أحكام القرآن الجزء ٤

أحكام القرآن9%

أحكام القرآن مؤلف:
تصنيف: مفاهيم القرآن
الصفحات: 412

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 412 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 65466 / تحميل: 6320
الحجم الحجم الحجم
أحكام القرآن

أحكام القرآن الجزء ٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

عن يزيد بن شريك قال لعمر بن الخطاب أو سمعت رجلا قال له اقرأ خلف الإمام قال نعم قال قلت وإن قرأ قال وإن قرأ وروى شعبة عن أبى الفيض عن أبى شيبة قال معاذ إذا كنت تسمع قراءة الإمام فاقرأ بقل هو الله أحد ونحوها وإذا لم تسمع قراءته ففي نفسك وروى أشعث عن الحكم وحماد أن عليا كان يأمر بالقراءة خلف الإمام وروى ليث عن عطاء عن ابن عباس لا تدع أن تقرأ بفاتحة الكتاب جهر الإمام أو لم يجهر فإذا كان هؤلاء الصحابة قد روى عنهم القراءة خلف الإمام وروى عنهم تركها فكيف تثبت به حجة قيل له أما حديث عمر ومعاذ فمجهول السند لا تثبت بمثله حجة وحديث على إنما هو عن الحكم وحماد ومخالفنا لا يقبل مثله لإرساله وحديث ابن عباس هذا رواه ليث بن أبي سليم وهو ضعيف وقد روى عنه أبو حمزة النهى ومع ذلك فلم يكن احتجاجنا من جهة قول الصحابة فحسب وإنما قلنا إن ما كان هذا سبيله من الفروض التي عمت الحاجة إليه فإن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم لا يخليهم من توقيف لهم على إيجابه فلما وجدناهم قائلين بالنهى علمنا أنه لم يكن منه توقيف للكافة عليه فثبت أنها غير واجبة ولا يصير قول من قال منهم بإيجابه قادحا فيما ذكرنا من قبل أن أكثر ما فيه لم يكن من النبي صلّى الله عليه وآله وسلم توقيف عليه للكافة فذهب منهم ذاهبون إلى إيجاب قراءتها بتأويل أو قياس ومثل ذلك طريقه للكافة ونقل الأمة ويدل على نفى وجوبها اتفاق الجميع على أن مدرك الإمام في الركوع يتابعه مع ترك القراءة فلو كانت فرضا لما جاز تركها بحال كالطهارة وسائر أفعال الصلاة فإن قيل إنما جاز ذلك الضرورة وهو خوف فوات الركعة قيل له خوف فوات الركعة ليس بضرورة من وجوه أحدها أن فعل الصلاة خلف الإمام ليس بفرض لأنه لو صلاها منفردا أجزأه وإنما هو فضيلة فإذا خوف فواتها ليس بضرورة في تركها وأيضا فإنه لو كان محدثا لم يكن خوف فوات الجماعة مبيحا لترك الطهارة وكذلك لو أدركه في السجود لم تكن له ضرورة في جواز سقوط الركوع فلما جاز ترك القراءة في هذه الحال دون سائر الفروض دل على أنها ليست بفرض ويدل على أنها ليست بفرض اتفاق الجميع على أن من كان خلف الإمام في الصلاة التي يجهر فيها لا يقرأ السورة مع الفاتحة فلو كانت القراءة فرضا لكان من سننها قراءة السورة ويدل عليه أيضا اتفاق الجميع على أن المأموم لا يجهز بها في الصلوات التي يجهر فيها بالقراءة ولو كانت فرضا لجهر بها كالإمام

٢٢١

وفي ذلك دليل على أنها ليست بفرض إذ كانت صلاة جماعة من الصلوات التي يجهر فيها بالقراءة وكان ينبغي أن لا يختلف حكم الإمام والمأموم في الجهر والإخفاء لو كانت فرضا عليه كهي على الإمام قوله تعالى( واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ) قال أبو بكر الذكر على وجهين أحدهما الفكر في عظمة الله وجلالة ودلائل قدرته وآياته وهذا أفضل الأذكار إذ به يستحق الثواب على سائر الأذكار سواه وبه يتوصل إليه والذكر الآخر القول وقد يكون ذلك الذكر دعاء وقد يكون ثناء على الله تعالى ويكون قراءة للقرآن ويكون دعاء للناس إلى الله وجائز أن يكون المراد الذكرين جميعا من الفكر والقول فيكون قوله تعالى( واذكر ربك في نفسك ) هو الفكر في دلائل الله وآياته وقوله تعالى( ودون الجهر من القول ) فيه نص على الذكر باللسان وهذا الذكر يجوز أن يريد به قراءة القرآن وجائز أن يريد الدعاء فيكون الأفضل في الدعاء الإخفاء على نحو قوله تعالى( ادعوا ربكم تضرعا وخفية ) وإن أراد به قراءة القرآن كان في معنى قوله( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا ) وقيل إنما كان إخفاء الدعاء أفضل لأنه أبعد من الرياء وأقرب من الإخلاص وأجدر بالاستجابة إذ كانت هذه صفته وقيل إن ذلك خطاب للمستمع للقرآن لأنه معطوف على قوله( وإذا قرى القرآن فاستمعوا له وأنصتوا ) وقيل إنه خطاب للنبي صلّى الله عليه وآله وسلم والمعنى عام لسائر المكلفين كقوله عز وجل( يا أيها النبى إذا طلقتم النساء ) وقال قتادة الآصال العشيات.

سورة الأنفال

قال أبو بكر رحمة الله عليه قال ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة وعكرمة وعطاء الأنفال الغنائم وروى عن ابن عباس رواية أخرى عن عطاء أن الأنفال ما يصل إلى المسلمين عن المشركين بغير قتال من دابة أو عبد أو متاع فذلك للنبي صلّى الله عليه وآله وسلم يضعه حيث يشاء وروى عن مجاهد إن الأنفال الخمس الذي جعله الله لأهل الخمس وقال الحسن كانت الأنفال من السرايا التي تتقدم أمام الجيش الأعظم والنفل في اللغة الزيادة على المستحق ومنه النافلة وهي التطوع وعندنا إنما يكون قبل إحراز الغنيمة فأما بعده فلا يجوز إلا من الخمس وذلك بأن يقول للسرية لكم الربع بعد الخمس أو الربع حيز من الجميع قبل

٢٢٢

الخمس أو يقول من أصاب شيئا فهو له على وجه التحريض على القتال والتضرية على العدو أو يقول من قتل قتيلا فله سلبه وأما بعد إحراز الغنيمة جائز أن ينفل من نصيب الجيش ويجوز له أن ينفل من الخمس وقد اختلف في سبب نزول الآية فروى عن سعد قال أصبت يوم بدر سيفا فأتيت به النبي صلّى الله عليه وآله وسلم فقلت نفلنيه فقال ضعه من حيث أخذت فنزلت( يسئلونك عن الأنفال ) قال فدعاني رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وقال اذهب وخذ سيفك وروى معاوية بن صالح عن على بن أبى طلحة عن ابن عباس( يسئلونك عن الأنفال ) قال الأنفال الغنائم التي كانت لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم خاصة ليس لأحد فيها شيء ثم أنزل الله تعالى( واعلموا أنما غنمتم من شىء فأن لله خمسه وللرسول ) الآية قال ابن جريج أخبرنى بذلك سليمان عن مجاهد وروى عبادة بن الصامت وابن عباس وغيرهما أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم نفل يوم بدر أنفالا مختلفة وقال من أخذ شيئا فهو له فاختلف الصحابة فقال بعضهم نحو ما قلنا وقال آخرون نحن حمينا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وكنا ردأ لكم قال فلما اختلفنا وساءت أخلاقنا انتزعه الله من أيدينا فجعله إلى رسوله فقسمه عن الخمس وكان في ذلك تقوى وطاعة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وصلاح ذات البين لقوله تعالى( يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول ) قال عبادة بن الصامت قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ليرد قوى المسلمين على ضعيفهم وروى الأعمش عن أبى صالح عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم لم تحل الغنيمة لقوم سود الرءوس قبلكم كانت تنزل نار من السماء فتأكلها فلما كان يوم بدر أسرع الناس في الغنائم فأنزل الله تعالى( لو لا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا ) وقد ذكر في حديث عبادة وابن عباس أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم قال يوم بدر قبل القتال من أخذ شيئا فهو له ومن قتل قتيلا فله كذا ويقال إن هذا غلط وإنما قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم يوم حنين من قتل قتيلا فله سلبه وذلك لأنه قد روى عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أنه قال لحم تحل الغنائم لقوم سود الرءوس غيركم وأن قوله تعالى( يسئلونك عن الأنفال ) نزلت بعد حيازة غنائم بدر فعلمنا أن رواية من روى أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم نفلهم ما أصابوا قبل القتال غلط إذ كانت إباحتها إنما كانت بعد القتال ومما يدل على غلطه أنه قال من أخذ شيئا فهو له ومن قتل قتيلا فله ذا ثم قسمها بينهم بالسواء وذلك لأنه غير جائز على النبي صلى الله عليه وآله وسلم خلف الوعد ولا استرجاع ما جعله الإنسان وأخذه منه وإعطاؤه غيره والصحيح

٢٢٣

أنه لم يتقدم من النبي صلّى الله عليه وآله وسلم قول في الغنائم قبل القتال فلما فرغوا من القتال تنازعوا في الغنائم فأنزل الله تعالى( يسئلونك عن الأنفال ) فجعل أمرها إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلم في أن يجعلها لما شاء فقسمها بينهم بالسواء ثم نسخ ذلك بقوله تعالى( واعلموا أنما غنمتم من شىء فأن لله خمسه ) على ما روى عن ابن عباس ومجاهد فجعل الخمس لأهله المسلمين في الكتاب والأربعة الأخماس للغانمين وبين النبي صلّى الله عليه وآله وسلم سهم الفارس والراجل وبقي حكم النفل قبل إحراز الغنيمة بأن يقول من قتل قتيلا فله سلبه ومن أصاب شيئا فهو له ومن الخمس وما شذ من المشركين من غير قتال فكل ذلك كان نفلا للنبي صلّى الله عليه وآله وسلم يجعله لمن يشاء وإنما وقع النسخ في النفل بعد إحراز الغنيمة من الخمس ويدل على أن قسمة غنائم بدر إنما كانت على الوجه الذي جعله النبي صلّى الله عليه وآله وسلم قسمتها لا على قسمتها الآن أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم قسمها بينهم بالسواء ولم يخرج منها الخمس ولو كانت مقسومة قسمة الغنائم التي استقر عليها الحكم لعزل الخمس لأهله ولفضل الفارس على الراجل وقد كان في الجيش فرسان أحدهما للنبي صلّى الله عليه وآله وسلم والآخر للمقداد فلما قسم الجميع بينهم بالسوية علمنا أن قوله تعالى( قل الأنفال لله والرسول ) قد اقتضى تفويض أمرها إليه ليعطيها من يرى ثم نسخ النفل بعد إحراز الغنيمة وبقي ما حكمه قبل إحرازها على جهة تحريض الجيش والتضرية على العدو وما لم يوجف عليه المسلمون وما لا يحتمل القسم ومن الخمس على ما شاء ويدل على أن غلط الرواية في أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم قال يوم بدر من أصاب شيئا فهو له وأنه نفل القاتل وغيره ما حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا هناد بن السرى عن أبى بكر عن عاصم عن مصعب بن سعد عن أبيه قال جئت إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلم يوم بدر بسيف فقلت يا رسول الله إن الله قد شفى صدري اليوم من العدو فهب لي هذا السيف فقال إن هذا السيف ليس لي ولا لك فذهبت وأنا أقول يعطاه اليوم من لم يبل بلاي فبينا أنا إذ جاءني الرسول فقال أجب فظننت أنه نزل في شيء بكلامي فجئت فقال لي النبي صلّى الله عليه وآله وسلم إنك سألتنى هذا السيف وليس هو لي ولا لك وإن الله قد جعله الله لي فهو لك ثم قرأ( يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول ) فأخبر النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أنه لم يكن له ولا لسعد قبل نزول سورة الأنفال وأخبر أنه لما جعله الله له آثره به وفي ذلك دليل على فساد رواية من روى أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم نفلهم قبل القتال وقال من أخذ شيئا فهو له وقوله تعالى( وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم )

٢٢٤

في هذه القصة ضروب من دلائل النبوة أحدها إخباره إياهم بأن إحدى الطائفتين لهم وهي عير قريش التي كانت فيها أموالهم وجيشهم الذين خرجوا لحمايتها فكان وعده على ما وعده وقوله تعالى( وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ) يعنى أن المؤمنين كانوا يودون الظفر لما فيها الأموال وقلة المقاتلة وذلك لأنهم خرجوا مستخفين غير مستعدين للحرب لأنهم لم يظنوا أن قريشا تخرج لقتالهم وقوله تعالى( ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ) وهو إنجاز موعده لهم في قطع دابر الكافرين وقتلهم وقوله تعالى( فاستجاب لكم إنى ممدكم بألف من الملائكة مردفين وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم ) فوجد مخبر هذه الأخبار على ما أخبر به فكان من طمأنينة قلوب المؤمنين ما أخبر به وقال تعالى( إذ يغشيكم النعاس أمنة منه ) فألقى عليهم النعاس في الوقت الذي يطير فيه النعاس بإظلال العدو عليكم بالعدة والسلاح وهم أضعافهم ثم قال( وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ) يعنى من الجنابة لأن فيهم من كان احتمل وهو حزر الشيطان لأنه من وسوسته في المنام( وليربط على قلوبكم ) بما صار في قلوبهم من الأمنة والثقة بموعود الله( ويثبت به الأقدام ) يحتمل من وجهين أحدهما صحة البصيرة والأمن والثقة الموجبة لثبات الأقدام والثاني أن موضعهم كان رملا دهسا لا تثبت فيه الأقدام فأنزل الله تعالى من المطر ما لبد الرمل وثبت عليه الأقدام وقد روى ذلك في التفسير قوله تعالى( إذ يوحى ربك إلى الملائكة أنى معكم ) أن أنصركم( فثبتوا الذين آمنوا ) وذلك يحتمل وجهين أحدهما القاؤهم إلى المؤمنين بالخاطر والتنبيه أن الله سينصرهم على الكافرين فيكون ذلك سببا لثباتهم وتحزبهم على الكفار ويحتمل أن يكون التثبيت بإخبار النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أن الله سينصره والمؤمنين فيخبر النبي صلّى الله عليه وآله وسلم بذلك المؤمنين فيدعوهم ذلك إلى الثبات ثم قال( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ) وذلك أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أخذ كفا من تراب ورمى به وجوههم فانهزموا ولم يبق منهم أحد إلا دخل من ذلك التراب في عينه وعنى بذلك أن الله بلغ ذلك التراب وجوههم وعيونهم إذ لم يكن في وسع أحد من المخلوقين أن يبلغ ذلك التراب عيونهم من الموضع الذي كان فيه النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وهذه كلها من دلالة النبوة ومنها وجود مخبرات هذه الأخبار على ما أخبر به فلا يجوز أن يتفق مثلها تخرصا وتخمينا ومنها ما أنزل من المطر الذي لبد الرمل حتى

٢٢٥

ثبتت أقدامهم عليه وصاروا وبالأعلى عدوهم لأن في الخبر أن أرضهم صارت وحلا حتى منعهم من المسير ومنها الطمأنينة التي صارت في قلوبهم بعد كراهتهم للقاء الجيش ومنها النعاس الذي وقع عليهم في الحال التي يطير فيها النعاس ومنها رميه التراب وهزيمة الكفار به.

