أحكام القرآن الجزء ٤

أحكام القرآن9%

أحكام القرآن مؤلف:
تصنيف: مفاهيم القرآن
الصفحات: 412

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 412 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 65502 / تحميل: 6325
الحجم الحجم الحجم
أحكام القرآن

أحكام القرآن الجزء ٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

بإطلاقه لفظ الغنيمة فيه ثم عطفه الأكل عليها لم لم ينف ما تضمنه من التمليك كما لو قال كلوا مما ملكتم لم يكن إطلاق لفظ الأكل مانعا من صحة الملك ويدل على ذلك دخول الفاء عليه كأنه قال قد ملكتكم ذلك فكلوا* والغنيمة اسم لما أخذ من أموال المشركين بقتال فيكون خمسه لله تعالى وأربعة أخماسه للغانمين بقوله تعالى( واعلموا أنما غنمتم من شىء فإن لله خمسه ) وأما الفيء فهو كل ما صار من أموال المشركين إلى المسلمين بغير قتال روى هذا الفرق بينهما عن عطاء بن السائب وعن سفيان الثوري أيضا* قال أبو بكر الفيء كل ما صار من أموال المشركين إلى المسلمين بقتال أو بغير قتال إذ كان سبب أخذه الكفر قال أصحابنا الجزية فيء والخراج وما يأخذه الإمام من العدو على وجه الهدنة والموادعة فهو فيء أيضا وقال الله عز وجل( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ) الآية فقيل إن هذا فيما لم يوجف عليه المسلمون مثل فدك وما أخذ من أهل نجران فكان للنبي صلّى الله عليه وآله وسلم صرفه في هذه الوجوه وقيل إن هذه كانت في الغنائم فنسخت بقوله تعالى( واعلموا أنما غنمتم من شىء فأن لله خمسه ) وجائز عندنا أن لا تكون منسوخة وأن تكون آية الغنيمة فيما أوجف عليه المسلمون بخيل أو ركاب وظهر عليهم بالقتال وآية الفيء التي في الحشر فيما لم يوجف عليه المسلمون وأخذ منهم على وجه الموادعة والهدنة كما فعل النبي صلّى الله عليه وآله وسلم بأهل نجران وفدك وسائر ما أخذه منهم بغير قتال والله أعلم بالصواب.

باب التوارث بالهجرة

قال الله تعالى( إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شىء حتى يهاجروا ) الآية حدثنا جعفر بن محمد الواسطي قال حدثنا جعفر ابن محمد بن اليمان قال حدثنا أبو عبيدة قال حدثنا حجاج عن ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء الخراساني عن ابن عباس في قوله تعالى( إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ) الآية قال كان المهاجر لا يتولى الأعرابى ولا يرثه وهو مؤمن ولا يرث الأعرابى المهاجر فنسختها( وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) وروى عبد الرحمن بن عبد الله بن المسعودي عن القاسم قال آخى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين الصحابة وآخى بين عبد الله بن مسعود والزبير بن العوام أخوة يتوارثون بها

٢٦١

لأنهم هاجروا وتركوا أقرباءهم حتى أنزل الله آية المواريث* قال أبو بكر اختلف السلف في أن التوارث كان ثابتا بينهم بالهجرة والأخوة التي آخى بها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم بينهم دون الأرحام وأن ذلك مراد هذه الآية وأن قوله تعالى( أولئك بعضهم أولياء بعض ) قد أريد به إيجاب التوارث بينهم وأن قوله( ما لكم من ولايتهم من شىء حتى يهاجروا ) قد نفى إثبات التوارث بينهم بنفيه الموالاة بينهم وفي هذا دلالة على أن إطلاق الموالاة يوجب التوارث وإن كان قد يختص به بعضهم دون جميعهم على حسب وجود الأسباب المؤكدة له كما أن النسب سبب يستحق به الميراث وإن كان بعض ذوى الأنساب أولى به في بعض الأحوال لتأكد سببه وفي هذا دليل على أن قوله تعالى( ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا ) موجب لإثبات القود لسائر ورثته وأن النساء والرجال في ذلك سواء لتساويهم في كونهم من مستحقي ميراثه ويدل أيضا على أن الولاية في النكاح مستحقة بالميراث وأن قوله صلّى الله عليه وآله وسلم لا نكاح إلا بولي مثبت للولاية لجميع من كان من أهل الميراث على حسب القرب وتأكيد السبب وأنه جائز للأم تزويج أولادها الصغار إذا لم يكن لهم أب على ما يذهب إليه أبو حنيفة إذ كانت من أهل الولاية في الميراث* وقد كانت الهجرة فرضا حين هاجر النبي صلّى الله عليه وآله وسلم إلى أن فتح النبي صلّى الله عليه وآله وسلم مكة فقال لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية فنسخ التوارث بالهجرة بسقوط فرض الهجرة وأثبت التوارث بالأنساب بقوله تعالى( وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) قال الحسن كان المسلمون بتوارثون بالهجرة حتى كثر المسلمون فأنزل الله تعالى( وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض ) فتوارثوا بالأرحام وروى الأوزاعى عن عبدة عن مجاهد عن ابن عمر قال انقطعت الهجرة بعد الفتح وروى الأوزاعى أيضا عن عطاء ابن أبى رباح عن عائشة مثله وزاد فيه ولكن جهاد ونية وإنما كانت الهجرة إلى الله ورسوله والمؤمنون يفرون بدينهم من أن يفتنوا عنه وقد أذاع الله الإسلام وافشاء فتضمنت هذه الآية إيجاب التوارث بالهجرة والمؤاخاة دون الأنساب وقطع الميراث بين المهاجرين وبين من لم يهاجر واقتضى أيضا إيجاب نصرة المؤمن الذي لم يهاجر إذا استنصر المهاجر على من لم يكن بينهم وبينه عهد بقوله تعالى( وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق ) وقد روى في قوله تعالى( ما لكم من ولايتهم

٢٦٢

من شىء حتى يهاجروا ) ما قد بينا ذكره في نفى الميراث عن ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة في آخرين وقيل إنه أراد نفى إيجاب النصرة فلم تكن حينئذ على المهاجر نصرة ومن لم يهاجر إلا أن يستنصر فتكون عليه نصرته إلا على من كان بينه وبينه عهد فلا ينقض عهده وليس يمتنع أن يكون نفى الولاية مقتضيا للأمرين جميعا من نفى التوارث والنصرة ثم نسخ نفى الميراث بإيجاب التوارث بالأرحام مهاجرا كان أو غير مهاجر وإسقاطه بالهجرة فحسب ونسخ نفى إيجاب النصرة بقوله تعالى( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ) وقوله تعالى( والذين كفروا بعضهم أولياء بعض ) قال ابن عباس والسدى يعنى في الميراث وقال قتادة في النصرة والمعاونة وهو قول ابن إسحاق* قال أبو بكر لما كان قوله تعالى( إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا ـ إلى قوله ـأولئك بعضهم أولياء بعض ) موجبا لإثبات التوارث بالهجرة وكان قوله تعالى( والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شىء حتى يهاجروا ) نافيا للميراث وجب أن يكون قوله تعالى( والذين كفروا بعضهم أولياء بعض ) موجبا لإثبات التوارث بينهم لأن الولاية قد صارت عبارة عن إثبات التوارث بينهم فاقتضى عمومه إثبات التوارث بين سائر الكفار بعضهم من بعض مع اختلاف مللهم لأن الاسم يشملهم ويقع عليهم ولم يفرق الآية بين أهل الملل بعد أن يكونوا كفارا ويدل أيضا على إثبات ولاية الكفار على أولادهم الصغار لاقتضاء اللفظ له في جواز النكاح والتصرف في المال في حال الصغر والجنون* وقوله تعالى( إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ) يعنى والله أعلم إن تفعلوا ما أمرتم به في هاتين الآيتين من إيجاب الموالاة والتناصر والتوارث بالأخوة والهجرة ومن قطعها بترك الهجرة تكن فتنة في الأرض وفساد كبير وهذا مخرجه مخرج الخبر ومعناه الأمر وذلك لأنه إذا لم يتول المؤمن الفاضل على ظاهر حاله من الإيمان والفضل بما يدعو إلى مثل حاله ولم يتبرأ من الفاجر والضال بما يصرف عن ضلاله وفجوره أدى ذلك إلى الفساد والفتنة قوله تعالى( وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) نسخ به إيجاب التوارث وبالهجرة والحلف والموالاة ولم يفرق فيه بين العصبات وغيرهم فهو حجة في إثبات ميراث ذوى الأرحام الذين لا تسمية لهم ولا تعصيب وقد ذكرنا فيما سلف في سورة النساء وذهب عبد الله بن مسعود إلى أن ذوى الأرحام أولى من مولى

٢٦٣

العتاقة واحتج فيه بظاهر الآية وليس هو كذلك عند سائر الصحابة وقد روى أن ابنة حمزة اعتقت عبدا ومات وترك بنتا فجعل النبي صلّى الله عليه وآله وسلم نصف ميراثه لابنته ونصفه لابنه حمزة بالولاية فجعلها عصبة والعصبة أولى بالميراث من ذوى الأرحام وقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب * وقوله تعالى( فى كتاب الله ) قيل فيه وجهان أحدهما في اللوح المحفوظ كما قال( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها ) والثاني في حكم الله تعالى.

سورة براءة

قال الله تعالى( براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين ) قال أبو بكر البراءة هي قطع الموالاة وارتفاع العصمة وزوال الأمان وقيل إن معناه هذه براءة من الله ورسوله ولذلك ارتفع وقيل هو ابتداء وخبره الظرف في إلى فاقتضى قوله عز وجل( براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين ) نقض العهد الذي كان بين النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وبينهم ورفع الأمان وإعلام نصب الحرب والقتال بينه وبينهم وهو على نحو قوله تعالى( وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء ) فكان ما ذكر في هذه الآية من البراءة نبذا إليهم ورفعا للعهد وقيل إن ذلك كان خاصا فيمن أضمروا الخيانة وهموا بالغدر وكان حكم هذا اللفظ أن يرفع العهد في حال ذكر ذلك لهم إلا أنه لما عقبه بقوله تعالى( فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ) بين به أن هذه البراءة وهذا النبذ إليهم إنما هي بعد أربعة أشهر وأن عهد ذوى العهد من هذا القبيل منهم باق إلى آخر هذه المدة قال الحسن فمن كان منهم عهده أكثر من أربعة أشهر حط إليها ومن كان منهم عهده أقل رفع إليها وقيل إن هذه الأربعة الأشهر التي هي أشهر العهد أولها من عشرين من ذي القعدة وذو الحجة والمحرم وصفر وعشرة أيام من شهر ربيع الأول لأن الحج في تلك السنة التي حج فيها أبو بكر وقرأ فيها على بن أبى طالب سورة براءة على الناس بمكة بأمر النبي صلّى الله عليه وآله وسلم كان في ذي القعدة ثم صار الحج في السنة الثانية وهي السنة التي حج فيها النبي صلّى الله عليه وآله وسلم في في ذي الحجة وهو الوقت الذي وقته الله تعالى للحج لأن المشركين كانوا ينسئون الشهور فاتفق عود الحج في السنة التي حج فيها النبي صلّى الله عليه وآله وسلم إلى الوقت الذي فرضه الله تعالى فيه بديا على إبراهيم وأمره فيه بدعاء الناس إليه بقوله( وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا )

٢٦٤

ولذلك قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وهو واقف بعرفات ألا إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السموات والأرض فثبت الحج في اليوم التاسع من ذي الحجة وهو يوم عرفة والنحر وهو اليوم العاشر منه فهذا قول من يقول إن الأربعة الأشهر التي جعلها للسياحة وقطع بمضيها عصمة المشركين وعهدهم وقد قيل في جواز نقض العهد قبل مضى مدته على جهة النبذ إليهم وإعلامهم نصب الحرب وزوال الأمان وجوه أحدها أن يخاف غدرهم وخيانتهم والآخر أن يثبت غدرهم سرا فينبذ إليهم ظاهرا والآخر أن يكون في شرط العهد أن يقرهم على الأمان ما يشاء وينقضه متى شاء كما قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم لأهل خيبر أقركم ما أقركم الله والآخر أن العهد المشروط إلى مدة معلومة فيه ثبوت الأمان من حربهم وقتالهم من غير علمهم وأن لا يقصدوا وهم غارون وأنه متى أعلمهم رفع الأمان من حربهم فذلك جائز لهم وذلك معلوم في مضمون العهد وسواء خاف غدرهم أو لم يخف وكان في شرط العهد أن لناقضه متى شئنا أو لم يكن فإن لنا متى رأينا ذلك خطا للإسلام أن ننبذ إليهم وليس ذلك بغدر منا ولا خيانة ولا خفر للعهد لأن خفر الأمان والعهد أن يأتيهم بعد الأمان وهم غارون بأماننا فأما متى نبذنا إليهم فقد زال الأمان وعادوا حربا ولا يحتاج إلى رضاهم في نبذ الأمان إليهم ولذلك قال أصحابنا أن للإمام أن يهادن العدو إذا لم تكن بالمسلمين قوة على قتالهم فإن قوى المسلمون وأطاقوا قتالهم كان له أن ينبذ إليهم ويقاتلهم وكذلك كل ما كان فيه صلاح للمسلمين فللإمام أن يفعله وليس جواز رفع الأمان موقوفا على خوف الغدر والخيانة من قبلهم وقد روى عن ابن عباس أن هذه الأربعة الأشهر الحرم هي رجب وذو القعدة وذو الحجة إلى آخر المحرم وقد كانت سورة براءة نزلت حين بعث النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أبا بكر على الحج وكان الحج في تلك السنة في ذي القعدة فكأنهم على هذا القول إنما بقي عهدهم إلى آخر الأربعة الأشهر التي هي أشهر الحرم وقد روى جرير بن عن مغيرة عن الشعبي عن المحرر بن أبى هريرة عن أبيه قال كنت مع على حين بعثه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ببراءة إلى المشركين فكنت أنادى حتى صحل صوتي وكان أمرنا أن نقول لا يحجن بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ولا يدخل الجنة إلا مؤمن ومن كان بينه وبين رسول الله عهد فأجله إلى أربعة أشهر فإذا مضت الأربعة الأشهر فان الله برىء من المشركين ورسوله وجائز أن تكون هذه الأربعة الأشهر من وقت

