أحكام القرآن الجزء ٤

أحكام القرآن0%

أحكام القرآن مؤلف:
تصنيف: مفاهيم القرآن
الصفحات: 412

أحكام القرآن

مؤلف: أبي بكر أحمد بن علي الرازي الجصّاص
تصنيف:

الصفحات: 412
المشاهدات: 61967
تحميل: 5589


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 412 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 61967 / تحميل: 5589
الحجم الحجم الحجم
أحكام القرآن

أحكام القرآن الجزء 4

مؤلف:
العربية

في المخالفة التي توجب الفرقة قوله تعالى( قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا ) روى عن الحسن كل ما يصيبنا من خير وشر فهو مما كتبه في اللوح المحفوظ فليس على ما يتوهمه الكفار من إهمالنا من غير أن يرجع أمرنا إلى تدبير ربنا وقيل لن يصيبنا في عاقبة أمرنا إلا ما كتب الله لنا من النصر الذي وعدنا قوله تعالى( قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم ) صيغته الأمر والمراد البيان عن التمكن من الطاعة والمعصية كقوله( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) وقيل معناه الخبر الذي يدخل فيه إن الجزاء كما قال كثير:

أسيء بنا أو أحسني لا ملومة

لدينا ولا مقلية إن تقلت

ومعناه إن أحسنت أو أسأت لم تلام قوله تعالى( فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا ) قيل فيه ثلاثة أوجه قال ابن عباس وقتادة فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة فكان ذلك عندهما على تقديم الكلام وتأخيره وقال الحسن ليعذبهم في الزكاة بالإنفاق في سبيل الله وقال آخرون يعذبهم بها بالمصائب وقيل قد يكون صفة الكفار بالسبي وغنيمة الأموال وهذه اللام التي في قوله( ليعذبهم ) هي لام العاقبة كقوله تعالى( ليكون لهم عدوا وحزنا ) قوله تعالى( ويحلفون بالله إنهم لمنكم ) الحلف تأكيد الخبر بذكر المعظم على منهاج والله وبالله والحروف الموضوعة للقسم واليمين إلا أن الحلف من إضافة الخبر إلى المعظم وقوله( ويحلفون بالله ) إخبار عنهم باليمين بالله هو يمين بمنزلة لو حذف عن المستقبل في أنهم سيحلفون بالله وقول القائل أحلف بالله هو يمين بمنزلته لو حذف ذكر الحلف وقال بالله لأنه بمنزلة قوله أنا حالف بالله إلا أن يريد به العدة فلا يكون يمينا فهو ينصرف على المعنى والظاهر منه إيقاع الحلف بهذا القول كقولك أنا أعتقد الإسلام ويحتمل العدة وأما قوله بالله فهو إيقاع لليمين وإن كان فيه إضمار أحلف بالله أو قد حلفت بالله وقيل إنما حذف ذكر الحلف ليدل على وقع الحلف ويزول احتمال العدة كما حذف في والله لأفعلن ليدل على أن القائل حلف لا وأعد وقوله تعالى( إنهم لمنكم ) معناه في الإيمان والطاعة والدين والملة فأكذبهم الله تعالى والإضافة منهم جائزة إذا كان على دينهم كما قال( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ـ وـالمنافقون والمنافقات

٣٢١

بعضهم من بعض ) فنسب بعضهم إلى بعض لاتفاقهم في الدين والملة قوله تعالى( ومنهم من يلمزك في الصدقات ) قال الحسن يعيبك وقيل اللمز العيب سرا والهمز العيب بكثرة العيب وقال قتادة يطعن عليك ويقال إن هؤلاء كانوا قوما منافقين أرادوا أن يعطيهم رسول الله من الصدقات ولم يكن جائزا أن يعطيهم منها لأنهم ليسوا من أهلها فطعنوا على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم في قسمة الصدقات وقالوا يؤثر بها أقرباءه وأهل مودته ويدل عليه قوله تعالى( فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون ) وأخبر أنه لا حظ لهؤلاء في الصدقات وإنما هي للفقراء والمساكين ومن ذكر* قوله تعالى( ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله ) فيه ضمير جواب لو تقديره ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله لكان خيرا لهم أو أعود عليهم وحذف الجواب في مثله أبلغ لأنه لتأكيد الخبر به استغنى عن ذكره مع أن النفس تذهب إلى كل نوع منه والذكر يقصره على المذكور منه دون غيره وفيه إخبار على أن الرضا بفعل الله يوجب المزيد من الخير جزاء للراضى على فعله* قوله تعالى( إنما الصدقات للفقراء والمساكين ) الآية قال الزهري الفقير الذي لا يسئل والمسكين الذي يسئل وروى ابن سماعة عن أبى يوسف عن أبى حنيفة في حد الفقير والمسكين مثل هذا وهذا يدل على أنه رأى المسكين أضعف حالا وأبلغ في جهد الفقر والعدم من الفقير وروى عن ابن عباس والحسن وجابر ابن زيد والزهري ومجاهد قالوا الفقير المتعفف الذي لا يسأل والمسكين الذي يسأل فكان قول أبى حنيفة موافقا لقول هؤلاء السلف ويدل على هذا قوله تعالى( للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسئلون الناس إلحافا ) فسماهم فقراء ووصفهم بالتعفف وترك المسألة وروى عن قتادة قال الفقير ذو الزمانة من أهل الحاجة والمسكين الصحيح منهم وقيل إن الفقير هو المسكين إلا أنه ذكر بالصفتين لتأكيد أمره في استحقاق الصدقة وكان شيخنا أبو الحسن الكرخي رحمه الله يقول المسكين هو الذي لا شيء له والفقير هو الذي له أدنى بلغة وبكى ذلك عن أبى العباس ثعلب قال وقال أبو العباس حكى عن بعضهم أنه قال قلت لأعرابى أفقير أنت قال لا بل مسكين وأنشد عن ابن الأعرابى :

أما الفقير الذي كانت حلوبته

وفق العيال فلم يترك له سبد

٣٢٢

فسماه فقيرا مع وجود الحلوبة قال وحكى محمد بن سلام الجمحي عن يونس النحوي أنه قال الفقير يكون له بعض ما يغنيه والمسكين الذي لا شيء له* قال أبو بكر قوله تعالى( يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف ) يدل على أن الفقير قد يملك بعض ما يغنيه لأنه لا يحسبه الجاهل بحاله غنيا إلا وله ظاهر جميل وبزة حسنة فدل على أن ملكه لبعض ما يغنيه لا يسلبه صفة الفقر وكان أبو الحسن يستدل على ما قال في صفة المسكين بحديث أبى هريرة عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم قال إن المسكين ليس بالطواف الذي ترده التمرة والتمرتان والأكلة والأكلتان ولكن المسكين الذي لا يجد ما يغنيه قال فلما نفى المبالغة في المسكنة عمن ترده التمرة والتمرتان وأثبتها لمن لا يجد ذلك وسماه مسكينا دل ذلك على أن المسكين أضعف حالا من الفقير قال ويدل عليه قوله تعالى( أو مسكينا ذا متربة ) روى في التفسير أنه الذي قد لزق بالتراب وهو جائع عار لا يواريه عن التراب شيء فدل ذلك على أن المسكين في غاية الحاجة والعدم فإن قيل قال الله تعالى( أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر ) فأثبت لهم ملك السفينة وسماهم مساكين قيل له قد روى أنهم كانوا أجراء فيها وأنهم لم يكونوا ملاكا لها وإنما وتارة إلى أزواجه ومعلوم أنها لم تخل من أن تكون ملكا له أو لهن لأنه لا يجوز أن تكون لهن وله في حال واحدة لاستحالة كونها ملكا لكل واحد منهم على حدة فثبت أن الإضافة إنما صحت لأجل التصرف والسكنى كما يقال هذا منزل فلان وإن كان ساكنا فيه غير مالك له وهذا مسجد فلان ولا يراد به الملك وكذلك قوله( أما السفينة فكانت لمساكين ) هو على هذا المعنى ويقال إن الفقير إنما سمى بذلك لأنه من ذوى الحاجة بمنزلة من قد كسرت فقاره يقال منه فقر الرجل فقرا وأفقره الله إفقارا وتفاقر تفاقرا والمسكين الذي قد أسكنته الحاجة وروى عن إبراهيم النخعي والضحاك في الفرق بين الفقير والمسكين أن الفقراء المهاجرون والمساكين من غير المهاجرين كأنهما ذهبا إلى قوله تعالى( للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم ) وروى سعيد عن قتادة قال الفقير الذي به زمانة وهو فقير إلى بعض جسده وبه حاجة والمسكين المحتاج الذي لا زمانة به وروى معمر عن أيوب عن ابن سيرين أن عمر بن الخطاب قال ليس المسكين بالذي لا مال له ولكن