الكلام في الفرار من الزحف

قال الله تعالى( ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة ) روى أبو نضرة عن أبى سعيد أن ذلك إنما كان يوم بدر قال أبو نضرة لأنهم لو انحازوا يومئذ لانحازوا إلى المشركين ولم يكن يومئذ مسلم غيرهم وهذا الذي قاله أبو نضيرة ليس بسديد لأنه قد كان بالمدينة خلق كثير من الأنصار ولم يأمرهم النبي صلّى الله عليه وآله وسلم بالخروج ولم يكونوا يرون أنه يكون قتال وإنما ظنوا أنها العير فخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فيمن خف معه فقول أبى نضرة أنه لم يكن هناك مسلم غيرهم وأنهم لو انحازوا انحازوا إلى المشركين غلط لما وصفنا وقد قيل أنهم لم يكن جائزا لهم الانحياز يومئذ لأنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يكن الانحياز جائزا لهم عنه قال الله تعالى( ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ) فلم يكن يجوز لهم أن يخذلوا نبيهم صلّى الله عليه وآله وسلم وينصرفوا عنه ويسلموه وإن كان الله قد تكفل بنصره وعصمه من الناس كما قال الله تعالى( والله يعصمك من الناس ) وكان ذلك فرضا عليهم قلت أعداؤهم أو كثروا وأيضا فإن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم كان فئة المسلمين يومئذ ومن كان بمنحاز عن القتل فإنما كان يجوز له الانحياز على شرط أن يكون انحيازه إلى فئة وكان النبي صلّى الله عليه وآله وسلم فئتهم يومئذ ولم تكن فئة غيره قال ابن عمر كنت في جيش فحاص الناس حيصة واحدة ورجعنا إلى المدينة فقلنا نحن الفرارون فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم إنا فئتكم فمن كان بالبعد من النبي صلّى الله عليه وآله وسلم إذا انحاز عن الكفار فإنما كان يجوز له الانحياز إلى فئة النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وإذا كان معهم في القتال لم يكن هناك فئة غيره ينحازون إليه فلم يكن يجوز لهم الفرار وقال الحسن في قوله تعالى( ومن يولهم يومئذ دبره ) قال شددت على أهل بدر وقال الله تعالى( إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ) وذلك لأنهم فروا عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وكذلك يوم حنين فروا عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم فعاقبهم الله على

٢٢٦

ذلك في قوله تعالى( ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ) فهذا كان حكمهم إذا كانوا مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلم قل عدد العدو أو كثر إذا لم يجد الله فيه شيئا وقال الله تعالى في آية أخرى( يا أيها النبى حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا ) ( مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا ) هذا والله أعلم في الحال التي لم يكن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم حاضرا معهم فكان على العشرين أن يقاتلوا المائتين ولا يهربوا عنهم فإذا كان عدد العدو أكثر من ذلك أباح لهم التحيز إلى فئة من المسلمين فيهم نصرة لمعاودة القتال ثم نسخ ذلك بقوله تعالى( الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله ) فروى عن ابن عباس أنه قال كتب عليكم أن لا يفر واحد من عشرة ثم قلت( الآن خفف الله عنكم وعلم ان فيكم ضعفا ) الآية فكتب عليكم أن لا يفر مائة من مائتين وقال ابن عباس وإن فر رجل من رجلين فقد فر وإن فر من ثلاثة فلم يفر قال الشيخ يعنب بقوله فقد فر الفرار من الزحف المراد بالآية والذي في الآية إيجاب فرض القتال على الواحد لرجلين من الكفار فإن زاد عدد الكفار على اثنين فجائز حينئذ للواحد التحيز إلى فئة من المسلمين فيها نصرة فأما إن أراد الفرار ليلحق بقوم من المسلمين لا نصرة معهم فهو من أهل الوعيد المذكور في قوله تعالى( ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ) ولذلك قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أنا فئة كل مسلم وقال عمر بن الخطاب لما بلغه أن أبا عبيد بن مسعود استقتل يوم الجيش حتى قتل ولم ينهزم رحم الله أبا عبيد لو انحاز إلى لكنت له فئة فلما رجع إليه أصحاب أبى عبيد قال أنا فئة لكم ولم يعنفهم وهذا الحكم عندنا ثابت ما لم يبلغ عدد جيش المسلمين اثنى عشر ألفا لا يجوز لهم أن ينهزموا عن مثليهم إلا متحرفين لقتال وهو أن يصيروا من موضع إلى غيره مكايدين لعدوهم من نحو خروج من مضيق إلى فسحة أو من سعة إلى مضيق أو يمكنوا لعدوهم ونحو ذلك مما لا يكون فيه انصراف عن الحرب أو متحيزين إلى فئة من المسلمين يقاتلونهم معهم فإذا بلغوا اثنى عشر ألفا فإن محمد بن الحسن ذكر أن الجيش إذا بلغوا كذلك فليس لهم أن يفروا من عدوهم وإن كثر عددهم ولم يذكر خلافا بين أصحابنا فيه واحتج بحديث الزهري عن

٢٢٧

عبيد الله بن عبد الله أن ابن عباس قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم خير الأصحاب أربعة وخير السرايا أربع مائة وخير الجيوش أربعة آلاف ولن يؤتى اثنا عشر ألفا من قلة ولن يغلب وفي بعضها ما غلب قوم يبلغون اثنى عشر ألفا إذا اجتمعت كلمتهم وذكر الطحاوي أن مالكا سئل فقيل له أيسعنا التحلف عن قتال من خرج عن أحكام الله وحكم بغيرها فقال له مالك إن كان معك اثنا عشر ألفا مثلك لم يسعك التخلف وإلا فأنت في سعة من التخلف وكان السائل له عبد الله بن عمر بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر وهذا المذهب موافق لما ذكر محمد بن الحسن والذي روى عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم في اثنى عشر ألفا فهو أصل في هذا الباب وإن كثر عدد المشركين فغير جائز لهم أن يفروا منهم وإن كانوا أضعافهم لقوله صلّى الله عليه وآله وسلم إذا اجتمعت كلمتهم وقد أوجب عليهم بذلك جمع كلمتهم قوله تعالى( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ) قيل في الفتنة وجوه فروى عن عبد الله أنه من قوله تعالى( إنما أموالكم وأولادكم فتنة ) وقال الحسن الفتنة البلية وقيل هي العذاب وقيل هي الفرج الذي يركب الناس فيه بظلم وروى عن ابن عباس أنه قال أمر الله المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم الله بالعذاب ونحوه ما روى أنه قبل يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث وروى عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أنه قال مأمن قوم يعمل فيهم بالمعاصي وهم أكثر ممن يعمل فلم ينكروا إلا عمهم الله بعذاب فحذرنا الله من عذاب يعم الجميع من العاصين ومن لم يعص إذا لم ينكره وقيل إنها يعم من قبل أن الفرح والفتنة إذا وقعا دخل ضررهما على كل واحد منهم قوله تعالى( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ) يعنى ما كان ليعذبهم عذاب الاستيصال وأنت فيهم لأنه صلّى الله عليه وآله وسلم بعث رحمة للعالمين ولا يعذبون وهو فيهم حتى يستحقوا سلب النعمة فيعمهم بالعذاب بعد خروج النبي صلّى الله عليه وآله وسلم من بينهم ألا ترى أن الأمم السالفة لما استحقوا الاستيصال أمر الله أنبياءه بالخروج من بينهم نحو لوط وصالح وشعيب صلوات الله عليهم وقوله تعالى( وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ) قال ابن عباس لما خرج النبي صلّى الله عليه وآله وسلم من مكة بقيت فيها بقية من المؤمنين وقال مجاهد وقتادة والسدى أن لو استغفروا لم يعذبهم قوله تعالى( وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام ) وهذا العذاب غير العذاب المذكور في الآية الأولى لأن هذا عذاب الآخرة

٢٢٨

والأول عذاب الاستيصال في الدنيا وقوله تعالى( وما كانوا أولياءه ) قيل فيه وجهان أحدهما ما قال الحسن إنهم قالوا نحن أولياء المسجد الحرام فرد الله ذلك عليهم والوجه الآخر ما كانوا أولياء الله إن أولياء الله إلا المتقون فإذا أريد به أولياء المسجد ففيه دلالة على أنهم ممنوعون من دخول المسجد الحرام والقيام بعمارته وهو مثل قوله تعالى( ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله ) وقوله عز وجل( وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية ) قيل المكاء الصفير والتصدية التصفيق روى ذلك عن ابن عباس وابن عمر والحسن ومجاهد وعطية وقتادة والسدى وروى عن سعيد بن جبير أن التصدية صدهم عن البيت الحرام وسمى المكاء والتصدية صلاة لأنهم كانوا يقيمون الصفير والتصفيق مقام الدعاء والتسبيح وقيل إنهم كانوا يفعلون ذلك في صلاتهم قوله تعالى( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ) قال ابن عباس والحسن حتى لا يكون شرك وقال محمد بن إسحاق حتى لا يفتتن مؤمن عن دينه والفتنة هاهنا جائز أن يريد بها الكفر وجائز أن يريد بها البغي والفساد لأن الكفر إنما سمى فتنة لما فيه من الفساد فتنتظم الآية قتال الكفار وأهل البغي وأهل العيث والفساد وهي تدل على وجوب قتال الفئة الباغية* وقوله تعالى( ويكون الدين كله لله ) يدل على وجوب قتال سائر أصناف أهل الكفر إلا ما خصه الدليل من الكتاب والسنة وهم أهل الكتاب والمجوس فإنهم يقرون بالجزية ويحتج به من يقول لا يقر سائر الكفار دينهم بالذمة إلا هؤلاء الأصناف الثلاثة لقيام الدلالة على جواز إقرارها بالجزية.

الكلام في قسمة الغنائم

قال الله تعالى( واعلموا أنما غنمتم من شىء فأن لله خمسه ) وقال في آية أخرى( فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا ) فروى عن ابن عباس ومجاهد أن هذه الآية ناسخة لقوله تعالى( قل الأنفال لله والرسول ) وذلك لأنه قد كان جعل النبي صلّى الله عليه وآله وسلم ينفل ما أحرزه بالقتال لمن شاء من الناس لا حق لأحد فيه إلا من جعله النبي صلّى الله عليه وآله وسلم له وإن ذلك كان يوم بدر وقد ذكرنا حديث سعد في قصة السيف الذي استوهبه من النبي صلّى الله عليه وآله وسلم يوم بدر فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا السيف ليس لي ولا لك ثم لما نزل( قل الأنفال لله والرسول ) دعاه وقال إنك سألتنى هذا السيف وليس هو لي ولا لك وقد جعله الله لي وجعلته لك وحديث أبى

٢٢٩

هريرة عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وهو ما حدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا بشر بن موسى قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثنا أبو الأحوص عن الأعمش عن أبى صالح عن أبى هريرة قال كان يوم بدر تعجل ناس من المسلمين فأصابوا من الغنائم فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم لم تحل الغنائم لقوم سود الرءوس قبلكم كان النبي إذا غنم هو وأصحابه جمعوا غنائهم فتنزل من السماء نار فتأكلها فأنزل الله تعالى( لو لا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا ) وقال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا أبو نوح قال أخبرنا عكرمة بن عمار قال حدثنا سماك الحنفي قال حدثني ابن عباس قال حدثني عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال لما كان يوم بدر فأخذ النبي صلّى الله عليه وآله وسلم الفداء فأنزل الله تعالى( ما كان لنبى أن يكون له أسرى ـ إلى قوله ـلمسكم فيما أخذتم ) من الفداء ثم أحل لهم الغنائم فأخبر في هذين الخبرين أن الغنائم إنما أحلت بعد وقعة بدر وهذا مرتب على قوله تعالى( قل الأنفال لله والرسول ) وأنها كانت موكولة إلى رأى النبي صلّى الله عليه وآله وسلم فهذه الآية أول آية أبيحت بها الغنائم على جهة تخيير النبي صلّى الله عليه وآله وسلم في إعطائها من رأى ثم نزل قوله تعالى( واعلموا أنما غنمتم من شىء فأن لله خمسه ) وقوله تعالى( فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا ) وأنه فداء الأسارى كان بعد نزول قوله تعالى( قل الأنفال لله والرسول ) وإنما كان النكير عليهم في أخذ الفداء من الأسرى بديا ولا دلالة فيه على أن الغنائم لم تكن قد أحلت قبل ذلك على الوجه الذي جعلت للنبي صلّى الله عليه وآله وسلم لأنه جائز أن تكون الغنائم مباحة وفداء الأسرى محظورا وكذلك يقول أبو حنيفة إنه لا تجوز مفادة أسرى المشركين ويدل على أن الجيش لم يكونوا استحقوا قسمة الغنيمة بينهم يوم بدر إلا بجعل النبي ذلك لهم أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم لم يخمس غنائم بدر ولم يبين سهام الفارس والراجل إلى أن نزل قوله تعالى( واعلموا أنما غنمتم من شىء فأن لله خمسه ) فجعل بهذه الآية أربعة أخماس الغنيمة للغانمين والخمس للوجوه المذكورة ونسخ به ما كان للنبي صلّى الله عليه وآله وسلم من الأنفال إلا ما كان شرطه قبل إحراز الغنيمة نحو أن يقول من أصاب شيئا فهو له ومن قتل قتيلا فله سلبه لأن ذلك لم ينتظمه قوله تعالى( واعلموا أنما غنمتم من شىء ) إذ لم يحصل ذلك غنيمة لغير آخذه أو قاتله وقد اختلف في النفل بعد إحراز الغنيمة.

