أحكام القرآن الجزء ٣

أحكام القرآن10%

أحكام القرآن مؤلف:
تصنيف: مفاهيم القرآن
الصفحات: 388

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 388 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 77346 / تحميل: 5400
الحجم الحجم الحجم
أحكام القرآن

أحكام القرآن الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

ينكحها أفتزعم في التي تقبل ابن زوجها مثله قال والمرتدة تحرم على الناس كلهم حتى تسلم وتقبيل ابن الزوج ليس كذلك قال أبو بكر فناقض على أصله فيما أنكره على خصمه ثم أخذ في ذكر الفروق على النحو الذي مضى من كلامه ولم أذكر ذلك لأن في مثله شبهة على من ارتاض بشيء من النظر ولكن لأبين مقادير علوم مخالفي أصحابنا ومحلهم من النظر وأما ما حكى عثمان البتى في فرقه بين الزنا بأم المرأة بعد التزويج وقبله فلا معنى له لأن ما يوجب تحريما مؤبدا لا يختلف حكمه في إيجابه ذلك بعد التزويج وقبله والدليل عليه أن الرضاع لما كان موجبا للتحريم المؤبد لم يختلف حكمه في إيجابه ذلك قبل التزويج وبعده وإنما قال أصحابنا إن فعل ذلك بالرجل لا يحرم عليه أمه ولابنته من قبل أن هذه الحرمة إنما هي متعلقة بمن يصح عقد النكاح عليها ويجوز أن تملك به فيكون الوطء المحرم فيها بمنزلة الوطء الحلال في إيجاب التحريم فلما لم يصح وجود ذلك في الرجل على الوجه المباح ولا يجوز أن يملك ذلك بالعقد منه لم يتعلق به حكم التحريم ألا ترى أنه لو لمس الرجل بشهوة لا يتعلق به حكم في إيجاب تحريم الأم والبنت واللمس بمنزلة الوطء في المرأة عند الجميع فيما يتعلق به حكم التحريم فلما اتفق الجميع على أن اللمس لا حكم له في الرجل في حكم تحريم الأم والبنت كان ذلك ما سواه من الوطء وفي ذلك الدلالة من وجهين على صحة ما ذكرنا أحدهما أن لمس الرجل للرجل لشهوة لما لم يكن مما يصح أن يملك بعقد النكاح ولم يتعلق به تحريم كان كذلك حكم الوطء إذ لا يصح أن يملك بعقد النكاح والثاني أن اللمس عند الجميع في المرأة حكمه حكم الوطء ألا ترى أن الجميع متفقون على أن لمس المرأة الزوجة يحرم بنتها كما يحرمها الوطء وكذلك لمس الجارية بملك اليمين يوجب من التحريم ما يوجبه الوطء وكذلك من حرم بوطء الزنا حرم باللمس فلم لم يكن لمس الرجل موجبا للتحريم وجب أن يكون كذلك حكم وطئه لاستوائهما في المرأة* قال أبو بكر واتفق أصحابنا والثوري ومالك والأوزاعى والليث والشافعى إن اللمس لشهوة بمنزلة الجماع في تحريم أم المرأة وبنتها فكل من حرم بالوطء الحرام أوجبه باللمس إذا كان لشهوة ومن لم يوجبه بالوطء الحرام لم يوجبه باللمس لشهوة ولا خلاف أن اللمس المباح في الزوجة وملك اليمين يوجب تحريم الأم والبنت إلا شيئا يحكى عن ابن شبرمة أنه قال لا تحرم باللمس وإنما تحرم بالوطء الذي يوجب مثله الحد وهو قول شاذ قد سبقه

٦١

الإجماع بخلافه واختلف الفقهاء في النظر هل يحرم أم لا فقال أصحابنا جميعا إذا نظر إلى فرجها لشهوة كان ذلك بمنزلة اللمس في إيجاب التحريم ولا يحرم النظر للشهوة إلى غير الفرج وقال الثوري إذا نظر إلى فرجها متعمدا حرمت عليه أمها وابنتها ولم يشرط أن يكون لشهوة وقال مالك إذا نظر إلى شعر جاريته تلذذا أو صدرها أو ساقها أو شيء من محاسنها تلذذا حرمت عليه أمها وابنتها وقال ابن أبى ليلى والشافعى النظر لا يحرم ما لم يلبس قال أبو بكر روى جرير بن عبد الحميد عن حجاج عن أبى هانئ قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم من نظر إلى فرج امرأة حرمت عليه أمها وابنتها وروى حماد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال لا ينظر الله إلى رجل نظر إلى فرج امرأة وابنتها وروى الأوزاعى عن مكحول إن عمر جرد جارية له فسأله إياها بعض ولده فقال إنها لا تحل لك وروى حجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه جرد جارية ثم سأله إياها بعض ولده فقال إنها لا تحل لك وروى المثنى عن عمرو بن شعيب عن عمر أنه قال أيما رجل جرد جارية له فنظر إليه منها يريد ذلك الأمر فإنها لا تحل لابنه وعن الشعبي قال كتب مسروق إلى أهله قال انظروا جاريتي فلانة فبيعوها فإنى لم أصب منها إلا ما حرمها على ولدي من اللمس والنظر وهو قول الحسن والقاسم بن محمد ومجاهد وإبراهيم فاتفق هؤلاء السلف على إيجاب التحريم بالنظر واللمس وإنما خص أصحابنا النظر إلى الفرج في إيجاب التحريم دون النظر إلى سائر البدن لما روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال من نظر إلى فرج امرأة لم تحل له أمها ولا ابنتها فخص النظر إلى الفرج بإيجاب التحريم دون النظر إلى سائر البدن وكذلك روى عن ابن مسعود وابن عمر ولم يرو عن غيرهما من السلف خلافه فثبت بذلك أن النظر إلى الفرج مخصوص بإيجاب التحريم دون غيره وكان القياس أن لا يقع تحريم بالنظر إلى غيره من سائر البدن إلا أنهم تركوا القياس فيه للأثر واتفاق السلف ولم يوجبوه بالنظر إلى غير الفرج وإن كان لشهوة على ما يقتضيه القياس ألا ترى أن النظر لا يتعلق به حكم في سائر الأصول ألا ترى أنه لو نظر وهو محرم أو صائم فأمنى لا يفسد صومه ولو كان الإنزال عن لمس فسد صومه ولزمه دم لإحرامه فعلمت أن النظر من غير لمس لا يتعلق به حكم فلذلك قلنا إن القياس لا يحرم النظر شيئا إلا أنهم تركوا القياس في النظر إلى الفرج خاصة لما ذكرنا يحتج لمذهب ابن شبرمة بظاهر قوله تعالى( فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ

٦٢

بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ ) واللمس ليس بدخول فلا يحرم والجواب عنه أنه ليس بممتنع أن يريد الدخول أو ما يقوم مقامه كما قال تعالى( فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا ) فذكر الطلاق ومعناه الطلاق أو ما يقوم مقامه ويكون دلالته ما ذكرنا من قول السلف واتفاقهم من غير مخالف لهم على إيجاب التحريم باللمس* ولا خلاف بين أهل العلم أن عقد النكاح على امرأة يوجب تحريمها على الابن وروى ذلك عن الحسن ومحمد بن سيرين وإبراهيم وعطاء وسعيد بن المسيب* وقوله تعالى( إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ ) فإنه روى عن عطاء* إلا ما كان في الجاهلية* قال أبو بكر يحتمل أن يريد إلا ما كان في الجاهلية فإنكم لا تؤاخذون به ويحتمل إلا ما قد سلف فإنكم مقرون عليه وتأوله بعضهم على ذلك وهذا خطأ لأنه لم يرو أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أقر أحدا على عقد نكاح امرأة أبيه وإن كان في الجاهلية وقد روى البراء أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث أبا بردة بن نيار إلى رجل عرس بامرأة أبيه وفي بعض الألفاظ نكح امرأة أبيه أن يقتله ويأخذ ماله وقد كان نكاح امرأة الأب مستفيضا شائعا في الجاهلية فلو كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أقر أحدا منهم على ذلك النكاح لنقل واستفاض فلما لم ينقل ذلك دل على أن المراد بقوله( إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ ) فإنكم غير مؤاخذين به وذلك لأنهم قبل ورود الشرع بخلاف ما هم عليه كانوا مقرين على أحكامهم فأعلمهم الله تعالى أنهم غير مؤاخذين فيما لم تقم عندهم حجة السمع بتركه فلا احتمال في قوله( إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ ) في هذا الموضع إلا ما ذكرنا وقوله تعالى( إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ ) عند ذكر الجمع بين الأختين يحتمل غير ما ذكر هاهنا وسنذكره إذا انتهينا إليه إن شاء الله تعالى ومعنى( إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ ) هاهنا استثناء منقطع كقوله لا تلق فلانا إلا ما لقيت يعنى لكن ما لقيت فلا لوم عليك فيه* وقوله( إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً ) هذه الهاء كناية عن النكاح وقد قيل فيه وجهان أحدهما النكاح بعد النهى فاحشة ومعناه هو فاحشة فكان في هذا الموضع ملغاة وهو موجود في كلامهم قال الشاعر :

فإنك لو رأيت ديار قوم

وجيران لنا كانوا كرام

فأدخل كان وهي ملغاة غير معتد بها لأن القوافي مجرورة وقال الله تعالى( وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً ) والله عليم حكيم ويحتمل أن يريد به أن ما كان منه في الجاهلية فهو فاحشة فلا تفعلوا مثله وهذا لا يكون إلا بعد قيام حجة السمع عليهم بتحريمه ومن قال هذا

٦٣

جعل قوله تعالى( إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ ) فإنه يسلم منه بالإقلاع عنه والتوبة منه قال أبو بكر والأولى حمله على أنه فاحشة بعد نزول التحريم لأن ذلك مراد عند الجميع لا محالة ولم تقم الدلالة على أن حجة السمع قد كانت قامت عليهم بتحريمه من جهة الرسل المتقدمين فيستحقون اللوم عليه ويدل عليه قوله تعالى( إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ ) وظاهره يقتضى نفى المؤاخذة بما سلف منه فإن قيل هذا يدل على أن من عقد نكاحا على امرأة أبيه ووطئها كان وطؤه زنا موجبا للحد لأنه سماها فاحشة وقال الله تعالى( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً ) قيل له الفاحشة لفظ مشترك يقع على كثير من المحظورات* وقد روى في قوله تعالى( إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) أن خروجها من بيته فاحشة وروى أن الفاحشة في ذلك أن تستطيل بلسانها على أهل زوجها وقيل فيها أنها الزنا فالفاحشة اسم يتناول مواقعة المحظور وليس يختص بالزنا دون غيره حتى إذا أطلق فيه اسم الفاحشة كان زنا وما كان من وطء عن عقد فاسد فإنه لا يسمى زنا لأن المجوس وسائر المشركين المولودين على مناكحاتهم التي هي فاسدة في الإسلام لا يسمون أولاد زنا والزنا اسم لوطء في غير ملك ولا نكاح ولا شبهة عن واحد منهما فأما إذا صدر عن عقد فإن ذلك لا يسمى زنا سواء كان العقد فاسدا أو صحيحا* وقوله تعالى( وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً ) يعنى أنه مما يبغضه الله تعالى ويبغضه المسلمون وذلك تأكيد لتحريمه وتقبيحه وتهجين فاعله وبين أنه طريق سوء لأنه يؤدى إلى جهنم قوله تعالى( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ ) إلى آخر الآية حدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا محمد بن الفضل بن سلمة قال حدثنا سنيد بن داود قال حدثنا وكيع قال حدثنا على بن صالح عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال قوله تعالى( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ ) إلى قوله تعالى( وَبَناتُ الْأُخْتِ ) قال حرم الله هذه السبع من النسب ومن الصهر سبع ثم قال( كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) ما وراء هذا النسب ثم قال( وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ ـ إلى قوله تعالى ـوَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) يعنى السبي قال أبو بكر قوله( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ ) عموم في جميع ما يتناوله الاسم حقيقة ولا خلاف أن الجدات وإن بعدن محرمات واكتفى بذكر الأمهات لأن اسم الأمهات يشملهن كما أن اسم الآباء يتناول الأجداد وإن بعدوا وقد عقل من قوله تعالى( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ )

٦٤

تحريم ما نكح الأجداد وإن كان للجد اسم خاص لا يشاركه فيه الأب الأدنى فإن الاسم العام وهو الأبوة ينتظمهم جميعا وكذلك قوله تعالى( وَبَناتُكُمْ ) قد يتناول بنات الأولاد وإن سفلن لأن الاسم يتناولهن كما يتناول اسم الآباء الأجداد وقوله تعالى( وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ ) فأفرد بنات الأخ وبنات الأخت بالذكر لأن اسم الأخ والأخت لا يتناول اسم البنات بنات الأولاد فهؤلاء السبع المحرمات بنص التنزيل من جهة النسب ثم قال( وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ ) وقال قبل ذلك( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ ) فهؤلاء السبع المحرمات من جهة الصهر وقد عقل من قوله تعالى( وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ ) من سفل منهن كما عقل من قوله تعالى( أُمَّهاتُكُمْ ) من علا منهن ومن قوله تعالى( وَبَناتُكُمْ ) من سفل منهن وعقل من قوله تعالى( وَعَمَّاتُكُمْ ) تحريم عمات الأب والأم وكذلك قوله تعالى( وَخالاتُكُمْ ) عقل منه تحريم خالات الأب والأم كما عقل تحريم أمهات الأب وإن علون وخص تعالى العمات والخالات بالتحريم دون أولادهن ولا خلاف في جواز نكاح بنت العمة وبنت الخالة وقال تعالى( وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ ) ومعلوم أن هذه السمة إنما هي مستحقة بالرضاع أعنى سمة الأمومة والأخوة فلما علق هذه السمة بفعل الرضاع اقتضى ذلك استحقاق اسم الأمومة والأخوة بوجود الرضاع وذلك يقتضى التحريم بقليل الرضاع لوقوع الاسم عليه* فإن قيل قوله تعالى( وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ ) بمنزلة قول القائل وأمهاتكم اللاتي أعطينكم وأمهاتكم اللاتي كسونكم فنحتاج إلى أن نثبت أنها أم بهذه الصفة حتى يثبت الرضاع لأنه لم يقل واللاتي أرضعنكم أمهاتكم قيل له هذا غلط من قبل أن الرضاع هو الذي يكسبها سمة الأمومة فلما كان الاسم مستحقا بوجود الرضاع كان الحكم متعلقا به واسم الرضاع في الشرع واللغة يتناول القليل والكثير فوجب أن تصير أما بوجود الرضاع لقوله تعالى( وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ ) وليس كذلك الذي ذكرت من قول القائل وأمهاتكم اللاتي كسونكم لأن اسم الأمومة غير متعلق

