أحكام القرآن الجزء ٥

أحكام القرآن10%

أحكام القرآن مؤلف:
تصنيف: مفاهيم القرآن
الصفحات: 390

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 390 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 61879 / تحميل: 5456
الحجم الحجم الحجم
أحكام القرآن

أحكام القرآن الجزء ٥

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

سورة الزمر

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى( خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها ) ثم راجعة إلى صلة الكلام كأنه قال خلقكم من نفس واحدة ثم أخبر أنه جعل منها زوجها لأنه لا يصح رجوعها إلى المخلوقين من الأولاد على معنى الترتيب لأن الوالدين قبل الولد وهو مثل قوله( ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ ) وقوله( ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً ) ونحو ذلك آخر سورة الزمر.

سورة المؤمن

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى( يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً ) روى سفيان عن منصور عن إبراهيم في قوله( يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً ) قال بنى بالآجر وكانوا يكرهون أن يبنوا بالآجر ويجعلونه في قبورهم وقوله تعالى( وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) روى الثوري عن الأعمش ومنصور عن سبيع الكندي عن النعمان بن بشير قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إن الدعاء هو العبادة ثم قرأ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) الآية وقوله تعالى( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها ) هذه الآية تدل على عذاب القبر لقوله تعالى( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ ) فدل على أن المراد( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا ) قبل القيامة آخر سورة المؤمن.

سورة حم السجدة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صالِحاً ) فيه بيان أن ذلك أحسن قول ودل بذلك على لزوم فرض الدعاء إلى الله إذ لا جائز أن يكون النفل أحسن من الفرض فلو لم يكن الدعاء إلى الله فرضا وقد جعله من أحسن قول اقتضى ذلك أن يكون النفل أحسن من الفرض وذلك ممتنع وقوله تعالى( إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا ) الآية قيل إن الملائكة تتنزل عليهم عند الموت فيقولون لا تخف مما أنت قادم عليه فيذهب الله خوفه ولا تحزن على الدنيا ولا على أهلها فيذهب الله خوفه وأبشر بالجنة وروى ذلك عن زيد ابن أسلم وقال غيره إنما يقولون له ذلك في القيام عند الخروج من القبرفيرى تلك الأهوال

٢٦١

فيقول له الملائكة لا تخف ولا تحزن فإنما يراد بهذا غيرك ويقولون له نحن أولياؤك في الحياة الدنيا فلا يفارقونه تأنيسا له إلى أن يدخل الجنة وقال أبو العالية( إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا ) قال أخلصوا له الدين والعمل والدعوة قوله تعالى( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) قال بعض أهل العلم ذكر الله العدو فأخبر بالحيلة فيه حتى تزول عداوته ويصير كأنه ولى فقال تعالى( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) الآية قال وأنت ربما لقيت بعض من ينطوى لك على عداوة وضغن فتبدأه بالسلام أو تبسم في وجهه فيلين لك قلبه ويسلم لك صدره قال ثم ذكر الله الحاسد فعلم أن لا حيلة عندنا فيه ولا في استملاك سخيمته واستخراج ضغينته فقال تعالى( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ـ إلى قوله ـوَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ ) فأمر بالتعوذ منه حين علم أن لا حيلة عندنا في رضاه قوله تعالى( وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَ ) الآية قال أبو بكر اختلف في موضع السجود من هذه السورة فروى عن ابن عباس ومسروق وقتادة أنه عند قوله( وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ ) وروى عن أصحاب عبد الله والحسن وأبى عبد الرحمن أنه عند قوله( إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ) قال أبو بكر الأولى أنها عند آخر الآيتين لأنه تمام الكلام ومن جهة أخرى أن السلف لما اختلفوا كان فعله بالآخر منهما أولى لا تفاق الجميع على جواز فعلها بأخراهما واختلافهم في جوازها بأولاهما قوله تعالى( وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا ) الآية يدل على أنه لو جعله أعجميا كان أعجميا فكان يكون قرآنا أعجميا وأنه إنما كان عربيا لأن الله أنزله بلغة العرب وهذا يدل على أن نقله إلى لغة العجم لا يخرجه ذلك من أن يكون قرآنا آخر سورة حم السجدة.

سورة حم عسق

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى( وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ ) فيه الدلالة على بطلان الاستئجار على ما سبيله أن لا يفعل إلا على وجه القربة لإخباره تعالى بأن من يريد حرث الدنيا فلا حظ له في الآخرة فيخرج ذلك من أن يكون قربة فلا يقع موقع الجواز وقوله تعالى( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك والسدى معناه إلا أن تودوني لقرابتي منكم قالوا كل

٢٦٢

قريش كانت بينه وبين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قرابة وقال على بن الحسن وسعيد بن جبير إلا أن تودوا قرابتي وقال الحسن إلا المودة في القربى أى إلا التقرب إلى الله والتودد بالعمل الصالح وقوله تعالى( وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ ) يدل على جلالة موقع المشورة لذكره لها مع الإيمان وإقامة الصلاة ويدل على أنا مأمورون بها قوله تعالى( وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ) روى عن إبراهيم النخعي في معنى الآية قال كانوا يكرهون للمؤمنين أن يذلوا أنفسهم فيجترئ عليهم الفساق وقال السدى هم ينتصرون معناه ممن بغى عليهم من غير أن يعتدوا عليهم قال أبو بكر قد ندبنا الله في مواضع من كتابه إلى العفو عن حقوقنا قبل الناس فمنه قوله( وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى ) وقوله تعالى في شأن القصاص( فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ ) وقوله( وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ ) وأحكام هذه الآي ثابتة غير منسوخة وقوله( وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ) يدل ظاهره على أن الانتصار في هذا الموضع أفضل ألا ترى أنه قرنه إلى ذكر الاستجابة لله تعالى وإقامة الصلاة وهو محمول على ما ذكره إبراهيم النخعي أنهم كانوا يكرهون للمؤمنين أن يذلوا أنفسهم فيجترئ الفساق عليهم فهذا فيمن تعدى وبغى وأصر على ذلك والموضع المأمور فيه بالعفو إذا كان الجاني نادما مقلعا وقد قال عقيب هذه الآية( وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ) ومقتضى ذلك إباحة الانتصار لا الأمر به وقد عقبه بقوله( وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) فهو محمول على الغفران عن غير المصر فأما المصر على البغي والظلم فالأفضل الانتصار منه بدلالة الآية التي قبلها وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا الحسن قال أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قوله تعالى( وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ) قال فبما يكون بين الناس من القصاص فأما لو ظلمك رجل لم يحل لك أن تظلمه آخر سورة حم عسق.

سورة الزخرف

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

في التسمية عند الركوب قوله تعالى( لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ ) حدثنا عبد الله

٢٦٣

ابن إسحاق قال حدثنا الحسن بن أبى الربيع قال أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن أبى إسحاق عن على بن ربيعة أنه شهد عليا كرم الله وجهه حين ركب فلما وضع رجله في الركاب قال بسم الله فلما استوى قال الحمد لله ثم قال سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ثم قال حمدا لله ثلاثا وكبر ثلاثا ثم قال لا إله إلا أنت ظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ثم ضحك فقيل له مم تضحك يا أمير المؤمنين قال رأيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فعل مثل الذي فعلت وقال مثل الذي قلت ثم ضحك فقيل له مم تضحك يا نبي الله قال العبد أو قال عجب للعبد إذا قال لا إله إلا أنت ظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت يعلم أنه لا يغفر الذنوب إلا هو وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا الحسن قال حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه أنه كان إذا ركب قال بسم الله ثم قال هذا منك وفضلك علينا الحمد لله ربنا ثم يقول سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقبلون وروى حاتم بن إسماعيل عن جعفر عن أبيه قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم على ذروة سنام كل بعير شيطان فإذا ركبتموها فقولوا كما أمركم الله سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وروى عن سفيان عن منصور عن مجاهد عن أبى معمر أن ابن مسعود قال إذا ركب الدابة فلم يذكر اسم الله عليه ردفه الشيطان فقال له تغن فإن لم يحسن قال له تمن.

فصل في إباحة لبس الحلي للنساء

قال أبو العالية ومجاهد رخص للنساء في الذهب ثم قرأ( أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ ) وروى نافع عن سعيد عن أبى هند عن أبى موسى قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لبس الحرير والذهب حرام على ذكور أمتى حلال لإناثها وروى شريك عن العباس بن زريح عن البهي عن عائشة قالت سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول وهو يمص الدم عن شجة بوجه أسامة ويمجه لو كان أسامة جارية لحليناه لو كان أسامة جارية لكسوناه لتنفقه وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم رأى امرأتين عليهما أسورة من ذهب فقال أتحبان أن يسوركما الله بأسورة من نار قالتا لا قال فأديا حق هذا وقالت عائشة لا بأس بلبس الحلي إذا أعطى زكاته وكاتب عمر إلى أبي موسى أن مر من قبلك من نساء المؤمنين أن يصدقن من الحلي وروى أبو حنيفة عن عمرو بن دينار أن عائشة حلت أخواتها الذهب وأن ابن

٢٦٤

عمر حلى بناته الذهب وقد روى خصيف عن مجاهد عن عائشة قالت لما نهانا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم عن لبس الذهب قلنا يا رسول الله أو نربط المسك بشيء من الذهب قال أفلا تربطونه بالفضة ثم تلطخونه بشيء من زعفران فيكون مثل الذهب وروى جرير عن مطرف عن أبى هريرة قال كنت قاعدا عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فأتته امرأة فقالت يا رسول الله سواران من ذهب فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم سوران من نار فقالت قرطان من ذهب قال قرطان من نار قالت طوق من ذهب قال طوق من نار قالت يا رسول الله إن المرأة إذا لم تتزين لزوجها صلفت عنده فقال ما يمنعكن أن تجعلن قرطين من فضة تصفرينه بعنبر أو زعفران فإذا هو كالذهب قال أبو بكر الأخبار الواردة في إباحته للنساء عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم والصحابة أظهر وأشهر من اخبار الحذر ودلالة الآية ايضا ظاهرة في إباحته للنساء وقد استفاض لبس الحلي للنساء منذ لدن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم والصحابة إلى يومنا هذا من غير نكير من احد عليهن ومثل ذلك لا يعترض عليه بأخبار الآحاد* قوله تعالى( وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ) يعنى أن الكفار قالوا لو شاء الله ما عبدنا الأصنام ولا الملائكة وإنا إنما عبدناهم لأن الله قد شاء منا ذلك فأكذبهم الله في قيلهم هذا وأخبر أنهم يخرصون ويكذبون بهذا القول في أن الله تعالى لم يشأ كفرهم ونظيره قوله( سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) اخبر فيه أنهم مكذبون لله ولرسوله بقولهم لو شاء الله ما أشركنا وأبان به أن الله قد شاء أن لا يشركوا وهذا كله يبطل مذهب الجبر الجهمية قوله تعالى( بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ ـ إلى قوله ـقالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ ) فيه الدلالة على إبطال التقليد لذمه إياهم على تقليد آبائهم وتركهم النظر فيما دعاهم إليه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وسلم قوله تعالى( إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) ينتظم معنيين أحدهما أن الشهادة بالحق غير نافعة إلا مع العلم وأن التقليد لا يغنى مع عدم العلم بصحة المقالة والثاني أن شرط سائر الشهادات في الحقوق وغيرها أن يكون الشاهد عالما بها ونحوه ما روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا رأيت مثل الشمس فاشهد وإلا فدع وقوله تعالى( وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ ) حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا الحسن قال أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى( وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ ) قال نزول عيسى بن مريمعليه‌السلام علم الساعة

٢٦٥

وناس يقولون القرآن علم للساعة آخر سورة الزخرف.

