أحكام القرآن الجزء ٥

أحكام القرآن0%

أحكام القرآن مؤلف:
تصنيف: مفاهيم القرآن
الصفحات: 390

أحكام القرآن

مؤلف: أبي بكر أحمد بن علي الرازي الجصّاص
تصنيف:

الصفحات: 390
المشاهدات: 58509
تحميل: 4896


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 390 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 58509 / تحميل: 4896
الحجم الحجم الحجم
أحكام القرآن

أحكام القرآن الجزء 5

مؤلف:
العربية

من الرمية لا يرجعون حتى يرتد على فوقه هم شر الخلق والخليقة طوبى لمن قتلهم أو قتلوه يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء من قتلهم كان أولى بالله منهم قالوا يا رسول الله ما سيماهم قال التحليق وروى الأعمش عن خيثمة عن سويد بن غفلة قال سمعت عليا يقول إذا حدثتكم بشيء عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فلأن أخر من السماء فتخطفني الطير أحب إلى من أن أكذب عليه وإذا حدثتكم فيما بيننا فإن الحرب خدعة وإنى سمعتهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول يخرج قوم في آخر الزمان أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فإن لقيتموهم فاقتلوهم فإن قتلهم أجر من قتلهم يوم القيامة ولم يختلف أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في وجوب قتال الفئة الباغية بالسيف إذا لم يردعها غيره ألا ترى أنهم كلهم رأوا قتال الخوارج ولو لم يروا قتال الخوارج وقعدوا عنها لقتلوهم وسبوا ذراريهم ونساءهم واصطلموهم فإن قيل قد جلس عن على جماعة من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم منهم سعد ومحمد بن مسلمة وأسامة بن زيد وابن عمر قيل له لم يقعدوا عنه لأنهم لم يروا قتال الفئة الباغية وجائز أن يكون قعودهم عنه لأنهم رأوا الإمام مكتفيا بمن معه مستغنيا عنهم بأصحابه فاستجازوا القعود عنه لذلك ألا ترى أنهم قد قعدوا عن قتال الخوارج لا على أنهم لم يروا قتالهم واجبا لكنه لما وجدوا من كفاهم قتل الخوارج استغنوا عن مباشرة قتالهم فإن احتجوا بما روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال ستكون فتنة القائم فيها خير من الماشي والقاعد فيها خير من القائم قيل له إنما أراد به الفتنة التي يقتتل الناس فيها على طلب الدنيا وعلى جهة العصبية والحمية من غير قتال مع إمام تجب طاعته فأما إذا ثبت أن إحدى الفئتين باغية والأخرى عادلة مع الإمام فإن قتال الباغية واجب مع الإمام ومع من قاتلهم محتسبا في قتالهم فإن قالوا قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لأسامة بن زيد قتلته وهو قد قال لا إله إلا الله إنما يردد ذلك مرارا فوجب أن لا يقاتل من قال لا إله إلا الله ولا يقتل قيل له لأنهم كانوا يقاتلون وهم مشركون حتى يقولوا لا إله إلا الله كما قالصلى‌الله‌عليه‌وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها فكانوا إذا أعطوا كلمة التوحيد أجابوا إلى ما دعوا إليه من خلع الأصنام واعتقاد التوحيد ونظير ذلك أن يرجع البغاة إلى الحق فيزول عنهم القتال لأنهم إنما يقاتلون على إقامتهم على قتال أهل العدل فمتى كفوا عن القتال ترك قتالهم كما

٢٨١

يقاتل المشركون على إظهار الإسلام فمتى أظهروه زال عنهم ألا ترى أن قطاع الطريق والمحاربين يقاتلون ويقتلون مع قولهم لا إله إلا الله.

باب ما يبدأ به أهل البغي

قال الله تعالى( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما ) قال أبو بكر أمرا عند ظهور القتال منهم بالإصلاح بينهما وهو أن يدعوا إلى الصلاح والحق وما يوجبه الكتاب والسنة والرجوع عن البغي وقوله تعالى( فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى ) يعنى والله أعلم إن رجعت إحداهما إلى الحق وأرادت الصلاح وأدامت الأخرى على بغيها وامتنعت من الرجوع فقاتلوا التي تبغى حتى تفي إلى أمر الله فأمر تعالى بالدعاء إلى الحق قبل القتال ثم إن أبت الرجوع قوتلت وكذا فعل على بن أبى طالب كرم الله وجهه بدأ بدعاء الفئة الباغية إلى الحق واحتج عليهم فلما أبوا القبول قاتلهم وفي هذه الآية دلالة على أن اعتقاد مذاهب أهل البغي لا يوجب قتالهم ما لم يقاتلوا لأنه قال( فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ ) فإنما أمر بقتالهم إذا بغوا على غيرهم بالقتال وكذلك فعل على بن أبى طالب رضى الله عنه مع الخوارج وذلك لأنهم حين اعتزلوا عسكره بعث إليهم عبد الله بن عباس فدعاهم فلما أبوا الرجوع ذهب إليهم فحاجهم فرجعت منهم طائفة وأقامت طائفة على أمرها فلما دخلوا الكوفة خطب فحكمت الخوارج من نواحي المسجد وقالت لا حكم إلا الله فقال على رضى الله عنه كلمة حق يراد بها باطل أما إن لهم ثلاثا أن لا نمنعهم مساجد الله أن يذكروا فيها اسمه وأن لا نمنعهم حقهم من الفيء مادامت أيديهم مع أيدينا وأن لا نقاتلهم حتى يقاتلونا

. باب الأمر فيما يؤخذ من أموال البغاة

قال أبو بكر اختلف أهل العلم في ذلك فقال محمد في الأصل لا يكون غنيمة ويستعان بكراعهم وسلاحهم على حربهم فإذا وضعت الحرب أوزارها رد المال عليهم ويرد الكراع أيضا عليهم إذا لم يبق من البغاة أحد وما استهلك فلا شيء فيه وذكر إبراهيم بن الجراح عن أبى يوسف قال ما وجد في أيدى أهل البغي من كراع أو سلاح فهو فيء يقسم ويخمس وإذا تابوا لم يؤخذوا بدم ولا مال استهلكوه وقال مالك ما استهلكه الخوارج