٢٦٥

ندائه وإعلامهم إياه وجائز أن يريد بها تمام أربعة أشهر من الأشهر الحرم وقد روى سفيان عن أبى إسحاق عن زيد بن يثيع عن على أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم بعثه يوم الحج الأكبر أن لا يطوف أحد بالبيت عريانا ولا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة ولا يحج مشرك بعد عامه هذا ومن كان بينه وبين النبي صلّى الله عليه وآله وسلم عهد فاجعله إلى مدته فجمل في حديث على من له عهد عهده إلى أجله ولم يخصص أربعة أشهر من غيره وقال في حديث أبى هريرة فعهده إلى أربعة أشهر وجائز أن يكون المعنيان صحيحين وأن يكون جعل أجل بعضهم أربعة أشهر أو تمام أربعة أشهر التي هي أشهر الحرم وجعل أجل بعضهم إلى مدته طالت المدة أو قصرت وذكر الأربعة الأشهر في حديث أبى هريرة موافق لقوله تعالى( فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ) وذكر إثبات المدة التي أجلها في حديث على موافق لقوله تعالى( إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم ) فكان أجل بعضهم وهم الذين خيف غدرهم وخيانتهم أربعة أشهر وأجل من لم يخش غدرهم إلى مدته وقد روى يونس عن أبى إسحاق قال بعث النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أميرا على الحج من سنة تسع فخرج أبو بكر ونزلت براءة في نقض ما بين رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم والمشركين من العهد الذي كانوا عليه فيما بينه وبينهم أن لا يصد عن البيت أحد ولا يخاف أحد في الشهر الحرام وكان ذلك عهدا عاما بينه وبين أهل الشرك وكانت بين ذلك عهود بين رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وبين قبائل العرب خصائص إلى أجال مسماة فنزلت( براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين ) أهل العهد العام من أهل الشرك من العرب( فسيحوا في الارض اربعة أشهر ) أن الله برىء من المشركين بعده هذه الحجة وقوله( إلا الذين عاهدتم من المشركين ) يعنى العهد الخاص إلى الأجل المسمى( فإذا انسلخ الأشهر الحرم ) يعنى الأربعة التي ضربه لهم أجلا وقوله( إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام ) من قبائل بنى بكر الذين كانوا دخلوا في عهد قريش يوم الحديبية إلى المدة التي كانت بين رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وبين قريش فلم يكن نقضها إلا هذا الحي من قريش وبنو الدئل فأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم بإتمام العهد لمن لم يكن نقضه من بنى بكر إلى مدته( فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم ) وروى معاوية بن صالح عن على بن أبى طلحة عن ابن عباس في قوله( فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ) قال جعل الله للذين عاهدوا رسول

٢٦٦

الله صلّى الله عليه وآله وسلم أربعة أشهر يسيحون فيها حيث شاءوا وأجل من ليس له عهد انسلاخ الأشهر الحرم خمسين ليلة وأمره إذا انسلخ الأشهر الحرم أن يضع السيف فيمن عاهدوا ولم يدخلوا في الإسلام ونقض ما سمى لهم من العهد والميثاق* قال أبو بكر جعل ابن عباس في هذا الحديث الأربعة الأشهر التي هي أشهر العهد لمن كان له منهم عهد ومن لم يكن منهم عهد جعل أجله انسلاخ المحرم وهو تمام خمسين ليلة من وقت الحج وهو العشر من ذي الحجة وذلك آخر وقت أشهر الحرم وروى ابن جريج عن مجاهد في قوله( براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين ) إلى أهل العهد من خزاعة ومدلج ومن كان له عهد من غيرهم قال ثم بعث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم أبا بكر وعليا فآذنوا أصحاب العهود أن يأمنوا أربعة أشهر وهي الأشهر الحرم المتواليات من عشر من ذي الحجة إلى عشر يخلو من شهر ربيع الآخر ثم لا عهد لهم قال وهي الحرم من أجل أنهم آمنوا فيها قال أبو بكر فجعل مجاهد الأشهر الحرم في أشهر العهد وذهب إلى أنها إنما سميت بذلك لتحريم القتال فيها وليست هي الأشهر التي قال الله فيها( أربعة حرم ) وقال( يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه ) لأنه لا خلاف أن هذه الأشهر هي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب وكذلك قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم والذي قاله مجاهد في ذلك محتمل وقال السدى( فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ) قال عشرون يبقى من ذي الحجة إلى عشر من ربيع الآخر ثم لا أمان لأحد ولا عهد إلا الإسلام أو السيف وحدثنا عبد الله بن إسحاق المروزى حدثنا الحسن بن أبى الربيع الجرجانى أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري في قوله( فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ) قال نزلت في شوال وهي أربعة أشهر شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم وقال قتادة عشرون من ذي الحجة والمحرم وصفر وربيع الأول وعشر من ربيع الآخر كان ذلك في العهد الذي بينهم قال أبو بكر قول قتادة موافق لقول مجاهد الذي حكيناه أما قول الزهري فأظنه وهما لأن الرواة لم يختلفوا أن سورة براءة نزلت في ذي الحجة في الوقت الذي بعث النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أبا بكر على الحج ثم نزلت بعد خروجه سورة براءة فثبت بها مع على ليقرأها على الناس فثبت بما ذكرنا من هذه الأخبار أنه قد كان بين النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وبين المشركين عهد عام وهو أن لا يصد أحدا منهم عن البيت ولا يخاف أحد في الشهر الحرام فجعل الله تعالى عهدهم أربعة أشهر بقوله تعالى( فسيحوا في الأرض

٢٦٧

أربعة أشهر ) وكان بينه وبين خواص منهم عهود إلى آجال مسماة وأم بالوفاء لهم وإتمام عهودهم إلى مدتهم إذا لم يخش غدرهم وخيانتهم وهو قوله تعالى( إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم ) وهذا يدل على أن مدتهم إما أن تكون إلى آخر الأشهر الحرم التي قد كان الله تعالى حرم القتال فيها وجائز أن تكون مدتهم إلى آخر الأربعة الأشهر من وقت النبذ إليهم وهو يوم النحر وأخره عشر مضين من شهر ربيع الآخر فسماها الأشهر الحرم على ما ذكره مجاهد لتحريم القتال فيها فلم يكن لأحد منهم بعد ذلك عهد وأوجب بمضى هذه المدة دفع العهود كلها سواء من كان له منهم عهد خاص أو سائر المشركين الذين عمهم عهده في ترك منعهم من البيت وحظره قتلهم في أشهر الحرم وجائز أن يكون مراده انسلاخ المحرم الذي هو آخر الأشهر الحرم التي كان الله تعالى حظره القتال فيها وقد رويناه عن ابن عباس قوله تعالى( وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر ) يعنى إعلام من الله ورسوله يقال أذننى بكذا أى أعلمنى فعلمت واختلف في يوم الحج الأكبر فروى عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم في بعض الأخبار أنه يوم عرفة وعن على وعمرو ابن عباس وعطاء ومجاهد نحو ذلك على اختلاف من الرواية فيه وروى أيضا عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أنه يوم النحر وعن على وابن عباس وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن أبى أو في وإبراهيم وسعيد بن جبير على اختلاف فيه من الرواة وعن مجاهد وسفيان الثوري أيام الحج كلها وهذا شائع كما يقال يوم صفين وقد كان القتال في أيام كثيرة وروى حماد عن مجاهد أيضا قال الحج الأكبر القران والحج الأصغر الإفراد وقد ضعف هذا التأويل من قبل أنه يوجب أن يكون للإفراد يوم بعينه وللقران يوم بعينه وقد علم أن يوم القران هو يوم الإفراد للحج فتبطل فائدة تفضيل اليوم الحج الأكبر فكان يجب أن يكون النداء بذلك في يوم القران وقوله تعالى( يوم الحج الأكبر ) لما كان يوم عرفة أو يوم النحر وكان الحج الأصغر العمرة وجب أن يكون أيام الحج غير أيام العمرة فلا تفعل العمرة في أيام الحج وقد روى عن ابن سيرين أنه قال إنما قال( يوم الحج الأكبر ) لأن أعياد الملل اجتمعت فيه وهو العام الذي حج فيه النبي صلّى الله عليه وآله وسلم فقيل هذا غلط لأن الإذن بذلك كانت في السنة التي حج فيها أبو بكر ولأنه في السنة التي حج فيها النبي صلّى الله عليه وآله وسلم لم يحج فيها المشركون لتقدم النهى عن ذلك في السنة

٢٦٨

الأولى وقال عبد الله بن شداد الحج الأكبر يوم النحر والحج الأصغر العمرة وعن ابن عباس العمر هي الحجة الصغرى وعن عبد الله بن مسعود مثله قال أبو بكر قوله( الحج الأكبر) قد اقتضى أن يكون هناك حج أصغر وهو العمرة على ما روى عن عبد الله بن شداد وابن عباس وقد روى عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أنه قال العمرة الحجة الصغرى وإذا ثبت أن اسم الحج يقع على العمرة ثم قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم للأقرع بن حابس حين سأله فقال الحج في كل عام أو حجة واحدة فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم لا بل حجة واحدة وهذا يدل على نفى وجوب العمرة لنفى النبي الوجوب إلا في حجة واحدة وقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم الحج عرفة وهذا يدل على أن يوم الحج الأكبر هو يوم عرفة ويحتمل أن يكون يوم النحر لأن فيه تمام قضاء المناسك والتفث ويحتمل أيام منى على ما روى عن مجاهد وخصه بالأكبر لأنه مخصوص بفعل الحج فيه دون العمرة وقد قيل إن يوم النحر أولى بأن يكون يوم الحج الأكبر من يوم عرفة لأنه اليوم الذي يجتمع فيه الحج لقضاء المناسك وعرفة قد يأتيها بعضهم ليلا وبعضهم نهارا وأما النداء بسورة براءة فجائز أن يكون يوم عرفة وجائز يوم النحر قال الله تعالى( فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) روى معاوية بن صالح عن على بن أبى طلحة عن ابن عباس في قوله( لست عليهم بمصيطر ) وقوله( وما أنت عليهم بجبار ) وقوله تعالى( فاعف عنهم واصفح ) وقوله( قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ) قال نسخ هذا كله قوله تعالى( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) وقوله تعالى( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ) الآية وقال موسى بن عقبة قد كان النبي صلّى الله عليه وآله وسلم قبل ذلك يكف عمن لم يقاتله بقوله تعالى( وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا ) ثم نسخ ذلك بقوله( براءة من الله ورسوله ) ثم قال( فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين ) قال أبو بكر عمومه يقتضى قتل سائر المشركين من أهل الكتاب وغيرهم وأن لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف إلا أنه تعالى خص أهل الكتاب بإقرارهم على الجزية بقوله تعالى( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ) الآية وأخذ النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أنه كان إذا بعث سرية قال إذا لقيتم المشركين فادعوهم إلى الإسلام فإن أبوا فادعوهم إلى أداء الجزية فإن فعلوا فخذوه منهم وكفوا عنهم وذلك عموم في سائر المشركين

٢٦٩

فحصصنا منه لم يكن من مشركي العرب بالآية وصار قوله تعالى( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) خاصا في مشركي العرب دون غيرهم وقوله تعالى( وخذوهم واحصروهم ) يدل على حبسهم بعد الأخذ والاستبقاء بقتلهم انتظارا لإسلامهم لأن الحصر هو الحبس ويدل أيضا على جواز حصر الكفار في حصونهم ومدنهم إن كان فيهم من لا يجوز قتله من النساء والصبيان وأن يلقوا بالحصار قوله تعالى( فاقتلوا المشركين ) يقتضى عمومه جواز قتلهم على سائر وجوه القتل إلا أن السنة قد وردت بالنهى عن المثلة وعن قتل الصبر بالنبل ونحوه وقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أعف الناس قتلة أهل الإيمان وقال إذا قتلتم فأحسنوا القتلة وجائز أن يكون أبو بكر الصديق رضى الله عنه حين قتل أهل الردة بالإحراق والحجارة والرمي من رءوس الجبال والتنكيس في الأبار إنما ذهب فيه إلى ظاهر الآية وكذلك على بن أبى طالب رضى الله عنه حين أحرق قوما مرتدين جائز أن يكون اعتبر عموم الآية.

قوله عز وجل( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ) لا يخلوا قوله تعالى( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ) من أن يكون وجود هذه الأفعال منهم شرطا في زوال القتل عنهم ويكون قبول ذلك والانقياد لأمر الله تعالى فيه هو الشرط دون وجود الفعل ومعلوم أن وجود التوبة من الشرك شرط لا محالة في زوال القتل ولا خلاف أنهم لو قبلوا أمر الله في فعل الصلاة والزكاة ولم يكن الوقت وقت صلاة أنهم مسلمون وأن دمائهم محظورة فعلمنا أن شرط زوال القتل عنهم هو قبول أوامر الله والاعتراف بلزومها دون فعل الصلاة والزكاة ولأن إخراج الزكاة لا يلزم بنفس الإسلام إلا بعد حول فغير جائز أن يكون إخراج الزكاة شرطا في زوال القتل وكذلك فعل الصلاة ليس بشرط فيه وإنما شرطه قبول هذه الفرائض والتزامها والاعتراف بوجوبها فإن قيل لما قال الله تعالى( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ) فشرط مع التوبة قبل الصلاة والزكاة ومعلوم أن التوبة إنما هي الإقلاع عن الكفر والرجوع إلى الإيمان فقد عقل بذكره التوبة التزام هذه الفرائض والاعتراف بها إذ لا تصح التوبة إلا به ثم لما شرط مع التوبة الصلاة والزكاة دل على أن المعنى المزيل للقتل هو اعتقاد الإيمان بشرائطه وفعل الصلاة والزكاة فأوجب ذلك قتل تارك الصلاة والزكاة في وقت وجوبهما

