الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل0%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
ISBN: 964-6632-49-1
الصفحات: 543

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

مؤلف: آية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
تصنيف:

ISBN: 964-6632-49-1
الصفحات: 543
المشاهدات: 67434
تحميل: 5933


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 543 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 67434 / تحميل: 5933
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء 1

مؤلف:
ISBN: 964-6632-49-1
العربية

١
٢

٣

الأمثل من جديد

لكلّ عصر خصائصه وضروراته ومتطلباته ، وهي تنطلق من الأوضاع الاجتماعيّه والفكريّة السائدة في ذلك العصر ، ولكلّ عصر مشاكله وملابساته النّاتجة من تغيير المجتمعات والثّقافات ، وهو تغيير لا ينفك عن مسيرة المجتمع التّاريخيّة الفكرية الفاعلة ، هو ذلك الّذي فهم الضّرورات والمتطلبات ، وأدرك المشاكل والملابسات.

هذا ما قاله البحاثة الفريد الفقيه والمفسر المعاصر الأمثل ، العلّامة آية الله العظمى مكارم الشّيرازي في دوافع تأليف تفسيره الأمثل.

ويقول : واجهنا دوما أسئلة وردت إلينا من مختلف الفئات ـ وخاصة الشباب المتعطّش الى نبع القرآن ـ عن التّفسير الأفضل.

هذه الأسئلة تنطوي ضمنيا على بحث عن تفسير يبيّن عظمة القرآن عن تحقيق ولا عن تقليد ويجيب على ما في الساحة من احتياجات وتطلّعات وآلام وآمال تفسير يجدي كل الفئات ، ويخلو من المصطلحات العلميّة المعقّدة.

وهذا التّفسير دوّن على أساس هذين الهدفين.

ولتنفيذ هذا الهدف العظيم ، صمّم القسم الثّقافي لمدرسة الامام أمير المؤمنينعليه‌السلام بعرض جديد لكامل التّفسير الأمثل ، فأعاد النظر وإمعان فيه بدقّة ، مع تصحيح الأخطاء المطبعيّة والإنشائيّه والإملائيّة ، واضافة كثير من الأحاديث الّتي كانت محذوفة في الطبعة الاولى.

نأمل أن يكون مقبولا لدى الباري عزّ اسمه وجميع الباحثين في حقائق القرآن الكريم.

القسم الثّقافي لمدرسة الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام

٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

المقدّمة

ما هو التّفسير؟

التّفسير في اللغة الإبانة وإماطة اللّثام.

ولكن هل يحتاج القرآن إلى إبانة وإماطة لثام وهو «النّور» و «الكلام المبين»؟! كلّا ، ليس على وجه القرآن لثام أو نقاب بل إنّنا بالتّفسير ينبغي أن نكشف اللثام عن روحنا ، ونزيح الستار المسدول على بصيرتنا ، فنستجلي بذلك مفاهيم القرآن ونعيش أجواءه.

من جهة اخرى ، ليس للقرآن بعد واحد نعم ، له بعد عام ميسّر للجميع ، ينير الطريق ، ويهدي البشريّة إلى سواء السبيل.

وله أيضا أبعاد اخرى للعلماء والمتفكّرين ، لأولئك الطامحين إلى مزيد من الارتواء...وهؤلاء يجدون في القرآن ما يروي ظمأهم إلى الحقيقة ، ويغرفون من بحره قدر آنيتهم وتتسع الآنية باتّساع دائرة السعي والجهد والإخلاص.

هذه الأبعاد أطلقت عليها الأحاديث اسم «البطون» بطون القرآن وهي لا تتجلّى للجميع ، أو بعبارة أدقّ لا تقوى كلّ العيون على رؤيتها.

والتّفسير يمنح العيون قوة ، ويقشع عن البصائر الحجب والأستار ، ويمنحنا اللياقة لرؤية تلك الأبعاد بدرجة واخرى.

