في الوضوء إبلاغ الماء إلى أصول الشعر وإنما عليه مسح الظاهر منه وعليه في غسل الجنابة إبلاغ الماء أصول الشعر فلو كان المسح والغسل واحدا لأجزى في غسل الجنابة مسحه كما يجزى في الوضوء وفي ذلك دليل على أن ما شرط فيه الغسل لا ينوب عنه المسح فإن قيل إذا لم تكن هناك نجاسة تزال بالغسل فالمقصد فيه مباشرة الموضع بالماء فلا فرق بين الغسل والمسح قيل له هذا يدل على صحة ما ذكرنا وذلك لأنه لما لم تكن هناك نجاسة من أجلها يجب الغسل فكان وجوب عبادة ثم فرق الله تعالى في الآية بين الغسل والمسح فعلينا اتباع الأمر على حسب مقتضاه وموجبه وغير جائز لنا ترك الغسل إلى غيره والعبادة علينا في الغسل في الأعضاء المأمور بها كهي علينا في مسح العضو المأمور به فلم يجز استعمال النظر في ترك حكم اللفظ إلى غيره فإن قيل لو بقيت لمعة في ذراعه فمسحها جاز وهذا يدل على جواز مسح الجميع كما جاز مسح البعض* قيل له هذا غلط لأن اللمعة إذا اتصلت صارت في حكم المغسول وأما إذا لم تتصل فلا يجوز بالإجماع ففي ذلك دلالة على أن المسح لا ينوب مناب الغسل وقيل له لو لزم منا هذا في الوضوء للزمك في غسل الجنابة مثله والله أعلم.

باب الوضوء بغير نية

قوله تعالى( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) يقتضى جواز الصلاة بوجود الغسل سواء قارنته النية أو لم تقارنه وذلك لأن الغسل اسم شرعي مفهوم المعنى في اللغة وهو إمرار الماء على الموضع وليس هو عبارة عن النية فمن شرط فيه النية فهو زائد في النص وهذا فاسد من وجهين أحدهما أنه يوجب نسخ الآية قد أباحت فعل الصلاة بوجود الغسل للطهارة من غير شرط النية فمن حظر الصلاة ومنعها إلا مع وجود نية الغسل فقد أوجب نسخها

٣٣٥

وذلك لا يجوز إلا بنص مثله والوجه الآخر أن النص له حكمه ولا يجوز أن يلحق به ما ليس منه كما لا يجوز أن يسقط منه ما هو منه فإن قيل فقد شرطت في صحة الصلاة النية مع عدم ذكرها في اللفظ قيل له إنما جاز ذلك فيها من وجهين أحدهما أن الصلاة اسم مجمل مفتقر إلى البيان غير موجب للحكم بنفسه إلا ببيان يرد فيه وقد ورد فيه البيان بإيجاب إليه فلذلك أوجبناها وليس كذلك الوضوء لأنه اسم شرعي ظاهر المعنى بين المراد فمهما ألحقنا به ما ليس في اللفظ عبارة عنه فهو زيادة في النص ولا يجوز ذلك إلا بنص مثله والوجه الآخر اتفاق الجميع على إيجاب النية فيها فلو كان اسم الصلاة عموما ليس بمجمل لجاز إلحاق النية بها بالاتفاق فهي إذا كانت مجملا أحرى بإثبات النية فيها من جهة الإجماع.

ذكر اختلاف الفقهاء في فرض النية

قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد كل طهارة بماء تجوز بغير نية ولا يجزى التيمم إلا بنية وهو قول الثوري وقال الأوزاعى يجزى الوضوء بغير نية ولم تحفظ عنه في التيمم وقال مالك والليث والشافعى لا يجزى الوضوء ولا الغسل إلا بالنية وكذلك التيمم وقال الحسن بن صالح يجزى الوضوء والتيمم جميعا بغير نية قال أبو جعفر الطحاوي ولم نجد هذا القول في التيمم عن غيره قال أبو بكر قد قدمنا ذكر دلالة الآية على جواز الوضوء بغير نية وقوله تعالى( وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ) دل على جواز الاغتسال من الجنابة بغير نية كذلك قوله تعالى( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) على النحو الذي بينا ويدل عليه أيضا قوله تعالى( وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً ) ومعناه مطهرا فحيثما وجد فواجب أن يكون مطهرا ولو شرطنا فيه النية كنا قد سلبناه الصفة التي وصفه الله بها من كونه طهورا لأنه حينئذ لا يكون طهورا إلا بغيره والله تعالى جعله طهورا من غير شرط معنى آخر فيه فإن قيل إيجاب شرط النية فيه لا يخرجه من أن يكون طهورا كما وصفه الله تعالى كما قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وقال التراب طهور المسلم ما لم يجد الماء ولم يمنع ذلك إيجاب النية شرطا فيه قيل له إنما سماه طهورا على وجه المجاز تشبيها له بالماء في باب إباحة الصلاة والدليل عليه أنه لا يرفع الحدث ولا يزيل النجس فعلمنا أنه سماه طهورا استعارة ومجازا ومن