سورة الجاثية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا الحسن قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة في قوله تعالى( قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ ) قال نسخها قوله تعالى( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) قوله تعالى( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ ) حدثنا عبد الله بن محمد قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة في قوله( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ ) قال لا يهوى شيئا إلا ركبه لا يخاف الله قال أبو بكر وقد روى في بعض الأخبار أن الهوى إله يعبد وتلا قوله تعالى( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ ) يعنى يطيعه كطاعة الإله وعن سعيد بن جبير قال كانوا يعبدون العزى وهو حجر أبيض حينا من الدهر فإذا وجدوا ما هو أحسن منه طرحوا الأول وعبدوا الآخر وقال الحسن اتخذ إلهه هواه يعنى لا يعرف إلهه بحجة عقله وإنما يعرفه بهواه قوله تعالى( وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ ) قيل هو على التقديم والتأخير أى نحيا ونموت من غير رجوع وقيل نموت ويحيا أولادنا كما يقال ما مات من خلف ابنا مثل فلان وقوله( وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ ) فإنه حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا الحسن قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة في قوله( وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ ) قال قال ذلك مشركو قريش قالوا ما يهلكنا إلا الدهر يقولون إلا العمر قال أبو بكر هذا قول زنادقة قريش الذين كانوا ينكرون الصانع الحكيم وإن الزمان ومضى الأوقات هو الذي يحدث هذه الحوادث والدهر اسم يقع على زمان العمر كما قال قتادة يقال فلان يصوم الدهر يعنون عمره كله ولذلك قال أصحابنا إن من حلف لا يكلم فلانا الدهر أنه على عمره كله وكان ذلك عندهم بمنزلة قوله والله لا أكلمك الأبد واما قوله لا أكلمك دهرأ فإن ذلك عند أبى يوسف ومحمد على ستة أشهر ولم يعرف أبو حنيفة معنى دهرا فلم يجب فيه بشيء وقد روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم حديث في بعض ألفاظه لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر فتأوله أهل العلم على أن أهل الجاهلية كانوا ينسبون الحوادث المجحفة والبلايا النازلة والمصائب المتلفة إلى الدهر فيقولون فعل الدهر بنا وصنع بنا ويسبون الدهر كما

٢٦٦

قد جرت عادة كثير من الناس بأن يقولوا أساء بنا الدهر ونحو ذلك فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لا تسبوا فاعل هذه الأمور فإن الله هو فاعلها ومحدثها وأصل هذا الحديث ما حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود وقال حدثنا محمد بن الصباح قال حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد عن أبى هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال يقول الله تعالى يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار قال ابن السرح عن ابن المسيب مكان سعيد فقوله وأنا الدهرمنصوب بأنه ظرف للفعل كقوله تعالى أنا ابدأ بيدي الأمر أقلب الليل والنهار وكقول القائل أنا اليوم بيدي الأمر أفعل كذا وكذا ولو كان مرفوعا كان الدهر اسما لله تعالى وليس كذلك لأن أحدا من المسلمين لا يسمى الله بهذا الاسم وحدثنا عبد الله ابن محمد قال حدثنا الحسن قال أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبى هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال إن الله يقول لا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر فإنى أنا الدهر أقلب ليله ونهاره فإذا شئت قبضتهما فهذان هما أصل الحديث في ذلك والمعنى ما ذكرنا وإنما غلط بعض الرواة فنقل المعنى عنده فقال لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر وأما قوله في الحديث الأول يؤذيني ابن آدم يسب الدهر فإن الله تعالى لا يلحقه الأذى ولا المنافع والمضار وإنما هو مجاز معناه يؤذى أوليائى لأنهم يعلمون أن الله هو الفاعل لهذه الأمور التي ينسبها الجهال إلى الدهر فيتأذون بذلك كما يتأذون بسماع سائر ضروب الجهل والكفر وهو كقوله( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ ) ومعناه يؤذون أولياء الله آخر سورة حم الجاثية.

سورة الأحقاف

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى( وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ) روى أن عثمان أمر برجم امرأة قد ولدت لستة أشهر فقال له على قال الله تعالى( وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ) وقال( وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ ) وروى أن عثمان سأل الناس عن ذلك فقال له ابن عباس مثل ذلك وأن عثمان رجع إلى قول على وابن عباس وروى عن ابن عباس أن كل ما زاد في الحمل نقص من الرضاع فإذا كان الحمل تسعة أشهر فالرضاع واحد وعشرون شهرا وعلى هذا القياس جميع ذلك وروى عن ابن عباس أن الرضاع حولان في جميع الناس ولم يفرقوا بين من زاد

٢٦٧

حمله أو نقص وهو مخالف للقول الأول وقال مجاهد في قوله( وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ ) ما نقص عن تسعة أشهر أو زاد عليها قوله تعالى( حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ ) روى عن ابن عباس وقتادة أشده ثلاث وثلاثون سنة وقال الشعبي هو بلوغ الحلم وقال الحسن أشده قيام الحجة عليه وقوله تعالى( أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها ) روى الزهري عن ابن عباس قال قال عمر فقلت يا رسول الله ادع الله أن يوسع على أمتك فقد وسع على فارس والروم وهم لا يعبدون الله فاستوى جالسا وقال أفي شك أنت يا ابن الخطاب أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا الجرجانى قال أخبرنا عبد الرزاق عن معمر في قوله( أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا ) قال إن عمر بن الخطاب قال لو شئت أن أذهب طيباتى في حياتي لأمرت بجدي سمين يطبخ باللبن وقال معمر قال قتادة قال عمر لو شئت أن أكون أطيبكم طعاما وألينكم ثيابا لفعلت ولكني أستبقى طيباتى وعن عبد الرحمن بن أبى ليلى قال قدم على عمر بن الخطاب ناس من أهل العراق فقرب إليهم طعامه فرآهم كأنهم يتعذرون في الأكل فقال يا أهل العراق لو شئت أن يدهمق لي كما يدهمق لكم لفعلت ولكن نستبقى من دنيانا لآخرتنا ما سمعتم الله يقول( أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا ) قال أبو بكر هذا محمول على أنه رأى ذلك أفضل لا على أنه لا يجوز غيره لأن الله قد أباح ذلك فلا يكون أكله فاعلا محظورا قال الله تعالى( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ ) آخر سورة الأحقاف.

سورة محمدصلى‌الله‌عليه‌وسلم

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قال الله تعالى( فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ ) قال أبو بكر قد اقتضى ظاهره وجوب القتل لا غير إلا بعد الإثخان وهو نظير قوله تعالى( ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ) حدثنا جعفر بن محمد بن الحكم قال حدثنا جعفر ابن محمد بن اليمان قال حدثنا أبو عبيد قال حدثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن على بن أبى طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى( ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ) قال ذلك يوم بدر والمسلمون يومئذ قليل فلما كثروا واشتد سلطانهم

٢٦٨

أنزل الله تعالى بعد هذا في الأسارى( فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً ) فجعل الله النبي والمؤمنين في الأسارى بالخيار إن شاءوا قتلوهم وإن شاءوا استعبدوهم وإن شاءوا فادوهم شك أبو عبيد في وإن شاءوا استعبدوهم وحدثنا جعفر بن محمد قال حدثنا جعفر بن محمد بن اليمان قال حدثنا أبو عبيد قال حدثنا أبو مهدى وحجاج كلاهما عن سفيان قال سمعت السدى يقول في قوله( فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً ) قال هي منسوخة نسخها قوله( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) قال أبو بكر أما قوله( فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ ) وقوله( ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ) وقوله( فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ ) فإنه جائز أن يكون حكما ثابتا غير منسوخ وذلك لأن الله تعالى أمر نبيهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بالإثخان بالقتل وحظر عليه الأسر إلا بعد إذلال المشركين وقمعهم وكان ذلك في وقت قلة عدد المسلمين وكثرة عدد عدوهم من المشركين فمتى أثخن المشركون وأذلوا بالقتل والتشريد جاز الاستبقاء فالواجب أن يكون هذا حكما ثابتا إذا وجد مثل الحال التي كان عليها المسلمون في أول الإسلام أما قوله( فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً ) ظاهره يقتضى أخذ شيئين إما من وإما فداء وذلك ينفى جواز القتل وقد اختلف السلف في ذلك حدثنا جعفر بن محمد قال حدثنا جعفر بن محمد بن اليمان قال حدثنا أبو عبيد قال حدثنا حجاج عن مبارك بن فضالة عن الحسن أنه كره قتل الأسير وقال من عليه أو فاده وحدثنا جعفر قال حدثنا جعفر قال حدثنا أبو عبيد قال أخبرنا هشيم قال أخبرنا أشعث قال سألت عطاء عن قتل الأسير فقال من عليه أو فاده قال وسألت الحسن قال يصنع به ما صنع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بأسارى بدر يمن عليه أو يفادى به وروى عن ابن عمر أنه دفع إليه عظيم من عظماء إصطخر ليقتله فأبى أن يقتله وتلا قوله( فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً ) وروى أيضا عن مجاهد ومحمد بن سيرين كراهة قتل الأسير وقد روينا عن السدى أن قوله( فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً ) منسوخ بقوله( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) وروى مثله عن ابن جريج حدثنا جعفر قال حدثنا أبو عبيد قال حدثنا حجاج عن ابن جريج قال هي منسوخة وقال قتل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم عقبة بن أبى معيط يوم بدر صبرا قال أبو بكر اتفق فقهاء الأمصار على جواز قتل الأسير لا نعلم بينهم خلافا فيه وقد تواترت الأخبار عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم في قتله الأسير منها قتله عقبة بن أبى معيط والنضر بن الحارث بعد الأسر يوم بدر وقتل يوم أحد أبا عزة الشاعر بعد ما أسر وقتل

٢٦٩

بنى قريظة بعد نزولهم على حكم سعد بن معاذ فحكم فيهم بالقتل وسبى الذرية ومن على الزبير ابن باطا من بينهم وفتح خيبر بعضها صلحا وبعضها عنوة وشرط على بن أبى الحقيق أن لا يكتم شيئا فلما ظهر على خيانته وكتمانه قتله وفتح مكة وأمر بقتل هلال بن خطل ومقيس ابن حبابة وعبد الله بن سعد بن أبى سرح وآخرين وقال اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة ومن على أهل مكة ولم يغنم أموالهم وروى عن صالح بن كيسان عن محمد ابن عبد الرحمن عن أبيه عبد الرحمن بن عوف أنه سمع أبا بكر الصديق يقول وددت أنى يوم أتيت بالفجاءة لم أكن أحرقته وكنت قتلته سريحا أو أطلقته نجيحا وعن أبى موسى أنه قتل دهقان السوس بعد ما أعطاه الأمان على قوم سماهم ونسى نفسه فلم يدخلها في الأمان فقتله فهذه آثار متواترة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وعن الصحابة في جواز قتل الأسير وفي استبقائه واتفق فقهاء الأمصار على ذلك وإنما اختلفوا في فدائه فقال أصحابنا جميعا لا يفادى الأسير بالمال ولا يباع السبي من أهل الحرب فيردوا حربا وقال أبو حنيفة لا يفادون بأسرى المسلمين أيضا ولا يردون حربا أبدا وقال أبو يوسف ومحمد لا بأس أن يفادى أسرى المسلمين بأسرى المشركين وهو قول الثوري والأوزاعى وقال الأوزاعى لا بأس ببيع السبي من أهل الحرب ولا يباع الرجال إلا أن يفادى بهم المسلمون وقال المزني عن الشافعى للإمام أن يمن على الرجال الذين ظهر عليهم أو يفادى بهم فأما المجيزون للفداء بأسرى المسلمين وبالمال فإنهم احتجوا بقوله( فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً ) وظاهره يقتضى جوازه بالمال وبالمسلمين وبأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فدى أسارى بدر بالمال ويحتجون للفداء بالمسلمين بما روى ابن المبارك عن معمر عن أيوب عن أبى قلابة عن أبى المهلب عن عمران بن حصين قال أسرت ثقيف رجلين من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وأسر أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم رجلا من بنى عامر بن صعصعة فمر به على النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو موثق فأقبل إليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال علام أحبس قال بجريرة حلفائك فقال الأسير إنى مسلم فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لو قلتها وأنت تملك أمرك لأفلحت كل الفلاح ثم مضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فناداه أيضا فأقبل فقال إنى جائع فأطعمنى فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم هذه حاجتك ثم إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فداه بالرجلين اللذين كانت ثقيف أسرتهما وروى ابن علية عن أيوب عن أبى قلابة عن أبى المهلب عن عمران بن حصين أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فدى رجلين من المسلمين برجل من المشركين من بنى عقيل ولم يذكر

٢٧٠

إسلام الأسير وذكره في الحديث الأول ولا خلاف أنه لا يفادى الآن على هذا الوجه لأن المسلم لا يرد أهل الحرب وقد كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم شرط في صلح الحديبية لقريش أن من جاء منهم مسلما رده عليهم ثم نسخ ذلك ونهى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الإقامة بين أظهر المشركين وقال أنا برىء من كل مسلم مع مشرك وقال من أقام بين أظهر المشركين فقد برئت منه الذمة وأما ما في الآية من ذكر المن أو الفداء وما روى في أسارى بدر فإن ذلك منسوخ بقوله( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ) وقد روينا ذلك عن السدى وابن جريج وقوله تعالى( قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ـ إلى قوله تعالى ـحَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ ) فتضمنت الآيتان وجوب القتال للكفار حتى يسلموا أو يؤدوا الجزية والفداء بالمال أو بغيره ينافي ذلك ولم يختلف أهل التفسير ونقلة الآثار أن سورة براءة بعد سورة محمدصلى‌الله‌عليه‌وسلم فوجب أن يكون الحكم المذكور فيها ناسخا للفداء المذكور في غيرها قوله تعالى( حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ) قال الحسن حتى يعبد الله ولا يشرك به غيره وقال سعيد بن جبير خروج عيسى بن مريمعليه‌السلام فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويلقى الذئب الشاة فلا يعرض لها ولا تكون عداوة بين اثنين وقال الفراء آثامها وشركها حتى لا يكون إلا مسلم أو مسالم قال أبو بكر فكان معنى الآية على هذا التأويل إيجاب القتال إلى أن لا يبقى من يقاتل وقوله تعالى( فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ ) روى عن مجاهد لا تضعفوا عن القتال وتدعوا إلى الصلح وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا الحسن الجرجانى قال أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى( فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ ) قال لا تكونوا أول الطائفتين ضرعت إلى صاحبتها( وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ ) قال أنتم أولى بالله منهم قال أبو بكر فيه الدلالة على امتناع جواز طلب الصلح من المشركين وهو بيان لما أكد فرضه من قتال مشركي العرب حتى يسلموا وقتال أهل الكتاب ومشركي العجم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية والصلح على غير إعطاء الجزية خارج عن مقتضى الآيات الموجبة لما وصفنا فأكد النهى عن الصلح بالنص عليه في هذه الآية وفيه الدلالة على أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يدخل مكة صلحا وإنما فتحها عنوة لأن الله قد نهاه عن الصلح في هذه الآية وأخبر أن

٢٧١

المسلمين هم الأعلون الغالبون ومتى دخلها صلحا برضاهم فهم متساوون إذ كان حكم ما يقع بتراضى الفريقين فهما متساويان فيه ليس أحدهما بأولى بأن يكون غالبا على صاحبه من الآخر وقوله تعالى( وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ) يحتج به في أن كل من دخل في قربة لا يجوز له الخروج منها قبل إتمامها لما فيه من إبطال عمله نحو الصلاة والصوم والحج وغيره آخر سورة محمدصلى‌الله‌عليه‌وسلم .

