الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٣

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل8%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 710

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 710 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 173400 / تحميل: 6084
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

س: ما هي التغيّرات الإيجابية التي لمستها في حياتك منذ اعتناقك الإِسلام؟

ج: لقد وجدتُ السلام الداخلي.. لقد عشتُ السلام في قلبي وروحي وفي علاقاتي بالآخرين، حتى باتت حياتي مستقرة، وانعكس ذلك على حياة ابنتيّ أيضاً، واندفعت إلى الحياة بقوة وإرادة أكبر، فعدت لمتابعة دراستي في الجامعة.

س: يعني أنك تشعرين الآن براحة أكبر من ذي قبل؟

ج: طبعاً، والحمد لله، أشعر بلذة كبرى أثناء الصلاة وصوم شهر رمضان المبارك، وأعلم أن عليّ أن أتعلم الكثير الكثير عن الإِسلام، فكلما وقعت على معرفة معينة تبيّن لي أن الذي أعرفه لا يوازي ذرة في كتاب هذا الوجود، فعليّ البحث أكثر، علماً أن حياة الفرد قصيرة، قياساً بما يجب أن يتعلّمه الإنسان في هذه الحياة.

س: على ضوء تجربتك، هل تقترحين أساليب معينة لدعوة غير المسلمين للإِسلام؟

ج: أتمنى أن تطابق أقوالنا أفعالنا، فنمارس قولاً وعملاً ما تدعو إليه العقيدة الإِسلامية، وأن نستحضر الله تعالى في كل ما نقوم به، ونسير على هدي النبي محمد (ص) والأئمة الأطهار (عليهم السلام) ، وأن نحدّث الناس عن الإِسلام باللين والكلمة الحسنى، وألا تزعزع الأزمات والمصاعب إيماننا بالله تعالى.

س: ما هو الدور الذي تقومين به أو تنوين القيام به لخدمة الدعوة الإِسلامية؟

ج: أبذل قصارى جهدي لأتمتع بصفات المرأة المسلمة المتديّنة، وهذا بحد ذاته دعوة إلى الله من خلال أفعالي وسلوكي، وأسأل الله أن أكون عند حسن ظنه تعالى.

س: ما مدى إمكانية الدعوة إلى الدين الحنيف في بلادك؟

ج: يحتاج الإِسلام في بلادي إلى القدوة الحسنة، فبقدر ما يلتزم المسلمون بتعاليم الإِسلام هنا، يسهل تغلغل الإِسلام إلى القلوب والعقول، فالإِسلام يحمل بداخله مقومات قادرة على إنقاذ الناس من التيه والضياع ولجوئهم إلى المخدرات، وبإمكان هذا الدين إنقاذنا من الغرائز المنحطة التي سجن الإنسان نفسه خلف قضبانها.

لقد وضع الإِسلام في أيدينا المفتاح إلى الجنة، وكل ما علينا هو إدارة هذا المفتاح للولوج إلى عالم الآخرة، ولا يكون ذلك إلا باتباع أوامر الله تعالى وسُنَّة نبيه (ص) والأئمة الأطهار (عليهم السلام) برضىً وطمأنينة.

١٤١

س: كيف ترين أوضاع المسلمين الحالية؟

ج: في الواقع أجد الكثيرين منهم منغمسين في أمور دنياهم دون الالتفات إلى أمر الآخرة، وهؤلاء كسالى عن الدعوة إلى الله، وعن تطبيق الإِسلام في حياتهم الفردية والاجتماعية، همّهم الاستمتاع بهذه الدنيا الفانية التي تعمي بصائرهم عن سعادة الإيمان والتقوى والعمل بما أنزله الله تعالى.

س: كيف ترين أوضاع المرأة المسلمة؟

ج: أعلّم ابنتيّ أنهما غاليتان، وعليهما ألا تفرطا بنفسيهما بثمن بخس، فالفتاة أم المستقبل وعلى الجميع من حولها احترامها. وعلى جميع الرجال المسلمين حماية النساء، وعلى هؤلاء أيضاً حماية أنفسهن.

لقد وُهبنا والحمد لله هذا الإيمان، ولكن هذا الإيمان يجب أن يتسع ويقوى، ويتغلب على جميع الشرور التي تتجه إلى تشويه دور المرأة كواهبة للحياة، ومنارة للحب والراحة والسرور.

١٤٢

الأخت المسلمة السويدية

الدكتورة سمية «بارنيللا» تقول لـ «نور الإِسلام»

· العناية الإلهية شملتني بألطافها ووضعتني على طريق الهداية إلى دين الله تعالى.

· الإِسلام دين المنطق والعدل، يقبل النقاش العقلي الحر. ويضفي التوازن على كل جوانب الحياة الإنسانية.

· أدعو المرأة المسلمة وخاصة في البلاد الإِسلامية. لتعتبر أن حصنها هو حجابها، وأن التزامها بدينها هو طريق تقدّمها ومستقبلها. لا تقليد الحضارة الغربية الزائفة.

السويد كغيرها من الدول الغربية التي نجح الإِسلام، بما يمتلكه من قوة الإقناع، أن يستقطب إلى صفوفه أعداداً متزايدة من أبنائها الذين أتيح لهم أن يطلعوا على أفكاره ونظمه.. فلا أسوار التعصب والجهل التاريخية، ولا حواجز الحضارة المادية بكل بهارجها ومغرياتها، ولا الدعايات المضادة للإِسلام بكل لؤمها وخبثها.. ليس كل هذا بقادر على أن يمنع أنوار الهداية الإلهية، من أن تضيء العقول والنفوس التي تهفو إلى الحق وتبحث عن الحقيقة.

هذه الحقيقة تؤكدّها وتبيّنها بوضوح حكاية الأخت المسلمة السويدية الدكتورة سمية - بارنيللا سابقاً - مع الإِسلام الذي شدّها إليه وضوح عقيدته وعقلانيته وشمولية رسالته، فاستنقذها كما تقول مما كانت تعانيه من فراغ عقائدي وروحي، ومنحها الطمأنينة والدافع لكي تنخرط في نشاطات فكرية واجتماعية عديدة من أجل رعاية المسلمين في منطقتها، وحمل مهمة تبليغ الإِسلام في أنحاء دولة السويد كافة.

في منزلها الزوجي في بلدة «شاملينغ» التابعة لمدينة لوند السويدية، التقتها «نور الإِسلام» بحضور زوجها الأخ جميل الجزائري الجنسية، وأطفالها الأربعة، ومنهم ابنتها التي ذكرت لنا أنها الوحيدة المحجبة في صفها، وهي معتزة بذلك.. وبعد الترحيب كان السؤال الأول:

س: كيف تصفين لنا رحلتك نحو اعتناق الإِسلام؟

ج: في الحقيقة أنا أعتبر أن العناية الإلهية هي التي شملتني بألطافها ووضعتني على طريق الهداية لدين الله تعالى، الذي اختاره وارتضاه ليقود خطى البشرية نحو شاطىء الأمان، وهو الدين الصالح لكل زمان ومكان.

١٤٣

وكانت رحلتي نحو الإِسلام قد بدأت منذ أوائل الثمانينيات، وهي لم تكن سهلة أو سريعة، حيث أخذتُ متسعاً من الوقت للاطلاع والتأمل، قبل أن أتخذ القرار السعيد باعتناق الإِسلام والالتزام بتعاليمه والجهر بذلك، بعدما حصل لديّ الاقتناع واليقين بصحة هذه الخطوة المصيرية بالنسبة إليّ.. وإذا شئتم ذكر بعض التفاصيل حول الكيفية التي تعرّفت فيها إلى الإِسلام والتي قادتني إليه، فإن الفضل في ذلك بعد التوفيق الإلهي يعود إلى أختي مريم، التي نشأتُ معها في قريتنا «سفل - Siffle »، وكانت قد اختارت الدراسة الجامعية في إحدى الجامعات الصينية، وهناك رغبت في الاطلاع على البوذية بحكم الفراغ العقائدي الذي كانت تعيشه، ولكن بحمد الله، فإن الطريق بدلاً من أن يقودها إلى البوذية أوصلها إلى الإِسلام، حيث تعرّفت هناك إلى مجموعة من الطلاب المسلمين الذين كانوا يدرسون في الجامعة نفسها، وبواسطتهم اطلعت على الإِسلام فاقتنعت به وأعلنت إسلامها، وتزوّجت من أحد الطلبة المصريين. وعندما عادت إلى السويد جرى بيني وبينها نقاشات مطوّلة حول الإِسلام، جعلت صدري ينشرح لهذا الدين، وأعادتني إلى التفكير بالحياة الدينية والروحية بعد أن كنت غير مبالية، وهذا ما دفعني إلى مزيد من الاطلاع على الإِسلام، فكان لي لقاءات مع بعض الطلبة المسلمين المثقفين الذين أجلوا لي بعض الغوامض وزودوني بالعديد من الكتب التي استفدت منها كثيراً، حيث بدأتُ أحصل على أجوبة مقنعة على الأسئلة التي كان تحيّرني وتبعث في نفسي الشك، وهكذا وجدت الإِسلام دين العقل والمنطق والعدل، ووجدته يؤمّن التوازن بين العقل والعاطفة، وفي كل جوانب الحياة الإنسانية، ويضع للإنسان منهجاً يؤمّن له السعادة في الحياتين.. الدنيا والآخرة، كما يطرح حلولاً متميزة لكل المشاكل التي تعترض حياة الإنسان، وهذا ما دفعني للتحول نحوه.