٥

وللقرآن أبعاد اخرى تنجلي بمرور الزمان وتعاقب التجارب البشرية ونموّ الكفاءات الفكريّة ، وهذا ما أشار إليه ابن عباس إذ قال : «القرآن يفسّره الزمان».

أضف إلى ذلك أنّ «القرآن يفسّر بعضه بعضا» ، وهذا لا يتنافى مع كونه نورا وكلاما مبينا ، لأنّه كلّ لا يتجزأ ، وجميع لا تفرّد ، يشكّل بمجموعه النور والكلام المبين.

متى بدأ تفسير القرآن؟

تفسير القرآن بالمعنى الحقيقي بدأ منذ عصر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل من بدء نزول الوحي إلّا أنّه ك «علم مدوّن» بدأ من زمن أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام كما تجمع على ذلك أقوال المورّخين والمفسّرين ، ورجال هذا العلم يصلون بسلسلة أسانيدهم إليه، ولا عجب في ذلك ، فهو باب مدينة علم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

إنّ مئات التفاسير كتبت لحدّ الآن ، وبلغات مختلفة ، وبأساليب ومناهج متنوعة ، منها الأدبي ، والفلسفي ، والأخلاقي ، والروائي ، والتأريخي ، والعلمي ، وكلّ واحد من المفسّرين تناول القرآن من زاوية تخصّصه.

وفي هذا «بستان» مثمر ومزدهر ، شغف أحدهم بمناظره الشاعريّة الخلّابة.

وآخر عكف على ما فيه من أشكاليات طبيعيّة ترتبط بتكوين النبات وهندسة الأزهار وعمل الجذور.

وثالث ألفت نظره الى المواد الغذائية المستفادة منه.

ورابع اتّجه إلى دارسة الخواصّ العلاجيّة في نباتاته.

وخامس اهتمّ بكشف أسرار الخلقة في عجائب ثماره اليانعة وأوراده الملوّنة.

وسادس راح يفكّر من أيّ أزهاره يستطيع استخراج أفضل العطور.

٦

وسابع كالنحلة لا تفكّر إلّا بامتصاص رحيق الورد لتهيئة العسل.

وهكذا روّاد طريق التّفسير القرآني ، عكس كلّ منهم بما يملكه من مرآة خاصّة ، مظهرا من مظاهر جمال القرآن وأسراره.

واضح أنّ كلّ هذه التفاسير في الوقت الذي تعتبر فيه تفسيرا للقرآن ، إلّا أنها ليست تفسيرا للقرآن ، لأنّ كلّ واحد منها يميط اللثام عن بعد من أبعاد القرآن لا عن كلّ الأبعاد ، وحتى لو جمعناها لتجلّى من خلالها بعض أبعاد القرآن لا جميع أبعاده.

ذلك لأنّ القرآن كلام الله وفيض من علمه اللامتناهي ، وكلامه مظهر لعلمه ، وعلمه مظهر لذاته ، وكلّها لا متناهية.

من هنا ، لا ينبغي أن نتوقع استطاعة البشر إدراك جميع أبعاد القرآن ، فالكوز لا يسع البحر.

طبعا ، ممّا لا شكّ فيه أنّنا نستطيع أن نغرف من هذا البحر الكبير الكبير جدا... بقدر سعة آنية فكرنا ، ومن هنا كان على العلماء فرض أن لا يتوانوا في كلّ عصر وزمان عن كشف مزيد من حقائق القرآن الكريم ، وأن يبذلوا جهودهم المخلصة في هذا المجال ما استطاعوا ، عليهم أن يستفيدوا ممّا خلّفه الأسلاف رضوان الله عليهم في هذا المجال، ولكن لا يجوز لهم أن يكتفوا به ، فرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال عن كتاب الله العزيز : «لا تحصى عجائبه ، ولا تبلى غرائبه».

خطر التّفسير بالرأي :

أخطر طريقة في تفسير القرآن هي أن يأتي المفسّر إلى كتاب الله العزيز معلّما لا تلميذا.