٣٣٦

جهة أخرى أن إثبات النية شرطا في التيمم جائز مع قوله التراب طهور المسلم ولا يجوز مثله في الوضوء وذلك لأن قوله( فَتَيَمَّمُوا ) يقتضى إيجاب النية إذ كان التيمم هو القصد في اللغة وقوله التراب طهور المسلم وارد من طريق الآحاد فواجب أن يكون الخبر مرتبا على الآية إذ غير جائز ترك حكم الآية بالخبر وتجوز الزيادة في حكم الخبر بالآية وليس ذلك كقوله( وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً ) لأنه غير جائز أن يزاد في نص القرآن إلا بمثل ما يجوز به نسخه ويدل على ذلك أيضا قوله تعالى( وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ) فأبان تعالى عن وقوع التطهير بالماء من غير شرط النية فيه* فإن قيل لما كان قوله تعالى( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) الآية مقتضيا لفرض الطهارة فمن حيث كان فرضا وجب أن تكون النية شرطا في صحته لاستحالة وقوع الفعل موقع الفرض إلا بالنية وذلك لأن الفرض يحتاج في صحة وقوعه إلى نيتين أحدهما نية التقرب به إلى الله تعالى والأخرى نية الفرض فإذا لم ينوه لم توجد صحة الفرض فلم يجز عن الفرض إذ هو غير فاعل المأمور به قيل له إنما يجب ما ذكرت في الفروض التي هي مقصودة لأعيانها ولم تجعل سببا لغيرها فأما ما كان شرطا لصحة فعل آخر فليس يجب ذلك فيه بنفس ورود الأمر إلا بدلالة تقاربه فلما جعل الله الطهارة شرطا لصحة الصلاة ولم تكن مفروضة لنفسها لأن من لا صلاة عليه فليس عليه فرض الطهارة كالمريض المغمى عليه أياما وكالحائض والنفساء وقال تعالى( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) وقال( وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ) فجعله شرطا في غيره ولم يجعله مأمورا به لنفسه فاحتاج موجب النية شرطا فيه إلى دلالة من غيره ألا ترى أن كثيرا مما هو شرط في الفرض وليس بمفروض بعينه فجائز أن يكون من فعل غيره نحو الوقت الذي هو شرط في صحة أداء الصلاة ولا صنع للمصلي ونحو البلوغ والعقل اللذين هما شرط في صحة التكليف وليسا بفعل المكلف فبان بما وصفنا أن ورود لفظ الأمر بما جعل شرطا في غيره لا يقتضى وقوعه طاعة منه ولا إيجاب النية فيه ألا ترى أن قوله تعالى( وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ) وإن كان أمرا بتطهير الثوب من النجاسة فإنه لم يوجب كون النية شرطا في تطهيره إذا لم تكن إزالة النجاسة مفروضة لنفسها وإنما هي شرط في غيرها وإنما تقديره لا تصل إلا في ثوب طاهر ولا تصل إلا مستور العورة ويدل على ذلك أيضا أن الشافعى قد وافقنا على أن رجلا لو قعد في المطر ينوى الطهارة

«٢٢ ـ أحكام لث»