٢٨٢

من دم أو مال ثم تابوا لم يؤخذوا به وما كان قائما بعينه رد وهو قول الأوزاعى والشافعى وقال الحسن بن صالح إذا قوتل اللصوص المحاربون فقتلوا وأخذ ما معهم فهو غنيمة لمن قاتلهم بعد إخراج الخمس إلا أن يكون شيء يعلم أنهم سرقوه من الناس قال أبو بكر واختلفت الرواية عن على كرم الله وجهه في ذلك فروى فطر بن خليفة عن منذر بن يعلى عن محمد بن الحنفية قال قسم أمير المؤمنين على رضى الله عنه يوم الجمل فيئهم بين أصحابه ما قوتل به من الكراع والسلاح فاحتج من جعله غنيمة بهذا الحديث وهذا ليس فيه دلالة على أنه غنيمة لأنه جائز أن يكون قسم ما حصل في يده من كراع أو سلاح ليقاتلوا به قبل أن تضع الحرب أوزارها ولم يملكهم ذلك على ما قال محمد في الأصل وقد روى عكرمة بن عمار عن أبى زميل عن عبد الله بن الدولى عن ابن عباس أن الخوارج نقموا على على رضى الله عنه أنه لم يسب ولم يغنم فحاجهم بأن قال لهم أفتسبون أمكم عائشة ثم تستحلون منها ما تستحلون من غيرها فلئن فعلتم لقد كفرتم وروى أبو معاوية عن الصلت ابن بهرام عن أبى وائل قال سألته أخمس على رضى الله عنه أموال أهل الجمل قال لا وقال الزهري وقعت الفتنة وأصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم متوافرون وأجمعوا أن كل دم أريق على وجه التأويل أو مال استهلك على وجه التأويل فلا ضمان فيه ويدل على أنه لا تغنم أموالهم التي ليست معهم مما تركوه في ديارهم لا تغنم وإن قتلوا كذلك ما معهم منها ألا ترى أن أهل الحرب لا يختلف فيما يغنم من أموالهم ما منعهم وما تركوه منها في ديارهم إن ما حصل في أيدينا منها مغنوم وأنه لا خلاف أنه لا تسبى ذراريهم ونساؤهم ولا تملك رقابهم فكذلك لا تغنم أموالهم فإن قيل مشركو العرب لا تملك رقابهم وتغنم أموالهم قيل لأنهم يقتلون إذا أسروا إن لم يسلموا وتسبى ذراريهم ونساؤهم فلذلك غنمت أموالهم والخوارج إذا لم تبق لهم منعة لا يقتل أسراهم ولا تسبى ذراريهم بحال فكذلك لا تغنم أموالهم.

باب الحكم في أسرى أهل البغي وجرحاهم

روى كوثر بن حكيم عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يا ابن أم عبد كيف حكم الله فيمن بغى من هذه الأمة قال الله ورسوله أعلم قال لا يجهز على جرحها ولا يقتل أسيرها ولا يطلب هاربها وروى عطاء بن السائب عن أبى البختري وعامر قالا لما ظهر على رضى الله عنه على أهل الجمل قال لا تتبعوا مدبرا ولا تذففوا على جريح وروى

٢٨٣

شريك عن السدى عن عبد خير قال قال على رضى الله عنه يوم الجمل لا تقتلوا أسيرا ولا تجهزوا على جريح ومن ألقى السلاح فهو آمن قال أبو بكر هذا حكم على رضى الله عنه في البغاة ولا نعلم له مخالفا من السلف وقال أصحابنا إذا لم تبق لأهل البغي فئة فإنه لا يجهز على جريح ولا يقتل أسير ولا يتبع مدبر فإذا كانت لهم فئة فإنه يقتل الأسير إن رأى ذلك الإمام ويجهز على الجريح ويتبع المدبر وقول على رضى الله عنه محمول على أنه لم تبق لهم فئة لأن هذا القول إنما كان منه في أهل الجمل ولم تبق لهم فئة بعد الهزيمة والدليل عليه أنه أسر بن بثرى والحرب قائمة فقتله يوم الجمل فدل ذلك على أن مراده في الأخبار الأول إذا لم تبق لهم فئة.

باب في قضايا البغاة

قال أبو يوسف في البرمكي لا ينبغي لقاضى الجماعة أن يجيز كتاب قاضى أهل البغي ولا شهادته ولا حكمه قال أبو بكر وكذلك قال محمد وقال لو أن الخوارج ولوا قاضيا منهم فحكم ثم رفع إلى حاكم أهل العدل لم يمضه إلا أن يوافق رأيه فيستأنف القضاء فيه قال ولو ولوا قاضيا من أهل العدل بقضية أنفذها من رفعت إليه كما يمضى قضاء أهل العدل وقال مالك فيما حكم به أهل البغي تكشف أحكامهم فما كان منها مستقيما أمضى وقال الشافعى إذا غلب الخوارج على مدينة فأخذوا صدقات أهلها وأقاموا عليهم الحدود لم تعد عليهم ولا يرد من قضاء قاضيهم إلا ما يرد من قضاء قاضى غيرهم وإن كان غير مأمون برأيه على استحلال دم أو مال لم ينفذ حكمه ولم يقبل كتابه قال أبو بكر إذا قاتلوا وظهر بغيهم على أهل العدل فقد وجب قتلهم وقتالهم فغير جائز قبول شهادة من هذه سبيله لأن إظهار البغي وقتالهم لأهل العدل هو فسق من جهة الفعل وظهور الفسق من جهة الفعل يمنع قبول الشهادة كشارب الخمر والزاني والسارق فإن قيل فأنت تقبل شهادتهم فهلا أمضيت أحكامهم قيل له قد قال محمد بن الحسن إنهم إنما تقبل شهادتهم ما لم يقاتلوا ولم يخرجوا على أهل العدل فأما إذا قاتلوا فإنى لا أقبل شهادتهم فقد سوى بين القضاء وبين الشهادة ولم يذكر في ذلك خلافا بين أصحابنا وهذا سديد والعلة فيه ما ذكرنا فإن قيل فقد قالوا إن الخوارج إذا ظهروا وأخذوا صدقات المواشي والثمار إنه لا يعاد على أربابها فجعلوا أخذهم بمنزلة أخذ أهل العدل قيل له إن الزكاة لا تسقط عنهم بأخذ هؤلاء لأنهم قالوا إن على أرباب