أي يأتي إليه ليفرض أفكاره على القرآن ، وليعرض رؤاه وتصوراته المتولّدة من إفرازات البيئة والتخصّص العلمي ، والاتّجاه المذهبيّ الخاص ،

٧

والذّوق الشّخصي ، باسم القرآن ، وبشكل تفسير للقرآن ، مثل هذا الشخص لا يتّخذ القرآن هاديا وإماما ، بل يتّخذه وسيلة لإثبات نظرياته وتبرير ذوقه وأفكاره.

هذا اللون من تفسير القرآن ـ أو قل تفسير الأفكار الشخصية بالقرآن ـ راج بين جماعة، وليس وراءه إلّا الانحراف الانحراف عن طريق الله والانزلاق في متاهات الضّلال.

إنّه ليس بتفسير ، وإنّما هو قسر وفرض وتحميل ليس باستفتاء ، وإنّما إفتاء...ليس بهداية ، وإنّما هو الضلال إنّه مسخ وتفسير بالرأي ، ونحن في منهجنا التّفسيري سوف لا ننحو ـ بإذن الله ـ هذا النحو ، بل نتّجه بكلّ قلوبنا وأفكارنا نحو القرآن لنتتلمذ عليه ، لا غير.

* * *

متطلّبات العصر :

لكلّ عصر خصائصه وضروراته ومتطلّباته ، وهي تنطلق من الأوضاع الاجتماعية والمتغيّرات الفكرية والمستجدّات الثقافية الطارئة على مفاصل الحياة في ذلك العصر.

ولكلّ عصر مشاكله وملابساته الناتجة عن تغيير المجتمعات والثقافات ، وهو تغيير لا ينفك عن مسيرة المجتمع التأريخية.

المفكّر الفاعل في الحياة الاجتماعية هو ذلك الذي فهم الضرورات والمتطلّبات ، وأدرك المشاكل والملابسات وبعبارة اخرى هو الذي استوعب مسائل عصره.

أمّا أولئك الّذين لا يدركون هذه المسائل إطلاقا ، أو لا يتفاعلون معها بسبب عدم انتمائهم إلى عصرهم ، أي بسبب فقدانهم عنصر «المعاصرة» ، فهم الهامشيّون

٨

الذين لا يقدرون على التأثير ولا على المعالجة ، بل يقفون دوما متأسّفين ومتحسّرين وشاكين ومنتقدين ، ويزداد تشاؤمهم ويأسهم باستمرار حتى يقعوا في طامّة «الانزواء الاجتماعي».

ذلك لأنّهم ما استطاعوا أو ما أرادوا أن يستوعبوا احتياجات عصرهم ومشاكله.

هؤلاء يعيشون في ظلام مطبق ، وبسبب عدم تفهّمهم لأسباب الحوادث وعللها ونتائجها ، يفقدون أنفسهم أمام هجوم هذه الحوادث ويرتبكون ويخافون ويظلّون دون خطّة للمواجهة والدفاع ، وبما أنّ مسيرتهم في الظلام فسوف تزلّ قدمهم في كلّ خطوة ، وما أجمل ما قاله الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام : «العالم بزمانه لا تهجم عليه اللّوابس».

رسالة العلماء في كلّ عصر أن يدركوا بوعي كامل هذه المسائل هذه الاحتياجات، وهذا الفراغ الروحي والفكري والاجتماعي ، وأن يسعوا لمعالجتها بشكل صحيح كي لايفسحوا المجال للأطروحات المنحرفة أن تخترق الساحة وتملأ الفراغ وتقدّم الحلول الكاذبة.

من المسائل التي تلمّسناها بوضوح عطش الجيل الراهن لدرك المفاهيم الإسلاميّة والمسائل الدينيّة ـ وخلافا لما يردّده اليائسون والمتشائمون ـ إنّ هذا الجيل لا يتوق إلى الفهم فحسب ، بل يتلهف إلى التطبيق العملي لهذه المفاهيم والمسائل ، ولمس المعطيات الدّينيّة من خلال العمل بها.