سورة الفتح

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله عز وجل( إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً ) روى أنه أراد فتح مكة وقال قتادة قضينا لك قضاء مبينا والأظهر أنه فتح مكة بالغلبة والقهر لأن القضاء لا يتناوله الإطلاق وإذا كان المراد فتح مكة فإنه يدل على أنه فتحها عنوة إذ كان الصلح لا يطلق عليه اسم الفتح وإن كان قد يعبر مقيدا لأن من قال فتح بلد كذا عقل به الغلبة والقهر دون الصلح ويدل عليه قوله في نسق التلاوة( وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً ) وفيه الدلالة على أن المراد فتح مكة وأنه دخلها عنوة ويدل عليه قوله تعالى( إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ ) لم يختلفوا أن المراد فتح مكة ويدل عليه قوله تعالى( إِنَّا فَتَحْنا لَكَ ) وقوله تعالى( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ ) وذكره ذلك في سياق القصة يدل على ذلك لأن المعنى سكون النفس إلى الإيمان بالبصائر التي بها قاتلوا عن دين الله حتى فتحوا مكة وقوله تعالى( قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ) روى أن المراد فارس والروم وروى أنهم بنو حنيفة فهو دليل على صحة إمامة أبى بكر وعمر وعثمان رضى الله عنهم لأن أبا بكر الصديق دعاهم إلى قتال بنى حنيفة ودعاهم عمر إلى قتال فارس والروم وقد ألزمهم الله اتباع طاعة من يدعوهم إليه بقوله( تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً ) فأوعدهم الله على التخلف عمن دعاهم إلى قتال هؤلاء فدل على صحة إمامتهما إذ كان المتولى عن طاعتهما مستحقا للعقاب فإن قيل قد روى قتادة أنهم هو ازن وثقيف يوم حنين قيل له لا يجوز أن يكون الداعي لهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لأنه قال( فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا ) ويدل على أن المراد بالدعاة لهم غير النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ومعلوم أنه لم يدع

٢٧٢

هؤلاء القوم بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا أبو بكر وعمر رضى الله عنهما وقوله تعالى( لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ) فيه الدلالة على صحة إيمان الذين بايعوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بيعة الرضوان بالحديبية وصدق بصائرهم فهم قوم بأعيانهم قال ابن عباس كانوا ألفين وخمس مائة وقال جابر ألفا وخمس مائة فدل على أنهم كانوا مؤمنين على الحقيقة أولياء الله إذ غير جائز أن يخبر الله برضاه عن قوم بأعيانهم إلا وباطنهم كظاهرهم في صحة البصيرة وصدق الإيمان وقد أكد ذلك بقوله( فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ ) أخبر أنه علم من قلوبهم صحة البصيرة وصدق النية وأن ما أبطنوه مثل ما أظهروه وقوله تعالى( فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ ) يعنى الصبر بصدق نياتهم وهذا يدل على أن التوفيق يصحب صدق النية وهو مثل قوله( إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما ) وقوله تعالى( وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ ) الآية روى عن ابن عباس أنها نزلت في قصة الحديبية وذلك أن المشركين قد كانوا بعثوا أربعين رجلا ليصيبوا من المسلمين فأتى بهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أسرى فخلى سبيلهم وروى أنها نزلت في فتح مكة حين دخلها النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم عنوة فإن كانت نزلت في فتح مكة فدلالتها ظاهرة على أنها فتحت عنوة لقوله تعالى( مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ ) ومصالحتهم لا ظفر فيها للمسلمين فاقتضى ذلك أن يكون فتحها عنوة وقوله تعالى( وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ ) يحتج به من يجيز ذبح هدى الإحصار في غير الحرم لإخباره بكونه محبوسا عن بلوغ محله ولو كان قد بلغ الحرم وذبح فيه لما كان محبوسا عن بلوغ المحل وليس هذا كما ظنوا لأنه قد كان ممنوعا بديا عن بلوغ المحل ثم لما وقع الصلح زال المنع فبلغ محله وذبح في الحرم وذلك لأنه إذا حصل المنع في أدنى وقت فجائز أن يقال قد منع كما قال تعالى( قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ ) وإنما منع في وقت وأطلق في وقت آخر وفي الآية دلالة على أن المحل هو الحرم لأنه قال( وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ ) فلو كان محله غير الحرم لما كان معكوفا عن بلوغه فوجب أن يكون المحل في قوله( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) هو الحرم.

باب رمى حصون المشركين وفيهم أطفال المسلمين وأسراهم

قال أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر ومحمد والثوري لا بأس برمي حصون المشركين

«١٨ ـ أحكام مس»

٢٧٣

وإن كان فيها أسارى وأطفال من المسلمين ولا بأس بأن يحرقوا الحصون ويقصدوا به المشركين وكذلك إن تترس الكفار بأطفال المسلمين رمى المشركون وإن أصابوا أحدا من المسلمين في ذلك فلا دية ولا كفارة وقال الثوري فيه الكفارة ولا دية فيه وقال مالك لا تحرق سفينة الكفار إذا كان فيها أسارى من المسلمين لقوله تعالى( لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً ) إنما صرف النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم عنهم لما كان فيهم من المسلمين ولو تزيل الكفار عن المسلمين لعذب الكفار وقال الأوزاعى إذا تترس الكفار بأطفال المسلمين لم يرموا لقوله( وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ ) الآية قال ولا يحرق المركب فيه أسارى المسلمين ويرمى الحصن بالمنجنيق وإن كان فيه أسارى مسلمون فإن أصاب أحدا من المسلمين فهو خطأ وإن جاءوا يتترسون بهم رمى وقصد العدو وهو قول الليث بن سعد وقال الشافعى لا بأس بأن يرمى الحصن وفيه أسارى أو أطفال ومن أصيب فلا شيء فيه ولو تترسوا ففيه قولان أحدهما يرمون والآخر لا يرمون إلا أن يكونوا ملتحمين فيضرب المشرك ويتوقى المسلم جهده فإن أصاب في هذه الحال مسلما فإن علمه مسلما فالدية مع الرقبة وإن لم يعلمه مسلما فالرقبة وحدها قال أبو بكر نقل أهل السير أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم حاصر أهل الطائف ورماهم بالمنجنيق مع نهيهصلى‌الله‌عليه‌وسلم عن قتل النساء والولدان وقد علمصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قد يصيبهم وهو لا يجوز تعمد بالقتل فدل على أن كون المسلمين فيما بين أهل الحرب لا يمنع رميهم إذ كان القصد فيه المشركين دونهم وروى الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة قال سئل النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم عن أهل الديار من المشركين يبيتون فيصاب من ذراريهم ونساءهم فقال هم منهم وبعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أسامة ابن زيد فقال أغر على هؤلاء يا بنى صباحا وحرق وكان يأمر السرايا بأن ينتظروا بمن يغزونهم فإن أذنوا للصلاة أمسكوا عنهم وإن لم يسمعوا أذانا أغاروا وعلى ذلك مضى الخلفاء الراشدون ومعلوم أن من أغار على هؤلاء لا يخلوا من أن يصيب من ذراريهم ونسائهم المحظور قتلهم فكذلك إذا كان فيهم مسلمون وجب أن لا يمنع ذلك من شن الغارة عليهم ورميهم بالنشاب وغيره وإن خيف عليه إصابة المسلم فإن قيل إنما جاء ذلك لأن ذراري المشركين منهم كما قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم في حديث الصعب بن جثامة قيل له لا يجوز أن يكون مرادهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذراريهم أنهم منهم في الكفر لأن الصغار لا يجوز أن يكونوا

٢٧٤

كفارا في الحقيقة ولا يستحقون القتل ولا العقوبة لفعل آبائهم في باب سقوط الدية والكفارة وأما احتجاج من يحتج بقوله( وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ ) الآية في منع رمى الكفار لأجل من فيهم من المسلمين فإن الآية لا دلالة فيها على موضع الخلاف وذلك لأن أكثر ما فيها أن الله كف المسلمين عنهم لأنه كان فيهم قوم مسلمون لم يأمن أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لو دخلوا مكة بالسيف أن يصيبوهم وذلك إنما تدل إباحة ترك رميهم والإقدام عليهم فلا دلالة على حظر الإقدام عليهم مع العلم بأن فيهم مسلمين لأنه جائز أن يبيح الكف عنهم لأجل المسلمين وجائز أيضا إباحة الإقدام على وجه التخيير فإذا لا دلالة فيها على حظر الإقدام فإن قيل في فحوى الآية ما يدل على الحظر وهو قوله( لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ ) فلو لا الحظر ما أصابتهم معرة من قتلهم بإصابتهم إياهم قيل له قد اختلف أهل التأويل في معنى المعرة هاهنا فروى عن ابن إسحاق أنه غرم الدية وقال غيره الكفارة وقال غيرهما الغم باتفاق قتل المسلم على يده لأن المؤمن يغم لذلك وإن لم يقصده وقال آخرون العيب وحكى عن بعضهم أنه قال المعرة الإثم وهذا باطل لأنه تعالى قد أخبر أن ذلك لو وقع كان بغير علم منا لقوله تعالى( لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ ) ولا مأثم عليه فيما لم يعلمه ولم يضع الله عليه دليلا قال الله تعالى( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ) فعلمنا أنه لم يرد المأثم ويحتمل أن يكون ذلك كان خاصا في أهل مكة لحرمة الحرم ألا ترى أن المستحق للقتل إذا لجأ إليها لم يقتل عندنا وكذلك الكافر الحربي إذا لجأ إلى الحرم لم يقتل وإنما يقتل من انتهك حرمة الحرم بالجناية فيه فمنع المسلمين من الإقدام عليهم خصوصية لحرمة الحرم ويحتمل أن يريد ولو لا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات قد علم أنهم سيكونون من أولاد هؤلاء الكفار إذ لم يقتلوا فمنعنا قتلهم لما في معلومه من حدوث أولادهم مسلمين وإذا كان في علم الله أنه إذا أبقاهم كان لهم أولاد مسلمون أبقاهم ولم يأمر بقتلهم وقوله( لَوْ تَزَيَّلُوا ) على هذا التأويل لو كان هؤلاء المؤمنون الذين في أصلابهم قد ولدوهم وزايلوهم لقد كان أمر بقتلهم وإذا ثبت ما ذكرنا من جواز الإقدام على الكفار مع العلم بكون المسلمين بين أظهرهم وجب جواز مثله إذا تترسوا بالمسلمين لأن القصد في الحالين رمى المشركين دونهم ومن أصيب منهم فلا دية فيه ولا كفارة كما ان من أصيب برمي حصون الكفار من

٢٧٥

المسلمين الذين في الحصن لم يكن فيه دية ولا كفارة ولا أنه قد أبيح لنا الرمي مع العلم بكون المسلمين في تلك الجهة فصار وافى الحكم بمنزلة من أبيح قتله فلا يجب شيء وليست المعرة المذكورة دية ولا كفارة إذ لا دلالة عليه من لفظه ولا من غيره والأظهر منه ما يصيبه من الغم والحرج باتفاق قتل المؤمن على يده على ما جرت به العادة ممن يتفق على يده ذلك وقول عن تأوله على العيب محتمل أيضا لأن الإنسان قد يعاب في العادة باتفاق قتل الخطأ على يده وإن لم يكن ذلك على وجه العقوبة قوله تعالى( إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ ) قيل إنه لما أراد النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يكتب صلح الحديبية أمر على بن أبى طالب رضى الله عنه فكتبه وأملى عليه بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ هذا ما اصطلح عليه محمد رسول الله وسهيل بن عمرو فأبت قريش أن يكتبوا بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ومحمد رسول الله وقالوا نكتب باسمك اللهم ومحمد ابن عبد الله ومنعوه دخول مكة فكانت أنفتهم من الإقرار بذلك من حمية الجاهلية وقوله تعالى( وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى ) روى عن ابن عباس قال لا إله إلا الله وعن قتادة مثله وقال مجاهد كلمة الإخلاص وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا الحسن قال أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في قوله وألزمهم كلمة التقوى قال بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله تعالى( لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ ) قال أبو بكر المقصد إخبارهم بأنهم يدخلون المسجد الحرام آمنين متقربين بالإحرام فلما ذكر معه الخلق والتقصير دل على أنهما قربة في الإحرام وأن الإحلال بهما يقع لو لا ذلك ما كان للذكر هاهنا وجه وروى جابر وأبو هريرة أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم دعا للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مرة وهذا أيضا يدل على أنهما قربة ونسك عند الإحلال من الإحرام آخر سورة الفتح.