٢٧٠

وإن كان معتقدا للإيمان معترفا بلزوم شرائعه قيل له لو كان فعل الصلاة والزكاة من شرائط زوال القتل لما زال القتل عمن أسلم في غير وقت الصلاة وعم لم يؤد زكاته مع إسلامه فلما اتفق الجميع على زوال القتل عمن وصفنا أمره بعد اعتقاده للإيمان للزوم شرائعه ثبت بذلك أن فعل الصلاة والزكاة ليس من شرائط زوال القتل وأن شرطه إظهار الإيمان وقبول شرائعه ألا ترى أن قبول الإيمان والتزام شرائعه لما كان شرطا في ذلك لم يزل عنه القتل عند إخلاصه ببعض ذلك وقد كانت الصحابة سبت ذراري مانعي الزكاة وقتلت مقاتلتهم وسموهم أهل الردة لأنهم امتنعوا من التزام الزكاة وقبول وجوبها فكانوا مرتدين بذلك لأن من كفر بآية من القرآن فقد كفر به كله وعلى ذلك أجرى حكمهم أبو بكر الصديق مع سائر الصحابة حين قاتلوهم ويدل على أنهم مرتدون بامتناعهم من قبول فرض الزكاة ما روى معمر عن الزهري عن أنس قال لما توفى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ارتدت العرب كافة فقال عمر يا أبا بكر أتريد أن تقاتل العرب كافة فقال أبو بكر إنما قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم إذا شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة منعونى دماءهم وأموالهم والله لو منعونى عقالا مما كانوا يعطون إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم لقاتلتهم عليه وروى مبارك بن فضالة عن الحسن قال ما قبض رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ارتدت العرب عن الإسلام إلا أهل المدينة فنصب أبو بكر لهم الحرب فقالوا فإذا تشهد أن لا إله إلا الله ونصلى ولا نزكى فمشى عمر والبدريون إلى أبى بكر وقالوا دعهم فإنهم إذا استقر الإسلام في قلوبهم وثبت أدوا فقال والله لو منعونى عقالا مما أخذ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم لقتالتهم عليه وقاتل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم على ثلاث شهادة أن لا إله إلا الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وقال الله تعالى( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ) والله لا أسئل فوقهن ولا أقصر دونهن فقالوا له يا أبا بكر نحن نزكى ولا ندفعها إليك فقال لا والله حتى آخذها كما أخذها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وأضعها مواضعها وروى حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن سيرين مثله وروى الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبى هريرة قال لما قبض رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم واستخلف أبو بكر وارتد من ارتد من العرب بعث أبو بكر لقتال من ارتد عن الإسلام فقال له عمر يا أبا بكر ألم تسمع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم يقول أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا فعلوا ذلك عصموا

٢٧١

منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله فقال لو منعونى عقالا مما كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم لقاتلتهم عليه فأخبر جميع هؤلاء الرواة إن الذين ارتدوا من العرب إنما كان ردتهم من جهة امتناعهم من أداء الزكاة وذلك عندنا على أنهم امتنعوا من أداء الزكاة على جهة الرد لها وترك قبولها فسموا مرتدين من أجل ذلك وقد أخبر أبو بكر الصديق أيضا في حديث الحسن أنه يقاتلهم على ترك التزامها والاعتراف بوجوبها مرتد وأن مانعها من الإمام بعد الاعتراف بها يستحق القتال فثبت أن من أدى صدقة مواشيه إلى الفقراء إن الإمام لا يحتسب له بها وأنه متى امتنع من دفعها إلى الإمام قاتله عليها وكذلك قال أصحابنا في صدقات المواشي وأما زكاة الأموال فإن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وأبا بكر وعمر قد كانوا يأخذونها كما يأخذون صدقات المواشي فلما كان أيام عثمان خطب الناس فقال هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليؤده ثم ليزك بقية ماله فجعل الأداء إلى أرباب الأموال وصاروا بمنزلة الوكلاء للإمام في أدائها وهذا الذي فعله أبو بكر في مانعي الزكاة بموافقة الصحابة إياه كان من غير خلاف منهم بعد ما تبينوا صحة رأيه واجتهاده في ذلك ويحتج من أوجب قتل تارك الصلاة ومانع الزكاة عامدا بهذه الآية وزعم أنها توجب قتل المشرك إلا أن يؤمن ويقيم الصلاة ويؤتى الزكاة وقد بينا المعنى في قوله تعالى( وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ) وأن المراد قبول لزومهما والتزام فرضهما دون فعلهما وأيضا فليس في الآية ما ادعوا من الدلالة على ما ذهبوا إليه من قبل أنها إنما أوجبت قتل المشركين ومن تاب من الشرك ودخل في الإسلام والتزم فروضه وأقربها فهو غير مشرك باتفاق فلم تقتض الآية قتله إذ كان حكمها مقصورا في إيجاب القتل على من كان مشركا وتارك الصلاة ومانع الزكاة ليس بمشرك فإن قالوا إنما أزال القتل عنه بشرطين أحدهما التوبة وهي الإيمان وقبول شرائعه والوجه الثاني فعل الصلاة وأداء الزكاة قيل له إنما أوجب بديا قتل المشركين بقوله تعالى( فاقتلوا المشركين ) فمتى زالت عنهم سمة الشرك فقد وجب زوال القتل ويحتاج في إيجابه إلى دلالة أخرى من غيره فإن قال هذا يؤدى إلى إبطال فائدة ذكر الشرطين في الآية قيل له ليس الأمر على ما ظننت وذلك

٢٧٢

لأن الله تعالى إنما جعل هذين القربين من فعل الصلاة وإيتاء الزكاة شرطا في وجوب تخلية سبيلهم لأنه قال( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ) وذلك بعد ذكره القتل للمشركين بالحصر فإذا زال القتل بزوال سمة الشرك فالحصر والحبس باق لترك الصلاة ومنع الزكاة لأن من ترك الصلاة عامدا وأصر عليه ومنع الزكاة جاز للإمام حبسه فحينئذ لا يجب تخليته إلا بعد فعل الصلاة وأداء الزكاة فانتظمت الآية حكم إيجاب قتل المشرك وحبس تارك الصلاة ومانع الزكاة بعد الإسلام حتى يفعلهما قوله تعالى( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ) قد اقتضت هذه الآية جواز أمان الحربي إذا طلب ذلك منا ليسمع دلالة صحة الإسلام لأن قوله تعالى( استجارك ) معناه استأمنك وقوله تعالى( فأجره ) معناه فأمنه حتى يسمع كلام الله الذي فيه الدلالة على صحة التوحيد وعلى صحة نبوة النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وهذا يدل على أن الكافر إذا طلب منا إقامة الحجة عليه وبيان دلائل التوحيد والرسالة حتى يعتقدهما لحجة ودلالة كان علينا إقامة الحجة وبيان توحيد الله وصحة نبوة النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وأنه غير جائز لنا قتله إذا طلب ذلك منا إلا بعد بيان الدلالة وإقامة الحجة لأن الله قد أمرنا بإعطائه الأمان حتى يسمع كلام الله وفيه الدلالة أيضا على أن علينا تعليم كل من التمس منا تعريفه شيئا من أمور الدين لأن الكافر الذي استجارنا ليسمع كلام الله إنما قصد التماس معرفة صحة الدين وقوله تعالى( ثم أبلغه مأمنه ) يدل على أن على الإمام حفظ هذا الحربي المستجير وحياطته ومنع الناس من تناوله بشر لقوله( فأجره ) وقوله( ثم أبلغه مأمنه ) وفي هذا دليل أيضا على أن على الإمام حفظ أهل الذمة والمنع من أذيتهم والتخطي إلى ظلمهم وفيه الدلالة على أنه لا يجوز إقرار الحربي في دار الإسلام مدة طويلة وأنه لا يترك فيها إلا بمقدار قضاء حاجته لقوله تعالى( حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ) فأمر برده إلى دار الحرب بعد سماعه كلام الله وكذلك قال أصحابنا لا ينبغي للإمام أن يترك الحربي في دار الإسلام مقيما بغير عذر ولا سبب يوجب إقامته وأن عليه أن يتقدم إليه بالخروج إلى داره فإن أقام بعد التقدم إليه سنة في دار الإسلام صار ذميا ووضع عليه الخراج قوله تعالى( كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام ) قال أبو بكر ابتداء السورة يذكر قطع العهد بين النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وبين المشركين بقوله( براءة من

٢٧٣

الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين ) وقد قيل إن هؤلاء قد كان بينهم وبين النبي عهد فغدروا وأسروا وهموا به فأمر الله نبيه بالنبذ إليهم ظاهرا وفسح لهم في مدة أربعة أشهر بقوله( فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ) وقيل إنه أراد العهد الذي كان بينه وبين المشركين عامة في أن لا يمنع أحد من المشركين من دخوله مكة للحج وأو لا يقاتلوا ولا يقتلوا في الشهر الحرام فكان قول( براءة من الله ورسوله ) في أحد هذين الفريقين ثم استثنى من هؤلاء قوما كان بينهم وبين رسول الله عهد خاص ولم يغدروا ولم يهموا به فقال( إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم ) ففرق بين حكم هؤلاء الذين ثبتوا على عهدهم ولم ينقصوكم ولم يعاونوا أعداءهم عليهم وأمر بإتمام عهدهم إلى مدتهم وأمر بالنبذ إلى الأولين وهم أحد فريقين من غادر قاصدا إليه أو لم يكن بينه وبين النبي صلّى الله عليه وآله وسلم عهد خاص في سائر أحواله بل في دخول مكة الحج والأمان في الأشهر الحرم الذي كان يأمن فيه جميع الناس* وقوله تعالى( ولم يظاهروا عليكم أحدا ) يدل على أن المعاهد متى عاون علينا عدوا لنا فقد نقض عهده ثم قال تعالى( فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين ) فرفع بعد انقضاء أشهر الحرم عهد كل ذي عهد من خاص ومن عام ثم قال تعالى( كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله ) لأنهم غدروا ولم يستقيموا ثم استثنى منهم الذين عاهدوهم عند المسجد الحرام قال أبو إسحاق هم قوم من بنى كنانة وقال ابن عباس هم من قريش وقال مجاهد هم من خزاعة فأمر المسلمين بالوفاء بعهدهم ما استقاموا لهم في الوفاء به وجائز أن تكون مدة هؤلاء في العهد دون مضى أشهر الحرم لأنه قال( فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) وعمومه يقتضى رفع سائر العهود التي كانت بين المسلمين والكفار وجائز أن تكون مدة عهدهم بعد انقضاء الأشهر الحرم وكانوا مخصوصين ممن أمروا بقتلهم بعد انسلاخ الأشهر الحرم وإن ذلك إنما كان خاصا في قوم منهم كانوا أهل غدر وخيانة لأنه قال( فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم ) يدل على أن من أظهر لنا الإيمان وأقام الصلاة وآتى الزكاة فعلينا موالاته في الدين على ظاهر أمره مع وجود أن يكون اعتقاده في المغيب خلافه* قوله تعالى( وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم

٢٧٤

فقاتلوا أئمة الكفر ) فيه دلالة على أن أهل العهد متى خالفوا شيئا مما عوهدوا عليه وطعنوا في ديننا فقد نقضوا العهد وذلك لأن نكث الأيمان يكون بمخالفة بعض المحلوف عليه إذا كانت اليمين فيه على وجه النفي كقوله والله لا كلمت زيدا ولا عمرو ولا دخلت هذه الدار ولا هذه أيهما فعل حنث ونكث يمينه ثم لما ضم إلى ذلك الطعن في الدين دل على أن أهل العهد من شروط بقاء عهدهم تركهم للطعن في ديننا وإن أهل الذمة ممنوعون من إظهار الطعن في دين المسلمين وهو يشهد لقول من يقول من الفقهاء إن من أظهر شتم النبي صلّى الله عليه وآله وسلم من أهل الذمة فقد نقض عهده ووجب قتله وقد اختلف الفقهاء في ذلك فقال أصحابنا يعزر ولا يقتل وهو قول الثوري وروى ابن القاسم عن مالك فيمن شتم النبي صلّى الله عليه وآله وسلم من اليهود والنصارى قتل إلا أن يسلم وروى الوليد بن مسلم عن الأوزاعى ومالك فيمن سب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم قالا هي ردة يستتاب فإن تاب نكل وإن لم يتب قتل قال يضرب مائة ثم يترك حتى إذا هن برىء ضرب مائة ولم يذكر فرقا بين المسلم والذمي وقال الليث في المسلم يسب النبي صلّى الله عليه وآله وسلم إنه لا يناظر ولا يستتاب ويقتل مكانه وكذلك اليهود والنصارى وقال الشافعى ويشترط على المصالحين من الكفار أن من ذكر كتاب الله أو محمدا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم بما لا ينبغي أو زنى بمسلمة أو أصابها باسم نكاح أو فتن مسلما عن دينه أو قطع عليه طريقا أو أعان أهل الحرب بدلالة على المسلمين أو آوى عينا لهم فقد نقض عهده وأحل دمه وبرئت منه ذمة الله وذمة رسوله وظاهر الآية يدل على أن من أظهر سب النبي صلّى الله عليه وآله وسلم من أهل العهد فقد نقض عهده لأنه قال تعالى( وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر ) فجعل الطعن في ديننا بمنزلة نكث الأيمان إذ معلوم أنه لم يرد أن يجعل نكث الأيمان والطعن في الدين بمجموعهما شرطا في نقض العهد لأنهم لو نكثوا الأيمان بقتال المسلمين ولم يظهروا الطعن في الدين لكانوا ناقضين للعهد وقد جعل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم معاونة قريش بنى بكر على خزاعة وهم حلفاء النبي صلّى الله عليه وآله وسلم نقضا للعهد وكانوا يفعلون ذلك سرا ولم يكن منهم إظهار طعن في الدين فثبت بذلك أن معنى الآية وان نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر فإذا ثبت ذلك كان من أظهر سب النبي صلّى الله عليه وآله وسلم من أهل العهد ناقضا للعهد إذ سب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم من أكثر في الدين فهذا وجه يحتج به القائلون