٣٢٣

المسكين الذي لا يصيب المكسب وهذا الذي قدمنا يدل على أن الفقير أحسن حالا من المسكين وأن المسكين أضعف حالا منه وقد روى أبو يوسف عن أبى حنيفة فيمن قال ثلث مالي للفقراء والمساكين ولفلان أن لفلان الثلث والثلثان للفقراء والمساكين فهذا موافق لما روى عنه في الفرق بين الفقير والمسكين وأنهما صنفان وروى عن أبى يوسف في هذه المسألة أن نصف الثلث لفلان ونصفه للفقراء والمساكين وهذا يدل على أنه جعل الفقراء والمساكين صنفا واحدا وقوله تعالى( والعاملين عليها ) فإنهم السعاة لجباية الصدقة روى عن عبد الله بن عمر أنهم يعطون بقدر عمالتهم وعن عمر بن عبد العزيز مثله ولا نعلم خلافا بين الفقهاء أنهم لا يعطون الثمن وأنهم يستحقون منها بقدر عملهم وهذا يدل على بطلان قول من أوجب قسمة الصدقات على ثمانية ويدل أيضا على أن أخذ الصدقات إلى الإمام وأنه لا يجزى أن يعطى رب الماشية صدقتها الفقراء فإن فعل أخذها الإمام ثانيا ولم يحتسب له بما أدى وذلك لأنه لو جاز لأرباب الأموال أداؤها إلى الفقراء لما احتيج إلى عامل لجبايتها فيضر بالفقراء والمساكين فدل ذلك على أن أخذها إلى الإمام وأنه لا يجوز له إعطاؤها الفقراء قوله تعالى( والمؤلفة قلوبهم ) فإنهم كانوا قوما يتألفون على الإسلام بما يعطون من الصدقات وكانوا يتألفون بجهات ثلاث إحداها للكبار لدفع معرتهم وكف أذيتهم عن المسلمين والاستعانة بهم على غيرهم من المشركين والثانية لاستمالة قلوبهم وقلوب غيرهم من الكفار إلى الدخول في الإسلام ولئلا يمنعوا من أسلم من قومهم من الثبات على الإسلام ونحو ذلك من الأمور والثالثة إعطاء قوم من المسلمين حديثي العهد بالكفر لئلا يرجعوا إلى الكفر وقد روى الثوري عن أبيه عن أبى نعيم عن أبى سعيد الخدري قال بعث على بن أبى طالب بذهبة في أديم مقروظ فقسمها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم بين زيد الخير والأقرع بن حابس وعيينة بن حصن وعلقمة بن علاثة فغضبت قريش والأنصار وقالوا يعطى صناديد أهل نجد قال إنما أتألفهم وروى بن أبى ذئب عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم إنى لأعطى الرجل العطاء وغيره أحب إلى منه وما أفعل ذلك إلا مخافة أن يكبه الله في نار جهنم على وجهه وروى عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري قال أخبرنى أنس بن مالك أن ناسا من الأنصار قالوا يوم حنين حين أفاء الله على رسوله أموال هوازن وطفق رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم يعطى رجالا

٣٢٤

من قريش المائة من الإبل كل رجل منهم فذكر حديثا فيه فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم إنى لأعطى رجالا حديثي عهد بكفر أتألفهم أصانعهم أفلا ترضون أن يذهب الناس بالأموال وترجعون برسول الله إلى رحالكم وهذا يدل على أنه قد كان يتألف بما يعطى قوما من المسلمين حديثي عهد بالإسلام لئلا يرجعوا كفارا وروى الزهري عن سعيد بن المسيب عن صفوان بن أمية قال أعطانى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وإنه لأبغض الناس إلى فما زال يعطيني حتى أنه لأحب الخلق إلى وروى محمود بن لبيد عن أبى سعيد الخدري قال لما أصاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم الغنائم بحنين وقسم للمتألفين من قريش وفي سائر العرب ما قسم وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم وذكر الحديث وقال فيه قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم لهم أوجدتم في أنفسكم يا معشر الأنصار في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا ووكلتكم إلى ما قسم الله لكم من الإسلام ففي هذا الحديث أنه تألفهم ليسلموا وفي الأول إنى لأعطى رجالا حديثي عهد بكفر فدل على أنه قد كان يتألف بذلك المسلمين والكفار جميعا وقد اختلف في المؤلفة قلوبهم فقال أصحابنا إنما كانوا في عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم في أول الإسلام في حال قلة عدد المسلمين وكثرة عدوهم وقد أعز الله الإسلام وأهله واستغنى بهم عن تألف الكفار فإن احتاجوا إلى ذلك فإنما ذلك لتركهم الجهاد ومتى اجتمعوا وتعاضدوا لم يحتاجوا إلى تألف غيرهم بمال يعطونه من أموال المسلمين وقد روى نحو قول أصحابنا عن جماعة من السلف روى عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن حجاج بن دينار عن ابن سيرين عن عبيدة قال جاء عيينة بن حصن والأقرع بن حابس إلى أبى بكر فقالا يا خليفة رسول الله إن عندنا أرضا سبخة ليس فيها كلا ولا منفعة فإن رأيت أن تعطيناها فأقطعها إياها وكتب لهما عليها كتابا وأشهد وليس في القوم عمر فانطلقا إلى عمر ليشهد لهما فلما سمع عمر ما في الكتاب تناوله من أيديهما ثم تفل فمحاه فتذمر او قالا مقالة سيئة فقال إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم كان يتألفكما والإسلام يومئذ قليل وإن الله قد أغنى الإسلام اذهبا فاجهدا جهد كما لا يرعى الله عليكما إن رعيتما قال أبو بكر رحمه الله فترك أبى بكر الصديق رضى الله عنه النكير على عمر فيما فعله بعد إمضائه الحكم يدل على أنه عرف مذهب عمر فيه حين نبهه عليه وأن سهم المؤلفة قلوبهم كان مقصورا على الحال التي كان عليها أهل الإسلام من قلة العدد وكثرة عدد الكفار وأنه لم ير الاجتهاد سائغا في