سورة الحجرات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله عز وجل( لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ ) حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا الحسن قال أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ ) إن ناسا كانوا يقولون لولا أنزل في كذا قال معمر وكان الحسن يقول هم قوم ذبحوا قبل أن يصلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فأمرهم أن يعيدوا الذبح قال أبو بكر وروى عن مسروق أنه دخل على عائشة فأمرت الجارية أن تسقيه فقال إنى صائم وهو

٢٧٦

اليوم الذي يشك فيه فقالت قد نهى عن هذا وتلت( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ ) في صيام ولا غيره قال أبو بكر اعتبرت عموم الآية في النهى عن مخالفة النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم في قول أو فعل وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى لا تعجلوا بالأمر والنهى دونه قال أبو بكر يحتج بهذه الآية في امتناع جواز مخالفة النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم في تقديم الفروض على أوقاتها وتأخيرها عنها في تركها وقد يحتج بها من يوجب أفعال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لأن في ترك ما فعله تقدما بين يديه كما أن في ترك أمره تقدما بين يديه وليس ذلك كما ظنوا لأن التقدم بين يديه إنما هو فيما أراد منا فعله ففعله غيره فأما ما لم يثبت أنه مراد منه فليس في تركه تقديم بين يديه ويحتج به نفاة القياس أيضا ويدل ذلك على جهل المحتج به لأن ما قامت دلالته فليس في فعله تقدم بين يديه وقد قامت دلالة الكتاب والسنة والإجماع على وجوب القول بالقياس في فروع الشرع فليس فيه إذا تقدم بين يديه قوله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ ) فيه أمر بتعظيم النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وتوقيره وهو نظير قوله تعالى( لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ ) وروى أنها نزلت في قوم كانوا إذ سئل النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم عن شيء قالوا فيه قبل النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وأيضا لما كان في رفع الصوت على الإنسان في كلامه ضرب من ترك المهابة والجرأة نهى الله عنه إذ كنا مأمورين لتعظيمه وتوقيره وتهييبه وقوله تعالى( وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ ) زيادة على رفع الصوت وذلك أنه نهى عن أن تكون مخاطبتنا له كمخاطبة بعضنا لبعض بل على ضرب من التعظيم تخالف به مخاطبات الناس فيما بينهم وهو كقوله( لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً ) وقوله( إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ ) وروى أنها نزلت في قوم من بنى تميم أتوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فنادوه من خارج الحجرة وقالوا اخرج إلينا يا محمد فذمهم الله تعالى بذلك وهذه الآيات وإن كانت نازلة في تعظيم النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وإيجاب الفرق بينه وبين الأمة فيه فإنه تأديب لنا فيمن يلزمنا تعظيمه من والد وعالم وناسك وقائم بأمر الدين وذي سن وصلاح ونحو ذلك إذ تعظيمه بهذا الضرب من التعظيم في ترك الجهر دفع الصوت عليه وترك عليه والتمييز بينه وبين غيره ممن ليس في مثل حاله وفي النهى عن ندائه من وراء الباب والمخاطبة له بلفظ الأمر لأن الله قد ذم هؤلاء القوم بندائهم إياه من وراء الحجرة وبمخاطبته بلفظ الأمر في قولهم اخرج إلينا حدثنا عبد الله بن محمد

٢٧٧

قال حدثنا الحسن الجرجانى قال أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أن ثابت بن قيس قال يا رسول الله لقد خشيت أن أكون قد هلكت لما نزلت هذه الآية( لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ ) نهانا الله أن نرفع أصواتنا فوق صوتك وأنا امرؤ جهير الصوت ونهى الله المرء أن يحب أن يحمد بما لم يفعل واجدنى أحب الحمد ونهانا الله عن الخيلاء واجدنى أحب الجمال فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يا ثابت أما ترضى أن تعيش حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة فعاش حميدا وقتل شهيدا يوم مسيلمة الكذاب

. باب حكم خبر الفاسق

قال الله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ ) الآية حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا الحسن بن أبى الربيع قال أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) قال بعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم الوليد بن عقبة إلى بنى المصطلق فأتاهم الوليد فخرجوا يتلقونه ففرق ورجع إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال ارتدوا فبعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم خالد بن الوليد فلما دنا منهم بعث عيونا ليلا فإذا هم يؤذنون ويصلون فأتاهم خالد فلم ير منهم إلا طاعة وخيرا فرجع إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبره قال وقال معمر فتلا قتادة لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم قال فأنتم أسخف رأيا وأطيش أحلاما فاتهم رجل رأيه وانتصح كتاب الله وروى عن الحسن قال والله لئن كانت نزلت في رجل يعنى قوله( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) إنها لمرسلة إلى يوم القيامة ما نسخها شيء قال أبو بكر مقتضى الآية إيجاب التثبت في خبر الفاسق والنهى عن الإقدام على قبوله والعمل به إلا بعد التبين والعلم بصحة مخبره وذلك لأن قراءة هذه الآية على وجهين فتثبتوا من التثبت وفتبينوا كلمتاهما يقتضى النهى عن قبول خبره إلا بعد العلم بصحته لأن قوله فتثبتوا فيه أمر بالتثبت لئلا يصيب بجهالة فاقتضى ذلك النهى عن الإقدام إلا بعد العلم لئلا يصيب قوما بجهالة وأما قوله( فَتَبَيَّنُوا ) فإن التبين هو العلم فاقتضى أن لا يقدم بخبره إلا بعد العلم فاقتضى ذلك النهى عن قبول شهادة الفاسق مطلقا إذ كان كل شهادة خبرا وكذلك سائر أخباره فلذلك قلنا شهادة الفاسق غير مقبولة في شيء من الحقوق وكذلك أخباره في الرواية عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وكل ما كان من أمر الدين يتعلق به من إثبات شرع أو حكم أو إثبات حق على إنسان واتفق أهل العلم على جواز قبول خبر

٢٧٨

الفاسق في أشياء فمنها أمور المعاملات يقبل فيها خبر الفاسق وذلك نحو الهدية إذا قال إن فلانا أهدى إليك هذا يجوز له قبوله وقبضه ونحو قوله وكلني فلان ببيع عبده هذا فيجوز شراؤه منه ونحو الإذن في الدخول إذا قال له قائل ادخل لا تعتبر فيه العدالة وكذلك جميع أخبار المعاملات ويقبل في جميع ذلك خبر الصبى والعبد والذمي وقبل النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم خبر بريرة فيما اهدت إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان يتصدق عليها فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم هي لها صدقة ولنا هدية فقبل قولها في أنه تصدق به عليها وأن ملك المتصدق قد زال إليها ويقبل قول الفاسق وشهادته من وجه آخر وهو من كان فسقه من جهة الدين باعتقاد مذهب وهم أهل الأهواء فساق وشهادتهم مقبولة وعلى ذلك جرى أمر السلف في قبول أخبار أهل الأهواء في رواية الأحاديث وشهادتهم ولم يكن فسقهم من جهة التدين مانعا من قبول شهادتهم وتقبل أيضا شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض وقد بيناه فيما سلف من هذا الكتاب فهذه الوجوه الثلاثة يقبل فيها خبر الفاسق وهو مستثنى من جملة قوله تعالى( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) لدلائل قد قامت عليه فثبت أن مراد الآية في الشهادات وإلزام الحقوق أو إثبات أحكام الدين والفسق التي ليست من جهة الدين والإعتقاد وفي هذه الآية دلالة على أن خبر الواحد لا يوجب العلم إذ لو كان يوجب العلم بحال لما احتيج فيه إلى التثبت ومن الناس من يحتج به في جواز قبول خبر الواحد العدل ويجعل تخصيصه الفاسق بالتثبت في خبره دليلا على أن التثبت في خبر العدل غير جائز وهذا غلط لأن تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على أن ما عداه فحكمه بخلافه.

باب قتال أهل البغي

قال الله تعالى( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما ) حدثنا عبد الله ابن محمد قال حدثنا الحسن بن أبى الربيع قال أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن الحسن أن قوما من المسلمين كان بينهم تنازع حتى اضطربوا بالنعال والأيدى فأنزل الله فيهم( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما ) قال معمر قال قتادة وكان رجلان بينهما حق تدارء فيه فقال أحدهما لآخذنه عنوة لكثرة عشيرته وقال الآخر بيني وبينك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فتنازعا حتى كان بينهما ضرب بالنعال والأيدى وروى عن سعيد بن جبير والشعبي قالا كان قتالهم بالعصى والنعال وقال مجاهدهم الأوس والخزرج كان بينهم قتال

٢٧٩

بالعصا قال أبو بكر قد اقتضى ظاهر الآية الأمر بقتال الفئة الباغية حتى ترجع إلى أمر الله وهو عموم في سائر ضروب القتال فإن فاءت إلى الحق بالقتال بالعصى والنعال لم يتجاوز به إلى غيره وإن لم تفئ بذلك قوتلت بالسيف على ما تضمنه ظاهر الآية وغير جائز لأحد الاقتصار على القتال بالعصى دون السلاح مع الإقامة على البغي وترك الرجوع إلى الحق وذلك أحد ضروب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وقد قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان فأمر بإزالة المنكر باليد ولم يفرق بين السلاح وما دونه فظاهره يقتضى وجوب إزالته بأى شيء أمكن وذهب قوم من الحشو إلى أن قتال أهل البغي إنما يكون بالعصى والنعال وما دون السلاح وأنهم لا يقاتلون بالسيف واحتجوا بما روينا من سبب نزول الآية وقتال القوم الذين تقاتلوا بالعصى والنعال وهذا لا دلالة فيه على ما ذكروا لأن القوم تقاتلوا بما دون السلاح فأمر الله تعالى بقتال الباغي منهما ولم يخصص قتالنا إياه بما دون السلاح وكذلك نقول متى ظهر لنا قتال من فئة على وجه البغي قابلناه بالسلاح وبما دونه حتى ترجع إلى الحق وليس في نزول الآية على حال قتال الباغي لنا بغير سلاح ما يوجب أن يكون الأمر بقتالنا إياهم مقصورا على مادون السلاح مع اقتضاء عموم اللفظ للقتال بسلاح وغيره ألا ترى أنه لو قال من قاتلكم بالعصى فقاتلوه بالسلاح لم يتناقص القول به فكذلك أمره إيانا بقتالهم إذ كان عمومه يقتضى القتال بسلاح وغيره وجب أن يجرى على عمومه وأيضا قاتل على بن أبى طالب رضى الله عنه الفئة الباغية بالسيف ومعه من كبراء الصحابة وأهل بدر من قد علم مكانهم وكان محقا في قتاله لهم لم يحالف فيه أحد إلا الفئة الباغية التي قابلته واتباعها وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لعمار تقتلك الفئة الباغية وهذا خبر مقبول من طريق التواتر حتى أن معاوية لم يقدر على جحده لما قال له عبد الله بن عمر فقال إنما قتله من جاء به فطرحه بين أسنتنا رواه أهل الكوفة وأهل البصرة وأهل الحجاز وأهل الشام وهو علم من أعلام النبوة لأنه خبر عن غيب لا يعلم إلا من جهة علام الغيوب وقد روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم في إيجاب قتال الخوارج وقتلهم اخبار كثيرة متواترة منها حديث أنس وأبى سعيد أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال سيكون في أمتى اختلاف وفرقة قوم يحسنون القول ويسيئون العمل يمرقون من الدين كما يمرق السهم