٢٧٥

بما وصفنا* ومما يحتج به لذلك ما روى أبو يوسف عن حصين بن عبد الرحمن عن رجل عن أبى عمران أن رجلا قال له إنى سمعت راهبا سب النبي صلّى الله عليه وآله وسلم فقال لو سمعته لقتله إنا لم نعطهم العهد على هذا وهو إسناد ضعيف وجائز أن يكون قد شرط عليهم أن لا يظهروا سب النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وقد روى سعيد عن قتادة عن أنس يهوديا مر على النبي صلّى الله عليه وآله وسلم فقال السام عليك فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم أتدرون ما قال فقالوا نعم ثم رجع فقال مثل ذلك فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم إذا سلم عليكم أحد من أهل الكتاب فقولوا عليك وروى الزهري عن عروة عن عائشة قالت دخل رهط من اليهود على النبي صلّى الله عليه وآله وسلم فقالوا السام عليكم قالت ففهمتها فقالت وعليكم السام واللعنة فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم مهلا يا عائشة فإن الله يحب الرفق في الأمر كله فقلت يا رسول الله ألم تسمع ما قالوا قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم قلت عليكم ومعلوم أن مثله لو كان من مسلم لصار به مرتدا مستحقا للقتل ولم يقتلهم النبي صلّى الله عليه وآله وسلم بذلك وروى شعبة عن هشام بن يزيد عن أنس بن مالك أن امرأة يهودية أتت النبي صلّى الله عليه وآله وسلم بشاة مسمومة فأكل منها فجيء بها فقالوا ألا تقتلها قال لا قال فما زلت أعرفها في سهوات رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ولا خلاف بين المسلمين أن من قصد النبي صلّى الله عليه وآله وسلم بذلك فهو ممن ينتحل الإسلام أنه مرتد يستحق القتل ولم يجعل النبي صلّى الله عليه وآله وسلم مبيحة لدمها بما فعلت فكذلك إظهار سب النبي صلّى الله عليه وآله وسلم من الذمي مخالف لإظهار المسلم له* وقوله( فقاتلوا أئمة الكفر ) روى ابن عباس ومجاهد أنهم رؤساء قريش وقال قتادة أبو جهل وأمية بن خلف وعتبة بن ربيعة وسهيل بن عمرو وهم الذين هموا بإخراجه قال أبو بكر ولم يختلف في أن سورة براءة نزلت بعد فتح مكة وأن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم بعث بها مع على بن أبى طالب ليقرأها على الناس في سنة تسع وهي السنة التي حج فيها أبو بكر وقد كان أبو جهل وأمية بن خلف وعتبة بن ربيعة قد كانوا قتلوا يوم بدر ولم يكن بقي من رؤساء قريش أحد يظهر الكفر في وقت نزول براءة وهذا يدل على أن رواية من روى ذلك في رؤساء قريش وهم اللهم إلا أن يكون المراد قوما من قريش قد كانوا أظهروا الإسلام وهم الطلقاء من نحو أبي سفيان وأحزابه ممن لم ينق قلبه من الكفر فيكون مراد الآية هؤلاء دون أهل العهد من المشركين الذين لم يظهروا الإسلام وهم الذين كانوا هموا بإخراج الرسول من مكة وبدرهم بالقتال والحرب بعد الهجرة وجائز أن يكون مراده هؤلاء الذين ذكرنا وسائر رؤساء العرب الذين كانوا

٢٧٦

معاضدين لقريش على حرب النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وقتال المسلمين فأمر الله تعالى بقتالهم وقتلهم إن هم نكثوا أيمانهم وطعنوا في دين المسلمين وقوله تعالى( أنهم لا أيمان لهم ) معناه لا أيمان لهم وافية موثوقا بها ولم ينف به وجود الأيمان منهم لأنه قد قال بديا( وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم ) وعطف على ذلك أيضا قوله( ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم ) فثبت أنه لم برد بقوله( لا أيمان لهم ) نفى الأيمان أصلا وإنما أراد به نفى الوفاء بها وهذا يدل على جواز إطلاق لا والمراد نفى الفضل دون نفى الأصل ولذلك نظائر موجودة في السنن وفي كلام الناس كقوله صلّى الله عليه وآله وسلم لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد وليس بمؤمن من لا يأمن جاره بوائقه ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله ونحو ذلك فأطلق الإمامة في الكفر لأن الإمام هو المقتدى به المتبع في الخير والشر قال الله تعالى( وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ) وقال في الخير( وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا ) فالإمام في الخير هاد مهتد والإمام في الشر ضال مضل قد قيل إن هذه الآية نزلت في اليهود الذين كانوا غدروا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونكثوا ما كانوا أعطوا من العهود والأيمان على أن لا يعينوا عليه أعداءه من المشركين وهموا بمعاونة المنافقين والكفار على إخراج النبي صلّى الله عليه وآله وسلم من المدينة وأخبر أنهم بدءوا بالغدر ونكث العهد وأمر بقتالهم بقوله( قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ) وجائز أن يكون جميع ذلك مرتبا على قوله( وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم ) وجائز أن يكون قد كانوا نقضوا العهد بقوله( ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم ) قوله تعالى( أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة ) فإن معناه أم حسبتم أن تتركوا ولم تجاهدوا لأنهم إذا جاهدوا علم الله ذلك منهم فأطلق اسم العلم وأراد به قيامهم بفرض الجهاد حتى يعلم الله وجود ذلك منهم وقوله( ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة ) يقتضى لزوم اتباع المؤمنين وترك العدول عنهم كما يلزم اتباع النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وفيه دليل على لزوم حجة الإجماع وهو كقوله( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ) والوليجة المدخل يقال ولج إذا دخل كأنه قال لا يجوز أن يكون له مدخل غير مدخل المؤمنين ويقال إن الوليجة بمعنى الدخيلة والبطانة وهي من المداخلة والمخالطة والمؤانسة فإن كان المعنى هذا فقد دل على النهى عن مخالطة غير المؤمنين ومداخلتهم

٢٧٧

وترك الاستعانة بهم في أمور الدين كما قال( لا تتخذوا بطانة من دونكم ) .

قوله تعالى( ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله ) عمارة المسجد تكون بمعنيين أحدهما زيارته والسكون فيه والآخر ببنائه وتجديد ما استرم منه وذلك لأنه يقال اعتمر إذا زار ومنه العمرة لأنها زيارة البيت وفلان من عمار المساجد إذا كان كثير المضي إليها والسكون فيها وفلان يعمر مجلس فلان إذا أكثر غشيانه له فاقتضت الآية منع الكفار من دخول المساجد ومن بنائها وتولى مصالحها والقيام بها لانتظام اللفظ للأمرين قوله تعالى( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ) فيه نهى للمؤمنين عن موالاة الكفار ونصرتهم والاستنصار بهم وتفويض أمورهم إليهم وإيجاب التبري منهم وترك تعظيمهم وإكرامهم وسواء بين الآباء والإخوان في ذلك إلا أنه قد أمر مع ذلك بالإحسان إلى الأب الكافر وصحبته بالمعروف بقوله تعالى( ووصينا الإنسان بوالديه ـ إلى قوله ـوإن جاهداك على أن تشرك بى ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا ) وإنما أمر المؤمنين بذلك يتميزوا من المنافقين إذا كان المنافقون يتولون الكفار ويظهرون إكرامهم وتعظيمهم إذا لقوهم ويظهرون لهم الولاية والحياطة فجعل الله تعالى ما أمر به المؤمن في هذه الآية علما يتميز به المؤمن من المنافق وأخبر أن من لم يفعل ذلك فهو ظالم لنفسه مستحق للعقوبة من ربه* قوله تعالى( إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ) إطلاق اسم النجس على المشرك من جهة أن الشرك الذي يعتقده يجب اجتنابه كما يجب اجتناب النجاسات والأقذار فلذلك سماهم نجسا والنجاسة في الشرع تنصرف على وجهين أحدهما نجاسة الأعيان والآخر نجاسة الذنوب وكذلك الرجس والرجز ينصرف على هذين الوجهين في الشرع قال الله تعالى( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان ) وقال في وصف المنافقين( سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ) فسماهم رجسا كما سمى المشركين نجسا وقد أفاد قوله( إنما المشركون نجس ) منعهم عن دخول المسجد إلا لعذر إذ كان علينا تطهير المساجد من الأنجاس* وقوله تعالى( فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ) قد تنازع معناه أهل العلم فقال مالك والشافعى لا يدخل المشرك المسجد الحرام قال مالك

٢٧٨

ولا غيره من المساجد إلا لحاجة من نحو الذمي يدخل إلى الحاكم في المسجد للخصومة وقال الشافعى يدخل كل مسجد إلا المسجد الحرام خاصة وقال أصحابنا يجوز للذمي دخول سائر المساجد وإنما معنى الآية على أحد وجهين إما أن يكون النهى خاصا في المشركين الذين كانوا ممنوعين من دخول مكة وسائر المساجد لأنهم لم تكن لهم ذمة وكان لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف وهم مشركوا العرب أو أن يكون المراد منعهم من دخول مكة للحج ولذلك أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بالنداء يوم النحر في السنة التي حج فيها أبو بكر فيما روى الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبى هريرة أن أبا بكر بعثه فيمن يؤذن يوم النحر بمنى أن لا يحج بعد العام مشرك فنبذ أبو بكر إلى الناس فلم يحج في العام الذي حج فيه النبي صلّى الله عليه وسلّم مشرك فأنزل الله تعالى في العام الذي نبذ فيه أبو بكر إلى المشركين( يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس ) الآية وفي حديث على حين أمره النبي صلّى الله عليه وسلّم بأن يبلغ عنه سورة براءة نادى ولا يحج بعد العام مشرك وفي ذلك دليل على المراد بقوله( فلا يقربوا المسجد الحرام ) ويدل عليه قوله تعالى في نسق التلاوة( وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء ) وإنما كانت خشية العيلة لانقطاع تلك المواسم بمنعهم من الحج لأنهم كانوا ينتفعون بالتجارات التي كانت تكون في مواسم الحج فدل ذلك على أن مراد الآية الحج ويدل عليه اتفاق المسلمين على منع المشركين من الحج والوقوف بعرفة والمزدلفة وسائر أفعال الحج وإن لم يكن في المسجد ولم يكن أهل الذمة ممنوعين من هذه المواضع ثبت أن مراد الآية هو الحج دون قرب المسجد لغير الحج لأنه إذا حمل على ذلك كان عموما في سائر المشركين وإذا حمل على دخول المسجد كان خاصا في ذلك دون ما قرب المسجد والذي في الآية النهى عن قرب المسجد فغير جائز تخصيص المسجد به دون ما يقرب منه وقد روى حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن عن عثمان بن أبى العاص أن وفد ثقيف لما قدموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ضرب لهم قبة في المسجد فقالوا يا رسول الله قوم أنجاس فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إنه ليس على الأرض من أنجاس الناس شيء إنما أنجاس الناس على أنفسهم وروى يونس عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن أبا سفيان كان يدخل مسجد النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو كافر غير أن ذلك لا يحل في المسجد الحرام لقول الله تعالى فلا يقربوا المسجد الحرام قال أبو بكر فأما وفد ثقيف فإنهم جاءوا بعد فتح مكة

٢٧٩

إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم والآية نزلت في السنة التي حج فيها أبو بكر وهي سنة تسع فأنزلهم النبي صلّى الله عليه وسلّم في المسجد وأخبر أن كونهم أنجاسا لا يمنع دخولهم المسجد وفي ذلك دلالة على أن نجاسة الكفر لا يمنع الكافر من دخول المسجد وأما أبو سفيان بأنه جاء إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم لتجديد الهدنة وذلك قبل الفتح وكان أبو سفيان مشركا حينئذ والآية وإن كان نزولها بعد ذلك فإنما اقتضت النهى عن قرب المسجد الحرام ولم تقتض المنع من دخول الكفار سائر المساجد فإن قيل لا يجوز للكافر دخول الحرم إلا أن يكون عبدا أو صبيا أو نحو ذلك لقوله تعالى( فلا يقربوا المسجد الحرام ) ولما روى زيد بن يثيع عن على رضى الله عنه أنه نادى بأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم لا يدخل الحرم مشرك قيل له إن صح هذا اللفظ فالمراد أن لا يدخله للحج وقد روى في أخبار عن على أنه نادى أن لا يحج بعد العام مشرك وكذلك في حديث أبى هريرة فثبت أن المراد دخول الحرم للحج وقد روى شريك عن أشعث عن الحسن عن جابر بن عبد الله عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لا يقرب المشركون المسجد الحرام بعد عامهم هذا إلا أن يكون عبدا أو أمة يدخله لحاجة فأباح دخول العبد والأمة للحاجة لا للحج وهذا يدل على أن الحر الذمي له دخوله لحاجة إذ لم يفرق أحد بين العبد والحر وإنما خص العبد والأمة والله أعلم بالذكر لأنهما لا يدخلانه في الأغلب الأعم للحج وقد حدثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق المروزى قال حدثنا الحسن بن أبى الربيع الجرجانى قال أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرنى أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول في قوله تعالى( إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام ) إلا أن يكون عبدا أو واحدا من أهل الذمة فوقفه أبو الزبير على جابر وجائز أن يكون صحيحين فيكون جابر قد رفعه تارة وأفتى بها اخرى وروى ابن جريج عن عطاء قال لا يدخل المشرك وتلا قوله تعالى( فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ) قال عطاء المسجد الحرام الحرم كله قال ابن جريج وقال لي عمرو بن دينار مثل ذلك قال أبو بكر والحرم كله يعبر عنه بالمسجد إذ كانت حرمته متعلقة بالمسجد وقال الله تعالى( والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ) والحرم كله مراد به وكذلك قوله تعالى( ثم محلها إلى البيت العتيق ) قد أريد به الحرم كله لأنه في أى الحرم نحر البدن أجزأه فجائز على هذا أن يكون المراد بقوله تعالى( فلا يقربوا المسجد الحرام ) الحرم كله للحج إذ

٢٨٠

كان أكثر أفعال المناسك متعلقا بالحرم كله هاهنا الحرم في حكم المسجد لما وصفنا فعبر عن الحرم بالمسجد وعبر عن الحج بالحرم ويدل على أن المراد بالمسجد قوله تعالى( إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم ) ومعلوم أن ذلك كان بالحديبية وهي على شفير الحرم وذكر المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم أن بعضها من الحل وبعضها من الحرم فأطلق الله تعالى عليها أنها عند المسجد الحرام وإنما هي عند الحرم وإطلاقه تعالى اسم النجس على المشركين يقتضى اجتنابهم وترك مخالطتهم إذ كانوا مأمورين باجتناب الأنجاس وقوله تعالى( بعد عامهم هذا ) فإن قتادة ذكر أن المراد العام الذي حج فيه أبو بكر الصديق فتلا على سورة براءة وهو لتسع مضين من الهجرة وكان بعده حجة الوداع سنة عشر قوله تعالى( وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء ) فإن العيلة الفقر يقال عال يعيل إذا افتقر قال الشاعر :

وما يدرى الفقير متى غناه

وما يدرى الغنى متى يعيل

وقال مجاهد وقتادة كانوا خافوا انقطاع المتاجر بمنع المشركين فأخبر الله تعالى أنه يغنيهم من فضله فقيل إنه أراد الجزية المأخوذة من المشركين وقيل أراد الإخبار بإبقاء المتاجر من جهة المسلمين لأنه كان عالما أن العرب وأهل بلدان العجم سيسلمون ويحجون فيستغنون بما ينالون من منافع متاجرهم من حضور المشركين وهو نظير قوله تعالى( جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدى والقلائد ) الآية فأخبر تعالى عما في حج البيت والهدى والقلائد من منافع الناس ومصالحهم في دنياهم ودينهم وأخبر في قوله( وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله ) عما ينالون من الغنى بحج المسلمين وإن كانوا قليلين في وقت نزول الآية وإنما علق الغنى بالمشيئة المعنيين كل واحد منهما جائز أن يكون مرادا أحدهما إنه لما كان منهم من يموت ولا يبلغ هذا الغنى الموعود به علقه بشرط المشيئة والثاني لينقطع الآمال إلى الله في إصلاح أمور الدنيا والدين كما قال الله تعالى( لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين ) .