«٥ ـ أحكام لث»

٦٥

بوجود الكسوة كتعلقه بوجود الرضاع فلذلك احتجنا إلى حصول الاسم والفعل المتعلق به وكذلك قوله تعالى( وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ ) يقتضى ظاهره كونها أختا بوجود الرضاع إذا كان اسم الأخوة مستفادا بوجود الرضاع لا بمعنى آخر سواه* ويدل على أن ذلك مفهوم الخطاب ومقتضى القول ما رواه عبد الوهاب بن عطاء عن أبى الربيع عن عمرو بن دينار قال جاء رجل إلى ابن عمر فقال إن ابن الزبير يقول لا بأس بالرضعة والرضعتين فقال ابن عمر قضاء الله خير من قضاء ابن الزبير قال الله تعالى( وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ ) فعقل ابن عمر من ظاهر اللفظ التحريم بقليل الرضاع* واختلف السلف ومن بعدهم في التحريم بقليل الرضاع فروى عن عمرو على وابن عباس وابن عمرو الحسن وسعيد بن المسيب وطاوس وإبراهيم والزهري والشعبي قليل الرضاع وكثيره يحرم في الحولين وهو قول أبى حنيفة وأبى يوسف ومحمد وزفر ومالك والثوري والأوزاعى والليث قال الليث اجتمع المسلمون على أن قليل الرضاع وكثيره يحرم في المهد ما يفطر الصائم وقال ابن الزبير والمغيرة بن شعبة وزيد بن ثابت لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان وقال الشافعى لا يحرم من الرضاع إلا خمس رضعات متفرقات* قاله أبو بكر وقد ذكرنا في سورة البقرة الكلام في مدة الرضاع والاختلاف فيها وقد قدمنا ذكر دلالة الآية على إيجاب التحريم بقليل الرضاع وغير جائز لأحد إثبات تحديد الرضاع الموجب للتحريم إلا بما يوجب العلم من كتاب أو سنة منقولة من طريق التواتر ولا يجوز قبول أخبار الآحاد عندنا في تخصيص حكم الآية الموجبة للتحريم بقليل الرضاع لأنها آية محكمة ظاهرة المعنى بينة المراد لم يثبت خصوصها بالاتفاق وما كان هذا وصفه فغير جائز تخصيصه بخبر الواحد ولا بالقياس ويدل عليه من جهة السنة قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم إنما الرضاعة من المجاعة رواه مسروق عن عائشة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يفرق بين القليل والكثير فهو محمول عليهما جميعها ويدل عليه أيضا ما روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم من جهة التواتر والاستفاضة أنه قال يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب رواه على وابن عباس وعائشة وحفصة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وتلقاه أهل العلم بالقبول والاستعمال فلما حرم النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم من الرضاع ما يحرم من النسب وكان معلوما أن النسب متى ثبت من وجه أوجب التحريم وإن لم يثبت من وجه آخر كذلك الرضاع يجب أن يكون هذا حكمه في إيجاب

٦٦

التحريم بالرضعة الواحدة لتسوية النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بينهما فيما علق بهما حكم التحريم* واحتج من اعتبر خمس رضعات بما روت عائشة وابن الزبير وأم الفضل أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لا تحرم المصة ولا المصتان وبما روى عن عائشة أنها قالت كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات فنسخن بخمس معلومات فتوفى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وهي فيما يقرأ من القرآن* قال أبو بكر وهذه الأخبار لا يجوز الاعتراض بها على ظاهر قوله تعالى( وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ ) لما بينا أن ما لم يثبت خصوصه من ظواهر القرآن وكان ظاهر المعنى بين المراد لم يجز تخصيصه بأخبار الآحاد فهذا أحد الوجوه التي تسقط الاعتراض بهذا الخبر* ووجه آخر وهو ما حدث أبو الحسن الكرخي قال حدثنا الحضرمي قال حدثنا عبد الله بن سعيد قال حدثنا أبو خالد عن حجاج عن حبيب بن أبى ثابت عن طاوس عن ابن عباس أنه سئل عن الرضاع فقال إن الناس يقولون لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان قال قد كان ذاك فأما اليوم فالرضعة الواحدة تحرم* وروى محمد بن شجاع قال حدثنا إسحاق بن سليمان عن حنظلة عن طاوس قال اشترطت عشر رضعات ثم قيل الرضعة الواحدة تحرم فقد عرف ابن عباس وطاوس خبر العدد في الرضاع وأنه منسوخ بالتحريم بالرضعة الواحدة* وجائز أن يكون التحديد كان مشروطا في رضاع الكبير وقد روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم في رضاع الكبير وهو منسوخ عند فقهاء الأمصار فجائز أن يكون تحديد الرضاع كان في رضاع الكبير فلما نسخ سقط التحديد إذ كان مشروطا فيه وأيضا يلزم الشافعى إيجاب التحريم بثلاث رضعات لدلالة قوله لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان على إيجاب التحريم فيما زاد على أصله في المخصوص بالذكر* وأما حديث عائشة فغير جائز اعتقاد صحته على ما ورد وذلك لأنها ذكرت أنه كان فيما أنزل من القرآن عشر فنسخن بخمس وأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم توفى وهو مما يتلى وليس أحد من المسلمين يجيز نسخ القرآن بعد موت النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فلو كان ثابتا لوجب أن تكون التلاوة موجودة فإذا لم توجد به التلاوة ولم يجز النسخ بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يخل ذلك من أحد وجهين إما أن يكون الحديث مدخولا في الأصل غير ثابت الحكم أو يكون إن كان ثابتا فإنما نسخ في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وما كان منسوخا فالعمل به ساقط وجائز أن يكون ذلك كان تحديد الرضاع الكبير وقد كانت عائشة تقول به في إيجاب التحريم في

٦٧

رضاع الكبير دون سائر أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد ثبت عندنا وعند الشافعى نسخ رضاع الكبير فسقط حكم التحديد المذكور في حديث عائشة هذا ومع ذلك لو خلا من هذه المعاني التي ذكرنا من الاستحالة والاحتمال لما جاز الاعتراض به على ظاهر القرآن إذ هو من أخبار الآحاد* ومما يدل على ما ذكرنا من سقوط اعتبار التحديد أن الرضاع يوجب تحريما مؤبدا فأشبه الوطء الموجب لتحريم الأم والبنت والعقد الموجب للتحريم كحلائل الأبناء وما نكح الآباء فلما كان القليل من ذلك ككثيره فيما يتعلق به من حكم التحريم وجب أن يكون ذلك حكم الرضاع في إيجاب التحريم بقليله* واختلف أهل العلم في لبن الفحل وهو الرجل يتزوج المرأة فتلد منه ولدا وينزل لها لبن بعد ولادتها منه فترضع به صبيا فإن من قال بتحريم لبن الفحل يحرم هذا الصبى على أولاد الرجل وإن كانوا من غيرها ومن لا يعتبره لا يوجب تحريما بينه وبين أولاده من غيرها فممن قال بلبن الفحل ابن عباس وروى الزهري عن عمرو بن الشريد عن ابن عباس أنه سئل عن رجل له امرأتان أرضعت هذه غلاما وهذه الجارية هل يصح الغلام أن يتزوج الجارية فقال لا اللقاح واحد وهو قول القاسم وسالم وعطاء وطاوس وذكر الخفاف عن سعيد عن ابن سيرين قال كرهه قوم ولم يربه قوم بأسا ومن كرهه كان أفقه من الذين لم يروا به بأسا وذكر عباد بن منصور قال قلت للقاسم بن محمد امرأة أبى أرضعت جارية من الناس بلبان إخوتى من أبى أتحل لي فقال لا أبوك أبوها فسألت طاوسا والحسن فقالا مثل ذلك وسألت مجاهدا فقال اختلف فيه الفقهاء فلست أقول فيه شيئا وسألت محمد بن سيرين فقال مثل قول مجاهد وسألت يوسف بن ماهك فذكر حديث أبى قعيس وقال أبو حنفية وأبو يوسف ومحمد وزفر ومالك والثوري والأوزاعى والليث والشافعى لبن الفحل يحرم وقال سعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعطاء ابن يسار وسليمان بن يسار أن لبن الفحل لا يحرم شيئا من قبل الرجال وروى مثله عن رافع بن خديج والدليل على صحة القول الأول حديث الزهري وهشام بن عروة عن عروة عن عائشة أن أفلح أخا أبى القيس جاء ليستأذن عليها وهو عمها من الرضاعة بعد أن نزل الحجاب قالت فأبيت أن آذن له فلما جاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أخبرته قال ليلج عليك فإنه عمك قلت إنما أرضعتنى المرأة ولم يرضعنى الرجل قال ليلج عليك فإنه عمك تربت يمينك وكان أبو

٦٨

القعيس زوج المرأة التي أرضعت عائشة ويدل عليه من جهة النظر أن سبب نزول اللبن هو ماء الرجل والمرأة جميعا لأن الحمل منهما جميعا فوجب أن يكون الرضاع منهما كما كان الولد منهما وإن اختلف سببهما* فإن قيل قد روى مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنها كانت تدخل عليها من أرضعته أخواتها وبنات أخيها ولا تدخل عليها من أرضعته نساء إخوتها* قيل له هذا غير مخالف لما ورد في لبن الفحل إذ كان لها أن تأذن لمن شاءت من محارمها وتحجب من شاءت ويدل عليه أيضا من جهة النظر أن البنت محرمة على الجد وإن لم تكن من مائه لأنه كان سبب حدوث الأب الذي هو من مائه كذلك الرجل لما كان هو سبب نزول اللبن من المرأة وجب أن يتعلق به التحريم وإن لم يكن اللبن منه إذ كان هو سببه كما يتعلق به التحريم من جهة الأم* والمنصوص عليه في التنزيل من الرضاع الأمهات والأخوات من الرضاعة إلا أنه قد ثبت عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بالنقل المستفيض الموجب للعلم أنه قال يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب واتفق الفقهاء على استعماله والله أعلم.

باب أمهات النساء والربائب

قال الله تعالى( وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ ) ولم تختلف الأمة أن الربائب لا يحر من بالعقد على الأم حتى يدخل بها أو يكون منه ما يوجب التحريم من اللمس والنظر على ما بيناه فيما سلف هو نص التنزيل في قوله تعالى( فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ ) واختلف السلف في أمهات النساء هل يحرمن بالعقد دون الدخول فسوى حماد بن سلمة عن قتادة عن خلاس أن عليا قال في رجل طلق امرأته قبل الدخول بها فله أن يتزوج أمها وإن تزوج أمها ثم طلقها قبل الدخول يتزوج بنتها تجريان مجرى واحدا وأهل النقل يضعفون حديث خلاس عن على ويروى عن جابر بن عبد الله مثل ذلك وهو قول مجاهد وابن الزبير وعن ابن عباس روايتان إحداهما ما يرويه ابن جريج عن أبى بكر بن حفص عن عمرو بن مسلم ابن عويمر بن الأجدع عنه أن أم المرأة لا تحرم إلا بالدخول والأخرى ما يرويه عكرمه عنه أنها تحرم بنفس العقد وقال عمرو عبد الله بن مسعود وعمران بن حصين ومسروق وعطاء والحسن وعكرمة تحرم بالعقد دخل بها أو لم يدخل وروى أبو أسامة عن سفيان

٦٩

عن أبى فروة عن أبى عمرو الشيباني عن عبد الله بن مسعود أنه أفتى في امرأة تزوجها رجل فطلقها قبل أن يدخل بها أو ماتت قال لا بأس أن يتزوج أمها فلما أتى المدينة رجع فأفتاهم فنهاهم وقد ولدت أولادا وروى إبراهيم عن شريح أن ابن مسعود كان يقول بقول على ويفتي به يعنى في أمهات النساء فحج فلقى أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فذاكرهم ذلك فكرهوا أن يتزوجها فلما رجع ابن مسعود نهى من كان أفتاه بذلك وكانوا أحياء من بنى فزارة أفتاهم بذلك وقال إنى سألت أصحابى فكرهوا ذلك وروى قتادة عن سعيد بن المسيب أن زيد بن ثابت قال في رجل طلق امرأته قبل الدخول فأراد أن يتزوج أمها قال إن طلقها قبل الدخول يتزوج أمها وإن ماتت لم يتزوج أمها وأصحاب الحديث يضعفون حديث قتادة هذا عن سعيد بن المسيب عن زيد ويقولون إن أكثر ما يرويه قتادة عن سعيد بن المسيب بينه وبينه رجال وإن رواياته عن سعيد مخالفة لروايات أكثر أصحاب سعيد الثقات وقال عبد الرحمن بن مهدى عن مالك عن سعيد بن المسيب أحب إلى من قتادة عن سعيد وقد روى يحيى بن سعيد الأنصارى عن زيد بن ثابت خلاف رواية قتادة ويقال إن حديث يحيى وإن كان مرسلا فهو أقوى من حديث قتادة عن سعيد قال أبو بكر وهذا الذي ذكرناه طريقة أصحاب الحديث والفقهاء لا يعتبرون ذلك في قبول الأخبار وردها وإنما ذكرنا ذلك ليعرف به مذهب القوم فيه دون اعتباره والعمل عليه ويشبه أن يكون زيد بن ثابت إنما فرق بين الموت والطلاق في التحريم لأن الطلاق قبل الدخول لا يتعلق به شيء من أحكام الدخول ألا ترى أنه يجب فيه نصف المهر ولا يجب عليها العدة وأما الموت فلما كان في حكم الدخول في باب استحقاق كمال المهر ووجوب العدة جعله كذلك في حكم التحريم والدليل على أن أمهات النساء يحرمن بالعقد قوله تعالى( وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ) هي مبهمة عامة كقوله( وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ ) وقوله( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ ) فغير جائز تخصيصه إلا بدلالة وقوله تعالى( وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ ) حكم مقصور على الربائب دون أمهات النساء وذلك من وجوه أحدها أن كل واحدة من الجملتين مكتفية بنفسها في إيجاب الحكم المذكور فيها أعنى قوله تعالى( وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ) وقوله تعالى( وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ ) وكل كلام اكتفى