من الواضح أنّ أمام هذا الجيل التوّاق مسائل غامضة ونقاط إبهام ومواضع استفهام كثيرة ، والخطوة الاولى لتلبية هذه الحاجات إعادة كتابة التراث العلمي والفكري الإسلامي بلغة العصر ، وتقديم كلّ هذه المفاهيم السامية عن طريق هذه اللغة إلى روح الجيل وعقله.

والخطوة الاخرى استنباط الاحتياجات والمتطلّبات الخاصة بهذا الزمان

٩

من مبادئ الإسلام العامّة.

وهذا التّفسير دوّن على أساس هذين الهدفين.

* * *

الأمثل بين التفاسير :

واجهنا دوما أسئلة وردت إلينا من مختلف الفئات وخاصّة الشباب المتعطّش إلى نبع القرآن عن التّفسير الأفضل.

هذه الأسئلة تنطوي ضمنيا على بحث عن تفسير يبيّن عظمة القرآن عن تحقيق لا تقليد ، ويجيب على ما في الساحة من احتياجات وتطلّعات وآلام وآمال تفسير نافع لكلّ الفئات ، ويخلو من المصطلحات العلميّة المعقّدة.

في الواقع نحن نفتقر إلى مثل هذا التّفسير ، فالأسلاف والمعاصرون رضوان الله عليهم كتبوا في حقل التّفسير كثيرا ، لكنّ بعضها كتب قبل عدّة قرون وبأسلوب خاصّ لا يستفيد منه إلّا العلماء والأدباء ، وبعضها مدوّن بمستوى علمي لا يدركه سوى الخواصّ ، وبعضها تناول جانبا معيّنا من القرآن ، وكأنّها باقة ورد اقتطفت من بستان مزدان ، فهي قبس من هذا البستان ، وليست البستان وهكذا.

من هنا لم نجد أمام هذه الأسئلة المتدفّقة علينا جوابا مقنعا يرضي هذه الأرواح المتعطّشة التّواقة. فآلينا على أنفسنا أن نجيب على هذا السؤال عمليّا ، فالكلام لا يرضي السائلين.

لكنّنا وجدنا أنفسنا في خضمّ الأشغال المتزايدة من جهة ، وأمام القرآن البحر الذي لا ساحل له من جهة اخرى ، فأنّى لنا أن نخوض عبابه دون عدّة ووقت واستعداد فكري ، لذلك وقفنا على ضفاف هذا البحر الموّاج ننظر إليه بحسرة.

١٠

وفجأة هدانا الله إلى الطريق الحلّ ، وانقدحت في الذهن فكرة العمل الجماعي ، فكان أن اجتمع معنا على الطريق عشرة من الفضلاء المخلصين الواعين كانوا حقّا مصداق «عشرة كاملة» فبذلت المساعي الدائبة ليلا ونهارا لتثمر خلال مدّة أقصر ممّا توقّعناها هذا الذي يراه القارئ الكريم.

* * *

ولكي لا تبقى نقطة غموض أمام القارئ الكريم نشرح باختصار منهج عملنا في هذا التّفسير.

قسّمت الآيات الكريمة أوّلا في الفروع المختلفة بين الاخوة وبتوجيه موحّد ، ودرسوا المصادر المختلفة في التّفسير لكبار المفسّرين من علماء الشيعة وأهل السنّة ، مثل :

1 ـ مجمع البيان للشيخ الطبرسي. 2 ـ أنوار التنزيل للقاضي البيضاوي.

3 ـ الدرّ المنثور لجلال الدين السيوطي. 4 ـ البرهان للمحدّث البحراني.

5 ـ الميزان للعلّامة الطباطبائي. 6 ـ المنار ، تقرير دروس للشيخ محمّد عبده.