٢٨٠

من الرمية لا يرجعون حتى يرتد على فوقه هم شر الخلق والخليقة طوبى لمن قتلهم أو قتلوه يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء من قتلهم كان أولى بالله منهم قالوا يا رسول الله ما سيماهم قال التحليق وروى الأعمش عن خيثمة عن سويد بن غفلة قال سمعت عليا يقول إذا حدثتكم بشيء عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فلأن أخر من السماء فتخطفني الطير أحب إلى من أن أكذب عليه وإذا حدثتكم فيما بيننا فإن الحرب خدعة وإنى سمعتهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول يخرج قوم في آخر الزمان أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فإن لقيتموهم فاقتلوهم فإن قتلهم أجر من قتلهم يوم القيامة ولم يختلف أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في وجوب قتال الفئة الباغية بالسيف إذا لم يردعها غيره ألا ترى أنهم كلهم رأوا قتال الخوارج ولو لم يروا قتال الخوارج وقعدوا عنها لقتلوهم وسبوا ذراريهم ونساءهم واصطلموهم فإن قيل قد جلس عن على جماعة من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم منهم سعد ومحمد بن مسلمة وأسامة بن زيد وابن عمر قيل له لم يقعدوا عنه لأنهم لم يروا قتال الفئة الباغية وجائز أن يكون قعودهم عنه لأنهم رأوا الإمام مكتفيا بمن معه مستغنيا عنهم بأصحابه فاستجازوا القعود عنه لذلك ألا ترى أنهم قد قعدوا عن قتال الخوارج لا على أنهم لم يروا قتالهم واجبا لكنه لما وجدوا من كفاهم قتل الخوارج استغنوا عن مباشرة قتالهم فإن احتجوا بما روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال ستكون فتنة القائم فيها خير من الماشي والقاعد فيها خير من القائم قيل له إنما أراد به الفتنة التي يقتتل الناس فيها على طلب الدنيا وعلى جهة العصبية والحمية من غير قتال مع إمام تجب طاعته فأما إذا ثبت أن إحدى الفئتين باغية والأخرى عادلة مع الإمام فإن قتال الباغية واجب مع الإمام ومع من قاتلهم محتسبا في قتالهم فإن قالوا قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لأسامة بن زيد قتلته وهو قد قال لا إله إلا الله إنما يردد ذلك مرارا فوجب أن لا يقاتل من قال لا إله إلا الله ولا يقتل قيل له لأنهم كانوا يقاتلون وهم مشركون حتى يقولوا لا إله إلا الله كما قالصلى‌الله‌عليه‌وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها فكانوا إذا أعطوا كلمة التوحيد أجابوا إلى ما دعوا إليه من خلع الأصنام واعتقاد التوحيد ونظير ذلك أن يرجع البغاة إلى الحق فيزول عنهم القتال لأنهم إنما يقاتلون على إقامتهم على قتال أهل العدل فمتى كفوا عن القتال ترك قتالهم كما

٢٨١

يقاتل المشركون على إظهار الإسلام فمتى أظهروه زال عنهم ألا ترى أن قطاع الطريق والمحاربين يقاتلون ويقتلون مع قولهم لا إله إلا الله.

باب ما يبدأ به أهل البغي

قال الله تعالى( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما ) قال أبو بكر أمرا عند ظهور القتال منهم بالإصلاح بينهما وهو أن يدعوا إلى الصلاح والحق وما يوجبه الكتاب والسنة والرجوع عن البغي وقوله تعالى( فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى ) يعنى والله أعلم إن رجعت إحداهما إلى الحق وأرادت الصلاح وأدامت الأخرى على بغيها وامتنعت من الرجوع فقاتلوا التي تبغى حتى تفي إلى أمر الله فأمر تعالى بالدعاء إلى الحق قبل القتال ثم إن أبت الرجوع قوتلت وكذا فعل على بن أبى طالب كرم الله وجهه بدأ بدعاء الفئة الباغية إلى الحق واحتج عليهم فلما أبوا القبول قاتلهم وفي هذه الآية دلالة على أن اعتقاد مذاهب أهل البغي لا يوجب قتالهم ما لم يقاتلوا لأنه قال( فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ ) فإنما أمر بقتالهم إذا بغوا على غيرهم بالقتال وكذلك فعل على بن أبى طالب رضى الله عنه مع الخوارج وذلك لأنهم حين اعتزلوا عسكره بعث إليهم عبد الله بن عباس فدعاهم فلما أبوا الرجوع ذهب إليهم فحاجهم فرجعت منهم طائفة وأقامت طائفة على أمرها فلما دخلوا الكوفة خطب فحكمت الخوارج من نواحي المسجد وقالت لا حكم إلا الله فقال على رضى الله عنه كلمة حق يراد بها باطل أما إن لهم ثلاثا أن لا نمنعهم مساجد الله أن يذكروا فيها اسمه وأن لا نمنعهم حقهم من الفيء مادامت أيديهم مع أيدينا وأن لا نقاتلهم حتى يقاتلونا

. باب الأمر فيما يؤخذ من أموال البغاة

قال أبو بكر اختلف أهل العلم في ذلك فقال محمد في الأصل لا يكون غنيمة ويستعان بكراعهم وسلاحهم على حربهم فإذا وضعت الحرب أوزارها رد المال عليهم ويرد الكراع أيضا عليهم إذا لم يبق من البغاة أحد وما استهلك فلا شيء فيه وذكر إبراهيم بن الجراح عن أبى يوسف قال ما وجد في أيدى أهل البغي من كراع أو سلاح فهو فيء يقسم ويخمس وإذا تابوا لم يؤخذوا بدم ولا مال استهلكوه وقال مالك ما استهلكه الخوارج

٢٨٢

من دم أو مال ثم تابوا لم يؤخذوا به وما كان قائما بعينه رد وهو قول الأوزاعى والشافعى وقال الحسن بن صالح إذا قوتل اللصوص المحاربون فقتلوا وأخذ ما معهم فهو غنيمة لمن قاتلهم بعد إخراج الخمس إلا أن يكون شيء يعلم أنهم سرقوه من الناس قال أبو بكر واختلفت الرواية عن على كرم الله وجهه في ذلك فروى فطر بن خليفة عن منذر بن يعلى عن محمد بن الحنفية قال قسم أمير المؤمنين على رضى الله عنه يوم الجمل فيئهم بين أصحابه ما قوتل به من الكراع والسلاح فاحتج من جعله غنيمة بهذا الحديث وهذا ليس فيه دلالة على أنه غنيمة لأنه جائز أن يكون قسم ما حصل في يده من كراع أو سلاح ليقاتلوا به قبل أن تضع الحرب أوزارها ولم يملكهم ذلك على ما قال محمد في الأصل وقد روى عكرمة بن عمار عن أبى زميل عن عبد الله بن الدولى عن ابن عباس أن الخوارج نقموا على على رضى الله عنه أنه لم يسب ولم يغنم فحاجهم بأن قال لهم أفتسبون أمكم عائشة ثم تستحلون منها ما تستحلون من غيرها فلئن فعلتم لقد كفرتم وروى أبو معاوية عن الصلت ابن بهرام عن أبى وائل قال سألته أخمس على رضى الله عنه أموال أهل الجمل قال لا وقال الزهري وقعت الفتنة وأصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم متوافرون وأجمعوا أن كل دم أريق على وجه التأويل أو مال استهلك على وجه التأويل فلا ضمان فيه ويدل على أنه لا تغنم أموالهم التي ليست معهم مما تركوه في ديارهم لا تغنم وإن قتلوا كذلك ما معهم منها ألا ترى أن أهل الحرب لا يختلف فيما يغنم من أموالهم ما منعهم وما تركوه منها في ديارهم إن ما حصل في أيدينا منها مغنوم وأنه لا خلاف أنه لا تسبى ذراريهم ونساؤهم ولا تملك رقابهم فكذلك لا تغنم أموالهم فإن قيل مشركو العرب لا تملك رقابهم وتغنم أموالهم قيل لأنهم يقتلون إذا أسروا إن لم يسلموا وتسبى ذراريهم ونساؤهم فلذلك غنمت أموالهم والخوارج إذا لم تبق لهم منعة لا يقتل أسراهم ولا تسبى ذراريهم بحال فكذلك لا تغنم أموالهم.

باب الحكم في أسرى أهل البغي وجرحاهم

روى كوثر بن حكيم عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يا ابن أم عبد كيف حكم الله فيمن بغى من هذه الأمة قال الله ورسوله أعلم قال لا يجهز على جرحها ولا يقتل أسيرها ولا يطلب هاربها وروى عطاء بن السائب عن أبى البختري وعامر قالا لما ظهر على رضى الله عنه على أهل الجمل قال لا تتبعوا مدبرا ولا تذففوا على جريح وروى

٢٨٣

شريك عن السدى عن عبد خير قال قال على رضى الله عنه يوم الجمل لا تقتلوا أسيرا ولا تجهزوا على جريح ومن ألقى السلاح فهو آمن قال أبو بكر هذا حكم على رضى الله عنه في البغاة ولا نعلم له مخالفا من السلف وقال أصحابنا إذا لم تبق لأهل البغي فئة فإنه لا يجهز على جريح ولا يقتل أسير ولا يتبع مدبر فإذا كانت لهم فئة فإنه يقتل الأسير إن رأى ذلك الإمام ويجهز على الجريح ويتبع المدبر وقول على رضى الله عنه محمول على أنه لم تبق لهم فئة لأن هذا القول إنما كان منه في أهل الجمل ولم تبق لهم فئة بعد الهزيمة والدليل عليه أنه أسر بن بثرى والحرب قائمة فقتله يوم الجمل فدل ذلك على أن مراده في الأخبار الأول إذا لم تبق لهم فئة.

باب في قضايا البغاة

قال أبو يوسف في البرمكي لا ينبغي لقاضى الجماعة أن يجيز كتاب قاضى أهل البغي ولا شهادته ولا حكمه قال أبو بكر وكذلك قال محمد وقال لو أن الخوارج ولوا قاضيا منهم فحكم ثم رفع إلى حاكم أهل العدل لم يمضه إلا أن يوافق رأيه فيستأنف القضاء فيه قال ولو ولوا قاضيا من أهل العدل بقضية أنفذها من رفعت إليه كما يمضى قضاء أهل العدل وقال مالك فيما حكم به أهل البغي تكشف أحكامهم فما كان منها مستقيما أمضى وقال الشافعى إذا غلب الخوارج على مدينة فأخذوا صدقات أهلها وأقاموا عليهم الحدود لم تعد عليهم ولا يرد من قضاء قاضيهم إلا ما يرد من قضاء قاضى غيرهم وإن كان غير مأمون برأيه على استحلال دم أو مال لم ينفذ حكمه ولم يقبل كتابه قال أبو بكر إذا قاتلوا وظهر بغيهم على أهل العدل فقد وجب قتلهم وقتالهم فغير جائز قبول شهادة من هذه سبيله لأن إظهار البغي وقتالهم لأهل العدل هو فسق من جهة الفعل وظهور الفسق من جهة الفعل يمنع قبول الشهادة كشارب الخمر والزاني والسارق فإن قيل فأنت تقبل شهادتهم فهلا أمضيت أحكامهم قيل له قد قال محمد بن الحسن إنهم إنما تقبل شهادتهم ما لم يقاتلوا ولم يخرجوا على أهل العدل فأما إذا قاتلوا فإنى لا أقبل شهادتهم فقد سوى بين القضاء وبين الشهادة ولم يذكر في ذلك خلافا بين أصحابنا وهذا سديد والعلة فيه ما ذكرنا فإن قيل فقد قالوا إن الخوارج إذا ظهروا وأخذوا صدقات المواشي والثمار إنه لا يعاد على أربابها فجعلوا أخذهم بمنزلة أخذ أهل العدل قيل له إن الزكاة لا تسقط عنهم بأخذ هؤلاء لأنهم قالوا إن على أرباب

٢٨٤

الأموال إعادتها فيما بينهم وبين الله تعالى وإنما أسقطوا به حق الإمام في الأخذ لأن حق الإمام إنما يثبت في الأخذ لأجل حمايته أهل العدل فإذا لم يحمهم من البغاة لم يثبت حقه في الأخذ وكان ما أخذه البغاة بمنزلة أخذه في باب سقوط حقه في الأخذ ألا ترى أن أصحابنا قالوا لو مر رجل من أهل العدل على عاشر أهل البغي بمال فعشره أنه لا يحتسب له الإمام بذلك ويأخذ منه العشر إذا مر به على عاشر أهل العدل فعلمت أن المعنى في سقوط حق الإمام في الأخذ لا على معنى أنهم جعلوا حكمهم كأحكام أهل العدل وإنما أجازوا قضاء قاضى البغاة إذا كان القاضي من أهل العدل من قبل أن الذي يحتاج إليه في صحة نفاذ القضاء هو أن يكون القاضي عدلا في نفسه ويمكنه تنفيذ قضائه وحمل الناس عليه بيد قوية سواء كان المولى له عدلا أو باغيا ألا ترى أنه لو لم يكن ببلد سلطان فاتفق أهله على أن ولوا رجلا منهم القضاء كان جائزا وكانت أحكامه نافذة عليهم فكذلك الذي ولاه البغاة القضاء إذا كان هو في نفسه عدلا نفذت أحكامه ويحتج من يجيز مجاوزة الحد بالتعزير بقوله تعالى( فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ ) فأمر بقتالهم إلى أن يرجعوا إلى الحق فدل على أن التعزير يجب إلى أن يعلم إقلاعه عنه وتوبته إذ كان التعزير للزجر والردع وليس له مقدار معلوم في العادة كما أن قتال البغاة لما كان المردع وجب فعله أن يرتدعوا وينزجروا قال أبو بكر إنما اقتصر من لم يبلغ بالتعزير الحد على ذلك بما روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال من بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين وقوله تعالى( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ) يعنى أنهم إخوة في الدين كقوله تعالى( فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ ) وفي ذلك دليل على جواز إطلاق لفظ الأخوة بين المؤمنين من جهة الدين وقوله تعالى( فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ) يدل على أن من رجا صلاح ما بين متعاديين من المؤمنين أن عليه الإصلاح بينهما وقوله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ ) نهى الله بهذه الآية عن عيب من لا يستحق أن يعاب على وجه الاحتقار له لأن ذلك هو معنى السخرية وأخبر أنه وإن كان أرفع حالا منه في الدنيا فنسي أن يكون المسخور منه خيرا عند الله وقوله تعالى( وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ) وروى عن ابن عباس وقتادة لا يطعن بعضكم على بعض قال أبو بكر هو كقوله( وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ) لأن المؤمنين كنفس واحدة فكأنه بقتله أخاه قاتل نفسه وكقوله( فَسَلِّمُوا عَلى