٧٠

بنفسه من غير تضمين له بغيره ولا حمله عليه وجب إجراؤه على مقتضى لفظه دون تعليقه بغيره فلما كان قوله( وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ) جملة مكتفية بنفسها يقتضى عمومها تحريم أمهات النساء مع وجود الدخول وعدمه وكان قوله تعالى( وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ ) جملة قائمة بنفسها على ما فيها من شرط الدخول لم يجز لنا بناء إحدى الجملتين على الأخرى بل الواجب إجراء المطلق منهما على إطلاقه والمقيد على تقييده وشرطه إلا أن تقوم الدلالة على أن إحداهما مبنية عن الأخرى محمولة على شرطها* وأخرى وهي أن قوله تعالى( وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ ) يجرى هذا الشرط مجرى الاستثناء تقديره وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم إلا اللاتي لم تدخلوا بهن لأن فيه إخراج بعض ما انتظمه العموم فلما كان ذلك في معنى الاستثناء وكان من حكم الاستثناء عوده إلى ما يليه إلا أن تقوم الدلالة على رجوعه إلى ما تقدم وجب أن يكون حكمه مقصورا على الربائب ولم يجز رده إلى ما تقدمه إلا بدلالة* وأخرى وهي أن شرط الدخول تخصيص لعموم اللفظ وهو لا محالة مستعمل في الربائب ورجوعه إلى أمهات النساء مشكوك فيه وغير جائز تخصيص العموم بالشك فوجب أن يكون عموم التحريم في أمهات النساء مقرا على بابه* وأخرى وهي أن إضمار شرط الدخول لا يصح في أمهات النساء مظهرا لأنه لا يستقيم أن يقال وأمهات نسائكم من نسائكم التي دخلتم بهن لأن أمهات نسائنا لسن من نسائنا والربائب من نسائنا لأن البنت من الأم وليست الأم من البنت فلما لم يستقم الكلام بإظهار أمهات النساء في الشرط لم يصح إضماره فيه* فثبت بذلك أن قوله( مِنْ نِسائِكُمْ ) إنما هو من وصف الربائب دون أمهات النساء وأيضا فلو جعلنا قوله( مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ ) نعتا لأمهات النساء وجعلنا تقديره وأمهات نسائكم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن لخرج الربائب من الحكم وصار حكم الشرط في أمهات النساء دونهن وذلك خلاف نص التنزيل فثبت أن شرط الدخول مقصور على الربائب دون أمهات النساء وقد حدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا إسماعيل ابن الفضل قال حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال أيما رجل نكح امرأة فدخل بها فلا يحل له نكاح ابنتها

٧١

وإن لم يدخل بها فلينكح ابنتها وأيما رجل نكح امرأة فدخل بها أو لم يدخل بها فلا يحل له نكاح أمها * وقد حكى عن السلف اختلاف في حكم الربيبة فذكر ابن جريج قال أخبرنى إبراهيم بن عبيد بن رفاعة عن مالك بن أوس عن على بن أبى طالب كرم الله وجهه أنه قال في الربيبة إذا لم تكن في حجر الزوج وكانت في بلد آخر ثم فارق الأم بعد الدخول أنه جائز له أن يتزوج الربيبة ونسب عبد الرزاق إبراهيم هذا فقال إبراهيم ابن عبيد في غير هذا الحديث وهو مجهول لا تثبت بمثله مقالة ومع ذلك فإن أهل العلم ردوه ولم يتلقه أحد منهم بالقبول وقد ذكر قتادة عن خلاس عن على أن الربيبة والأم تجريان مجرى واحدا وهو خلاف هذا الحديث لأن الأم لا محالة تحرم بالدخول بالبنت وقد جعل الربيبة مثلها فاقتضى تحريم البنت بالدخول فالأم سواء كانت في حجره أو لم تكن وذكر في حديث إبراهيم هذا أن عليا احتج في ذلك بأن الله تعالى قال( وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ ) فإذا لم تكن في حجره لم تحرم وحكاية هذا الحجاج يدل على وهي الحديث وضعفه لأن عليا لا يحتج بمثله وذلك لأنا قد علمنا أن قوله( وَرَبائِبُكُمُ ) لم يقتض أن تكون تربية زوج الأم لها شرطا في التحريم وأنه متى لم يربها لم تحرم وإنما سميت بنت المرأة ربيبة لأن الأعم الأكثر أن زوج الأم يربيها ثم معلوم أن وقوع الاسم على هذا المعنى لم يوجب كون تربيته إياها شرطا في التحريم كذلك قوله( فِي حُجُورِكُمْ ) كلام خرج على الأعم الأكثر من كون الربيبة في حجر الزوج وليست هذه الصفة شرطا في التحريم كما أن تربية الزوج إياها ليست شرطا فيه وهذا كقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم في خمس وعشرين من الإبل بنت مخاض * وفي ست وثلاثين بنت لبون وليس كون المخاض أو اللبن بالأم شرطا في المأخوذ وإنما ذكره لأن الأغلب أنها إذا دخلت في السنة الثانية كان بأمها مخاض وإذا دخلت في الثالثة كان بأمها لبن فإنما أجرى الكلام على غالب الحال كذلك قوله تعالى( فِي حُجُورِكُمْ ) على هذا الوجه* قال أبو بكر لا خلاف بين أهل العلم في تحريم من ذكر ممن لا يعتق عليه بملك اليمين وأن الأم والأخت من الرضاعة محرمتان بملك اليمين كما هما بالنكاح وكذلك أم المرأة وابنتها إذا دخل بالأم وأن كل واحدة منهما محرمة عليه تحريما مؤبدا إذا وطئ الأخرى وكذلك لا خلاف أنه لا يجوز له الجمع بين أم وبنت بملك اليمين* وروى ذلك عن عمر وابن

٧٢

عباس وابن عمر وعائشة ولا خلاف أيضا أن الوطء بالنكاح فيما يتعلق به تحريم مؤبد قوله تعالى( وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ ) قال عطاء بن أبى رباح نزلت في النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم حين تزوج امرأة زيد ونزلت( وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ) و( ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ ) قال وكان يقال له زيد بن محمد* قال أبو بكر حليلة الابن هي زوجته ويقال* إنما سميت حليلة لأنها تحل معه في فراش* وقيل لأنه يحل له منها الجماع بعد النكاح والأمة وإن استباح فرجها بالملك لا تسمى حليلة ولا تحرم على الأب ما لم يطأها وعقد نكاح الابن عليهما يحرمها على أبيه تحريما مؤبدا وهذا يدل على أن الحليلة اسم يختص بالزوجة دون ملك اليمين ولما علق حكم التحريم بالتسمية دون ذكر الوطء اقتضى ذلك تحريمهن بالعقد دون شرط الوطء لأنا لو شرطنا الوطء لكان فيه زيادة في النص ومثلها يوجب النسخ لأنها تبيح ما حظرته الآية وهذا لا خلاف فيه بين المسلمين* قال أبو بكر وقوله تعالى( الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ ) قد تناول عند الجميع تحريم حليلة ولد الولد على الجد وهذا يدل على أن ولد الولد يطلق عليه أنه من صلب الجد لأن إطلاق الآية قد اقتضاها عند الجميع وفيه دلالة على أن ولد الولد منسوب إلى الجد بولادة وهذه الآية في تخصيصها حليلة الابن من الصلب في معنى قوله تعالى( فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً ) لما تضمنه من إباحة تزويج حليلة الابن من جهة التبني* وقوله( فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ ) يدل على أن حليلة الابن هي زوجته لأنه عبر في هذا الموضوع عنهم باسم الأزواج وفي الآية الأولى بذكر الحلائل. قوله تعالى( وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ ) قال أبو بكر قد اقتضى ذلك تحريم الجمع بين الأختين في سائر الوجوه لعموم اللفظ والجمع على وجوه* منها أن يعقد عليهما جميعا معا فلا يصح نكاح واحدة منهما لأنه جامع بينهما وليست إحداهما بأولى يجوز نكاحها من الأخرى ولا يجوز تصحيح نكاحهما مع تحريم الله تعالى الجمع بينهما وغير جائز تخيير الزوج في أن يختار أيتهما شاء من قبل أن العقدة وقعت فاسدة مثل النكاح في العدة أو هي تحت زوج فلا يصح أبدا* ومن الجمع أن يتزوج أحدهما ثم يتزوج الأخرى بعدها فلا يصح نكاح الثانية لأن الجمع بها حصل وعقدها وقع منهيا عنه وعقد الأولى وقع مباحا فيفرق بينه وبين الثانية

٧٣

ومن الجمع أيضا أن يجمع بين وطئهما بملك اليمين فيطأ إحداهما ثم يطأ الأخرى قبل إخراج الموطوءة الأولى من ملكه فهذا ضرب من الجمع وقد كان فيه خلاف بين السلف ثم زال وحصل الإجماع على تحريم الجمع بينهما بملك اليمين وروى عن عثمان وابن عباس أنهما أباحا ذلك وقالا أحلتهما آية وحرمتهما آية وقال عمر وعلى وابن مسعود والزبير وابن عمر وعمار وزيد بن ثابت لا يجوز الجمع بينهما بملك اليمين وقال الشعبي سئل على عن ذلك فقال أحلتهما آية وحرمتهما آية فالحرام أولى وروى عبد الرحمن المقري قال حدثنا موسى بن أيوب الغافقي قال حدثني عمى أياس بن عامر قال سألت على بن أبى طالب عن الأختين بملك اليمين وقد وطئ إحداهما هل يطأ الأخرى فقال أعتق الموطوءة حتى يطأ الأخرى وقال ما حرم الله من الحرائر شيئا إلا حرم من الإماء مثله إلا عدد الأربع وروى عن عمار مثل ذلك* قال أبو بكر أحلتهما آية يعنون به قوله تعالى( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) وقوله حرمتهما آية قوله( وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ) فروى عن عثمان الإباحة وروى عنه أنه ذكر التحريم والتحليل وقال لا آمر ولا أنهى عنه وهذا القول منه يدل على أنه كان ناظرا فيه غير قاطع بالتحليل والتحريم فيه فجائز أن يكون قال فيه بالإباحة ثم وقف فيه وقطع على فيه بالتحريم وهذا يدل على أنه كان من مذهبه أن الحظر والإباحة إذا اجتمعا فالحظر أولى إذا تساوى سبباهما وكذلك يجب أن يكون حكمهما في الأخبار المروية عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ومذهب أصحابنا يدل على أن ذلك قولهم وقد بيناه في أصول الفقه وقد روى أياس بن عامر أنه قال لعلى إنهم يقولون إنك تقول أحلتهما آية وحرمتهما آية فقال كذبوا وهذا يحتمل أن يريد به نفى المساواة في مقتضى الآيتين وإبطال مذهب من يقول بالوقف فيه على ما روى عن عثمان لأنه قال في رواية الشعبي أحلتهما آية وحرمتهما آية والتحريم أولى وإنكاره أن يكون أحلتهما آية وحرمتهما آية إنما هو على جهة أن آيتي التحليل والتحريم غير متساويتين في مقتضاهما وأن التحريم أولى من التحليل ومن جهة أخرى أن إطلاق القول بأنه أحلتهما آية وحرمتهما آية من غير تقييد هو قول منكر لاقتضاء حقيقته أن يكون شيء واحد مباحا محظورا في حال واحدة فجائز أن يكون على رضى الله عنه أنكر إطلاق القول بأنه أحلتهما آية وحرمتهما آية من هذا الوجه وأنه إذا كان مقيدا بالقطع

٧٤

على أحد الوجهين كان سائغا جائزا على ما روى عنه في الخبر الآخر ومما يدل على أن التحريم أولى لو تساوت الآيتان في إيجاب حكميهما أن فعل المحظور يستحق به العقاب وترك المباح لا يستحق به العقاب والاحتياط الامتناع مما لا يأمن استحقاق العقاب به فهذه قضية واجبة في حكم العقل وأيضا فإن الآيتين غير متساويتين في إيجاب التحريم والتحليل وغير جائز الاعتراض بإحداهما على الأخرى إذ كل واحدة منهما ورودها في سبب غير سبب الأخرى وذلك لأن قوله تعالى( وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ) وارد حكم التحريم كقوله تعالى( وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ ) ،( وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ) وسائر من ذكر في الآية تحريمها وقوله تعالى( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) وارد في إباحة المسبية التي لها زوج في دار الحرب وأفاد وقوع الفرقة وقطع العصمة فيما بينهما فهو مستعمل فيما ورد فيه من إيقاع الفرقة بين المسبية وبين زوجها وإباحتها لمالكها فلا يجوز الاعتراض به على تحريم الجمع بين الأختين إذ كل واحدة من الآيتين واردة في سبب غير سبب الأخرى فيستعمل حكم كل واحدة منهما في السبب الذي وردت فيه* ويدل على ذلك أنه لا خلاف بين المسلمين في أنها لم تعترض على حلائل الأبناء وأمهات النساء وسائر من ذكر تحريمهن في الآية وأنه لا يجوز وطء حليلة الابن ولا أم المرأة بملك اليمين ولم يكن قوله تعالى( إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) موجبا لتخصيصهن لوروده في سبب غير سبب الآية الأخرى كذلك ينبغي أن يكون حكمه في اعتراضه على تحريم الجمع وامتناع على رضى الله عنه ومن تابعه في ذلك من الصحابة من الاعتراض بقوله تعالى( إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) على تحريم الجمع بين الأختين يدل على أن حكم الآيتين إذا وردتا في سببين إحداهما في التحليل والأخرى في التحريم أن كل واحدة منهما تجرى على حكمها في ذلك السبب ولا يعترض بها على الأخرى وكذلك ينبغي أن يكون حكم الخبرين إذا وردا عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وسلم في مثل ذلك وقد بينا ذلك في أصول الفقه وأيضا لا نعلم خلافا بين المسلمين في حظر الجمع بين الأختين إحداهما بالنكاح والأخرى بملك اليمين نحو أن تكون عنده امرأة بنكاح فيشترى أختها أنه لا يجوز له وطؤهما جميعا وهذا يدل على أن تحريم الجمع قد انتظم ملك اليمين كما انتظم النكاح وعموم قوله تعالى( وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ) يقتضى تحريم جمعهما على سائر الوجوه وهو موجب لتحريم