7 ـ في ضلال القرآن للأستاذ سيد قطب. 8 ـ المراغي لأحمد مصطفى المراغي.

9 ـ مفاتيح الغيب للفخر الرازي. 10 ـ روح الجنان لأبي الفتوح الرازي.

11 ـ أسباب النّزول للواحدي. 12 ـ تفسير القرطبي لمحمّد بن أحمد الأنصاري القرطبي. 13 ـ روح المعاني للعلّامة شهاب الدين الآلوسي.

14 ـ نور الثقلين لعبد علي بن جمعة الحويزي. 15 ـ الصافي للملّا محسن الفيض الكاشاني. 16 ـ التبيان للشيخ الطوسي. وتفاسير اخرى

ثمّ جمعنا من المفاهيم ما يتناسب مع متطلّبات عصرنا واحتياجاته ، وفي الجلسات العامّة التي عقدناها يوميّا أضفنا إلى كلّ ذلك المستجدات الضرورية من المعارف القرآنية ، وبعد دراسات ومشاورات حول المباحث المختلفة ، ومراجعة المصادر المتنوعة ، أمليت تلك البحوث ودوّنها الاخوان بسرعة ، ثمّ

١١

راجعنا الكتابات ودقّقنا فيها بصبر وسعة صدر ، وأعددناها للطبع ، وبعد الطبع أيضا ـ وقبل مرحلة النشر ـ أعيد النظر فيها مرة اخرى.

وكانت نتيجة هذه الجهود ما يراه القارئ العزيز ، ونرجو أن يكون بإذن الله نافعا مفيدا للجميع.

* * *

خصائص هذا التّفسير :

لكي يرد القرّاء الأعزّاء إلى هذا التّفسير برؤية أوضح ، وليجدوا فيه ما يريدونه بشكل أيسر ، نذكر باختصار خصائص هذا التّفسير ومزاياه :

1 ـ لمّا كان القرآن «كتاب حياة» فإنّا لم نركّز ـ في التّفسير ـ على المسائل الأدبية والعرفانيّة ، بل بدلا من ذلك عالجنا المسائل الحيوية ـ الماديّة والمعنويّة ـ وخاصّة المسائل الاجتماعيّة ، وسعينا إلى إشباعها بحثا وتحليلا ، وخاصّة ما يرتبط من قريب بحياة الفرد والمجتمع.

2 ـ في ذيل كلّ آية تناولنا تحت عنوان «بحوث» المسائل المطروحة في الآية بشكل مستقل ، كالربا ، والرّق ، وحقوق المرأة ، وفلسفة الحج ، وأسرار تحريم القمار ، والخمر ، ولحم الخنزير ، ومسائل الجهاد الإسلامي ، وأمثالها من الموضوعات ، كي يستغني القارئ عن مراجعة الكتب الاخرى في هذه المجالات.

3 ـ عزفنا عن تناول البحوث ذات الفائدة القليلة ، وأعطينا الأهميّة لمعاني الكلمات وأسباب النّزول ممّا له تأثير في الفهم الدقيق لمعنى الآية.

4 ـ عرضنا التساؤلات والشبهات والاعتراضات المطروحة حول أصول الإسلام وفروعه بمناسبة كلّ آية ، وذكرنا الجواب عليها باختصار ، مثل شبهة الآكل والمأكول ، والمعراج ، وتعدّد الزوجات ، وسبب الاختلاف بين إرث المرأة والرجل ، ودية المرأة والرجل ، والحروف المقطّعة في القرآن ، ونسخ الأحكام ، والغزوات الإسلاميّة ، والاختبارات الإلهيّة ، وعشرات المسائل الاخرى ، كي لا

١٢

تبقى أيّة علامة استفهام عند مطالعة تفسير الآيات.

5 ـ أعرضنا عن استعمال المصطلحات العلمية المعقّدة التي تجعل الكتاب خاصّا بفئة خاصّة من القرّاء ، ولدي الضرورة تناولنا ذلك في هامش الكتاب من أجل استفادة المتخصّصين.