٢٨٤

الأموال إعادتها فيما بينهم وبين الله تعالى وإنما أسقطوا به حق الإمام في الأخذ لأن حق الإمام إنما يثبت في الأخذ لأجل حمايته أهل العدل فإذا لم يحمهم من البغاة لم يثبت حقه في الأخذ وكان ما أخذه البغاة بمنزلة أخذه في باب سقوط حقه في الأخذ ألا ترى أن أصحابنا قالوا لو مر رجل من أهل العدل على عاشر أهل البغي بمال فعشره أنه لا يحتسب له الإمام بذلك ويأخذ منه العشر إذا مر به على عاشر أهل العدل فعلمت أن المعنى في سقوط حق الإمام في الأخذ لا على معنى أنهم جعلوا حكمهم كأحكام أهل العدل وإنما أجازوا قضاء قاضى البغاة إذا كان القاضي من أهل العدل من قبل أن الذي يحتاج إليه في صحة نفاذ القضاء هو أن يكون القاضي عدلا في نفسه ويمكنه تنفيذ قضائه وحمل الناس عليه بيد قوية سواء كان المولى له عدلا أو باغيا ألا ترى أنه لو لم يكن ببلد سلطان فاتفق أهله على أن ولوا رجلا منهم القضاء كان جائزا وكانت أحكامه نافذة عليهم فكذلك الذي ولاه البغاة القضاء إذا كان هو في نفسه عدلا نفذت أحكامه ويحتج من يجيز مجاوزة الحد بالتعزير بقوله تعالى( فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ ) فأمر بقتالهم إلى أن يرجعوا إلى الحق فدل على أن التعزير يجب إلى أن يعلم إقلاعه عنه وتوبته إذ كان التعزير للزجر والردع وليس له مقدار معلوم في العادة كما أن قتال البغاة لما كان المردع وجب فعله أن يرتدعوا وينزجروا قال أبو بكر إنما اقتصر من لم يبلغ بالتعزير الحد على ذلك بما روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال من بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين وقوله تعالى( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ) يعنى أنهم إخوة في الدين كقوله تعالى( فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ ) وفي ذلك دليل على جواز إطلاق لفظ الأخوة بين المؤمنين من جهة الدين وقوله تعالى( فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ) يدل على أن من رجا صلاح ما بين متعاديين من المؤمنين أن عليه الإصلاح بينهما وقوله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ ) نهى الله بهذه الآية عن عيب من لا يستحق أن يعاب على وجه الاحتقار له لأن ذلك هو معنى السخرية وأخبر أنه وإن كان أرفع حالا منه في الدنيا فنسي أن يكون المسخور منه خيرا عند الله وقوله تعالى( وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ) وروى عن ابن عباس وقتادة لا يطعن بعضكم على بعض قال أبو بكر هو كقوله( وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ) لأن المؤمنين كنفس واحدة فكأنه بقتله أخاه قاتل نفسه وكقوله( فَسَلِّمُوا عَلى

٢٨٥

أَنْفُسِكُمْ ) يعنى يسلم بعضكم على بعض واللمز العيب يقال لمزه إذا عابه وطعن عليه قال الله تعالى( وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ ) قال زياد الأعجم :

إذا لقيتك تبدى لي مكاشرة

وإن تغيبت الهامز اللمزة

ما كنت أخشى وإن كان الزمان به

حيف على الناس أن يغتا بنى عنزه

وإنما نهى بذلك عن عيب من لا يستحق وليس بمعيب فإن من كان معيبا فاجرا فعيبه بما فيه جائز وروى أنه لما مات الحجاج قال الحسن اللهم أنت أمته فاقطع عنا سنته فإنه أتانا أخيفش أعيمش يمد بيد قصيرة البنان والله ما عرق فيها عنان في سبيل الله يرحل جمته ويخطر في مشيته ويصعد المنبر فيهذر حتى تفوته الصلاة لا من الله يتقى ولا من الناس يستحى فوقه الله وتحته مائة ألف أو يزيدون لا يقول له لا قائل الصلاة أيها الرجل ثم قال الحسن هيهات والله حال دون ذلك السيف والسوط وقوله تعالى( وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ ) روى حماد بن سلمة عن يونس عن الحسن أن أبا ذر كان عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان بينه وبين رجل منازعة فقال له أبو ذر يا ابن اليهودية فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أما ترى ما هاهنا ما شيء أحمر ولا أسود وما أنت أفضل منه إلا بالتقوى قال ونزلت هذه الآية( وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ ) وقال قتادة في قوله تعالى( وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ ) قال لا تقل لأخيك المسلم يا فاسق يا منافق حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا الحسن قال أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن الحسن قال كان اليهودي والنصراني يسلم فقال له يا يهودي يا نصراني فنهوا عن ذلك حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا وهيب عن داود عن عامر قال حدثني أبو جبيرة بن الضحاك قال فينا نزلت هذه الآية في بنى سلمة( وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ ) قال قدم علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وليس منا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة فجعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول يا فلان فيقولون مه يا رسول الله إنه يغضب من هذا الاسم فأنزلت هذه الآية( وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ ) وهذا يدل على أن اللقب المكروه هو ما يكرهه صاحبه ويفيد ما للموصوف به لأنه بمنزلة السباب والشتيمة فأما الأسماء والأوصاف الجارية غير هذا المجرى فغير مكروهة لم يتناولها النهى لأنها بمنزلة أسماء الأشخاص والأسماء المشتقة من أفعال وقد روى محمد بن إسحاق عن محمد بن يزيد بن خيثم عن محمد بن كعب قال حدثني محمد بن خيثم المحاربي عن

٢٨٦

عمار بن ياسر قال كنت أنا وعلى بن أبى طالب رفيقين في غزوة العشيرة من بطن ينبع فلما نزل بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أقام بها شهرا وصالح فيها بنى مدلج وحلفاءهم من بنى ضمرة ووادعهم فقال لي على رضى الله عنه هل لك أن تأتى هؤلاء من بنى مدلج يعملون في عير لهم ننظر كيف يعملون فأتيناهم فنظرنا إليهم ساعة ثم غشينا النوم فعمدنا إلى صور من النخل في دقعاء من الأرض فنمنا فما أنبهنا إلا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بقدمه فجلسنا وقد تتربنا من تلك الدقعاء فيومئذ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لعلى يا أبا تراب لما عليه من التراب فأخبرناه بما كان من أمرنا فقال ألا أخبركم بأشقى رجلين قلنا من هما يا رسول الله قال أحيمر ثمود الذي عقر الناقة والذي يضربك يا على على هذا ووضع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يده على رأسه حتى تبل منه هذه ووضع يده على لحيته وقال سهل بن سعد ما كان اسم أحب إلى على رضى الله عنه أن يدعى به من أبى تراب فمثل هذا لا يكره إذ ليس فيه ذم ولا يكرهه صاحبه وحدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا إبراهيم بن مهدى قال حدثنا شريك عن عاصم عن أنس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يا ذا الأذنين وقد غير النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أسماء قوم فسمى العاص عبد الله وسمى شهابا هشاما وسمى حربا سلما وفي جميع ذلك دليل على أن المنهي من الألقاب ما ذكرنا دون غيره وقد روى أن رجلا أراد أن يتزوج امرأة فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا يعنى الصغر قال أبو بكر فلم يكن ذلك غيبة لأنه لم يرد به ذم المذكور ولا غيبته وقوله تعالى( اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) اقتضت الآية النهى عن بعض الظن لا عن جميعه لأن قوله( كَثِيراً مِنَ الظَّنِ ) يقتضى البعض وعقبه بقوله( إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) فدل على أنه لم ينه عن جميعه وقال في آية أخرى( إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ) وقال( وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً ) فالظن على أربعة أضرب محظور ومأمور به ومندوب إليه ومباح فإن الظن المحظور فهو سوء الظن بالله تعالى حدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا معاذ بن المثنى ومحمد ابن حبان التمار قالا حدثنا محمد بن كثير قال حدثنا سفيان عن الأعمش عن أبى سفيان عن جابر قال سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل موته بثلاث يقول لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا أبو سعيد يحيى بن منصور الهروي قال حدثنا سويد بن نصر قال حدثنا ابن المبارك عن هشام بن الغازي عن حبان بن أبى