٢٣٠

ذكر الخلاف فيه

قال أصحابنا والثوري لا نفل بعد إحراز الغنيمة إنما النفل أن يقول من قتل قتيلا فله سلبه ومن أصاب شيئا فهو له وقال الأوزاعى في رسول الله أسوة حسنة كان ينفل في البدأ الربع وفي الرجعة الثلث وقال مالك والشافعى يجوز أن ينفل بعد إحراز الغنيمة على وجه الاجتهاد قال الشيخ ولا خلاف في جواز النفل قبل إحراز الغنيمة نحو أن يقول من أخذ شيئا فهو له ومن قتل قتيلا فله سلبه وقد روى حبيب بن مسلمة أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم نفل في بدأته الربع وفي رجعته الثلث بعد الخمس فأما التنفيل في البدأة فقد ذكرنا اتفاق الفقهاء عليه وأما قوله في الرجعة الثلث فإنه يحتمل وجهين أحدهما ما يصيب السرية في الرجعة بأن يقول لهم ما أصبتم من شيء فلكم الثلث بعد الخمس ومعلوم أن ذلك بلفظ عموم في سائر الغنائم وإنما هي حكاية فعل النبي صلّى الله عليه وآله وسلم في شيء بعينه لم يبين كيفيته وجائز أن يكون معناه ما ذكرناه من قوله للسرية في الرجعة وجعل لهم في الرجعة أكثر مما جعله في البدأة لأن في الرجعة يحتاج إلى حفظ الغنائم وإحرازها ويكون من حواليهم الكفار متأهبين مستعدين للقتال لانتشار الخبر بوقوع الجيش إلى أرضهم والوجه الآخر أنه جائز أن يكون ذلك بعد إحراز الغنيمة وكان ذلك في الوقت الذي كانت الغنيمة كلها للنبي صلّى الله عليه وآله وسلم فجعلها لمن شاء منهم وذلك منسوخ بما ذكرنا فإن قيل ذكر في حديث حبيب بن مسلمة الثلث بعد الخمس فهذا يدل على أن ذلك كان بعد قوله( واعلموا أنما غنمتم من شىء فأن لله خمسه ) قيل له دلالة فيه على ما ذكرت لأنه لم يذكر أنه الخمس المستحق لأهله من جملة الغنيمة بقوله تعالى( فأن لله خمسه ) وجائز أن يكون على خمس من الغنيمة لا فرق بينه وبين الثلث والنصف ولما احتمل حديث حبيب بن مسلمة ما وصفنا لم يجز الاعتراض به على ظاهر قوله تعالى( واعلموا أنما غنمتم من شىء فأن لله خمسه ) المذكورين فمتى أحرزت الغنيمة فقد ثبت حق الجميع فيها بظاهر الآية فغير جائز أن يجعل شيء منها لغيره على غير مقتضى الآية إلا بما يجوز بمثله تخصيص الآية وحدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى عن عبيد الله قال حدثني نافع عن عبد الله بن عمر قال بعثنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم في سرية فبلغت سهامنا اثنى

٢٣١

عشر بعيرا ونفلنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم بعيرا بعيرا فبين في هذا الحديث سهمان الجيش وأخبر أن النفل لم يكن من جملة الغنيمة وإنما كان بعد السهمان وذلك من الخمس ويدل على أن النفل بعد إحراز الغنيمة لا يجوز إلا من الخمس ما حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا الوليد بن عتبة قال حدثنا الوليد قال حدثنا عبد الله بن العلاء أنه سمع أبا سلام ابن الأسود يقول قال سمعت عمرو بن عبسة قال صلّى بنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم إلى بعير من المغنم فلما سلم أخذ وبرة من جنب البعير ثم قال ولا يحل لي من غنائمكم مثل هذا إلا الخمس والخمس مردود فيكم فأخبر صلّى الله عليه وآله وسلم أنه لم يكن جائز التصرف إلا في الخمس من الغنائم وإن الأربعة الأخماس للغانمين وفي ذلك دليل على أن ما حرز من الغنيمة فهو لأهلها لا يجوز التنفيل منه وفي هذا الحديث على أن مالا قيمة له ولا يتمانعه الناس من نحو النواة والتبنة والخرق التي يرمى بها يجوز للإنسان أن يأخذه وينفله لأن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أخذ وبرة من جنب بعير من المغنم وقال لا يحل لي من غنائكم مثل هذا يعنى في أن يأخذه لنفسه وينتفع به أو يجعله لغيره دون جماعتهم إذ لم تكن لتلك الوبرة قيمة فإن قيل فقد قال لا يحل لي مثل هذا قيل له إنما أراد مثل هذا فيما يتمانعه الناس لا ذاك بعينه لأنه قد أخذه ويدل على ما ذكرنا ما رواه ابن المبارك قال حدثنا خالد الحذاء عن عبد الله بن شقيق عن رجل من بلقين ذكر قصة قال قلنا يا رسول الله ما تقول في هذا المال قال خمسه لله وأربعة أخماسه للجيش قال قلت هل أحق أحد به من أحد قال لو انتزعت سهمك من جنبك لم تكن بأحق به من أخيك المسلم وروى أبو عاصم النبيل عن وهب أبى خالد الحمصي قال حدثني أم حبيبة عن أبيها العرباض بن سارية أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أخذ وبرة فقال مالي فيكم هذه مالي فيه إلا الخمس فأدوا الخيط والمخيط فإنه عار ونار وشنار على صاحبه يوم القيامة وحدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ذكر غنائم هوازن وقال ثم دنا النبي صلّى الله عليه وآله وسلم من بعير فأخذ وبرة من سنامه ثم قال يا أيها الناس إنه ليس لي من هذا الفيء شيء ولا هذا ورفع إصبعيه إلا الخمس والخمس مردود عليكم فأدوا الخيط والمخيط فقام رجل في يده كبة من شعر فقال أخذت هذه لأصلح بها بردة فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم أما ما كان لي ولبنى عبد المطلب فهو لك فقال أماذا بلغت ما أرمى فلا أرب لي فيها ونبذها

٢٣٢

فهذه الأخبار موافقة لظاهر الكتاب فهو أولى مما يخالفه من حديث حبيب بن مسلمة مع احتمال حديثه للتأويل الذي وصفنا وجمعنا يمنع أن يكون في الاربعة الأخماس حق لغير الغانمين ويخبر النبي صلّى الله عليه وآله وسلم فيها أنه لا حق له فيها وروى محمد بن سيرين أن أنس بن مالك كان مع عبيد الله بن أبى بكرة في غزاة فأصابوا سبيا فأراد عبيد الله أن يعطى أنسا من السبي قبل أن يقسم فقال أنس لا ولكن أقسم ثم أعطى من الخمس فقال عبيد الله لا إلا من جميع الغنائم فأبى أنس أن يقبل وأبى عبيد الله أن يعطيه من الخمس وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا إبراهيم عن عبد الله حدثنا حجاج حدثنا حماد عن محمد بن عمرو عن سعيد بن المسيب أنه قال لا نفل بعد النبي صلّى الله عليه وآله وسلم قال الشيخ أيده الله يجوز أن يريد به من جملة الغنيمة لأن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم قد كانت له الأنفال ثم نسخ بآية القسمة وهذا مما يحتج به لصحة مذهبنا لأن ظاهره يقتضى أن لا يكون لأحد نفل بعد النبي صلّى الله عليه وآله وسلم في عموم الأحوال إلا أنه قد قامت الدلالة في أن الإمام إذا قال من قتل قتيلا فله سلبه أنه يصير ذلك له بالاتفاق فحصصناه وبقي الباقي على مقتضاه في أنه إذا لم يقل ذلك الإمام فلا شيء له وقد روى عن سعيد بن المسيب قال كان الناس يعطفون النفل من الخمس* فإن قيل قد أعطى النبي صلّى الله عليه وآله وسلم من غنائم حنين صناديد العرب عطايا نحو الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن والزبرقان بن بدر وأبى سفيان بن حرب وصفوان بن أمية ومعلوم أنه لم يعطهم ذلك من سهمه من الغنيمة وسهمه من الخمس إذ لم يكن يتسع لهذه العطايا لأنه اعطى كل واحد من هؤلاء وغيرهم مائة من الإبل ولم يكن ليعطيهم من بقية سهام الخمس سوى سهمه لأنها للفقراء ولم يكونوا هؤلاء فقراء فثبت أنه أعطاهم من جملة الغنيمة ولما لم يستأذنهم فيه دل على أنه أعطاهم على وجه النفل وأنه قد كان له أن ينفل قيل له إن هؤلاء القوم كانوا من المؤلفة قلوبهم وقد جعل الله تعالى للمؤلفة قلوبهم سهما من الصدقات وسبيل الخمس سبيل الصدقة لأنه مصروف إلى الفقراء كالصدقات المصروفة إليهم فجائز أن يكون النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أعطاهم من جملة الخمس كما يعطيهم من الصدقات.

وقد اختلف في سلب القتيل فقال أصحابنا ومالك والثوري السلب من غنيمة الجيش إلا أن يكون الأمير قال من قتل قتيلا فله سلبه وقال الأوزاعى والليث والشافعى السلب للقاتل وإن لم يقل الأمير قال الشيخ أيده الله قوله عز وجل( واعلموا أنما غنمتم من

٢٣٣

شىء ) يقتضى وجوب الغنيمة لجماعة الغانمين فغير جائز لأحد منهم الاختصاص بشيء منها دون غيره فإن قيل ينبغي أن يدل على أن السلب غنيمة قيل له( غنمتم ) هي التي جازوها باجتماعهم وتوازرهم على القتال وأخذ الغنيمة فلما كان قتله لهذا القتيل وأخذه سلبه بتظافر الجماعة وجب أن يكون غنيمة ويدل عليه أنه لو أخذ سلبه من غير قتل لكان غنيمة إذ لم يصل إلى أخذه إلا بقوتهم وكذلك من لم يقاتل وكان قائما في الصف ردا لهم مستحق الغنيمة ويصير غانما لأن بظهره ومعاضته حصلت وأخذت وإذا كان كذلك وجب أن يكون السلب غنيمة فيكون كسائر الغنائم ويدل عليه أيضا قوله تعالى( فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا ) والسلب مما غنمه الجماعة فهو لهم ويدل على ذلك من جهة السنة ما حدثنا أحمد بن خالد الخجزورى حدثنا محمد بن يحيى حدثنا محمد بن المبارك وهشام بن عمارة قالا حدثنا عمرو بن واقد عن موسى بن يسار عن مكحول عن قتادة بن أبى أمية قال نزلنا دابق وعلينا أبو عبيدة بن الجراح فيلغ حبيب بن مسلم أن صاحب قبرس قد خرج يريد طريق آذربايجان معه زبرجد وياقوت ولؤلؤ وديباج فخرج في جبل حتى قتله في الدرب وجاء بما كان معه إلى أبى عبيدة فأراد أن يخمسه فقال حبيب يا أبا عبيدة لا تحرمني رزقا رزقنيه الله فإن الله ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلم جعل السلب للقاتل فقال معاذ بن جبل مهلا يا حبيب إنى سمعت النبي صلّى الله عليه وآله وسلم يقول إنما للمرء ما طابت به نفس أمامه فقوله صلّى الله عليه وآله وسلم إنما للمرء ما طابت به نفس إمامه يقتضى حظر ما لم تطب نفس إمامه ممن لم تطب نفس إمامه لم يحل له السلب لا سيما وقد أخبر معاذ أن ذلك في شأن السلب فإن قيل قد روى عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم جماعة منهم أبو قتادة وطلحة وسمرة بن جندب وغيرهم أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم قال من قتل قتيلا فله سلبه وروى سلمة بن الأكوع وابن عباس وعوف بن مالك وخالد بن الوليد أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم جعل السلب للقاتل وهذا يدل على معنيين أحدهما إنه يقتضى أن يستحق القاتل السلب والثاني إنه فسر أن معنى قوله في حديث معاذ إنما للمرء ما طابت به نفس إمامه إن نفسه قد طابت للقاتل بذلك وهو إمام الأئمة قيل له قوله صلّى الله عليه وآله وسلم ليس للمرء إلا ما طابت به نفس إمامه المفهوم منه أميره الذي يلزمه طاعته وكذلك عقل معاذ وهو راوي ذلك عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم ولو أراد بذلك نفسه لقال إنما للمرء ما طابت به نفسي فهذا الذي ذكره هذا السائل تأويل ساقط لا معنى له وأما الأخبار المروية في أن السلب للقاتل فإنما

٢٣٤

ذلك كلام خرج على الحال التي حض فيها للقتال وكان بقول ذلك تحريضا لهم وتضرية على العدو كما روى أنه قال من أصاب شيئا فهو له وكما حدثنا أحمد بن خالد الجزورى حدثنا محمد ابن يحيى الدهانى حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا غالب بن حجرة قال حدثتني أم عبد الله وهي ابنة الملقام بن التلب عن أبيها عن أبيه أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم قال من أتى بمول فله سلبه ومعلوم أن ذلك حكم مقصور على الحال في تلك الحرب خاصة إذ لا خلاف أنه لا يستحق السلب بأخذه موليا كقوله يوم فتح مكة من دخل دار أبى سفيان فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ومن دخل بيته فهو آمن ومن ألقى سلاحه فهو آمن ويدل على أن السلب غير مستحق للقاتل إلا أن يكون قد قال الأمير من قتل قتيلا فله سلبه ما حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا الوليد بن مسلم حدثني صفوان ابن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك الأشجعى قال خرجت مع زيد بن حارثة في غزوة مؤتة ورافقنى مددى من أهل اليمن ليس معه غير سيفه فنحر زجل من المسلمين جزورا فسأله المددى طائفة من جلده فأعطاه إياه فاتخذه كهيئة الدرق ومضينا فلقينا جموع الروم وفيهم رجل على فرس له أشقر عليه سرج مذهب وسلاح مذهب فحمل الرومي يغرى بالمسلمين وقعد له المددى خلف صخرة فمر به الرومي فعرقب فرسه وخر وعلاه فقتله وحاز فرسه وسلاحه فلما فتح الله عز وجل للمسلمين بعث إليه خالد بن الوليد فأخذ منه السلب قال عوف فأتيته فقلت يا خالد أما علمت أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم قضى بالسلب للقاتل فقال بلى ولكن استكثرته فقلت لتردنه إليه أو لأعرفنكها عند رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فأبى أن يرد عليه قال عوف فاجتمعنا عند رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فقصصت عليه قصة المددى وما فعل خالد فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم يا خالد ما حملك على ما صنعت قال يا رسول الله استكثرته فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم يا خالد رد عليه ما أخذت منه قال عوف فقلت دونك يا خالد ألم أف لك فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وما ذاك فأخبرته قال فغضب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فقال يا خالد لا ترد عليه هل أنتم تاركوا أمرائى لكم صفوة أمرهم وعليهم كدره حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا الوليد قال سألت ثورا عن هذا الحديث فحدثني عن خالد بن معدان عن جبير بن نفير عن عوف بن مالك الأشجعى نحوه فلما قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم يا خالد لا ترد عليه دل ذلك على