نسأل الله سبحانه أن يأخذ بأيدينا لما فيه رضاه ، ويوفّق كلّ العالمين لخدمة كتابه العظيم.

* * *

الصّحوة الإسلامية المعاصرة وزيادة الحاجة إلى تفسير القرآن :

تشهد أمتنا الإسلاميّة خلال هذه الأعوام صحوة إسلاميّة عامّة ، تتمثل في رفض كلّ المستوردات الفكريّة ، والعودة إلى الإسلام ، لإقامة حياتها على أساس أحكام الرسالة الخاتمة.

هذه الصّحوة تعود إلى فشل كلّ الأطروحات الوضعية الكافرة في تحقيق ما لوّحت به من تقدّميّة وتحرّر وسعادة كما تعود أيضا إلى العواطف الإسلاميّة المتوغّلة في أعماق أبناء الامّة.

ويتحمّل العلماء الواعون في هذه المرحلة الحسّاسة مسئوليّات كبرى تفرض عليهم أن يعمّقوا هذا التحرك الواعي بين صفوف الامّة ويجذّروه ويؤصّلوه ، كي تكون المسيرة على بصيرة في حركتها وعلى يقظة في اتّخاذ قراراتها ، وعلى ثقة من أنّها تسلك الطريق نحو أهدافها الإسلاميّة الكبرى دون زيغ أو انحراف أو التقاط.

وكتاب الله هدى ونور ، وفيه الإطار العامّ للمسيرة ، وفيه الزاد اللازم لمواصلة الطريق المستقيم نحو ربّ العالمين.

وأخيرا نشكر جهود العلماء والفضلاء الذين شاركونا في تأليف هذا التفسير الجليل :

1 ـ الشيخ محمّد رضا الآشتياني.

2 ـ الشيخ محمّد جعفر الإمامي.

3 ـ الشيخ داود الإلهامي.

١٣

4 ـ الشيخ أسد الله الإيماني 5 ـ الشيخ عبد الرسول الحسني.

6 ـ السيد حسن الشجاعي.

7 ـ السيد نور الله الطباطبائي.

8 ـ الشيخ محمود عبد اللهي.

9 ـ الشيخ محسن القرائتي.

10 ـ الشيخ محمّد محمّدي الإشتهاردي

وكذلك نشكر الإخوة الأفاضل الأستاذ محمد على آذرشب ، الشّيخ محمد رضا آل صادق ، الأستاذ خالد توفيق عيسى ، السيّد محمّد الهاشمي ، الأستاذ قصي هاشم فاخر ، الأستاذ أسد مولوي ، الشيخ مهدي الأنصاري والسيّد أحمد القبانچي والشّيخ هاشم الصالحي بمساهمتهم في تنقيح وإخراج هذا السفر الجليل وداموا مشكورين.

نسأل الله سبحانه أن نكون بهذا التّفسير قد ساهمنا في إعلان كلمة القرآن بشأن واقعنا ، وبشأن مستقبلنا ، وبشأن ما يجب أن نفعله للخروج من الواقع المؤلم الذي تعيش فيه أمتنا.

ونسأله سبحانه أنّ يوفّق كلّ العالمين على إعلاء راية القرآن في العالم ويسدّد خطاهم وينصرهم على أعدائهم.

نسأله جلّ وعلا أن يوفّق العلماء والمفكّرين الواعين الملتزمين إلى قيادة هذا التحرك الإسلامي المتصاعد في كلّ أرجاء العالم الإسلامي ، قيادة أصيلة قائمة على هدى القرآن والسنة.