٢٨٥

أَنْفُسِكُمْ ) يعنى يسلم بعضكم على بعض واللمز العيب يقال لمزه إذا عابه وطعن عليه قال الله تعالى( وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ ) قال زياد الأعجم :

إذا لقيتك تبدى لي مكاشرة

وإن تغيبت الهامز اللمزة

ما كنت أخشى وإن كان الزمان به

حيف على الناس أن يغتا بنى عنزه

وإنما نهى بذلك عن عيب من لا يستحق وليس بمعيب فإن من كان معيبا فاجرا فعيبه بما فيه جائز وروى أنه لما مات الحجاج قال الحسن اللهم أنت أمته فاقطع عنا سنته فإنه أتانا أخيفش أعيمش يمد بيد قصيرة البنان والله ما عرق فيها عنان في سبيل الله يرحل جمته ويخطر في مشيته ويصعد المنبر فيهذر حتى تفوته الصلاة لا من الله يتقى ولا من الناس يستحى فوقه الله وتحته مائة ألف أو يزيدون لا يقول له لا قائل الصلاة أيها الرجل ثم قال الحسن هيهات والله حال دون ذلك السيف والسوط وقوله تعالى( وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ ) روى حماد بن سلمة عن يونس عن الحسن أن أبا ذر كان عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان بينه وبين رجل منازعة فقال له أبو ذر يا ابن اليهودية فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أما ترى ما هاهنا ما شيء أحمر ولا أسود وما أنت أفضل منه إلا بالتقوى قال ونزلت هذه الآية( وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ ) وقال قتادة في قوله تعالى( وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ ) قال لا تقل لأخيك المسلم يا فاسق يا منافق حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا الحسن قال أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن الحسن قال كان اليهودي والنصراني يسلم فقال له يا يهودي يا نصراني فنهوا عن ذلك حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا وهيب عن داود عن عامر قال حدثني أبو جبيرة بن الضحاك قال فينا نزلت هذه الآية في بنى سلمة( وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ ) قال قدم علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وليس منا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة فجعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول يا فلان فيقولون مه يا رسول الله إنه يغضب من هذا الاسم فأنزلت هذه الآية( وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ ) وهذا يدل على أن اللقب المكروه هو ما يكرهه صاحبه ويفيد ما للموصوف به لأنه بمنزلة السباب والشتيمة فأما الأسماء والأوصاف الجارية غير هذا المجرى فغير مكروهة لم يتناولها النهى لأنها بمنزلة أسماء الأشخاص والأسماء المشتقة من أفعال وقد روى محمد بن إسحاق عن محمد بن يزيد بن خيثم عن محمد بن كعب قال حدثني محمد بن خيثم المحاربي عن

٢٨٦

عمار بن ياسر قال كنت أنا وعلى بن أبى طالب رفيقين في غزوة العشيرة من بطن ينبع فلما نزل بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أقام بها شهرا وصالح فيها بنى مدلج وحلفاءهم من بنى ضمرة ووادعهم فقال لي على رضى الله عنه هل لك أن تأتى هؤلاء من بنى مدلج يعملون في عير لهم ننظر كيف يعملون فأتيناهم فنظرنا إليهم ساعة ثم غشينا النوم فعمدنا إلى صور من النخل في دقعاء من الأرض فنمنا فما أنبهنا إلا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بقدمه فجلسنا وقد تتربنا من تلك الدقعاء فيومئذ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لعلى يا أبا تراب لما عليه من التراب فأخبرناه بما كان من أمرنا فقال ألا أخبركم بأشقى رجلين قلنا من هما يا رسول الله قال أحيمر ثمود الذي عقر الناقة والذي يضربك يا على على هذا ووضع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يده على رأسه حتى تبل منه هذه ووضع يده على لحيته وقال سهل بن سعد ما كان اسم أحب إلى على رضى الله عنه أن يدعى به من أبى تراب فمثل هذا لا يكره إذ ليس فيه ذم ولا يكرهه صاحبه وحدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا إبراهيم بن مهدى قال حدثنا شريك عن عاصم عن أنس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يا ذا الأذنين وقد غير النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أسماء قوم فسمى العاص عبد الله وسمى شهابا هشاما وسمى حربا سلما وفي جميع ذلك دليل على أن المنهي من الألقاب ما ذكرنا دون غيره وقد روى أن رجلا أراد أن يتزوج امرأة فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا يعنى الصغر قال أبو بكر فلم يكن ذلك غيبة لأنه لم يرد به ذم المذكور ولا غيبته وقوله تعالى( اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) اقتضت الآية النهى عن بعض الظن لا عن جميعه لأن قوله( كَثِيراً مِنَ الظَّنِ ) يقتضى البعض وعقبه بقوله( إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) فدل على أنه لم ينه عن جميعه وقال في آية أخرى( إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ) وقال( وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً ) فالظن على أربعة أضرب محظور ومأمور به ومندوب إليه ومباح فإن الظن المحظور فهو سوء الظن بالله تعالى حدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا معاذ بن المثنى ومحمد ابن حبان التمار قالا حدثنا محمد بن كثير قال حدثنا سفيان عن الأعمش عن أبى سفيان عن جابر قال سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل موته بثلاث يقول لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا أبو سعيد يحيى بن منصور الهروي قال حدثنا سويد بن نصر قال حدثنا ابن المبارك عن هشام بن الغازي عن حبان بن أبى

٢٨٧

النصر قال سمعت وائلة بن الأسقع يقول قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول الله أنا عند ظن عبدى بن فليظن بي ما شاء وحدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن واسع عن شتير يعنى ابن نهار عن أبى هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال حسن الظن من العبادة وهو مرفوع في حديث نصر بن على غير مرفوع في حديث موسى بن إسماعيل فحسن الظن بالله فرض وسوء الظن به محظور منهى عنه وكذلك سوء الظن بالمسلمين الذين ظاهرهم العدالة محظور مزجور عنه وهو من الظن المحظور المنهي عنه وحدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن محمد المروزى قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن على بن حسين عن صفية قالت كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم معتكفا فأتيته أزوره ليلا فحدثته وقمت فانقلبت فقام معى ليقلبنى وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد فمر رجلان من الأنصار فلما رأيا النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أسرعا فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم على رسلكما إنها صفية بنت حي قالا سبحان الله يا رسول الله قال إن الشيطان يجرى من الإنسان مجرى الدم فخشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا أو قال سوءا وحدثنا عبد الباقي ابن قانع قال حدثنا معاذ بن المثنى قال حدثنا عبد الرحمن قال حدثنا وهيب قال حدثنا ابن طاوس عن أبيه عن أبى هريرة قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث فهذا من الظن المحظور وهو ظنه بالمسلم سواء من غير سبب يوجبه وكل ظن فيما له سبيل إلى معرفته مما تعبد بعلمه فهو محظور لأنه لما كان متعبدا تعبد بعلمه ونصب له الدليل عليه فلم يتبع الدليل وحصل على الظن كان تاركا للمأمور به وأما ما لم ينصب له عليه دليل يوصله إلى العلم به وقد تعبد بتنفيذ الحكم فيه فالاقتصار على غالب الظن وإجراء الحكم عليه واجب وذلك نحو ما تعبدنا به من قبول شهادة العدول وتحرى القبلة وتقويم المستهلكات وأروش الجنايات التي لم يرد بمقاديرها توقيف فهذه وما كان من نظائرها قد تعبدنا فيها بتنفيذ أحكام غالب الظن وأما الظن المباح فالشاك في الصلاة أمره النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بالتحرى والعمل على ما يغلب في ظنه فلو غلب ظنه كان مباحا وإن عدل عنه إلى البناء على اليقين كان جائزا ونحوه ما روى عن أبى بكر الصديق رضى الله عنه أنه قال لعائشة إنى كنت نحلتك جداد عشرين وسقا بالعالية وإنك لم تكوني حزتيه ولا قبضتيه وإنما هو مال الوارث وإنما هو أخواك وأختاك قال فقلت إنما هي أسماء فقال ألقى في روعي أن

٢٨٨

ذا بطن خارجة جارية فاستجاز هذا الظن لما وقع في قلبه وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا إسماعيل بن الفضل قال حدثنا هشام بن عمار عن عبد الرحمن بن سعد عن عبد الله بن سعيد عن أبيه عن أبى هريرة قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا ظننتم فلا تحققوا فهذا من الظن الذي يعرض بقلب الإنسان في أخيه مما يوجب الريبة فلا ينبغي أن يحققه وأما الظن المندوب إليه فهو حسن الظن بالأخ المسلم هو مندوب إليه مثاب عليه فإن قيل إذا كان سوء الظن محظورا فواجب أن يكون حسن الظن واجبا قيل له لا يجب ذلك لأن بينهما واسطة وهو أن لا يظن به شيئا فإذا أحسن الظن به فقد فعل مندوبا إليه قوله تعالى( وَلا تَجَسَّسُوا ) حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود عن القعنبي عن مالك عن أبى الزناد عن الأعرج عن أبى هريرة أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تحسسوا وحدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن زيد بن وهب قال أتى ابن مسعود فقيل هذا فلان تقطر لحيته خمرا فقال عبد الله إنا قد هينا عن التجسس ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به وعن مجاهد لا تجسسوا خذوا بما ظهر لكم ودعوا ما ستر الله فنهى الله في هذه الآيات عن سوء الظن بالمسلم الذي ظاهره العدالة والستر ودل به على أنه يجب تكذيب من قذفه بالظن وقال تعالى( لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ ) فإذا وجب تكذيب القاذف والأمر بحسن الظن فقد اقتضى ذلك النهى عن تحقيق المظنون وعن إظهاره ونهى عن التجسس بل أمر بالستر على أهل المعاصي ما لم يظهره منهم إصرار حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن يحيى بن فارس قال حدثنا الفريابي عن إسرائيل عن الوليد قال أبو داود ونسبه لنا زهير بن حرب عن حسين بن محمد عن إسرائيل في هذا الحديث قال الوليد بن أبى هشام عن زيد بن زائد عن ابن مسعود قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يبلغني أحد عن أحد شيئا فإنى أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر لكم وحدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا مسلم ابن إبراهيم قال حدثنا عبد المبارك عن إبراهيم بن نشيط عن كعب بن علقمة عن أبى الهيثم عن عقبة بن عامر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال من رأى عورة فسترها كان كمن أحيى موءودة وحدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا الليث عن عقيل

٢٨٩

عن الزهري عن سالم عن أبيه أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه من كان في حاجة أخيه فإن الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة وجميع ما أمرنا الله به من ذلك يؤدى إلى صلاح ذات البين وفي صلاح ذات البين صلاح أمر الدنيا والدين قال الله تعالى( فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ ) وحدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن العلاء قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن يزيد بن مرة عن سالم عن أم الدرداء عن أبى الدرداء قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة قالوا بلى يا رسول الله قال إصلاح ذات البين وفساد ذات البين الحالقة وقوله تعالى( وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ) حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا القعنبي قال حدثنا عبد العزيز بن محمد عن العلاء عن أبيه عن أبى هريرة أنه قيل يا رسول الله ما الغيبة قال ذكرك أخاك بما يكره قيل أفرأيت إن كان في أخى ما أقول قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته وحدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا مسدد قال حدثنا سفيان عن على بن الأقمر عن أبى حذيفة عن عائشة قالت قلت للنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم حسبك من صفية كيت وكيت قال غير مسدد تعنى قصيرة فقال لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته قالت وحكيت له إنسانا آخر فقال ما أحب أنى حكيت إنسانا وأن لي كذا وكذا وحدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا الحسن ابن على قال حدثنا عبد الرزاق عن ابن جريج قال أخبرنى أبو الزبير أن عبد الرحمن بن الصامت ابن عم أبى هريرة أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول جاء الأسلمى إلى نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فشهد على نفسه أربع مرات أنه أصاب امرأة حراما وذكر الحديث إلى قوله فما تريد بهذا القول قال أريد أن تطهرني فأمر به فرجم فسمع نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم رجلين من أصحابه يقول أحدهما لصاحبه انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم تدعه نفسه حتى رجم رجم الكلب فسكت عنهما ثم سار ساعة حتى مر بجيفة حمار شائل برجله فقال أين فلان وفلان فقال نحن ذان يا رسول الله قال انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار فقالا يا نبي الله من يأكل من هذا قال فما نلتما من عرض أخيكما آنفا أشد من الأكل منه والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا إبراهيم بن عبد الله