س: كيف كان صدى التزامك بالإِسلام بين أهلك وفي محيطك؟

ج: قبل ارتدائي الحجاب والالتزام باللباس الشرعي، اقتصر رد فعل أهلي وأصدقائي على بعض التعجّب والتساؤل عمّا إذا كنت سأثبت على قناعاتي الجديدة، وعمّا إذا كنت سأتعدّى مجرد القناعة إلى الالتزام الظاهري، ولكن بعد زواجي ذهبتُ مع زوجي جميل إلى الجزائر، وهناك التزمتُ بالحجاب واللباس الشرعي، وبعد عودتي إلى السويد واجهتُ الكثير من الاستغراب والأسئلة المعترضة على وضعي الجديد سواءً من الأهل أو الأصدقاء حيث لم يكن أحد يتصوّر أنني سألتزم إلى هذا الحد، وقد عرفوني سابقاً غير مبالية بالدين، ولم يدر في خلدهم أن الإِسلام أمر مختلف وأنه ليس مجرد ديانة تعنى بباطن الفرد فقط، بل هو أسلوب للحياة والتعامل.

١٤٤

وبارتدائي الحجاب في ذلك الوقت، أصبحت في نظرهم أنتمي إلى الأقليات المسلمة التي يتجنبها الإنسان السويدي، الذي هو بطبيعته يعيش العزلة والخوف من الجديد والمختلف، غير أن هذا لم يمنعني من أن أشق طريقي بكل ثقة وصبر، وأن أفرض احترامي واحترام ما التزمت به على الكثيرين ممن تبرموا في البداية.

س: كيف ترين أهمية الحجاب بالنسبة إلى المرأة المسلمة وخصوصاً في الغرب؟

ج: الحجاب بنظري هو حصن تعيش المرأة في داخله بكل طمأنينة، واثقة بالنفس، وهو يفسح المجال أمام المرأة للتفكير بما هو أهم من الملابس والزينة، ويعطيها الفرصة لتصبّ جهودها أكثر على ما يدفعها ويدفع محيطها للتقدّم، لأنها تحرّر نفسها من الاستغلال الرخيص لأنوثتها فتتحرّر من سطوة جشع تجار الأزياء وتفاهاتهم، ومن عبث وفساد وسائل الإعلام والإعلان التي تسيّر النساء الفارغات في عالمنا المعاصر.

س: هل يمكن أن تعطينا صورة عن المستوى العلمي الذي توصّلت إليه وعن مجال عملك؟

ج: لقد تابعتُ دراستي بعد إسلامي حتى نلتُ شهادة الدكتوراه من جامعة لوند، وذلك في قسم البيئة البشرية، وكان موضوع أطروحتي هو «المسلمون في الشرق الأوسط»، الذي هو محل اهتمامي الشخصي، وهذا ما اقتضي مني زيارة عدة دول إسلامية في الشرق الأوسط لاستكمال المعلومات حول هذا الموضوع، وأنا الآن أعمل باحثة في جامعة لوند نفسها.

س: علمنا أن لديك نشاطات إسلامية متعددة، فما هي؟

ج: لقد انتخبتُ عضواً في الأكاديمية الإِسلامية، وهي جمعية تضم الجامعيين المسلمين في جميع أنحاء السويد، وتهتم بالتعريف بالإِسلام، وإجلاء صورته في المجتمع السويدي، والدعوة إليه عن طريق المحاضرات والندوات والكتب والمنشورات، وأنا أساهم قدر طاقتي في نشاطات هذه الجمعية.

١٤٥

أمّا نشاطي الإِسلامي الأساسي فيتم من خلال النادي النسائي في مدينة لوند وجمعية الإرشاد الإِسلامية الخاصة بالنساء المسلمات السويديات والمهاجرات، وتهتم الجمعية بالتوعية الثقافية الإِسلامية عن طريق تدريس التربية الدينية والعلوم الإِسلامية واللغة العربية. وتقيم الجمعية الندوات واللقاءات العامة، كما تنظم زيارات للمدارس والجامعات بهدف التبليغ الإِسلامي. إلى جانب ذلك، لدينا اهتمام خاص بالأطفال لتنشئتهم نشأة إسلامية سليمة، وإبعادهم عن المحيط المنحرف.

س: ما رأيك بمستقبل النشء المسلم الجديد في السويد والمجتمعات الغربية؟

ج: برأيي أن الأطفال المسلمين سيواجهون صعوبة أقل لدى انخراطهم بالمجتمعات الغربية، لأنه من الأسهل عليهم فهم تركيبة المجتمع الذي نشأوا فيه والتكيّف معه بمرونة أكثر من كبار السن المهاجرين، سواء في السويد أم في غيرها.

س: ما هي المشكلات التي يعاني منها المسلمون في السويد؟

ج: يعاني المسلمون في السويد من مشاكل عدة، تنعكس سلباً على تحسين أوضاعهم، منها:

- انخفاض المستوى التعليمي، حيث أن الأكثرية منهم جاءوا إلى السويد للاستفادة من الرفاهية المادية الموجودة هنا، وهذا ما يعيقهم عن الحصول على وظائف عالية.

- المشاكل القائمة بين المجموعات المسلمة ذاتها، حيث يختلف بعضهم على المرجعية التي تبتّ في القضايا المهمة التي تهم جميع المسلمين.

س: كيف ينظر السويديون والغربيون عامة إلى المسلمين الموجودين بينهم؟

ج: يصنّف المسلمون في الغرب عادة إلى قسمين: قسم يسمّونهم متطرفين، وهم الذين يتمسّكون بدينهم ويطبقون شعائره ولا يجاملون في ذلك. وقسم آخر يسمّونهم معتدلين، وهم عادة الذين لا يبالون بأمور الدين ويهملون واجباتهم الشرعية، لأنهم متأثرين بالحياة الغربية المادية. ولكن على العموم فإن نظرة الغربيين إلى الإِسلام والمسلمين هي عموماً سلبية، وهي ناشئة عن رؤيتهم الحضارية والدينية المختلفة والاحتكاكات التاريخية، كما أن الإعلام المعادي الموجّه يغذي هذه النظرة السلبية، ويعمل على تضخيم وهم الخطر الإِسلامي على الغرب. كما لا ننسى هنا أخطاء المهاجرين المسلمين وأفعال الكثيرين منهم التي تعطي صورة سيئة عنهم، وعمّا يمثلون.

١٤٦

ولا يعني هذا أن ليس هناك تفهّم للإِسلام وتعاطف مع المسلمين وقضاياهم لدى جهات وأشخاص كثيرين في الغرب، وهنا تأتي مسؤولية المسلمين لكي يبذلوا الجهود المضاعفة كي تتسع هذه النظرة الإيجابية للإِسلام في الغرب.

س: هل من كلمة أخيرة؟

ج: أريد أن أوجّه عبر مجلتكم الموقرة نداءً مختصراً إلى المرأة المسلمة عموماً وإلى النساء في البلاد الإِسلامية بشكل مباشر لأدعوهن إلى مزيد من الوعي والتعقل والتمسك بالإِسلام، هذه الرسالة العظيمة، كي يساهمن بشكل أفضل في تماسك وتطوير وسلامة مجتمعاتهن لإبعادها عن الموبقات والمفاسد التي تعصف بالمجتمعات الغربية، والتي تحطّ من قدر الإنسان، وألا ينخدعن بمظاهر الحياة الغربية ومغرياتها وحرياتها الزائفة، التي تزيّنها لهن وسائل الإعلام المفسدة، فهذه لا تؤدي إلّا إلى سقوطهن وتدمير كل مقومات القوة التي يوفرها لهن الإِسلام في أنفسهن ومجتمعاتهن، وأني آمل من كل اللواتي انبهرن بهذه القشور وتخلين عن مزايا شخصيتهن الإِسلامية الكريمة أن يراجعن أنفسهن ويواجهن الحقيقة بإرادة وصدق.

١٤٧

الأخ المسلم البريطاني جان هانز (محمد علي)

يقول:

· السلوك النظيف والقويم لبعض العمّال المسلمين الملتزمين جعلني أُكبِر الإِسلام وأرغب في اعتناقه.

· في الغرب نحلم بالسعادة ولا نجدها، بل نعيش الحسرة والأسف عند انقضاء كل متعة ننالها.

· تفرّغت لطلب العلوم الدينية الإِسلامية من أجل خلاص نفسي وهداية أهلي ومجتمعي.

· النبي الأعظم (ص) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام) هم معلمو البشر وقادتهم، ويجب أن نتخذهم قدوة لنا.

في الوقت الذي تنتشر فيه الفلسفات المادية والتيارات الإلحادية وهي تغزو وسائل الإعلام في كل قطر وبلد، مدعومة بأحدث وسائل الاتصال والنشر. تجد ثلّة من الناس طريقها الواضح المستقيم، وسط الغبار والزحام المتراكم من الأيديولوجيات والأفكار، مهتدية بنور الإِسلام الذي يجذب إلى ساحته كثيراً ممن أنعم الله عليهم بنعمة الدين الحنيف، ومن قلب الغرب الذي أدار ظهره للدين منذ أن أعرض عن النهج الإلهي، في مطلع النهضة العلمية التي حققت له رفاهية مادية ولكنها فشلت في أن توصله إلى رحاب الطمأنينة وواحة السعادة في هذه الدنيا فضلاً عن الآخرة. من بين هؤلاء النخبة المهتدية، نبدأ حديثنا عن إسلام الشاب البريطاني جان هانز «محمد علي» بهذه اللمحة الدالة التي توجز حوار مجلة «نور الإِسلام» مع هذا الشاب المهتدي.

التقيناه في رحاب المقام الشريف للسيدة زينب (عليها السلام) في ضاحية دمشق الشام، هناك ذات مساء، بعد أداء شعائر الزيارة المباركة، وبعد الفراغ من الصلاة، من بين تلك الوجوه الطيبة التي أمّت المقام الشريف، طالعنا بوجهه المشرق وثغره المبتسم، والطريف في هذا الأمر، أن هذا الشاب كان يرتدي الزي الخاص بطلاب العلم الديني، وكان مظهره يحمل أكثر من دلالة.. بعد أن رحبنا به دار بيننا الحوار التالي:

١٤٨

س: هل لك أن تعطينا لمحة عن نشأتك؟

ج: نعم بكل ترحيب، وُلدت في بريطانيا، وعشتُ طفولتي كأي فرد مسيحي، يذهب مع عائلته إلى الكنيسة أيام الآحاد والأعياد، ولم أكن أشعر بأن شيئاً يمكن أن يطرأ على حياتي فيبدلها، ولكني كنت أشعر كأكثر الناس بأن الحياة تمضي بنا حثيثية دون أن تحمل إلينا معنى أو هدفاً نبيلاً، فالناس تعيش دون مُثُل أو قيم، مكتفية بالاستغراق في الحياة المادية العابثة التي تجعل منّا أناساً أشبه بالأنعام التي تعيش ليومها ولا تفكر بغد.