باب أخذ الجزية من أهل الكتاب

قال الله عز وجل( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم

٢٨١

الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) أخبر تعالى عن أهل الكتاب أنهم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر مع إظهارهم الإيمان بالنشور والبعث وذلك يحتمل وجوها أحدها أن يكون مراده لا يؤمنون باليوم الآخر على الوجه الذي يجرى حكم الله فيه من تخليد أهل الكتاب في النار وتخليد المؤمنين في الجنة فلما كانوا غير مؤمنين بذلك أطلق القول فيهم بأنهم لا يؤمنون باليوم الآخر ومراده حكم يوم الآخر وقضاؤه فيه كما تقول أهل الكتاب غير مؤمنين بالنبي والمراد بنبوة النبي صلّى الله عليه وسلّم وقيل فيه إنه أطلق ذلك فيهم على طريق الذم لأنهم بمنزلة من لا يقربه في عظم الحرم كما أنهم بمنزلة المشركين في عبادة الله تعالى بكفرهم الذي اعتقدوه وقيل أيضا لما كان إقرارهم عن غير معرفة لم يكن ذلك إيمانا وأكثرهم بهذه الصفة وقوله تعالى( ولا يدينون دين الحق ) فإن دين الحق هو الإسلام قال الله تعالى( إن الدين عند الله الإسلام ) وهو التسليم لأمر الله وما جاءت به رسله والانقياد له والعمل به والدين ينصرف على وجوه منها الطاعة ومنها القهر ومنها الجزاء قال الأعشى :

هو دان الرباب أذكر هو الد

دين دراكا بغزوة وصيال

يعنى قهر الرباب أذكر هو إطاعته وأبوا الانقياد له وقوله تعالى( مالك يوم الدين ) قيل إنه يوم الجزاء ومنه كما تدين تدان ودين اليهود والنصارى غير دين الحق لأنهم غير منقادين لأمر الله ولا طائعين له لجحودهم نبوة نبينا صلّى الله عليه وسلّم فإن قيل فهم يدينون بدين التوراة والإنجيل معترفون به منقادين له قيل له في التوراة والإنجيل ذكر نبينا وأمرنا بالإيمان واتباع شرائعه وهم غير عاملين بذلك بل تاركون له فهم غير متبعين دين الحق وأيضا فإن شريعة التوراة والإنجيل قد نسخت والعمل بها بعد النسخ ضلال فليس هو إذا دين الحق وأيضا فهم قد غيروا المعاني وحرفوها عن مواضعها وأزالوها إلى ما تهواه أنفسهم دون ما أوجبه عليهم كتاب الله تعالى فهم غير دائنين دين الحق قوله تعالى( من الذين أوتوا الكتاب ) فإن أهل الكتاب من الكفار هم اليهود والنصارى لقوله تعالى( أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا ) فلو كان المجوس أو غيرهم من أهل الشرك من أهل الكتاب لكانوا ثلاث طوائف وقد اقتضت الآية أن أهل الكتاب طائفتان وقد بيناه فيما سلف وتقدم الكلام أيضا في حكم الصابئين وهل هم أهل الكتاب

٢٨٢

أم لا وهم فريقان أحدهما بنوا حي كسكر والبطائح وهم فيما بلغنا صنف من النصارى. وإن كانوا مخالفين لهم في كثير من ديانتهم لأن النصارى فرق كثيرة منهم المرقونية والأريوسية والمارونية والفرق الثلاث من النسطورية والملكية واليعقوبية يبرءون منهم ويحرمون وهم ينتمون إلى يحيى بن زكريا وشيث وينتحلون كتبا يزعمون أنها كتب الله التي أنزلها على شيث بن آدم ويحيى بن زكريا والنصارى تسميهم يوحنا سية فهذه الفرقة يجعلها أبو حنيفة رحمه الله من أهل الكتاب ويبيح أكل ذبائحهم ومناكحة نسائهم وفرقة أخرى قد تسمت بالصابئين وهم الحرانيون الذين بناحية حران وهم عبدة الأوثان ولا ينتمون إلى أحد من الأنبياء ولا ينحلون شيئا من كتب الله فهؤلاء ليسوا أهل الكتاب ولا خلاف أن هذه النحلة لا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم فمذهب أبى حنيفة في جعله الصابئين من أهل الكتاب محمول على مراده الفرقة الأولى وأما أبو يوسف ومحمد فقالا إن الصابئين ليسوا أهل الكتاب ولم يفصلوا بين الفريقين وقد روى في ذلك اختلاف بين التابعين وروى هشيم أخبرنا مطرف قال كنا عند الحكم بن عيينة فحدثه رجل عن الحسن البصري أنه كان يقول في الصابئين هم بمنزلة المجوس فقال الحسن أليس قد كنت أخبرتكم بذلك وروى عباد بن العوام عن الحجاج عن القاسم بن أبى بزة عن مجاهد قال الصابئون قوم من المشركين والنصارى ليس لهم كتاب وكذلك قول الأوزاعى ومالك ابن أنس وروى يزيد بن هارون عن حبيب بن أبى حبيب عن عمرو بن هرم عن جابر ابن زيد أنه سئل عن الصابئين أمن أهل الكتاب هم وطعامهم ونساؤهم حل للمسلمين فقال نعم وأما المجوس فليسوا أهل كتاب بدلالة الآية ولما روى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال سنوا بهم سنة أهل الكتاب وفي ذلك دلالة على أنهم ليسوا أهل كتاب وقد اختلف أهل العلم فيمن تؤخذ منهم الجزية من الكفار بعد اتفاقهم على جواز إقرار اليهود والنصارى بالجزية فقال أصحابنا لا يقبل من مشركي العرب إلا الإسلام أو السيف وتقبل من أهل الكتاب من العرب من سائر كفار العجم الجزية وذكر ابن القاسم عن مالك أنه تقبل من الجميع الجزية إلا من مشركي العرب وقال مالك في الزنج ونحوهم إذا سبوا يجبرون على الإسلام وروى عن مجاهد أنه قال يقاتل أهل الكتاب على الجزية وأهل الأوثان على الصلاة ويحتمل أن يريد به أهل الأوثان من العرب وقال الثوري العرب لا يسبون وهو إذا سبوا ثم

٢٨٣

تركهم النبي صلّى الله عليه وسلّم وقال الشافعى لا تقبل الجزية إلا من أهل الكتاب عربا كانوا أو عجما قال أبو بكر قوله تعالى( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) يقتضى قتل سائر المشركين فمن الناس من يقول إن عمومه مقصور على عبدة الأوثان دون أهل الكتاب والمجوس لأن الله تعالى قد فرق في اللفظ بين المشركين وبين أهل الكتاب والمجوس بقوله تعالى( إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا ) فعطف بالمشركين على هذه الأصناف فدل ذلك على أن إطلاق هذا اللفظ يختص بعبدة الأوثان وإن كان الجميع من النصارى والمجوس والصابئين المشركين وذلك لأن النصارى قد أشركت بعبادة الله وعبادة المسيح والمجوس مشركون من حيث جعلوا لله ندا مغالبا والصابئون فريقان أحدهما عبدة الأوثان والآخر لا يعبدون الأوثان ولكنهم مشركون في وجوه أخر إلا أن إطلاق لفظ المشرك يتناول عبدة الأوثان فلم يوجب قوله تعالى( فاقتلوا المشركين ) إلا قتل عبدة الأوثان دون غيرهم وقال آخرون لما كان معنى الشرك موجودا في مقالات هذه الفرق من النصارى والمجوس والصابئين فقد انتظمهم اللفظ ولو لا ورود آية التخصيص في أهل الكتاب خصوا من الجملة ومن عداهم محمولون على حكم الآية عربا كانوا أو عجما ولم يختلفوا في جواز إقرار المجوس بالجزية وقد روى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في ذلك أخبار وروى سفيان بن عيينة عن عمرو أنه سمع مجالدا يقول لم يكن عمر بن الخطاب يأخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخذ الجزية من مجوس هجر وروى مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عمر ذكر المجوس فقال ما أدرى كيف أصنع في أمرهم فقال عبد الرحمن بن عوف أشهد لسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول سنوا بهم سنة أهل الكتاب وروى يحيى بن آدم عن المسعودي عن قتادة عن أبى مجلز قال كتب النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى المنذر أنه من استقبل قبلتنا وصلّى صلاتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله ومن أحب ذلك من المجوس فهو آمن ومن أبى فعليه الجزية وروى قيس بن مسلم عن الحسن بن محمد أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كتب إلى مجوس البحرين يدعوهم إلى الإسلام فمن أسلم منهم قبل منه ومن أبى ضربت عليه الجزية ولا تؤكل لهم ذبيحة ولا تنكح لهم امرأة وروى الطحاوي عن بكار بن قتيبة قال حدثنا عبد الرحمن ابن عمران قال حدثنا عوف كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدى بن أرطاة أما بعد فاسئل

٢٨٤

الحسن ما يقع من قبلنا من الأئمة أن يحولوا بين المجوس وبين ما يجمعون من النساء اللاتي لا يجمعهن أحد غيرهم فسأله فأخبره أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل من مجوس البحرين الجزية وأقرهم على مجوسيتهم وعامل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يومئذ على البحرين العلاء بن الحضرمي وفعله بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبو بكر وعمر وعثمان وروى معمر عن الزهري أن النبي صلّى الله عليه وسلّم صالح أهل الأوثان على الجزية إلا من كان منهم من العرب وروى الزهري عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخذ الجزية من مجوس هجر وأن عمر بن الخطاب أخذها من مجوس السواد وأن عثمان أخذها من بربر وفي هذه الأخبار أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أخذ الجزية من المجوس وفي بعضها أنه أخذها من عبدة الأوثان من غير العرب ولا نعلم خلافا بين الفقهاء في جواز أخذ الجزية من المجوس وقد نقلت الأمة أخذ عمر بن الخطاب الجزية من مجوس السواد فمن الناس من يقول إنما أخذها لأن المجوس أهل كتاب ويحتج في ذلك بما روى سفيان بن عيينة عن أبى سعيد عن نصر بن عاصم عن على أن النبي صلّى الله عليه وسلّم وأبا بكر وعمر وعثمان أخذوا الجزية من المجوس وقال على أنا أعلم الناس بهم كانوا أهل كتاب يقرءونه وأهل علم يدرسونه فنزع ذلك من صدورهم وقد ذكرنا فيما تقدم من الدلالة على أنهم ليسوا أهل كتاب من جهة الكتاب والسنة وأما ما روى عن على في ذلك أنهم كانوا أهل كتاب فإنه إن صحت الرواية فإن المراد أن أسلافهم كانوا أهل كتاب لإخباره بأن ذلك نزع من صدورهم فإذا ليسوا أهل كتاب في هذا الكتاب ويدل على أنهم ليسوا أهل كتاب ما روى في حديث الحسن بن محمد أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال في مجوس البحرين إن من أبى منهم الإسلام ضربت عليه الجزية ولا تؤكل لهم ذبيحة ولا تنكح لهم امرأة ولو كانوا أهل كتاب لجاز أكل ذبائحهم ومناكحة نسائهم لأن الله تعالى قد أباح ذلك من أهل الكتاب ولما ثبت أخذ النبي صلّى الله عليه وسلّم الجزية من المجوس وليسوا أهل كتاب ثبت جواز أخذها من سائر الكفار أهل كتاب كانوا أو غير أهل كتاب إلا عبدة الأوثان من العرب لأن النبي صلى الله عليه وسلّم لم يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف وبقوله تعالى( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) وهذا في عبدة الأوثان من العرب ويدل على جواز أخذ الجزية من سائر المشركين سوى مشركي العرب حديث علقمة بن مرثد عن ابن بريدة عن أبيه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان إذا بعث سرية قال إذا لقيتم عدوكم من المشركين فادعوهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا

٢٨٥

رسول الله فإن أبوا فادعوهم إلى إعطاء الجزية وذلك عام في سائر المشركين وخصصنا منهم مشركي العرب بالآية وسيرة النبي صلّى الله عليه وسلّم فيهم.