٣٢٥

ذلك لأنه لوسوغ الاجتهاد فيه لما أجاز فسخ الحكم الذي أمضاه فلما أجاز له ذلك دل على أنه عرف بتنبيه عمر إياه على ذلك امتناع جواز الاجتهاد في مثله وروى إسرائيل عن جابر عن أبى جعفر قال ليس اليوم مؤلفة قلوبهم وروى إسرائيل أيضا عن جابر بن عامر في المؤلفة قلوبهم قال كانوا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فلما استخلف أبو بكر انقطع الرشا وروى ابن أبى زائدة عن مبارك عن الحسن قال ليس المؤلفة قلوبهم كانوا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وروى معقل بن عبيد الله قال سألت الزهري عن المؤلفة قال من أسلم من يهودي أو نصراني قلت وإن كان غنيا قال وإن كان غنيا قوله تعالى( وفي الرقاب ) فإن أهل العلم مختلفون فيه فقال إبراهيم النخعي والشعبي وسعيد بن جبير ومحمد بن سيرين لا يجزى أن تعتق من الزكاة رقبة وهو قول أصحابنا والشافعى وقال ابن عباس أعتق من زكاتك وكان سعيد بن جبير لا يعتق من الزكاة مخافة جر الولاء وقال في الرقاب إنها رقاب يبتاعون من الزكاة ويعتقون فيكون ولاؤهم لجماعة المسلمين دون المعتقين قال مالك والأوزاعى لا يعطى المكاتب من الزكاة شيئا ولا عبدا موسرا كان مولاه أو معسرا ولا يعطون من الكفارات أيضا قال مالك لا يعتق من الزكاة إلا رقبة مؤمنة* قال أبو بكر لا نعلم خلافا بين السلف في جواز إعطاء المكاتب من الزكاة فثبت أن إعطاءه مراد بالآية والدفع إليه صدقة صحيحة وقال الله تعالى( إنما الصدقات للفقراء ـ إلى قوله ـوفي الرقاب ) وعتق الرقبة لا يسمى صدقة وما أعطى في ثمن الرقبة فليس بصدقة لأن بائعها أخذه ثمنا لعبده فلم تحصل بعتق الرقبة صدقة والله تعالى إنما جعل الصدقات في الرقاب فما ليس بصدقة فهو غير مجزئ وأيضا فإن الصدقة تقتضي تمليكا والعبد لم يملك شيئا بالعتق وإنما سقط عن رقبته وهو ملك للمولى ولم يحصل ذلك الرق للعبد لأنه لو حصل له لوجب أن يقوم فيها مقام المولى فيتصرف في رقبته كما يتصرف المولى فثبت أن الذي حصل للعبد إنما هو سقوط ملك المولى وأنه لم يملك بذلك شيئا فلا يجوز أن يكون ذلك مجزيا من الصدقة إذ شرط الصدقة وقوع الملك للمتصدق عليه وأيضا فإن العتق واقع في ملك المولى غير منتقل إلى الغير ولذلك ثبت ولاؤه منه فغير جائز وقوعه عن الصدقة ولما قامت الحجة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم أن الولاء لمن أعتق وجب أن لا يكون الولاء لغيره فإذا انتفى أن يكون الولاء إلا لمن أعتق ثبت أن المراد به المكاتبون وأيضا روى عبد الرحمن

٣٢٦

ابن سهل بن حنيف عن أبيه أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم قال من أعان مكاتبا في رقبته أو غازيا في عسرته أو مجاهدا في سبيل الله أضله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله فثبت بذلك أن الصدقة على المكاتبين معونة لهم في رقابهم حتى يعتقوا وذلك موافق لقوله تعالى( وفي الرقاب ) وروى طلحة اليماني عن عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء بن عازب قال قال أعرابى للنبي صلى الله عليه وآله وسلم علمني عملا يدخلني الجنة قال لئن كنت أقصرت الخطبة لقد عرضت المسألة أعتق النسمة وفك الرقبة قال أو ليسا سواء قال لا عتق النسمة أن تفوز بعتقها وفك الرقبة أن واسق الظمآن وأمر بالمعروف وأنه عن المنكر فإن لم تطق ذلك فكف لسانك إلا من خير فجعل عتق النسمة غير فك الرقبة فلما قال( وفي الرقاب ) كان الأولى أن يكون في معونتها بأن يعطى المكاتب حتى يفك العبد رقبته من الرق وليس هو ابتياعها وعتقها لأن الثمن حينئذ يأخذه البائع وليس في ذلك قربة وإنما القربة في أن يعطى العبد نفسه حتى يفك به رقبته وذلك لا يكون إلا بعد الكتابة لأنه قبلها يحصل للمولى وإذا كان مكاتبا فما يأخذه لا يملكه المولى وإنما يحصل للمكاتب فيجزى من الزكاة وأيضا فإن عتق الرقبة يسقط حق المولى عن رقبته من غير تمليك ولا يحتاج فيه إلى إذن المولى فيكون بمنزلة من قضى دين رجل بغير أمره فلا يجزى من زكاته وإن دفعه إلى الغارم فقضى به دين نفسه جاز كذلك إذا دفعه إلى الغارم فقضى به دين نفسه جاز كذلك إذا دفعه إلى المكاتب فملكه أجزأه عن الزكاة وإذا أعتقه لم يجزه لأنه لم يملكه وحصل العتق بغير قبوله ولا إذنه قوله تعالى( والغارمين ) قال أبو بكر لم يختلفوا أنهم المدينون وفي هذا دليل على أنه إذا لم يملك فضلا عن دينه مائتي درهم فإنه فقير تحل له الصدقة لأن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم قال أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردها في فقرائكم فحصل لنا بمجموع الآية والخبر أن الغارم فقير إذ كانت الصدقة لا تعطى إلا الفقراء بقضية قوله صلّى الله عليه وآله وسلم وأردها في فقرائكم وهذا يدل أيضا على أنه إذا كان عليه دين يحيط بماله وله مال كثير أنه لا زكاة عليه إذ كان فقيرا يجوز له أخذ الصدقة والآية خاصة في بعض الغارمين دون بعض وذلك لأنه لو كان له ألف درهم وعليه دين مائة درهم لم تحل له الزكاة ولم يجز معطيه إياها وإن كان غارما فثبت أن المراد الغريم الذي لا يفضل له عما في يده بعد قضاء دينه

٣٢٧

مقدار مائتي درهم أو ما يساويها فيجعل المقدار المستحق بالدين مما في يده كأنه في غير ملكه وما فضل عنه فهو فيه بمنزلة من لا دين عليه وفي جعله الصدقة للغارمين دليل أيضا على أن الغارم إذا كان قويا مكتسبا فإن الصدقة تحل له إذ لم تفرق بين القادر على الكسب والعاجز عنه وزعم الشافعى أن من تحمل حمالة عشرة آلاف درهم وله مائة ألف درهم أن الصدقة تحل له وإن كان عليه دين من غير الحمالة لم تحل له واحتج فيه بحديث قبيصة ابن المخارق أنه تحمل حمالة فسأل النبي صلّى الله عليه وآله وسلم فيها فقال إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة رجل تحمل حمالة فيسأل فيها حتى يؤديها ورجل أصابته جائحة فاجتاحت ماله فيسأل حتى يصيب قواما من عيش ورجل أصابته فاقة وحاجة حتى يشهد ثلاثة من ذوى الحجى من قومه إن فلانا أصابته فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب سدادا من عيش ثم يمسك وما سوى ذلك فهو سحت ومعلوم أن الحمالة وسائر الديون سواء لأن الحمالة هي الكفالة والحميل هو الكفيل فإذا كان النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أجاز له المسألة لأجل ما عليه من دين الكفالة وقد علم مساواة دين الكفالة وقد علم لسائر الديون فلا فرق بين شيء منها فينبغي أن تكون إباحة المسألة لأجل الحمالة محمولة على أنه لم يقدر على أدائها وكان الغرم الذي لزمه بإزاء ما في يده من ماله كما نقول في سائر الديون وروى إسرائيل عن جابر بن أبى جعفر في قوله تعالى( والغارمين ) قال المستدين في غير سرف حق على الإمام يقضى عنه وقال سعيد في قوله( والغارمين ) قال ناس عليهم دين من غير فساد ولا إتلاف ولا تبذير فجعل الله لهم فيها سهما وإنما ذكر هؤلاء في الدين أنه من غير سرف ولا إفساد لأنه إذا كان مبذرا مفسدا لم يؤمن إذا قضى دينه أن يستدين مثله فيصرفه في الفساد فكرهوا قضاء دين مثله لئلا يجعله ذريعة إلى السرف والفساد ولا خلاف في جواز قضاء دين مثله ودفع الزكاة إليه وإنما ذكر هؤلاء عدم الفساد والتبذير فيما استدان على وجه الكراهة لا على وجه الإيجاب وروى عبيد الله بن موسى عن عثمان بن الأسود عن مجاهد في قوله( والغارمين ) قال الغارم من ذهب السيل بماله أو أصابه حريق فأذهب ماله أو رجل له عيال لا يجد ما ينفق عليهم فيستدين قال أبو بكر أما من ذهب ماله وليس عليه دين فلا يسمى غريما لأن الغرم هو اللزوم والمطالبة فمن لزمه الدين يسمى غريما ومن له الدين أيضا يسمى غريما لأن له اللزوم والمطالبة فأما من ذهب ماله فليس بغريم وإنما يسمى

