الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٣

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل8%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 710

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 710 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 173314 / تحميل: 6081
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

الإسلام ، ودفاعهما عن شريعة جدّهماصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما قاما به من إصلاح في الأمة الإسلامية ، ووقوفهما سداً منيعاً أمام كل المحاولات التي تستهدف النيل من الرسالة الإسلامية ؛ لما يحملانه من خصائص ، ومميّزات ، وقد تواترت الروايات في علو شأنهما وسمو مقامهما ، كل ذلك جعل لهما الدور الفاعل في التأثير البالغ في المسلمين ، سواء على الصعيد الفكري أم الاجتماعي أم غيرهما ، كل ذلك في زمن أصبحت الحياة الإسلامية فيه مسرحاً للخلافات ، والجرائم والآثام ، وأصبحت فيه الحكومة ملكاً عضوضاً يتوارثه بنو أمية فيما بينهم بالقهر والغلبة ، وقد انبرى الإمام الحسن والإمام الحسينعليهما‌السلام في ذلك الحين لمعالجة الواقع المرير ، وقد جاء في مجامع أحاديث السنّة أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في حق ابنه الحسنعليه‌السلام : ( إنّ ابني هذا سيّد ولعلّ الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين )(١) ، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حق ابنه الحسينعليه‌السلام :( حسين منّي وأنا منه أحبّ الله مَن أحبّه ، الحسن والحسين سبطان من الأسباط ) (٢)

ولذا قام الإمام الحسينعليه‌السلام ثائراً على الظلم آمراً بالمعروف ، ناهياً عن المنكر ، مضحّياً بنفسه وأهل بيته في سبيل إعلاء كلمة الحق ، طالباً

ـــــــــــــ

(١) صحيح البخاري : ج ٢ ص ١٧٩ ح ٢٧٠٤ ؛ الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ٢٩١ ، وغيرها من المصادر الكثيرة جداً من الفريقين .

(٢) التاريخ الكبير ، البخاري : ج ٨ ص ٤١٥ ح ٣٥٣٦ ؛ البداية والنهاية ، ابن كثير : ج ٨ ص ٢٢٤ ؛ المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٣ ص ٣٢ ح ٢٥٨٦ ، ج ٢٢ ص ٢٧٤ ؛ الجامع الصغير ، السيوطي : ج ١ ص ٥٧٥ ح ٣٧٢٧ ؛ فيض القدير في شرح الجامع الصغير ، المناوي : ج ٣ ص ٥١٣ ؛ وفي صحيح الجامع الصغير ، الألباني : ج ١ ص ٦٠١ ـ ٦٠٢ ح ٣١٤٦ ، قال عن الحديث بأنّه ، (حسن) ، وغيرها من المصادر الكثيرة .

٢١

الإصلاح في أمة جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندما لاحظ الممارسات البعيدة عن روح الدين والأخلاق من قِبَل الحكومة آنذاك ، حينما اتخذت الإسلام ستاراً لتغطية جرائمها وممارساتها المتهتّكة ؛ ولذا قالعليه‌السلام عندما خرج متوجّهاً إلى الكوفة :( إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنّما خرجت أطلب الإصلاح في أمة جدي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ) (١) .

وقد قال الذهبي في مدحهما وبيان موقعهما القيادي في الأمةعليهما‌السلام : ( فمولانا الإمام علي من الخلفاء الراشدين ، وابناه الحسن والحسين : فسبطا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيّدا شباب أهل الجنة ، لو استخلفا لكانا أهلاً لذلك )(٢)

ولا نطيل الحديث في ذلك بعد أن ثبت أنّهماعليهما‌السلام إمامان قاماً أو قعداً(٣) .

الإمام زين العابدينعليه‌السلام :

قال في حقّه محمد بن إدريس الشافعي : ( هو أفقه أهل المدينة )(٤) .

وقال محمد بن أحمد الذهبي ( ت ٧٤٨ ) : ( كان له جلالة عجيبة ، وحق له والله ذلك ، فقد كان أهلاً للإمامة العظمى لشرفه ، وسؤدده وعلمه وتألّهه وكمال عقله )(٥) . وقال أيضاً : ( وزين العابدين : كبير القدر ، من سادة

ـــــــــــــ

(١) مقتل الحسين : الخوارزمي : ص ٢٧٣ ؛ الفتوح ، ابن أعثم الكوفي : ج ٥ ص ٣٤.

(٢) سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ١٣ ص ١٢٠ .

(٣) شرح إحقاق الحق ، السيد المرعشي : ج ١٩ ص ٢١٦ ؛ نقلاً عن أهل البيت ، الأستاذ توفيق أبو علم : ص ١٩٥ ، طبعة مطبعة السعادة ـ القاهرة .

(٤) نقله الجاحظ في رسائله : ص ١٠٦ .

(٥) سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ٤ ص ٣٩٨ .

٢٢

العلماء العاملين يصلح للإمامة )(١) .

وقال ابن حجر العسقلاني : ( علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام الهاشمي زين العابدين ، ثقة ، ثبت ، عابد ، فقيه ، فاضل ، مشهور ، قال ابن عيينة عن الزهري : ما رأيت قرشياً أفضل منه )(٢) .

وقال ابن حجر في الصواعق : ( وأخرج أبو نعيم والسلفي لمّا حجّ هشام بن عبد الملك في حياة أبيه أو الوليد لم يمكنه أن يصل للحجر من الزحام ، فنُصب له منبر إلى جانب زمزم ، وجلس ينظر إلى الناس ، وحوله جماعة من أعيان أهل الشام ، فبينا هو كذلك إذ أقبل زين العابدين ، فلمّا انتهى إلى الحجر تنحّى له الناس حتى استلم ، فقال أهل الشام لهشام ، مَن هذا ؟ قال : لا أعرفه ؛ مخافة أن يرغب أهل الشام في زين العابدين ، فقال الفرزدق : أنا أعرفه ، ثم أنشد :

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته

والبيت يعرفه والحلّ والحرمُ

هذا ابن خير عباد الله كلّهمُ

هذا التقي النقي الطاهر العلمُ

إذا رأته قريشٌ قال قائلها

إلى مكارم هذا ينتهي الكرمُ

ينمي إلى ذروة العِزّ التي قصرت

عن نيلها عرب الإسلام والعجمُ

ـــــــــــــ

(١) سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ١٣ ص ١٢٠ .

(٢) تقريب التهذيب ، ابن حجر : ج ١ ص ٦٩٢ .

٢٣

وكذا من أبيات تلك القصيدة :

هذا ابن فاطمةٍ إن كنت جاهله

بجدّه أنبياءُ الله قد خُتموا

فليس قولك من هذا بضائره

العرب تعرف مَن أنكرت والعجمُ

ثم قال :

من معشرٍ حبّهم دين وبغضهم

كفرٌ وقربهم منجى ومعتصمُ

لا يستطيع جواد بعد غايتهم

ولا يدانيهم قومٌ وإن كرموا

فلمّا سمع هشام غضب ، وحبس الفرزدق بعسفان )(١) .

الإمام الباقرعليه‌السلام :

قال في حقّه أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ : ( وهو سيّد فقهاء الحجاز ، ومنه ومن ابنه جعفر تعلّم الناس الفقه ، وهو الملقّب بالباقر ، باقر العلم ، لقبّه به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يخلق بعد ، وبشّر به ووعد جابر بن عبد

ـــــــــــــ

(١) الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ٣٠٣ ـ ٣٠٤ .

٢٤

الله برؤيته ، وقال : ستراه طفلاً ، فإذا رأيته فبلّغه عنّي السلام ، فعاش جابر حتى رآه ، وقال له ما وصّى )(١) .

وقال الحافظ أبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء : ( ومنهم الحاضر الذاكر الخاشع الصابر أبو جعفر محمد بن علي الباقر ، كان من سلالة النبوّة ، وممّن جمع حسب الدين والأبوّة ، تكلّم في العوارض والخطرات ، وسفح الدموع والعبرات ، ونهى عن المراء والخصومات )(٢) .

وقال سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص : ( قال عطاء : ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علماً منهم عند أبي جعفر ، لقد رأيت الحكم عنده كأنّه مغلوب ، يعني بالحكم الحكم بن عيينة ، وكان عالماً نبيلاً جليلاً في زمانه )(٣) .

وقال النووي في تهذيب الأسماء واللغات : ( سمّي بذلك ؛ لأنّه بقر العلم أي شقّه وعرف أصله وعرف خفيّه وهو تابعي جليل ، إمام بارع ، مجمع على جلالته ، معدود في فقهاء المدينة وأئمّتهم )(٤) .

وقال ابن خلكان : ( كان الباقر علماً ، سيّداً ، كبيراً ، وإنّما قيل له الباقر

ـــــــــــــ

(١) رسائل الجاحظ : ص ١٠٨ ؛ جمعها ونشرها حسن السندوبي .

(٢) حلية الأولياء ، أبو فرج الأصفهاني : ج ٣ ص ١٨٠ ، وكذا بألفاظ مختلفة في البداية والنهاية ، ابن كثير : ج ٩ ص ٣٣٩ .

(٣) تذكرة الخواص ، الذهبي : ص ٣٠٢ .

(٤) تهذيب الأسماء واللغات : ج ١ ص ١٠٣ .

٢٥

لأنّه تبقر في العلم )(١) .

وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء : ( أبو جعفر الباقر : سيّد ، إمام ، فقيه ، يصلح للخلافة )(٢) ، وفي هذا المضمون ما قاله صلاح الدين الصفدي(٣) .

وقال محمد بن المنكدر : ( ما رأيت أحداً يفضّل على علي بن الحسين ، حتى رأيت ابنه محمداً ، أردت يوماً أن أعظه فوعظني )(٤) .

وقال ابن كثير في البداية والنهاية : ( وهو تابعي جليل ، كبير القدر كثيراً ، أحد أعلام هذه الأُمّة ، علماً وعملاً ، وسيادة وشرفاً )(٥) .

وقال الهيتمي في صواعقه بعد أن ذكر علي بن الحسينعليهما‌السلام ما نصّه : ( وارثه منهم ، عبادة وعلماً وزهادة ، أبو جعفر محمد الباقر سمّي بذلك : من بقر الأرض ، أي شقّها فلذلك هو أظهر من مخبآت كنوز المعارف ، وحقائق الأحكام والحكم واللطائف ، ما لا يخفى إلاّ على منطمس البصيرة ، أو فاسد الطويّة والسريرة ، ومن ثَمّ قيل فيه : هو باقر العلم ، وجامعه ، وشاهر علمه ، ورافعه صفا قلبه وزكى علمه وعمله ، وطهرت نفسه ، وشرف خلقه وعمرت أوقاته بطاعة الله ، وله من الرسوم في مقامات العارفين ما تكل عنه ألسنة الواصفين ، وله كلمات كثيرة في السلوك والمعارف لا تحملها هذه العجالة ، وكفاه شرفاً أنّ ابن المديني روى عن جابر أنّه قال له وهو صغير : رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسلّم عليك ، فقيل له وكيف

ـــــــــــــ

(١) وفيات الأعيان ، ابن خلكان : ج ٤ ص ٣٠ .

(٢) سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ١٣ ص ١٢٠ .

(٣) الوافي بالوفيات ، صلاح الدين الصفدي : ج ٤ ص ١٠٤ .

(٤) نقلاً عن تهذيب التهذيب : ج ٩ ص ٣١٣ .

(٥) البداية والنهاية ، ابن كثير : ج ٩ ص ٣٣٨ .

٢٦

ذاك ؟ قال : كنت جالساً عنده والحسين في حجره وهو يداعبه ، فقال :يا جابر ، يولد له مولود اسمه علي ، إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ ليقم سيّد العابدين فيقوم ولده ، ثم يولد له ولد اسمه محمد ، فإن أدركته يا جابر فأقرئه منّي السلام ) (١) .

وقال أبو الحنبلي : ( قال عبد الله بن عطاء : ما رأيت العلماء عند أحد أصغر منهم علماً عنده ، وله كلام نافع في الحكم والمواعظ )(٢) .

وقال محمد بن علي الصبان في إسعاف الراغبين : ( وأما محمد الباقررضي‌الله‌عنه فهو صاحب المعارف وأخو الدقائق واللطائف ، ظهرت كراماته وكثرت في السلوك إشاراته ، لقب بالباقر لأنّه بقر العلم ، أي شقّه وعرف أصله وخفيّه )(٣) .

الإمام الصادقعليه‌السلام :

نقل عن أبي حنيفة أنّه قال : ( ما رأيت أحداً أفقه من جعفر بن محمد لمّا أقدمه المنصور الحيرة بعث إليّ ، فقال : يا أبا حنيفة ، إنّ الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد فهيّئ له من مسائلك الصعاب ، قال : فهيّأت له أربعين مسألة ، ثم بعث إليّ أبو جعفر فأتيته بالحيرة ، فدخلت عليه وجعفر جالس عن يمينه ، فلمّا بصرت بهما دخلني لجعفر من الهيبة ما لم يدخل لأبي جعفر ، فسلّمت وأذن لي ، فجلست ، ثم ألتفت إلى جعفر ، فقال : يا أبا عبد

ـــــــــــــ

(١) الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ٣٠٤ ـ ٣٠٥ .

(٢) شذرات الذهب في أخبار مَن ذهب : ج ١ ص ٢٦٠ .

(٣) إسعاف الراغبين : ص ٢٥٠ .

٢٧

الله ، تعرف هذا ؟ قال : نعم ، هذا أبو حنيفة ، ثم أتبعها : قد أتانا ، ثم قال : يا أبا حنيفة ، هات من مسائلك نسأل أبا عبد الله ، وابتدأت أسأله ، وكان يقول في المسألة : أنتم تقولون فيها : كذا وكذا ، وأهل المدينة يقولون : كذا وكذا ، ونحن نقول : كذا وكذا ، فربّما تابعنا ، وربّما تابع أهل المدينة ، وربّما خالفنا جميعاً ، حتى أتيت على أربعين مسألة ثم قال أبو حنيفة : أليس قد روينا أنّ أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس )(١) .

وقال في مختصر التحفة الاثني عشرية : ( لو لا السنتان لهلك النعمان )(٢) ، يعني السنتين اللتين نهل فيهما أبو حنيفة من بحر علم الإمام الصادقعليه‌السلام .

وقال الحافظ شمس الدين الجزري : ( وثبت عندنا أنّ كلاً من الإمام مالك ، وأبي حنيفة (رحمهما الله تعالى) صحب الإمام أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام حتى قال أبو حنيفة : ما رأيت أفقه منه ، وقد دخلني منه من الهيبة ما لم يدخلني للمنصور )(٣) .

وقال الجاحظ بعد مدح عشرة من أهل البيتعليهم‌السلام ، ومن ضمنهم الإمام الصادقعليه‌السلام فقال : ( ومن الذي يُعد من قريش ، أو من غيرهم ما يعدّه الطالبيون عشرة في نسق ، كل واحد منهم عالم زاهد ناسك شجاع جواد طاهر زاك فمنهم خلفاء وهذا لم يتفق لبيت من بيوت العرب ولا بيوت العجم )(٤) .

ـــــــــــــ

(١) تهذيب الكمال ، المزي : ج ٥ ص ٧٩ ؛ نشر مؤسسة الرسالة .

(٢) نقلاً عن أسنى المطالب عمّا في مناقب سيّدنا علي بن أبي طالب : ص ٥٥ .

(٣) المصدر نفسه : ص ٥٥ .

(٤) رسائل الجاحظ : ص ١٠٦ .

٢٨

وقال الذهبي في ترجمة مطوّلة للإمام الصادقعليه‌السلام في كتابه تاريخ الإسلام ، قال في آخرها : ( مناقب جعفر كثيرة ، وكان يصلح للخلافة ، لسؤدده وفضله وعمله وشرفه (رضوان الله عليه) )(١) .

وقال أبو عبد الله سلمان اليافعي في كتابه مرآة الجنان ، في أحداث سنة (٤٨ هـ) : ( الإمام السيد الجليل سلالة النبوّة ومعدن الفتوّة أبو عبد الله جعفر الصادقعليه‌السلام ، ودُفن بالبقيع في قبر فيه أبوه محمد الباقر وجدّه زين العابدين وعمّ جده الحسن بن علي (رضوان الله عليهم أجمعين) ، وأكرم بذلك القبر وما جمع من الأشراف الكرام أُولي المناقب ، وإنّما لقّب بالصادق لصدقه في مقالته ، وله كلام نفيس في علوم التوحيد وغيرها ، وقد ألّف تلميذه جابر بن حيان الصوفي كتاباً يشتمل على ألف ورقة يتضمّن رسائله ، وهي خمس مائة رسالة )(٢) .

وقال ابن حجر العسقلاني : ( جعفر بن محمد المعروف بالصادق ، صدوق ، فقيه ، إمام )(٣) .

قال الملا أبو علي القاري في شرح الشفا : ( جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي المدني المعروف بالصادق متفق على إمامته وجلالته وسيادته )(٤) .

وقال محمد بن عبد الرؤوف المناوي القاهري في الكواكب الدريّة :

ـــــــــــــ

(١) تاريخ الإسلام (حوادث ووفيات سنة ١٤١ ـ ١٦٠) ، الذهبي : ص ٩٣ .

(٢) مرآة الجنان وعبرة اليقظان : ج ١ ص ٢٣٨ .

(٣) تقريب التهذيب ، ابن حجر : ج ١ ص ١٦٣ .

(٤) شرح الشفا ، أبو علي القاري : ج ١ ص ٤٣ ـ ٤٤ .

٢٩

 ( جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب إماماً وله كرامات كبيرة ومكاشفات شهيرة منها أنّه سُعي به عند المنصور ، فلمّا حجّ أحضر الساعي ، وقال للساعي أتحلف ؟ قال : نعم ، فحلف ، فقال : جعفر المنصور حلّفه بما رآه ، فقال : قل برئت من حول الله وقوّته ، والتجأ إلى حولي وقوّتي ، لقد فعل جعفر كذا وكذا ، فامتنع الرجل ، ثم حلف فمات مكانه ، ومنها أنّ بعض الطغاة قتل مولاه فلم يزل يصلّي ، ثم دعا عليه عند السحر فسمعت الضجّة بموته ، ومنها أنّه لمّا بلغه قول الحكم بن عباس الكلبي في عمّه زيد :

صَلَبْنا لكم زيْداً على جِذْعِ نَخْلَةٍ

ولم نرَ مَهْديّاً على الجذْعِ يُصْلَبُ

قال اللّهمّ سلّط عليه كلباً من كلابك ، فافترسه الأسد )(١) .