٢٣٥

أن السلب غير مستحق للقاتل لأنه لو استحقه لما جاز أن يمنعه ولدل ذلك على أن قوله بديا ادفعه لم يكن على جهة الإيجاب وإنما كان على وجه النفل وجائز أن يكون ذلك من الخمس ويدل عليه ما روى يوسف الماجشون قال حدثني صالح ابن إبراهيم عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف أن معاذ بن عفراء ومعاذ بن عمرو بن الجموح قتلا أبا جهل فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم كلا كما قتله وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو فلما قضى به لأحدهما مع إخباره أنهما قتلاه دل على أنهما لم يستحقاه بالقتل ألا ترى أنه لو قال من قتل قتيلا فله سلبه ثم قتله رجلان استحقا السلب نصفين فلو كان القاتل مستحقا للسلب لوجب أن يكون لو وجد قتيل لا يعرف قاتله أن لا يكون سلبه من جملة الغنيمة بل يكون لقطة لأن له مستحقا بعينه فلما اتفق الجميع على أن سلب من لم يعرف قاتله في المعركة من جملة الغنيمة دل على أن القاتل لا يستحقه وقد قال الشافعى إن القاتل لا يستحق السلب في الإدبار وإنما يستحقه في الإقبال فالأثر الوارد في السلب لم يفرق بين حال الإقبال والإدبار فإن احتج بالخبر فقد خالفه وإن احتج بالنظر فالنظر يوجب أن يكون غنيمة للجميع لاتفاقهم على أنه إذا قتله في حال الإدبار لم يستحقه وكان غنيمة والمعنى الجامع بينهما أنه قتله بمعاونة الجميع ولم يتقدم من الأمير قول في استحقاقه ويدل على أن القاتل إنما يستحقه إذا تقدم من الأمير قول قبل إحراز الغنيمة أنه لو قال من قتل فله سلبه ثم قتله مقبلا أو مدبرا استحق سلبه ولم يختلف حال الإقبال والإدبار فلو كان السلب مستحقا بنفس القتل لما اختلف حكمه في حال الإدبار والإقبال وقد روى عن عمر في قتل البراء بن مالك أنا كنا لا نخمس السلب وإن سلب البراء قد بلغ مالا ولا أرانا إلا خامسيه واختلف في الأمير إذا قال من أصاب شيئا فهو له فقال أصحابنا والثوري والأوزاعى هو كما قال ولا خمس فيه وكره مالك أن يقول من أصاب شيئا فهو له لأنه قتال بجعل وقال الشافعى يخمس ما أصابه إلا سلب المقتول قال أبو بكر لما اتفقوا على جواز أن يقول من أصاب شيئا فهو له وأنه يستحق وجب أن لا خمس فيه وأن لا يجوز قطع حقوق أهل الخمس عنه كما جاز قطع حقوق سائر الغانمين عنه وأيضا فإن قوله من أصاب شيئا فهو له بمنزلة من قتل قتيلا فله سلبه فلما لم يجب في السلب الخمس إذا قال الأمير ذلك كذلك سائر الغنيمة وأيضا فإن الله تعالى إنما أوجب الخمس فيما صار غنيمة لهم بقوله تعالى( واعلموا

٢٣٦

أنما غنمتم من شىء فأن لله خمسه ) وهذا لم يصر غنيمة لهم لأن قول الأمير في ذلك جائز على الجيش فلما لم يصر غنيمة لهم وجب أن لا خمس فيه واختلف في الرجل يدخل دار الحرب وحده مغيرا بغير إذن الإمام فقال أصحابنا ما غنمه فهو له خاصة ولا خمس فيه حتى تكون لهم منعة ولم يحد محمد في المنعة شيئا وقال أبو يوسف إذا كانوا تسعة ففيه الخمس وقال الثوري والشافعى يخمس ما أخذه والباقي له وقال الأوزاعى إن شاء الإمام عاقبه وحرمه وإن شاء خمس ما أصاب والباقي له قال أبو بكر قوله تعالى( واعلموا أنما غنمتم من شىء فأن لله خمسه ) يقتضى أن يكون الغانمون جماعة لأن حصول الغنيمة منهم شرط في الاستحقاق وليس ذلك بمنزلة قوله تعالى( فاقتلوا المشركين ـ وـقاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ) في لزوم قتل الواحد على حياله وإن لم يكن معه جماعة إذا كان مشتركا لأن ذلك أمر بقتل الجماعة والأمر بقتل الجماعة لا توجب اعتبار الجميع إذ ليس فيه شرط وقوله تعالى( واعلموا أنما غنمتم ) فيه معنى الشرط وهو حصول الغنيمة لهم وبقتالهم فهو كقول القاتل إن كلمت هؤلاء الجماعة فعبدي حر إن شرط الحنث وجود الكلام للجماعة ولا يحنث بكلام بعضها وأيضا لما اتفق الجميع على أن الجيش إذا غنموا لم يشاركهم سائر المسلمين في الأربعة الأخماس لأنهم لم يشهدوا القتال ولم تكن منهم حيازة الغنيمة وجب أن يكون هذا المغير وحده استحق ما غنمه وأما الخمس فإنما يستحق من الغنيمة التي حصلت بظهر المسلمين ونصرتهم وهو أن يكونوا فئة للغانمين ومن دخل دار الحرب وحده مغيرا فقد تبرأ من نصرة الإمام لأنه عاص له داخل بغير أمره فوجب أن لا يستحق منه الخمس ولذلك قال أصحابنا في الركاز الموجود في دار الإسلام لما كان الموضع مظهورا عليه بالإسلام وجب فيه الخمس ولو وجده في دار الحرب لم يجب فيه الخمس وإذا دخل الرجل وحده بإذن الإمام خمس ما غنم لأنه لما أذن له في الدخول فقد تضمن نصرته وحياطته والإمام قائم مقام جماعة المسلمين في ذلك فاستحق لهم الخمس وأما إذا كان المغيرون بغير إذن الإمام جماعة لهم منعة فإنه يجب فيه الخمس بقوله تعالى( واعلموا أنما غنمتم من شىء فأن لله خمسه ) فهم في هذه الحال بمنزلة السرية والجيش لحصول المنعة لهم ولتوجه الخطاب إليهم بإخراج الخمس من غنائمهم واختلف في المدد يلحق الجيش في دار الحرب قبل إحراز الغنيمة

٢٣٧

فقال أصحابنا إذا غنموا في دار الحرب ثم لحقهم جيش آخر قبل إخراجها إلى دار الإسلام فهم شركاء فيها وقال مالك والثوري والليث والأوزاعى والشافعى لا يشاركونهم قال أبو بكر الأصل في ذلك عند أصحابنا أن الغنيمة إنما يثبت فيها الحق بالإحراز في دار الإسلام ولا يملك إلا بالقسمة وحصولها في أيديهم في دار الحرب لا يثبت لهم فيها حقا والدليل عليه أن الموضع الذي حصل فيه الجيش من دار الحرب لا يصير مغنوما إذا لم يفتتحوها ألا ترى أنهم لو خرجوا ثم دخل جيش آخر ففتحوها لم يصر الموضع الذي صار فيه الأولون ملكا لهم وكان حكمه حكم غيره من بقاع أرض الحرب والمعنى فيه أنهم لم يحرزوه في دار الإسلام فكذلك سائر ما يحصل في أيديهم قبل خروجهم إلى دار الإسلام لم يثبت لهم فيه حق إلا بالحيازة في دارنا فإذا لحقهم جيش آخر قبل الإحراز في دار الإسلام كان حكم ما أخذوه حكم ما في أيدى أهل الحرب فيشترك الجميع فيه وأيضا قوله تعالى( واعلموا أنما غنمتم من شىء ) يقتضى أن يكون غنيمة لجميعهم إذ بهم صار محرزا في دار الإسلام ألا ترى أنهم ماداموا في دار الحرب فإنهم يحتاجون إلى معونة هؤلاء في إحرازها كما لو لحقهم قبل أخذها شاركوهم ولو كان حصولها في أيديهم يثبت لهم فيها حقا قبل إحرازها في دار الإسلام لوجب أن يصير الموضع الذي وطئه الجيش من دار الإسلام كما لو افتتحوها لصارت دارا للإسلام وفي اتفاق الجميع على أن وطء الجيش لموضع في دار الحرب لا يجعله من دار الإسلام دليل على أن الحق لا يثبت فيه إلا بالحيازة واحتج من لم يقسم للمدد بما روى الزهري عن عنبسة بن سعيد عن أبى هريرة أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم بعث أبان بن سعيد على سرية قبل نجد فقدم أبان وأصحابه بخيبر بعد ما فتحت وأن حزم خيلهم الليف قال أبان أقسم لنا يا رسول الله قال أبو هريرة فقلت لا تقسم لهم شيئا يا نبي الله قال أبان أنت بهذا يا وبر نجد قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم اجلس يا أبان فلم يقسم لهم وهذا لا حجة فيه لأن خيبر صارت دار الإسلام بظهور النبي صلّى الله عليه وآله وسلم عليها وهذا لا خلاف فيه وقد قيل فيه وجه آخر وهو ما روى حماد بن سلمة عن على بن زيد عن عمار ابن أبى عمار عن أبى هريرة قال ما شهدت لرسول الله مغنما إلا قسم لي إلا خيبر فإنها كانت لأهل الحديبية خاصة فأخبر في هذا الحديث أن خيبر كانت لأهل الحديبية خاصة شهدوها أو لم يشهدوها دون من سواهم لأن الله تعالى كان وعدهم إياها بقوله( وأخرى

٢٣٨

لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها ) بعد قوله( وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه ) وقد روى أبو بردة عن أبى موسى قال قدمنا على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم بعد فتح خيبر بثلاث فقسم لنا ولم يقسم لأحد لم يشهد الفتح غيرنا فذكر في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قسم لأبى موسى وأصحابه من غنائم خيبر ولم يشهدوا الوقعة ولم يقسم فيها لأحد لم يشهد الوقعة وهذا يحتمل أن يكون لأنهم كانوا من أهل الحديبية ويحتمل أن يكون بطيبة أنفس أهل الغنيمة كما روى جثيم بن عراك عن أبيه عن نفر من قومه أن أبا هريرة قدم المدينة هو ونفر من قومه قال فقدمنا وقد خرج رسول الله فخرجنا من المدينة حتى قدمنا على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وقد افتتح خيبر فكلم الناس فأشركونا في سهامهم فليس في شيء من هذه الأخبار دلالة على أن المدد إذا لحق بالجيش وهم في دار الحرب أنهم لا يشركونهم في الغنيمة وقد روى قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب أن أهل البصرة غزوا نهاوند فأمدهم أهل الكوفة وظهروا فأراد أهل البصرة أن لا يقسموا لأهل الكوفة وكان عمار على أهل الكوفة فقال رجل من بنى عطارد أيها الأجدع تريد أن تشاركنا في غنائمنا فقال جير إذ بي سبيت فكتب في ذلك إلى عمر فكتب عمر في ذلك أن الغنيمة لمن شهد الوقعة وهذا أيضا لا دلالة فيه على خلاف قولنا لأن المسلمين ظهروا على نهاوند وصارت دار الإسلام إذ لم تبق للكفار هناك فئة فإنما قال إن الغنيمة لمن شهد الوقعة منهم لأنهم لحقوهم بعد ما صارت دار الإسلام ومع ذلك فقد رأس عمار ومن معه أن يشركوهم ورأى عمر أن لا يشركوهم لأنهم لحقوه بعد حيازة الغنيمة في دار الإسلام لأن الأرض صارت من دار الإسلام.

باب سهمان الخيل

قال الله تعالى( واعلموا أنما غنمتم من شىء فأن لله خمسه ) قال أبو بكر ظاهره يقتضى المساواة بين الفارس والراجل وهو خطاب لجميع الغانمين وقد شملهم هذا الاسم ألا ترى أن قوله تعالى( فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك ) قد عقل من ظاهر* استحقاقهن للثلثين على المساواة وكذلك من قال هذا العبد لهؤلاء إنه لهم بالمساواة ما لم يذكر التفضيل كذلك مقتضى قوله تعالى( غنمتم ) يقتضى أن يكونوا متساوين لأن قوله( غنمتم ) عبارة عن ملكهم له وقد اختلف في سهم الفارس.

٢٣٩

ذكر الخلاف في ذلك

قال أبو حنيفة للفارس سهمان وللراجل سهم وقال أبو يوسف ومحمد وابن أبى ليلى ومالك والثوري والليث والأوزاعى والشافعى للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم وروى مثل قول أبى حنيفة عن المنذر بن أبى حمصة عامل عمر أنه جعل للفارس سهمين وللراجل سهما فرضية عمر* ومثله عن الحسن البصري وروى شريك عن أبى إسحاق قال قدم قثم ابن عباس على سعيد بن عثمان بخراسان وقد غنموا فقال اجعل جائزتك أن اضرب لك بألف سهم فقال اضرب لي بسهم ولفرسى بسهم* قال أبو بكر قد بينا أن ظاهر الآية يقتضى المساواة بين الفارس والراجل فلما اتفق الجميع على تفضيل الفارس بسهم فضلناه وخصصنا به للظاهر وبقي حكم اللفظ فيما عداه وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا يعقوب بن غليان العماني قال حدثنا محمد بن الصباح الجرجرائى قال حدثنا عبد الله بن رجاء عن سفيان الثوري عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم جعل للفارس سهمين وللراجل سهما قال عبد الباقي لي يجيء به عن الثوري غير محمد بن الصباح * قال أبو بكر وقد حدثنا عبد الباقي قال حدثنا بشر بن موسى قال حدثنا الحميدي قال حدثنا أبو أسامة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم للفارس ثلاثة أسهم سهم له وسهمان لفرسه وقد اختلف حديث عبيد الله بن عمر في ذلك وجائز أن يكونا صحيحين بأن يكون أعطاه بديا سهمين وهو المستحق ثم أعطاه في غنيمة أخرى ثلاثة أسهم وكان السهم الزائد على وجه النفل ومعلوم أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم لا يمنع المستحق وجائز أن يتبرع بما ليس بمستحق على وجه النفل كما ذكر ابن عمر في حديث قد قدمنا ذكر سنده أنه كان في سرية قال فبلغت سهماننا اثنى عشر بعيرا ونفلنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم بعيرا بعيرا وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا الحسن بن الكميت الموصلي قال حدثنا صبح بن دينار قال حدثنا عفيف بن سالم عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم أسهم يوم بدر للفارس سهمين وللراجل سهما وهذا إن ثبت فلا حجة فيه لأبى حنيفة لأن قسمة يوم بدر لم تكن مستحقة للجيش لأن الله تعالى جعل الأنفال للرسول صلّى الله عليه وآله وسلم وخيره في إعطائه من رأى ولو لم يعطهم شيئا لكان جائزا فلم تكن قسمة الغنيمة مستحقة يومئذ وإنما وجبت بعد ذلك بقوله تعالى( واعلموا أنما غنمتم من شىء