٢٨٧

النصر قال سمعت وائلة بن الأسقع يقول قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول الله أنا عند ظن عبدى بن فليظن بي ما شاء وحدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن واسع عن شتير يعنى ابن نهار عن أبى هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال حسن الظن من العبادة وهو مرفوع في حديث نصر بن على غير مرفوع في حديث موسى بن إسماعيل فحسن الظن بالله فرض وسوء الظن به محظور منهى عنه وكذلك سوء الظن بالمسلمين الذين ظاهرهم العدالة محظور مزجور عنه وهو من الظن المحظور المنهي عنه وحدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن محمد المروزى قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن على بن حسين عن صفية قالت كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم معتكفا فأتيته أزوره ليلا فحدثته وقمت فانقلبت فقام معى ليقلبنى وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد فمر رجلان من الأنصار فلما رأيا النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أسرعا فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم على رسلكما إنها صفية بنت حي قالا سبحان الله يا رسول الله قال إن الشيطان يجرى من الإنسان مجرى الدم فخشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا أو قال سوءا وحدثنا عبد الباقي ابن قانع قال حدثنا معاذ بن المثنى قال حدثنا عبد الرحمن قال حدثنا وهيب قال حدثنا ابن طاوس عن أبيه عن أبى هريرة قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث فهذا من الظن المحظور وهو ظنه بالمسلم سواء من غير سبب يوجبه وكل ظن فيما له سبيل إلى معرفته مما تعبد بعلمه فهو محظور لأنه لما كان متعبدا تعبد بعلمه ونصب له الدليل عليه فلم يتبع الدليل وحصل على الظن كان تاركا للمأمور به وأما ما لم ينصب له عليه دليل يوصله إلى العلم به وقد تعبد بتنفيذ الحكم فيه فالاقتصار على غالب الظن وإجراء الحكم عليه واجب وذلك نحو ما تعبدنا به من قبول شهادة العدول وتحرى القبلة وتقويم المستهلكات وأروش الجنايات التي لم يرد بمقاديرها توقيف فهذه وما كان من نظائرها قد تعبدنا فيها بتنفيذ أحكام غالب الظن وأما الظن المباح فالشاك في الصلاة أمره النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بالتحرى والعمل على ما يغلب في ظنه فلو غلب ظنه كان مباحا وإن عدل عنه إلى البناء على اليقين كان جائزا ونحوه ما روى عن أبى بكر الصديق رضى الله عنه أنه قال لعائشة إنى كنت نحلتك جداد عشرين وسقا بالعالية وإنك لم تكوني حزتيه ولا قبضتيه وإنما هو مال الوارث وإنما هو أخواك وأختاك قال فقلت إنما هي أسماء فقال ألقى في روعي أن

٢٨٨

ذا بطن خارجة جارية فاستجاز هذا الظن لما وقع في قلبه وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا إسماعيل بن الفضل قال حدثنا هشام بن عمار عن عبد الرحمن بن سعد عن عبد الله بن سعيد عن أبيه عن أبى هريرة قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا ظننتم فلا تحققوا فهذا من الظن الذي يعرض بقلب الإنسان في أخيه مما يوجب الريبة فلا ينبغي أن يحققه وأما الظن المندوب إليه فهو حسن الظن بالأخ المسلم هو مندوب إليه مثاب عليه فإن قيل إذا كان سوء الظن محظورا فواجب أن يكون حسن الظن واجبا قيل له لا يجب ذلك لأن بينهما واسطة وهو أن لا يظن به شيئا فإذا أحسن الظن به فقد فعل مندوبا إليه قوله تعالى( وَلا تَجَسَّسُوا ) حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود عن القعنبي عن مالك عن أبى الزناد عن الأعرج عن أبى هريرة أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تحسسوا وحدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن زيد بن وهب قال أتى ابن مسعود فقيل هذا فلان تقطر لحيته خمرا فقال عبد الله إنا قد هينا عن التجسس ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به وعن مجاهد لا تجسسوا خذوا بما ظهر لكم ودعوا ما ستر الله فنهى الله في هذه الآيات عن سوء الظن بالمسلم الذي ظاهره العدالة والستر ودل به على أنه يجب تكذيب من قذفه بالظن وقال تعالى( لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ ) فإذا وجب تكذيب القاذف والأمر بحسن الظن فقد اقتضى ذلك النهى عن تحقيق المظنون وعن إظهاره ونهى عن التجسس بل أمر بالستر على أهل المعاصي ما لم يظهره منهم إصرار حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن يحيى بن فارس قال حدثنا الفريابي عن إسرائيل عن الوليد قال أبو داود ونسبه لنا زهير بن حرب عن حسين بن محمد عن إسرائيل في هذا الحديث قال الوليد بن أبى هشام عن زيد بن زائد عن ابن مسعود قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يبلغني أحد عن أحد شيئا فإنى أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر لكم وحدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا مسلم ابن إبراهيم قال حدثنا عبد المبارك عن إبراهيم بن نشيط عن كعب بن علقمة عن أبى الهيثم عن عقبة بن عامر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال من رأى عورة فسترها كان كمن أحيى موءودة وحدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا الليث عن عقيل

٢٨٩

عن الزهري عن سالم عن أبيه أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه من كان في حاجة أخيه فإن الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة وجميع ما أمرنا الله به من ذلك يؤدى إلى صلاح ذات البين وفي صلاح ذات البين صلاح أمر الدنيا والدين قال الله تعالى( فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ ) وحدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن العلاء قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن يزيد بن مرة عن سالم عن أم الدرداء عن أبى الدرداء قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة قالوا بلى يا رسول الله قال إصلاح ذات البين وفساد ذات البين الحالقة وقوله تعالى( وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ) حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا القعنبي قال حدثنا عبد العزيز بن محمد عن العلاء عن أبيه عن أبى هريرة أنه قيل يا رسول الله ما الغيبة قال ذكرك أخاك بما يكره قيل أفرأيت إن كان في أخى ما أقول قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته وحدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا مسدد قال حدثنا سفيان عن على بن الأقمر عن أبى حذيفة عن عائشة قالت قلت للنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم حسبك من صفية كيت وكيت قال غير مسدد تعنى قصيرة فقال لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته قالت وحكيت له إنسانا آخر فقال ما أحب أنى حكيت إنسانا وأن لي كذا وكذا وحدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا الحسن ابن على قال حدثنا عبد الرزاق عن ابن جريج قال أخبرنى أبو الزبير أن عبد الرحمن بن الصامت ابن عم أبى هريرة أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول جاء الأسلمى إلى نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فشهد على نفسه أربع مرات أنه أصاب امرأة حراما وذكر الحديث إلى قوله فما تريد بهذا القول قال أريد أن تطهرني فأمر به فرجم فسمع نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم رجلين من أصحابه يقول أحدهما لصاحبه انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم تدعه نفسه حتى رجم رجم الكلب فسكت عنهما ثم سار ساعة حتى مر بجيفة حمار شائل برجله فقال أين فلان وفلان فقال نحن ذان يا رسول الله قال انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار فقالا يا نبي الله من يأكل من هذا قال فما نلتما من عرض أخيكما آنفا أشد من الأكل منه والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا إبراهيم بن عبد الله