وقال ابن حجر الهيتمي في صواعقه : ( ونقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر صيته في جميع البلدان )(٢) .

الإمام الكاظمعليه‌السلام :

قال في حقّه محمد بن إدريس المنذر ، أبو حاتم (ت ٢٧٧ هـ) : ( ثقة صدوق إمام من أئمة المسلمين )(٣) .

وقال الفخر الرازي في بيان معنى الكوثر : ( والقول الثالث : الكوثر

ـــــــــــــ

(١) الكواكب الدريّة : ص ٩٤ .

(٢) الصواعق ، ابن حجر الهيتمي : ص ٣٠٥ .

(٣) ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء : ج ٦ ص ٢٧٠ .

٣٠

أولاده الأكابر من العلماء كالباقر والصادق والكاظم والرضاعليهم‌السلام )(١) .

وقال ابن حجر الهيتمي قال : ( موسى الكاظم : وهو وارثه [ أي جعفر الصادق ] علماً ومعرفةً وكمالاً وفضلاً ، سُمّي الكاظم لكثرة تجاوزه وحلمه ، وكان معروفاً عند أهل العراق بباب قضاء الحوائج عند الله ، وكان أعبد أهل زمانه وأعلمهم وأسخاهم .

وسأله الرشيد كيف قلتم : إنّا ذرّية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنتم أبناء علي ؟ فتلى :( ومِن ذُرّيّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى‏ وَهَارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيّا وَيَحْيَى‏ وَعِيسَى‏ وَإِلْيَاسَ كُلّ مِنَ الصّالِحِينَ ) (٢) ، [وعيسى] ليس له أب ، وأيضاً قال تعالى :( فَمَنْ حَاجّكَ فِيهِ مِن بَعْدِمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمّ نَبْتَهِل فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (٣) ، ولم يدعُ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند مباهلته النصارى غير علي وفاطمة والحسن والحسين (رضي الله عنهم) ، فكان الحسن والحسين هما الأبناء )(٤) .

وقال خير الدين الزركلي (ت ١٣٩٦) : ( كان من سادات بني هاشم ، ومن أعبد أهل زمانه ، وأحد كبار العلماء الأجواد )(٥) .

ـــــــــــــ

(١) التفسير الكبير ، الفخر الرازي : ج ١٦ ص ١٢٥ .

(٢) الأنعام : ٨٤ ـ ٨٥ .

(٣) آل عمران : ٦١ .

(٤) الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ٣٠٧ ـ ٣٠٨ .

(٥) الأعلام ، خير الدين الزركلي : ج ٧ ص ٣٢١ .

٣١

الإمام الرضاعليه‌السلام :

قال في حقّه ابن حبان (ت ٣٥٤ هـ) : ( وهو علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو الحسن ، من سادات أهل البيت وعقلائهم وجلة الهاشميين ونبلائهم وقبره بسناباذ خارج النوقان مشهور يزار بجنب قبر الرشيد ، قد زرته مراراً كثيرة ، وما حلّت بي شدّة في وقت مقامي بطوس فزرت قبر علي بن موسى الرضا (صلوات الله على جدّه وعليه) ودعوت الله إزالتها عنّي إلا أستجيب لي وزالت عنّي تلك الشدّة ، وهذا شيء جرّبته (صلّى الله عليه وسلام الله عليه وعليهم أجمعين) )(١) .

وقال الذهبي (ت ٧٤٨ هـ) في سير أعلام النبلاء : (علي الرضا الإمام السيد ، أبو الحسن ، علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين ، الهاشمي العلوي المدني وكان من العلم والدين والسؤدد بمكان ، يقال : أفتى وهو شاب في أيام مالك وقد كان علي الرضا كبير الشأن أهلاً للخلافة )(٢) .

وقال أيضاً : ( علي بن موسى الرضا كبير الشأن ، له علم وبيان ، ووقع في النفوس ، صيّره المأمون ولي عهده لجلالته )(٣) .

وقال الحاكم النيسابوري في تاريخه : ( كان يفتي في مسجد رسول

ـــــــــــــ

(١) الثقات ، الألباني : ج ٨ ص ٤٥٦ ـ ٤٥٧ .

(٢) سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ٩ ص ٣٨٧ ـ ٣٩٢ .

(٣) المصدر نفسه : ج ١٣ ص ١٢١ .

٣٢

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو ابن نيّف وعشرين سنة )(١) .

الإمام الجوادعليه‌السلام :

قال في حقّه محمد بن طلحة الشافعي : ( عُرف بأبي جعفر الثاني ، وهو وإن كان صغير السن ، فهو كبير القدر رفيع الذكر )(٢) .

وقال ابن الجوزي : ( كان على منهاج أبيه في العلم والتقى والزهد والجود )(٣) .

وقال ابن تيمية : ( كان من أعيان بني هاشم معروف بالسخاء والسؤدد ، ولهذا سُمّي الجواد)(٤) .

وقال الذهبي : ( كان من سروات آل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )(٥) ، وقد أشار إلى فضله وشرفه صلاح الدين الصفدي في مرآة الجنان(٦) .

وقال الذهبي أيضاً : ( محمد الجواد من سادة قومه )(٧) .

وقال ابن الصباغ المالكي : ( وإن كان صغير السن ، فهو كبير القدر رفيع الذكر ، القائم بالإمامة بعد علي بن موسى الرضا )(٨) .

ـــــــــــــ

(١) نقل قوله ابن حجر في تهذيب التهذيب : ج ٧ ص ٣٣٩ .

(٢) مطالب السؤول في مناقب الرسول ، كمال الدين الشافعي : ج ٢ ص ١٤٠ .

(٣) تذكرة الخواص ، السبط ابن الجوزي : ص ٣٢١ .

(٤) منهاج السنّة ، ابن تيمية : ج ٤ ص ٦٨ .

(٥) تاريخ الإسلام: (حوادث ووفيات سنة ٢١١ ـ ٢٢٠) ، الذهبي : ص ٣٥٨ .

(٦) مرآة الجنان ، عبد الله بن أسعد المكي: ج ٢ ص ٦٠ ـ ٦١ .

(٧) سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ١٣ ص ١٢١ .

(٨) الفصول المهمّة في معرفة أحوال الأئمّة ، ابن الصباغ المالكي : ص ٢٥٣ .

٣٣

وقال يوسف بن إسماعيل النبهاني (ت ١٣٥٠ هـ) : ( محمد الجواد بن علي الرضا أحد أكابر الأئمّة ومصابيح الأُمّة من سادات أهل البيت توفّى وله من العمر (٢٥) سنة وشهر رضي الله عليه وعن آبائه الطيبين الطاهرين وأعقابهم أجمعين ونفعنا ببركتهم آمين )(١) .

وقال محمود بن وهيب : ( وهو الوارث لأبيه علماً وفضلاً ، وأجلّ أخوته قدراً وكمالاً )(٢) .

وقال السيد محمد عبد الغفار الهاشمي الأفغاني : ( خاف الملك المعتصم على ذهاب ملكه إلى الإمام محمد الجوادعليه‌السلام إذ كان له قدر عظيم علماً وعملاً )(٣) .

الإمام الهاديعليه‌السلام :

قال في حقّه شمس الدين الذهبي في ( العبر ) : ( وفيها ـ أي سنة ٢٥٤ هجرية ـ توفّي أبو الحسن علي بن الجواد محمد ابن الرضا علي بن الكاظم موسى العلوي الحسيني المعروف بالهادي ، توفّي بسامراء وله أربعون سنة ، وكان فقيهاً إماماً متعبّداً )(٤) . وفي مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نجدهعليه‌السلام يستثمر الفرص لإبداء النصح ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث قال

ـــــــــــــ

(١) جامع كرامات الأولياء : ج١ : ص ١٦٨ ـ ١٦٩ .

(٢) أئمّتنا : محمد علي دخيل : ج ٢ ص ٢٠٦ .

(٣) شرح إحقاق الحق ، السيد المرعشي النجفي : ج ١٢ ص ٤١٧ ، نقلاً عن كتاب أئمّة الهدى : ص ١٣٥ ـ ط ١ القاهرة .

(٤) العبر في أخبار مَن غبر : ج ١ ص ٢٢٨ ؛ وكذا مرآة الجنان وعبرة اليقظان : ج ٢ ص ١١٩ .