٢٤٠

فأن لله خمسه ) ونسخ بهذا الأنفال التي جعلها للرسول في جملة الغنيمة وقد روى مجمع بن جارية أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم قسم غنائم خيبر للفارس سهمين وللراجل سهما وروى ابن الفضيل عن الحجاج عن أبى صالح عن ابن عباس قال قسم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم يوم خيبر للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهما وهذا خلاف رواية مجمع بن جارية وقد يمكن الجمع بينهما بأن يكون قسم لبعض الفرسان سهمين وهو المستحق وقسم لبعضهم ثلاثة أسهم وكان السهم الزائد على وجه النفل كما روى سلمة بن الأكوع أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أعطاه في غزوة ذي قرد سهمين سهم الفارس والراجل وكان راجلا يومئذ وكما روى أنه أعطى الزبير يومئذ أربعة أسهم وروى سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن يحيى بن عباد ابن عبد الله بن الزبير أن الزبير كان يضرب له في الغنم بأربعة أسهم وهذه الزيادة كانت على وجه النفل تحريضا لهم على إيجاب الخيل كما كان ينفل سلب القتيل ويقول من أصاب شيئا فهو له تحريضا على القتال فإن قيل لما اختلفت الأخبار كان خبر الزائد أولى قيل له هذا ثبتت الزيادة كانت على وجه الاستحقاق فأما إذا احتمل أن تكون على وجه النفل فلم تثبت هذه الزيادة مستحقة وأيضا فإن في خبرنا إثبات زيادة لسهم الراجل لأنه كلما نقص نصيب الفارس زاد نصيب الراجل ويدل على ما ذكرنا من طريق النظر أن الفرس لما كان آلة كان القياس أن لا يسهم له كسائر الآلات فتركنا القياس في السهم الواحد والباقي محمول على القياس وعلى هذا لو حضر الفرس دون الرجل لم يستحق شيئا ولو حضر الرجل دون الفرس استحق فلما لم يجاوز بالرجل سهما واحدا كان الفرس به أولى وأيضا الرجل آكد أمرا في استحقاق السهم من الفرس بدلالة أن الرجال وإن كثروا استحقوا سهامهم ولو حضرت جماعة أفراس لرجل واحد لم يستحق إلا لفرس واحد فلما كان الرجل آكد أمرا من الفرس ولم يستحق أكثر من سهم فالفرس أحرى بذلك واختلف في البراذين فقال أصحابنا ومالك والثوري والشافعى البرذون والفرس سواء وقال الأوزاعى كانت أئمة المسلمين فيما سلف لا يسهمون للبراذين حتى هاجت الفتنة من بعد قتل الوليد بن يزيد وقال الليث للهجين والبرذون سهم واحد ولا يلحقان بالعراب قال أبو بكر قال الله تعالى( ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ) وقال( فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ) وقال( والخيل والبغال والحمير ) لعقل باسم

٢٤١

الخيل في هذه الآيات البراذين كما عقل منها العراب فلما شملها اسم الخيل وجب أن يستويا في السهمان ويدل عليه أن راكب البرذون يسمى فارسا كما يسمى به راكب الفرس العربي فلما أجرى عليهما اسم الفارس وقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم للفارس سهمان وللراجل سهم عم ذلك فارس البرذون كما عم فارس العراب وأيضا إن كان من الخيل فواجب أن لا يختلف سهمه وسهم العربي وإن لم يكن من الخيل فواجب أن لا يستحق شيئا فلما وافقنا الليث ومن قال بقوله إنه يسهم له دل على أنه من الخيل وأنه لا فرق بينه وبين العربي وأيضا لا يختلف الفقهاء في أنه بمنزلة الفرس العربي في جواز أكله وحظره على اختلافهم فيه فدل على أنهما جنس واحد فصار فرق ما بينهما كفرق ما بين الذكر والأنثى والهزيل والسمين والجواد وما دونه وأن اختلافهما في هذه الوجوه لم يوجب اختلاف سهامهما وأيضا فإن الفرس العربي وإن أجرى من كان البرذون فإن البرذون أقوى منه على حمل السلاح وأيضا فإن الرجل العربي والعجمي لا يختلفان في حكم السهام كذلك الخيل العربي والعجمي وقال عبد الله بن دينار سألت سعيد بن المسيب عن صدقة البراذين فقال سعيد وهل في الخيل من صدقة وعن الحسن أنه قال البراذين بمنزلة الخيل وقال مكحول أول من قسم للبراذين خالد بن الوليد يوم دمشق قسم للبراذين نصف سهام الخيل لما رأى من جريها وقوتها فكان يعطى البراذين سهما سهما وهذا حديث مقطوع وقد أخبر فيه أنه فعله من طريق الرأى والاجتهاد لما رأى من قوتها فإذا ليس بتوقيف وقد روى إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه قال أغارت الخيل بالشام وعلى الناس رجل من همدان يقال له المنذر بن أبى حمصة الوادعي فأدركت الخيل العراب من يومها وأدركت الكوادن من الغد فقال لا اجعل ما أدرك كما لم يدرك فكتب إلى عمر فيه فكتب عمر هبلت الوادعي أمه لقد أذكرت به أمضوها على ما قال فاحتج من لم يسهم للبراذين بذلك ولا دلالة في هذا الحديث على أن ذلك كان رأى عمر وإنما أجازه لأنه مما يسوغ فيه الاجتهاد وقد حكم به أمير الجيش فأنفذه واختلف فيمن يغزو بأفراس فقال أبو حنيفة ومحمد ومالك والشافعى لا يسهم إلا لفرس واحد وقال أبو يوسف والثوري والأوزاعى والليث يسهم لفرسين والذي يدل على صحة القول الأول أنه معلوم أن الجيش قد كانوا يغزون مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم بعد ما ظهر الإسلام بفتح خيبر ومكة وحنين وغيرها من

٢٤٢

المغازي ولم يكن يخلو الجماعة منهم من أن يكون معه فرسان أو أكثر ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضرب لأكثر من فرس واحد وأيضا فإن الفرس آلة وكان القياس أن لا يضرب له بسهم كسائر الآلات فلما ثبت بالسنة والاتفاق سهم الفرس الواحد أثبتناه ولم نثبت الزيادة إلا بتوقيف إذ كان القياس يمنعه.

باب قسمة الخمس

قال الله تعالى( فأن لله خمسه وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ) واختلف السلف في كيفية قسمة الخمس في الأصل فروى معاوية بن صالح عن على بن أبى طلحة عن ابن عباس قال كانت الغنيمة تقسم على خمسة أخماس فأربعة منها لمن قاتل عليها وخمس واحد يقسم على أربعة فربع لله والرسول ولذي القربى يعنى قرابة النبي صلّى الله عليه وآله وسلم من الخمس شيئا والرابع الثاني لليتامى والربع الثالث للمساكين والربع الرابع لابن السبيل وهو الضيف الفقير الذي ينزل بالمسلمين وروى قتادة عن عكرمة مثله وقال قتادة في قوله تعالى( فأن لله خمسه ) قال يقسم الخمس على خمسة أسهم لله وللرسول خمس ولقرابة النبي صلّى الله عليه وآله وسلم خمس ولليتامى خمس وللمساكين خمس ولابن سبيل خمس وقال عطاء والشعبي خمس الله وخمس الرسول واحد واحد قال الشعبي هو مفتاح الكلام وروى سفيان عن قيس بن مسلم قال سألت الحسن بن محمد بن الحنيفة عن قوله عز وجل( فأن لله خمسه ) قال هذا مفتاح كلام ليس لله نصيب لله الدنيا والآخرة وقال يحيى بن الجزار( فأن لله خمسه ) قال لله كل شيء وإنما للنبي صلّى الله عليه وآله وسلم خمس الخمس وروى أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبى العالية قال كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم يؤتى بالغنيمة فيضرب بيده فما وقع فيها من شيء جعله للكعبة وهو سهم بيت الله ثم يقسم ما بقي على خمسة فيكون للنبي صلّى الله عليه وآله وسلم سهم ولذوي القربى سهم ولليتامى سهم وللمساكين سهم ولابن السبيل سهم والذي جعله للكعبة هو السهم الذي لله تعالى وروى أبو يوسف عن أشعث بن سوار عن الزبير عن جابر قال كان يحمل الخمس في سبيل الله تعالى ويعطى منه نائبة القوم فلما كثر المال جعله في غير ذلك وروى أبو يوسف عن الكلبي عن أبى صالح عن ابن عباس أن الخمس الذي كان يقسم على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم على خمسة أسهم لله وللرسول سهم ولذوي القربى سهم ولليتامى وسهم وللمساكين سهم وابن السبيل سهم ثم قسم أبو بكر وعمر وعثمان وعلى على ثلاثة أسهم

٢٤٣

لليتامى والمساكين وابن السبيل قال أبو بكر فاختلف السلف في قسمة الخمس على هذه الوجوه قال ابن عباس في رواية على بن أبى طلحة أن القسمة كانت على أربعة سهم الله وسهم الرسول وسهم ذي القربى كان واحدا وأنه لم يكن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم يأخذ من الخمس شيئا وقال آخرون قوله( لله ) افتتاح كلام وهو مقسوم على خمسة وهو قول عطاء والشعبي وقتادة وقال أبو العالية كان مقسوما على ستة أسهم لله سهم يجعل للكعبة ولكل واحد من المسلمين في الآية سهم وأخبر ابن عباس في حديث الكلبي أن الخلفاء الأربعة قسموه على ثلاثة وقال جابر بن عبد الله كان يحمل من الخمس في سبيل الله ويعطى منه نائبة القوم ثم جعل في غير ذلك وقال محمد بن مسلمة وهو من المتأخرين من أهل المدينة جعل الله الرأى في الخمس إلى نبيه صلّى الله عليه وآله وسلم كما كانت الأنفال له قبل نزول آية قسمة الغنيمة فنسخت الأنفال في الأربعة الأخماس وترك الخمس على ما كان عليه موكولا إلى رأى النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وكما قال( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم ) ثم قال( وما آتاكم الرسول فخذوه ) فذكر هذه الوجوه ثم قال( وما آتاكم الرسول فخذوه ) فبين في آخره أنه موكول إلى رأى النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وكذلك الخمس قال فيه أنه( لله خمسه وللرسول ) يعنى قسمته موكولة إليه ثم بين الوجوه التي يقسمهم عليها على ما يرى ويختار ويدل على ذلك حديث عبد الواحد بن زياد عن الحجاج بن أرطاة قال حدثنا أبو الزبير عن جابر أنه سئل كيف كان النبي صلّى الله عليه وآله وسلم يصنع بالخمس قال كان يحمل منه في سبيل الله الرجل ثم الرجل ثم الرجل والمعنى في ذلك أنه كان يعطى منه المستحقين ولم يكن يقسمه أخماسا وأما قول من قال إن القسمة كانت في الأصل على ستة وأن سهم الله كان مصروفا إلى الكعبة فلا معنى له لأنه لو كان ذلك ثابتا لورد النقل به متواترا ولكانت الخلفاء بعد النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أولى الناس باستعمال ذلك فلما لم يثبت ذلك عنهم علم أنه غير ثابت وأيضا فإن سهم الكعبة ليس بأولى بأن يكون منسوبا إلى الله تعالى من سائر السهام المذكورة في الآية إذ كلها مصروف في وجوه القرب إلى الله عز وجل فدل ذلك على أن قوله( فأن لله خمسه ) غير مخصوص بسهم الكعبة فلما بطل ذلك لم يخل المراد بذلك من أحد وجهين إما أن يكون مفتاحا للكلام على ما حكيناه عن جماعة من السلف وعلى وجه تعليمنا التبرك بذكر الله وافتتاح الأمور باسمه وأن

٢٤٤

يكون معناه أن الخمس مصروف في وجوه القرب إلى الله تعالى ثم بين تلك الوجوه فقال( وللرسول ولذى القربى ) الآية فأجمل بديا حكم الخمس ثم فسر الوجوه التي أجملها فإن قيل لو أراد ما قلت لقال( فأن لله خمسه وللرسول ولذى القربى ) ولم يكن يدخل الواو بين اسم الله تعالى واسم رسول الله قيل له لا يجب ذلك من قبل أنه جائز في اللغة إدخال الواو والمراد إلغاؤها كما قال تعالى( ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء ) والواو ملغاة والفرقان ضياء وقال تعالى( فلما أسلما وتله للجبين ) معناه لما أسلما تله للجبين لأن قوله( فلما أسلما ) يقتضى جوابا وجوابه تله للجبين وكما قال الشاعر :

بل شيء يوافق بعض شيء

وأحيانا وباطله كثير

ومعناه يوافق بعض شيء أحيانا والواو ملغاة وكما قال الآخر :

فإن رشيدا وابن مروان لم يكن

ليفعل حتى يصدر الأمر مصدرا

ومعناه فإن رشيد بن مروان وقال الآخر :

إلى الملك القرم وابن الهام

وليث الكتيبة في المزدحم

والواو في هذه المواضع دخولها وخروجها سواء فثبت بما ذكرنا أن قوله( فأن لله خمسه ) على أحد المعنيين اللذين ذكرنا وجائز أن يكون جميعا مرادين لاحتمال الآية لهما فينتظم تعليمنا افتتاح الأمور بذكر الله تعالى وأن الخمس مصروف في وجوه القرب إلى الله تعالى فكان للنبي صلّى الله عليه وآله وسلم سهم من الخمس وكان له الصفي وسهم من الغنيمة كسهم رجل من الجند إذا شهد القتال وروى أبو حمزة عن ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أنه قال وفد عبد القيس آمركم بأربع شهادة أن لا إله إلا الله وتقيموا الصلاة وتعطوا سهم الله من الغنائم والصفي واختلف السلف في سهم النبي صلّى الله عليه وآله وسلم بعد موته فروى سفيان عن قيس بن مسلم عن الحسن ابن محمد بن الحنيفة قال اختلف الناس بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم في سهم الرسول وسهم ذي القربى فقالت طائفة سهم الرسول للخليفة من بعده وقالت طائفة سهم ذي القربى لقرابة الخليفة وأجمعوا على أن جعلوا هذين السهمين في الكراع والعدة في سبيل الله قال أبو بكر سهم النبي صلّى الله عليه وآله وسلم إنما كان له مادام حيا فلما توفى سقط سهمه كما سقط الصفي بموته فرجع سهمه إلى جملة الغنيمة كما رجع إليها ولم يعد للنوائب واختلف في سهم ذوى القربى فقال أبو حنيفة في الجامع الصغير يقسم الخمس على ثلاثة أسهم للفقراء والمساكين