٣٣٧

فأصاب جميع أعضائه أنه يجزيه من غير فعل له فيه ولو كان ذلك مفروضا لنفسه لما أجزأه دون أن يفعله هو أو يأمر به غيره لأن هذا حكم المفروض* فإن قيل فالتيمم غير مفروض لنفسه ولا يصح مع ذلك إلا بالنية فليس إيجاب النية مقصورا على ما كان مفروضا لنفسه قيل له هذا غير لازم لأنا لم نخرج هذا القول مخرج الاعتلال فتلزمنا عليه المناقضة وإنما بينا أن لفظ الأمر إذا ورد فيما كان وصفه ما ذكرنا فإنه لا يقتضى إيجاب النية شرطا فيه إلا بدلالة أخرى من غيره فإنما أسقطنا بذلك احتجاج من احتج بظاهر ورود الأمر في إيجاب النية وفي مضمون لفظ التيمم إيجاب النية إذ كان التيمم في اللغة اسما للقصد قال الله تعالى( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ) يعنى لا تقصدوا وقال الشاعر :

ولن يلبث العصر ان يوم وليلة

إذا طلبا أن يدركا ما تيمما

وقال آخر :

فإن تلى خيلى قد أصيب صميمها

فعمدا على عين تيممت مالكا

وقال الأعشى :

تيممت قيسا وكم دونه

من الأرض من مهمه ذي شزن

يعنى قصدته فلما كان في لفظ الآية إيجاب القصد والقصد هو النية لفعل ما أمر به جعلنا النية شرطا ولم يكن في إيجاب النية لحاق زيادة بالآية غير مذكورة فيها وأما الغسل فلا تنطوى تحته النية وفي إيجابها فيه إثبات زيادة فيها ليست منها وذلك غير جائز ووجه آخر في الفصل بين التيمم والوضوء وهو أن التيمم قد يقع تارة عن الغسل وتارة عن الوضوء وهو على صفة واحدة في الحالين فاحتيج إلى النية للفصل بين حكميهما لأن النية إنما شرطت لتمييز أحكام الأفعال فلما كان حكم التيمم قد يختلف فيقع تارة عن الغسل وتارة عن الوضوء احتيج إلى النية فيه لتمييز ما يقع منه عن الغسل عما يقع منه عن الوضوء وأما الغسل لا يختلف حكمه في نفسه ولا فيما يقع له فاستغنى عن النية فيه والتمييز إذ كان المقصد منه إيقاع الفعل كما قبل لا تصل حتى تغسل النجاسة من بدنك أو ثوبك ولا تصل إلا مستور العورة وليس يقتضى شيء من ذلك إيجاب النية فيه* ويدل على ما ذكرنا من جهة السنة حديث رفاعة بن رافع وأبى هريرة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في تعليمه الأعرابى

٣٣٨

الصلاة وقوله لا تتم صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه فيغسل وجهه ويديه ويمسح برأسه ويغسل رجليه فقوله حتى يضع الطهور مواضعه يقتضى جوازه بغير نية لأن مواضع الطهور معلومة مذكورة في القرآن فصار كقوله حتى يغسل هذه الأعضاء وقوله فيغسل وجهه ويديه يوجب ذلك أيضا إذ لم يشرط فيه النية فظاهره يقتضى جوازه على أى وجه غسله ويدل من جهة أخرى أنه معلوم أن الأعرابى كان جاهلا بأحكام الصلاة والطهارة فلو كانت النية شرطا فيها لما أخلاه النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم من التوقيف عليها وفي ذلك أوضح دليل على أنها ليست من فروضها* ويدل عليه أيضا قولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في غسل الجنابة لأم سلمة إنما يكفيك أن تحتي على رأسك ثلاث حثيات على سائر جسدك فإذا أنت قد طهرت ولم يشرط فيه النية وروى ابن عمر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه توضأ مرة مرة ثم قال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به فأشار إلى الفعل المشاهد دون النية هي ضمير لا تصح الإشارة إليه وأخبر بقبول الصلاة به وقال إذا وجدت الماء فامسسه جلدك وقال إن تحت كل شعرة جنابة فبلوا الشعر وانقوا البشرة ومن جهة النظر أن الوضوء طهارة بالماء كغسل النجاسة وأيضا هو سبب يتوصل به إلى صحة أداء الصلاة لا على وجه البدل عن غيره فأشبه غسل النجاسة وستر العورة والوقوف على مكان طاهر ولا يلزم عليه التيمم لأنه بدل عن غيره فإن احتجوا بقوله تعالى( وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) ذلك يقتضى إيجاب النية له لأن ذلك أقل أحوال الإخلاص قيل له ينبغي أن يثبت أن الوضوء عبادة أو أنه من الدين إذ جائز أن يقال إن العبادات هي مقصودة لعينه في التعبد فأما ما أمر به لأجل غيره أو جعل شرطا فيه أو سببا له فليس يتناوله هذا الاسم ولو لزم أن يكون تارك النية في الطهارة غير مخلص لله لوجب مثله في تارك النية في غسل النجاسة وستر العورة فلما لم يجز أن يكون تارك النية فيما وصفنا غير مخلص إذ كان مأمورا به لأجل الصلاة كان كذلك في الطهارة وأيضا فإن كل من اعتقد الإسلام فهو مخلص لله تعالى فيما يفعله من العبادات إذ لم يشرك في النية بين الله وبين غيره لأن ضد الإخلاص هو الإشراك فمتى لم يشرك فهو مخلص بنفس اعتقاد الإيمان في جميع ما يفعله من العبادات ما لم يشرك غيره فيه واحتجوا بقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم الأعمال بالنيات وهذا لا يصح الاحتجاج به في موضع الخلاف من قبل أن حقيقة اللفظ تقتضي كون العمل موقوفا على النية والعمل موجود