٣٤

ابن خلكان في وفيات الأعيان : ( وهو أحد الأئمّة الاثني عشر عند الإمامية ، كان قد سُعي به إلى المتوكل ، وقيل : إنّ في منزله سلاحاً وكتباً وغيرها من شيعته ، وأوهموه أنّه يطلب الأمر لنفسه ، فوجّه إليه بعدّة من الأتراك ليلاً ، فهجموا عليه في منزله على غفلة ، فوجدوه وحده في بيت مغلق ، وعليه مدرعة من شعر يترنّم بآيات من القرآن في الوعد والوعيد ، ليس بينه وبين الأرض بساط إلاّ الرمل والحصى ، فأخذ على الصورة التي وجد عليها ، وحُمل إلى المتوكل في جوف الليل ، فمثُل بين يديه ، والمتوكل يستعمل الشراب وفي يده كأس ، فلمّا رآه أعضمه وأجلسه إلى جنبه ، ولم يكن في منزله شيء ممّا قيل عنه فناوله المتوكل الكأس الذي كان بيده ، فقال : اعفني ، ما خامر لحمي ودمي قط ، فاعفني منه ، فأعفاه وقال : أنشدني شعراً استحسنه ، فقال : إنّي لقليل الرواية للشعر ، قال : لابد أن تنشدني ، فأنشده :

باتوا على قلل الأجبال تحرسهم

غلبُ الرجال فما أغنتهم القللُ

واستُنزلوا بعد عز من معاقلهم

فأودعوا حفراً يا بئس ما نزلوا

ناداهم صارخٌ من بعد ما قُبروا

أين الأسرة والتيجان والحللُ

أين الوجوه التي كانت منعمةً

من دونها تُضرب الأستار والكللُ

٣٥

فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم

تلك الوجوه عليها الدود يقتتلُ

قد طالما أكلوا دهراً وما شربوا

فأصبحوا بعد طول الأكل قد أُكلوا(١)

وبنفس هذا المضمون قال ابن الوردي في كتابه أخبار مَن غبر(٢) ، وكذا أبو صلاح الصفدي(٣) .

وقال ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمّة : ( قال بعض أهل العلم : فضل أبي الحسن علي بن محمد الهادي قد ضرب على الحرة بابه ، ومدّ على نجوم السماء أطنابه فما تعدّ منقبة إلاّ وإليه نحلتها ، ولا تذكر كريمة إلاّ وله فضيلتها ، ولا تورد محمدة إلاّ وله تفضلها وجملتها فكانت نفسه مهذّبة وأخلاقه مستعذبة وسيرته عادلة وخلاله فاضلة جرى على الوقار والسكون والطمأنينة والعفّة والنزاهة ، والخمول في النباهة على وتيرة نبوية وشنشنة علوية ونفس زكية وهمّة عليّة )(٤) .

وقال ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة : ( توفّى [ الجواد ] وعمره خمس وعشرون سنة عن ذكرين وبنتين أجلّهم علي العسكري وكان وارث أبيه علماً وسخاءً )(٥) .

ـــــــــــــ

(١) وفيات الأعيان ، ابن خلكان : ج ٣ ص ٢٣٨ ؛ دار الكتب العلمية .

(٢) العبر في أخبار من غبر: ج ١ ص ٣٦٤ .

(٣) الوافي بالوفيات ، الصفدي : ج ٢٢ ص ٧٢ ـ ٧٣ .

(٤) الفصول المهمّة : ص ٢٧٠ .

(٥) الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ٣١٢ .

٣٦

وقال ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب : ( أبو الحسن المعروف بالهادي كان فقيهاً إماماً متعبّداً )(١) .

وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء : ( وكذا ولده الملقّب بالهادي شريف جليل )(٢) .

الإمام العسكريعليه‌السلام :

قال في حقّه محمد بن طلحة الشافعي : ( اعلم أنّ المنقبة العليا والمزية الكبرى التي خصّه الله عزّ وجلّ بها ، وقلّده فريدها ، ومنحه تقليدها ، وجعلها صفة دائمة لا يبلي الدهر جديدها ، ولا تنسى الألسن تلاوتها وترديدها ، أنّ المهدي محمد من نسله المخلوق منه وولده المنتسب إليه ، وبضعته المنفصلة عنه )(٣) .

وقال ابن الجوزي : (... كان عالماً ثقة )(٤) وقال ابن الصباغ المالكي : ( مناقب سيّدنا أبي محمد العسكري دالة على أنّه السري ابن السري ، فلا يشك في إمامته أحد ولا يمتري واحد زمانه من غير مدافع ، ويسبح وحده من غير منازع ، وسيد أهل عصره ، وإمام أهل دهره ، أقواله سديدة وأفعاله حميدة كاشف الحقائق بنظره الصائب ، ومظهر الدقائق بفكره الثاقب ، المحدّث في سرّه بالأمور الخفيات ، الكريم

ـــــــــــــ

(١) شذرات الذهب ، عماد الحنبلي : ج ٢ ص ٢٧٢ .

(٢) سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ١٣ ص ١٢١ .

(٣) مطالب السؤول في مناقب آل الرسول : ج ٢ ص ١٤٨ .

(٤) تذكرة الخواص : ص ٣٢٤ .

٣٧

الأصل والنفس والذات ، تغمّده الله برحمته وأسكنه فسيح جنانه بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آمين )(١) .

وقال العباس بن نور الدين المكي (ت ١١٨٠ هـ) : ( أبو محمد الإمام الحسن العسكري : نسبه أشهر من القمر ليلة أربعة عشر يعرف هو وأبوه بالعسكري ، وأمّا فضائله فلا يحصرها السن )(٢) .

وعن الشريف علي بن الدكتور محمد عبد الله فكري الحسيني القاهري : ( قال نسبه ولمّا ذاع خبر وفاته ارتجّت سُرّ مَن رأى وقامت صيحة واحدة ، وعطلت الأسواق ، وأغلقت الدكاكين ، وركب بنو هاشم والقوّاد والكتّاب والقضاة وسائر الناس إلى جنازته ، وكانت سرّ مَن رأى يومئذ شبيه بالقيامة )(٣) .

وقال الحضرمي الشافعي : ( أبو محمد الحسن الخالص بن علي العسكري ، كان عظيم الشأن جليل المقدار ووقع له مع المعتمد لما حبسه كرامة ظاهرة مشهورة )(٤)

وقد جمع مدحهمعليهم‌السلام الذهبي في عبارة جامعة حيث قال : ( إنّ بني هاشم أفضل القريش ، وقريشاً أفضل العرب ، والعرب أفضل بني آدم ، كما صحّ عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله في الحديث الصحيح :إنّ الله اصطفى بني

ـــــــــــــ

(١) الفصول المهمة : ص ٢٧٩ ؛ وقال بمضمونه نور الدين السمهودي في كتابه الإتحاف بحب الأشراف .

(٢) حياة الإمام العسكري ، القرشي : ص ٦٩ .

(٣) شرح إحقاق الحق : ج ٢٩ ص ٦٠ ـ ٦١ ، نقلاً عن أحسن القصص : ج ٤ ص ٣٠٤ .

(٤) قادتنا كيف نعرفهم ، السيد الميلاني : ج ٧ ص ١١٥ ، عن وسيلة المآل في عدّ مناقب الآل : ص ٤٢٦ .

٣٨

إسماعيل ، واصطفى كنانة من بني إسماعيل ، واصطفى قريشاً من كنانة ، واصطفى بني هاشم من قريش )(١) .

وقال الذهبي في ترجمته للإمام المهدي المنتظرعليه‌السلام : ( ومحمد هذا هو الذي يزعمون أنّه الخلف الحجّة ، وأنّه صاحب الزمان ، وأنّه حي لا يموت ، حتى يخرج ، فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما مُلئت ظلماً وجوراً .

فوددنا ذلك ، والله .

فمولانا الإمام علي : من الخلفاء الراشدين ، وابناه الحسن والحسين : فسبطا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيّدا شباب أهل الجنة ، لو استخلفا لكانا أهلاً لذلك .

وزين العابدين : كبير القدر ، من سادة العلماء العاملين ، يصلح للإمامة .

وكذلك ابنه أبو جعفر الباقر : سيد ، إمام ، فقيه ، يصلح للخلافة .

وكذلك ولده جعفر الصادق : كبير الشأن ، من أئمّة العلم ، كان أولى بالأمر من أبي جعفر المنصور .

وكان ولده موسى : كبير القدر ، جيد العلم ، أولى بالخلافة من هارون .

وابنه علي بن موسى الرضا : كبير الشأن ، له علم وبيان ، ووقع في النفوس ، صيّره المأمون ولي عهده لجلالته .

وابنه محمد الجواد : من سادة قومه .

وكذا ولده الملقّب بالهادي : شريف جليل .

وكذلك ابنه الحسن بن علي العسكري رحمهم الله تعالى )(٢) .

ـــــــــــــ

(١) رأس الحسين ، ابن تيمية : ص ٢٠٠ ـ ٢٠١ .

(٢) سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ١٣ ص ١٢٠ ـ ١٢١ .

٣٩

ومن جميع ما تقدّم يتضح ـ لمَن له أذن واعية ـ بطلان المقولة القائلة بأنّ الإمامة لا فائدة منها ، وأنّ الأئمّة الاثني عشر من آل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين) لم يمارسوا دورهم القيادي في الحكومة وهداية الأمة ؛ وذلك لقيام الأئمّة بمسؤوليتهم وأداء دورهم في حياة الأمة في الحفاظ على الرسالة ، وتحصينها ضد التردّي والسقوط في الهاوية .

وإنّ إقصاءهم عن تسلّم الحكم لا يعني تخلّيهم عن مسؤوليتهم في تحمّل أعباء الإمامة بما لها من أبعاد أخرى .

تراث زاخر

وأمّا قول المستشكل : أين هي أقوال أئمّة الاثني عشرية ؟

فنقول : ما عليك إلاّ بمراجعة يسيرة للتراث الشيعي حتى تجده زاخراً بروايات وتوصيات وتوجيهات أهل البيتعليهم‌السلام في كل المجالات ، ولم تقتصر الاستفادة منها على شيعتهم وأتباعهم فقط ، وإنّما عمّت الفائدة لكل الطوائف الأخرى ، كما تقدّم .