٢٩٠

قال حدثنا يزيد بن مرة سنة ثلاث عشر ومائتين قال حدثنا ابن عون أن ناسا أتوا ابن سيرين فقالوا إنا ننال منك فاجعلنا في حل فقال لا أحل لكم ما حرم الله عليكم وروى الربيع بن صبيح أن رجلا قال للحسن يا أبا سعيد إنى أرى أمرا أكرهه قال وما ذاك يا ابن أخى قال أرى أقواما يحضرون مجلسك يحفظون عليك سقط كلامك ثم يحكونك ويعيبونك فقال يا ابن أخى لا يكبرن هذا عليك أخبرك بما هو أعجب قال وما ذاك يا عم قال أطمعت نفسي في جوار الرحمن وحلول الجنان والنجاة من النيران ومرافقة الأنبياء ولم أطمع نفسي في السلامة من الناس أنه لو سلم من الناس أحد لسلم منهم خالقهم فإذا لم يسلم خالقهم فالمخلوق أجدر أن لا يسلم حدثنا عبد الباقي بن قانع قال أخبرنا الحارث ابن أبى أسامة قال حدثنا داود بن المجبر قال حدثنا عنبسة بن عبد الرحمن قال حدثني خالد ابن يزيد اليمامي عن أنس بن مالك قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم كفارة الاغتياب أن تستغفر لمن اغتبته وقوله تعالى( أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ ) تأكيد لتقبيح الغيبة والزجر عنه من وجوه أحدهما أن لحم الإنسان محرم الأكل فكذلك الغيبة والثاني النفوس تعاف أكل لحم الإنسان من جهة الطبع فلتكن الغيبة عندكم بمنزلته في الكراهة ولزوم اجتنابه من جهة موجب العقل إذا كانت دواعي العقل أحق بالاتباع من دواعي الطبع ولم يقتصره على ذكر الإنسان الميت حتى جعله أخاه وهذا أبلغ ما يكون في التقبيح والزجر فهذا كله إنما هو في المسلم الذي ظاهره العدالة ولم يظهر منه ما يوجب تفسيقه كما يجب علينا تكذيب قاذفه بذلك فإن كان المقذوف بذلك مهتوكا فاسقا فإن ذكر ما فيه من الأفعال القبيحة غير محظور كما لا يجب على سامعه النكير على قائله ووصفه بما يكرهه على ضربين أحدهما ذكر أفعاله القبيحة والآخر وصف خلقته وإن كان مشينا على جهة الاحتقار له وتصغيره لا على جهة ذمه بها ولا عيب صانعها على نحو ما روينا عن الحسن في وصفه الحجاج بقبح الخلقة وقد يجوز وصف قوم في الجملة ببعض ما إذا وصف به إنسان بعينه كان غيبة محظورة ثم لا يكون غيبة إذا وصف به الجملة على وجه التعريف كما روى أبو حازم عن أبى هريرة قال جاء رجل إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال يا رسول الله إنى تزوجت امرأة قال هل نظرت إليها فإن في أعين الأنصار شيئا فإنه لم يكن غيبة وجعل وصف عائشة الرجل بالقصر في الحديث الذي قدمنا غيبة لأن ذلك كان من النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم على وجه

٢٩١

التعريف لا على جهة العيب وهو كما روى عنه أنه قال لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما عراض الوجوه صغار العيون فطس الأنوف كأن وجوههم المجان المطرقة فلم يكن ذلك غيبة وإنما كان تعريفا لهم صفة القوم قوله تعالى ( إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا ) روى عن مجاهد وقتادة الشعوب النسب الأبعد والقبائل الأقرب فيقال بنى فلان وفلان وقوله تعالى( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ ) بدأ بذكر الخلق من ذكر وأنثى وهما آدم وحواء ثم جعلهم شعوبا يعنى متشعبين متفرقين في الأنساب كالأمم المتفرقة نحو العرب وفارس والروم والهند ونحوهم ثم جعلهم قبائل وهم أخص من الشعوب نحو قبائل العرب وبيوتات العجم ليتعارفوا بالنسبة كما خالف بين خلقهم وصورهم ليعرف بعضهم بعضا ودل بذلك على أنه لا فضل لبعضهم على بعض من جهة النسب إذ كانوا جميعا من أب وأم واحدة ولأن الفضل لا يستحق بعمل غيره فبين الله تعالى ذلك لنا لئلا يفخر بعضنا على بعض بالنسب وأكد ذلك بقوله تعالى( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ ) فأبان أن الفضيلة والرفعة إنما تستحق بتقوى الله وطاعته وروى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم في خطبته أنه قال إن الله قد أذهب نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء الناس من آدم وآدم من تراب أكرمكم عند الله أتقاكم لا فضل لعربي على عجميّ إلا بالتقوى وقال ابن عباس وعطاء إن أكرمكم عند الله أتقاكم لا أعظمكم بيتا آخر سورة الحجرات :

سورة ق

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى( بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ ) حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا الحسن بن أبى الربيع الجرجانى قال أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله( فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ ) قال من ترك الحق مرج عليه رأيه والتبس عليه دينه وقوله تعالى( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ) روى جرير بن عبد الله عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال إن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ثم قرأ( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ) وروى عن ابن عباس وقتادة أن المراد صلاة الفجر وصلاة العصر وقوله تعالى( وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ ) قال مجاهد