٧٥

تزويج المرأة وأختها تعتد منه لما فيه من الجمع بينهما في استحقاق نسب ولديهما وفي إيجاب النفقة المستحقة بالنكاح والسكنى لهما وذلك كله من ضروب الجمع فوجب أن يكون محظورا منتفيا بتحريمه الجمع بينهما فإن قيل قوله تعالى( وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ) مقصور على النكاح دون غيره قيل له هذا غلط لاتفاق فقهاء الأمصار على تحريم الجمع بينهما بملك اليمين على ما بيناه وليس ملك اليمين بنكاح فعلمنا أن تحريم الجمع غير مقصور على النكاح وأيضا فإن اقتصارك بالتحريم على النكاح دون غيره من سائر ضروب الجمع تخصيص بغير دلالة وذلك غير سائغ لأحد وقد اختلف السلف وفقهاء الأمصار في ذلك فروى عن على وابن عباس وزيد بن ثابت وعبيدة السلماني وعطاء ومحمد بن سيرين ومجاهد في آخرين من التابعين أنه لا يتزوج المرأة في عدة أختها وكذلك لا يتزوج الخامسة وإحدى الأربع تعتد منه فبعضهم أطلق العدة وهو قول أبى حنيفة وأبى يوسف ومحمد وزفر والثوري والحسن بن صالح وروى عن عروة بن الزبير والقاسم بن محمد وخلاس له أن يتزوج أختها إذا كانت عدتها من طلاق بائن وهو قول مالك والأوزاعى والليث والشافعى واختلف عن سعيد بن المسيب والحسن وعطاء فروى عن كل واحد منهم روايتان إحداهما أنه يتزوجها والأخرى أنه لا يتزوجها وقال قتادة رجع الحسن عن قوله أنه يتزوجها في عدة أختها وما قدمنا من دلالة الآية وعمومها في تحريم الجمع كاف في إيجاب التحريم وما دامت الأخت معتدة منه ويدل عليه من جهة النظر اتفاق الجميع على تحريم الجمع بين وطء الأختين بملك اليمين والمعنى فيه أن إباحة الوطء حكم من أحكام النكاح وإن لم يكن نكاحا ولا عقد فواجب على ذلك تحريم الجمع بينهما في حكم من أحكام النكاح فلما كان استلحاق النسب ووجوب النفقة والسكنى من أحكام النكاح وجب أن يكون ممنوعا من الجمع بينهما فيه فإن قيل كيف يكون جامعا بينهما مع ارتفاع الزوجية وكونها أجنبية منه ولو كان قد طلقها ثلاثا ثم وطئها في العدة وجب عليه الحد وهذا يدل على أنها بمنزلة الأجنبية منه فلا تمنع تزويج أختها قيل له لا يختلفان في وجوب الحد لأنه كما يجب عليها بوطئه إياها ومع ذلك لا يجوز لها أن تتزوج وتجمع إلى حقوق نكاح الأول زوجا آخر ولم يكن وجوب الحد عليها بمطاوعتها إياه على الوطء مبيحا لها نكاح زوج آخر بل كانت في المنع من زوج ثان بمنزلة من هي في حباله وكذلك الزوج لا يجوز

٧٦

له جمع أختها في هذه الحال مع بقاء حقوق النكاح وإن كان وطؤه إياها موجبا للحد ودليل آخر وهو أنه لما كان تحريم نكاح الأخت من طريق الجمع ووجدنا تحريم نكاح زوج آخر إذا كانت عند زوج من طريق الجمع ثم وجدنا العدة تمنع من الجمع ما تمنع نفس النكاح وجب أن يكون الزوج ممنوعا من تزويج أختها في عدتها كما منع ذلك في حال بقاء نكاحها إذ كانت العدة تمنع من الجمع ما يمنعه نفس النكاح كما جرت العدة مجرى النكاح في باب منعها من نكاح زوج آخر حتى تنقضي عدتها فإن قيل هذا يوجب أن يكون الرجل في العدة إذا منعته من تزويج الأخت حتى تنقضي عدتها قيل له ليس تحريم النكاح مقصورا على العدة حتى إذا منعناه من نكاح أختها فقد جعلناه في العدة ألا ترى أنه ممنوع من تزوج أختها إذا كانت معتدة منه من طلاق رجعي ولم يوجب الرجل في العدة وكذلك قبل طلاق كل واحد منهما ممنوع من عقد نكاح على الأخت أو لزوج آخر وليس واحد منهما في العدة وقوله تعالى( إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ ) قال أبو بكر قد ذكرنا معنى قوله( إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ ) عند ذكر قوله تعالى( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ ) واختلاف المختلفين في تأويله واحتماله لما قيل فيه وقال تعالى عند ذكر تحريم الجمع بين الأختين( إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ ) وهو في هذا الموضع يحتمل من المعاني ما احتمله الأول وفيه احتمال لمعنى آخر لا يحتمله الأول وهو أن يكون معناه أن العقود المتقدمة على الأختين لا تنفسخ ويكون أن يختار إحداهما ويدل عليه حديث أبى وهب الجيشاني عن الضحاك بن فيروز الديلمي عن أبيه قال أسلمت وعندي أختان فأتيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال طلق إحداهما وفي بعض الألفاظ طلق أيتهما شئت فلم يأمره بمفارقتهما إن كان العقد عليهما معا ولم يأمره بمفارقة الآخرة منهما إن كان تزوجهما في عقدين ولم يسئله عن ذلك فدل ذلك على بقاء نكاحه عليهما بقوله طلق أيتهما شئت ودل ذلك على أن العقد عليهما كان صحيحا قبل نزول التحريم وأنهم كانوا مقرين على ما كانوا عليه من عقودهم قبل قيام حجة السمع ببطلانها واختلاف أهل العلم في الكافر يسلم وتحته أختان أو خمس أجنبيات فقال أبو حنيفة وأبو يوسف والثوري يختار الأوائل منهن إن كان خمسا وإن كانتا أختين اختار الأولى وإن كان تزوجهن في عقدة واحدة فرق بينه وبينهن وقال محمد بن الحسن ومالك والليث والأوزاعى والشافعى يختار من الخمس

٧٧

أربعا أيتهن شاء ومن الأختين أيتهما شاء إلا أن الأوزاعى روى عنه في الأختين أن الأولى امرأته ويفارق الآخرة وقال الحسن بن صالح يختار الأربع الأوائل فإن لم يدر أيتهن الأولى طلق كل واحدة حتى تنقضي عدتها ثم يتزوج أربعا* والدليل على صحة القول الأول قوله تعالى( وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ) وذلك خطاب لجميع المكلفين فكان عقد الكافر على الأختين بعد نزول التحريم كعقد المسلم في حكم الفساد فوجب التفريق بينه وبين الآخرة لوقوع عقدها على فساد بنص التنزيل كما يفرق بينهما لو نكحها بعد الإسلام لقوله تعالى( وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ) والجمع واقع بالثانية وإن كان تزوجهما في عقدة واحدة فهي فاسدة فيهما جميعا لوقوعها منهيا عنها بظاهر النص فدل ذلك من وجهين على ما ذكرنا أحدهما وقوع العقدة منهيا عنها والنهى عندنا يقتضى الفساد والثاني أنه منع الجمع بينهما بحال فلو بقينا عقده عليهما بعد الإسلام كنا مثبتين لما نفاه الله تعالى من الجمع فدل ذلك على بطلان العقد الذي وقع به الجمع ومن جهة النظر أنه لما لم يجز أن يبتدئ المسلم عقدا على أختين ولم يجز أيضا أن يبقى له عقد على أختين وإن لم تكونا أختين في حال العقد كمن تزوج رضيعتين فأرضعهما امرأة فاستوى حكم الابتداء والبقاء في نفى الجمع بينهما أشبه نكاح ذوات المحارم في استواء حال البقاء والابتداء فيهما فلما لم يختلف العقد على ذوات المحارم في وقوعه في حال الكفر وحال الإسلام ووجب التفريق متى طرأ عليه الإسلام وكان بمنزلة ابتداء العقد بعد الإسلام وجب مثله في نكاح الأختين وأكثر من أربع نسوة وكما لم يختلف حكم البقاء والابتداء فيهما كما قلنا في ذوات المحارم واحتج من خيره بعد الإسلام بحديث فيروز الديلمي الذي قدمناه وبما روى ابن أبى ليلى عن حميضة بن الشمر دل عن الحرث بن قيس قال أسلمت وعندي ثمان نسوة فأمرنى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أن أختار منهن أربعا وبما روى معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر أن غيلان بن سلمة أسلم وعنده عشر نسوة فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم خذ منهن أربعا فأما حديث فيروز فإن في لفظه ما يدل على صحة العقد وكان قبل نزول التحريم لأنه قال أيتهما شئت وهذا يدل على بقاء العقد عليهما بعد الإسلام وحديث الحارث بن قيس يحتمل أن يكون العقد كان قبل نزول التحريم فكان صحيحا إلى أن طرأ التحريم فلزمه اختيار الأربع منهن ومفارقة سائرهن كرجل له امرأتان فطلق إحداهما

٧٨

ثلاثا فيقال له اختر أيهما شئت لأن العقد كان صحيحا إلى أن طرأ التحريم فإن قيل لو كان ذلك يختلف لسأله النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم عن وقت العقد* قيل له يجوز أن يكون النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قد علم ذلك فاكتفى بعلمه عن مسألته وأما حديث معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه في قصة غيلان فإنه مما لا يشك أهل النقل فيه أن معمرا أخطأ فيه بالبصرة وأن أصل هذا الحديث مقطوع من حديث الزهري رواه مالك عن الزهري قال بلغنا أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لرجل من ثقيف أسلم وعنده عشر نسوة اختر منهن أربعا ورواه عنه عقيل ابن خالد عن ابن شهاب قال بلغنا عن عثمان بن محمد بن أبى سويد أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لغيلان بن سلمة وكيف يجوز أن يكون عنده عن سالم عن أبيه فيجعله بلاغا عن عثمان ابن محمد بن أبى سويد ويقال إنه إنما جاء الغلط من قبل أن معمرا كان عنده عن الزهري حديثان في قصة غيلان أحدهما هذا وهو بلاغ عن عثمان بن محمد بن أبى سويد والآخر حديثه عن سالم عن أبيه أن غيلان بن سلمة طلق نساءه في زمن عمر وقسم ماله بين ورثته فقال له عمر لئن لم تراجع نساءك ثم مت لأورثهن ثم لأرجمن قبرك كما رجم قبر أبى رغال فأخطأ معمر وجعل إسناد هذا الحديث لحديث إسلامه مع النسوة.

(فصل) قال أبو بكر والمنصوص على تحريمه في الكتاب هو الجمع بين الأختين وقد وردت آثار متواترة في النهى عن الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها رواه على وابن عباس وجابر وابن عمرو أبو موسى وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وعائشة وعبد الله ابن عمر أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا على بنت أخيها ولا على بنت أختها وفي بعضها لا الصغرى على الكبرى ولا الكبرى على الصغرى على اختلاف بعض الألفاظ مع اتفاق المعنى وقد تلقها الناس بالقبول مع تواترها واستفاضتها وهي من الأخبار الموجبة للعلم والعمل فوجب استعمال حكمها مع الآية وشذت طائفة من الخوارج بإباحة الجمع بين من عدا الأختين لقوله تعالى( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) واخطأت في ذلك وضلت عن سواء السبيل لأن الله تعالى كما قال( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) قال( وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ) وقد ثبت عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم تحريم الجمع بين من ذكرنا فوجب أن يكون مضموما إلى الآية فيكون قوله تعالى( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) مستعملا فيمن عدا الأختين وعدا من بين النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم تحريم الجمع بينهن

٧٩

وليس يخلو قوله تعالى( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) من أن يكون نزل قبل حكم النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بتحريم من حرم الجمع بينهن أو معه أو بعده وغير جائز أن يكون قوله تعالى( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) بعد الخبر لأن قوله تعالى( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) مرتب على تحريم من ذكر تحريمهن منهن لأن قوله( ما وَراءَ ذلِكُمْ ) المراد به ما وراء من تقدم ذكر تحريمهن وقد كان قبل تحريم الجمع بين الأختين جميع ذلك مباحا فعلمنا أن تحريم من ذكر تحريم الجمع بينهن في الخبر لم يكن قبل تحريم الجمع بين الأختين وإذا امتنع أن يكون الخبر قبل الآية لم يخل من أن يكون معها أو بعدها فإن كان معها فلم ترد الآية إلا خاصة فيما عدا ما ذكر في الخبر تحريم جمعهن وعلمنا أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال ذلك عقيب تلاوة الآية وبين مراد الله تعالى بها فلم يعقل السامعون للآية حكما إلا خاصا على ما بينا وإن كان حكم الآية استقر على مقتضى عموم لفظها ثم ورد الخبر فإن هذا لا يكون إلا على وجه النسخ ونسخ القرآن جائز بمثله لتواتره واستفاضته وكونه في حيز الأخبار الموجبة للعلم والعمل فإن لم يثبت عندنا تاريخ الآية والخبر مع حصول اليقين بأنه غير منسوخ بالآية لأنه لم يرد قبلها على ما بينا آنفا وجب استعماله مع الآية وأولى الأشياء أن يكون الآية والخبر وردا معا لأنه ليس عندنا علم بتاريخهما وغير جائز لنا الحكم بتأخره عن الآية ونسخ بعض أحكام الآية به لأن ذلك لا يكون إلا بعد استقرار حكم الآية على عمومها ثم ورد النسخ عليها بالخبر فوجب الحكم بورودهما معا ولأن الآية والخبر إذا لم يعلم تاريخهما وجب الحكم بهما معا كالغرقى والقوم الذين يقع عليهم البيت إذا لم يعلم موت أحدهم متقدما على الآخر حكمنا بموتهم جميعا معا والله أعلم.