كانت حياتنا رتيبة، نحلم بالسعادة ولا نجدها، فتشنا عنها كثيراً فلم نجدها في حدود متع الدنيا ولذاتها، بل كنا نصاب بالحسرة والأسف عند انقضاء كل متعة ننال منها نصيباً، لهذا كنا نعيش حياة ينتهي وجودنا بانتهائها؛ ولهذا كان الكثير من الشباب يفكرون بالتخلص من هذه الحياة الفارغة، إما بالهروب إلى المخدرات، هروباً آنياً وإمّا بالانتحار. وقد حصل أن أقدم شبان كثر على قتل أنفسهم عندما قرأوا كتاب «آلام فرتر» للكاتب الألماني «غوته» في الحقبة الماضية. في تلك الفترة لم أكن أختلف بشيءٍ عن أقراني، لقد درستُ وتعلمتُ في إنكلترا وتخرجت من الجامعة مهندساً، ثم سافرت للعمل في الخارج.

س: هل لك أن تحدثنا عن تجربتك الجديدة في ظل الإِسلام؟

ج: كانت بداية التحوّل في حياتي الشخصية حينما سافرت إلى الباكستان للعمل هناك، وبعد انقضاء فترة على وجودي في تلك البلاد، كنت خلالها أراقب العمّال البسطاء الذين كانوا يشتغلون تحت إشرافي. وقد لفت نظري إخلاصهم في العمل فضلاً عن صدقهم في المعاملة، وتفانيهم في أداء ما يُطلب منهم بكل أدب واحترام، ولاحظتُ أن السبب في ذلك يعود إلى روح النظام وجو الطهارة الذي اكتسبوه من عادة حسنة، فقد كانوا يقفون بانتظام صفاً للصلاة بضع مرات في اليوم، بعد أن يقوموا بتنظيف أجسامهم في أحواض الماء، ويغسلون بعض أعضائهم أو يمسحونها، وهي دلالة ظاهرة على طهارة الأبدان، ودلالة باطنة على نظافة الروح وتطهير النفس، وقد تعلمت منهم قول الرسول (ص) :

١٤٩

«أفضل الطيب الماء» .. أما عندنا فما نفع العطور التي يضعها الإنسان على جسم تتنازعه الأقذار والنجاسات، من الخمرة إلى الميتة ولحم الخنزير وما أشبه ذلك. ثم تعلمتُ من هؤلاء العمّال، كيف أملأ وقتي بما يفيد، وكيف أنظِّم ساعات يومي، بعد أن أقف مثلهم لحظات بخشوع وأتلفظ بالكلمات ذاتها، التي تشيع الأمن والطمأنينة في نفسي.

وعرفتُ من هنا أن الفرد المسلم يمثّل الطهارة المادية المتجسّدة في نظافة جسمه من الأدران ونظافة روحه من الآثام.

س: هل من سبب آخر دفعك إلى اعتناق الإِسلام؟

ج: لقد كان في حياتنا نحن الغربيين، كما أشرتُ إليك، فراغ هائل، نابع من انتفاء القِيم في واقع الإنسان الغربي، وهذا ما يبعث على القلق المؤدي إلى عذاب الروح، فعندنا كلمة شائعة يتداولها الناس تدلّ على اللامبالاة وعدم الاكتراث مثل «لا يهمني» أو أن يقول قائلنا لكل أمر جديد أو مدهش «حسناً».

والجدة عندنا معيار وقيمة توزن بها الأشياء، فكل شيء إذا مضى عليه وقت يفقد قيمته ويتطلع الإنسان إلى الجديد الذي يبهر ثم سرعان ما يفقد هذا الجديد سحره وتأثيره، وهكذا يظل الإنسان يلهث وراء كل جديد، حتى يتبلد إحساسه فلا يشعر بقيمة الأشياء، فتفقد الأشياء معناها وجوهرها، فيصبح الإنسان عديم الإحساس، من هنا يفكر في الخلاص بأي طريق كان.

بينما يعطي الإِسلام منهجاً وسطاً في المنع والعطاء، في التمنع والحرمان، هذا المنهج الوسط يبقي للأشياء معناها، لأن الحرية المطلقة التي تبلغ الإباحية والإسراف، تستهلك جوهر الأشياء وتبطل معناها، وهنا تكمن الكارثة في الحياة الغربية القائمة على البراغماتية والمتعة الآنيّة.

لقد وهبني الإِسلام منهجاً في الحياة قرّت به عيني واطمأنت إليه نفسي، بعد سنوات من الضياع والقلق الذي يغرق فيه مجتمعنا المتردي في دوامة الانحلال على الصعيدين المادي والروحي.

ولم أصدق أن هناك عقيدة تحمل إلى الإنسان السكينة والاستقرار إلّا بعد أن رأت عيناي وسمعت أذناي ولمستُ الحقيقة التي لا ريب فيها أن الإِسلام بصفاته وسماحته هو المنتجع الآمن والواحة التي تستظل بها النفوس التواقة إلى رحاب السعادة. كان ذلك التحوّل الكبير في حياتي حين تعرفت إلى خاتم الديانات وجوهر الرسالات، الإِسلام الحنيف، وكان ذلك بفضل العناية الإلهية.

١٥٠

س: ما هي الأسباب التي دفعتك لتكون طالباً في مدرسة العلوم الدينية؟

ج: عندما اهتديتُ إلى الإِسلام، فكرت بأهلي ومجتمعي، وعرفت أني سأواجه اعتراضاتهم، لذلك شئت أن أتسلح بالحجة والبرهان، وسبيلها العلم والمعرفة، لذا عقدتُ العزم على تلقي العلوم والمعارف الإِسلامية.

س: ألا يسبب لك حرجاً ارتداؤك الزي الخاص برجال الدين؟

ج: في الأساس لم أفكر في خلاص نفسي فحسب، بل فكرت في خلاص الآخرين من أهل وطني، لهذا وطّنت النفس على تجاوز الصعاب، إنني فخور بارتداء العمامة والزي الديني، وهذا يمنحني الحرية في الحركة، بهذه الثياب الفضفاضة، كي يحررني من الزي الغربي الملاصق للجسد، فذاك يضغط عليّ ويرهقني، وهذا يتيح لي التحرك بسهولة، وهو رمز للتجرد عن زيف الحضارة في الزينة والتجمل.

ثم إن المجتمع الغربي يدّعي الحرية والديمقراطية، فأنا من هذا المنطلق يحق لي أن أرتدي ما أشاء.

س: ماذا تنوي أن تفعل عندما تعود إلى وطنك؟

ج: انطلاقاً من قول الإمام علي (ع) : «أحب لغيرك ما تحب لنفسك»، لهذا فإنني أبغي الخير لإخواني في الإنسانية من أبناء وطني كما قال الإمام (ع) : «واعلم أن الناس إمّا أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق». فسوف أقوم بواجبي في التبليغ الإِسلامي، وإنني آمل منهم أن يستجيبوا.

س: ما هو مدى اطلاعك على الثقافة الإِسلامية؟

ج: إني سعيت للاطلاع على المعارف والعلوم الإِسلامية بشغف ومحبة، وإنني ملم بحياة النبي (ص) والأئمة (عليهم السلام) ، ومطّلع على الكثير مما قالوه وفعلوه، وإنني أؤمن بعصمتهم وأنهم معلمو البشر وقادتهم، وأتخذهم قدوة وأجعل من أقوالهم شعاراً ومن أفعالهم أمثولة في الحياة.

١٥١

س: هل من كلمة أخيرة تتوجه بها إلى القرّاء؟

ج: إنني أؤكد إنني وجدتُ للحياة قيمة بعد اعتناقي الإِسلام، فنحن لم نخلق عبثاً، بل لغاية سامية، والجدة التي هي معيار كاذب وزائف لم تعد تعني لي شيئاً.

وإنني أردد ما قاله المرجع الكبير الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء «بلّغوا الإِسلام إلى الغرب، فإذا نجحتم في رسالتكم هناك، حققتم أهدافكم في التبليغ هنا»، لأن الشرق مولع بتقليد الغرب، وهو مرض العصر، ولقد كان الغرب الإسباني في عصر الإِسلام، يتوجه بأنظاره قِبَل المشرق، وإنني أدعو جميع الناس إلى قراءة الإِسلام ومعرفته عن كثب ليتسنى لهم الاهتداء ثم هداية الآخرين، لأن الناس أعداء ما جهلوا، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

١٥٢

الأخت الروسية المهتدية، يلينا كوشيليوفا

تقول «لنور الإِسلام»:

- على الرغم من الدعاية الإلحادية التي كان يفرضها النظام التعليمي الشيوعي السابق، كان ينتابني إحساس بوجود إله واحد.

- من خلال كتاب «حياة محمد» لأحد الكتّاب الروس، أعجبت بشخصية الرسول (ص) ثم صرت أبحث عن الكتب الإِسلامية.

- الأسف يعتصر قلبي، كيف لم تهتدِ النسوة السافرات إلى نعمة الحجاب، وما يمثّله من قيم النقاء والطهر.

- إنني أنصح أختي المسلمة أن لا تسير بخطى عشواء على طريق المدنية القادمة من الغرب.