٢٩٢

صلاة الليل قال أبو بكر يجوز أن يريد صلاة المغرب والعتمة وقوله تعالى( وَأَدْبارَ السُّجُودِ ) قال على وعمر والحسن بن على وابن عباس والحسن البصري ومجاهد والنخعي والشعبي( وَأَدْبارَ السُّجُودِ ) ركعتان بعد المغرب( وَإِدْبارَ النُّجُومِ ) ركعتان قبل الفجر وعن ابن عباس مثله وعن مجاهد عن ابن عباس( وَأَدْبارَ السُّجُودِ ) إذا وضعت جبهتك على الأرض أن تسبح ثلاثا قال أبو بكر اتفق من ذكرنا قوله بديا أن قوله( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ) أراد به الصلاة وكذلك( وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ ) هو صلاة الليل وهي العتمة والمغرب فوجب أن يكون قوله( وَأَدْبارَ السُّجُودِ ) هو الصلاة لأن فيه ضمير فسبحه وقد روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم التسبيح في دبر كل صلاة ولم يذكر أنه تفسير الآية وروى محمد بن سيرين عن كثير بن أفلح عن زيد بن ثابت قال أمرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أن نسبح في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين ونحمد ثلاثا وثلاثين ونكبر أربعا وثلاثين فأتى رجل من الأنصار في المنام فقال أمركم محمدصلى‌الله‌عليه‌وسلم أن تسبحوا في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وتحمدوا ثلاثا وثلاثين وتكبروا أربعا وثلاثين فلو جعلتموها خمسا وعشرين خمسا وعشرين فاجعلوا فيها التهليل فذكر ذلك للنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال افعلوا وروى سمى عن أبى صالح عن أبى هريرة قال قالوا يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالدرجات والنعيم المقيم قال كيف ذاك قالوا صلوا كما صلينا وجاهدوا كما جاهدنا وأنفقوا من فضول أموالهم وليست لنا أموال فقال أنا أخبركم بأمر تدركون به من كان قبلكم وتسبقون به من بعدكم لا يأتى أحد بمثل ما جئتم به إلا من جاء بمثله تسبحون الله في دبر كل صلاة عشرا وتحمدون الله عشرا وتكبرون عشرا وروى نحوه عن أبى ذر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا أنه قال تسبح في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وتحمد ثلاثا وثلاثين وتكبر أربعا وثلاثين وروى كعب بن عجرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم نحوه وقال وتكبر أربعا وثلاثين وروى أبو هارون العبدى عن أبى سعيد الخدري قال سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول في آخر صلاته عند انصرافه سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين * قال أبو بكر فإن حمل معنى الآية على الوجوب كان قوله( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ) على صلاة الفجر( وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ) على صلاة الظهر والعصر وكذلك روى عن الحسن( وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ ) صلاة العتمة والمغرب فتكون الآية منتظمة للصلوات الخمس وعبر عن الصلاة بالتسبيح لأن التسبيح تنزيه لله عما لا يليق

٢٩٣

به والصلاة تشتمل على قراءة القرآن وأذكار هي تنزيه لله تعالى آخر سورة ق.

سورة الذاريات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى( كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ ) قال ابن عباس وإبراهيم والضحاك الهجوع النوم وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كانوا أقل ليلة تمر عليهم إلا صلوا فيها وقال قتادة عن الحسن لا ينامون فيها إلا قليلا وقال مطرف بن عبد الله أقل ليلة تأتى عليهم لا يصلون فيها إما من أولها وإما من أوسطها وقال مجاهد كانوا لا ينامون كل الليل وروى قتادة عن أنس قال كانوا ينتفلون بين المغرب والعشاء وروى أبو حيوة عن الحسن قال كانوا يطيلون الصلاة بالليل وإذا سجدوا استغفروا وروى عن قتادة قال كانوا لا ينامون عن العتمة ينتظرونها لوقتها كأنه جعل هجوعهم قليلا في جنب يقظتهم لصلاة العتمة قال أبو بكر قد كانت صلاة الليل فرضا فنسخ فرضها بما نزل في سورة المزمل ورغب فيها في هذه السورة وقد روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أخبار في فضلها والترغيب فيها وروى الأعمش عن أبى سفيان عن جابر قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إن في الليل ساعة لا يوافقها عبد مسلم يدعو الله فيها بخير الدنيا والآخرة إلا أعطاه الله إياه وذلك في كل ليلة وقال أبو مسلم قلت لأبى ذر أي صلاة الليل أفضل قال سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال نصف الليل وقليل فاعله وروى عمرو بن دينار عن عمرو بن أوس عن عبد الله بن عمرو عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال أحب الصلاة إلى الله تعالى صلاة داود كان ينام نصف الليل ويصلى ثلث الليل وينام سدس الليل وروى عن الحسن( كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ ) قال ما يرقدون( وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) قال مدوا الصلاة إلى السحر ثم جلسوا في الدعاء والاستكانة والاستغفار وقوله تعالى( وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌ ) قال أبو بكر اختلف السلف في تأويله فقال ابن عمر والحسن والشعبي ومجاهد هو حق سوى الزكاة واجب في المال وقال ابن عباس من أدى زكاة ماله فلا جناح عليه أن لا يتصدق وقال ابن سيرين( وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ) قال الصدقة حق معلوم وروى حجاج عن الحكم عن ابن عباس قال نسخت الزكاة كل صدقة والحجاج عن أبى جعفر مثله واختلف الرواة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذلك فروى عنه ما يحتج به كل واحد من الفريقين فروى طلحة بن عبيد الله قصة الرجل الذي

٢٩٤

سأل النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم عما عليه فذكر الصلاة والزكاة والصيام فقال هل على شيء غير هذا قال لا وروى عمرو بن الحارث عن دراج عن أبى هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك فيه وروى دراج عن أبى الهيثم عن أبى سعيد الخدري قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت الحق الذي يجب عليك فهذه الأخبار يحتج بها من تأول حقا معلوما على الزكاة وأنه لا حق على صاحب المال غيرها واحتج ابن سيرين بأن الزكاة حق معلوم وسائر الحقوق التي يوجبها مخالفوه ليست بمعلومة واحتج من أوجب فيه حقا سوى الزكاة بما روى الشعبي عن فاطمة بنت قيس قالت سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أفي المال حق سوى الزكاة فتلا( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ) الآية فذكر الزكاة في نسق التلاوة بعد قوله( وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ) ويحتجون أيضا بحديث أبى هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال ما من صاحب إبل لا يؤدى حقها في عسرها ويسرها إلا برز لها بقاع قرقر تطأه بأخفافها وذكر البقر والغنم فقال أعرابى يا أبا هريرة وما حقها قال تمنح الغزيرة وتعطى الكريمة وتحمل على الظهر وتسقى اللبن وفي حديث أبى الزبير عن جابر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قالوا يا رسول الله وما حقها قال إطراق فحلها وإعارة دلوها ومنحتها وحلبها على الماء وحمل عليها في سبيل الله وروى الأعمش عن المعرور بن سويد عن أبى ذر قال انتهيت إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو جالس في ظل الكعبة فلما رآني مقبلا قال هم الأخسرون ورب الكعبة فقلت يا رسول الله من هم قال هم الأكثرون أموالا إلا من قال هكذا وهكذا حثا عن يمينه وعن شماله وبين يديه ما من رجل يموت ويترك إبلا لم يؤد زكاتها إلا جاءته يوم القيامة تنطحه بقرونها وتطأه بأخفافها كلما بعدت أخراها أعيدت عليه أولاها حتى يقضى بين الناس قال أبو بكر هذه الأخبار كلها مستعملة وفي المال حق سوى الزكاة باتفاق المسلمين منه ما يلزم من النفقة على والديه إذا كانا فقيرين وعلى ذوى أرحامه وما يلزم من إطعام المضطر وحمل المنقطع به وما جرى مجرى ذلك من الحقوق اللازمة عند ما يعرض من هذه الأحوال وقوله تعالى( لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) قال ابن عباس رواية عائشة وابن المسيب ومجاهد رواية عطاء وأبو العالية والنخعي وعكرمة المحروم المحارف وقال الحسن المحروم الذي يطلب فلا يرزق وقال ابن عباس رواية ومجاهد المحروم الذي ليس له في الإسلام سهم وفي لفظ آخر الذي ليس له في الغنيمة شيء وقال عكرمة الذي لا ينموا