٣٣٩

مع فقد النية فعلمنا أنه لم يرد به حقيقة اللفظ وإنما أراد معنى مضمرا فيه غير مذكور فالمحتج بعموم الخبر في ذلك مغفل فإن قيل مراده حكم العمل قيل له الحكم غير مذكور فالاحتجاج بعمومه ساقط فإن ترك الاحتجاج بظاهر اللفظ وقال لما لم يجز أن يخلو كلام النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم من فائدة وقد علمنا أنه لم يرد نفس العمل وجب أن يكون مراده حكم العمل قيل له يحتمل أن يريد به فضيلة العمل لا حكمه وإذا احتمل الأمرين احتيج إلى دلالة من غيره في إثبات المراد وسقط الاحتجاج به فإن قيل هو على الأمرين قيل له هذا خطأ لأن الضمير المحتمل للمعنيين غير ملفوظ به فيقال عمومه شامل للجميع فأما ما ليس بمذكور وهو ضمير ليس اللفظ عبارة عنه فقول القائل أحمله على العموم خطأ وأيضا فغير جائز إرادة الأمرين لأنه إن أريد به فضيلة العمل صار بمنزلة قوله لا فضيلة للعمل إلا بالنية وذلك يقتضى إثبات حكم العمل حتى يصح نفى فضيلته لأجل عدم النية ومتى أراد به حكم العمل لم يجز أن يريد به الفضيلة والأصل منتف فغير جائز أن يرادا جميعا بلفظ واحد إذ غير جائز أن يكون لفظ واحد لنفى الأصل ونفى الكمال وأيضا غير جائز أن يزاد في حكم القرآن بخبر الآحاد على ما بينا وهذا من أخبار الآحاد.

(فصل) قوله عز وجل( وُجُوهَكُمْ ) قال أبو بكر قد قيل فيه إن حد الوجه من قصاص الشعر إلى أصل الذقن إلى شحمة الإذن حكى ذلك أبو الحسن الكرخي عن أبى سعيد البردعي ولا نعلم خلافا بين الفقهاء في هذا المعنى وكذلك يقتضى ظاهر الاسم إذ كان إنما سمى وجها لظهوره ولأنه يواجه الشيء ويقابل به وهذا الذي ذكرناه من تحديد الوجه هو الذي يواجه الإنسان ويقابله من غيره فإن قيل فينبغي أن يكون الأذنان من الوجه لهذا المعنى قيل له لا يجب ذلك لأن الأذنين تستران بالعمامة والقلنسوة ونحوهما كما يستر صدره وإن كان متى ظهر كان مواجها لمن يقابله وهذا الذي ذكرناه من معنى الوجه يدل على أن المضمضة والاستنشاق غير واجبين بالآية إذ ليس داخل الأنف والفم من الوجه إذ هما غير مواجهين لمن قابلهما وإذا لم تقتض الآية إيجاب غسلهما وإنما اقتضت غسل ما واجهنا وقابلنا منه فمن قال بإيجاب المضمضة والاستنشاق فهو زائد في حكم الفرض ما ليس منه وهذا غير جائز لأنه يوجب نسخه فإن قيل قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بالغ في المضمضة والاستنشاق إلا أن تكون صائما وقولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم حين توضأ مرة مرة هذا وضوء لا يقبل

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388