باب نكاح ذوات الزوج

قال الله تعالى( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ ) عطفا على من حرم من النساء من عند قوله تعالى( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ ) فروى سفيان عن حماد عن إبراهيم عن عبد الله( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) قال ذوات الأزواج من المسلمين والمشركين وقال على بن أبى طالب ذوات الأزواج من المشركين وقد روى عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس كل ذات زوج إتيانها زنا إلا ما سبيت* قال أبو بكر اتفق هؤلاء على أن المراد بقوله تعالى( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ ) ذوات الأزواج منهن وأن

٨٠

نكاحها حرام ما دامت ذات زوج واختلفوا في قوله تعالى( إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) فتأوله على وابن عباس في رواية وعمر وعبد الرحمن بن عوف وابن عمر أن الآية إنما وردت في ذوات الأزواج من السبايا أبيح وطؤهن بملك اليمين ووجب بحدوث السبي عليها دون زوجها وقوع الفرقة بينهما وكانوا يقولون أن بيع الأمة لا يكون طلاقا ولا يبطل نكاحها وتأوله ابن مسعود وأبى بن كعب وأنس بن مالك وجابر بن عبد الله وابن عباس في رواية عكرمة أنه في جميع ذوات الأزواج من السبايا وغيرهم وكانوا يقولون بيع الأمة طلاقها وقد حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عبد الله بن عمر بن ميسرة قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا سعيد عن قتادة عن أبى الخليل عن أبى علقمة الهاشمي عن أبى سعيد الخدري أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث جيشا إلى أوطاس فلقوا عدوا فقاتلوهم وظهروا عليهم فأصابوا منهم سبايا لهن أزواج من المشركين فكان المسلمون يتحرجون من غشيانهم فأنزل الله تعالى( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) أى هن لكم حلال إذا انقضت عدتهن وقد ذكر أن أبا علقمة هذا رجل جليل من أهل العلم وقد روى عنه يعلى ابن عطاء وروى هو هذا الحديث عن أبى سعيد وله أحاديث عن أبى هريرة وهذا حديث صحيح السند قد أخبر فيه بسبب نزول الآية وأنها في السبايا وتأولها ابن مسعود ومن وافقه على جميع النساء ذوات الأزواج إذا ملكن حل وطؤهن لمالكهن ووقعت الفرقة بينهن وبين أزواجهن* فإن قيل أنتم لا تعتبرون السبب وإنما تراعون حكم اللفظ إن كان عاما فهو على عمومه حتى تقوم دلالة الخصوص فهلا اعتبرت ذلك في هذه الآية وجعلتها على العموم في سائر من يطرأ عليه الملك من النساء ذوات الأزواج فينتظم السبايا وغيرهن قيل له الدلالة ظاهرة في الآية على خصوصها في السبايا وذلك لأنه قال( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) فلو كان حدوث الملك موجبا لإيقاع الفرقة لوجب أن تقع الفرقة بينها وبين زوجها إذا اشترتها امرأة أو أخوها من الرضاعة لحدوث الملك فإن قيل جائز أن يقال ذلك في سائر من طرأ عليهن الملك سواء كان حدوث الملك سببا لإباحة الوطء أو لم يكن بأن تملكها امرأة أو رجل لا يحل له وطؤها قيل له فشأن الآية إنما هو فيمن حدث له ملك اليمين فأباحت له وطأها لأنه استثناء بملك اليمين من حظر وطء المحصنات من النساء فواجب على ذلك أنه إذا

٨١

لم يستبح المالك وطأها بملك اليمين أن تكون الزوجية قائمة بينها وبين زوجها بحكم الآية وإذا وجب ذلك بحكم الآية وجب أن يكون قوله تعالى( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) خاصا في السبايا ويكون السبب الموجب للفرقة اختلاف الدين لا حدوث الملك ويدل على أن حدوث الملك لا يوجب الفرقة ما روى حماد عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أنها اشترت بريرة فأعتقتها وشرطت لأهلها الولاء فذكرت ذلك لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال الولاء لمن أعتق وقال لها يا بريرة اختاري فالأمر إليك ورواه سماك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة مثله وروى قتادة عن عكرمة عن ابن عباس أن زوج بريرة كان عبدا أسود يسمى مغيثا فقضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فيها أن الولاء لمن أعطى الثمن وخيرها * فإن قيل فقد روى ابن عباس في أمر بريرة ما روى ثم قال بعد ذلك قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بيع الأمة طلاقها فينبغي أن يقضى قوله هذا على ما رواه لأنه لا يجوز أن يخالف النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما رواه عنه* قيل له قد روى عن ابن عباس أن الآية نزلت في السبايا وأن بيع الأمة لا يوقع فرقة بينها وبين زوجها فجائز أن يكون الذي ذكرت عنه من أن بيع الأمة طلاقها كان يقول قبل أن تثبت عنده قصة بريرة وتخيير النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم إياها بعد الشرى فلما سمع بقصة بريرة رجع عن قوله وأيضا يحتمل أن يريد بقوله بيع الأمة طلاقها إذا اشتراها الزوج ولا يبقى النكاح مع الملك* والنظر يدل على أن بيع الأمة ليس بطلاق ولا يوجب الفرقة وذلك لأن الطلاق لا يملكه الزوج ولا يصح إلا بإيقاعه أو بسبب من قبله فلما لم يكن من الزوج في ذلك سبب وجب أن لا يكون طلاقا ويدل أيضا على ذلك أن ملك اليمين لا ينافي النكاح لأن الملك موجود قبل البيع غير ناف للنكاح فكذلك ملك المشترى لا ينافيه* فإن قيل لما طرأ ملك المشترى ولم يكن منه* رضى بالنكاح وجب أن ينفسخ* قيل له هذا غلط لأنه قد ثبت أن الملك لا ينافي النكاح والمعنى الذي ذكرت إن كان معتبرا فإنما يوجب للمشتري خيارا في فسخ النكاح وليس هذا قول أحد لأن عبد الله بن مسعود ومن تابعه يوجبون فسخ النكاح بحدوث الملك* واختلف الفقهاء في الزوجين إذا سبيا معا فقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر إذا سبى الحربيان معا وهما زوجان فهما على النكاح وإن سبى أحدهما قبل الآخر وأخرج إلى دار الإسلام فقد وقعت الفرقة وهو قول الثوري وقال الأوزاعى إذا

٨٢

سبيا جميعا فما كانا في المقاسم فهما على النكاح فإذا اشتراهما رجل فإن شاء جمع بينهما وإن شاء فرق بينهما فاتخذها لنفسه أو زوجها غيره بعد ما يستبرئها بحيضة وهو قول الليث بن سعد وقال الحسن بن صالح إذا سبيت ذات زوج استبرئت بحيضتين لأن زوجها أحق بها إذا جاء في عدتها وغير ذات الأزواج بحيضة* وقال مالك والشافعى إذا سبيت بانت* من زوجها سواء كان معها زوجها أو لم يكن* قال أبو بكر قد ثبت أن حدوث الملك غير موجب للفرقة بدلالة الأمة المبيعة والمورثة فوجب أن لا تقع الفرقة بالسبي نفسه لأنه ليس فيه أكثر من حدوث الملك ودليل آخر وهو أن حدوث الرق عليها لا يمنع ابتداء العقد فلأن لا يمنع بقاءه أولى لأن البقاء هو آكد في ثبوت النكاح معه من الابتداء ألا ترى أنه قد يمنع الابتداء ما لا يمنع البقاء وهو حدوث العدة عليها من وطء بشبهة يمنع ابتداء العقد ولا يمنع بقاء العقد المتقدم* فإن احتجوا بحديث أبى سعيد الخدري في قصة سبابا أوطاس وسبب نزول الآية عليها وهو قوله( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) لم يفرق بين من سبيت مع زوجها أو وحدها قيل له روى حماد قال أخبرنا الحجاج عن سالم المكي عن محمد بن على قال لما كان يوم أوطاس لحقت الرجال بالجبال وأخذت النساء فقال المسلمون كيف نصنع ولهن أزواج فأنزل الله تعالى( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) فأخبر أن الرجال لحقوا بالجبال وأن السبايا كن منفردات عن الأزواج والآية فيهن نزلت وأيضا لم يأسر النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم في غزاة حنين من الرجال أحدا فيما نقل أهل المغازي وإنما كانوا من بين قتيل أو مهزوم وسبى النساء ثم جاءه الرجال بعد ما وضعت الحرب أوزارها فسألوه أن يمن عليهم بإطلاق سباياهم فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أما ما كان لي ولبنى عبد المطلب فهو لكم وقال للناس من رد عليهم فذاك ومن تمسك بشيء منهن فله خمس فرائض في كل رأس وأطلق الناس سباياهم فثبت بذلك أنه لم يكن مع السبايا أزواجهن* فإن احتجوا بعموم قوله( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) لم يخصص من معهن أزواجهن والمنفردات منهن قيل له قد اتفقنا على أنه لم يرد عموم الحكم في إيجاب الفرقة بالملك لأنه لو كان كذلك لوجب أن تقع الفرقة بشرى الأمة وهبتها وبالميراث وغيره من وجوه الأملاك الحادثة فلما لم يكن ذلك كذلك علمنا أن الفرقة لم تتعلق بحدوث الملك وكان ذلك دليلا على مراد الآية وذلك لأنه إذا لم يخل

٨٣

مراد الله تعالى في المعنى الموجب للفرقة في المسبية من أحد وجهين إما اختلاف الدارين بهما أو حدوث الملك ثم قامت دلالة السنة واتفاق الخصم معنا على نفى إيجاب الفرقة بحدوث الملك قضى ذلك على مراد الآية بأنه اختلاف الدارين وأوجب ذلك خصوص الآية في المسبيات دون أزواجهن ويدل على أن المعنى فيه ما ذكرنا من اختلاف الدارين أنهما المسبيات دون أزواجهن ويدل على أن المعنى فيه ما ذكرنا من اختلاف الدارين أنهما لو خرجا مسلمين أو ذميين لم تقع بينهما فرقة لأنهما لم تختلف بهما الداران فدل ذلك على أن المعنى الموجب للفرقة بين المسبية وزوجها إذا كانت منفردة اختلاف الدارين بهما ويدل عليه أن الحربية إذا خرجت إلينا مسلمة أو ذمية ثم لم يلحق بها زوجها وقعت الفرقة بلا خلاف وقد حكم الله تعالى بذلك في المهاجرات في قوله( وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَ ) ثم قال( وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ ) قال أبو أبو بكر قوله تعالى( إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) يقتضى إباحة الوطء بملك اليمين لوجود الملك إلا أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قد روى عنه ما حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عمرو بن عون قال أخبرنا شريك عن قيس بن وهب عن أبى الوداك عن أبى سعيد الخدري أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال في سبايا أوطاس لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة * وحدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا سعيد بن منصور قال حدثنا أبو معاوية عن محمد بن إسحاق قال حدثني يزيد بن أبى حبيب عن أبى مرزوق عن حنش الصنعاني عن روى يفع بن ثابت الأنصارى قال قام فينا خطيبا فقال أما أنى لا أقول لكم إلا ما سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول يوم حنين لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقى ماؤه زرع غيره حتى يستبرئها بحيضة قال أبو داود ذكر الاستبراء هاهنا وهم من أبى معاوية وهو صحيح في حديث أبى سعيد وحدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا النفيلى قال حدثنا مسكين قال حدثنا شعبة عن يزيد بن خمير عن عبد الرحمن ابن جبير بن نفير عن أبيه عن أبى الدرداء أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم كان في غزوة فرأى امرأة(1) مجحا فقال لعل صاحبها ألم بها قالوا نعم قال لقد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه في قبره كيف يورثه وهو لا يحل له وكيف يستخدمه وهو لا يحل له فهذه الأخبار

__________________

(1) قوله مجحا بضم الميم وكسر الجيم وتشديد الحاء المهملة أى حاملا دنا وقت ولادتها.

٨٤

تمنع من استحدث ملكا في جارية أن يطأها حتى يستبرئها إن كانت حائلا وحتى تضع حملها إن كانت حاملا وليس بين فقهاء الأمصار خلاف في وجوب استبراء المسبية على ما ذكرنا إلا أن الحسن بن صالح قال عليها العدة حيضتين إذا كان لها زوج في دار الحرب وقد ثبت بحديث أبى سعيد الذي ذكرنا الاستبراء بحيضة واحدة وليس هذا الاستبراء بعدة لأنها لو كانت عدة لفرق النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بين ذوات الأزواج منهن وبين من ليس لها زوج لأن العدة لا تجب إلا عن فراش فلما سوى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بين من كان لها فراش وبين من لم يكن لها فراش دل ذلك على أن هذه الحيضة ليست بعدة فإن قيل قد ذكر في حديث أبى سعيد الذي ذكرت إذا انقضت عدتهن فجعل ذلك عدة قيل له يجوز أن تكون هذه اللفظة من كلام الراوي تأويلا منه للاستبراء أنه عدة وجائز أن تكون العدة لما كان أصلها استبراء الرحم أجرى اسم العدة على الاستبراء على وجه المجاز* قال أبو بكر وقد روى في قوله تعالى( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) تأويل آخر وروى زمعة عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال ذوات الأزواج ورجع ذلك إلى قوله حرم الله تعالى الزنا وروى معمر عن ابن طاوس عن أبيه في قوله تعالى( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) قال فزوجتك مما ملكت يمينك يقول حرم الله الزنا لا يحل لك أن تطأ امرأة إلا ما ملكت يمينك وروى ابن أبى نجيح عن مجاهد( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) قال نهى عن الزنا وعن عطاء بن السائب قال كل محصنة عليك حرام إلا امرأة تملكها بنكاح* قال أبو بكر وكان تأويلها عند هؤلاء أن ذوات الأزواج حرام إلا على أزواجهن وليس يمتنع أن يكون ذلك من مراد الله تعالى بالآية لاحتمال اللفظ له وذلك لا يمنع إرادة المعاني التي تأولها الصحابة عليها من إباحة وطء السبايا اللاتي لهن أزواج حربيون فيكون محمولا على الأمرين والأظهر أن ملك اليمين هي الأمة دون الزوجات لأن الله قد فرق بينهما فقال الله تعالى( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ ) فجعل ملك اليمين غير الزوجات والإطلاق إنما يتناول الإماء المملوكات دون الزوجات وهي كذلك في الحقيقة لأن الزوج لا يملك من زوجته شيئا وإنما له منها استباحة الوطء ومنافع بضعها في ملكها دونه ألا ترى أنها لو وطئت بشبهة وهي تحت زوج كان المهر لها دونه فدل ذلك