باب حكم نصارى بنى تغلب

قال الله تعالى( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ـ إلى قوله ـمن الذين أوتوا الكتاب ) ونصارى بنى تغلب منهم لأنهم ينتحلون نحلتهم وإن لم يكونوا متمسكين بجميع شرائعهم وقال الله تعالى( ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) فجعل الله تعالى من يتولى قوما منهم فهو في حكمهم ولذلك قال ابن عباس في نصارى بنى تغلب أنهم لو لم يكونوا منهم إلا بالولاية لكانوا منهم لقوله تعالى( ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) وذلك حين قال على رضى الله عنه إنهم لم يتعلقوا من النصرانية إلا بشرب الخمر قال ابن عباس ذلك قال النبي صلّى الله عليه وسلّم لعدي بن حاتم حين جاءه فقال له أما تقول إلا أن يقال لا إله إلا الله فقال إن لي دينا فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم أبا أعلم به منك ألست ركوسيا قال نعم قال ألست تأخذ المرباع قال نعم قال فإن ذلك لا يحل لك في دينك فنسبه إلى صنف من النصارى مع إخباره بأنه غير متمسك به فأخذه المرباع وهو ربع الغنيمة غير مباحة في دين النصارى فثبت بذلك أن انتحال بنى تغلب لدين النصارى يوجب أن يكون حكمهم حكمهم وأن يكونوا أهل كتاب وإذا كانوا من أهل الكتاب وجب أخذ الجزية منهم والجزاء والجزية واحد وهو أخذ المال منهم عقوبة وجزاء على إقامتهم على الكفر ولم يذكر في الآية لها مقدارا معلوما ومهما أخذ منهم على هذا الوجه فإن اسم الجزية يتناوله وقد وردت أخبار متواترة عن أئمة السلف في تضعيف الصدقة في أموالهم على ما يأخذ من المسلمين وهو قول أهل العراق وأبى حنيفة وأصحابه والثوري وهو قول الشافعى وقال مالك في النصراني إذا أعتقه المسلم فلا جزية عليه ولو جعلت عليه الجزية لكان العتق قد أضربه ولم ينفعه شيئا ولا تحفظ عن مالك في بنى تغلب شيئا وروى يحيى بن آدم قال حدثنا عبد السلام عن أبى إسحاق الشيباني عن السفاح عن داود بن كردوس عن عمارة بن النعمان أنه قال لعمر بن الخطاب يا أمير المؤمنين إن بنى تغلب قد علمت شوكتهم وأنهم بإزاء العدو فإن ظاهروا عليك العدو اشتدت مؤنتهم فإن رأيت أن تعطيهم شيئا فافعل فصالحهم على أن لا يقسموا أولادهم في النصرانية وتضاعف عليهم الصدقة قال وكان عمارة يقول قد فعلوا فلا عهد لهم وهذا

٢٨٦

خبر مستفيض عند أهل الكوفة وقد وردت به الرواية والنقل الشائع عملا وهو مثل أخذ الجزية من أهل السواد على الطبقات الثلاث ووضع الخراج على الأرضين ونحوها من العقود التي عقدها على كافة الأمة فلم يختلفوا في نفاذها وجوازها وقد روى عن على أنه قال لئن بقيت لنصارى بنى تغلب لأقتلن المقاتلة ولأسبين الذرية وذلك إنى كتبت الكتاب بينهم وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن لا ينصروا أولادهم ولم يخالف عمر في ذلك أحد من الصحابة فانعقد به إجماعهم وثبت به اتفاقهم وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده المسلمون تتكافا دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ويعتقد عليهم أو لهم ومعناه والله يعلم جواز عقود ائمة العدل على الأمة* فإن قيل أمر الله بأخذ الجزية منهم* فلا يجوز لنا الاقتصار بهم على أخذ الصدقة منهم وإعفاؤهم من الجزية* قيل له الجزية ليس لها مقدار معلوم فيما يقتضيه ظاهر لفظها وإنما هي جزاء وعقوبة على إقامتهم على الكفر والجزاء لا يختص بمقدار دون غيره ولا بنوع من المال دون ما سواه والمأخوذ من بنى تغلب هو عندنا جزية ليست بصدقة وتوضع موضع الفيء لأنه لا صدقة لهم إذ كان سبيل الصدقة وقوعها على وجه القربة ولا قربة لهم وقد قال بنو تغلب نؤدى الصدقة ومضاعفة ولا نقبل أداء الجزية فقال عمر هو عندنا جزية وسموها أنتم ما شئتم فأخبر عمر أنها جزية وإن كانت حقا مأخوذا من مواشيهم وزرعهم* فإن قيل لو كانت* جزية لما أخذت من نسائهم لأن النساء لا جزية عليهن* قيل له يجوز أخذ الجزية من النساء على وجه الصلح كما روى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه أمر بعض أمرائه على بعض بلدان اليمن أن يأخذ من كل حالم أو حالمة دينارا أو عدله من المعافر وقال أصحابنا تؤخذ من موالي بنى تغلب إذا كانوا كفارا الجزية ولا تضاعف عليهم الحقوق في أموالهم لأن عمر إنما صالح بنى تغلب على ذلك ولم يذكر فيه الموالي فمواليهم باقون على حكم سائر أهل الذمة في أخذ جزية الرءوس منهم على الطبقات المعلومة وليس بواجب أن يكونوا في حكم مواليهم كما أن المسلم إذا أعتق عبدا نصرنيا لا يكون في حكم مولاه في باب سقوط الجزية عنه فإن قيل قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم موالي القوم من أنفسهم * قيل له مراده أنه منهم في الانتساب إليهم نحو مولى بنى هاشم يسمى هاشميا ومولى بنى تميم يسمى تميميا وفي النصرة والعقل كما يعقل عنه ذوى الأنساب فهذا معنى قوله موالي القوم منهم ولا دلالة فيه على أن حكمه

٢٨٧

حكمهم في إيجاب الجزية وسقوطها وأما شرط عمر عليهم أن لا يغمسوا أولادهم في النصرانية فإنه قد روى في بعض الأخبار أنه شرط أن لا يصبغوا أولادهم في النصرانية إذا أرادوا الإسلام فإنما شرط عليهم بذلك أنه ليس لهم أن يمنعوا أولادهم الإسلام إذا أرادوه وقد حدثنا مكرم بن أحمد بن مكرم قال حدثنا أحمد بن عطية الكوفي قال سمعت أبا عبيد يقول كنا مع محمد بن الحسن إذ أقبل الرشيد فقام الناس كلهم إلا محمد بن الحسن فإنه لم يقم وكان الحسن بن زياد معتل القلب على محمد بن الحسن فقام ودخل ودخل الناس من أصحاب الخليفة فأمهل الرشيد يسيرا ثم خرج الإذن فقام محمد بن الحسن فجزع أصحابه له فأدخل فأمهل ثم خرج طيب النفس مسرورا قال قال لي مالك لم تقم مع الناس قال كرهت أن أخرج عن الطبقة التي جعلتني فيها إنك أهلتنى للعلم فكرهت أن أخرج إلى طبقة الخدمة التي هي خارجة منه وإن ابن عمك صلّى الله عليه وسلّم قال من أحب أن يميل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار وأنه إنما أراد بذلك العلماء فمن قام بحق الخدمة وإعزاز الملك فهو هبة للعدو ومن قعد اتباعا للسنة التي عنكم أخذت فهو زين لكم قال صدقت يا محمد ثم شاورنى فقال إن عمر بن الخطاب صالح بنى تغلب على أن لا ينصروا أولادهم وقد نصروا أبناءهم وحلت بذلك دماءهم فما ترى قال قلت إن عمر أمرهم بذلك وقد نصروا أولادهم بعد عمر واحتمل ذلك عثمان وابن عمك وكان من العلم بما لا خفا به عليك وجرت بذلك السنن فهم أصلح من الخلفاء بعده ولا شيء يلحقك في ذلك وقد كشفت لك العلم ورأيك أعلى قال لا ولكنا نجريه على ما أجروه إن شاء الله إن الله جل اسمه أمر نبيه بالمشهور تمام المائة التي جعلها الله له فكان يشاور في أمره فيأتيه جبريل بتوفيق الله ولكن عليك بالدعاء لمن ولاه الله أمرك ومر أصحابك بذلك وقد أمرت لك بشيء تفرقه على أصحابك قال فخرج له مال كثير ففرقه قال أبو بكر فهذا الذي ذكره محمد في إقرار الخلفاء بنى تغلب على ما هم عليه من صبغهم أولادهم في النصرانية حجة في تركهم على ما هم عليه وأنهم بمنزلة سائر النصارى فلا تخلوا مصالحة عمر إياهم أن لا يصبغوا أولادهم في النصرانية من أحد معنيين إما أن يكون مراده وأن لا يكرهوهم على الكفر إذا أرادوا الإسلام وأن ينشئوهم على الكفر من صغرهم فإن أراد الأول فإنه لم يثبت أنهم منعوا أحدا من أولادهم التابعين من الإسلام وأكرهوهم على الكفر فيصيروا به ناقضين للعهد وخالعين للذمة وإن كان المراد

٢٨٨

الوجه الثاني فإن عليا وعثمان لم يعترضوا عليهم ولم يقتلوهم وأما قول مالك في العبد النصراني إذا أعتقه المسلم أنه لا جزية عليه فترك لظاهر الآية بغير دلالة إذ لا فرق بين من أعتقه مسلم وبين سائر الكفار الذين لم يعتقوا وأما قوله لو جعلت عليه الجزية لكان العتق قد أضربه ولم ينفعه شيئا فليس كذلك لأنه في حال الرق إنما لم تلزمه الجزية لأن ماله لمولاه والمولى المسلم لا يجوز أخذ الجزية منه والجزية إنما تؤخذ من مال الكفار عقوبة لهم على إقامتهم على الكفر والعبد لا مال له فتؤخذ منه فإذا عتق وملك المال وجبت الجزية وأخذنا الجزية منه لم يسلبه منافع العتق في جواز التصرف على نفسه وزوال ملك المولى وأمره عنه وتمليكه سائر أمواله وإنما الجزية جزء يسير من ماله قد حقن بها دمه فمنفعة العتق حاصلة له.

باب من تؤخذ منه الجزية

قال الله تعالى( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ـ إلى قوله ـحتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) فكان معقولا من فحوى الآية ومضمونها أن الجزية مأخوذة ممن كان منهم من أهل القتال لاستحالة الخطاب بالأمر بقتال من ليس من أهل القتال إذ القتال لا يكون إلا بين اثنين ويكون كل واحد منهما مقاتلا لصاحبه وإذا كان كذلك ثبت أن الجزية مأخوذة ممن كان من أهل القتال ومن يمكنه أداؤه من المحترفين ولذلك قال أصحابنا إن من لم يكن من أهل القتال فلا جزية عليه فقالوا من كان أعمى أو زمنا أو مفلوجا أو شيخا كبيرا فانيا وهو موسر فلا جزية عليه وهو قولهم جميعا في الرواية المشهورة وروى عن أبى يوسف في الأعمى والزمن والشيخ الكبير أن عليهم الجزية إذا كانوا موسرين وروى عنه مثل قول أبى حنيفة وروى ابن رستم عن محمد في نوادره قال قلت أرأيت أهل الذمة من بنى تغلب وغيرهم ليس لهم حرفة ولا مال ولا يقدرون على شيء قال لا شيء عليهم قال محمد وإنما يوضع الخراج على الغنى والمعتمل منهم وقال محمد في النصراني يكتسب ولا يفضل له شيء عن عياله إنه لا يؤخذ بخراج رأسه وقالوا في أصحاب الصوامع والسياحين إذا كانوا لا يخالطون الناس فعليهم الجزية وكذلك النساء والصبيان لا جزية عليهم إذ ليسوا من أهل

٢٨٩

القتال وروى أيوب وغيره عن نافع عن أسلم قال كتب عمر إلى أمراء الجيوش أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم ولا يقتلوا النساء والصبيان ولا يقتلوا إلا من جرت عليه المواسى وكتب إلى أمراء الأجناد أن يضربوا الجزية ولا يضربوها على النساء والصبيان ولا يضربوها إلا على من جرت عليه المواسى وروى عاصم عن أبى وائل عن مسروق عن معاذ بن جبل قال بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى اليمن وأمرنى أن آخذ من كل حالم دينارا أو عدله من المعافر وأما مقدار الجزية قال الله تعالى( حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) فلم تكن في ظاهر الآية دلالة على مقدار منها بعينه وقد اختلف الفقهاء في مقدارها فقال أصحابنا على الموسر منهم ثمانية وأربعون درهما وعلى الوسط أربعة وعشرون درهما وعلى الفقير المعتمل اثنا عشر درهما وهو قول الحسن بن صالح وقال مالك أربعة دنانير على أهل الذهب وأربعون درهما على أهل الورق الغنى والفقير سواء لا يزاد ولا ينقص وقال الشافعى دينار على الغنى والفقير وروى أبو إسحاق عن حارثة بن مضرب قال بعث عمر بن الخطاب عثمان بن حنيف فوضع على أهل السواد الخراج ثمانية وأربعين درهما وأربعة وعشرين درهما واثنى عشر درهما وروى الأعمش عن إبراهيم بن مهاجر عن عمرو بن ميمون قال بعث عمر بن الخطاب حذيفة بن اليمان على ما وراء دجلة وبعث عثمان بن حنيف على ما دون دجلة فأتياه فسألهما كيف وضعتما على أهل الأرض قالا وضعنا على كل رجل أربعة دراهم في كل شهر قال ومن يطيق هذا قالا إن لهم فضولا فذكر عمرو بن ميمون ثمانية وأربعون درهما ولم يفصل الطبقات وذكر حارثة بن مضرب تفصيل الطبقات الثلاث فالواجب أن يحمل ما في حديث عمرو بن ميمون على أن مراده أكثر ما وضع من الجزية وهو ما على الطبقة العليا دون الوسطى والسفلى وروى مالك عن نافع عن أسلم أن عمر ضرب الجزية على أهل الذهب أربعة دنانير وعلى أهل الورق أربعين درهما مع أرزاق المسلمين وضيافة ثلاثة أيام وهذا نحو رواية عمر بن ميمون لأن أرزاق المسلمين وضيافة ثلاثة أيام مع الأربعين يفي ثمانية وأربعون درهما فكان الخبر الذي فيه تفصيل الطبقات الثلاث أولى بالاستعمال لما فيه من الزيادة وبيان حكم كل طبقة ولأن من وضعها على الطبقات فهو قائل بخبر الثمانية والأربعين ومن اقتصر على الثمانية والأربعين فهو تارك للخبر الذي فيه ذكر تمييز الطبقات وتخصيص كل واحد بمقدار منها واحتج من قال

٢٩٠

بدينار على الغنى والفقير بما روى معاذ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين بعثه إلى اليمن أمره أن يأخذ من كل حالم دينارا أو عدله من المعافر وهذا عندنا فيما كان منه على وجه الصلح أو يكون ذلك جزية الفقراء منهم وذلك عندنا جائز والدليل عليه ما روى في بعض أخبار معاد أن النبي صلى الله عليه وسلّم أمره أن يأخذ من كل حالم أو حالمة دينارا ولا خلاف أن المرأة لا تأخذ منها الجزية إلا أن يقع الصلح عليه وروى أبو عبيد عن جرير عن منصور عن الحكم قال كتب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى معاذ وهو باليمن أن في الحالم والحالمة دينارا أو عدله من المعافر قال أبو عبيد وحدثنا عثمان بن صالح عن عبد الله بن لهيعة عن أبى الأسود عن عروة بن الزبير قال كتب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أهل اليمن أنه من كان على يهودية أو نصرانية فإنه لا ينقل عنها وعليه الجزية وعلى كل حالم ذكر أو أنثى عبد أو أمة دينار أو قيمته من المعافر ويدل على أن الجزية على الطبقات الثلاث أن خراج الأرضين جعل على مقدار الطاقة واختلف بحسب اختلافها في الأرض وغلتها فجعل على بعضها قفيزا ودرهما وعلى بعضها خمسة دراهم وعلى بعضها عشرة دراهم فوجب على ذلك أن يكون كذلك حكم خراج الرءوس على قدر الإمكان والطاقة ويدل على ذلك قول عمر لحذيفة وعثمان بن حنيف لعلكما حملتما أهل الأرض ما لا يطيقون فقالا بل تركنا لهم فضلا وهذا يدل على أن الاعتبار بمقدار الطاقة وذلك يوجب اعتبار حالي الإعسار واليسار وذكر يحيى ابن آدم أن الجزية على مقدار الاحتمال بغير توقيت وهو خلاف الإجماع وحكى عن الحسن بن صالح أنه لا تجوز الزيادة في الجزية على وظيفة عمر ويجوز النقصان على حسب الطاقة وقد روى الحكم عن عمرو بن ميمون أنه شهد عمر يقول لعثمان بن حنيف والله لئن وضعت على كل جريب من الأرض قفيزا ودرهما وعلى كل رأس درهمين لا يشق ذلك عليهم ولا يجهدهم قال وكانت ثمانية وأربعين فجعلها خمسين واحتج من قال بجواز الزيادة بهذا الحديث وهذا ليس بمشهور ولم تثبت به رواية واحتجوا أيضا بما روى أبو اليمان عن صفوان بن عمرو عن عمر بن عبد العزيز أنه فرض على رهبان الديارات على كل راهب دينارين وهذا عندنا على أنه ذاهب من الطبقة الوسطى فأوجب ذلك عليهم على ما رأى من احتمالهم له كما روى سفيان بن عيينة عن ابن أبى نجيح قال سألت مجاهدا لم وضع عمر على أهل الشام من الجزية أكثر مما وضع على أهل اليمن قال لليسار.