يلينا يورينيفا كوشيليوفا

لم تكن تدري يلينا وهي الفتاة الروسية التي تعيش في مجتمع شيوعي يؤمن بالقيم الماركسية، أنها على موعد مثير، مع صدفة رائعة حملها إليها عيد الأضحى، حينما التقت بمن هيَّأته العناية الإلهية لينقلها من الظلمات إلى النور، ومن الشرك إلى الدين الحنيف، لقد وُلدت من جديد، كما تقول يلينا، وكنت أشعر بإرهاصات تنبئ عن استعداد وتوجه في عمق وجداني. كالظافر بالماء وسط الصحراء، لأجد الحوض الطاهر النقي، الذي ألقيت بنفسي في لجته، لأتطهر من أدران هذا العالم الذي أضاع قيم الروح والإنسانية.

تجربتي مع الإِسلام مثيرة وغنية بالعبر إذا ولجتم إلى أعماقي ستجدون أنني جد سعيدة بهذه المصادفة الرائعة. وكأن القطار الذي كان ينقلني من إحدى المدارس في ضواحي «لاتيا» كان يحملني إلى شاطئ السعادة والأمان وواحة الهداية واليقين.

في مسكنها الزوجي في بيروت وبين عائلتها السعيدة التقت نور الإِسلام السيدة يلينا وكان لنا معها هذه المقابلة:

١٥٣

س: هل لك أن تعطينا لمحة موجزة عن نشأتك وتربيتك الأولى:

ج: وُلدت سنة 1973 في طاجكستان التي كانت واحدة من جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقاً، من أصل روسي، وكان والدي ضابطاً برتبة كولونيل، إلى جانب كونه محامياً، وكانت أمي طبيبة، وقد تعرضت عائلتي للتنقل إلى أكثر من بلد، إذ هاجر أهلي إلى سيبيريا، إلا أنني بقيتُ أعيش مع جدتي في طاجكستان حيث دخلت إلى المدرسة، وعندما سافر أهلي إلى جمهورية لاتيا اصطحبوني معهم إلى مدينة ريفا ثم استقرت بنا السكنى أخيراً في أوكرانيا.

لقد فرضت علينا ظروف عمل والديَّ أن نتنقل بين بلدان الاتحاد السوفياتي سابقاً، مما أتاح لي فرص التعرف إلى هذه البلدان المختلفة، والخروج إلى العالم الأوسع؛ ما أكسبني مرونة في التصرف، ومزيداً من الوعي، وهذا ما أدى إلى أن لا تترسخ في نفسي عادات بلد معين، بل كنت أبحث دائماً عن الأفضل في العادات والسلوك. لقد ترعرعت وسط عائلة مثقفة. فالبيئة التي عرفتها في لاتيا تشبه البيئة الأوروبية من حيث توفر الحرية والمناخ الثقافي والفكري، قياساً على بقية البلدان الروسية.

كانت طفولتي موزعة بين البيت والمدرسة، فلم أكن أهتم بما يوليه أترابي من اهتمام.

ولست أعلم بالتأكيد لماذا كان ينتابني إحساس بوجود إله واحد مع أن التعاليم الإلحادية التي يفرضها النظام التعليمي، كانت لا تعترف بذلك، وربما كان لجدتي أثر في هذا الاستعداد لديَّ.

وكان والدي يشتري لي كتباً علمية حول نشوء العالم، حسب ما يقرره الإنجيل، وكنت أميل كثيراً إلى التأمل. وعندما بلغت السادسة أو السابعة عشرة جربتُ أن أصوم على الطريقة الأرثوذكسية، حيث كنت أمتنع عن تناول اللحوم والمشتقات الحيوانية لمدة أربعين يوماً.

١٥٤

س: هل لك أن توضحي لنا الأسباب التي حملتك على اعتناق الإِسلام:

ج: أجل. حينما كنت في الرابعة عشرة من عمري، كنت أتعلم في مدرسة تضم أولاداً من الطاجيك الذين يعتنقون الإِسلام، ولاحظتُ كيف أن العائلة المسلمة تضم عدداً كبيراً من الأولاد، وفي أثناء ذلك كان يسترعي انتباهي منظر الأولاد المؤثر، وهم يصومون طوال النهار عن الطعام والشراب، وكان بعضهم يصاب بالإعياء آخر النهار، حيث كان شهر حزيران القائظ بنهاره الطويل. وكان ذلك يحملني على التساؤل، لماذا يتحمل هؤلاء هذا العناء كله ومن أجل أي شيء يضحون بالتمتع بما يشتهون من الطعام. كان ذلك بداية التجربة مع الإِسلام بالنسبة إليّ.

وعندما بلغتُ الثامنة عشرة، كنت أدرس الكيمياء في إحدى الكليات، التي تبعد عن منزلنا ثلاثة أرباع الساعة تقريباً، وكان عليّ أن أتنقل بالقطار، وهنا حدثت الصدفة الرائعة، حيث تعرّفت إلى زوجي المهندس اللبناني فهد سويدان، وتجدَّد اللقاء وعرّفني أنه مسلم ملتزم وكان آنذاك لا يحسن اللغة تماماً.

وشاءت الصدف أن ننتقل جميعاً إلى كييف في أوكرانيا للدراسة، فتوثقت علاقتنا، من ذلك الحين بدأ اهتمامي بالإِسلام يتزايد وأخذتُ أتردد على المكتبة، وكان أن اطلّعتُ على كتاب «حياة محمد» وهو لأحد الكتّاب الروس المستشرقين فأعجبتُ بشخصية الرسول (ص) ، ثم صرتُ أبحث عن الكتب الإِسلامية لأطالعها، وتلقيتُ كثيراً من العون. وفي الوسط الطلابي في كييف لمست أن هناك إسلاماً حقيقياً حيث الصفاء الروحي والصدق الذي يتحلى به الطلاب المسلمون القادمون من بلدان المختلفة.

س: ما هو موقف أُسرتك وأصحابك من هذا التحول:

ج: بالنسبة إلى والدتي لم يشكل هذا التحول حرجاً، وأما والدي فقال لي: إنك ستبقين مسيحية، ولو حاولت أن تكوني غير ذلك، أما أنا فقد أصبحتُ مسلمة، في الواقع، ولكنني لن أتنكر للقيم الصحيحة في المسيحية.

والذي سهَّل عليّ هذا التحول هو ما كانت تشهده بلادنا من تحول كبير في بنية النظام في جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق. فكل شيء كان من حولنا يتغير ويتبدل.

١٥٥

س: ما هي التغيرات الإيجابية التي تمَّت بعد اعتناقك الإِسلام؟

ج: شعرتُ بأنني بلغتُ هدفي، وأنني أدركتُ ما كنت أصبو إليه، من يقين وطمأنينة! فقد كنت متعطشة للوصول إلى الحقيقة، التي كانت ترد بشكل تساؤلات حول العقيدة والسلوك في الحياة، تبحث عن جواب شافٍ.

وما يجدر ذكره أنني لم أجرِّب المحرمات قبل زواجي واعتناقي الإِسلام. إذ كان كلٌّ من روحي وجسدي طاهرين، وبقيا طاهرين، وبكلمة أقول: «كأنني وقعْت في حوض الماء الذي كنت أتوق للسباحة فيه»، كرمز للطهارة التي يمنحها الإِسلام لأتباعه. ولقد استفدتُ في لبنان كثيراً من إحدى المدرِّسات، وأنا مدينة لها بتعلم بعض العربية وقراءة القرآن الكريم وتفسير بعض الأدعية.

س: كيف تنظرين إلى ظاهرة السفور المنتشرة في المجتمع الإِسلامي؛ كونك فتاة روسية قادمة من خارج البلاد الإِسلامية؟

ج: إن هؤلاء النسوة يعانين من ضياع، وإنني لأشعر بالأسف يعتصر قلبي كيف لم يهتدين إلى نعمة الحجاب وما يمثِّله من قيم النقاء والطهر. ولكن المرأة المسلمة، وهي ترتدي الحجاب لا بدّ لها من أن تراعي مستلزمات هذا الحجاب، في حديثها وتصرفاتها ومعاملاتها.

وإني أنظر إلى ظاهرة السفور في مجتمعاتنا الحديثة، كظاهرة غير طبيعية، طرأت على المجتمع الإِسلامي والمسيحيي في الشرق والغرب، وكان من أهم الدواعي إليها، نزول المرأة إلى ميدان العمل وما أحدثته الثورة الصناعية من تبدل في القيم الاجتماعية والخلقية.

إذ العودة إلى الحجاب، هي بنظري رجوع إلى الفطرة والأصل.

س: ما هي رؤيتك لواقع المرأة المسلمة اليوم؟

ج: على المرأة المسلمة المحجبة أن تثبت للآخرين أنها ليست متقوقعة في حياتها ومنعزلة عن المجتمع، بل إنها تختزن طاقة يمكن أن تستثمرها في هداية الفتيات الأخريات، مع المحافظة على واجباتها البيتية التي هي أهم من أي نشاط اجتماعي خارج المنزل، وطبعاً مع المحافظة على طبيعتها الأنثوية.

١٥٦

س: ماذا تقترحين لهداية الجيل المعاصر:

ج: في نظري إن الجيل من الأحداث والشباب منجذب بشكلٍ ملفتٍ للنظر، إلى مشاهدة وسائل الإعلام المضرة وخاصة التلفاز، وهذا ما يشكل ظاهرة ذات آثار سلبية كبيرة بالنسبة إلى الأطفال بشكل خاص، فعلى الآباء أن ينتبهوا لتربية أولادهم، فلا يتركوهم فريسة للمسلسلات العبثية الفارغة.

س: هل من كلمة أخيرة توجهينها إلى القرّاء؟

ج: إني أنصح أختي المسلمة أن لا تسير بخطى عشواء على خطى المدنية القادمة من الشرق والغرب، بل تعود إلى أصالتها وأن لا تستورد إلا ما هو الأحسن والأفضل،، ولتستفد من تجربة الغرب الذي نظر في حضارتنا فأخذ بأحسنها، بينما نرى العكس في بلاد المسلمين، حيث ينبهرون بالأمور الخدّاعة والبرَّاقة التي تعبر عن أسوأ ما عند مجتمعات الغرب من خلاعة وسفور وابتعاد عن الدين والفضيلة.