٢٤٥

وابن السبيل وروى بشر بن الوليد عن أبى يوسف عن أبى حنيفة قال خمس الله والرسول واحد وخمس ذو القربى لكل صنف سماه الله تعالى في هذه الآية خمس الخمس وقال الثوري سهم النبي صلّى الله عليه وآله وسلم من الخمس هو خمس الخمس وما بقي فللطبقات التي سمى الله تعالى وقال مالك يعطى من الخمس أقرباء رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم على ما يرى ويجتهد قال الأوزاعى خمس الغنيمة لمن سمى في الآية وقال الشافعى يقسم سهم ذوى القربى بين غنيهم وفقيرهم قال أبو بكر قوله تعالى( ولذى القربى ) لفظ مجمل مفتقر إلى البيان وليس بعموم وذلك لأن ذا القربى لا يختص بقرابة النبي صلّى الله عليه وآله وسلم دون غيره من الناس ومعلوم أنه لم يرد بها أقرباء سائر الناس فصار اللفظ مجملا مفتقرا إلى البيان وقد اتفق السلف على أنه قد أريد أقرباء النبي صلّى الله عليه وآله وسلم فمنهم من قال إن المستحقين لسهم الخمس من الأقرباء هم الذين كانت لهم نصرة وأن السهم كان مستحقا بالأمرين من القرابة والنصرة وأن من ليس نصرة ممن حدث بعد فإنما يستحقه بالفقر كما يستحقه سائر الفقراء ويستدلون على ذلك بحديث الزهري عن سعيد بن المسيب عن جبير بن مطعم قال لما قسم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ذوى القربى بين بنى هاشم وبنى المطلب أتيته أنا وعثمان فقلنا يا رسول الله هؤلاء بنوا هاشم لا ننكر فضلهم بمكانك الذي وضعك الله فيهم أرأيت بنى المطلب أعطيتم ومنعتنا وإنماهم ونحن منك بمنزلة فقال صلى الله عليه وآله وسلم إنهم لم يفارقونى في جاهلية ولا إسلام وإنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد وشبك بين أصابعه فهذا يدل من وجهين على أنه غير مستحق بالقرابة فحسب أحدهما أن بنى المطلب وبنى عبد شمس ولو كان مستحقا بالقرابة لساوى بينهم والثاني أن فعل النبي صلّى الله عليه وآله وسلم ذلك خرج مخرج البيان لما أجمل في الكتاب من ذكر ذي القربى وفعل النبي صلّى الله عليه وآله وسلم إذا ورد على وجه البيان فهو على الوجوب فلما ذكر النبي صلّى الله عليه وآله وسلم النصرة مع القرابة دل على أن ذلك مراد الله تعالى فمن لم يكن له منهم نصرة فإنما يستحقه بالفقر وأيضا فإن الخلفاء الأربعة متفقون على أنه لا يستحق إلا بالفقر وقال محمد بن إسحاق سألت محمد على فقلت ما فعل على رضى الله عنه بسهم ذوى القربى حين ولى فقال سلك به سبيل أبى بكر وعمر وكره أن يدعى عليه خلافهما قال أبو بكر لو لم يكن هذا رأيه لما قضى به لأنه قد خالفهما في أشياء مثل الجد والتسوية في العطايا وأشياء أخر فثبت أن رأيه ورأيهما كان سواء في

٢٤٦

أن سهم ذوى القربى إنما يستحقه الفقراء منهم ولما أجمع الخلفاء الأربعة عليه ثبتت حجته بإجماعهم لقوله صلّى الله عليه وآله وسلم عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي وفي حديث يزيد بن هرمز عن ابن عباس فيما كتب به إلى نجدة الحروري حين سأله عن سهم ذي القربى فقال كنا نرى أنه لنا فدعانا عمر إلى أن نزوج منه أيمنا ونقضي منه عن مغرمنا فأبينا أن لا يسلمه لنا وأبى ذلك علينا قومنا وفي بعض الألفاظ فأبى ذلك علينا بنو عمنا فأخبر أن قومه وهم أصحاب النبي صلّى الله عليه وآله وسلم رأوه لفقرائهم دون أغنيائهم وقول ابن عباس كنا نرى أنه لنا إخبار أنه قال من طريق الرأى ولاحظ للرأى مع السنة واتفاق جل الصحابة من الخلفاء الأربعة ويدل على صحة قول عمر فيما حكاه ابن عباس عنه حديث الزهري عن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن المطلب بن ربيعة بن الحارث أنه والفضل بن العباس قالا يا رسول الله قد بلغنا النكاح فجئناك لتؤمرنا على هذه الصدقات فنؤدى إليك ما يؤدى العمال ونصيب ما يصيبون فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناس ثم أمر محمية أن يصدقهما من الخمس وهذا يدل على أن ذلك مستحق بالفقر إذ كان إنما اقتضى لهما على مقدار الصداق الذي احتاجا إليه للتزويج ولم يأمر لهما بما فضل عن الحاجة ويدل على أن الخمس غير مستحق قسمته على السهمان وأنه موكول إلى رأى الإمام قوله صلّى الله عليه وآله وسلم مالي من هذا المال إلا الخمس والخمس مردود فيكم ولم يخصص القرابة بشيء منه دون غيرهم دل ذلك على أنهم فيه كسائر الفقراء يستحقون منه مقدار الكفاية وسد الخلة ويدل عليه قوله صلّى الله عليه وآله وسلم يذهب كسرى فلا كسرى بعده أبدا ويذهب قيصر فلا قيصر بعده أبدا والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله فأخبر أنه ينفق في سبيل الله ولم يخصص به قوما من قوم ويدل على أنه كان موكولا إلى رأى النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أنه أعطى المؤلفة قلوبهم وليس لهم ذكر في آية الخمس فدل على ما ذكرنا ويدل عليه أن كل من سمى في آية الخمس لا يستحق إلا بالفقر وهم اليتامى وابن السبيل فكذلك ذو القربى لأنه سهم من الخمس ويدل عليه أنه لما حرم عليهم الصدقة أقيم ذلك لهم مقام ما حرم عليهم منها فوجب أن لا يستحقه منهم إلا فقير كما أن الأصل الذي أقيم هذا مقامه لا يستحقه إلا فقير فإن قيل موالي بنى هاشم لا تحل لهم الصدقة ولم يدخلوا في استحقاق السهم من الخمس قيل له هذا غلط لأن موالي بنى هاشم لهم سهم من الخمس إذ

٢٤٧

كانوا فقراء على حسب ما هو لبنى هاشم فإن قيل إذا كانت قرابة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم يستحقون سهمهم بالفقر والحاجة فما وجه تخصيصه إياهم بالذكر وقد دخلوا في جملة المساكين قيل له كما خص اليتامى وابن السبيل بالذكر ولا يستحقونه إلا بالفقر وأيضا لما سمى الله الخمس لليتامى والمساكين وابن السبيل كما قال( إنما الصدقات للفقراء والمساكين ) الآية ثم قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم إن الصدقة لا تحل لآل محمد فلو لم يسمهم في الخمس جاز أن يظن ظان أنه لا يجوز إعطاؤهم منه كما لا يجوز أن يعطوا من الصدقات فسماهم إعلاما منه لنا أن سبيلهم فيه بخلاف سبيلهم في الصدقات فإن قيل قد أعطى النبي صلّى الله عليه وآله وسلم العباس من الخمس وكان ذا يسار فدل على أنه للأغنياء والفقراء منهم قيل له الجواب عن هذا من وجهين أحدهما أنه أخبر أنه أعطاهم بالنصرة والقرابة لقوله صلّى الله عليه وآله وسلم إنهم لم يفارقونى في جاهلية ولا إسلام فاستوى فيه الفقير والغنى لتساويهم في النصرة والقرابة والثاني إنه جائز أن يكون النبي صلّى الله عليه وآله وسلم إنما أعطى العباس لتفرقه في فقراء بنى هاشم ولم يعطه لنفسه وقد اختلف في ذوى القربى من هم فقال أصحابنا قرابة النبي صلّى الله عليه وآله وسلم الذين تحرم عليهم الصدقة هم ذو قراباته وآله وهم آل جعفر وآل عقيل وولد حارث بن عبد المطلب وروى نحو ذلك عن زيد بن أرقم وقال آخرون بنو المطلب داخلون فيهم لأن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أعطاهم من الخمس وقال بعضهم قريش كلها من أقرباء النبي صلّى الله عليه وآله وسلم الذين سهم من الخمس إلا أن للنبي صلّى الله عليه وآله وسلم أن يعطيه من رأى منهم قال أبو بكر أما من ذكرناهم فلا خلاف بين الفقهاء أنهم ذووا قربائه وأما بنو المطلب فهم وبنو عبد شمس في القرب من النبي صلّى الله عليه وآله وسلم سواء فإن وجب أن يدخلوا في القرابة الذين تحرم عليهم الصدقة فواجب أن يكون بنى عبد شمس مثلهم لمساواتهم إياهم في الدرجة فأما إعطائهم الخمس فإنما خص هؤلاء به دون بنى عبد شمس بالنصرة لأنه قال لم يفارقونى في جاهلية ولا إسلام وأما الصدقة فلم يتعلق تحريمها بالنصرة عند جميع الفقهاء فثبت أن بنى المطلب ليسوا من آل النبي صلّى الله عليه وآله وسلم الذين تحرم الصدقة عليهم كبني عبد شمس وموالي بنى هاشم تحرم عليهم الصدقة ولا قرابة لهم ولا يستحقون من الخمس شيئا بالقرابة وقد سألته فاطمة رضى الله عنها خادما من الخمس فوكلها إلى التكبير والتحميد ولم يعطها* فإن* قيل إنما لم يعطها لأنها ليست من ذوى قرباه لأنها أقرب إليه من ذوى قرباه* قيل له فقد خاطب عليا بمثل ذلك وهو من ذلك القربى وقال لبعض بنات عمه حين ذهبت مع فاطمة

٢٤٨

إليه تستخدمه سبقكن يتامى بدر وفي يتامى بدر من لم يكن من بنى هاشم لأن أكثرهم من الأنصار ولو استحقتا بالقرابة شيئا لا يجوز منعهما إياه لما منعهما حقهما ولا عدل بهما إلى غيرهما وفي هذا دليل على معنيين أحدهما أن سهمهم من الخمس أمره كان موكولا إلى رأى النبي صلّى الله عليه وآله وسلم في أن يعطيه من شاء منهم والثاني أن إعطاءهم من الخمس أو منعه لا تعلق له بتحريم الصدقة وأما من قال أن قرابة النبي صلّى الله عليه وآله وسلم قريش كلها فإنه يحتج لذلك بأنه لما نزلت( وأنذر عشيرتك الأقربين ) قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم يا بنى فهر يا بنى عدى يا بنى فلان لبطون قريش إنى نذير لكم بين يدي عذاب شديد وروى عنه أنه قال يا بنى كعب بن لؤي وأنه قال يا بنى هاشم يا بنى قصى يا بنى عبد مناف وروى عنه أنه قال لعلى اجمع لي بنى هاشم وهم أربعون رجلا قالوا فلما ثبت أن قريشا كلها من أقربائه وكان إعطاء السهم من الخمس موكولا إلى رأى النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أعطاه من كان له منهم نصرة دون غيرهم * قال أبو بكر اسم القرابة واقع على هؤلاء كلهم لدعاء النبي صلّى الله عليه وآله وسلم إياهم عند نزول قوله تعالى( وأنذر عشيرتك الأقربين ) فثبت بذلك أن الاسم يتناول الجميع فقد تعلق بذوي قربى النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أحكام ثلاثة أحدها استحقاق سهم من الخمس بقوله تعالى( وللرسول ولذى القربى ) وهم الفقراء منهم على الشرائط التي قدمنا ذكرها عن المختلفين فيها والثاني تحريم الصدقة عليهم وهم آل على وآل العباس وآل عقيل وآل جعفر وولد الحارث بن عبد المطلب وهؤلاء هم أهل بيت النبي صلّى الله عليه وآله وسلم ولا حظ لبنى المطلب في هذا الحكم لأنهم ليسوا أهل بيت النبي صلّى الله عليه وآله وسلم ولو كانوا من أهل بيت النبي صلّى الله عليه وآله وسلم لكانت بنو أمية من أهل بيت النبي صلّى الله عليه وآله وسلم ومن آله ولا خلاف أنهم ليسوا كذلك فكذلك بنو المطلب لمساواتهم إياه في نسبهم من النبي صلّى الله عليه وآله وسلم والثالث تخصيص الله تعالى لنبيه بإنذار عشيرته الأقربين فانتظم ذلك بطون قريش كلها على ما ورد به الأثر في إنذاره إياهم عند نزول الآية وإنما خص عشريته الأقربين بالإنذار لأنه أبلغ عند نزول الآية في الدعاء إلى الدين وأقرب إلى نفى المحاباة والمداهنة في الدعاء إلى الله عز وجل لأن سائر الناس إذا علموا أنه لم يحتمل عشيرته على عبادة غير الله وأنذرهم ونهاهم أنه أولى بذلك منهم إذ لو جازت المحاباة في ذلك لأحد لكانت أقرباؤه أولى الناس بها وقوله تعالى( واليتامى ) فإن حقيقة اليتم هو الانفراد ومنه الرابية المنفردة تسمى يتيمة والمرأة المنفردة عن الأزواج تسمى يتيمة إلا أنه قد اختص في الناس