٣٢٨

فقيرا أو مسكينا وقد روى أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم كان يستعذ بالله من المأثم والمغرم فقيل له في ذلك فقال إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف وإنما أراد إذا لزمه الدين ويجوز أن يكون مجاهد أراد من ذهب ماله وعليه دين لأنه إذا كان له مال وعليه دين أقل من ماله بمقدار مائتي درهم فليس هو من الغارمين المرادين بالآية وروى أبو يوسف عن عبد الله بن سميط عن أبى بكر الحنفي عن أنس بن مالك عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم قال إن المسألة لا تحل ولا تصلح إلا لأحد ثلاثة لذي فقر مدقع أو لذي غرم مفظع أو لذي دم موجع ومعلوم أن مراده بالغرم الدين قوله تعالى( وفي سبيل الله ) روى ابن أبى ليلى عن عطية العوفى عن أبى سعيد الخدري عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم قال لا تحل الصدقة لغنى إلا في سبيل الله أو ابن السبيل أو رجل له جار مسكين تصدق عليه فأهدى له واختلف الفقهاء في ذلك فقال قائلون هي للمجاهدين الأغنياء منهم والفقراء وهو قول الشافعى وقال الشافعى لا يعطى منها إلا الفقراء منهم ولا يعطى الأغنياء من المجاهدين فإن أعطوا ملكوها وأجرأ المعطى وإن لم يصرفه في سبيل الله لأن شرطها تمليكه وقد حصل لمن هذه صفته فأجزأ وقد روى أن عمر تصدق بفرس في سبيل الله فوجده يباع بعد ذلك فأراد أن يشتريه فقال له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم لا تعد في صدقتك فلم يمنع النبي صلّى الله عليه وآله وسلم المحمول على الفرس في سبيل الله من بيعها وإن أعطى حاجا منقطعا به أجزأ أيضا وقد روى عن ابن عمر أن رجلا أوصى بماله في سبيل الله فقال ابن عمر إن الحج في سبيل الله فاجعله فيه وقال محمد بن الحسن في السير الكبير في رجل أوصى بثلث ماله في سبيل الله أنه يجوز أن يجعل في الحاج المنقطع به وهذا يدل على أن قوله تعالى( وفي سبيل الله ) قد أريد به عند محمد الحاج المنقطع به وقد روى عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أنه قال الحج والعمرة من سبيل الله وروى عن أبى يوسف فيمن أوصى بثلث ماله في سبيل الله أنه الفقراء الغزاة فإن قيل فقد أجاز النبي صلّى الله عليه وآله وسلم لأغنياء الغزاة أخذ الصدقة بقوله لا تحل لغنى إلا في سبيل اللهقيل له قد يكون الرجل غنيا في أهله وبلده بدار يسكنها وأثاث يتأنث به في بيته وخادم يخدمه وفرس يركبه وله فضل مائتي درهم أو قيمتها فلا تحل له الصدقة فإذا عزم على الخروج في سفر غزو واحتاج من آلات السفر والسلاح والعدة إلى ما لم يكن محتاجا إليه في حال إقامته فينفق الفضل عن أثاثه وما يحتاج إليه في مبصره على السلاح والآلة والعدة فتجوز له الصدقة وجائز أن يكون الفضل عما يحتاج إليه من دابة الأرض

٣٢٩

أو سلاحا أو شيئا من آلات السفر لا يحتاج إليه في المصر فيمنع ذلك جواز إعطائه الصدقة إذا كان ذلك يساوى مائتي درهم وإن هو خرج للغزو فاحتاج إلى ذلك جاز أن يعطى من الصدقة وهو غنى في هذا الوجه فهذا معنى قوله صلّى الله عليه وآله وسلم الصدقة تحل للغازى الغنى قوله تعالى( وابن السبيل ) هو المسافر المنقطع به يأخذ من الصدقة وإن كان له مال في بلده وكذلك روى عن مجاهد وقتادة وأبى جعفر وقال بعض المتأخرين هو من يعزم على السفر وليس له ما يحتمل به وهذا خطأ لأن السبيل هو الطريق فمن لم يحصل في الطريق لا يكون ابن السبيل ولا يصير كذلك بالعزيمة كما لا يكون مسافر بالعزيمة وقال تعالى( ولا جنبا إلا عابرى سبيل حتى تغتسلوا ) قال ابن عباس هو المسافر لا يجد الماء فيتيمم فكذلك ابن السبيل هو المسافر وجميع من يأخذ الصدقة من هذه الأصناف فإنما يأخذ صدقة بالفقر والمؤلفة قلوبهم والعاملون عليها لا يأخذونها صدقة وإنما تحصل الصدقة في يد الإمام للفقراء ثم يعطى الإمام المؤلفة منها لدفع أذيتهم عن الفقراء وسائر المسلمين ويعطيها العاملين عوضا من أعمالهم لا على أنها صدقة عليهم وإنما قلنا ذلك لقول النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردها في فقرائكم فبين أن الصدقة مصروفة إلى الفقراء فدل ذلك على أن أحدا لا يأخذها صدقة إلا بالفقر وإن الأصناف المذكورين إنما ذكروا بيانا لأسباب الفقر.

باب الفقير الذي يجوز أن يعطى من الصدقة

قال أبو بكر رحمه الله اختلف أهل العلم في المقدار الذي إذا ملكه الرجل دخل به في حد الغنى وخرج به من حد الفقير وحرمت عليه الصدقة فقال قوم إذا كان عند أهله ما يغديهم ويعشيهم حرمت عليه الصدقة بذلك ومن كان عنده دون ذلك حلت له الصدقة واحتجوا بما رواه عبد الرحمن عن يزيد بن جابر قال حدثني ربيعة بن يزيد عن أبى كبشة السلولي قال حدثني سهيل بن الحنظلة قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم يقول من سأل الناس عن ظهر غنى فإنما يستكثر من جمر جهنم قلت يا رسول ما ظهر غنى قال أن يعلم أن عند أهله ما يغديهم ويعشيهم وقال آخرون حتى يملك أربعين درهما أو عدلهما من الذهب واحتجوا لما روى مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن رجل من بنى أسد قال أتيت النبي صلّى الله عليه وآله وسلم فسمعته يقول لرجل من سأل منكم وعنده أوقية أو عدلها فقد سأل