٨٥

على أنه لا يملك من زوجته شيئا فوجب أن يحمل قوله تعالى( إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) على من يملكها في الحقيقة وهي المسبية* قوله تعالى( كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ ) روى عن عبيدة قال أربع وإنما نصب كتاب الله لأنهم يقولون أن معنى كتاب الله عليكم أى كتب الله عليكم ذلك وقيل معناه حرم ذلك كتابا من الله عليكم وهذا تأكيد لوجوبه وإخبار منه لنا بفرضه لأن الكتاب هو الفرض* قوله تعالى( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) روى عن عبيدة السلماني والسدى أحل ما دون الخمس أن تبتغوا بأموالكم على وجه النكاح وقال عطاء أحل لكم ما وراء ذوات المحارم من أقاربكم وقال قتادة( ما وَراءَ ذلِكُمْ ) ما ملكت أيمانكم* وقيل ما وراء ذوات المحارم وما وراء الزيادة على الأربع أن تبتغوا بأموالكم* نكاحا أو ملك يمين* قال أبو بكر هو عام فيما عدا المحرمات في الآية وفي سنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم باب المهور قال الله تعالى( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ ) فعقد الإباحة بشريطة إيجاب بدل البضع وهو مال فدل على معنيين أحدهما أن بدل البضع واجب أن يكون ما يستحق به تسليم مال والثاني أن يكون المهر ما يسمى أموالا وذلك لأن هذا خطاب لكل واحد في إباحة ما وراء ذلك أن يبتغى البضع بما يسمى أموالا كقوله تعالى( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ ) خطاب لكل أحد في تحريم أمهاته وبناته عليه وفي ذلك دليل على أنه لا يجوز أن يكون المهر الشيء التافه الذي لا يسمى أموالا واختلف الفقهاء في مقدار المهر فروى عن على رضى الله عنه أنه قال لا مهر أقل من عشرة دراهم وهو قول الشعبي وإبراهيم في آخرين من التابعين وقول أبى حنيفة وأبى يوسف ومحمد وزفر والحسن بن زياد وقال أبو سعيد الخدري والحسن وسعيد بن المسيب وعطاء يجوز النكاح على قليل المهر وكثيره وتزوج عبد الرحمن بن عوف على وزن نواة من ذهب فقال بعض الرواة قيمتها ثلاثة دراهم وثلث وقال آخرون النواة عشرة أو خمسة وقال مالك أقل المهر ربع دينار وقال ابن أبى ليلى والليث والثوري والحسن ابن صالح والشافعى يجوز بقليل المال وكثيره ولو درهم* قال أبو بكر قوله تعالى( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ ) يدل على أن ما لا يسمى أموالا لا يكون مهرا وإن شرطه أن يسمى أموالا هذا مقتضى الآية وظاهرها ومن كان له درهم أو

٨٦

درهمان لا يقال عنده أموال فلم يصح أن يكون مهرا بمقتضى الظاهر* فإن قيل ومن* عنده عشرة دراهم لا يقال عنده أموال وقد أجزأها مهرا* قيل له كذلك يقتضى الظاهر لكن أجزناها بالاتفاق وجائز تخصيص الآية بالإجماع وأيضا قد روى حرام بن عثمان عن ابن جابر عن أبيهما أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لا مهر أقل من عشرة دراهم وقال على بن أبى طالب لا مهر أقل من عشرة دراهم ولا سبيل إلى معرفة هذا الضرب من المقادير التي هي حقوق الله تعالى من طريق الاجتهاد والرأى وإنما طريقها التوقيف أو الاتفاق وتقديره العشرة مهرا دون ما هو أقل منها يدل على أنه قاله توقيفا وهو نظير ما روى عن أنس في أقل الحيض أنه ثلاثة أيام وأكثره عشرة وعن عثمان بن أبى العاص الثقفي في أكثر النفاس أنه أربعون يوما أن ذلك توقيف إذ لا يقال في مثله من طريق الرأى وكذلك ما روى عن على بن أبى طالب رضى الله عنه أنه إذا قعد في آخر صلاته مقدار التشهيد فقد تمت صلاته فدل تقديره للفرض بمقدار التشهيد أنه قاله من طريق التوقيف وقد احتج بعض أصحابنا لاعتبار العشرة أن البضع عضو لا تجوز استباحته إلا بمال فأشبه القطع في السرقة فلما كانت اليد عضوا لا تجوز استباحته إلا بمال وكان المقدار الذي يستباح به عشرة على أصلهم فكذلك المهر يعتبر به وأيضا لما اتفق الجميع على أنه لا تجوز استباحة البضع بغير بدل واختلفوا فيما تجوز استباحته به من المقدار وجب أن يكون باقيا على الحظر في منع استباحته إلا بما قام دليل جوازه وهو العشرة المتفق عليها وما دونها مختلف فيه فالبضع باق على حكم الحظر وأيضا لما لم تجز استباحته إلا ببدل كان الواجب أن يكون البدل الذي به يصح قيمة البضع هو مهر المثل وأن لا يحط عنه شيء إلا بدلالة ألا ترى أنه لو تزوجها على غير مهر لكان الواجب لها مهر مثلها وفي ذلك دليل على أن عقد النكاح يوجب مهر المثل فغير جائز إسقاط شيء من موجبه إلا بدلالة وقد قامت دلالة الإجماع على جواز إسقاط ما زاد على العشرة واختلفوا فيما دونه أن يكون واجبا بإيجاب العقد له إذا لم تقم الدلالة على إسقاطه* فإن قيل لما قال الله تعالى( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ ) اقتضى ذلك إيجاب نصف الفرض قليلا كان أو كثيرا قيل له لما ثبت بما ذكرنا أن المهر لا يكون أقل من عشرة دراهم كانت تسميته لبعض العشرة تسمية لها

٨٧

كسائر الأشياء التي لا تتبعض تكون تسميته لبعضها تسمية لجميعها كالطلاق والنكاح ونحوهما وإذا كانت العشرة لا تتبعض في العقد صارت تسميته لبعضها تسمية لجميعها فإذا طلقها قبل الدخول وجب لها نصف العشرة لأن العشرة هي الفرض ألا ترى أنه لو طلق امرأته نصف تطليقة كان مطلقا لها تطليقة كاملة ولو طلق نصفها كان مطلقا كذلك لجميعها وكذلك لو عفا عن نصف دم عمد كان عافيا عن جميعه فلما كان ذلك كذلك وجب أن تكون تسميته لخمسة تسمية للعشرة لقيام الدلالة على أن العشرة لا تتبعض في عقد النكاح فمتى أوجبنا بعد الطلاق خمسة كان ذلك نصف الفرض وأيضا فإنا نوجب نصف المفروض فلسنا مخالفين لحكم الآية ونوجب الزيادة إلى تمام الخمسة بدلالة أخرى وإنما كان يكون مذهبنا خلاف الآية لو لم نوجب نصف الفرض فأما إذا أوجبناه وأوجبنا زيادة عليه بدلالة أخرى فليس في ذلك مخالفة للآية* واحتج من أجاز أن يكون المهر أقل من عشرة بحديث عامر بن ربيعة أن امرأة جيء بها إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد تزوجت رجلا على نعلين فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم رضيت من نفسك ومالك بنعلين قالت نعم فأجازه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وبحديث أبى الزبير عن جابر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال من أعطى امرأة في نكاح كف دقيق أو سويق أو طعاما فقد استحل وبحديث الحجاج ابن أرطأة عن عبد الملك بن المغيرة الطائفي عن عبد الرحمن بن السلماني قال خطب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال أنكحوا الأيامى منكم فقالوا يا رسول الله وما العلائق بينهما قال ما تراضى به الأهلون وبما روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال من استحل بدرهمين فقد استحل وإن عبد الرحمن بن عوف تزوج على وزن نواة من ذهب وأخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال أو لم ولو بشاة ولم ينكر ذلك عليه وبحديث أبى حازم عن سهل بن سعد في قصة المرأة التي قالت للنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قد وهبت نفسي لك يا رسول الله فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم مالي بالنساء من حاجة فقال له رجل زوجنيها فقال هل عندك من شيء تصدقها إياه فقال إزارى هذا فقال إن أعطيتها إزارك جلست ولا إزار لك إلى أن قال التمس ولو خاتما من حديد فأجاز أن يكون المهر خاتما من حديد وخاتم من حديد لا يساوى عشرة* والجواب عن إجازته النكاح على نعلين أن النعلين قد يجوز أن تساويا عشرة دراهم أو أكثر فلا دلالة فيه على موضع الخلاف لأنه تزوجها على نعلين ثم أخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وجائز أن يكون قيمتها عشرة أو أكثر

٨٨

وليس بعموم لفظ في إباحة التزويج على نعلين أى نعلين كانتا فلا دلالة فيه على قول المخالف وأيضا فإن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أخبر بجواز النكاح وجواز النكاح لا يدل على أنه هو المهر لا غيره لأنه لو تزوجها على غير مهر لكان النكاح جائزا ولم يدل جواز النكاح على أن لا شيء لها كذلك جواز النكاح على نعلين قيمتهما أقل من عشرة دراهم لا دلالة فيه على أنه لا يجب غيرهما وأما قوله من استحل بدرهمين أو بكف دقيق فقد استحل فإنه أخبار عن ملك البضع ولا دلالة فيه على أنه لا يجب غيره* وكذلك حديث عبد الرحمن في تزوجه على وزن نواة من ذهب وعلى أنه قد روى في الخبر أن قيمتها كانت خمسة أو عشرة* وأما قوله العلائق ما تراضى به الأهلون فإنه محمول على ما يجوز مثله في الشرع ألا ترى أنهم لو تراضوا بخمر أو خنزير أو شغار لما جاز تراضيهما كذلك في حكم التسمية يكون مرتبا على ما ثبت حكمه في الشرع من تسمية العشرة* وأما حديث سهل بن سعد فإن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أمره بتعجيل شيء لها وعلى ذلك كان مخرج كلامه لأنه لو أراد ما يصح به العقد من التسمية لاكتفى بإثباته في ذمته ما يجوز به العقد عن السؤال عما يعجل فدل ذلك على أنه لم يرد به ما يصح مهرا ألا ترى أنه لما لم يجد شيئا قال زوجتكها بما معك من القرآن وما معه من القرآن لا يكون مهرا فدل ذلك على صحة ما ذكرنا* واختلف الفقهاء فيمن تزوج امرأة على خدمته سنة فقال أبو حنيفة وأبو يوسف إذا تزوج امرأة على خدمته سنة فإن كان حرا فلها مهر مثلها وإن كان عبدا فلها خدمته سنة وقال محمد لها قيمة خدمته إن كان حرا وقال مالك إذا تزوجها على أن يؤاجرها نفسه سنة أو أكثر أو أقل ويكون ذلك صداقها فإنه يفسخ النكاح إن لم يدخل بها وإن دخل بها ثبت النكاح وقال الأوزاعى إذا تزوجها على أن يحجها ثم طلقها قبل أن يدخل بها فهو ضامن لنصف حجها من الحملان والكسوة والنفقة وقال الحسن بن صالح والشافعى النكاح جائز على خدمته إذا كان وقتا معلوما وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إذا تزوجها على تعليم سورة من القرآن لم يكن ذلك مهرا ولها مهر مثلها وهو قول مالك والليث وقال الشافعى يكون ذلك مهرا لها فإن طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف أجرة التعليم إن كان قد علمها وهي رواية المزني وحكى الربيع عنه أنه يرجع عليها بنصف مهر مثلها قال أبو بكر قوله تعالى( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ ) قد

٨٩

اقتضى أن يكون بدل البضع ما يستحق به تسليم مال لأن قوله( أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ ) يحتمل معنيين أحدهما تمليك المال بدلا من البضع والآخر تسليمه لاستيفاء منافعه فدل ذلك على أن المهر الذي يملك به البضع إما أن يكون مالا أو منافع في مال يستحق بها تسليمه إليها إذ كان قوله( أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ ) يشتمل عليهما ويقتضيهما ويدل على أن المهر حكمه أن يكون مالا قوله تعالى( وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً ) وذلك لأن قوله( وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً ) أمر يقتضى ظاهره الإيجاب ودل بفحواه على أن المهر ينبغي أن يكون مالا من وجهين أحدهما قوله( وَآتُوا ) معناه أعطوا والإعطاء إنما يكون في الأعيان دون المنافع إذ المنافع لا يتأتى فيها الإعطاء على الحقيقة والثاني قوله( فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً ) وذلك لا يكون في المنافع وإنما هو في المأكول أو فيما يمكن صرفه بعد الإعطاء إلى المأكول فدلت هذه الآية على أن المنافع لا تكون مهرا* فإن قيل فهذا يوجب أن لا تكون خدمة العبد مهرا قيل له كذلك اقتضى ظاهر الآية ولو لا قيام الدلالة لما جاز ويدل عليه نهى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم عن نكاح الشغار وهو أن يزوجه أخته على أن يزوجه أخته أو يزوجه أمته على أن يزوجه أمته وليس بينهما مهر وهذا أصل في أن المهر لا يصح إلا أن يستحق به تسليم مال فلما أبطل النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أن تكون منافع البضع مهرا لأنها ليست بمال دل ذلك على أن كل ما شرط من بدل البضع مما لا يستحق به تسليم مال لا يكون مهرا وكذلك قال أصحابنا لو تزوجها على عفو من دم عمدا وعلى طلاق فلانة أن ذلك ليس بمهر مثل منافع البضع إذا جعلها مهرا وقد قال الشافعى أنه إذا سمى في الشغار لإحداهما مهرا أن النكاح جائز ولكل واحدة منهما مهر مثلها ولم يجعل البضع مهرا في الحال التي أجاز النكاح فيها ونهى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم عن نكاح الشغار فدل ذلك على معنيين أحدهما أنه إذا كان الشغار في الأمتين كان المهر منافع البضع بدلا في النكاح والثاني إذا كان الشغار في الحرتين وهو أن يقول أزوجك أختى على أن تزوجني أختك أو أزوجك بنتي على أن تزوجني بنتك فيكون هذا عقدا عاريا من ذكر المهر لواحدة من المرأتين لأنه شرط المنافع لغير المنكوحة وهو الولي فالشغار في أحد الوجهين يكون عقد نكاح عاريا عن تسمية بدل للمنكوحة وفي الوجه الآخر يكون بدل البضع بضع آخر فأبطل النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ذلك أن