١٥٧

الأخت المهتدية كارمن سركسيان «هدى»

هكذا تعرفت إلى الإِسلام وهكذا اهتديت

تلك الفتاة الأرمنية التي اهتدت إلى نور الإِسلام واعتنقت الدين الضيف بعد رحلة مثيرة، وتجربة غنية في البحث والاستكشاف، هذه الهداية التي كان مفتاحها التعرف على شريك لها في الحياة، ولكن الرحلة الإيمانية لم تقف عند حد، بل إن الفتاة المهتدية سارت يحفِّزها حب المعرفة، إلى أن تنهل من معين الثقافة الإِسلامية لتغترف من المكتبات ما جعلها جديرة بأن تكتب تجربتها في كتاب يمتع القارئ ويفيد في آنٍ معاً، بعنوان «قصة إسلامي» وإليك أيها القارئ مقتطفات مما أوردته في هذا الكتاب.

عن ولادتها ونشأتها تقول:

وُلدت في الكويت عام 1965، نشأتُ وترعرعتُ وقضيتُ أجمل أيام عمري في رحابها، ولا أزال أحلم بالعودة لأعيش على أرضها الطيبة مرة أخرى، حيث ولادتي ونشأتي ودراستي وعملي وزواجي وإنجابي طفلي علي، والأهم من ذلك كله، أن الله هداني للإِسلام على أرضها، فكيف أنساها، إنها نبضة في القلب، وبدون نبضات القلب لا يحيا الإنسان.

كيف تعرفت إلى الإِسلام؟

في صيف «سبتمبر/أيلول» 1985، كنت أعمل كموظفة في شركة كويتية للمشاريع الهندسية، وكنت أنظم الملفات وأقوم بأعمال أمانة السر لذلك الإنسان الذي أصبح زوجي فيما بعد. ومع أنني وافقت على الزواج منه، إلّا أن تلك الموافقة كانت مصحوبة بشيء من الخوف لأنني مسيحية وأرمنية وهو مسلم.

ولا بدّ أن أوضح معنى كلمة أرمنية، إن الكثير من الناس حين يسمع كلمة أرمني أو أرمنية، تتبادر إلى أذهانهم كلمة مرادفة هي مسيحي، وفي الحقيقة هذا خطأ، فكلمة أرمني تعني أن جذور الشخص تعود إلى أرمينيا، إحدى جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقاً، وهي الآن جمهورية مستقلة، ثم إن أرمينيا فيها عدد كبير من المسلمين الأرمن، لذا إن كلمة أرمني هي مثل سوري ولبناني ومصري.

١٥٨

أما سبب مخاوفي فهو أني أعرف بعض المسيحيات اللواتي اقترنَّ بمسلمين، وكان الفشل حليف هذا الزواج فطُلِّقن فيما بعد، أما أنا فكنت واثقة من نجاح زواجنا، فقد تيقنت من صدق زوجي، كما أنه استطاع أن يجذبني إلى اعتناق الإِسلام، إذ كان يمثل لي القدوة الصالحة والأسوة الحسنة في سلوكه وتصرفه معي. وبعد أن أصبحت مسلمة، اخترت لنفسي اسم هدى بدلاً من اسمي السابق «كارمن».

كيف كان تأثير إسلامها وزواجها من مسلم على أقربائها؟

كان زواجنا في البداية غير مُعْلَن، تحاشياً لردود الفعل من قِبَل الأهل والأصحاب، ولكن فوجئت بأن أختي تتصل بي عبر الهاتف وتخبرني بمعرفتها بهذا الزواج وكان ذلك مفاجأة لي، وتذكرت الآية الكريمة﴿یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا یَحِلُّ لَکُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ کَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَیْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ یَأْتِینَ بِفَاحِشَةٍ مُبَیِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ کَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَکْرَهُوا شَیْئًا وَیَجْعَلَ اللَّهُ فِیهِ خَیْرًا کَثِیرًا ﴿19﴾ ﴾ [النساء: 19]، فأخبرتها الحقيقة، وكان أهلي يسكنون في المدينة نفسها، فطلبوا من زوجي الحضور لمناقشة الموضوع.

وتمَّ الاتفاق أن أغادر منزل أهلي لأعيش مع زوجي بعد أن يئس الأهل من التأثير عليّ، وكانت دموع والدتي تنطق بأبلغ الكلام. قاطعني أهلي مدة أسبوعين فقط، بعدها قاموا بزيارتي دون أن يسمحوا لي بأن أزورهم.

ولم تعلم والدة زوجي بأمر زواجنا إلّا حين أُدخل زوجي إلى المستشفى لإجراء عملية جراحية، وكان قد أخبر أهله حفاظاً عليّ وعلى حصتي في الميراث، إذا حصل القضاء. وقد اصطحبتني والدة زوجي إلى منزلهم للمرة الأولى، فإذا بي أرى مكتبة كبيرة تضم كتباً في مختلف العلوم والآداب والتاريخ الإِسلامي، ومع أننا تأخرنا في السهر ليلاً فقد استيقظ الجميع في ساعة مبكرة من الصباح لأداء صلاة الصبح.

١٥٩

ولكن كيف اعتنقت الإِسلام؟

كانت لقاءاتي بأهله تثير عندي تساؤلات عن الصلاة، وعن الحجاب، وعن الفصل بين مجلس الرجال ومجلس النساء، وهنا بدأت رحلة المعرفة، والاستكشاف حين بدأت بالانصراف إلى مطالعة الكتب، وكانت والدته تدفعني إلى ذلك. قبل ذلك كنت أعيش في صراع، والآن بدأت رحلتي السعيدة مع الدين الحنيف. لم يكن زوجي يحدِّثني كثيراً عن الإِسلام، لأنه لا يريد أن يرغمني على اعتناقه، كما هو الشرط بيننا سابقاً، فكان يجيب باختصار على كل سؤال أطرحه عليه، ويصمت إذا لم أوجه إليه سؤالاً، كان يتألم لكوني غير مسلمة، لا أصلي، ولا أرتدي الحجاب.

كنت غير راغبة في ذلك، كنت أعلم مدى الحرج الذي أسببه لزوجي، بالرغم من ذلك كان له الدور غير المباشر في تقريبي إلى الإِسلام، ومن أجل ذلك كان يكثر من الاستماع إلى برامج القرآن الكريم، والإذاعات التي تبث برامج ثقافية حول الدين الحنيف.

انطباعاتها وشهادتها على أسلوب الحوار

إنني أعترف وأشهد بأن الطريقة التي كان يتم فيها النقاش لم تكن تؤذي مشاعري حول المسيحية - ديني السابق - فلم أتذكر أن المسلمين الذين تحاورت معهم أساءوا إلى المسيح (ع) وأمه أبدأ، بل إنهم يكنون من المحبة والتقديس لهما ما يثير الإعجاب ويؤمنون برسالته، وعندهم أن مَن لا يؤمن برسالة عيسى (ع) فليس بمسلم، وإن آمن برسالة محمد (ص) ، والغريب أنهم يستشهدون لعظمة النبي محمد (ص) بآراء كتّاب ومفكرين مسيحيين أمثال برنارد شو وغوته وكارلايل ولامارتين وجرداق وجبران ونعيمة، وحتى من غير أهل الكتاب أمثال نهرو، كنت ألتزم الصمت خلال مناقشاتهم، لأنهم يعرفون عن المسيحية أكثر مما أعرف.

كيف تم التزامها بالدين الحنيف فكرةً وسلوكاً؟

ولما كنت أتابع القراءة والمطالعة كان زوجي يقوم بشرح ما يصعب عليّ فهمه، واستمر الحال هكذا حتى أواخر عام 1987، وكنت أستمع إلى إحدى الإذاعات التي تنشر رسائل دكتوراه وماجستير يتقدم بها طلاب يرغبون بالتخصص في العلوم الإِسلامية، وقد كانت مناقشات تلك الرسائل ذات فائدة عظيمة بالنسبة إليّ.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

أمّا إذا أخذنا الشهادة بمعنى الشهادة العملية ، يعنى أن تكون أعمال «فرد نموذجي» مقياسا ومعيارا لأعمال الآخرين كان التّفسير حينئذ خاليا عن أي إشكال ، لأنّ كل نبيّ بما له من صفات متميزة وخصال ممتازة يعدّ خير معيار لأمّته ، إذ يمكن معرفة الصالحين والطالحين بمشابهتهم أو عدم مشابهتهم له ، وحيث إن النّبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو أعظم الأنبياء والرسل الإلهيين كانت صفاته وأعماله معيارا لشخصية كل الأنبياء والرسل.

نعم لا يبقى هنا إلّا سؤال واحد هو : هل جاءت الشهادة بهذا المعنى ، أم لا؟بيد أنّه مع الانتباه إلى أنّ أعمال الرجال النموذجيين وتصرفاتهم وأفكارهم تشهد عمليا على أنّه من الممكن أن يرقى إنسان ما إلى هذه الدرجة ، ويطوي هذه المقامات والمراحل المعنوية لم يبد مثل هذا المعنى بعيدا في النظر.

عندئذ يندم الكفار الذين عارضوا الرّسول وعصوه ، أي عند ما رأوا بأمّ أعينهم تلك المحكمة الإلهية العادلة ، وواجهوا الشهود الذين لا يمكن إنكار شهاداتهم ، إنهم يندمون ندما بالغا لدرجة أنّهم يتمنون لو أنّهم كانوا ترابا أو سووا بالأرض كما يقول القرآن الكريم في الآية الثانية من الآيتين الحاضرتين إذ يقول سبحانه :( يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ ) .

وقد ورد مثل هذا التعبير في آخر سورة النبأ إذ يقول تعالى :( وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً ) .