٢٤٩

بالصغير الذي قد مات أبوه وهو يفيد الفقر مع ذلك أيضا عند الإطلاق ولذلك قال أصحابنا فيمن أوصى ليتامى بنى فلان وهم لا يحصون أن الوصية جائزة لأنها للفقراء منهم ولا خلاف أنه قد أريد مع اليتم الفقر في هذه الآية وأن الأغنياء من الأيتام لا حظ لهم فيه ويدل على أن اليتم اسم يقع على الصغير الذي قد مات أبوه دون الكبير قوله صلّى الله عليه وآله وسلم لا يتم بعد حلم وقد قيل إن كل ولد يتيم من قبل أمه إلا الإنسان فإن يتمه من قبل أبيه وقوله تعالى( وابن السبيل ) فإن المسافر المنقطع به المحتاج إلى ما يتحمل به إلى بلده وإن كان له مال في بلده فهو بمنزلة الفقير الذي لا مال له لأن المعنى في وجوب إعطائه حاجته إليه فلا فرق بين من له مالا يصل إليه وبين ما لا مال له* وأما المسكين فقد اختلف فيه وسنذكره في موضعه من آية الصدقات وفي اتفاق الجميع على أن ابن السبيل واليتيم إنما يستحقان حقهما من الخمس بالحاجة دون الاسم دلالة على أن المقصد بالخمس صرفه إلى المساكين فإن قيل إذا كان المعنى هو الفقر فلا فائدة في ذكر ذوى القربى قيل له فيه أعظم الفوائد وهو أن آل النبي صلّى الله عليه وآله وسلم لما حرمت عليهم الصدقة كان جائزا أن يظن ظان أن الخمس محرم عليهم كتحريمها إذ كان سبيله صرفه إلى الفقراء فأبان الله تعالى بتسميتهم في الآية عن جواز إعطائهم من الخمس بالفقر ويلزم هذا السائل أن يعطى اليتامى وابن السبيل بالاسم دون الحاجة عن قضيته بأن لو كان مستحقا بالفقر ما كان لتسميته ابن السبيل واليتيم معنى وهما إنما يستحقانه بالفقر قوله تعالى( إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا ) قيل أن الفئة هي الجماعة المنقطعة عن غيرها وأصله من فأوت رأسه بالسيف إذا قطعته والمراد بالفئة هاهنا جماعة من الكفار فأمرهم بالثبات لهم وقتالهم وهو في معنى قوله تعالى( إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ) الآية ومعناه مرتب على ما ذكر في هذه من جواز التحرف للقتال أو الانحياز إلى فئة من المسلمين ليقاتل معهم ومرتب أيضا على ما ذكر بعد هذا من قوله تعالى( الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله ) فإنماهم مأمورون بالثبات لهم إذا كان العدو مثلهم فإن كانوا ثلاثة أضعافهم فجائز لهم الانحياز إلى فئة من المسلمين يقاتلون معهم وقوله تعالى( واذكروا الله كثيرا ) يحتمل وجهين أحدهما ذكر الله تعالى باللسان والآخر الذكر بالقلب وذلك على وجهين أحدهما ذكر

٢٥٠

ثواب الصبر على الثبات لجهاد أعداء الله مشركين وذكر عقاب الفرار والثاني ذكر دلائله نعمه على عباده وما يستحقه عليهم من القيام بفرضه في جهاد أعدائه وضروب هذه الأذكار كلها تعين على الصبر والثبات ويستدعى بها النصر من الله والجرأة على العدو والاستهانة بهم وجائز أن يكون المراد بالآية جميع الأذكار لشمول الاسم لجميعها وقد روى عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم ما يوافقني معنى الآية ما حدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا بشر ابن موسى قال حدثنا خلاد بن يحيى قال حدثنا سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن زياد عن عبد الله بن زيد عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم لا تمنوا لقاء العدو واسئلوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاثبتوا واذكروا الله كثيرا وإن أجلبوا أو ضجوا فعليكم بالصمت قوله تعالى( وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) أمر الله تعالى في هذه الآية بطاعته وطاعة رسوله ونهى بها عن الاختلاف والتنازع وأخبر أن الاختلاف والتنازع يؤدى إلى الفشل وهو ضعف القلب من فزع يلحقه وأمر في آية أخرى بطاعة أولاة الأمر لنفى الاختلاف والتنازع المؤديين إلى الفشل في قوله( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم في شىء فردوه إلى الله والرسول ) وقال في آية أخرى( ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ) فأخبر تعالى أنه أراهم في منامهم قليلا لئلا يتنازعوا إذا رأوهم كثيرا فيفشلوا وروى عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أنه قال ولن يغلب اثنى عشر ألفا من قلة إذا اجتمعت كلمتهم فتضمنت هذه الآية كلها النهى عن الاختلاف والتنازع وأخبر أن ذلك يؤدى إلى الفشل وإلى ذهاب الدولة بقوله( وتذهب ريحكم ) وقيل إن المعنى ريح النصر التي يبعثها الله مع من ينصره على من يخذله وروى ذلك عن قتادة وقال أبو عبيدة تذهب دولتكم من قولهم ذهبت ريحه أى ذهبت دولته قوله تعالى( فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم ) تثقفنهم معناه تصادفهم وقال الحسن وقتادة وسعيد بن جبير فشرد بهم من خلفهم إذا أسرتهم فنكل بهم تنكيلا تشرد غيرهم من ناقضي العهد خوفا منك وقال غيرهم افعل بهم من القتل ما تفرق به من خلفهم عن التعاون على قتالك ويشبه أن يكون ما أمر به أبو بكر الصديق رضى الله عنه من التنكيل بأهل الردة وإحراقهم بالنيران ورميهم من رؤس الجبال وطرحهم في الآبار ذهب فيه إلى أن تأويل الآية في تشريد سائر المرتدين

٢٥١

عن التعاون والاجتماع على قتال المسلمين قوله تعالى( وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء ) الآية يعنى والله أعلم إذا خفت غدرهم وخدعتهم وإيقاعهم بالمسلمين وفعلوا ذلك خفيا ولم يظهروا نقض العهد فانبذ إليهم على سواء يعنى ألق إليهم فسخ ما بينك وبينهم من العهد والهدنة حتى يستوي الجميع في معرفة ذلك وهو معنى قوله( على سواء ) لئلا يتوهموا أنك نقضت العهد بنصب الحرب وقيل( على سواء ) على عدل من قول الزاجر :

فاضرب وجوه الغدر للأعداء

حتى يجيبوك إلى السواء

ومنه قيل للوسط سواء لاعتداله كما قال حسان :

يا ويح أنصار النبي ورهطه

بعد المغيب في سواء الملحدى

أى في وسطه وقد غز النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أهل مكة بعد الهدنة من غير أن ينبذ إليهم لأنهم قد كانوا نقضوا العهد بمعاونتهم بنى كناية على قتل خزاعة وكانت حلفاء للنبي صلّى الله عليه وآله وسلم ولذلك جاء أبو سفيان ألى المدينة يسئل النبي صلّى الله عليه وآله وسلم تجديد العهد بينه وبين قريش فلم بحبه النبي صلّى الله عليه وآله وسلم ألى ذلك فمن أجل ذلك لم يحتج ألى النبذ إليهم إذ كانوا قد أظهروا نقض العهد بنصب الحرب لحلفاء النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وروى نحو معنى الآية عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا حفص بن عمرو النمري قال حدثنا شعبة عن أبى الفيض عن سليم وقال غيره سليم بن عامر رجل من حمير قال كان بين معاوية وبين الروم عهد وكان يسير نحو بلادهم حتى إذا انقضى العهد غزاهم فجاء رجل على فرس برزون وهو يقول الله أكبر الله أكبر وفاء لا غدر فنظروا فإذا عمرو بن عبسة فأرسل إليه معاوية فسأله فقال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم يقول من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشد عقدة ولا يحلها حتى ينقضي أمدها أن ينبذ إليهم على سواء فرجع معاوية وقوله تعالى( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ) أمر الله تعالى المؤمنين في هذه الآية بإعداد السلاح والكراع قبل وقت القتال إرهابا للعدو والتقدم في ارتباط الخيل استعدادا لقتال المشركين وقد روى في القوة إنها الرمي حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا سعيد بن منصور قال حدثنا عبد الله بن وهب قال أخبرنى عمرو بن الحارث عن أبى على ثمامة بن شفى الهمدانى أنه سمع عقبة بن عامر الجهني يقول سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وعلى المنبر

٢٥٢

يقول( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ) ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا إسماعيل بن الفضل قال حدثنا فضل بن سحتب قال حدثنا ابن أبى أويس عن سليمان بن بلال بن عمرو عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ارموا واركبوا وإن ترموا أحب إلى من أن تركبوا وكل لهو المؤمن باطل إلا رميه بقوسه أو تأديبه فرسه أو ملاعبته امرأته فإنهن من الحق وحدثنا محمد ابن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا سعيد بن منصور قال حدثنا عبد الله بن المبارك قال حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال حدثني أبو سلام عن خالد بن زيد عن عقبة ابن عامر قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم يقول الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة صانعه يحتسب في صنعته الخير والرامي به ومنبله وارموا واركبوا وإن ترموا أحب إلى من أن تركبوا ليس من اللهو ثلاثة تأديب الرجل فرسه وملاعبته أهله ورميه بقوسه ونبله ومن ترك الرمي بعد ما علمه رغبة عنه فإنها نعمة تركها أو قال كفرها وحدثنا عبد الباقي قال حدثنا حسين بن إسحاق قال حدثنا المغيرة بن عبد الرحمن قال حدثنا عثمان بن عبد الرحمن قال حدثنا الجراح بن منهال عن ابن شهاب عن أبى سليمان مولى أبى رافع عن أبى رافع قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم من حق الولد على الوالد أن يعلمه كتاب الله والسباحة والرمي * ومعنى قوله صلّى الله عليه وآله وسلم من حق الوالد أن يعلمه كتاب الله والسباحة على قتال العدو ولم ينف به أن يكون غيره من القوة بل عموم اللفظ الشامل لجميع ما يستعان به على العدو ومن سائر أنواع السلاح وآلات الحرب وقد حدثنا عبد الباقي قال حدثنا جعفر بن أبى القتيل قال حدثنا يحيى بن جعفر قال حدثنا كثير بن هشام قال حدثنا عيسى ابن إبراهيم الثمالي عن الحكم بن عمير قال أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم أن لا نخفى الأظفار في الجهاد وقال إن القوة في الأظفار وهذا يدل على أن جميع ما يقوى على العدى فهو مأمور باستعداده وقال الله تعالى( ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ) فذمهم على ترك الاستعداد والتقدم قبل لقاء العدو وقد روى عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم في ارتباط الخيل ما يواطئ معنى الآية وهو ما حدثنا عبد الباقي بن نافع قال حدثنا الحسين بن إسحاق التستري قال حدثنا أحمد بن عمر قال حدثنا ابن وهب عن ابن لهيعة عن عبيد بن أبى حكيم الأزدى عن الحصين بن حرملة البرى عن أبى المصبح قال سمعت جابر بن عبد الله يقول قال

٢٥٣

رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم الخيل معقود في نواصيها الخير والنيل إلى يوم القيامة وأصحابها معانون قلدوها ولا تقلدوها الأوتار قال أبو بكر بين في الخبر الأول أن الخير هو الأجر والغنيمة وفي ذلك ما يوجب أن ارتباطها قربة إلى الله تعالى فإذا أريد به الجهاد وهو يدل أيضا على بقاء الجهاد إلى يوم القيامة إذ كان الأجر مستحقا بارتباطها للجهاد في سبيل الله عز وجل وقوله صلّى الله عليه وآله وسلم ولا تقلدوها الأوتار قيل فيه معنيان أحدهما خشية اختناقها بالوتر والثاني أن أهل الجاهلية كانوا إذا طلبوا بالأوتار والدخول قلدوها خيلهم الأوتار يدلون بها على أنهم طالبون بالأوتار مجتهدون في قتل من يطلبونهم بها فأبطل النبي صلّى الله عليه وآله وسلم الطلب بدخول الجاهلية ولذلك قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم يوم فتح مكة ألا إن كل دم ومأثرة فهو موضوع تحت قدمي هاتين وأول دم ربيعة بن الحارث.

باب الهدنة والموادعة

قال الله تعالى( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها ) والجنوح الميل ومنه يقال جنحت السفينة إذا مالت والسلم المسألة ومعنى الآية أنهم إن مالوا إلى المسالمة وهي طلب السلامة من الحرب فسالمهم وأقبل ذلك منهم وإنما قال( فاجنح لها ) لأنه كناية عن المسالمة وقد اختلف في بقاء هذا الحكم فروى سعيد ومعمر عن قتادة أنها منسوخة بقوله تعالى( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) وروى عن الحسن مثله وروى ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء الخراساني عن ابن عباس( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها ) قال نسختها( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ـ إلى قوله ـوهم صاغرون ) وقال آخرون لا نسخ فيها لأنها في موادعة أهل الكتاب وقوله تعالى( فاقتلوا المشركين ) في عبدة الأوثان قال أبو بكر قد كان النبي صلّى الله عليه وآله وسلم عاهد حين قدم المدينة أصنافا من المشركين منهم النضير وبنو قينقاع وقريظة وعاهد قبائل من المشركين ثم كانت بينه وبين قريش هدنة الحديبية إلى أن نقضت قريش ذلك العهد بقتالها خزاعة خلفاء النبي صلّى الله عليه وآله وسلم ولم يختلف نقلة السير والمغازي في ذلك وذلك قبل أن يكثر أهل الإسلام ويقوى أهله فلما كثر المسلمون وقوى الدين أمر بقتل مشركي العرب ولم يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف بقوله عز وجل( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) وأمر بقتال أهل الكتاب حتى يسلموا أو يعطوا الجزية بقوله تعالى( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ـ إلى قوله ـ

٢٥٤

وهم صاغرون ) ولم يختلفوا أن سورة براءة من أواخر من نزل من القرآن وكان نزولها حين بعث النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أبا بكر على الحج في السنة التاسعة من الهجرة وسورة الأنفال نزلت عقيب يوم بدر بين فيها حكم الأنفال والغنائم والعهود والموادعات سورة براءة مستعمل على ما ورد وما ذكر من الأمر بالمسالمة إذا مال المشركون إليها فحكم حكم ثابت أيضا وإنما اختلف حكم الآيتين لاختلاف الحالين فالحال التي أمر فيها بالمسألة هي حال قلة عدد المسلمين وكثرة عدوهم والحال التي أمر فيها بقتل المشركين وبقتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية هي حال كثرة المسلمين وقوتهم على عدوهم وقد قال تعالى( فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ) فنهى عن المسالمة عند القوة على قهر العدو وقتلهم وكذلك قال أصحابنا إذا قدر بعض أهل الثغور على قتال العدو ومقاومتهم لم تجز لهم مسالمتهم ولا يجوز لهم إقرارهم على الكفر إلا بالجزية وإن ضعفوا عن قتالهم جاز لهم مسالمتهم كما سالم النبي صلّى الله عليه وآله وسلم كثيرا من أصناف الكفار وهادنهم على وضع الحرب بينهم من غير جزية أخذها منهم قالوا فإن قووا بعد ذلك على قتالهم نبذوا إليهم على سواء ثم قاتلوهم قالوا وإن لم يمكنهم دفع العدو عن أنفسهم إلا بما يبذلونه لهم جاز لهم ذلك لأن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم قد كان صالح عيينة بن حصن وغيره يوم الأحزاب على نصف ثمار المدينة حتى لما شاور الأنصار قالوا يا رسول الله هو أمر أمرك الله به أم الرأى والمكيدة فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا بل هو رأى لأنى رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة فأردت أن أدفعهم عنكم إلى يوم ما فقال السعدان بن عبادة وسعد بن معاذ والله يا رسول الله إنهم لم يكونوا يطعمون فيها منا إلا قرى وشرى ونحن كفار فكيف وقد أعزنا الله بالإسلام لا نعطيهم إلا بالسيف وشقاء الصحيفة فهذا يدل على أنهم إذا خافوا المشركين جاز لهم أن يدفعوهم عن أنفسهم بالمال فهذه أحكام بعضها ثابت بالقرآن وبعضها بالسنة وهي مستعملة في الأحوال التي أمر الله تعالى بها واستعملها النبي صلّى الله عليه وآله وسلم فيها وهذا نظير ما ذكرنا في ميراث الحليف أنه حكم ثابت بقوله تعالى( والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم ) في حال عدم ذوى الأنساب وولاء العتاق فإذا كان هناك ذو نسب أو ولاء عتاقة فهم أولى من الحليف كما أن الإبن أولى من الأخ ولم يخرج من أن يكون من أهل الميراث قوله تعالى( وألف بين قلوبهم لو انفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ) الآية روى أنه أراد به