٣٣٠

إلحافا والأوقية يومئذ أربعون درهما وقالت طائفة حتى يملك خمسين درهما أو عدلها من الذهب واحتجوا في ذلك بما روى الثوري عن حكيم بن جبير عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم لا يسئل عبد مسألة وله ما يغنيه إلا جاءت شيئا أو كدوحا أو خدوشا في وجهه يوم القيامة قيل يا رسول الله وما غناه قال خمسون درهما أو حسابها من الذهب وروى الحجاج عن الحسن بن سعد عن أبيه عن على وعبد الله قالا لا تحل الصدقة لمن له خمسون درهما أو عوضها من الذهب وعن الشعبي قال لا يأخذ الصدقة من له خمسون درهما ولا نعطى منها خمسين درهما وقال آخرون حتى يملك مائتي درهم أو عدلها من عرض أو غيره فاضلا عما يحتاج إليه من مسكن وخادم وأناث وفرس وهو قول أصحابنا والدليل على ذلك وما روى أبو بكر الحنفي قال حدثنا عبد الله بن جعفر قال حدثني أبى عن رجل من مزينة أنه سمع النبي صلّى الله عليه وآله وسلم يقول من سأل وله عدل خمس أواق سأل إلحافها ويدل عليه ما روى الليث بن سعد قال حدثني سعيد بن أبى سعيد المقبري عن شريك بن عبد الله بن أبى نمر أنه سمع أنس بن مالك يقول إن رجلا قال للنبي صلّى الله عليه وآله وسلم آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا فقال اللهم نعم وروى يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبى معبد عن ابن عباس أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم حين بعث معاذا إلى اليمن قال له أخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم وروى الأشعث عن ابن أبى جحيفة عن أبيه أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم بعث ساعيا على الصدقة فأمره أن يأخذ الصدقة من أغنيائنا فيقسمها في فقرائنا فلما جعل النبي صلّى الله عليه وآله وسلم الناس صنفين فقراء وأغنياء وأوجب أخذ الصدقة من صنف الأغنياء وردها في الفقراء لم تبق هاهنا واسطة بينهما ولما كان الغنى هو الذي ملك مائتي درهم وما دونها لم يكن مالكها غنيا وجب أن يكون داخلا في الفقراء فيجوز له أخذها ولما اتفق الجميع على أن من كان له دون الغداء والعشاء تحل له الصدقة علمنا أنها ليست إباحتها موقوفة على الضرورة التي تحل معها الميتة فوجب اعتبار ما يدخل به في حد الغنى وهو أن يملك فضلا عما يحتاج إليه مما وصفنا مائتي درهم أو مثلها من غرض أو غيره وأما ملك الأربعين درهما والخمسين الدرهم على ما روى في الأخبار التي قدمنا فإن هذه الأخبار واردة في كراهة المسألة لا في تحريمها وقد تكره المسألة لمن عنده ما يعنيه في الوقت لا سيما في أول ما هاجر النبي صلّى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة

٣٣١

مع كثرة فقراء المسلمين وقلة ذات أيديهم فاستحب النبي صلّى الله عليه وآله وسلم لمن عنده ما يكفيه ترك المسألة ليأخذها من هو أولى منه ممن لا يجد شيئا وهو نحو قوله صلّى الله عليه وآله وسلم من استغنى أغناه الله ومن استعف أعفه الله ومن لا يسئلنا أحب إلينا ممن يسئلنا وقوله صلّى الله عليه وآله وسلم لأن يأخذ أحدكم حبلا فيحتطب خير له من أن يسئل الناس أعطوه أو منعوه وقد روى عن فاطمة بنت الحسين عن الحسين بن على قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم للسائل حق وإن جاء على فرس فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإعطاء السائل مع ملكه للفرس والفرس في أكثر الحال تساوى أكثر من أربعين درهما أو خمسين درهما وقد روى يحيى بن آدم قال حدثنا على بن هاشم عن إبراهيم بن يزيد المكي عن الوليد بن عبيد الله عن ابن عباس قال سأل رجل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم إن لي أربعين درهما أفمسكين أنا قال نعم وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا يعقوب بن يوسف المطوعى قال حدثنا أبو موسى الهروي قال حدثنا المعافى قال حدثنا إبراهيم بن يزيد الجزري قال حدثنا الوليد بن عبد الله بن أبى مغيث عن ابن عباس قال قال رجل يا رسول الله عندي أربعون درهما أمسكين أنا قال نعم فأباح له الصدقة مع ملكه لأربعين درهما حين سماه مسكينا إذ كان الله قد جعل الصدقة للمساكين وروى أبو يوسف عن غالب ابن عبيد الله عن الحسن قال كان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم يقبل أحدهم الصدقة وله من السلاح والكراع والعقار قيمة عشرة آلاف درهم وروى الأعمش عن إبراهيم قال كانوا لا يمنعون الزكاة من له من البيت والخادم وروى شعبة عن قتادة عن الحسن قال من له مسكن وخادم أعطى من الزكاة وروى جعفر بن أبى المغيرة عن سعيد بن جبير قال يعطى من له دار وخادم وفرس وسلاح يعطى من إذا لم يكن له ذلك الشيء واحتاج إليه وقد اختلف في ذلك من وجه آخر فقال قائلون من كان قويا مكتسبا لم تحل له الصدقة وإن لم يملك شيئا واحتجوا بما روى أبو بكر بن عياش عن أبى حصين عن سالم بن أبى الجعد عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم لا تحل الصدقة لغنى ولا لذي مرة سوى ورواه أبو بكر بن عياش أيضا عن أبى جعفر عن أبى صالح عن أبى هريرة عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم مثله وروى سعد بن إبراهيم عن ريحان بن يزيد عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم قال لا تحل الصدقة لغنى ولا لقوى مكتسب وهذا عندنا على وجه الكراهة لا على جهة التحريم على النحو الذي ذكرنا في كراهة المسألة فإن قيل قوله لا تحل الصدقة لغنى على

٣٣٢

وجه التحريم وامتناع جواز إعطائه الزكاة كذلك القوى المكتسب قيل له يجوز أن يريد الغنى الذي يستغنى به عن المسألة وهو أن يكون له أقل من مائتي درهم لا الغنى الذي يجعله في حيز من يملك ما تجب في مثله الزكاة إذ قد يجوز أن يسمى غنيا لاستغنائه بما يملكه عن المسألة ولم يرد به الغنى الذي يتعلق بملك مثله وجوب الغنى فكان قوله لا تحل الصدقة لغنى ولا لذي مرة سوى على وجه الكراهة للمسألة لمن كان في مثل حاله وعلى أن حديث أبى هريرة هذا في قوله لا تحل الصدقة لغنى ولا لذي مرة سوى مختلف في رفعه فرواه أبو بكر بن عياش مرفوعا على ما قدمنا ورواه أبو يوسف عن حصين عن أبى حازم عن أبى هريرة من قوله غير مرفوع وحديث عبد الله بن عمرو ورواه شعبة والحسن بن صالح عن سعد بن إبراهيم عن ريحان بن يزيد عن عبد الله بن عمرو موقوفا عليه من قوله وقال لا تحل الصدقة لغنى ولا لذي مرة سوى ورواه سفيان عن سعد بن إبراهيم عن ريحان بن يزيد عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم قال لا تحل الصدقة لغنى ولا لقوى مكتسب فاختلفوا في رفعه وظاهر قوله تعالى( إنما الصدقات للفقراء والمساكين ) عام في سائرهم من قدر منهم على الكسب ومن لم يقدر وكذلك قوله تعالى( فى أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم ) يقتضى وجوب الحق للسائل القوى المكتسب إذ لم تفرق الآية بينه وبين غيره ويدل أيضا قوله تعالى( للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف ) ولم يفرق بين القوى المكتسب وبين من لا يكتسب من الضعفاء فهذه الآيات كلها قاضية ببطلان قوله القائل بأن الزكاة لا تعطى للفقير إذا كان قويا مكتسبا ولا يجوز تخصيصها بخبر أبى هريرة وعبد الله بن عمرو الذين ذكرنا لاختلافهم في رفعه واضطرب متنه لأن بعضهم يقول قوى مكتسب وبعضهم لذي مرة سوى وقد رويت أخبار هي أشد استفاضة وأصح طرقا من هذين الحديثين معارضة لهما منها حديث أنس وقبيصة بن المخارق أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم قال إن الصدقة لا تحل إلا في إحدى ثلاث فذكر إحداهن فقر مدقع وقال أو رجل أصابته فاقة أو رجل أصابته جائحة ولم يشرط في شيء منها عدم القوة والعجز عن الاكتساب ومنها حديث سليمان أنه حمل إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم صدقة فقال لأصحابه كلوا ولم يأكل ومعلوم أن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانوا أقوياء مكتسين ولم يخص النبي صلّى الله عليه وآله وسلم بها من كان منهم زمنا أو عاجزا عن