ونتضرّع إليه أن يوفّقنا لإكمال بقيّة أجزاء هذا التّفسير وأن يتقبّل من كلّ العاملين عليه في أي سبيل إنّه تعالى سميع مجيب.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

ناصر مكارم الشيرازي

قم ـ الحوزة العلمية 1404 ه

١٤

سورة الحمد

مكّيّة

وعدد آياتها سبع آيات

١٥
١٦

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الحمد

خصائصها :

لهذه السّورة مكانة متميّزة بين سائر سور القرآن الكريم ، وتتميز بالخصائص التالية:

1 ـ سياق السّورة ـ تختلف سورة الحمد عن سائر سور القرآن في لحنها وسياقها، فسياق السور الاخرى يعبّر عن كلام الله ، وسياق هذه السّورة يعبّر عن كلام عباد الله. وبعبارة اخرى : شاء الله في هذه السّورة أن يعلّم عباده طريقة خطابهم له ومناجاتهم إيّاه.

تبدأ هذه السّورة بحمد الله والثناء عليه ، وتستمر في إقرار الإيمان بالمبدأ والمعاد «بالله ويوم القيامة» وتنتهي بالتضرع والطلب.

الإنسان الواعي المتيقّظ يحسّ وهو يقرأ هذه السّورة بأنّه يعرج على أجنحة الملائكة ، ويسمو في عالم الروح والمعنوية ، ويدنو باستمرار من ربّ العالمين.

هذه السّورة تعبّر عن اتجاه الإسلام في رفض الوسطاء بين الله والإنسان ...هؤلاء الوسطاء الذين افتعلتهم المذاهب الزائفة المنحرفة ، وتعلّم البشر أن يرتبطوا بالله مباشرة دونما واسطة ، فهذه السّورة عبارة عن تبلور هذا الارتباط المباشر والوثيق بين الله والإنسان...بين الخالق والمخلوق. فالإنسان لا يرى في مضامين آيات السّورة سوى الله... يخاطبه... يناجيه... يتضرّع إليه دونما واسطة حتى وإن كانت الواسطة نبيّا مرسلا أو ملكا مقرّبا. ومن العجيب أن يحتلّ

١٧

هذا الارتباط المستقيم بين الخالق والمخلوق مكان الصدارة في كتاب الله العزيز!.

* * *

2 ـ سورة الحمد أساس القرآن ـ فقد روي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال لجابر بن عبد الله الأنصاري : «ألا أعلّمك أفضل سورة أنزلها الله في كتابه؟» قال جابر : بلى بأبي أنت وأمّي يا رسول الله ، علّمنيها. فعلّمه الحمد أمّ الكتاب ، وقال : هي شفاء من كلّ داء، إلّا السّام ، والسّام الموت»(1) .

وروي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا أنّه قال : «والّذي نفسي بيده ما أنزل الله في التّوراة ، ولا في الإنجيل ولا في الزّبور ولا في القرآن مثلها ، وهي أمّ الكتاب»(2) .

سبب أهمية هذه السّورة يتضح من محتواها ، فهي في الحقيقة عرض لكل محتويات القرآن ، جانب منها يختصّ بالتوحيد وصفات الله ، وجانب آخر بالمعاد ويوم القيامة ، وقسم منها يتحدّث عن الهداية والضلال باعتبارهما علامة التمييز بين المؤمن والكافر وفيها أيضا إشارات إلى حاكمية الله المطلقة ، وإلى مقام ربوبيّته ، ونعمه اللامتناهية العامة والخاصة «الرحمانية والرحيمية» ، وإلى مسألة العبادة والعبودية واختصاصهما بذات الله دون سواه.

إنّها تتضمّن في الواقع توحيد الذات ، وتوحيد الصفات ، وتوحيد الأفعال ، وتوحيد العبادة.

وبعبارة اخرى : تتضمّن هذه السّورة مراحل الإيمان الثلاث : الاعتقاد بالقلب ، والإقرار باللسان ، والعمل بالأركان. ومن المعلوم أنّ لفظ «الأمّ» يعني هنا الأساس والجذر.