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

سلوك ناشز مع الزوج؟ فيه كلام بين المفسرين إلّا أنّه روي في حديث عن الإمام الباقرعليه‌السلام التصريح بأنه كل معصية من الزوجة(١) (طبعا يستثنى من ذلك المعاصي الطفيفة لعدم دخولها في مفهوم الفاحشة التي تشير إلى أهمية المعصية وخطرها ، والذي يتأكد بكلمة «مبينة»).

٣ ـ عاشروهن بالمعاشرة الحسنة ، وهذا هو الشيء الذي يوصي به سبحانه الأزواج في هذه الآية بقوله :( وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) ، أي عاشروهن بالعشرة الإنسانية التي تليق بالزوجة والمرأة ، ثمّ عقب على ذلك بقوله :( فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ) .

فحتى إذا لم تكونوا على رضا كامل من الزوجات ، وكرهتموهنّ لبعض الأسباب فلا تبادروا إلى الانفصال عنهن والطلاق ، بل عليكم بمداراتهنّ ما استطعتم ، إذ يجوز أن تكونوا قد وقعتم في شأنهنّ في الخطأ وأن يكون الله قد جعل فيما كرهتموه خيرا كثيرا ، ولهذا ينبغي أن لا تتركوا معاشرتهنّ بالمعروف والمعاشرة الحسنة ما لم يبلغ السيل الزبى ، ولم تصل الأمور إلى الحدّ الذي لا يطاق ، خاصّة وإن أكثر ما يقع بين الأزواج من سوء الظن لا يستند إلى مبرر صحيح ، وأكثر ما يصدرونه من أحكام لا يقوم على أسس واقعية إلى درجة أنّهم قد يرون الأمر الحسن سيئا والأمر السيء حسنا في حين ينكشف الأمر على حقيقة بعد مضي حين من الزمن ، وشيء من المداراة.

ثمّ إنّه لا بدّ من التذكير بأن للخير الكثير في الآية الذي يبشر به الأزواج الذين يدارون زوجاتهن مفهوما واسعا ، ومن مصاديقه الواضحة الأولاد الصالحون والأبناء الكرام.

* * *

_________________

(١) تفسير نور الثقلين ، ج ١ ، ص ٢٥٧.

١٦١

الآيتان

( وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (٢٠) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (٢١) )

سبب النّزول

كان التقليد المتبع قبل الإسلام أنه إذا أراد الرجل أن يطلق زوجته ، ويتزوج بأخرى أن يتّهم الزوجة الأولى بالزنا والخيانة الزوجية فرارا من دفع مهرها ، أو يعمد إلى معاملتها بقسوة حتى ترد مهرها الذي قد أخذته من قبل إلى الرجل ، ليستطيع أن يعطي ذلك المبلغ للزوجة الجديدة التي يبغي الزواج بها ، ويمهرها به.

فنزلت هذه الآيات تستنكر هذا العمل القبيح الظالم بشدّة ، وتشجبه وتقبحه وتدعو إلى إنصاف الأزواج وعدم ظلمهنّ في مهورهنّ.

التّفسير

نزلت الآيتان الحاضرتان لتحميا قسما آخر من حقوق المرأة ، فقد جاءت الآية الأولى تقول :( وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَ

١٦٢

قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً ) فهي تخبر المسلمين ـ إذا عزموا على تطليق الزوجة واختيار زوجة أخرى ـ أنّه لا يحق لهم أبدا أن يبخسوا من صداق الزوجة الأولى شيئا أو يستردوا شيئا من الصداق إذا كانوا قد سلموه إلى الزوجة مهما كان مقداره كثيرا وثقيلا ، والذي عبّر عنه في الآية بالقنطار ، والقنطار ـ كما سبق يعني المال الكثير وقد جاء في المفردات للراغب : أنّ القنطار جمع القنطرة ، والقنطرة من المال ما فيه عبور الحياة تشبيها بالقنطرة(١) .

لأن المفروض أن تطليق الزوجة الأولى ـ هنا ـ يتمّ لأجل مصلحة الزوج ، وليس لأجل انحراف الزوجة عن جادة العفاف والطهر ، ولهذا لا معنى لأن تهمل حقوقها القطعية.

ثمّ إنّ الآية تشير في مقطعها الأخير إلى الأسلوب السائد في العهد الجاهلي حيث كان الرجل يتّهم زوجته بالخيانة الزوجية لحبس الصداق عنها ، إذ تقول في استفهام إنكاري :( أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً ) أي هل تأخذون صداق الزوجة عن طريق بهتهنّ،واتهامهنّ بالفاحشة ، وهو إثم واضح ومعصية بيّنة ، وهذا يعني أن أصل حبس الصداق عن الزوجة ظلم ومعصية ، والتوسل لذلك بمثل هذه الوسيلة الأثيمة معصية اخرى واضحة ، وظلم آخر بيّن.

ثمّ أضاف سبحانه ـ في الآية الثانية من الآيتين الحاضرتين ـ وضمن استفهام إنكاري بهدف تحريك العواطف الإنسانية لدى الرجال بأنّه كيف يحق لكم ذلك ، وقد عشتم مع الزوجة الأولى زمنا طويلا ، وكانت لكم معهنّ حياة مشتركة ، واختليتم بهن واستمتع كل واحد منكما بالآخر كما لو كنتما روحا واحدة في جسمين ، أفبعد ما كانت بينكما هذه العلاقة الزوجية الحميمة يحق لكم ـ أيّها الأزواج ـ أن تبخسوا حق الزوجة الأولى؟ وقد لخصّ سبحانه كل هذه بقوله :

__________________

(١) ولمزيد التوضيح راجع الجزء الثاني من تفسيرنا هذا عند تفسير الآية (١٥) من سورة آل عمران.

١٦٣

( وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى ) (١) ( بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ ) أفيصح أن تفعلوا ذلك وكأنّكما غريبان لا رباط بينكما ولا علاقة؟

وهذا يشبه قولنا لمن عاشا صديقين حميمين زمنا طويلا ثمّ تنازعا : كيف تتنازعان وقد كنتما صديقين حميمين سنوات طويلة وأعواما عديدة؟

وفي الحقيقة أن ارتكاب مثل هذا الفعل في حق الزوجة شريكة الحياة ما هو إلّا ظلم للنفس.

ثمّ أنّه سبحانه تعالى :( وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً ) أي كيف تبخسون الزوجة حقّها في الصداق وقد أخذت منكم ـ لدى عقد الزواج بينكما ـ ميثاقا غليظا وعهدا موثقا بأن تؤدوا إليهنّ حقوقهنّ كاملة ، فكيف تتنكرون لهذا الميثاق المقدس وهذا العهد المأخوذ منكم لها حالة العقد؟

ثمّ يجب أن نعرف أنّ الآية الحاضرة وإن وردت في مقام تطليق الزوجة الأولى لغرض إحلال زوجة أخرى مكانها إلّا أنّها لا تختصّ بهذا المورد خاصّة ، بل تعمّ كل موارد الطلاق الذي يتمّ باقتراح من جانب الزوج ولا تكون لدى الزوجة رغبة في الإفتراق ، فإنّه يجب على الزوج في هذه الحالة أن يعطي الصداق بكامله إلى الزوجة إذا أراد أن يطلقها ، وأن لا يسترد شيئا من الصداق إذا كان قد أعطاه إياها ، سواء قصد أن يتزوج بامرأة أخرى أو لا.

وعلى هذا تكون عبارة :( وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ ) ناظرة في الحقيقة إلى ما كان سائدا في العهد الجاهلي ، وليس له أي دخل في أصل الحكم ، فهو ليس قيدا.

على أنّه ينبغي التنبيه أيضا إلى أن لفظة «استبدال» تعني طلب البديل ، ولهذا يكون قد أخذ فيها قيد الإرادة ، فإذا قرنت بكلمة «أردتم» فإنما ذلك لأجل التنبيه

__________________

(١) الإفضاء أصله من الفضاء ، وهو السعة ، وبذلك يكون معنى الإفضاء إيجاد السعة ، لأن الإنسان بسبب الاتصال والتعايش مع شخص آخر يكون وكأنه وسع دائرة وجوده ، ولهذا استعمل الإفضاء بمعنى الملامسة والاتصال.

١٦٤

إلى نقطة في المقام ، وهي أنكم ـ عند تهيئة المقدمات والعزم على استبدال زوجة اخرى ـ يجب أن لا تبدأوا من المقدمات الغير المشروعة الظالمة ، فتضيعوا مهر زوجتكم إذا أردتم زوجة أخرى.

* * *

١٦٥

الآية

( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً (٢٢) )

سبب النّزول

كانت العادة في الجاهلية أنّه إذا مات رجل وخلف زوجة وأولادا ، وكان الأولاد من زوجة أخرى ورثوا زوجة أبيهم كما يرثون أمواله ، أي أنّه كان يحق لهم أن يتزوجوا بها أو يزوجوها لأحد ، وأن يتصرفوا فيها كما يتصرفون في المتاع والمال ، وقد حدث مثل هذا ـ بعد ظهور الإسلام ـ لأحد المسلمين ، فقد مات أحد الأنصار يدعى «أبو قيس» وخلف زوجة وولدا من زوجة أخرى ، فاقترح الولد عليها الزواج بها ، فقالت تلك المرأة له : إني أعتبرك مثل ابني وأنت من صالحي قومك ، ولكن آتي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاستأمره واستوضحه الحكم ، فأتته فأخبرته. فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ارجعي إلى بيتك» فأنزل الله هذه الآية تنهى عن هذا النوع من النكاح بشدّة.