٣٣٣

الاكتساب ومنها حديث عروة بن الزبير عن عبيد الله بن عدى بن الخيار أن رجلين من العرب حدثاه أنهما أتيا النبي صلّى الله عليه وآله وسلم فسألاه من الصدقة فصعد فيهما البصر وصوبه فرآهما جلدين فقال إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغنى ولا لقوى مكتسب فلما قال لهما إن شئتما أعطيتكما ولو كان محرما ما أعطاهما مع ما ظهر له من جلدهما وقوتهما وأخبر مع ذلك أنه لاحظ فيها لغنى ولا لقوى مكتسب فدل على أنه أراد بذلك كراهة المسألة ومحبة النزاهة لمن كان معه ما يغنيه أو قدر على الكسب فيستغنى به عنها* وقد يطلق مثل هذا على وجه التغليظ لا على وجه تحقيق المعنى كما قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم ليس بمؤمن من يبيت شبعانا وجاره جائع وقال لا دين لمن لا أمانة له وقال ليس المسكين بالطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان ولم يرد به نفى المسكنة عنه رأسا حتى تحرم عليه الصدقة وإنما أراد ليس حكمه كحكم الذي لا يسئل وكذلك قوله ولا حق فيها لغنى ولا لقوى مكتسب على معنى أنه ليس حقه فيها كحق الزمن العاجز عن الكسب ويدل عليه قوله صلّى الله عليه وآله وسلم أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردها في فقرائكم فعم سائر الفقراء الزمنى منهم والأصحاء وأيضا قد كانت الصدقات والزكاة تحل إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فيعطيها فقراء الصحابة من المهاجرين والأنصار وأهل الصفة وكانوا أقوياء مكتسبين ولم يكن يخص بها الزمنى دون الأصحاء وعلى هذا أمر الناس من لدن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم إلى يومنا يخرجون صدقاتهم إلى الفقراء والأقوياء والضعفاء منهم لا يعتبرون منها ذوى العاهات والزمانة دون الأقوياء الأصحاء ولو كانت الصدقة محرمة وغير جائزة على الأقوياء المكتسبين الفروض منها أو النوافل لكان من النبي صلّى الله عليه وآله وسلم توقيف للكافة عليه لعموم الحاجة إليه فلما لم يكن من النبي صلّى الله عليه وآله وسلم توقيف للكافة على حظر دفع الزكاة إلى الأقوياء من الفقراء والمكتسبين من أهل الحاجة لأنه لو كان منه توقيف للكافة لورد النقل به مستفيضا دل ذلك على جواز إعطائها الأقوياء المتكسبين من الفقراء كجواز إعطائها الزمنى والعاجزين عن الاكتساب.

باب ذوى القربى الذين تحرم عليهم الصدقة

قال أصحابنا من تحرم عليهم الصدقة منهم آل عباس وآل على وآل جعفر وآل عقيل وولد حارث بن عبد المطلب جميعا وحكى الطحاوي عنهم وولد عبد المطلب ولم أجد ذلك عنهم رواية والذي تحرم عليهم من ذلك الصدقات المفروضة وأما التطوع فلا بأس

٣٣٤

به وذكر الطحاوي أنه روى عن أبي حنيفة وليس بالمشهور أن فقراء بنى هاشم يدخلون في آية الصدقات ذكره في أحكام القرآن قال وقال أبو يوسف ومحمد لا يدخلون قال أبو بكر المشهور عن أصحابنا جميعا من قدمنا ذكره من آل عباس وآل على وآل جعفر وآل عقيل وولد الحارث بن عبد المطلب وأن تحريم الصدقة عليهم خاص في المفروض منه دون التطوع وروى ابن سماعة عن أبى يوسف أن الزكاة من بنى هاشم تحل لبنى هاشم ولا يحل ذلك من غيرهم لهم وقال مالك لا تحل الزكاة لآل محمد والتطوع يحل وقال الثوري ولا تحل الصدقة لبنى هاشم ولم يذكر فرقا بين النفل والفرض وقال الشافعى تحرم صدقة الفرض على بنى هاشم وبنى عبد المطلب ويجوز صدقة التطوع على كل أحد إلا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فإنه كان لا يأخذها والدليل على أن الصدقة المفروضة محرمة على بنى هاشم حديث ابن عباس قال ما خصنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم بشيء دون الناس إلا بثلاث إسباغ الوضوء وأن لا نأكل الصدقة وأن لا ننزي الحمير على الخيل وروى أن الحسن بن على أخذ تمرة من الصدقة فجعلها في فيه فأخرجها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وقال إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة وحدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا نصر بن على قال حدثنا أبى عن خالد بن قيس عن قتادة عن أنس أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وجد تمرة فقال لو لا إنى أخاف أن تكون صدقة لأكلتها روى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم في الإبل السائمة من كل أربعين ابنة لبون من أعطاها مؤتجرا فله أجرها ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله لا يحل لآل محمد منها شيء وروى من وجوه كثيرة عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم إن الصدقة لا تحل لآل محمد إنما هي أوساخ الناس فثبت بهذه الأخبار تحريم الصدقات المفروضات عليهم فإن قيل روى شريك عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال قدم عير المدينة فاشترى منها النبي صلّى الله عليه وآله وسلم متاعا فباعه بربح أواق فضة فتصدق بها على أرامل بنى عبد المطلب ثم قال لا أعود أن أشترى بعدها شيئا وليس ثمنه عندي فقد تصدق على هؤلاء ومن هاشميات قيل له ليس في الخبر أنهن كمن هاشميات وجائز أن لا يكن هاشميات بل زوجات بنى عبد المطلب من غير بنى عبد المطلب بل عربيات من غيرهم وكن أزواجا لبنى عبد المطلب فماتوا عنهن وأيضا فإن ذلك كان صدقة تطوع وجائز أن يتصدق عليهم بصدقة التطوع وأيضا فإن حديث عكرمة الذي ذكرناه أولى لأن حديث ابن عباس أخبر