٢٩٠

قال حدثنا يزيد بن مرة سنة ثلاث عشر ومائتين قال حدثنا ابن عون أن ناسا أتوا ابن سيرين فقالوا إنا ننال منك فاجعلنا في حل فقال لا أحل لكم ما حرم الله عليكم وروى الربيع بن صبيح أن رجلا قال للحسن يا أبا سعيد إنى أرى أمرا أكرهه قال وما ذاك يا ابن أخى قال أرى أقواما يحضرون مجلسك يحفظون عليك سقط كلامك ثم يحكونك ويعيبونك فقال يا ابن أخى لا يكبرن هذا عليك أخبرك بما هو أعجب قال وما ذاك يا عم قال أطمعت نفسي في جوار الرحمن وحلول الجنان والنجاة من النيران ومرافقة الأنبياء ولم أطمع نفسي في السلامة من الناس أنه لو سلم من الناس أحد لسلم منهم خالقهم فإذا لم يسلم خالقهم فالمخلوق أجدر أن لا يسلم حدثنا عبد الباقي بن قانع قال أخبرنا الحارث ابن أبى أسامة قال حدثنا داود بن المجبر قال حدثنا عنبسة بن عبد الرحمن قال حدثني خالد ابن يزيد اليمامي عن أنس بن مالك قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم كفارة الاغتياب أن تستغفر لمن اغتبته وقوله تعالى( أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ ) تأكيد لتقبيح الغيبة والزجر عنه من وجوه أحدهما أن لحم الإنسان محرم الأكل فكذلك الغيبة والثاني النفوس تعاف أكل لحم الإنسان من جهة الطبع فلتكن الغيبة عندكم بمنزلته في الكراهة ولزوم اجتنابه من جهة موجب العقل إذا كانت دواعي العقل أحق بالاتباع من دواعي الطبع ولم يقتصره على ذكر الإنسان الميت حتى جعله أخاه وهذا أبلغ ما يكون في التقبيح والزجر فهذا كله إنما هو في المسلم الذي ظاهره العدالة ولم يظهر منه ما يوجب تفسيقه كما يجب علينا تكذيب قاذفه بذلك فإن كان المقذوف بذلك مهتوكا فاسقا فإن ذكر ما فيه من الأفعال القبيحة غير محظور كما لا يجب على سامعه النكير على قائله ووصفه بما يكرهه على ضربين أحدهما ذكر أفعاله القبيحة والآخر وصف خلقته وإن كان مشينا على جهة الاحتقار له وتصغيره لا على جهة ذمه بها ولا عيب صانعها على نحو ما روينا عن الحسن في وصفه الحجاج بقبح الخلقة وقد يجوز وصف قوم في الجملة ببعض ما إذا وصف به إنسان بعينه كان غيبة محظورة ثم لا يكون غيبة إذا وصف به الجملة على وجه التعريف كما روى أبو حازم عن أبى هريرة قال جاء رجل إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال يا رسول الله إنى تزوجت امرأة قال هل نظرت إليها فإن في أعين الأنصار شيئا فإنه لم يكن غيبة وجعل وصف عائشة الرجل بالقصر في الحديث الذي قدمنا غيبة لأن ذلك كان من النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم على وجه

٢٩١

التعريف لا على جهة العيب وهو كما روى عنه أنه قال لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما عراض الوجوه صغار العيون فطس الأنوف كأن وجوههم المجان المطرقة فلم يكن ذلك غيبة وإنما كان تعريفا لهم صفة القوم قوله تعالى ( إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا ) روى عن مجاهد وقتادة الشعوب النسب الأبعد والقبائل الأقرب فيقال بنى فلان وفلان وقوله تعالى( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ ) بدأ بذكر الخلق من ذكر وأنثى وهما آدم وحواء ثم جعلهم شعوبا يعنى متشعبين متفرقين في الأنساب كالأمم المتفرقة نحو العرب وفارس والروم والهند ونحوهم ثم جعلهم قبائل وهم أخص من الشعوب نحو قبائل العرب وبيوتات العجم ليتعارفوا بالنسبة كما خالف بين خلقهم وصورهم ليعرف بعضهم بعضا ودل بذلك على أنه لا فضل لبعضهم على بعض من جهة النسب إذ كانوا جميعا من أب وأم واحدة ولأن الفضل لا يستحق بعمل غيره فبين الله تعالى ذلك لنا لئلا يفخر بعضنا على بعض بالنسب وأكد ذلك بقوله تعالى( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ ) فأبان أن الفضيلة والرفعة إنما تستحق بتقوى الله وطاعته وروى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم في خطبته أنه قال إن الله قد أذهب نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء الناس من آدم وآدم من تراب أكرمكم عند الله أتقاكم لا فضل لعربي على عجميّ إلا بالتقوى وقال ابن عباس وعطاء إن أكرمكم عند الله أتقاكم لا أعظمكم بيتا آخر سورة الحجرات :

سورة ق

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى( بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ ) حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا الحسن بن أبى الربيع الجرجانى قال أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله( فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ ) قال من ترك الحق مرج عليه رأيه والتبس عليه دينه وقوله تعالى( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ) روى جرير بن عبد الله عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال إن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ثم قرأ( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ) وروى عن ابن عباس وقتادة أن المراد صلاة الفجر وصلاة العصر وقوله تعالى( وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ ) قال مجاهد

٢٩٢

صلاة الليل قال أبو بكر يجوز أن يريد صلاة المغرب والعتمة وقوله تعالى( وَأَدْبارَ السُّجُودِ ) قال على وعمر والحسن بن على وابن عباس والحسن البصري ومجاهد والنخعي والشعبي( وَأَدْبارَ السُّجُودِ ) ركعتان بعد المغرب( وَإِدْبارَ النُّجُومِ ) ركعتان قبل الفجر وعن ابن عباس مثله وعن مجاهد عن ابن عباس( وَأَدْبارَ السُّجُودِ ) إذا وضعت جبهتك على الأرض أن تسبح ثلاثا قال أبو بكر اتفق من ذكرنا قوله بديا أن قوله( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ) أراد به الصلاة وكذلك( وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ ) هو صلاة الليل وهي العتمة والمغرب فوجب أن يكون قوله( وَأَدْبارَ السُّجُودِ ) هو الصلاة لأن فيه ضمير فسبحه وقد روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم التسبيح في دبر كل صلاة ولم يذكر أنه تفسير الآية وروى محمد بن سيرين عن كثير بن أفلح عن زيد بن ثابت قال أمرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أن نسبح في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين ونحمد ثلاثا وثلاثين ونكبر أربعا وثلاثين فأتى رجل من الأنصار في المنام فقال أمركم محمدصلى‌الله‌عليه‌وسلم أن تسبحوا في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وتحمدوا ثلاثا وثلاثين وتكبروا أربعا وثلاثين فلو جعلتموها خمسا وعشرين خمسا وعشرين فاجعلوا فيها التهليل فذكر ذلك للنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال افعلوا وروى سمى عن أبى صالح عن أبى هريرة قال قالوا يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالدرجات والنعيم المقيم قال كيف ذاك قالوا صلوا كما صلينا وجاهدوا كما جاهدنا وأنفقوا من فضول أموالهم وليست لنا أموال فقال أنا أخبركم بأمر تدركون به من كان قبلكم وتسبقون به من بعدكم لا يأتى أحد بمثل ما جئتم به إلا من جاء بمثله تسبحون الله في دبر كل صلاة عشرا وتحمدون الله عشرا وتكبرون عشرا وروى نحوه عن أبى ذر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا أنه قال تسبح في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وتحمد ثلاثا وثلاثين وتكبر أربعا وثلاثين وروى كعب بن عجرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم نحوه وقال وتكبر أربعا وثلاثين وروى أبو هارون العبدى عن أبى سعيد الخدري قال سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول في آخر صلاته عند انصرافه سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين * قال أبو بكر فإن حمل معنى الآية على الوجوب كان قوله( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ) على صلاة الفجر( وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ) على صلاة الظهر والعصر وكذلك روى عن الحسن( وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ ) صلاة العتمة والمغرب فتكون الآية منتظمة للصلوات الخمس وعبر عن الصلاة بالتسبيح لأن التسبيح تنزيه لله عما لا يليق

٢٩٣

به والصلاة تشتمل على قراءة القرآن وأذكار هي تنزيه لله تعالى آخر سورة ق.

سورة الذاريات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى( كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ ) قال ابن عباس وإبراهيم والضحاك الهجوع النوم وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كانوا أقل ليلة تمر عليهم إلا صلوا فيها وقال قتادة عن الحسن لا ينامون فيها إلا قليلا وقال مطرف بن عبد الله أقل ليلة تأتى عليهم لا يصلون فيها إما من أولها وإما من أوسطها وقال مجاهد كانوا لا ينامون كل الليل وروى قتادة عن أنس قال كانوا ينتفلون بين المغرب والعشاء وروى أبو حيوة عن الحسن قال كانوا يطيلون الصلاة بالليل وإذا سجدوا استغفروا وروى عن قتادة قال كانوا لا ينامون عن العتمة ينتظرونها لوقتها كأنه جعل هجوعهم قليلا في جنب يقظتهم لصلاة العتمة قال أبو بكر قد كانت صلاة الليل فرضا فنسخ فرضها بما نزل في سورة المزمل ورغب فيها في هذه السورة وقد روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أخبار في فضلها والترغيب فيها وروى الأعمش عن أبى سفيان عن جابر قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إن في الليل ساعة لا يوافقها عبد مسلم يدعو الله فيها بخير الدنيا والآخرة إلا أعطاه الله إياه وذلك في كل ليلة وقال أبو مسلم قلت لأبى ذر أي صلاة الليل أفضل قال سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال نصف الليل وقليل فاعله وروى عمرو بن دينار عن عمرو بن أوس عن عبد الله بن عمرو عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال أحب الصلاة إلى الله تعالى صلاة داود كان ينام نصف الليل ويصلى ثلث الليل وينام سدس الليل وروى عن الحسن( كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ ) قال ما يرقدون( وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) قال مدوا الصلاة إلى السحر ثم جلسوا في الدعاء والاستكانة والاستغفار وقوله تعالى( وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌ ) قال أبو بكر اختلف السلف في تأويله فقال ابن عمر والحسن والشعبي ومجاهد هو حق سوى الزكاة واجب في المال وقال ابن عباس من أدى زكاة ماله فلا جناح عليه أن لا يتصدق وقال ابن سيرين( وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ) قال الصدقة حق معلوم وروى حجاج عن الحكم عن ابن عباس قال نسخت الزكاة كل صدقة والحجاج عن أبى جعفر مثله واختلف الرواة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذلك فروى عنه ما يحتج به كل واحد من الفريقين فروى طلحة بن عبيد الله قصة الرجل الذي

٢٩٤

سأل النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم عما عليه فذكر الصلاة والزكاة والصيام فقال هل على شيء غير هذا قال لا وروى عمرو بن الحارث عن دراج عن أبى هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك فيه وروى دراج عن أبى الهيثم عن أبى سعيد الخدري قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت الحق الذي يجب عليك فهذه الأخبار يحتج بها من تأول حقا معلوما على الزكاة وأنه لا حق على صاحب المال غيرها واحتج ابن سيرين بأن الزكاة حق معلوم وسائر الحقوق التي يوجبها مخالفوه ليست بمعلومة واحتج من أوجب فيه حقا سوى الزكاة بما روى الشعبي عن فاطمة بنت قيس قالت سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أفي المال حق سوى الزكاة فتلا( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ) الآية فذكر الزكاة في نسق التلاوة بعد قوله( وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ) ويحتجون أيضا بحديث أبى هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال ما من صاحب إبل لا يؤدى حقها في عسرها ويسرها إلا برز لها بقاع قرقر تطأه بأخفافها وذكر البقر والغنم فقال أعرابى يا أبا هريرة وما حقها قال تمنح الغزيرة وتعطى الكريمة وتحمل على الظهر وتسقى اللبن وفي حديث أبى الزبير عن جابر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قالوا يا رسول الله وما حقها قال إطراق فحلها وإعارة دلوها ومنحتها وحلبها على الماء وحمل عليها في سبيل الله وروى الأعمش عن المعرور بن سويد عن أبى ذر قال انتهيت إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو جالس في ظل الكعبة فلما رآني مقبلا قال هم الأخسرون ورب الكعبة فقلت يا رسول الله من هم قال هم الأكثرون أموالا إلا من قال هكذا وهكذا حثا عن يمينه وعن شماله وبين يديه ما من رجل يموت ويترك إبلا لم يؤد زكاتها إلا جاءته يوم القيامة تنطحه بقرونها وتطأه بأخفافها كلما بعدت أخراها أعيدت عليه أولاها حتى يقضى بين الناس قال أبو بكر هذه الأخبار كلها مستعملة وفي المال حق سوى الزكاة باتفاق المسلمين منه ما يلزم من النفقة على والديه إذا كانا فقيرين وعلى ذوى أرحامه وما يلزم من إطعام المضطر وحمل المنقطع به وما جرى مجرى ذلك من الحقوق اللازمة عند ما يعرض من هذه الأحوال وقوله تعالى( لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) قال ابن عباس رواية عائشة وابن المسيب ومجاهد رواية عطاء وأبو العالية والنخعي وعكرمة المحروم المحارف وقال الحسن المحروم الذي يطلب فلا يرزق وقال ابن عباس رواية ومجاهد المحروم الذي ليس له في الإسلام سهم وفي لفظ آخر الذي ليس له في الغنيمة شيء وقال عكرمة الذي لا ينموا