التّفسير

هذه الآية ـ كما ذكرنا في شأن النّزول ـ تبطل عادة سيئة من العادات

١٦٦

الجاهلية المقيتة فتقول :( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ ) أي لا تنكحوا زوجة أبيكم.

ولكن حيث أنّ القانون لا يشمل ما سبق من الحالات الواقعة قبل نزول القانون عقب سبحانه على ذلك النّهي بقوله :( إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ ) .

ثمّ أنّه سبحانه لتأكيد هذا النهي يستخدم ثلاث عبارات شديدة حول هذا النوع من الزواج والنكاح إذ يقول أوّلا :( إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً ) ثمّ يضيف قائلا :( وَمَقْتاً ) أي عملا منفرا لا تقبله العقول ، ولا تستسيغه الطباع البشرية السليمة ، بل تمقته وتكرهه ، ثمّ يختم ذلك بقوله :( وَساءَ سَبِيلاً ) أي أنّها عادة خبيثة وسلوك شائن.

حتى أنّنا لنقرأ في التاريخ أنّ الناس في الجاهلية كانوا يكرهون هذا النوع من النكاح ويصفونه بالمقت ، ويسمّون ما ينتج منه من ولد بالمقيت ، أي الأولاد المبغوضين.

ومن الواضح أنّ هذا الحكم إنّما هو لمصالح مختلفة وحكم متنوعة في المقام ، فإن الزواج بامرأة الأب هو من ناحية يشبه الزواج بالأمّ ، لأن امرأة الأب في حكم الأمّ الثانية ، ومن ناحية أخرى اعتداء على حريم الأب وهتك له ، وتجاهل لاحترامه.

مضافا إلى أنّ هذا العمل يزرع عند أبناء الأب الميت بذور النفاق بسبب النزاع على نكاح زوجته ، وبسبب الاختلاف الواقع بينهم في هذا الأمر (أي في من يتزوج بها).

بل إنّ هذا النوع من النكاح يوجب الاختلاف والتنافس البغيض بين الأب والولد،لأنّ هناك تنافسا وحسدا بين الزوجة الأولى والزوجة الثّانية غالبا ، فإذا تحقق هذا النكاح (أي نكاح زوجة الأب من جانب الولد) في حياة الوالد (أي بعد طلاقها من الأب طبعا) كان السبب في الحسد واضحا ، لأنّ امرأة الأب

١٦٧

ستحظى بهذا الزواج منزلة أرفع ، ممّا يؤدي إلى تأجج نيران الحسد لدى الزوجة الاخرى أكثر، وأمّا إذا تحقق بعد وفاته فإنّه من الممكن أن يوجد لدى الابن نوعا من الحسد بالنسبة لأبيه.

هذا وليس من المستبعد أن تكون التعابير الثلاثة الواردة في ذم هذا النوع من النكاح إشارات إلى هذه الحكم الثلاث لتحريم نكاح امرأة الأب على وجه الترتيب.

* * *

١٦٨

الآية

( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٢٣) )

التّفسير

تحريم الزّواج بالمحارم :

في هذه الآية أشار سبحانه إلى النساء اللاتي يحرم نكاحهنّ والزواج بهنّ ، ويمكن أن تنشأ هذه الحرمة من ثلاث طرق أو أسباب وهي :

١ ـ الولادة التي يعبّر عنها بالارتباط النّسبي.

٢ ـ الزّواج الذي يعبّر عنه بالارتباط السّببي.

٣ ـ الرّضاع الذي يعبّر عنه بالارتباط الرّضاعي.

وقد أشار في البداية إلى النساء المحرمات بواسطة النّسب وهنّ سبع

١٦٩

طوائف إذ يقول( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ ) .

ويجب التّنبيه إلى أنّ المراد من «الأمّ» ليس هي التي يتولد منها الإنسان دونما واسطة فقط ، بل يشمل الجدّة من ناحية الأب ومن ناحية الأمّ وإن علون ، كما أنّ المراد من البنت ليس هو البنت بلا واسطة ، بل تشمل بنت البنت وبنت الابن وأولادهما وإن نزلن ، وهكذا الحال في الطوائف الخمس الاخرى.

ومن الواضح جدّا أنّ الإنسان يبغض النكاح والزواج بهذه الطوائف من النسوة ، ولهذا تحرمه جميع الشعوب والجماعات (إلّا من شذ وهو قليل) ، وحتى المجوس الذين كانوا يجوزون هذا النوع من النكاح في مصادرهم الأصلية ينكرونه ويشجبونه اليوم ، وإن حاول البعض أن يردّ هذه المبغوضية إلى العادة والتقليد القديم ، ولكن عمومية هذا القانون وشيوعه لدى جميع أفراد البشر وطوائفه وفي جميع القرون والأعصار تحكي ـ عادة ـ عن فطرية هذا القانون ، لأن التقليد والعادة لا يمكن أن يكون أمرا عامّا ودائميا.

هذا مضافا إلى أنّ هناك حقيقة ثابتة اليوم ، وهي أنّ الزواج بين الأشخاص ذوي الفئة المشابهة من الدم ينطوي على أخطار كثيرة ، ويؤدي إلى انبعاث أمراض خفية وموروثة،وتشددها وتجددها (لأنّ هذا النوع من الزواج يولد هذه الأمراض ، بل يساعدها على التشدد والتجدد والانتقال) إلى درجة أنّ البعض لا يستحسن حتى الزواج بالأقرباء البعيدين (فضلا عن المحارم المذكورة هنا) مثل الزواج الواقع بين أبناء وبنات العمومة(١) ويرون أنّه يؤدي هو الآخر أيضا إلى أخطار تصاعد الأمراض الوارثية.

__________________

(١) طبعا إنّ الإسلام لم يحرّم التزاوج بين أبناء وبنات العمومة ، لأنّ هذا النوع من التزاوج ليس مثل الزواج بالمحارم في الخطورة ، واحتمال ظهور مثل هذه الحوادث الخطيرة في هذا النوع من الزواج أقل ، وقد لا حظنا بأنفسنا موارد ونماذج عديدة من نتائج هذا النوع من الزواج حيث يكون الأولاد ـ في هذه الحالة ـ أكثر سلامة وأفضل فكرا وموهبة من غيرهم.

١٧٠

إلّا أنّ هذا النوع من الزواج إذا لم يسبب أية مشكلة لدى الأقرباء البعيدين (كما هو الغالب) فإنّه لا شك يسبب مضاعفات خطيرة لدى الأقرباء القريبين الذين تشتدّ عندهم ظاهرة وحدة الدم وتشابهه.

هذا مضافا إلى ضعف الرغبة الجنسية والتجاذب الجنسي لدى المحارم عادة ، لأنّ المحارم ـ في الأغلب ـ يكبرون معا ، ويشبّون معا ، ولهذا لا ينطوي الزواج فيما بينهم على عنصر المفاجأة وصفة العلاقة الجديدة ، لأنّهم تعودوا على التعامل فيما بينهم ، فلا يكون أحدهم جديدا على الآخر ، بل العلاقة لديهم علاقة عادية ورتيبة ، ولا يمكن أن يكون بعض الموارد النادرة مقياسا لانتزاع القوانين الكلية العامّة أو سببا لنقض مضاداتها ، ونحن نعلم أن التجاذب الجنسي شرط أساسي لدوام العلاقة الزوجية واستمرار الرابطة العائلية، ولهذا إذا تمّ التزاوج بين المحارم فإن الرابطة الزوجية الناشئة من هذا الزواج ستكون رابطة ضعيفة مهزوزة وقصيرة العمر.

( وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ )

يشير الله سبحانه في هذه الآية إلى المحارم الرّضاعية والقرآن وإن اقتصر في هذا المقام على الإشارة إلى طائفتين من المحارم الرضاعية ، وهي الأم الرضاعية والأخت الرضاعية فقط،إلّا أنّ المحارم الرضاعية ـ كما يستفاد من روايات عديدة ـ لا تنحصر في من ذكر في هذه الآية ، بل تحرم بالرّضاعة كل من يحرمن من النساء بسبب «النسب» كما يصرّح بذلك الحديث المشهور المروي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «يحرم من الرّضاع ما يحرم من النّسب»(١) .

على أن بيان مقدار الرّضاع الموجب للحرمة والشروط والكيفية المعتبرة فيه ، وغير ذلك من التفاصيل والخصوصيات متروك للكتب الفقهية.

وفلسفة حرمة الزواج بالمحارم الرضاعية هي ، أن نشوء ونبات لحم المرتضع

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ، ج ٢ ، ص ١٥٥ ، وغيره.

١٧١

وعظمه من لبن امرأة معينة تجعله بمثابة ابنها الحقيقي ، فالمرأة التي ترضع طفلا مقدارا معينا من اللبن ينشأ وينبت معه ومنه للطفل لحم وعظم ، فإنّ هذا النوع من الرضاع يجعل الطفل شبيها بأبنائها وأولادها لصيرورته جزء من بدنها كما هم جزء من بدنها ، فإذا هم جميعا (أي الأخوة الرضاعيون والأخوة النسبيون كأنّهم اخوة بالنسب.