٣٣٥

فيه بحكمه فيهم بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فالحظر متأخر للإباحة فهذا أولى وأما بنوا المطلب فليسوا من أهل بيت النبي صلّى الله عليه وآله وسلم لأن قرابتهم منه كقرابة بنى أمية ولا خلاف أن بنى أمية ليسوا من أهل بيت النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وكذلك بنوا المطلب فإن قيل لما أعطاهم النبي صلّى الله عليه وآله وسلم من الخمس سهم ذوى القربى كما أعطى بنى هاشم ولم يعط بنى أمية دل ذلك على أنهم بمنزلة بنى هاشم في تحريم الصدقة قيل له إن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم لم يعطهم للقربة فحسب لأنه لما قال عثمان بن عفان وجبير بن مطعم يا رسول الله أما بنو هاشم فلا ننكر فضلهم لقربهم منك وأما بنوا المطلب فحن وهم في النسب شيء واحد فأعطيتهم ولم تعطنا فقال صلّى الله عليه وآله وسلم إن بنى المطلب لم تفارقني في جاهلية ولا إسلام فأخبر النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أنه لم يعطهم بالقرابة فحسب بل بالنصرة والقرابة ولو كانت إجابتهم إياه ونصرتهم له في الجاهلية والإسلام أصلا لتحريم الصدقة لوجب أن يخرج منها آل أبى لهب وبعض آل الحارث بن عبد المطلب من أهل بيته لأنهم لم يجيبوه وينبغي أن لا تحرم على من ولد في الإسلام من بنى أمية لأنهم لم يخالفوه وهذا ساقط وأيضا فإن سهم الخمس إنما يستحقه خاص منهم وهو موكول إلى اجتهاد الإمام ورأيه ولم يثبت خصوص تحريم الصدقة في بعض آل النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وأيضا فليس استحقاق سهم من الخمس أصلا لتحريم الصدقة لأن اليتامى والمساكين وابن السبيل يستحقون سهما من الخمس ولم تحرم عليهم الصدقة على موالي بنى هاشم وهل أريدوا بآية الصدقة فقال أصحابنا والثوري مواليهم بمنزلتهم في تحريم الصدقات والمفروضات عليهم وقال مالك بن أنس لا بأس بأن يعطى مواليهم والذي يدل على القول الأول حديث ابن عباس أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم استعمل أرقم بن أرقم الزهري على الصدقة فاستتبع أبا رافع فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم إن الصدقة حرام على محمد وآل محمد وإن مولى القوم من أنفسهم وروى عن عطاء بن السائب عن أم كلثوم بنت على عن مولى لهم يقال له هرمز أو كيسان أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم قال له يا أبا فلان إنا أهل بيت لا نأكل الصدقة وإن مولى القوم من أنفسهم فلا تأكل الصدقة وأيضا لما قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم الولاء لحمة كلحمة النسب وكانت الصدقة محرمة على من قرب نسبه من النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وهم بنوا هاشم وجب أن يكون مواليهم بمثابتهم إذ كان النبي صلّى الله عليه وآله وسلم قد جعله لحمة كالنسب واختلف في جواز أخذ بنى هاشم

٣٣٦

للعمالة من الصدقة إذا عملوا عليها فقال أبو يوسف ومحمد من غير خلاف ذكراه عن أبى حنيفة لا يجوز أن يعمل على الصدقة أحد من بنى هاشم ولا يأخذ عمالته منها قال محمد وإنما يصنع ما كان يأخذه على بن أبى طالب رضى الله عنه في خروجه إلى اليمن على أنه كان يأخذ من غير الصدقة قال أبو بكر يعنى بقوله لا يعمل على الصدقة على معنى أنه يعملها ليأخذ عمالتها فأما إذا عمل عليها متبرعا على أن لا يأخذ شيئا فهذا لا خلاف بين أهل العلم في جوازه وقال آخرون لا بأس بالعمالة لهم من الصدقة والدليل على صحة القول الأول ما حدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا على بن محمد قال حدثنا مسدد قال حدثنا معمر قال سمعت أبى يحدث عن جيش عن عكرمة عن ابن عباس قال بعث نوفل بن الحارث ابنيه إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فقال انطلقا إلى عمكما لعله يستعملكما على الصدقة فجاءا فحدثا نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم بحاجتهما فقال لهما نبي الله صلّى الله عليه وآله وسلم لا يحل لكم أهل البيت من الصدقات شيء لأنها غسالة الأيدى إن لكم في خمس الخمس ما يغنيكما أو يكفيكما وروى عن على أنه قال للعباس سل النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أن يستعملك على الصدقة فسأله فقال ما كنت لأستعملك على غسالة ذنوب الناس وروى الفضل بن العباس وعبد المطلب بن ربيعة بن الحارث سألا النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أن يستعملهما على الصدقة ليصيبا منها فقال إن الصدقة لا تحل لآل محمد فمنعهما أخذ العمالة ومنع أبا رافع ذلك أيضا وقال مولى القوم منهم واحتج المبيحون لذلك بأن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم بعث عليا إلى اليمن على الصدقة رواه جابر وأبو سعيد جميعا ومعلوم أنه قد كانت ولايته على الصدقات وغيرها ولا حجة في هذا لهم لأنه لم يذكر أن عليا أخذ عمالته منها وقد قال الله تعالى لنبيه صلّى الله عليه وآله وسلم( خذ من أموالهم صدقة ) ومعلوم أنه صلّى الله عليه وآله وسلم لم يكن يأخذ من الصدقة عمالة وقد كان على بن أبى طالب حين خرج إلى اليمن فولى القضاء والحرب بها فجائز أن يكون أخذ رزقه من مال الفيء لا من جهة الصدقة فإن قيل فقد يجوز أن يأخذ الغنى عمالته منها وإن لم تحل له الصدقة فكذلك بنوا هاشم قيل له لأن الغنى من أهل هذه الصدقة لو افتقر أخذ منها والهاشمي لا يأخذ منها بحال فإن قيل إن العامل لا يأخذ عمالته صدقة وإنما يأخذ أجرة لعمله كما روى أن بريرة كانت تهدى للنبي صلّى الله عليه وآله وسلم مما يتصدق به عليها ويقول صلّى الله عليه وآله وسلم هي لها صدقة ولنا هدية قيل له الفصل بينهما أن الصدقة كانت تحصل في ملك بريرة ثم تهديها للنبي صلّى الله عليه وآله وسلم فكان بين ملك المتصدق وبين ملك النبي

٣٣٧

صلى الله عليه وآله وسلم واسطة ملك آخر وليس بين ملك المأخوذ منه وبين ملك العامل واسطة لأنها لا تحصل في ملك الفقراء حتى يأخذها العامل.

باب من لا يجوز أن يعطى من الزكاة من الفقراء

قال الله تعالى( إنما الصدقات للفقراء والمساكين ) فاقتضى ظاهره جواز إعطائها لمن شمله الاسم منهم قريبا كان أو بعيدا لو لا قيام الدلالة على منع إعطاء بعض الأقرباء وقد اختلف الفقهاء في ذلك فقال أصحابنا جميعا لا يعطى منها والد وإن علا ولا ولدا وإن سفل ولا امرأة وقال مالك والثوري والحسن بن صالح لا يعطى من تلزمه نفقته وقال ابن شبرمة لا يعطى من الزكاة قرابته الذين يرثونه وإنما يعطى من لا يرثه وليس في عياله وقال الأوزاعى لا يتخطى بزكاة ماله فقراء أقاربه إذا لم يكونوا من عياله ويتصدق على مواليه من غير زكاة ماله وقال الليث لا يعطى الصدقة الواجبة من يعول وقال المزني عن الشافعى في مختصره ويعطى الرجل من الزكاة من لا تلزمه نفقته من قرابته وهم من عدا الولد والوالد والزوجة إذا كانوا أهل حاجة فهم أحق بها من غيرهم وإن كان ينفق عليهم تطوعا قال أبو بكر فحصل من اتفاقهم أن الولد والوالد والزوجة لا يعطون من الزكاة ويدل عليه أيضا قوله صلّى الله عليه وآله وسلم أنت ومالك لأبيك وقال إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه فإذا كان مال الرجل مضافا إلى أبيه وموصوفا بأنه من كسبه فهو متى أعطى ابنه فكأنه باق في ملكه لأن ملك ابنه منسوب إليه فلم تحصل صدقة صحيحة وإذا صح ذلك في الإبن فالأب مثله إذ كل واحد منهما منسوب إلى الآخر من طريق الولادة وأيضا قد ثبت عندنا بطلان شهادة كل واحد منهما لصاحبه فلما جعل كل واحد منهما فيما يحصله بشهادته لصاحبه كأنه يحصله لنفسه وجب أن يكون إعطاؤه إياه الزكاة كتبقيته في ملكه وقد أخذ عليه في الزكاة إخراجها إلى ملك الفقير إخراجا صحيحا ومتى أخرجها إلى من لا تجوز له شهادته فلم ينقطع حقه عنه وهو بمنزلة ما هو باق في ملكه فلذلك لم يجزه ولهذه العلة لم يجز أن يعطى زوجته منها وأما اعتبار النفقة فلا معنى له لأن النفقة حق يلزمه وليست بآكد من الديون التي ثبتت لبعضهم على بعض فلا يمنع ثبوتها من جواز دفع الزكاة إليه وعموم الآية يقتضى جواز دفعها إليه باسم الفقر ولم تقم الدلالة على تخصيصه فلم يجز إخراجها لأجل النفقة من عمومها وأيضا قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم خير الصدقة