ولكن لفظة( لَوْ تُسَوَّى ) تشير إلى مطلب آخر أيضا ، وهو : إنّ الكفار مضافا إلى أنّهم يتمنون أن يصيروا ترابا ، يحبّون أن تضيع معالم قبورهم في الأرض أيضا وتسوى بالأرض حتى ينسوا بالمرّة ، ولا يبقى لهم ذكر ولا خبر ولا أثر.

إنّهم في هذه الحالة لا يمكنهم أن ينكروا أية حقيقة واقعة ولا أن يكتموا شيئا :( وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً ) لأنّه لا سبيل إلى الإنكار أو الكتمان مع كل تلكم الشهود.

٢٤١

نعم ، لا ينافي هذا الكلام ما جاء في الآيات الأخر التي تقول : هناك من الكفار من يكتم الحقائق يوم القيامة أيضا ويكذبون(١) لأنّ كذبهم وكتمانهم واقع قبل إقامة الشهود وقيام الشهادة ، وأمّا بعد ذلك فلا مجال لأي كتمان ، ولا سبيل إلى أي إنكار ، بل لا بدّ من الاعتراف بجميع الحقائق.

وقد روي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام في بعض خطبه أنّه قال عن يوم القيامة «ختم على الأفواه فلا تكلم وتكلمت الأيدي وشهدت الأرجل ونطقت الجلود بما عملوا فلا يكتمون الله حديثا».(٢)

هذا ويحتمل بعض المفسرين أن يكون المراد من( لا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً ) أنّهم يتمنون لو أنّهم لم يكتموا في الدنيا أية حقيقة ، خصوصا في ما يتعلق برسول الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعلى هذا تكون هذه العبارة عطفا على جملة( لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ ) .

ولكن هذا التّفسير لا ينجسم مع ظاهر «لا يكتمون» الذي هو فعل مضارع ، ولو كان المراد ما ذكره هذا الفريق من المفسرين لوجب أن يقول : «لم يكتموا».

* * *

__________________

(١) مثل الآية (٢٢) و (٢٣) من سورة الأنعام ، والآية (١٨) من سورة المجادلة.

(٢) تفسير نور الثّقلين ، ج ١ ، ص ٤٨٢ ـ ٤٨٣ ، نقلا عن تفسير العياشي.

٢٤٢

الآية

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلاَّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً (٤٣) )

التّفسير

بعض الأحكام الفقهية :

تستفاد من الآية الحاضرة عدّة أحكام إسلامية هي :

١ ـ حرمة الصّلاة في حال السكر ، أي لا يجوز للسكارى أن يقربوا الصّلاة لبطلان صلاتهم في حالة السكر ، وفلسفة ذلك واضحة ، فإن الصلاة حديث العبد إلى ربّه ومناجاته ودعاؤه ، ولا بدّ أن يتمّ كل هذا في حالة الوعي الكامل ، والسكارى أبعد ما يكونون عن هذه الحالة :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ ) .

وهنا يمكن أن يطرح أحد سؤالا هو : أليس مفهوم الآية هو المنع من شرب المسكرات إذا بقي أثرها وسكرها إلى وقت الصلاة ، وهو ينطوي على دليل

٢٤٣

جوازه في سائر الحالات؟

والإجابة على هذا السؤال تأتي ـ بإذن الله ـ مفصّلة عند تفسير الآية (٩٠) من سورة المائدة ، إلّا أن الجواب الإجمالي هو : إنّ الإسلام استخدم لتطبيق الكثير من أحكامه أسلوب «التغيير التدريجي» فمثلا مسألة تحريم تعاطي الخمور هذه طبقها الإسلام في مراحل ، فهو أوّلا أعطاه صفة المشروب الغير المحبّذ في قبال «الرزق الحسن» (كما في الآية (٦٧) من سورة النحل «ورزقا حسنا») ثمّ منع من الاقتراب إلى الصلاة إذا كان السكر الناشئ منها لا يزال باقيا (كما في الآية الحاضرة) ثمّ قارن بين منافعه ومضاره ورجحان مضاره ومساوئه ، كما في سورة البقرة الآية (٢١٩) ، وفي المرحلة الأخيرة نهى عن الخمر بصورة قاطعة وصريحة ، كما في سورة المائدة الآية (٩٠).

وأساسا ليس هناك من سبيل لتطهير المجتمع من جذور مفسدة اجتماعية أو خلقية متجذرة في أعماق المجتمع واقتلاعها من الجذور أفضل من هذا الأسلوب ، وأجدى من هذا الطريق ، وهو أن يهيأ الأفراد تدريجا ، ثمّ يتمّ الإعلان عن الحكم النهائي.

كما أنّه لا بدّ من الالتفات إلى نقطة مهمّة ، هي أنّ الآية الحاضرة لا تجيز بأي وجه من الوجوه شرب الخمر ، بل هي تتحدث فقط عن مسألة الاقتراب إلى الصلاة في حال السكر ، بينما التزمت الصمت بالنسبة إلى حكم شرب الخمر في غير هذا المورد حتى يحين موعد المرحلة النهائية للحكم.

هذا مع الالتفات إلى أنّ أوقات الصلوات الخمس خاصّة في ذلك الزمان الذي كانت العادة فيه إقامة الصلوات الخمس في أوقاتها ، بحكم أنّها كانت متقاربة كان الإتيان بالصلاة في حال الوعي يقتضي أن ينصرف الأشخاص عن تناول المسكرات في الفترات الواقعة بين أوقات الفرائض انصرافا كليا ، لأنّ السكر كان يستمر غالبا إلى حين حلول وقت الفريضة وعلى هذا كان الحكم

٢٤٤

المذكور في الآية الحاضرة أشبه بالحكم النهائي والتحريم الأبدي المطلق.

كما أنّ هناك موضوعا لا بدّ من التذكير به ، وهو أنّ الآية الحاضرة فسّرت في روايات عديدة في كتب الشيعة والسنة بسكر النوم ، يعني لا تقربوا الصلاة ما لم تطردوا النوم عن عيونكم كاملة لتعلموا ما تقولون.

ولكن يبدو للنظر أن هذا التّفسير مستفاد من مفهوم :( حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ ) وإن لم يدخل في مصداق «السكارى»(١) .

وبعبارة أخرى ، يستفاد من جملة :( حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ ) المنع عن الصلاة في كل حالة لا يتمتع فيها الإنسان بالوعي الكامل ، سواء كان بسبب حالة السكر ، أو بسبب ما تبقى من النوم.

كما أنّه يستفاد من هذه الجملة أيضا أنّ الأفضل عدم إقامة الصلاة عند الكسل أو قلّة التوجه ، لأنّ الحالة السابقة توجد في هذه الصورة بشكل ضعيف ، ولعلّه لهذا السبب جاء في ما روي عن الإمام الباقرعليه‌السلام من أنّه قال : «لا تقم إلى الصلاة متكاسلا ، ولا متناعسا ولا متثاقلا وقد نهى اللهعزوجل المؤمنين أن يقوموا إلى الصلاة وهم سكارى ...»(٢) .

٢ ـ بطلان الصلاة في حال الجنابة الذي أشير إليه بعبارة( وَلا جُنُباً ) ثمّ استثنى سبحانه من هذا الحكم بقوله :( إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ ) أي إذا فقدتم الماء في السفر جاز لكم أن تقيموا الصلاة (شريطة أن تتيمموا كما يجيء في ذيل الآية).

غير أن هناك تفسيرا آخر جاء لهذه الآية في الروايات والأخبار(٣) ، هو أنّ المقصود من الصلاة في الآية هو محل الصلاة ـ أي المسجد ـ أي لا تدخلوا المساجد وأنتم على جنابة ، ثمّ استثنى العبور في المسجد بقوله :( إِلَّا عابِرِي

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، ج ١ ، ص ٤٨٣ ، وتفسير القرطبي ، ج ٣ ، ص ١١٧١.

(٢) تفسير نور الثقلين ، ج ١ ، ص ٤٨٣ ، وقد جاء نظير هذا المضمون في صحيح البخاري أيضا.

(٣) وسائل الشيعة ، ج ١ ، ص ٤٨٦.

٢٤٥

سَبِيلٍ ) يعني يجوز لكم العبور في المسجد وأنتم على جنابة وإن لم يجز لكم المكث واللبث فيه.

ويستفاد من بعض الروايات أنّ جماعة من المسلمين ، وصحابة النّبي كانوا قد بنوا بيوتهم حول المسجد النّبوي بحيث تفتح أبوابها في المسجد ، فسمح لهم بأن يعبروا من المسجد وهم على جنابة دون أن يتوقفوا فيه.

ولكن لا بدّ أن ننتبه إلى أن هذا التّفسير يستلزم أن تكون لفظة الصلاة في الآية الحاضرة قد أتت بمعنيين : أحدهما الصلاة نفسها ، والآخر محل الصلاة ، لوجود بيان حكمين مختلفين في الآية : أحدهما المنع والنهي عن الاقتراب إلى الصلاة في حالة السكر،والآخر الاجتناب عن دخول المساجد في حالة الجنابة (طبعا لا مانع ولا ضير في استعمال لفظة واحدة في معنيين أو أكثر كما قلنا في علم الأصول ، ولكنّه خلاف الظاهر،وهو لا يجوز بدون قرينة ، نعم يمكن أن تكون الروايات المذكورة قرينة على ذلك).

٣ ـ جواز الصلاة ، أو عبور المسجد بعد الاغتسال ، هو المبين بقوله :( حَتَّى تَغْتَسِلُوا ) .

٤ ـ التيمم لذوي الأعذار ، ثمّ تشير الآية إلى حكم التيمم لذوي الأعذار فتقول :( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ ) وفي هذه العبارة من الآية قد اجتمعت ـ في الحقيقة ـ كل موارد التيمم ، فالمورد الأوّل هو ما إذا كان في استعمال الماء ضرر على البدن،والمورد الآخر هو ما إذا تعذر على الإنسان الحصول على الماء (أم لم يمكن استعماله) وبقوله :( أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ ) إشارة إلى علل الاحتياج إلى التيمم وأسبابه ، ومعناه إذا أحدثتم حدثا أو جامعتم النساء( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً ) أي لم تقدروا على تحصيل الماء أو استعماله( فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) .