٢٩١

في تمييز الطبقات

قال أبو يوسف في كتاب الخراج تؤخذ منهم على الطبقات على ما وصفت ثمانية وأربعين على الموسر مثل الصيرفي والبزاز وصاحب الصنعة والتاجر والمعالج والطبيب وكل من كان في يده منهم صنعة وتجارة يحترف بها أخذ من أهل كل صناعة وتجارة على قدر صناعتهم وتجارتهم ثمانية وأربعون على الموسر وأربعة وعشرون من المتوسط من احتملت صناعته ثمانية وأربعون أخذ منه ذلك ومن احتملت أربعة وعشرين أخذ ذلك منه واثنا عشر على العامل بيده مثل الخياط والصباغ والجزار والإسكاف ومن أشبههم فلم يعتبر الملك واعتبر الصنعات والتجارات على ما جرت به عادة الناس في الموسر والمعسر منهم وذكر على بن موسى القمي من غير أن عزى ذلك إلى أحد من أصحابنا أن الطبقة الأولى من يحترف وليس له ما يجب في مثله الزكاة على المسلمين وهم الفقراء المحترفون فمن كان له أقل من مائتي درهم فهم من أهل هذه الطبقة قال والطبقة الثانية أن يبلغ مال الرجل مائتي درهم فما زاد إلى أربعة آلاف درهم لأن من له مائتا درهم غنى تجب عليه الزكاة لو كان مسلما فهو خارج عن طبقة الفقراء قال وإنما أخذنا اعتبار الأربعة الآلاف من قول على رضى الله عنه وابن عمر أربعة آلاف فما دونها نفقة وما فوق ذلك فهو كثير قال وقد يجوز أن تجعل الطبقة الثانية من ملك مائتي درهم إلى عشرة آلاف درهم وما زاد على ذلك فهو من الطبقة الثالثة لما روى حماد بن سلمة عن طلحة بن عبد الله بن كريز عن أبى الضيف عن أبى هريرة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال من ترك عشرة آلاف درهم جعلت صفائح يعذب بها يوم القيامة وهذا الذي ذكره على بن موسى القمي هو اجتهاد يسوغ القول به لمن غلب في ظنه صوابه وقوله تعالى( عن يد ) قال قتادة عن قهر كأنه ذهب في اليد إلى القوة والقدرة والاستعلاء فكأنه قال على استعلاء منكم عليهم وقهرهم وقيل عن يد يعنى عن يد الكافر وإنما ذكر اليد ليفارق حال الغضب لأنه يعطيها بيده راضيا بها حاقنا بها دمه فكأنه قال حتى يعطيها وهو راض بها ويحتمل عن يد عن نعمة فيكون تقديره حتى يعطوا الجزية عن اعتراف منهم بالنعمة فيها بقبولها منهم وقال بعضهم عن يد يعنى عن نقد من قولهم يدا بيد وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى كل من أطاع لقاهر بشيء أعطاه عن طيب نفس وقهر له من يد في يده فقد أعطاه عن يد قال والصاغر الذليل الحقير وقوله( وهم صاغرون ) قال ابن عباس يمشون

٢٩٢

بها ملببين وقال سلمان مذمومين غير محمودين وقيل إنما كان صغارا لأنها مستحقة عليهم يؤخذون بها ولا يثابون عليها وقال عكرمة الصغار إعطاء الجزية قائما والآخذ جالس وقيل الصغار الذل ويجوز أن يكون المراد به الذلة التي ضربها الله عليهم بقوله( ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس ) والحبل الذمة التي عهدها الله لهم وأمر المسلمين بها فيهم وروى عبد الكريم الجزري عن سعيد بن المسيب أنه كان يستحب أن يتعب الأنباط في الجزية إذا أخذت منهم قال أبو بكر ولم يرد بذلك تعذيبهم ولا تكليفهم فوق طاقتهم وإنما أراد الاستخفاف بهم وإذ لا لهم وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا إسحاق بن الحسن حدثنا أبو حذيفة قال حدثنا سفيان عن سهيل عن أبيه عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا لقيتم المشركين في الطريق فلا تبدءوهم بالسلام واضطروهم إلى أضيقه وحدثنا عبد الباقي قال حدثنا مطير قال حدثنا يوسف الصفار قال حدثنا أبو بكر ابن عياش عن سهيل عن أبيه عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا تصافحوا اليهود والنصارى فهذا كله من الصغار الذي ألبس الله الكفار بكفرهم ونحوه قوله تعالى( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم ) الآية وقال( لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) فنهى في هذه الآيات عن موالاة الكفار وإكرامهم وأمر بإهانتهم وإذ لا لهم ونهى عن الاستعانة بهم في أمور المسلمين لما فيه من العز وعلو اليد وكذلك كتب عمر إلى أبى موسى ينهاه أن يستعين بأحد من أهل الشرك في كتابته وتلا قوله تعالى( لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ) وقال لا تردوهم إلى العز بعد إذلالهم الله وقوله تعالى( حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) قد اقتضى وجوب قتلهم إلى أن تؤخذ منهم الجزية على وجه الصغار والذلة فغير جائز على هذه القضية أن تكون لهم ذمة إذا تسلطوا على المسلمين بالولايات ونفاذ الأمر والنهى إذ كان الله إنما جعل لهم الذمة وحقن دماءهم بإعطاء الجزية وكونهم صاغرين فواجب على هذا قتل من تسلط على المسلمين بالغصوب وأخذ الضرائب والظلم سواء كان السلطان ولاه ذلك أو فعله بغير أمر السلطان وهذا يدل على أن هؤلاء النصارى الذين يتولون أعمال السلطان وظهر منهم ظلم واستعلاء على المسلمين وأخذ الضرائب لا ذمة لهم وأن دماءهم مباحة وإن كان آخذ الضرائب ممن ينتحل الإسلام والقعود على المراصيد لأخذ أموال

٢٩٣

الناس يوجب إباحة دمائهم إذ كانوا بمنزلة قطاع الطريق ومن قصد إنسانا لأخذ ماله فلا خلاف بين الفقهاء أن له قتله وكذلك قال النبي صلّى الله عليه وسلّم من طلب ماله فقاتل فقتل فهو شهيد وفي خبر آخر من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد فإذا كان هذا حكم من طلب أخذ مال غيره غصبا وهو ممن ينتحل الإسلام فالذمى إذا فعل ذلك استحق القتل من وجهين أحدهما ما اقتضاه ظاهر الآية من وجوب قتله والآخر قصده المسلم بأخذ ماله ظلما.

باب وقت وجوب الجزية

قال الله تعالى( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ـ إلى قوله ـحتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) فأوجب قتالهم وجعل إعطاء الجزية غاية لرفعه عنهم لأن حتى غاية هذا حقيقة اللفظ والمفهوم من ظاهره ألا ترى أن قوله( ولا تقربوهن حتى يطهرن ) قد حظر إباحة قربهن إلا بعد وجود طهرهن وكذلك المفهوم من قول القائل لا تعط زيدا شيئا حتى يدخل الدار منع الإعطاء إلا بعد دخوله فثبت بذلك أن الآية موجبة لقتال أهل الكتاب مزيلة ذلك عنهم بإعطاء الجزية وهذا يدل على أن الجزية قد وجبت بعقد الذمة وكذلك كان يقول أبو الحسن الكرخي وذكر ابن سماعة عن أبى يوسف قال لا تؤخذ من الذمي الجزية حتى تدخل السنة ويمضى شهران منها بعض ما عليه بشهرين ونحو ذلك يعامل في الجزية بمنزلة الضريبة كلما كان يمضى شهران أو نحو ذلك أخذت منه قال ابو بكر يعنى بالضريبة الأجرة في الإجارات قال أبو يوسف ولا يؤخذ ذلك منه حين تدخل السنة ولا يؤخذ ذلك منه حتى تتم السنة ولكن يعامل ذلك على سنته قال أبو بكر ذكره للشهرين إنما هو توفية وهي واجبة بإقرارنا إياها على الذمة لما تضمنه ظاهر الآية وذكر ابن سماعة عن أبى يوسف عن أبى حنيفة أنه قال في الذمي يؤخذ منه خراج رأسه في سنته مادام فيها فإذا انقضت السنة لم يؤخذ منه وهذا يدل من قول أبى حنيفة على أنه رآها واجبة بعقد الذمة لهم وأن تأخيرها بعض السنة إنما هو توفية للواجب وتوسعة ألا ترى أنه قال فإذا انقضت السنة لم يؤخذ منه لأن دخول السنة الثانية يوجب جزية أخرى فإذا اجتمعتا سقطت إحداهما وعن أبى يوسف ومحمد اجتماعهما لا يسقط إحداهما وجه قول أبى حنيفة أن الجزية واجبة على وجه العقوبة لإقامتهم على الكفر مع

٢٩٤

كونهم من أهل القتال وحق الأخذ فيها إلى الإمام فأشبهت الحدود إذ كانت مستحقة في الأصل على وجه العقوبة وحق الأخذ إلى الإمام فلما كان اجتماع الحدود من جنس واحد يوجب الاقتصار على واحد منهما مثل أن يزنى مرارا أو يسرق مرارا ثم يرفع إلى الإمام فلا يجب إلا حد واحد بجميع الأفعال كذلك حكم الجزية إذ كانت مستحقة على وجه العقوبة بل هي أخف أمرا وأضعف حالا من الحدود لأنه لا خلاف بين أصحابنا أن إسلامه يسقطها ولا تسقط الحدود بالإسلام* فإن قيل لما كان ذلك دينا وحقا في مال المسلمين لم يسقطه اجتماعه كالديون وخراج الأرضين قيل له خراج الأرضين ليس بصغار ولا عقوبة والدليل عليه أنه يؤخذ من المسلمين والجزية لا تؤخذ من مسلم وقد روى نحو قول أبى حنيفة عن طاوس وروى ابن جريج عن سليمان الأحول عن طاوس قال إذا تداركت صدقات فلا تؤخذ الأولى كالجزية وقد اختلف الفقهاء في الذمي إذا أسلم وقد وجبت عليه جزية هل يؤخذ بها فقال أصحابنا لا يؤخذ وهو قول مالك وعبيد الله بن الحسن وقال ابن شبرمة والشافعى إذا أسلم في بعض السنة أخذ منه بحساب ذلك والدليل على أن الإسلام يسقط ما وجب من الجزية قوله تعالى( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ـ إلى قوله ـحتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) فانتظمت هذه الآية الدلالة من وجهين على صحة ما قلنا أحدهما الأمر بأخذ الجزية ممن يجب قتاله لإقامته على الكفر إن لم يؤدها ومتى أسلم لم يجب قتاله فلا جزية عليه والوجه الثاني قوله تعالى( عن يد وهم صاغرون ) فأمر بأخذها منهم على وجه الصغار والذلة وهذا المعنى معدوم بعد الإسلام إذ غير ممكن أخذها على هذا الوجه ومتى أخذناها على غير هذا الوجه لم تكن جزية لأن الجزية هي ما أخذ على وجه الصغار وقد روى الثوري عن قابوس بن أبى ظبيان عن أبيه عن ابن عباس قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليس على مسلم جزية فنفى صلّى الله عليه وسلّم أخذها من المسلم ولم يفرق بين ما وجب عليه في حال الكفر وبين ما لم يجب بعد الإسلام فوجب بظاهر ذلك إسقاط الجزية عنه بالإسلام ويدل على سقوطها أن الجزية والجزاء واحد ومعناه جزاء الإقامة على الكفر ممن كان من أهل القتال فمتى أسلم سقط عنه بالإسلام المجازاة على الكفر إذ غير جائز عقاب التائب في حال المهلة وبقاء التكليف ولهذا الاعتبار أسقطها أصحابنا بالموت لفوات أخذها منه على وجه الصغار بعد موته فلا يكون ما يأخذه جزية وعلى هذا قالوا فيمن وجبت