٣٣٨

ما كان عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول وذلك عموم في جواز دفع سائر الصدقات إلى من يعول وخرج الولد والوالد والزوجان بدلالة فإن قيل إنما لم يجز إعطاء الوالد والولد لأنه تلزمه نفقته قيل له هذا غلط لأنه لو كان الولد والوالد مستغنيين بقدر الكفاف ولم تكن على صاحب المال نفقتهما لما جاز أن يعطيهما من الزكاة لأنهما ممنوعان منها مع لزوم النفقة وسقوطها فدل على أن المانع من دفعها إليهما أن كل واحد منهما منسوب إلى الآخر بالولادة وأن واحدا منهما لا يجوز شهادته للآخر وكل واحد من المعنيين علة في منع دفع الزكاة واختلفوا في إعطاء المرأة زوجها من زكاة المال قال أبو حنيفة ومالك لا تعطيه وقال أبو يوسف ومحمد والثوري والشافعى تعطيه والحجة للقول الأول إنه قد ثبت أن شهادة كل واحد من الزوجين لصاحبه غير جائزة فوجب أن لا يعطى واحد منهما صاحبه من زكاته لوجود العلة المانعة من دفعها في كل واحد منهما واحتج المجيزون لدفع زكاتها إليه بحديث زينب امرأة عبد الله بن مسعود حين سألت النبي صلّى الله عليه وسلّم عن الصدقة على زوجها عبد الله وعلى أيتام لأخيها في حجرها فقال لك أجران أجر الصدقة وأجر القرابة قيل له كانت صدقة تطوع وألفاظ الحديث تدل عليه وذلك لأنه ذكر فيه أنها قالت لما حث النبي صلّى الله عليه وسلّم النساء على الصدقة وقال تصدقن ولو بحليكن جمعت حليا لي وأردت أن أتصدق فسألت النبي صلّى الله عليه وسلّم وهذا يدل على أنها كانت صدقة تطوع فإن احتجوا بما حدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا ابن ناجية قال حدثنا أحمد بن حاتم قال حدثنا على بن ثابت قال حدثني يحيى بن أبى أنيسة الجزري عن حماد بن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله أن زينب الثقفية امرأة عبد الله سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت إن لي طوقا فيه عشرون مثقالا أفأؤدي زكاته قال نعم نصف مثقال قالت فإن في حجري بنى أخ لي أيتاما أفأجعله أو أضعه فيهم قال نعم فبين في هذا الحديث أنها كانت من زكاتها قيل له ليس في هذا الحديث ذكر إعطاء الزوج وإنما ذكر فيه إعطاء بنى أخيها ونحن نجيز ذلك وجائز أن تكون سألته عن صدقة التطوع على زوجها وبنى أخيها فأجازها وسألته في وقت آخر عن زكاة الحلي ودفعها إلى بنى أخيها فأجازها ونحن نجيز دفع الزكاة إلى بنى الأخ واختلف في إعطاء الذمي من الزكاة فقال أصحابنا ومالك والثوري وابن شبرمة والشافعى لا يعطى الذمي من الزكاة وقال أصحابنا ومالك والثوري وابن شبرمة والشافعى لا يعطى

٣٣٩

من الزكاة وقال عبيد الله بن الحسن إذا لم يجد مسلما أعطى الذمي فقيل له فإنه ليس بالمكان الذي هو به مسلم وفي موضع آخر مسلم فكأنه ذهب إلى إعطائها للذمي الذي هو بين ظهرانيهم والحجة للقول الأول قول النبي صلّى الله عليه وسلّم أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردها في فقرائكم فاقتضى ذلك أن يكون كل صدقة أخذها إلى الإمام مقصورة على فقراء المسلمين ولا يجوز إعطاؤها للكفار ولما اتفقوا على أنه إذا كان هناك مسلمون لم يعط الكفار ثبت أن الكفار لاحظ لهم في الزكاة إذ لو جاز إعطاؤها إياهم بحال لجاز في كل حال لوجود الفقر كسائر الفقراء المسلمين* واختلفوا في دفع الزكاة إلى رجل واحد فقال أصحابنا يجوز أن يعطى جميع زكاته مسكينا واحدا وقال مالك لا بأس أن يعطى الرجل زكاة الفطر عن نفسه وعياله مسكينا واحدا وقال المزني عن الشافعى وأقل ما يعطى أهل السهم من سهام الزكاة ثلاثة فإن أعطى اثنين وهو يجد الثالث ضمن ثلث سهم* قال أبو بكر قوله تعالى( إنما الصدقات للفقراء ) اسم للجنس في المدفوع والمدفوع إليهم وأسماء الأجناس إذا أطلقت فإنها تتناول المسميات بإيجاب الحكم فيها على أحد معنيين إما الكل وإما أدناه ولا تختص بعدد دون عدد إلا بدلالة إذ ليس فيها ذكر العدد ألا ترى إلى قوله تعالى( والسارق والسارقة ) وقوله( الزانية والزانى ) وقوله( وخلق الإنسان ضعيفا ) ونحوها من أسماء الأجناس أنها تتناول كل واحد من آحادها على حياله لا على طريق الجمع ولذلك قال أصحابنا فيمن قال إن تزوجت النساء أو اشتريت العبيد أنه على الواحد منهم ولو قال إن شربت الماء أو أكلت الطعام كان على الجزء منها لا على استيعاب جميع ما تحته وقالوا لو أراد بيمينه استيعاب الجنس كان مصدقا ولم يحنث أبدا إذ كان مقتضى اللفظ أحد معنيين إما استيعاب الجميع أو أدنى ما يقع عليه الاسم منه وليس للجميع حظ في ذلك فلا معنى لاعتبار العدد فيه وإذا ثبت ما وصفنا واتفق الجميع على أنه لم يرد بآية الصدقات استيعاب الجنس كله حتى لا يحرم واحد منهم سقط اعتبار العدد فيه فبطل قول من اعتبر ثلاثة منهم وأيضا لما يكن ذلك حقا لإنسان بعينه وإنما هو حق الله تعالى يصرف في هذا الوجه وجب أن لا يختلف حكم الواحد والجماعة في جواز الإعطاء ولأنه لو وجب اعتبار العدد لم يكن بعض الأعداد أولى بالاعتبار من بعض إذ لا يختص الاسم بعدد دون عدد وأيضا لما وجب اعتبار العدد وقد علمنا تعذر استيفائه لأنهم لا يحصون دل على

٣٤٠