ثمّ إنّ الله سبحانه يشير ـ في المرحلة الأخيرة ـ إلى الطائفة الثالثة من النسوة اللاتي يحرم الزواج بهنّ ويذكرهنّ ضمن عدّة عناوين :

١ ـ( وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ) يعني أن المرأة بمجرّد أن تتزوج برجل ويجري عقد النكاح بينهما تحرم أمها وأم أمها وإن علون على ذلك الرجل.

٢ ـ( وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ ) يعني أنّ مجرّد العقد على امرأة لا يوجب حرمة نكاح بناتها من زوج آخر على زوجها الثّاني ، بل يشترط أن يدخل بها أيضا مضافا على العقد عليها.

إنّ وجود هذا القيد في هذا المورد( دَخَلْتُمْ بِهِنَ ) يؤيد كون حكم أمّ الزوجة الذي مرّ في الجملة السابقة( وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ) غير مشروط بهذا الشرط ، وبعبارة أخرى إن هذا القيد هنا يؤيد ويؤكّد إطلاق الحكم هناك ، فتكون النتيجة أن بمجرّد العقد على امرأة تحرم أمّ تلك المرأة على الرجل وإن لم يدخل بتلك المرأة ، لخلو ذلك الحكم من القيد المشروط هنا في مورد الرّبيبة.

ثمّ أنّ قيد( فِي حُجُورِكُمْ ) وإن كان ظاهره يفهم منه أنّ بنت الزوجة من زوج آخر إذا لم ترب في حجر الزوج الثاني لا تحرم عليه ، ولكن هذا القيد بدلالة الروايات ، وقطعية هذا الحكم ـ ليس قيدا احترازيا ـ بل هو في الحقيقة إشارة إلى نكتة التحريم ـ لأن أمثال هذه الفتيات اللاتي تقدم أمّهاتها على زواج آخر ، هنّ في الأغلب في سنين متدنية من العمر، ولذلك غالبا ما يتلقين نشأتهنّ وتربيتهنّ في حجر الزوج الجديد مثل بناته ، فالآية تقول إن بنات نسائكم من غيركم

١٧٢

كبناتكم أنفسكم ، فهل يتزوج أحد بابنة نفسه؟ واختيار وصف الربائب التي هي جمع الرّبيبة (لتربية الزوج الثاني إيّاها فهي مربوبته) إنّما هو لأجل هذا.

ثمّ يضيف سبحانه لتأكيد هذا المطلب عقيب هذا القسم قائلا :( فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ ) أي إذا لم تدخلوا بامّ الرّبيبة جاز لكم نكاح بناتهنّ.

٣ ـ( وَحَلائِلُ ) (١) ( أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ ) والمراد من حلائل الأبناء زوجاتهم ، وأمّا التعبير بـ «من أصلابكم» فهو في الحقيقة لأجل أن هذه الآية تبطل عادة من العادات الخاطئة في الجاهلية ، حيث كان المتعارف في ذلك العهد أن يتبنى الرجل شخصا ثمّ يعطي للشخص المتبني كل أحكام الولد الحقيقي ، ولهذا كانوا لا يتزوجون بزوجات هذا النوع من الأبناء كما لا يتزوجون بزوجة الولد الحقيقي تماما ، والتبني والأحكام المرتبة عليها لا أساس لها في نظر الإسلام.

٤ ـ( وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ) يعني أنّه يحرم الجمع بين الأختين في العقد، وعلى هذا يجوز الزواج بالأختين في وقتين مختلفين وبعد الانفصال عن الأخت السابقة.

وحيث أنّ الزواج بأختين في وقت واحد كان عادة جارية في الجاهلية ، وكان ثمّة من ارتكبوا هذا العمل فإن القرآن عقب على النهي المذكور بقوله :( إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ ) يعني إنّ هذا الحكم كالأحكام الاخرى لا يشمل الحالات السابقة ، فلا يؤاخذهم الله على هذا الفعل وإن كان يجب عليهم أن يختاروا إحدى الأختين ، ويفارقوا الاخرى ، بعد نزول هذا الحكم.

__________________

(١) الحلائل جمع الحليلة ، وهي من مادة حل ، وهي بمعنى المحللة ، أي المرأة التي تحل للإنسان ، أو من مادة حلول معنى المرأة التي تسكن مع الرجل في مكان واحد وتكون بينهما علاقة جنسية ، لأن كل واحد منهما يحل مع الآخر في الفراش.

١٧٣

يبقى أن نعرف أنّ سرّ تحريم هذا النمط من الزواج (أي التزوج بأختين في وقت واحد) في الإسلام لعلّه أن بين الأختين بحكم ما بينهما من نسب ورابطة طبيعية ـ علاقة حبّ ومودّة ، فإذا أصبحتا متنافستين في ظل الانتماء إلى زوج واحد لم يمكنهما الحفاظ على تلك المودّة والمحبّة والعلاقة الودية بطبيعة الحال ، وبهذه الصورة يحدث هناك تضاد عاطفي في وجود كل من الأختين يضرّ بحياتهما ، لأن كلّ واحدة منهما ستعاني حينئذ وبصورة دائمية من صراع حالتين نفسيتين متضادتين هما دافع الحب ، وغريزة التنافس ، وهو صراع نفسي مقيت ينطوي على مضاعفات خطيرة لا تحمد عقباها.

ثمّ إن بعض المفسّرين احتمل أن تعود جملة( إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ ) إلى كل المحارم من النسوة اللاتي مرّ ذكرهنّ في مطلع الآية فيكون المعنى : إذا كان قد أقدم أحد في الجاهلية على التزوج بإحدى النساء المحرم عليه نكاحهنّ لم يشمله حكم تحريم الزواج بهنّ هذا ، وكان ما نتج من ذلك الزواج الذي حرم في ما بعد من الأولاد شرعيين ، وإن وجب عليهم بعد نزول هذه الآية أن يتخلوا عن تلكم النساء ، ويفارقوهنّ.

وتناسب خاتمة هذه الآية أعني قوله سبحانه وتعالى :( إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً ) هذا المعنى الأخير.

* * *

١٧٤

الآية

( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (٢٤) )

التّفسير

هذه الآية تواصل البحث السابق حول النساء اللاتي يحرم نكاحهنّ والزواج بهنّ وتضيف قائلة :( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ ) أي ويحرم الزواج بالنساء ، اللاتي لهنّ أزواج.

والمحصنات جمع المحصنة وهي مشتقة من «الحصن» ، وقد أطلقت على المرأة ذات الزوج لأنّها بالزواج برجل تكون قد أحصنت فرجها من الفجور ، وكذا أطلقت على النساء العفيفات النقيات الجيب ، أو اللاتي يعشن في كنف رجل وتحت كفالته وبذلك يحفظن أنفسهنّ ويحصنها من الفجور والزنا.

وقد تطلق هذه اللفظة على الحرائر مقابل الإماء ، لأن حريتهنّ تكون بمثابة حصن يحفظهنّ من أن يتجاوز حدوده أحد دون إذنهنّ ، إلّا أنّه من الواضح أن

١٧٥

المراد بها في الآية الحاضرة هو ذوات الأزواج.

إن هذا الحكم لا يختص بالنساء المحصنات المسلمات ، بل يشمل المحصنات حتى غير المسلمات ، أي أنّه يحرم الزواج بهنّ مهما كان دينهنّ.

نعم يستثنى من هذا الحكم فقط النساء المحصنات الكتابيات اللاتي أسرّهنّ المسلمون في الحروب ، فقد اعتبر الإسلام أسرهنّ بمثابة الطلاق من أزواجهنّ ، وأذن أن يتزوج بهنّ المسلمون بعد انقضاء عدتهنّ(١) أو يتعامل معهنّ كالإماء كما قال سبحانه :( إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) .

ولكن هذا الاستثناء (استثناء منقطع يعني أن هذه النساء المحصنات اللاتي وقعن أسيرات في أيدي المسلمين لا يعتبرن محصنات لأن علاقتهنّ بأزواجهنّ قد انقطعت بمجرد وقوعهنّ أسيرات ، تماما كما تنقطع علاقة النساء غير المسلمات بأزواجهن باعتناقهنّ الإسلام في صورة استمرار الزوج السابق على كفره ، فيكن في مصاف النساء المجردات من الأزواج (أي غير المحصنات).

ومن هنا يتّضح أنّ الإسلام لا يسمح مطلقا بأن يتزوج المسلمون بالنساء المحصنات حتى الكتابيات وغيرهنّ من أهل الديانات الاخرى ، ولهذا قرّر لهنّ العدّة ، ومنع من الزواج بهنّ في تلك الفترة.

وفلسفة هذا الحكم تتمثل في أن هذا النوع من النساء إمّا يجب أن تعاد إلى دار الكفر، أو يبقين هكذا بدون زوج بين المسلمين ، أو تقطع علاقتهنّ بالزوج السابق،ويتزوجن من جديد بزوج آخر ، وحيث أن الصورة الأولى تخالف الأسس التربوية الإسلامية ، كما أن الصورة الثانية عملية ظالمة ، ولهذا لا تبقى إلّا صورة واحدة وهي الصورة الثالثة.

ويظهر من بعض الروايات التي ينتهي إسنادها إلى أبي سعيد الخدري أنّ

__________________

(١) مقدار عدتهن حيضة واحدة أو وضع حملهن إذا كن حبالى.