٢٩٥

عليه زكاة ماله ومواشيه فمات أنها تسقط ولا يأخذها الإمام منه لأن سبيل أخذها وموضوعها في الأصل سبيل العبادات يسقطها الموت وقالوا فيمن وجبت عليه نفقة امرأته بفرض القاضي فمات أو ماتت أنها تسقط لأن موضوعها عندهم موضوع الصلة إذ ليست بدلا عن شيء ومعنى الصلة لا يتأتى بعد الموت فأسقطوها لهذه العلة فإن قيل الحدود واجبة على وجه العقوبة والتوبة لا تسقطها وكذلك لو أن ذميا أسلم وقد زنى أو سرق في حال كفره لم يكن إسلامه وتوبته مسقطين لحده وإن كان وجوب الحد في الأصل على وجه العقوبة والتائب لا يستحق العقاب على فعل قد صحت منه توبته قيل له أما الحد الذي كان واجبا على وجه العقوبة فقد سقط بالتوبة وما توجبه بعدها ليس هو الحد المستحق على وجه العقوبة بل هو حج واجب على وجه المحنة بدلالة قامت لنا على وجوبه غير الدلالة الموجبة للحد الأول على وجه العقوبة فإن قامت دلالة على وجوب أخذ المال منه بعد إسلامه لا على وجه الجزية والعقوبة لما ناب إيجابه إلا أنه لا يكون جزية لأن اسم الجزية يتضمن كونها عقوبة وأنت فإنما تزعم أنه تؤخذ منه الجزية بعد إسلامه فإن اعترفت بأن المأخوذ منه غير جزية وأن الجزية التي كانت واجبة قد سقطت وإنما يجب مال آخر غير الجزية فإنما أنت رجل سمتنا إيجاب مال على مسلم من غير سبب يقتضى إيجابه وهذا لا نسلم لك به إلا بدلالة وقد روى المسعودي عن محمد بن عبد الله الثقفي أن دهقانا أسلم فقام إلى على رضى الله عنه فقال له على أما أنت فلا جزية عليك وأما أرضك فلنا وفي لفظ آخر إن تحولت عنها فنحن أحق بها وروى معمر عن أيوب عن محمد قال أسلم رجل فأخذ بالخراج وقيل له إنك متعود بالإسلام فقال إن في الإسلام لمعاذا إن فعلت فقال عمر أجل والله إن في الإسلام معاذا إن فعل فرفع عنه الجزية وروى حماد ابن سلمة عن حميد قال كتب عمر بن عبد العزيز من شهد شهادتنا واستقبل قبلتنا واختتن فلا تأخذوا منه الجزية فلم يفرق هؤلاء السلف بين الجزية الواجبة قبل الإسلام وبين حاله بعد الإسلام في نفيها عن كل مسلم وقد كان آل مروان يأخذون الجزية ممن أسلم من أهل الذمة ويذهبون إلى أن الجزية بمنزلة ضريبة العبد فلا يسقط إسلام العبد ضريبته وهذا خلل في جنب ما ارتكبوه من المسلمين ونقض الإسلام عروة عروة إلى أن ولى عمر بن عبد العزيز فكتب إلى عامله بالعراق عبد الحميد بن عبد الرحمن أما بعد فإن الله

٢٩٦

بعث محمدا صلّى الله عليه وسلّم داعيا ولم يبعثه جابيا فإذا أتاك كتابي هذا فارفع الجزية عمن أسلم من أهل الذمة فلما ولى هشام بن عبد الملك أعادها على المسلمين وكان أحد الأسباب التي لها استجاز القراء والفقهاء قتال عبد الملك بن مروان والحجاج لعنهما الله أخذهم الجزية من المسلمين ثم صار ذلك أيضا أحد أسباب زوال دولتهم وسلب نعمتهم وروى عبد الله بن صالح قال حدثنا حرملة بن عمران عن يزيد بن أبى حبيب قال أعظم ما أتت هذه الأمة بعد نبيها ثلاث خصال قتلهم عثمان وإحراقهم الكعبة وأخذهم الجزية من المسلمين وأما قولهم أن الجزية بمنزلة ضريبة العبد فليس ببدع هذا من جهلهم إذ قد جهلوا من أمور الإسلام ما هو أعظم منه وذلك لأن أهل الذمة ليسوا عبيدا ولو كانوا عبيدا لما زال عنهم الرق بإسلامهم لأن إسلام العبد لا يزيل رقه وإنما الجزية عقوبة عوقبوا بها لإقامتهم على الكفر فمتى أسلموا لم يجز أن يعاقبوا بأخذها منهم ألا ترى أن العبد النصراني لا تؤخذ منه الجزية فلو كان أهل الذمة عبيدا لما أخذ منهم الجزية.

في خراج الأرض هل هو جزية

قال أبو بكر اختلف أهل العلم في خراج الأرضين هل هو صغار وهل يكره للمسلم أن يملك أرض الخراج فروى عن ابن عباس وابن عمر وجماعة من التابعين كراهته ورواه داخلا في آية الجزية وهو قول الحسن بن حي وشريك وقال آخرون الجزية إنما هي خراج الرءوس ولا يكره للمسلم أن يشترى أرض خراج وليس ذلك بصغار وهو قول أصحابنا وابن أبى ليلى وروى عن عبد الله بن مسعود ما يدل على أنه لم يكرهه وهو ما روى شعبة عن الأعمش عن شمر بن عطية عن رجل من طيئ عن أبيه عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا قال عبد الله وبراذان ما براذان وبالمدينة ما بالمدينة يعنى أن له ضيعة براذان وضيعة بالمدينة ومعلوم أن راذان من الأرض الخراج فلم يكره عبد الله ملك أرض الخراج وروى عن عمر بن الخطاب في دهقانة نهر الملك حين أسلمت إن أقامت على أرضها أخذنا منها الخراج وروى أن ابن الرفيل أسلم فقال مثل ذلك وعن على في رجل من أهل الأرض أسلم فقال إن أقمت على أرضك أخذنا منك الخراج وإلا فنحن أولى بها وروى عن سعد بن أبى وقاص وسعيد بن زيد مثل ذلك وروى سهيل بن أبى صالح عن أبيه عن أبى هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال منعت

٢٩٧

العراق قفيزها ودرهمها ومنعت الشام مداها ودينارها ومنعت مصر أردبها وعدتم كما بدأتم ثلاث مرات يشهد على ذلك لحم أبى هريرة رضى الله تعالى عنه ودمه وهذا يدل على أن خراج الأرض ليس بصغار من وجهين أحدهما أنه لم يكره لهم ملك أرض الخراج التي عليها قفيز ودرهم ولو كان ذلك مكروها لذكره والثاني أنه أخبر عن منعهم لحق الله المفترض عليهم بالإسلام وهو معنى قوله عدتم كما بدأتم يعنى في منع حق الله فدل على أنه كسائر الحقوق اللازمة لله تعالى مثل الزكوات والكفارات لا على وجه الصغار والذلة وأيضا لم يختلفوا أن الإسلام يسقط جزية الرءوس ولا يسقط عن الأرض فلو كان صغارا لأسقطه الإسلام فإن قيل لما كان خراج الأرضين فيا وكذلك جزية الرءوس دل على أنه صغار قيل له ليس كذلك لأن من الفيء ما يصرف إلى الغانمين ومنه ما يصرف إلى الفقراء والمساكين وهو الخمس وهذا كلام في الوجه الذي يصرف فيه وليس يوجب ذلك أن يكون صغارا لأن الصغار في الفيء هو ما يبتدأ به الذي يجب عليه فأما ما قد وجب في الأرض من الحق ثم ملكها مسلم فإن ملك المسلم له لا يزيله إذ كان وجوبه فيها متقدم لملكه وهو حق لكافة المسلمين ولم تكن الجزية صغارا من حيث كانت فيا وإنما كانت عقوبة وليس خراج الأرضين على وجه العقوبة ألا ترى أن أرض الصبى والمعتوه يجب فيهما الخراج ولا تؤخذ منهما الجزية لأن الجزية عقوبة وخراج الأرضين ليس كذلك.

(فصل) إن قال قائل من الملحدين كيف جاز إقرار الكفار على كفرهم بأداء الجزية بدلا من الإسلام قيل له ليس أخذ الجزية منهم رضا بكفرهم ولا إباحة لبقائهم على شركهم وإنما الجزية عقوبة لهم لإقامتهم على الكفر وتبقيتهم على كفرهم بالجزية كهي لو تركناهم بغير جزية تؤخذ منهم إذ ليس في العقل إيجاب قتلهم لأنه لو كان كذلك لما جاز أن يبقى الله كافرا طرفة عين فإذا بقاهم لعقوبة يعاقبهم بها مع التبقية استدعاء لهم إلى التوبة من كفرهم واستمالة لهم إلى الإيمان لم يكن ممتنعا إمهاله إياهم إذ كان في علم الله أن منهم من يؤمن ومنهم من يكون من نسله من يؤمن بالله فكان في ذلك أعظم المصلحة مع ما للمسلمين فيها من المرفق والمنفعة فليس إذا في إقرارهم على الكفر وترك قتلهم بغير جزية ما يوجب الرضا بكفرهم ولا الإباحة لاعتقادهم وشركهم فكذلك إمهالهم بالجزية جائز في العقل إذ ليس فيه أكثر من تعجيل بعض عقابهم المستحق بكفرهم وهو ما يلحقهم من

٢٩٨

الذل والصغار بأدائها قوله تعالى( وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ) قيل إنه أراد فرقة من اليهود قالت ذلك والدليل على ذلك أن اليهود قد سمعت ذلك في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم فلم تنكره وهو كقول القائل الخوارج ترى الاستعراض وقتل الأطفال والمراد فرقة منهم لا جميعهم وكقولك جاءني بنو تميم والمراد بعضهم قال ابن عباس قال ذلك جماعة من اليهود جاءوا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقالوا ذلك وهم سلام بن مشكم ونعمان بن أوفى وشاس بن قيس ومالك بن الصيف فأنزل الله تعالى هذه الآية وليس في اليهود من يقول ذلك الآن فيما نعلم وإنما كانت فرقة منهم قالت ذلك فانقرضت قوله تعالى( يضاهؤن قول الذين كفروا من قبل ) يعنى يشابهونهم ومنه امرأة ضهياء للتي لا تحيض لأنها أشبهت الرجال من هذا الوجه فساوى المشركين الذين جعلوا الأصنام شركاء لله سبحانه وتعالى لأن هؤلاء جعلوا المسيح وعزيزا اللذين هما خلقان لله ولدين له وشريكين كما جعل أولئك الأصنام المخلوقة شركاء لله تعالى قال ابن عباس( الذين كفروا من قبل ) يعنى به عبدة الأوثان الذين عبدوا اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى وقيل إنهم يضاهئونهم لأن أولئك قالوا الملائكة بنات الله وقال هؤلاء عزيز ومسيح ابنا الله وقيل يضاهئونهم في تقليد أسلافهم وقوله تعالى( ذلك قولهم بأفواههم ) يعنى أنه لا يرجع إلى معنى صحيح ولا حقيقة له ولا محصول أكثر من وجوده في أفواههم وقوله( قاتلهم الله ) قال ابن عباس لعنهم الله وقيل إن معناه قتلهم الله كقولهم عافاه الله أى أعفاه الله من السوء وقيل إنه جعل كالقاتل لغيره في عداوة الله عز وجل قوله تعالى( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم ) قيل إن الحبر العالم الذي صناعته تحبير المعاني بحسن البيان عنها يقال فيه حبر وحبير والراهب الخاشى الذي يظهر عليه لباس الخشية يقال راهب ورهبان وقد صار مستعملا في متنسكى النصارى وقوله( أربابا من دون الله ) قيل فيه وجهان أحدهما أنهم كانوا إذا حرموا عليهم شيئا حرموه وإذا أحلوا لهم شيئا استحلوه وروى في حديث عدى بن حاتم لما أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم قال فتلا النبي صلّى الله عليه وسلّم( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ) قال قلت يا رسول الله إنهم لم يكونوا يعبدونهم قال أليس كانوا إذا حرموا عليهم شيئا حرموه وإذا أحلوا لهم شيئا أحلوه قال قلت نعم قال فتلك عبادتهم إياهم ولما كان التحليل والتحريم لا يجوز إلا من جهة العالم

٢٩٩

بالمصالح ثم قلدوا أحبارهم هؤلاء أحبارهم ورهبانهم في التحليل والتحريم وقبلوه منهم وتركوا أمر الله تعالى فيما حرم وحلل صاروا متخذين لهم أربابا إذ نزلوهم في قبول ذلك منهم منزلة الأرباب وقيل إن معناه إنهم عظموهم كتعظيم الرب لأنهم يسجدون لهم إذا رأوهم وهذا الضرب من التعظيم لا يستحقه غير الله تعالى فلما فعلوا ذلك فهم كانوا متخذين لهم أربابا قوله تعالى( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ) فيه بشارة للنبي صلّى الله عليه وسلّم وللمؤمنين بنصرهم وإظهار دينهم على سائر الأديان وهو إعلاؤه بالحجة والغلبة وقهر أمته لسائر الأمم وقد وجد مخبره على ما أخبر به بظهور أمته وعلوها على سائر الأمم المخالفة لدين الإسلام وفيه الدلالة على صحة نبوة النبي صلّى الله عليه وسلّم وعلى أن القرآن كلام الله ومن عنده وذلك لأن مثله لا يتفق للمتخرصين والكذابين مع كثرة ما في القرآن من الإخبار عن الغيوب إذ لا يعلم الغيب إلا الله فهو إذا كلامه وخبره ولا ينزل الله كلامه إلا على رسوله قوله تعالى( يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ) أكل المال بالباطل هو تملكه من الجهة المحظورة وروى عن الحسن إنهم كانوا يأخذون الرشى في الحكم وذكر الأكل والمراد وجوه المنافع والتصرف إذ كان أعظم منافعه الأكل والشرب وهو كقوله تعالى( لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ) والمراد سائر وجوه المنافع وكقوله تعالى( ولا تأكلوا أموالهم ـ وـإن الذين يأكلون أموال اليتامى ) قوله تعالى( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله ) الآية يقتضى ظاهره إيجاب إنفاق جميع المال لأن الوعيد لا حق بتارك إنفاق الجميع لقوله( ولا ينفقونها ) ولم يقل ولا ينفقون منها فإن قيل لو كان المراد الجميع لقال ولا ينفقونهما قيل له لأن الكلام رجع إلى مدلول عليه كأنه قال ولا ينفقون الكنوز والآخر أن يكتفى بأحدهما عن الآخر للإيجاز كقوله تعالى( وإذا رأوا تجارة أو لهوا أنفضوا إليها ) قال الشاعر :

نحن بما عندنا وأنت بما

عندك راض والرأى مختلف

والمعنى راضون والدليل على أنه راجع إليهما جميعا أنه لو رجع إلى أحدهما دون الآخر لبقي أحدهما عاريا من خبره فيكون كلاما منقطعا لا معنى له إذ كان قوله( والذين يكنزون الذهب والفضة ) مفتقرا إلى خبر ألا ترى أنه لا يجوز الاقتصار عليه وقد روى في معنى

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412