٩٠

يكون بدلا فصار أصلا في أن بدل البضع شرطه أن يستحق به تسليم مال* فإن قيل إن منافع بضع الأمة حق في مال فهلا كانت كالتزويج على خدمة العبد قيل له لأن خدمة العبد يستحق بها تسليم مال وهو رقبة العبد كالمستأجر له يستحق تسليم العبد إليه للخدمة وزوج الأمة لا يستحق تسليمها إليه بعقد النكاح لأن للمولى أن لا يبوئها بيتا وقوله تعالى( أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ ) قد اقتضى أن يستحق عليه بعقد النكاح تسليم مال بدلا من البضع وأما التزويج على تعليم سورة من القرآن فإنه لا يصح مهرا من وجهين أحدهما ما ذكرنا من أنه لا يستحق به تسليم مال كخدمة الحر والوجه الآخر أن تعليم القرآن فرض على الكفاية فكل من علم إنسانا شيئا من القرآن فإنما قام بفرض وقد روى عبد الله بن عمر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال بلغوا عنى ولو آية فكيف يجوز أن يجعل عوضا للبضع ولو جاز ذلك لجاز التزويج على تعليم الإسلام وهذا باطل لأن ما أوجب الله تعالى على الإنسان فعله فهو متى فعله فعله فرضا فلا يستحق أن يأخذ عليه شيئا من أعراض الدنيا ولو جاز ذلك لجاز للحكام أخذ الرشى على الحكم وقد جعل الله ذلك سحتا محرما فإن احتج محتج بحديث سهل بن سعد في قصة المرأة التي قالت للنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قد وهبت نفسي لك فقال رجل زوجنيها إلى أن قال هل معك من القرآن شيء قال نعم سورة كذا فقالصلى‌الله‌عليه‌وسلم قد زوجتكها بما معك من القرآن وبما حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن حفص بن عبد الله قال حدثني أبى قال حدثني إبراهيم بن طهمان عن الحجاج الباهلي عن عسل عن عطاء بن أبى رباح عن أبى هريرة بنحو قصة سهل بن سعد في أمر المرأة وقال فيه ما تحفظ من القرآن قال سورة البقرة أو التي تليها قال قم فعلمها عشرين آية وهي امرأتك قيل له معناه لما معك من القرآن كما قال تعالى( ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ ) ومعناه لما كنتم تفرحون وأيضا كون القرآن معه لا يوجب أن يكون بدلا والتعليم ليس له ذكر في هذا الخبر فعلمنا أن مراده أنى زوجتك تعظيما للقرآن ولأجل ما معك من القرآن وهو كما روى عبد الله بن عبد الله بن أبى طلحة عن أنس قال خطب أبو طلحة أم سليم فقالت إنى آمنت بهذا الرجل وشهدت أنه رسول الله فإن تابعتنى تزوجتك قال فأنا على ما أنت عليه فتزوجته فكان صداقها الإسلام ومعناه أنها تزوجته لأجل إسلامه لأن الإسلام لا يكون صداقا لأحد في

٩١

الحقيقة وأما حديث إبراهيم بن طهمان فإنه ضعيف السند وقد روى هذه القصة مالك عن أبى حازم عن سهل بن سعد فلم يذكر أنه قال علمها ولم يعارض بحديث إبراهيم بن طهمان ولو صح هذا الحديث لم يكن فيه دلالة على أنه جعل تعليم القرآن مهرا لأنه جائز أن يكون أمره بتعليمها القرآن ويكون المهر ثابتا في ذمته إذ لم يقل إن تعليم القرآن مهر لها فإن قيل قال الله تعالى( إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ ) فجعل منافع الحر بدلا من البضع قيل له لم يشرط المنافع للمرأة وإنما شرطها لشعيب النبي عليه السلام وما شرط للأب لا يكون مهرا فالاحتجاج به باطل في مسألتنا وأيضا لو صح أنها كانت مشروطة لها وأنه إنما أضافها إلى نفسه لأنه هو المتولى للعقد أو لأن مال الولد منسوب إلى الوالد كقولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنت ومالك لأبيك فهو منسوخ بالنهى عن الشغار.

وقوله تعالى( أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ ) يدل على أن عتق الأمة لا يكون صداقا لها إذ كانت الآية مقتضية لكون بدل البضع ما يستحق به تسليم مال إليها وليس في العتق تسليم مال وإنما فيه إسقاط الملك من غير أن استحقت به تسليم مال إليها ألا ترى أن الرق الذي كان المولى يملكه لا ينتقل إليها وإنما يتلف به ملكه فإذا لم يحصل لها به مال أو لم تستحق به تسليم مال إليها لم يكن مهرا وما روى أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أعتق صفية وجعل عتقها صداقها فلأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم كان له أن يتزوج بغير مهر وكان مخصوصا به دون الأمة قال الله تعالى( وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ) فكانصلى‌الله‌عليه‌وسلم مخصوصا بجواز ملك البضع بغير بدل كما كان مخصوصا بجواز تزويج التسع دون الأمة قوله تعالى( وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً ) يدل أيضا على أن العتق لا يكون صداقا من وجوه أحدها أنه قال( وَآتُوهُنَ ) وذلك أمر يقتضى الإيجاب وإعطاء العتق لا يصح والثاني قوله تعالى( فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً ) والعتق لا يصح فسخه بطيب نفسها عن شيء منه والثالث قوله تعالى( فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً ) وذلك محال في العتق* قوله تعالى( مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ ) قال أبو بكر يحتمل قوله تعالى( مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ ) وجهين أحدهما الحكم بكونهم محصنين بعقد النكاح والأخبار عن حالهم إذا نكحوا

٩٢

والثاني أن يكون الإحصان شرطا في الإباحة المذكورة في قوله تعالى( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) فإن كان المراد الوجه الأول فإطلاق الإباحة عموم يصح اعتباره فيما انتظمه إلا ما قام دليله وإن أراد الوجه الثاني كان إطلاق الإباحة مجملا لأنه معقود بشريطة حصول الإحصان به والإحصان لفظ مجمل مفتقر إلى البيان فلا يصح حينئذ الاحتجاج به والأولى حمله على الأخبار عن حصول الإحصان بالتزويج لإمكان استعماله وذلك لأنه متى ورد لفظ يحتمل أن يكون عموما يمكننا استعمال ظاهره ويحتمل أن يكون مجملا موقوف الحكم على البيان فالواجب حمله على معنى العموم دون الإجمال لما فيه من استعمال حكمه عند وروده فعلينا المصير إليه وغير جائز حمله على وجه يسقط عنا استعماله إلا بورود بيان من غيره وفي نسق التلاوة وفحوى الآية ما يوجب أن يكون ذكر الإحصان إخبارا عن كونه محصنا بالنكاح وذلك لأنه قال( مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ ) والسفاح هو الزنا فأخبر أن الإحصان المذكور هو ضد الزنا وهو العفة وإذا كان المراد بالإحصان في هذا الموضع العفاف فقد حصل على وجه لا يكون مجملا لأن تقديره وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم عفة غير زنا وهذا لفظ ظاهر المعنى بين المراد فيوجب ذلك معنيين أحدهما إطلاق لفظ الإباحة وكونه عموما والآخر الأخبار بأنهم إذا فعلوا ذلك كانوا محصنين غير مسافحين والإحصان لفظ مشترك متى أطلق لم يكن عموما كسائر الألفاظ المشتركة وذلك لأنه اسم يقع على معان مختلفة وأصله المنع ومنه سمى الحصن لمنعه من صار فيه من أعدائه ومنه الدرع الحصينة أى المنيعة والحصان بالكثر الفحل من الأفراس لمنعه راكبه من الهلاك والحصان بالنصب العفيفة من النساء لمنعها فرجها من الفساد قال حسان في عائشة رضى الله عنهما.

حصان رزان ما تزن بريبة

وتصبح غرثى من لحوم الغوافل

وقال الله تعالى( إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ ) يعنى العفائف والإحصان في الشرع اسم يقع على معان مختلفة غير ما كان الاسم لها في اللغة فمنها الإسلام قال الله تعالى( فَإِذا أُحْصِنَ ) روى فإذا أسلمن ويقع على التزويج لأنه قد روى في التفسير أيضا أن معناه فإذا تزوجن وقال تعالى( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) ومعناه ذوات الأزواج ويقع على العفة في قوله تعالى( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ) ويقع

٩٣

على الوطء بنكاح صحيح في إحصان الرجم* والإحصان في الشرع يتعلق به حكمان أحدهما في إيجاب الحد على قاذفه في قوله تعالى( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ) فهذا يعتبر فيه العفاف والحرية والإسلام والعقل والبلوغ فما لم يكن على هذه الصفة لم يجب على قاذفه الحد لأنه لاحد على قاذف المجنون والصبى والزاني والكافر والعبد فهذه الوجوه من الإحصان معتبرة في إيجاب الحد على القاذف والحكم الآخر هو الإحصان الذي يتعلق به إيجاب الرجم إذا زنا وهذا الإحصان يشتمل على الإسلام والعقل والبلوغ والحرية والنكاح الصحيح مع الدخول بها وهما على هذه الصفة فإن عدم شيء من هذه الخلال لم يكن عليه الرجم إذا زنا والسفاح هو الزنا قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنا من نكاح ولست من سفاح وقال مجاهد والسدى في قوله تعالى( غَيْرَ مُسافِحِينَ ) قالا غير زانين ويقال إن أصله من سفح الماء وهو صبه ويقال سفح دمعه وسفح دم فلان وسفح الجبل أسفله لأنه موضع مصب الماء وسافح الرجل إذا زنا لأنه صب ماءه من غير أن يلحقه حكم مائه في ثبوت النسب ووجوب العدة وسائر أحكام النكاح فسمى مسافحا لأنه لم يكن له من فعله هذا غير صب الماء وقد أفاد ذلك نفى نسب الولد المخلوق من مائه منه وأنه لا يلحق به ولا تجب على المرأة العدة منه ولا تصير فراشا ولا يجب عليه مهر ولا يتعلق بذلك الوطء شيء من أحكام النكاح هذه المعاني كلها في مضمون هذا اللفظ والله أعلم بالصواب.

باب المتعة

قال الله تعالى( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) قال أبو بكر هو عطف على ما تقدم ذكره من إباحة نكاح ما وراء المحرمات في قوله تعالى( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) ثم قال( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ ) يعنى دخلتم بهن( فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ ) كاملة وهو كقوله تعالى( وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً ) وقوله تعالى( فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً ) والاستمتاع هو الانتفاع وهو هاهنا كناية عن الدخول قال الله تعالى( أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها ) يعنى تعجلتم الانتفاع بها وقال( فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ ) يعنى بحظكم ونصيبكم من الدنيا فلما حرم الله تعالى من ذكر تحريمه في قوله( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ ) وعنى به نكاح الأمهات ومن ذكر معهن ثم عطف عليه

٩٤

قوله( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) اقتضى ذلك إباحة النكاح فيمن عدا المحرمات المذكورة ثم قال( أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ ) يعنى والله أعلم نكاحا تكونون به محصنين عفائف غير مسافحين ثم عطف عليه حكم النكاح إذا اتصل به الدخول بقوله( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ ) فأوجب على الزوج كمال المهر وقد سمى الله المهر أجرا في قوله( فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ ) فسمى المهر أجرا وكذلك الأجور المذكورة في هذه الآية هي المهور وإنما سمى المهر أجرا لأنه بدل المنافع وليس ببدل عن الأعيان كما سمى بدل منافع الدار والدابة أجرا وفي تسمية الله المهر أجرا دليل على صحة قول أبى حنيفة فيمن استأجر امرأة فزنا بها أنه لاحد عليه لأن الله تعالى قد سمى المهر أجرا فهو كمن قال أمهرك كذا وقد روى نحوه عن عمر بن الخطاب ومثل هذا يكون نكاحا فاسدا لأنه بغير شهود وقال تعالى في آية أخرى( وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَ ) وقد كان ابن عباس يتأول قوله تعالى( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ ) على متعة النساء وروى عنه فيها أقاويل روى أنه كان يتأول الآية على إباحة المتعة ويروى أن في قراءة أبى بن كعب فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن وروى عنه أنه لما قيل له أنه قد قيل فيها الأشعار قال هي كالمضطر إلى الميتة والدم ولحم الخنزير فأباحها في هذا القول عند الضرورة وروى عن جابر بن زيد أن ابن عباس نزل عن قوله في الصرف وقوله في المتعة* وحدثنا جعفر بن محمد الواسطي قال حدثنا جعفر بن محمد بن اليمان قال حدثنا أبو عبيد قال حدثنا ابن بكير عن الليث عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن عمار مولى الشريد قال سألت ابن عباس عن المتعة أسفاح هي أم نكاح فقال ابن عباس لا سفاح ولا نكاح قلت فما هي قال المتعة كما قال الله تعالى قلت له هل لها من عدة قال نعم عدتها حيضة قلت هل يتوارثان قال لا* وحدثنا جعفر بن محمد قال حدثنا حجاج عن ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء الخرسانى عن ابن عباس في قوله تعالى( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ ) قال نسختها( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ ) وهذا يدل على رجوعه عن القول بالمتعة وقد روى عن جماعة من السلف أنها زنا حدثنا جعفر بن محمد قال حدثنا جعفر ابن محمد بن اليمان قال حدثنا أبو عبيد قال حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث عن عقيل