٢٩٥

له مال وقال الزهري وقتادة المحروم المسكين المتعفف وقال عمر بن عبد العزيز المحروم الكلب قال أبو بكر من تأوله على الكلب فإنه لا يجوز أن يكون المراد عنده بحق معلوم الزكاة لأن إطعام الكلب لا يجزى من الزكاة فينبغي أن يكون المراد عنده حقا غير الزكاة فيكون في إطعام الكلب قربة كما روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم إن في كل ذي كبد حرى أجرا وإن رجلا سقى كلبا فغفر الله له والأظهر في قوله حق معلوم أنه الزكاة لأن الزكاة واجبة لا محالة وهي حق معلوم فوجب أن يكون مرادا بالآية إذ جائز أن ينطوى تحتها ويكون اللفظ عبارة عنها ثم جائز أن يكون جميع ما تأول السلف عليه المحروم مرادا بالآية في جواز إعطائه الزكاة وهو يدل على أن الزكاة إذا وضعت في صنف واحد أجزأ لأنه اقتصر على السائل والمحروم دون الأصناف المذكورة في آية الصدقات وفرق الله تعالى في الآية بين السائل والمحروم لأن الفقير قد يحرم نفسه بتركه المسألة وقد يحرمه الناس بترك إعطائه فإذا لم يسئل فقد حرم نفسه بترك المسألة فسمى محروما من هذا الوجه لأنه يصير محروما من وجهين من قبل نفسه ومن قبل الناس وقد روى عن الشعبي أنه قال أعيانى أن أعلم ما المحروم آخر سورة الذاريات.

سورة الطور

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ ) قال ابن مسعود وأبو الأحوص ومجاهد حين تقوم من كل مكان سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك وروى على بن هاشم قال سئل الأعمش أكان إبراهيم يستحب إذا قام من مجلسه أن يقول سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك قال ما كان يستحب أن يجعل ذلك سنة وقال الضحاك عن عمر يعنى به افتتاح الصلاة قال أبو بكر يعنى به قوله سبحانك الله وبحمدك وتبارك اسمك إلى آخره وقد روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه كان يقول ذلك بعد التكبير وقال أبو الجوزاء حين تقوم من منامك قال أبو بكر يجوز أن يكون عموما في جميع ما روى من هذه التأويلات قوله تعالى( وَإِدْبارَ النُّجُومِ ) روى عن جماعة من الصحابة والتابعين أنه ركعتا الفجر وقد روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أخبار في ركعتي الفجر منها حديث سعد بن هشام عن عائشة قالت قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها

٢٩٦

وروى عبيد بن عمير عن عائشة قالت ما رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أسرع إلى شيء من النوافل إسراعه إلى ركعتي الفجر ولا إلى غنيمة وروى أيوب عن عطاء أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال الركعتان قبل صلاة الفجر واجبتان على كل مسلم وروى عنه أنه قال لا تدعوهما فإن فيهما الرغائب وقال لا تدعو هما وإن طرقتكم الخيل آخر سورة الطور.

سورة النجم

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى( وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى ) يحتج به من لا يجيز أن يقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم في الحوادث من جهة اجتهاد الرأى بقوله( إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى ) وليس كما ظنوا لأن اجتهاد الرأى إذا صدر عن الوحى جاز أن ينسب موجبه وما أدى إليه أنه عن وحى وقوله تعالى( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى ) روى عن ابن مسعود وعائشة ومجاهد والربيع قالوا رأى جبريل في صورته التي خلقه الله عليها مرتين وروى عن ابن عباس أنه رأى ربه بقلبه وهذا يرجع إلى معنى العلم وعن ابن مسعود والضحاك سدرة المنتهى في السماء السادسة وإليها ينتهى ما يعرج إلى السماء وقيل سميت سدرة المنتهى لأنه ينتهى إليها أرواح الشهداء وقال الحسن جنة المأوى هي التي يصير إليها أهل الجنة وفي هذه الآية دلالة على أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قد صعد إلى السماء وإلى الجنة بقوله تعالى( رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى ) وقوله تعالى( إِلَّا اللَّمَمَ ) قال ابن عباس رواية لم أر أشبه باللمم مما قال أبو هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم إن الله تعالى كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنا العينين النظر وزنا اللسان النطق والنفس تمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه وروى عن ابن مسعود وأبى هريرة أنه النظرة والغمزة والقبلة والمباشرة فإذا مس الختان الختان فهو الزنا ووجب الغسل وعن أبى هريرة أيضا أن اللمم النكاح وعنه أيضا أن اللمة من الزنا ثم يتوب فلا يعود وقال ابن عباس رواية اللمم ما بين الحدين حد الدنيا وحد الآخرة وقال ابن عباس أيضا رواية هو الذي يلم بالمرأة وقال عطاء اللمم ما دون الجماع وقال مجاهد أن تصيب الذنب ثم تتوب وروى عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول اللهم إن تغفر تغفر جما وأى عبد لك لا ألما ويقال إن اللمم هو الهم بالخطيئة من جهة حديث النفس بها من غير عزم عليها وقيل إن اللمم

٢٩٧

مقاربة الشيء من غير دخول فيه يقال ألم بالشيء إلماما إذا قاربه وقيل إن اللمم الصغير من الذنوب لقوله تعالى( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ ) وقوله تعالى( أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) هو كقوله( وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ ) وكقوله( وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها ) وقوله تعالى( وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى ) في معنى ذلك ويحتج به في امتناع جواز تصرف الإنسان على غيره في إبطال الحجر على الحر العاقل البالغ وقوله تعالى( وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى ) قال أبو بكر لما كان قوله( الذَّكَرَ وَالْأُنْثى ) اسم للجنس استوعب الجميع وهذا يدل على أنه لا يخلوا من أن يكون ذكرا أو أنثى وإن الخنثى وإن اشتبه علينا أمره لا يخلو من أحدهما وقد قال محمد بن الحسن إن الخنثى المشكل إنما يكون ما دام صغيرا فإذا بلغ فلا بد من أن تظهر فيه علامة ذكر أو أنثى وهذه الآية تدل على صحة قوله آخر سورة النجم.

سورة القمر

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ) دلالة على صحة نبوة النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لأن الله لا يقلب العادات بمثله إلا ليجعله دلالة على صحة نبوة النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وروى انشقاق القمر عشرة من الصحابة منهم عبد الله بن مسعود وابن عمر وأنس وابن عباس وحذيفة وجبير بن مطعم في آخرين كرهت ذكر أسانيدها للإطالة فإن قيل معناها سينشق في المستقبل عند قيام الساعة لأنه لو كان قد انشق في زمان النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لما خفى على أهل الآفاق قيل له هذا فاسد من وجهين أحدهما أنه خلاف ظاهر اللفظ وحقيقته والآخر أنه قد تواتر الخبر به عن الصحابة ولم يدفعه منهم أحد وأما قوله إنه لو كان ذلك قد وقع لما خفى على أهل الآفاق فإنه جائز أن يستره الله عنهم بغيم أو يشغلهم عن رؤيته ببعض الأمور لضرب من التدبير ولئلا يدعيه بعض المتنبئين في الآفاق لنفسه فأظهره للحاضرين عند دعاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إياهم واحتجاجه عليهم قوله تعالى( وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ ) الآية تدل على جواز المهايأة على الماء لأنهم جعلوا شرب الماء يوما للناقة ويوما لهم ويدل أيضا على أن المهايأة قسمة المنافع لأن الله تعالى قد سمى ذلك قسمة وإنما هي مهايأة على الماء لا قسمة الأصل واحتج محمد بن الحسن بذلك في جواز المهايأة على الماء على هذا الوجه وهذا يدل من قوله على

٢٩٨

أنه كان يرى شرائع من كان قبلنا من الأنبياء ثابتة ما لم يثبت نسخها آخر سورة القمر.

سورة الرحمن

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى( وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ ) روى عن ابن عباس وقتادة والضحاك أن العصف التبن وعن ابن عباس ومجاهد والضحاك الريحان الورق وعن ابن عباس أيضا أن الريحان الحب وقال الحسن هو الريحان الذي يشم قال أبو بكر لا يمتنع أن يكون جميع ذلك مرادا لوقوع الاسم عليه والظاهر من الريحان أنه المشموم ولما عطف الريحان على الحب ذي العصف والعصف هو ساقه دل على أن الريحان ما يخرج من الأرض وله رائحة مستلذة قبل أن يصير له ساق وذلك نحو الضيمران والنمام والآس الذي يخرج ورقه ريحانا قبل أن يصير ذا ساق لأن العطف يقتضى ظاهره أن المعطوف غير المعطوف عليه وقوله تعالى( يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ ) مراده من أحدهما لأنه إنما يخرج من الملح دون العذب وهو كقوله( يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ ) وإنما أرسل من الإنس وقال ابن عباس والحسن وقتادة والضحاك المرجان صغار اللؤلؤ وقيل المرجان المختلط من الجواهر من مرجت أى خلطت وقيل إنه ضرب من الجواهر كالقضبان يخرج من البحر وقيل إنما قال( يَخْرُجُ مِنْهُمَا ) لأن العذب والملح يلتقيان فيكون العذب لقاحا للملح كما يقال يخرج الولد من الذكر والأنثى وإنما تلده الأنثى وقال ابن عباس إذا جاء القطر من السماء تفتحت الأصداف فكان من ذلك اللؤلؤ وقوله تعالى( فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ ) روى أنها تحمر وتذوب كالدهن روى أن سماء الدنيا من حديد فإذا كان يوم القيامة صارت من الخضرة إلى الاحمرار من حر جهنم كالحديد إذا أحمى بالنار وقوله تعالى( فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ ) قيل فيه لا يسئل سؤال استفهام لكن سؤال تقرير وتوقيف وقيل فيه لا يسأل في أول أحوال حضورهم يوم القيامة لما يلحقهم من الدهش والذهول ثم يسئلون في وقت آخر وقوله تعالى( فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ ) يحتج به لأبى حنيفة في أن الرطب والرمان ليس من الفاكهة لأن الشيء لا يعطف على نفسه إنما يعطف على غيره هذا هو ظاهر الكلام ومفهومه إلا أن تقوم الدلالة على أنه انفرد بالذكر وإن كان من جنسه لضرب من التعظيم وغيره كقوله

٢٩٩

تعالى( مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ ) آخر سورة الرحمن.

سورة الواقعة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) روى عن سلمان أنه قال لا يمس القرآن إلا المطهرون فقرأ القرآن ولم يمس المصحف حين لم يكن على وضوء وعن أنس بن مالك في حديث إسلام عمر قال فقال لأخته أعطونى الكتاب الذي كنتم تقرءون فقالت إنك رجس وإنه لا يمسه إلا المطهرون فقم فاغتسل أو توضأ فتوضأ ثم أخذ الكتاب فقرأه وذكر الحديث وعن سعد إنه أمر ابنه بالوضوء لمس المصحف وعن ابن عمر مثله وكره الحسن والنخعي مس المصحف على غير وضوء وروى عن حماد أن المراد القرآن الذي في اللوح المحفوظ( لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) يعنى الملائكة وقال أبو العالية في قوله( لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) قال هو في كتاب مكنون ليس أنتم من أصحاب الذنوب وقال سعيد بن جبير وابن عباس المطهرون الملائكة وقال قتادة لا يمسه عند الله إلا المطهرون فأما في الدنيا فإنه يمسه المجوسي والنجس والمنافق قال أبو بكر إن حمل اللفظ على حقيقة الخبر فالأولى أن يكون المراد القرآن الذي عند الله والمطهرون الملائكة وإن حمل على النهى وإن كان في صورة الخبر كان عموما فينا وهذا أولى لما روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم في أخبار متظاهرة أنه كتب في كتابه لعمرو بن حزم ولا يمس القرآن إلا طاهر فوجب أن يكون نهيه ذلك بالآية إذ فيها احتمال له آخر سورة الواقعة.

سورة الحديد

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى( لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ ) الآية روى عن الشعبي قال فصل ما بين الهجرتين فتح الحديبية وفيه أنزلت هذه الآية قالوا يا رسول الله أفتح هو قال نعم عظيم وقال سعيد عن قتادة هو فتح مكة قال أبو بكر أبان عن فضيلة الإنفاق قبل الفتح على ما بعده لعظم عناء النفقة فيه وكثرة الانتفاع به ولأن الإنفاق في ذلك الوقت كان أشد على النفس لقلة المسلمين وكثرة الكفار مع شدة المحنة والبلاء وللسبق إلى الطاعة

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390