ثمّ أنّه سبحانه يبيّن طريقة التيمم بقوله :( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ) .

٢٤٦

ثمّ أنّه في ختام الآية يشير إلى حقيقة أنّ الحكم المذكور ضرب من التخفيف عنكم،لأنّ الله كثير الصفح كثير الستر لذنوب عبادة( إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً ) .

* * *

بحوث عند الآية :

هنا لا بدّ من التنبيه إلى نقاط عديدة :

١ ـ إنّ عبارة( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً ) المبدوة بفاء التفريع ترتبط بعبارة( أَوْ عَلى سَفَرٍ ) يعني أنّكم إذا كنتم في سفر ولم تجدوا ماء للوضوء أو الغسل ، فتحتاجون إلى التيمم،لأنّ الإنسان قلما تتفق له هذه الحالة وهو في البلد ، ومن هنا يتبيّن بطلان ما قاله بعض المفسّرين ـ مثل صاحب المنار ـ من أن مجرّد السفر وحده كاف للتكليف بالتيمم بدل الوضوء حتى لو كان الشخص المسافر واجدا للماء ، فإنّ فاء التفريع في قوله( فَلَمْ تَجِدُوا ) يبطل هذا الكلام ، لأنّ المفهوم منه هو أنّ السفر قد يوجب أحيانا عدم التمكن من الماء ، وهنا لا مناص من التيمم ، لا أنّ السفر بوحده يسوغ التيمم ، والعجب أنّ الكاتب المذكور تحامل على فقهاء الإسلام في هذا المجال من دون مبرر لهذا التحامل.

٢ ـ إنّ كلمة (أو) في قوله تعالى :( أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ ) هي بمعنى (الواو) لأن مجرّد المرض أو السفر لا يوجب التيمم ، بل يجب التيمم إذا تحققت موجبات التيمم أو الغسل في هذا الحال.

٣ ـ إنّ «العفة في البيان» المعهودة من القرآن دفعت بالقرآن في هذه الآية ـ كما في الآيات الكثيرة الاخرى ـ إلى أن يعبّر عن قضاء الحاجة بعبارة تفهم المراد من جانب، ولا تكون غريبة وغير مناسبة من جانب آخر إذ يقول :( أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ ) .

٢٤٧

وتوضيح ذلك أنّ «الغائط» ـ خلاف ما يفهم منه هذا اليوم ـ يعني في أصل اللغة المنخفض من الأرض الذي كان يقصده الإنسان وسكان الصحارى والمسافرون في تلك العهود لقضاء الحاجة فيه ليسترهم عن أعين الناظرين ، وعلى هذا يكون معنى هذه الجملة هو : إذا عاد أحدكم من المكان المنخفض من الأرض الذي هو في جملته كناية عن قضاء الحاجة.

والملفت للنظر أن القرآن استعمل لفظة «أحد منكم» بدل ضمير الجمع المخاطب المصدر بالفعل أي «جئتم» ليحافظ على خصيصة «عفة البيان» التي تجلى بها القرآن الكريم أكثر فأكثر.

وهكذا الحال عند ما يتحدّث عن الجماع فإنّ القرآن يشير إلى هذا الموضوع بعبارة( أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ ) ولفظة اللمس كناية جميلة عن المقاربة الجنسية.

٤ ـ سنتحدث بتفصيل حول بقية خصوصيات التيمم عند تفسير قوله تعالى :( صَعِيداً طَيِّباً ) في ذيل الآية (٦) من سورة المائدة إن شاء الله.

فلسفة التيمم :

يتساءل كثيرون : ما الفائدة من ضرب اليدين بالتراب ومسح الجبين وظهر اليدين بهما خاصّة أنّنا نعلم أن كثيرا من الأتربة ملوثة ، وناقلة للميكروبات والجراثيم؟

في جواب هذه الأسئلة نشير إلى نقطتين مهمتين :

الأولى : الفائدة الخلقية ، فإن التيمم إحدى العبادات ، وتتجلى فيها روح العبادة بكل معنى الكلمة ، لأن الإنسان يمس جبهته التي هي أشرف الأعضاء في بدنه بيديه المتربتين ليظهر بذلك خضوعه لله وتواضعه في حضرته ولسان حاله يقول :يا ربّي إنّ جبهتي وكذا يداي خاضعات أمامك إلى أبعد حدود الخضوع والتواضع ، ثمّ يتوجه عقيب هذا العمل إلى القيام بالصلاة وسائر العبادات

٢٤٨

المشروطة بالغسل والوضوء ، وبهذا الطريق يزرع التيمم في نفس الإنسان روح الخضوع لله،وينمي فيه صفة التواضع في حضرة ذي الجلال ، ويدرّبه على العبودية له سبحانه ، والشكر لأنعمه تعالى.

الثّانية : الفائدة الصحية ، فقد ثبت اليوم بأنّ التراب بحكم احتوائه على كميات كبيرة من البكتريا تزيل التلوثات ، إن البكتريات الموجودة في التراب والتي تعمل على تحليل الموارد العضوية وإبادة كل أنواع العفونة ، توجد ـ في الأغلب ـ بوفرة في سطح الأرض، والأعماق القريبة التي يمكن لها الانتفاع بنور الشمس والهواء بصورة أكثر ، ولهذا عند ما تدفن جثث الأموات من البشر أو الحيوان في الأرض ، وكذا ما يشابهها من المواد العضوية،نجدها تتحلل في مدّة قصيرة تقريبا وتتلاشى بؤر التعفن على أثر هجوم البكتريات عليها،ومن المسلّم أنّ هذه الخاصّية لو لم تكن في التربة لتحولت الكرة الأرضية في مدّة قصيرة إلى بؤرة عفونة قاتلة.

إنّ للتربة خاصّية تشبه مواد «الأنتوبيوتيك» التي لها أثر فعال جدّا في قتل وإبادة الميكروبات.

وعلى هذا لا يكون التراب عاريا عن التلوث فقط ، بل هو مطهر فعال للتلوثات،ويمكنه ـ من هذه الجهة ـ أن يحل محل الماء بفارق واحد ، هو أن الماء يحلل الميكروبات ، ويذهب بها معه ، في حين أن مفعول التراب يقتصر على قتل الميكروبات فقط.

ولكن يجب الانتباه إلى أنّ التراب الذي يستعمل في التيمم يجب أن يكون طاهرا نظيفا ، كما أشار اليه القرآن الكريم في تعبيره الجميل إذا يقول :( طَيِّباً ) .

والجدير بالانتباه أنّ التعبير بـ «الصعيد» المشتق من «الصعود» يشير إلى أن أفضل أنواع التربة الذي ينبغي أن تختاره للتيمم هو التربية الموجودة في سطح الأرض ، يعني تلك التربة التي هي عرضة لأشعة الشمس والمليئة بالهواء

٢٤٩

والبكتريا المبيدة للميكروبات ، فإذا كانت تلك التربة المستعملة في التيمم طيبة وطاهرة أيضا كان التيمم بها ينطوي على الآثار المذكورة من دون أن يكون فيه أي ضرر أو أية مضاعفات. (وسنتحدث في هذا المجال أيضا عند تفسير المقطع الأخير من الآية (٦) في سورة المائدة).

* * *

٢٥٠

الآيتان

( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (٤٤) وَاللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً (٤٥) )

التّفسير

في هذه الآيات يخاطب الله سبحانه نبيّه الكريم بعبارة حاكية عن التعجب والاستغراب قائلا :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ ) أي عجيب أمر هؤلاء الذين أتوا نصيبا من الكتاب السماوي ، ولكنهم بدل أن يقوموا بهداية الآخرين وإرشادهم في ضوء ما أوتوا من الهدى ، فإنّهم يشترون الضلالة لأنفسهم ويريدون أن تضلوا أنتم أيضا.

وبهذا الطريق فإنّ ما نزل لهدايتهم وهداية الآخرين تحول إلى وسيلة لضلالهم وإضلال الآخرين بسوء نيّتهم ، لأنّهم لم يكونوا أبدا بصدد الحقيقة ، بل كانوا ينظرون إلى كل شيء بمنظار النفاق والحسد والمادية السوداء.

ثمّ يقول سبحانه : إنّ هؤلاء وإن تظاهروا بمظهر الأصدقاء لكم إلّا أنّهم أعداؤكم الحقيقيون( وَاللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ ) .

وأية عداوة أشدّ وأكثر من أن يكرهوا هدايتكم ويخالفوا سعادتكم ، تارة

٢٥١

باللسان وتارة عن طريق إظهار النصح ، وثالثة عن طريق الذم ، ويجتهدون في تحقيق أهدافهم المشؤومة في كل ظرف وزمان بنحو خاص ، وشكل معين.

ولكن لا تخافوا عداوتهم أبدا ولا تستوحشوا لمواقفهم المعادية فلستم وحدكم في الميدان،فكفاكم أنّ الله قائدكم ووليكم وناصركم :( وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً ) .

لأنّه لا يمكنهم أن يفعلوا شيئا ، فإذا تجاهلتم أحاديثهم ووساوسهم لم يبق أي مجال للخوف والقلق.

ثمّ إنّه يستفاد من عبارة :( أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ ) أنّ ما كان عندهم من الكتاب لم يكن كل ما في الكتاب السماوي «التوراة» بل كان بعضه وقسما منه ، وهذا يتفق مع حقائق التاريخ المسلمة أيضا ، تلك الحقائق التي تؤكد ضياع أو تحريف أقسام من التوراة الحقيقية مع مضي الزمن.

* * *

٢٥٢

الآية

( مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (٤٦) )

التّفسير

جانب آخر من أعمال اليهود :

تعقيبا على الآيات السابقة تشرح هذه الآية صفات جماعة من أعداء الإسلام ، وتشير إلى جانب من أعمالهم ومواقفهم.