ولعل ابن عباس ينطلق من هذا الفهم إذ يقول :

__________________

(1 ، 2) ـ مجمع البيان ، ونور الثقلين ، مقدمة سورة الحمد.

١٨

«إن لكل شيء أساسا وأساس القرآن الفاتحة».

ومن هذا المنطلق أيضا قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما روي عنه : «أيّما مسلم قرأ فاتحة الكتاب أعطي من الأجر كأنّما قرأ ثلثي القرآن ، وأعطي من الأجر كأنّما تصدّق على كلّ مؤمن ومؤمنة»(1) .

تعبير «ثلثي القرآن» ، ربّما كان إشارة إلى أنّ القرآن ينطوي على ثلاثة أقسام: الدّعوة إلى الله ، والإخبار بيوم الحساب ، والفرائض والأحكام. وسورة الحمد تتضمن القسمين الأوّلين. وتعبير «أمّ القرآن» إشارة إلى القرآن يتلخّص من وجهة نظر اخرى في (الإيمان والعمل) وقد جمعا في سورة الحمد.

* * *

3 ـ سورة الحمد شرف النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ القرآن الكريم يتحدّث عن سورة الحمد باعتبارها هبة إلهية لرسوله الكريم ، ويقرنها بكل القرآن إذ يقول :( وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ) (2) .

فالقرآن بعظمته يقف هنا إلى جنب سورة الحمد ، ولأهمية هذه السّورة أيضا أنّها نزلت مرّتين.

نفس هذا المضمون رواه أمير المؤمنين عليعليه‌السلام عن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إنّ الله تعالى قال لي يا محمّد ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم ، فأفرد الامتنان عليّ بفاتحة الكتاب وجعلها بإزاء القرآن العظيم ، وإنّ فاتحة الكتاب أشرف ما في كنوز العرش...»(3) .

* * *

__________________

(1) مجمع البيان ، بداية سورة الحمد.

(2) سيأتي تفسير «سبعا من المثاني» في ذيل الآية المذكورة. انظر : المجلد الثامن من هذا التّفسير ، ذيل الآية 87 من سورة «الحجر».

(3) تفسير البرهان ، ج 1 ، ص 26 ، نقلا عن تفسير البيان.

١٩

4 ـ التّأكيد على تلاوة هذه السّورة ـ ممّا تقدم نفهم سبب تأكيد السّنة بمصادرها الشيعية والسنّية على تلاوة هذه السّورة ـ فتلاوتها تبعث الروح والإيمان والصفاء في النفوس،وتقرّب العبد من الله ، وتقوّي إرادته ، وتزيد اندفاعه نحو تقديم المزيد من العطاء في سبيل الله ، وتبعده عن ارتكاب الذنوب والانحرافات. ولذلك كانت أمّ الكتاب صاعقة على رأس إبليس كما ورد عن الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام : «رنّ إبليس أربع رنّات،أوّلهنّ يوم لعن ، وحين أهبط إلى الأرض ، وحين بعث محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله على حين فترة من الرّسل،وحين نزلت أمّ الكتاب»(1) .

محتوى السّورة :

كلّ واحدة من الآيات السبع في هذه السّورة تشير إلى حقيقة هامّة :( بِسْمِ اللهِ ) ...بداية لكلّ عمل ، وتعلّمنا الاستمداد من الباري تعالى لدى البدء بأي عمل.

( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) درس في عودة كلّ نعمة ورعاية إلى الله تعالى ، وإلفات إلى حقيقة انطلاق كلّ هذه المواهب من ذات الله تعالى.

( الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) تبيّن هذه الحقيقة ، وهي : إنّ خلق الله ورعايته وحاكميته تقوم على أساس الرّحمة والرّحمانية ، وهذا المبدأ يشكّل المحور الأساس لنظام رعاية العالم.

( مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) استحضار للمعاد ويوم الجزاء ، ولحاكمية الله على تلك

__________________

(1) نور الثقلين ، ج 1 ، ص 4.

٢٠