٩٥

ويونس عن أبن شهاب عن ابن عبد الملك مغيرة بن نوفل عن ابن عمر أنه سئل عن المتعة فقال ذلك السفاح وروى عن هشام بن عروة عن أبيه قال كان نكاح المتعة بمنزلة الزنا فإن قيل لا يجوز أن تكون المتعة زنا لأنه لم يختلف أهل النقل أن المتعة قد كانت مباحة في بعض الأوقات أباحها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يبح الله تعالى الزنا قط* قيل له لم تكن زنا في وقت الإباحة فلما حرمها الله تعالى جاز إطلاق اسم الزنا عليها كما روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال الزانية هي التي تنكح نفسها بغير بينة وأيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر وإنما معناه التحريم لا حقيقة الزنا وقد قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم العينان تزنيان والرجلان تزنيان فزنا العين النظر وزنا الرجلين المشي ويصدق ذلك كله الفرج أو كذبه فأطلق اسم الزنا في هذه الوجوه على وجه المجاز إذا كان محرما فكذلك من أطلق اسم الزنا على المتعة فإنما أطلقه على وجه المجاز وتأكيد التحريم وحدثنا جعفر بن محمد قال حدثنا جعفر بن محمد بن اليمان قال حدثنا أبو عبيد قال حدثنا حجاج عن شعبة عن قتادة قال سمعت أبا نضرة يقول كان ابن عباس يأمر بالمتعة وكان ابن الزبير ينهى عنها قال فذكرت ذلك لجابر بن عبد الله فقال على يدي دار الحديث تمتعنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فلما قام عمر قال إن الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء فأتموا الحج والعمرة كما أمر الله وانتهوا عن نكاح هذه النساء لا أوتى برجل نكح امرأة إلى أجل إلا رجمته فذكر عمر الرجم في المتعة وجائز أن يكون على جهة الوعيد والتهديد لينزجر الناس عنها وقال وحدثنا أبو عبيد قال حدثنا حجاج عن ابن جريج قال أخبرنى عطاء قال سمعت ابن عباس يقول رحم الله عمر ما كانت المتعة إلا رحمة من الله تعالى رحم الله بها أمة محمدصلى‌الله‌عليه‌وسلم ولو لا نهيه لما احتاج إلى الزنا إلا شفا(1) فالذي حصل من أقاويل ابن عباس القول بإباحة المتعة في بعض الروايات من غير تقييد لها بضرورة ولا غيرها* والثاني أنها كالميتة تحل* بالضرورة* والثالث أنها محرمة وقد قدمنا ذكر سنده وقوله أيضا إنها منسوخة* ومما يدل على رجوعه عن إباحتها ما روى عبد الله بن وهب قال أخبرنى عمرو بن الحرث أن بكير بن الأشج حدثه أن أبا إسحاق مولى بنى هاشم حدثه أن رجلا سأل ابن عباس فقال كنت في سفر ومعى جارية لي ولى أصحاب فأحللت جاريتي لأصحابى يستمتعون منها فقال

__________________

(1) قوله إلا شفا أى إلا قليل من الناس من قولهم غابت الشمس إلا شفا أى إلا قليلا من ضوئها عند غروبها.

٩٦

ذاك السفاح فهذا أيضا يدل على رجوعه* وأما احتجاج من احتج فيها بقوله تعالى( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ ) وأن في قراءة أبى إلى أجل مسمى فإنه لا يجوز إثبات الأجل في التلاوة عند أحد من المسلمين فالأجل إذا غير ثابت في القرآن ولو كان فيه ذكر الأجل لما دل أيضا على متعة النساء لأن الأجل يجوز أن يكون داخلا على المهر فيكون تقديره فما دخلتم به منهن بمهر إلى أجل مسمى فآتوهن مهورهن عند حلول الأجل* وفي فحوى الآية من الدلالة على أن المراد النكاح دون المتعة ثلاثة أوجه أحدها أنه عطف على إباحة النكاح في قوله تعالى( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) وذلك إباحة لنكاح من عدا المحرمات لا محالة لأنهم لا يختلفون أن النكاح مراد بذلك فوجب أن يكون ذكر الاستمتاع بيانا لحكم المدخول بها بالنكاح في استحقاقها لجميع الصداق والثاني قوله تعالى( مُحْصِنِينَ ) والإحصان لا يكون إلا في نكاح صحيح لأن الوطء بالمتعة لا يكون محصنا ولا يتناوله هذا الاسم فعلمنا أنه أراد النكاح والثالث قوله تعالى( غَيْرَ مُسافِحِينَ ) فسمى الزنا سفاحا لانتفاء أحكام النكاح عنه من ثبوت النسب ووجوب العدة وبقاء الفراش إلى أن يحدث له قطعا ولما كانت هذه المعاني موجودة في المتعة كانت في معنى الزنا ويشبه أن يكون من سماها سفاحا ذهب إلى هذا المعنى إذا كان الزاني إنما سمى مسافحا لأنه لم يحصل له من وطئها فيما يتعلق بحكمه إلا على سفح الماء باطلا من غير استلحاق نسب به فمن حيث نفى الله تعالى بما أحل من ذلك وأثبت به الإحصان اسم السفاح وجب أن يكون المراد بالاستمتاع هو المتعة إذ كانت في معنى السفاح بل المراد به النكاح* وقوله تعالى( غَيْرَ مُسافِحِينَ ) شرط في الإباحة المذكورة وفي ذلك دليل* على النهى عن المتعة إذ كانت المتعة في معنى السفاح من الوجه الذي ذكرنا* قال أبو بكر فكان الذي شهر عنه إباحة المتعة من الصحابة عبد الله بن عباس واختلفت الروايات عنه مع ذلك فروى عنه إباحتها بتأويل الآية له قد بينا أنه لا دلالة في الآية على إباحتها بل دلالات الآية ظاهرة في حظرها وتحريمها من الوجوه التي ذكرنا ثم روى عنه أنه جعلها بمنزلة الميتة ولحم الخنزير والدم وأنها لا تحل إلا لمضطر وهذا محال لأن الضرورة المبيحة للمحرمات لا توجد في المتعة وذلك لأن الضرورة المبيحة للميتة والدم هي التي يخاف معها تلف النفس إن لم يأكل وقد علمنا أن الإنسان لا يخاف على نفسه ولا على شيء

«7 ـ أحكام لث»

٩٧

من أعضائه التلف بترك الجماع وفقده وإذا لم تحل في حال الرفاهية والضرورة لا تقع إليها فقد ثبت حظرها واستحال قول القائل إنها تحل عند الضرورة كالميتة والدم فهذا قول متناقض مستحيل وأخلق بأن تكون هذه الرواية عن ابن عباس وهما من رواتها لأنه كان رحمه الله أفقه من أن يخفى عليه مثله فالصحيح إذا ما روى عنه من حظرها وتحريمها وحكاية من حكى عنه الرجوع عنها* والدليل على تحريمها قوله تعالى( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ ) فقصر إباحة الوطء على أحد هذين الوجهين وحظر ما عداهما بقوله تعالى( فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ ) والمتعة خارجة عنهما فهي إذا محرمة فإن قيل ما أنكرت أن تكون المرأة المستمتع بها زوجة وأن المتعة غير خارجة عن هذين الوجهين اللذين قصر الإباحة عليهما* قيل له هذا غلط لأن اسم الزوجة إنما يقع عليها ويتناولها إذا كانت منكوحة بعقد النكاح وإذا لم تكن المتعة نكاحا لم تكن هذه زوجة* فإن قيل ما الدليل على أن المتعة ليست بنكاح* قيل له الدليل على ذلك أن النكاح اسم يقع على أحد معنيين وهو الوطء والعقد وقد بينا فيما سلف أنه حقيقة في الوطء مجاز في العقد وإذ كان الاسم مقصورا في إطلاقه على أحد هذين المعنيين وكان إطلاقه في العقد مجازا على ما ذكرنا ووجدناهم أطلقوا الاسم على عقد تزويج مطلق أنه نكاح ولم نجدهم أطلقوا اسم النكاح على المتعة فلا يقولون إن فلانا تزويج فلانة إذا شرط التمتع بها لم يجز لنا إطلاق اسم النكاح على المتعة إذ المجاز لا يجوز إطلاقه إلا أن يكون مسموعا من العرب أو يرد به الشرع فلما عدمنا إطلاق اسم النكاح على المتعة في الشرع واللغة جميعا وجب أن تكون المتعة ما عدا ما أباحه الله وأن يكون فاعلها عاديا ظالما لنفسه مرتكبا لما حرمه الله وأيضا فإن النكاح له شرائط قد اختص بها متى فقدت لم يكن نكاحا منها أن مضى الوقت لا يؤثر في عقد النكاح ولا يوجب رفعه والمتعة عند القائلين بها توجب رفع النكاح بمضى المدة ومنها أن النكاح فراش يثبت به النسب من غير دعوة بل لا ينتفى الولد المولود على فراش النكاح إلا باللعان والقائلون بالمتعة لا يثبتون النسب منه فعلمنا أنها ليست بنكاح ولا فراش ومنها أن الدخول بها على النكاح يوجب العدة عند الفرقة والموت يوجب العدة دخل بها أو لم يدخل قال الله تعالى( وَالَّذِينَ

٩٨

يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ) والمتعة لا توجب عدة الوفاة وقال تعالى( وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ ) ولا توارث عندهم في المتعة فهذه هي أحكام النكاح التي يختص بها إلا أن يكون هناك رق أو كفر يمنع التوارث فلما لم يكن في المتعة مانع من الميراث من أحدهما بكفر أو رق ولا سبب يوجب الفرقة ولا مانع من ثبوت النسب مع كون الرجل ممن يستفرش ويلحقه الأنساب لفراشه ثبت بذلك أنها ليست بنكاح فإذا خرجت عن أن تكون نكاحا أو ملك يمين كانت محرمة بتحريم الله إياها في قوله( فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ ) فإن قيل انقضاء المدة الموجبة للبينونة هو الطلاق* قيل له إن الطلاق لا يقع إلا بصريح لفظ أو كناية ولم يكن منه واحد منهما فكيف يكون طلاقا ومع ذلك فيجب على أصل هذا القائل أن لا تبين لو انقضت المدة وهي حائض لأن القائلين بإباحة المتعة لا يرون طلاق الحائض جائزا فلو كانت البينونة الواقعة بمضى المدة طلاقا لوجب أن لا يقع في حال الحيض فلما أوقعوا البينونة الواقعة بمضى الوقت وهي حائض دل ذلك على أنه ليس بطلاق وإن كانت تبين بغير طلاق ولا سبب من قبل الزوج يوجب الفرقة ثبت أنها ليست بنكاح* فإن قيل على ما ذكرنا من نفى النسب والعدة والميراث ليس انتفاء هذه الأحكام بمانع من أن تكون نكاحا لأن الصغير لا يلحق به نسب ويكون نكاحه صحيحا والعبد لا يرث والمسلم لا يرث الكافر ولم يخرجه انتفاء هذه الأحكام عنه من أن يكون نكاحا قيل له إن نكاح الصغير قد تعلق به ثبوت النسب إذا صار في ممن يستفرش ويتمتع وأنت لا تلحقه نسب ولدها مع الوطء الذي يجوز أن يلحق به النسب في النكاح والعبد والكافر إنما لم يرثا للرق والكفر وهما يمنعان التوارث بينهما وذلك غير موجود في المتعة لأن كل واحد منهما من أهل الميراث من صاحبه فإذا لم يكن بينهما ما يقطع الميراث ثم لم يرث مع وجود المتعة علمنا أن المتعة ليست بنكاح لأنها لو كانت نكاحا لأوجبت الميراث مع وجود سببه من غير مانع له من قبلهما وأيضا قد قال ابن عباس إنها ليست بنكاح ولا سفاح فإذا كان ابن عباس قد نفى عنها اسم النكاح وجب أن لا تكون نكاحا لأن ابن عباس لم يكن ممن يخفى عليه أحكام الأسماء في الشرع واللغة فإذا كان هو القائل بالمتعة من الصحابة ولم يرها نكاحا ونفى عنها الاسم ثبت أنها ليست بنكاح

٩٩

ومما يوجب تحريمها من جهة السنة ما حدثنا عبد الباقي قال حدثنا معاذ بن المثنى قال حدثنا القعنبي قال حدثنا مالك عن ابن شهاب عن عبد الله والحسن ابني محمد بن على عن أبيهما عن على رضى الله عنه أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم نهى عن متعة النساء وعن أكل لحوم الحمر الإنسية وقال فيه غير مالك إن عليا قال لابن عباس إنك امرؤ تياه إنما المتعة إنما كانت رخصة في أول الإسلام نهى عنها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم زمن خيبر وعن لحوم الإنسية وروى هذا الحديث من طرق عن الزهري رواه سفيان بن عيينة وعبيد الله بن عمر في آخرين وروى عكرمة بن عمار عن سعيد المقبري عن أبى هريرة أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال في غزوة تبوك إن الله تعالى حرم المتعة بالطلاق والنكاح والعدة والميراث وروى عبد الواحد بن زياد قال حدثنا أبو عميس عن أياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أذن في متعة النساء عام أو طاس ثم نهى عنها وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا إسماعيل بن الفضل البلخي قال حدثنا محمد بن جعفر بن موسى قال حدثنا محمد بن الحسن قال حدثنا أبو حنيفة عن نافع عن ابن عمر قال نهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم خيبر عن متعة النساء وما كنا مسافحين قال أبو بكر قوله وما كنا مسافحين يحتمل وجوها أحدها أنهم لم يكونوا مسافحين حين أبيحت لهم المتعة يعنى أنها لو لم تبح لم يكونوا ليسافحوا أو نفى بذلك قول من قال إنها أبيحت للضرورة كالميتة والدم ثم نهى عنها بعد والثاني أنهم لم يكونوا ليفعلوا ذلك بعد النهى فيكونوا مسافحين ويحتمل أنهم لم يكونوا في حال الإباحة مسافحين بالتمتع إذ كانت مباحة وقد حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا مسدد قال حدثنا عبد الوارث عن إسماعيل بن أمية عن الزهري قال كنا عند عمر بن عبد العزيز فتذاكرنا متعة النساء فقال له رجل يقال له ربيع بن سبرة أشهد على أبى أنه حدث أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم نهى عنها في حجة الوداع وروى عبد العزيز بن ربيع بن سبرة عن أبيه عن جده أن ذلك كان عام الفتح ورواه إسماعيل بن عياش عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن الربيع بن سبرة عن أبيه مثله وذكر أنه كان عام الفتح ورواه أنس بن عوض الليثي عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن الربيع بن سبرة عن أبيه مثله وقال كان في حجة الوداع فلم تختلف الرواة في التحريم واختلفوا في التاريخ فسقط التاريخ كأنه ورد غير مؤرخ وثبت التحريم لاتفاق الرواة عليه ورواه أبو حنيفة عن الزهري عن محمد بن عبد

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388