٢٩٥

له مال وقال الزهري وقتادة المحروم المسكين المتعفف وقال عمر بن عبد العزيز المحروم الكلب قال أبو بكر من تأوله على الكلب فإنه لا يجوز أن يكون المراد عنده بحق معلوم الزكاة لأن إطعام الكلب لا يجزى من الزكاة فينبغي أن يكون المراد عنده حقا غير الزكاة فيكون في إطعام الكلب قربة كما روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم إن في كل ذي كبد حرى أجرا وإن رجلا سقى كلبا فغفر الله له والأظهر في قوله حق معلوم أنه الزكاة لأن الزكاة واجبة لا محالة وهي حق معلوم فوجب أن يكون مرادا بالآية إذ جائز أن ينطوى تحتها ويكون اللفظ عبارة عنها ثم جائز أن يكون جميع ما تأول السلف عليه المحروم مرادا بالآية في جواز إعطائه الزكاة وهو يدل على أن الزكاة إذا وضعت في صنف واحد أجزأ لأنه اقتصر على السائل والمحروم دون الأصناف المذكورة في آية الصدقات وفرق الله تعالى في الآية بين السائل والمحروم لأن الفقير قد يحرم نفسه بتركه المسألة وقد يحرمه الناس بترك إعطائه فإذا لم يسئل فقد حرم نفسه بترك المسألة فسمى محروما من هذا الوجه لأنه يصير محروما من وجهين من قبل نفسه ومن قبل الناس وقد روى عن الشعبي أنه قال أعيانى أن أعلم ما المحروم آخر سورة الذاريات.

سورة الطور

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ ) قال ابن مسعود وأبو الأحوص ومجاهد حين تقوم من كل مكان سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك وروى على بن هاشم قال سئل الأعمش أكان إبراهيم يستحب إذا قام من مجلسه أن يقول سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك قال ما كان يستحب أن يجعل ذلك سنة وقال الضحاك عن عمر يعنى به افتتاح الصلاة قال أبو بكر يعنى به قوله سبحانك الله وبحمدك وتبارك اسمك إلى آخره وقد روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه كان يقول ذلك بعد التكبير وقال أبو الجوزاء حين تقوم من منامك قال أبو بكر يجوز أن يكون عموما في جميع ما روى من هذه التأويلات قوله تعالى( وَإِدْبارَ النُّجُومِ ) روى عن جماعة من الصحابة والتابعين أنه ركعتا الفجر وقد روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أخبار في ركعتي الفجر منها حديث سعد بن هشام عن عائشة قالت قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها

٢٩٦

وروى عبيد بن عمير عن عائشة قالت ما رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أسرع إلى شيء من النوافل إسراعه إلى ركعتي الفجر ولا إلى غنيمة وروى أيوب عن عطاء أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال الركعتان قبل صلاة الفجر واجبتان على كل مسلم وروى عنه أنه قال لا تدعوهما فإن فيهما الرغائب وقال لا تدعو هما وإن طرقتكم الخيل آخر سورة الطور.

سورة النجم

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى( وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى ) يحتج به من لا يجيز أن يقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم في الحوادث من جهة اجتهاد الرأى بقوله( إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى ) وليس كما ظنوا لأن اجتهاد الرأى إذا صدر عن الوحى جاز أن ينسب موجبه وما أدى إليه أنه عن وحى وقوله تعالى( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى ) روى عن ابن مسعود وعائشة ومجاهد والربيع قالوا رأى جبريل في صورته التي خلقه الله عليها مرتين وروى عن ابن عباس أنه رأى ربه بقلبه وهذا يرجع إلى معنى العلم وعن ابن مسعود والضحاك سدرة المنتهى في السماء السادسة وإليها ينتهى ما يعرج إلى السماء وقيل سميت سدرة المنتهى لأنه ينتهى إليها أرواح الشهداء وقال الحسن جنة المأوى هي التي يصير إليها أهل الجنة وفي هذه الآية دلالة على أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قد صعد إلى السماء وإلى الجنة بقوله تعالى( رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى ) وقوله تعالى( إِلَّا اللَّمَمَ ) قال ابن عباس رواية لم أر أشبه باللمم مما قال أبو هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم إن الله تعالى كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنا العينين النظر وزنا اللسان النطق والنفس تمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه وروى عن ابن مسعود وأبى هريرة أنه النظرة والغمزة والقبلة والمباشرة فإذا مس الختان الختان فهو الزنا ووجب الغسل وعن أبى هريرة أيضا أن اللمم النكاح وعنه أيضا أن اللمة من الزنا ثم يتوب فلا يعود وقال ابن عباس رواية اللمم ما بين الحدين حد الدنيا وحد الآخرة وقال ابن عباس أيضا رواية هو الذي يلم بالمرأة وقال عطاء اللمم ما دون الجماع وقال مجاهد أن تصيب الذنب ثم تتوب وروى عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول اللهم إن تغفر تغفر جما وأى عبد لك لا ألما ويقال إن اللمم هو الهم بالخطيئة من جهة حديث النفس بها من غير عزم عليها وقيل إن اللمم

٢٩٧

مقاربة الشيء من غير دخول فيه يقال ألم بالشيء إلماما إذا قاربه وقيل إن اللمم الصغير من الذنوب لقوله تعالى( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ ) وقوله تعالى( أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) هو كقوله( وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ ) وكقوله( وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها ) وقوله تعالى( وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى ) في معنى ذلك ويحتج به في امتناع جواز تصرف الإنسان على غيره في إبطال الحجر على الحر العاقل البالغ وقوله تعالى( وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى ) قال أبو بكر لما كان قوله( الذَّكَرَ وَالْأُنْثى ) اسم للجنس استوعب الجميع وهذا يدل على أنه لا يخلوا من أن يكون ذكرا أو أنثى وإن الخنثى وإن اشتبه علينا أمره لا يخلو من أحدهما وقد قال محمد بن الحسن إن الخنثى المشكل إنما يكون ما دام صغيرا فإذا بلغ فلا بد من أن تظهر فيه علامة ذكر أو أنثى وهذه الآية تدل على صحة قوله آخر سورة النجم.