٢٥٥

الأوس والخزرج وكانوا على غاية العداوة والبغضاء قبل الإسلام فألف الله بين قلوبهم بالإسلام روى ذلك عن بشير بن ثابت الأنصارى وابن إسحاق والسدى وقال مجاهد هو كل متحابين في الله قوله تعالى( إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين ) إلى آخر القصة حدثنا جعفر بن محمد الواسطي قال حدثنا جعفر بن محمد بن اليمان حدثنا أبو عبيد قال حدثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن على بن أبى طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى( إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين ) قال أمر الله تعالى الرجل من المسلمين أن يقاتل عشرة من الكفار فشق ذلك عليهم فرحمهم فقال( فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين ) وحدثنا جعفر بن محمد قال حدثنا جعفر بن محمد قال حدثنا أبو عبيد حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن ابن أبى نجيح عن عطاء عن ابن عباس قال أيما رجل فر من ثلاثة فلم يفر ومن فر من اثنين فقد فر وإنما عنى ابن عباس ما ذكر في هذه الآية وكان الفرض في أول الإسلام على الواحد قتال العشرة من الكفار لصحة بصائر المؤمنين في ذلك الوقت وصدق يقينهم ثم لما أسلم قوم آخرون خالطهم من لم يكن لهم بصائرهم ونياتهم خفف عن الجميع وأجراهم مجرى واحدا ففرض على الواحد مقاومة الاثنين قوله تعالى( الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا ) لم يرد به ضعف القوى والأبدان وإنما المراد ضعف النية لمحاربة المشركين فجعل فرض الجميع فرض ضعفائهم وقال عبد الله بن مسعود ما ظننت أن أحدا من المسلمين يريد بقتاله غير الله حتى أنزل الله تعالى( منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ) فكان الأولون على مثل هذه النيات فلما خالطهم من يريد الدنيا بقتاله سوى بين الجميع في الفرض وفي هذه الآية دلالة على بطلان من أبى وجود النسخ في شريعة النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وإن لم يكن قائله معتقدا بقوله لأنه قال تعالى( الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين ) والتخفيف لا يكون إلا بزوال بعض الفرض أو النفل عنه إلى ما هو أخف منه فثبت بذلك أن الآية الثانية ناسخة للفرض الأول وزعم القائل بما ذكرنا من إنكار النسخ لأنه ليس في الآية أمر وإنما فيه الوعد بشريطة فمتى وفي بالشرط أنجز الوعد وإنما كلف كل قوم من الصبر على قدر استطاعتهم فكان على الأولين ما ذكر من مقاومة العشرين للمائتين والآخرون لم يكن لهم من نفاذ البصيرة مثل ما للأولين فكلفوا مقاومة الواحد للإثنين

٢٥٦

والمائة للمائتين قال ومقاومة العشرين للمائتين غير مفروضة وكذلك المائة للمائتين وإنما الصبر مفروض على قدر الإمكان والناس مختلفون في ذلك على مقادير استطاعتهم فليس في الآية نسخ كما زعم قال أبو بكر هذا كلام شديد الاختلال والتناقض خارج عن قول الأمة سلفها وخلفها وذلك لأنه لا يختلف أهل النقل والمفسرون في أن الفرض كان في أول الإسلام مقاومة الواحد للعشرة ومعلوم أيضا أن قوله تعالى( إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين ) وإن كان لفظه لفظ الخبر فمعناه الأمر كقوله تعالى هو إخبارا بوقوع ذلك وإنما هو أمر بأن لا يفر الواحد من العشرة ولو كان هذا خبرا لما كان لقوله( الآن خفف الله عنكم ) معنى لأن التخفيف إنما يكون في المأمور به لا في المخبر عنه ومعلوم أيضا أن القوم الذين كانوا مأمورين بأن يقاوم الواحد منهم عشرة من المشركين داخلون في قوله( الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا ) فلا محالة قد وقع النسخ عنهم فيما كانوا تعبدوا به من ذلك ولم يكن أولئك القوم قد نقصت بصائرهم ولقل صبرهم وإنما خالطهم قوم لم يكن لهم مثل بصائرهم ونياتهم وهم المعنيون بقوله تعالى( وعلم أن فيكم ضعفا ) فبطل بذلك قول هذا القائل بما وصفنا وقد أقر هذا القائل أن بعض التكليف قد زال منهم بالآية الثانية وهذا هو معنى النسخ والله أعلم بالصواب.

باب الأسارى

قال الله تعالى( ما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ) حدثنا محمد ابن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا أبو نوح قال أخبرنا عكرمة ابن عمار قال حدثنا سماك الحنفي قال حدثني ابن عباس قال حدثني عمر بن الخطاب قال لما كان يوم بدر فأخذ النبي صلّى الله عليه وآله وسلم الفداء فأنزل الله تعالى( ما كان لنبى أن يكون له أسرى ـ إلى قوله ـلمسكم فيما أخذتم ) من الفداء ثم أحل الله الغنائم وحدثنا عبد الباقي ابن قانع قال حدثنا بشر بن موسى قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثنا أبو الأحوص عن الأعمش عن أبى صالح عن أبى هريرة قال كان يوم بدر تعجل ناس من المسلمين فأصابوا من الغنائم فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم لم تحل الغنائم لقوم سود الرءوس قبلكم كان النبي

٢٥٧

إذا غنم هو وأصحابه جمعوا غنائمهم فتنزل من السمائد نار فتأكلها فأنزل الله تعالى( لو لا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا ) وروى فيه وجه آخر وهو ما رواه الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبى عبيدة عن عبد الله قال شاور النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أصحابه في أسارى بدر فأشار أبو بكر بالاستبقاء وأشار عمر بالقتل وأشار عبد الله بن رواحة بالإحراق فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم حين قال( فمن تبعنى فإنه منى ومن عصانى فإنك غفور رحيم ) ومثل عيسى إذ قال( إن تعذبهم فإنهم عبادك ) الآية ومثلك يا عمر مثل نوح إذ قال( لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ) ومثل موسى إذ قال( ربنا اطمس على أموالهم ) الآية أنتم عالة فلا ينفلتن منهم أحدا إلا بفداء أو ضربة عنق فقال ابن مسعود إلا سهيل بن بيضاء فإنه ذكر الإسلام فسكت ثم قال إلا سهيل بن بيضاء فأنزل الله تعالى( ما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ) إلى آخر الآيتين وروى عن ابن عباس أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم استشار أبا بكر وعمرو عليا في أسارى بدر فأشار أبو بكر بالفداء وأشار عمر بالقتل فهوى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما قال أبو بكر ولم يهوى ما قال عمر فلما كان من الغد جئت إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فإذا هو وأبو بكر قاعدان يبكيان فقلت يا رسول الله أخبرنى من أى شيء تبكى أنت وصاحبك فقال أبكى للذي عرض على أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض على عذابكم أدنى من هذا الشجرة شجرة قريبة من النبي صلّى الله عليه وآله وسلم فأنزل الله تعالى( ما كان لنبى أن يكون له أسرى ) إلى آخر القصة فذكر في حديث ابن عباس المتقدم في الباب وحديث أبى هريرة أن قوله( لو لا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ) إنما نزل في أخذهم الغنائم وذكر في حديث عبد الله بن مسعود وابن عباس الآخر أن الوعيد إنما كان في عرضهم الفداء على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وإشارتهم عليه به والأول ألى بمعنى الآية لقوله تعالى( لمسكم فيما أخذتم ) ولم يقل فيما عرضتم وأشرتم ومع ذلك فإنه يستحيل أن يكون الوعيد في قول قاله رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم لأنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى ومن الناس من يجيز ذلك على النبي صلّى الله عليه وآله وسلم من طريق اجتهاد الرأى ويجوز أيضا أن يكون النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أباح لهم أخذ الفداء وكان ذلك معصية صغيرة فعاتبه الله والمسلمين عليها وقد ذكر في الحديث الذي في صدر الباب أن الغنائم لم تحل قبل نبينا لأحد وفي الآية ما يدل على ذلك

٢٥٨

وهو قوله تعالى( ما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ) فكان في شرائع الأنبياء المتقدمين تحريم الغنائم وفي شريعة نبينا تحريمها حتى يثخن في الأرض واقتضى ظاهره إباحة الغنائم والأسرى بعد الإثخان وقد كانوا يوم بدر مأمورين بقتل المشركين بقوله تعالى( فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان ) وقال تعالى في آية أخرى( فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا اثخنتموهم فشدوا الوثاق ) وكان الفرض في ذلك الوقت القتل حتى إذا أثخن المشركون فحينئذ إباحة الفداء وكان أخذ الفداء قبل الإثخان محظورا وقد كان أصحاب النبي صلّى الله عليه وآله وسلم حازوا الغنائم يوم بدر وأخذوا الأسرى وطلبوا منهم الفداء وكان ذلك من فعلهم غير موافق لحكم الله تعالى فيهم في ذلك ولذلك عاتبهم عليه ولم يختلف نقلة السير ورواة المغازي أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أخذ منهم الفداء بعد ذلك وأنه قال لا ينفلت منهم إلا بفداء أو ضربة عنق وذلك يوجب أن يكون حظر أخذ الأسرى ومفاداتهم المذكورة في هذه الآية وهو قوله تعالى( ما كان لنبى أن يكون له أسرى ) منسوخا بقوله( لو لا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ) فأخذ النبي صلّى الله عليه وآله وسلم منهم الفداء فإن قيل كيف يجوز أن يكون ذلك منسوخا وهو بعينه الذي كانت المعاتبة من الله للمسلمين وممتنع وقوع الإباحة والحظر في شيء واحد قيل له إن أخذ الغنائم والأسرى وقع بديا على وجه الحظر فلم يملكوا ما أخذوا ثم إن الله تعالى أباحها لهم وملكهم إياها فالأخذ المباح ثانيا هو غير محظور أولا وقد اختلف في معنى قوله تعالى( لو لا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ) فروى أبو زميل عن ابن عباس قال سبقت لهم الرحمة قبل أن يعلموا المعصية وروى مثله عن الحسن رواية وهذا يدل على أنهما رأيا ذلك معصية صغيرة وقد وعد الله غفرانها باجتنابهم الكبائر وكتب لهم ذلك قبل عملهم للمعصية الصغيرة وروى عن الحسن أيضا ومجاهد أن الله تعالى كان مطعما لهذه الأمة الغنيمة ففعلوا الذي فعلوا قبل أن تحل لهم الغنيمة قال أبو بكر حكم الله تعالى بأنه ستحل لهم الغنيمة في المستقبل لا يزيل عنهم حكم الحظر قبل إحلالها ولا يخفف من عقابه فلا يجوز أن يكون التأويل أن إزالة العقاب لأجل أنه كان في معلومه إباحة الغنائم لهم بعده وروى عن الحسن أيضا وعن مجاهد قالا سبق من الله أن لا يعذب قوما إلا بعد تقدمه ولم يكن تقدم إليهم فيها وهذا وجه صحيح وذلك لأنهم لم يعلموا

٢٥٩

بتحريم الغنائم على أمم الأنبياء المتقدمين وبقاء هذا الحكم عليهم من شريعة نبينا صلّى الله عليه وآله وسلم فاستباحوها على ظن منهم أنها مباحة ولم يكن قد تقدم لهم من النبي صلّى الله عليه وآله وسلم قول في تحريمها عليهم ولا أخبار منه إياهم بتحريمها على الأمم السالفة فلم يكن خطؤهم في ذلك معصية يستحق عليها العقاب قوله تعالى( فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا ) فيه إباحة الغنائم وقد كانت محظورة قبل ذلك وقد ذكرنا حديث الأعمش عن أبى صالح عن أبى هريرة أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم قال لم تحل الغنائم لقوم سود الرءوس قبلكم وروى الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبى هريرة عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم قال أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ونصرت بالرعب وأحلت لي الغنائم وأرسلت إلى الأحمر والأبيض وأعطيت الشفاعة فأخبر صلّى الله عليه وآله وسلم في هذين الخبرين أن الغنائم لم تحل لأحد من الأنبياء وأممها قبله وقوله تعالى( فكلوا مما غنمتم ) قد اقتضى وقوع ملك الغنائم لهم إذا أخذوا وإن كان المذكور في لفظ الآية هو الأكل وإنما خص الأكل بذلك لأنه معظم منافع الأملاك إذ به قوام الأبدان وبقاء الحياة وأراد بذلك تمليك سائر وجوه منافعها وهو كما قال تعالى( حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ) فحص اللحم بذلك والمراد جميع أجزائه لأنه مبتغى منافعه ومعظمها في لحومه وكما قال تعالى( إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ) فحص البيع بالحظر في تلك الحال والمراد سائر ما يشغل عن الصلاة وكان وجه تخصيصه أنه معظم منافع التصرف في ذلك الوقت فإذا كان معظمه محظورا فما دونه أولى بذلك وذلك في مفهوم اللفظ ومثله قوله تعالى( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ) فحص الأكل بالذكر ودل به على حظر الأخذ والإتلاف من غير جهة الأكل فهذا حكم اللفظ إذا ورد في مثله ولو لا الأكل موجبة للتمليك ولذلك قال أصحابنا فيمن أباح لرجل أكل طعامه أنه ليس له أن يتملكه ولا يأخذه وإنما له الأكل فحسب ولكنه لما كان في مفهوم خطاب الآية التمليك على الوجه الذي ذكرنا أوجب التمليك وقد قال الله تعالى في آية أخرى( واعلموا أنما غنمتم من شىء فأن لله خمسه ) فجعل الأربعة الأخماس غنيمة لهم وذلك يقتضى التمليك وكذلك ظاهر قوله تعالى( فكلوا مما غنمتم ) لما أضاف الغنيمة إليهم فقد أفاد تملكها إياهم

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412