١٧٦

الآية نزلت في سبايا غزوة أوطاس(١) وأنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سمح للمسلمين بأن يتزوجوا بهن بعد التأكد من كونهنّ غير حبالى أو يعاملن كما تعامل الأمة ، وهو يؤيد الصورة الثالثة التي أشرنا إليها في ما سبق.

ثمّ أن الله سبحانه أكّد هذه الأحكام الواردة في شأن المحارم من النساء ومن شابههنّ حيث قال :( كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ ) وعلى هذا لا يمكن تغيير هذه الأحكام أو العدول عنها أبدا.

ثمّ إنّه يشير سبحانه إلى حلّية الزواج بغير هذه الطوائف من المذكورات في هذه الآية والآيات السابقة إذ يقول :( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ ) أي أنّه يجوز لكم أن تتزوجوا بغير هذه الطوائف من النساء شريطة أن يتمّ ذلك وفق القوانين الإسلامية وأن يرافق مبادئ الفقه والطهر ويبتعد عن جادة الفجور والفسق.

وعلى هذا يكون معنى «محصنين» في الآية والذي هو إشارة إلى حال الرجال هو «عفيفين» ، وعبارة «غير مسافحين» تأكيد لهذا الوصف ، لأن السفاح (الذي هو وزن كتاب) يعني الزنا وأصله من السفح وهو صب الماء أو الأعمال العابثة والأفعال الطائشة وحيث أنّ القرآن يستخدم ـ في مثل هذه الموارد ـ الكنايات يكون المراد من السفاح الزنا واللقاء الجنسي الغير المشروع.

وجملة( أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ ) إشارة إلى أنّ العلاقة الزوجية إمّا يجب أن تتمّ من خلال الزواج مع دفع صداق ومهر ، أو من خلال تملك أمة في لقاء دفع قيمتها(٢) .

كما أن عبارة «غير مسافحين» في الآية الحاضرة لعلها إشارة إلى حقيقة أنّ

__________________

(١) أوطاس منطقة وقعت فيها إحدى المعارك الإسلامية وهو واد في ديار بني هوازن.

(٢) لقد بحثنا بالتفصيل عن برنامج الإسلام حول تحرير العبيد وما هناك من تخطيط دقيق في النظام الإسلامي في هذا المجال عند تفسير الآيات المناسبة في سورة «محمّد»صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

١٧٧

الهدف من الزواج يجب أن لا يكون فقط إطفاء الشهوة ، وتلبية الرغبة الجنسية ، بل الزواج قضية حيوية هامّة تهدف غاية جد سامية يجب أن تكون الغريزة الجنسية في خدمتها أيضا،ألا وهو بقاء النوع البشري ، وحفظه من التلوث والانحراف.

الزّواج المؤقت في الإسلام :

يقول سبحانه :( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) أي أنّه يجب عليهم دفع أجور النساء اللاتي تستمتعون بهنّ ، وهذا القسم من الآية إشارة إلى مسألة الزواج المؤقت أو ما يسمّى بالمتعة ، ويستفاد منها أن أصل تشريع الزواج المؤقت كان قطعيا ومسلما عند المسلمين قبل نزول هذه الآية ، ولهذا يوصي المسلمون في هذه الآية بدفع أجورهنّ.

وحيث أن البحث في هذه المسألة من الأبحاث التّفسيرية والفقهية والاجتماعية المهمة جدا يجب دراستها من عدّة جهات هي :

١ ـ القرائن الموجودة في هذه الآية التي تؤكد دلالتها على الزواج المؤقت.

٢ ـ إن الزواج المؤقت كان في عصر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم ينسخ.

٣ ـ الحاجة بل والضرورة الاجتماعية إلى هذا النوع من الزواج.

٤ ـ الإجابة على بعض الإشكالات.

وأمّا بالنسبة إلى النقطة الأولى فلا بدّ من الالتفات إلى أمور :

أوّلا : إنّ كلمة المتعة التي اشتق منها لفظة «استمتعتم» تعني الزواج المؤقت ، وبعبارة أخرى المتعة حقيقة شرعية في هذا النوع من الزواج ، ويدل على ذلك أن هذه الكلمة استعملت في هذا المعنى نفسه في روايات النّبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكلمات الصحابة مرارا وتكرارا(١) .

__________________

(١) راجع كتاب كنز العرفان وتفسير مجمع البيان وتفسير نور الثقلين والبرهان ، والغدير ، ج ٦.

١٧٨

ثانيا : إنّ هذه اللفظة إذا لم تكن بالمعنى المذكور يجب أن تفسّر حتما بمعناها اللغوي وهو «الانتفاع» فيكون معنى هذا المقطع من الآية هكذا : «إذا انتفعتم بالنساء الدائمات فادفعوا إليهنّ أجورهنّ» في حين أننا نعلم إن دفع الصداق والمهر غير مقيد ولا مشروط بالانتفاع بالزوجات الدائمات بل يجب دفع تمام المهر ـ بناء على ما هو المشهور(١) بين الفقهاء ـ أو نصفه على الأقل إلى المرأة بمجرد العقد للزواج الدائم عليها.

ثالثا : إنّ كبار «الصحابة» و «التابعين»(٢) مثل ابن عباس العالم (المفسّر الإسلامي الكبير) وأبي بن كعب ، وجابر بن عبد الله الأنصاري ، وعمران بن الحصين،وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وقتادة والسدي ، وجماعة كبيرة من مفسّري أهل السنة،وجميع مفسّري أهل البيت ، فهموا من الآية الحاضرة حكم الزواج المؤقت إلى درجة أن الفخر الرازي ـ رغم ما عهد عنه من التشكيك الكثير في القضايا المرتبطة بالشيعة وعقائدهم قال بعد بحث مفصل : والذي يجب أن يعتمد عليه في هذا الباب أن نقول أنّها منسوخة وعلى هذا التقدير فلو كانت هذه الآية دالة على أنها مشروعة لم يكن ذلك قادحا في غرضنا، وهذا هو الجواب أيضا عن تمسكهم بقراءة أبي وابن عباس فإن تلك القراءة بتقدير ثبوتها لا تدل إلّا على أن المتعة كانت مشروعة ، ونحن لا ننازع فيه ، إنّما الذي نقوله أن النسخ طرأ عليه(٣) .

رابعا : اتفق أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام وهم أعلم الناس بأسرار الوحي ، على تفسير الآية المذكورة بهذا المعنى (أي بالزواج المؤقت) وقد وردت في هذا الصعيد روايات كثيرة منها.

__________________

(١) المشهور أو الأشهر وجوب تمام المهر بمجرد عقد الزواج الدائم وإن كان الطلاق قبل الدخول يوجب إعادة نصفه إلى الزوج.

(٢) التابعون هم الذين جاؤوا بعد الصحابة ولم يدركوا عهد النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

(٣) التّفسير الكبير ، ج ١٠ ، ص ٥٣.

١٧٩

ماعن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : «المتعة نزل بها القرآن وجرت بها السنّة من رسول الله»(١) .

وعن الإمام الباقرعليه‌السلام أنّه قال في جواب سؤال أبي بصير حول المتعة : نزلت في القرآن( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) (٢) .

وعن الإمام الباقرعليه‌السلام أيضا أنّه قال : في جواب عبد الله بن عمير الليثي الذي سأل عن المتعة : «أحلّها الله في كتابه وعلى لسان نبيّه فهي حلال إلى يوم القيامة»(٣) .

هل نسخ هذا الحكم؟ :

لقد اتفق عامّة علماء المسلمين ، بل قامت ضرورة الدين على أنّ الزواج المؤقت (المتعة) كان أمرا مشروعا في صدر الإسلام (والكلام حول دلالة الآية الحاضرة على مشروعية المتعة لا ينافي قطعية وجود أصل الحكم لأنّ المخالفين يرون ثبوت مشروعية هذا الحكم في السنة النبوية) ، بل كان المسلمون في صدر الإسلام يعملوا بهذا الحكم ، والعبارة المعروفة المروية عن عمر : «متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا محرمهما ومعاقب عليهما،متعة النساء ومتعة الحج»(٤) دليل واضح على وجود هذا الحكم في عصر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،غاية ما في الأمر أن من خالف هذا الحكم ادعى أنّه قد نسخ في ما بعد ، وحرم هذا النوع من الزواج.

ولكن الملفت للنظر هو أنّ الروايات الناسخة لهذا الحكم التي ادعوها مضطربة اضطرابا كبيرا ، فبعضها يقول : إنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه هو الذي نسخ هذا الحكم ، وعلى هذا يكون الناسخ لهذا الحكم القرآني هو السنة النبوية ، وبعضها

__________________

(١) نور الثقلين ، ج ١ ، ص ٤٦٧ ، وتفسير البرهان ، ج ١ ، ص ٣٦٠.

(٢) المصدر السابق.

(٣) تفسير البرهان ذيل الآية (وقد ورد هذا الحديث والحديثان السابقان عليه في كتاب الكافي).

(٤) كنز العرفان ، ج ٢ ، ص ١٥٨ ، ولقد روي الحديث المذكور عن تفسير القرطبي والطبري بعبارات تشابه العبارة أعلاه ، كما أن هذا الحديث جاء في السنن الكبرى للبيهقي ، ج ٧ ، كتاب النكاح.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710