سورة القمر

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ) دلالة على صحة نبوة النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لأن الله لا يقلب العادات بمثله إلا ليجعله دلالة على صحة نبوة النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وروى انشقاق القمر عشرة من الصحابة منهم عبد الله بن مسعود وابن عمر وأنس وابن عباس وحذيفة وجبير بن مطعم في آخرين كرهت ذكر أسانيدها للإطالة فإن قيل معناها سينشق في المستقبل عند قيام الساعة لأنه لو كان قد انشق في زمان النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لما خفى على أهل الآفاق قيل له هذا فاسد من وجهين أحدهما أنه خلاف ظاهر اللفظ وحقيقته والآخر أنه قد تواتر الخبر به عن الصحابة ولم يدفعه منهم أحد وأما قوله إنه لو كان ذلك قد وقع لما خفى على أهل الآفاق فإنه جائز أن يستره الله عنهم بغيم أو يشغلهم عن رؤيته ببعض الأمور لضرب من التدبير ولئلا يدعيه بعض المتنبئين في الآفاق لنفسه فأظهره للحاضرين عند دعاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إياهم واحتجاجه عليهم قوله تعالى( وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ ) الآية تدل على جواز المهايأة على الماء لأنهم جعلوا شرب الماء يوما للناقة ويوما لهم ويدل أيضا على أن المهايأة قسمة المنافع لأن الله تعالى قد سمى ذلك قسمة وإنما هي مهايأة على الماء لا قسمة الأصل واحتج محمد بن الحسن بذلك في جواز المهايأة على الماء على هذا الوجه وهذا يدل من قوله على

٢٩٨

أنه كان يرى شرائع من كان قبلنا من الأنبياء ثابتة ما لم يثبت نسخها آخر سورة القمر.

سورة الرحمن

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى( وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ ) روى عن ابن عباس وقتادة والضحاك أن العصف التبن وعن ابن عباس ومجاهد والضحاك الريحان الورق وعن ابن عباس أيضا أن الريحان الحب وقال الحسن هو الريحان الذي يشم قال أبو بكر لا يمتنع أن يكون جميع ذلك مرادا لوقوع الاسم عليه والظاهر من الريحان أنه المشموم ولما عطف الريحان على الحب ذي العصف والعصف هو ساقه دل على أن الريحان ما يخرج من الأرض وله رائحة مستلذة قبل أن يصير له ساق وذلك نحو الضيمران والنمام والآس الذي يخرج ورقه ريحانا قبل أن يصير ذا ساق لأن العطف يقتضى ظاهره أن المعطوف غير المعطوف عليه وقوله تعالى( يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ ) مراده من أحدهما لأنه إنما يخرج من الملح دون العذب وهو كقوله( يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ ) وإنما أرسل من الإنس وقال ابن عباس والحسن وقتادة والضحاك المرجان صغار اللؤلؤ وقيل المرجان المختلط من الجواهر من مرجت أى خلطت وقيل إنه ضرب من الجواهر كالقضبان يخرج من البحر وقيل إنما قال( يَخْرُجُ مِنْهُمَا ) لأن العذب والملح يلتقيان فيكون العذب لقاحا للملح كما يقال يخرج الولد من الذكر والأنثى وإنما تلده الأنثى وقال ابن عباس إذا جاء القطر من السماء تفتحت الأصداف فكان من ذلك اللؤلؤ وقوله تعالى( فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ ) روى أنها تحمر وتذوب كالدهن روى أن سماء الدنيا من حديد فإذا كان يوم القيامة صارت من الخضرة إلى الاحمرار من حر جهنم كالحديد إذا أحمى بالنار وقوله تعالى( فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ ) قيل فيه لا يسئل سؤال استفهام لكن سؤال تقرير وتوقيف وقيل فيه لا يسأل في أول أحوال حضورهم يوم القيامة لما يلحقهم من الدهش والذهول ثم يسئلون في وقت آخر وقوله تعالى( فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ ) يحتج به لأبى حنيفة في أن الرطب والرمان ليس من الفاكهة لأن الشيء لا يعطف على نفسه إنما يعطف على غيره هذا هو ظاهر الكلام ومفهومه إلا أن تقوم الدلالة على أنه انفرد بالذكر وإن كان من جنسه لضرب من التعظيم وغيره كقوله

٢٩٩

تعالى( مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ ) آخر سورة الرحمن.

سورة الواقعة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) روى عن سلمان أنه قال لا يمس القرآن إلا المطهرون فقرأ القرآن ولم يمس المصحف حين لم يكن على وضوء وعن أنس بن مالك في حديث إسلام عمر قال فقال لأخته أعطونى الكتاب الذي كنتم تقرءون فقالت إنك رجس وإنه لا يمسه إلا المطهرون فقم فاغتسل أو توضأ فتوضأ ثم أخذ الكتاب فقرأه وذكر الحديث وعن سعد إنه أمر ابنه بالوضوء لمس المصحف وعن ابن عمر مثله وكره الحسن والنخعي مس المصحف على غير وضوء وروى عن حماد أن المراد القرآن الذي في اللوح المحفوظ( لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) يعنى الملائكة وقال أبو العالية في قوله( لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) قال هو في كتاب مكنون ليس أنتم من أصحاب الذنوب وقال سعيد بن جبير وابن عباس المطهرون الملائكة وقال قتادة لا يمسه عند الله إلا المطهرون فأما في الدنيا فإنه يمسه المجوسي والنجس والمنافق قال أبو بكر إن حمل اللفظ على حقيقة الخبر فالأولى أن يكون المراد القرآن الذي عند الله والمطهرون الملائكة وإن حمل على النهى وإن كان في صورة الخبر كان عموما فينا وهذا أولى لما روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم في أخبار متظاهرة أنه كتب في كتابه لعمرو بن حزم ولا يمس القرآن إلا طاهر فوجب أن يكون نهيه ذلك بالآية إذ فيها احتمال له آخر سورة الواقعة.

سورة الحديد

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى( لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ ) الآية روى عن الشعبي قال فصل ما بين الهجرتين فتح الحديبية وفيه أنزلت هذه الآية قالوا يا رسول الله أفتح هو قال نعم عظيم وقال سعيد عن قتادة هو فتح مكة قال أبو بكر أبان عن فضيلة الإنفاق قبل الفتح على ما بعده لعظم عناء النفقة فيه وكثرة الانتفاع به ولأن الإنفاق في ذلك الوقت كان أشد على النفس لقلة المسلمين وكثرة الكفار مع شدة المحنة والبلاء وللسبق إلى الطاعة

٣٠٠