فتقول أوّلا : إنّ أحد أعمال هذه الجماعة هو تحريف الحقائق ، وتغيير حقيقة الأوامر الإلهية :( مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ ) أي أنّ جماعة من اليهود يحرفون الكلمات عن مواضعها.

وهذا التحريف قد يكون له جانب لفظي ، وقد يكون له جانب معنوي وعملي.

أمّا العبارات اللاحقة فتفيد أن المراد من التحريف في المقام هو التحريف اللفظي وتغيير العبارة ، لأنّه تعالى يقول بعد هذه الجملة :( وَيَقُولُونَ سَمِعْنا

٢٥٣

وَعَصَيْنا ) يعني بدل أن يقولوا «سمعنا وأطعنا» يقولون «سمعنا وعصينا» وهذا يشبه تماما كلام من يقول مستهزء : «منك الأمر ومنّا عدم السماع» ، هذا والعبارات الاخرى في هذه الآية خير شاهد على هذا القول.

ثمّ يشير إلى قسم آخر من أحاديثهم العدائية المزيجة بروح التحدي والصلافة حيث يقول : إنّهم يقولون :( وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ ) وبهذا الطريق يتوسل هذا الفريق للحفاظ على جماعة من المغفلين ، ـ مضافا إلى سلاح تحريف الحقائق والخيانة في إبلاغ الكتب السماوية التي كانت تشكل الوسيلة الحقيقية لنجاة ذلك الفريق وشعبهم من مخالب الطغاة الظلمة مثل فرعون ـ يتوسلون بسلاح الاستهزاء والسخرية الذي هو سلاح الأنانيين والمغرورين ووسيلة العتاة والمعاندين ، وربّما استخدموا مضافا إلى كل ذلك عبارات كان المسلمون المخلصون يرددونها أمام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع تغييرات في معانيها تكميلا لاستهزائهم وسخريتهم ، مثل جملة «راعنا» التي معناها «تفقدنا وأمهلنا» وكان المسلمون الصادقون في صدر الإسلام ومطلع الدّعوة المحمّدية يرددونها أمام النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليتمكنوا من سماع صوت النّبي وكلامه بنحو أفضل ، ولكن هذا الفريق من اليهود كانوا يتوسلون بهذه الجملة لإيذاء النّبي ويسيئون استخدامها ويكررونها أمام النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم يقصدون منها معناها العبري الذي هو «سمعنا غير مسمع» أو «أسمعنا لا سمعت» أو معناه العربي الآخر ، وهو ما يرجع إلى الرعونة(١) الذي يعني الحمق ، قصدا منهم إلى أن عمل النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان ـ والعياذ بالله ـ خداع الناس واستغلال سذاجتهم.

وقد كان هذا كله بهدف إزاحة الحقائق عن محورها الأصلي بألسنتهم

__________________

(١) راعنا إذا أخذت مشتقة من مادة الرعي تكون بمعنى فعل الطلب من المراعاة والمراقبة ، وبمعنى أمهلنا ، وإذا أخذت مشتقة من الرعونة تكون بمعنى «أخدعنا واجعلنا حمقاء عندك» ، يقولون ذلك على سبيل الاستهزاء والسب ، ولا بدّ من الالتفات إلى أن راعنا على الوجه الأوّل تكون بدون تشديد النون ، وعلى الوجه الثاني بتشديد النون ، ويستفاد من جملة من الروايات أن اليهود كانوا يتعمدون تشديد النون في راعنا ومد آخرها.

٢٥٤

والطعن في الدين الحق ، والشريعة الحقة :( لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ ) .

(واللي على وزن الحي بمعنى الفتل ، مثل فتل الحبل وما شابهه ، ويأتي أيضا بمعنى التغيير والتحريف).

( وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ ) أي أنّهم إن سلكوا الطريق المستقيم وتركوا كل ذلك اللجاج والعناد ، ومعاداة الحق ، وسوء الأدب،والجرأة والقحة وقالوا : سمعنا كلام الله وأطعنا ، فاستمع إلى كلامنا وأمهلنا لكي ندرك الحقائق إدراكا كاملا ، لكان ذلك من مصلحتهم ، وكان في ذلك منفعتهم ، وأكثر انسجاما وتوافقا مع العدل والمنطق والعدل والأدب.

( وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً ) .

أي أنّهم لن يتخلوا عن هذا السلوك الشائن بسرعة ، كيف؟ وقد ابتعدوا عن رحمة الله بسبب ما هم عليه من كفر وتمرد وطغيان ، وماتت أفئدتهم وتحجرت بحيث صار من المتعذر أن تخضع للحق ، وأن تحيا من رقدتها بهذه السرعة ، اللهم إلّا بعضهم ممن يمتلك فؤادا طاهرا وعقلا يقظا ، فهؤلاء هم المستعدون للقبول بالحقائق ، والاستماع إلى نداء الحق والإيمان به.

وقد اعتبر جماعة هذه الجملة من مغيبات القرآن وإخباراته الغيبية ، لأنّه ـ كما يخبر القرآن الكريم في هذه الآية ـ لم يؤمن من اليهود طوال التاريخ الإسلامي ولم يذعن للحق إلّا جماعة قليله ، وأمّا غيرهم ـ وهم الأكثرية الساحقة ـ فقد بقوا ـ وإلى الآن ـ على عدائهم الشديد ، وخصومتهم للإسلام ، ولم يزالوا يكيدون له المكائد ، ويحيكون ضده المؤامرات.

* * *

٢٥٥

الآية

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً (٤٧) )

التّفسير

مصير المعاندين :

تعقيبا على البحث السابق في الآية المتقدمة حول أهل الكتاب ، وجه الخطاب في هذه الآية إليهم أنفسهم ، إذ قال سبحانه :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ ) أي آمنوا بالقرآن الكريم الذي تجدونه موافقا لما جاء في كتبكم من العلامات والبشائر ، ولا شك أنّكم أولى من غيركم ـ ولديكم مثل هذه الأدلة والعلائم ـ بالإيمان بهذا الدين الطاهر.

ثمّ إن الله سبحانه يهددهم بأنّ عليهم أن يخضعوا للحقّ ويذعنوا له قبل أن يصابوا بإحدى عقوبتين ، الأولى : أن تنمحي صورهم كاملة ، وأن تذهب عنهم جوارحهم وأعضاؤهم التي يرون ويسمعون ويدركون بها الحق ، كلّها ثمّ تقلب وجوههم إلى خلف كما يقول سبحانه :( مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ ) (١) ( وُجُوهاً فَنَرُدَّها

__________________

(١) الطمس هو إزالة الأثر بالمحو ، مثل أن نهدم بيتا ثم نزيل أثره بالمرة ـ ولكنه يطلق ـ كناية ـ على ما فقد أثره

٢٥٦

عَلى أَدْبارِها ) .

ولعلّنا لسنا بحاجة إلى أن نذكر بأنّ المراد من هذه العبارة هو تعطل عقولهم وحواسهم من حيث عدم رؤية حقائق الحياة وإدراكها ، والانحراف عن الصراط المستقيم كما جاء في حديث عن الإمام الباقرعليه‌السلام من أنّ المراد : «نطمسها عن الهدى فنردّها على أدبارها في ضلالتها ذمّا لها بأنّها لا تفلح أبدا»(١) .

توضيح ذلك أنّ أهل الكتاب ، وبخاصّة اليهود منهم ، عند ما أعرضوا عن الإذعان بالحق رغم كل تلك العلائم والبراهين ، وعاندوا تعنتا واستكبارا وأظهروا مواقفهم المعاندة في أكثر من ساحة ، صار العناد والزور طبيعتهم الثانية شيئا فشيئا ، وكأن أفكارهم قد مسخت وكأن عيونهم قد عميت وآذانهم قد صمت ، ومثل هؤلاء من الطبيعي أن يتقهقروا في طريق الحياة بدل أن يتقدموا ، وأن يرتدوا على الأدبار بدل أن يتحركوا إلى الأمام ، وهذا هو جزاء كل من ينكر الحق عنادا وعتوا ، وهذا في الحقيقة يشبه ما أشرنا اليه في مطلع سورة البقرة الآية (٦).

وعلى هذا ، فإن المراد من «الطمس وعفو الأثر والرّد على العقب» في الآية الحاضرة هو المحو الفكري والروحي ، والتأخر المعنوي.

وأمّا العقوبة الثانية التي هددهم الله بها فهي اللعن والطرد من رحمته تعالى إذ قال :( أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ ) (٢) .

وهنا يطرح سؤال وهو : ما الفرق بين هذين التهديدين ، حتى يفصل بينهما بـ «أو»؟

__________________

وخاصيته.

(١) مجمع البيان ، ج ٢ ، ص ٥٥ ، في ذيل الآية الحاضرة.

(٢) أصحاب السبت هم الذين ستأتي قصّتهم في سورة الأعراف عند تفسير الآيات (١٦٣ ـ ١٦٦) وهم جماعة من اليهود كانوا قد كلفوا بتعطيل العمل والكسب في يوم السبت ، ولكنّهم اشتغلوا بالصيد في ذلك اليوم بالرغم من نهى نبيّهم ، فتجاوزوا في الطغيان الحدّ ، فابتلاهم الله بأشد العقوبات.

٢٥٧

ذهب بعض المفسّرين إلى أنّ التهديد الأوّل ينطوي على جانب معنوي ، والتهديد الثّاني ينطوي على جانب ظاهري ومسخ جسمي ، وذلك بقرينة أن الله قال في هذه الآية :( كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ ) ونحن نعلم أن أصحاب السبت ـ كما يتّضح من مراجعة الأعراف ـ قد مسخوا مسخا ظاهريا وجسديا.

وذهب آخرون إلى أن هذا اللعن والطرد من رحمة الله ينطوي أيضا على جانب معنوي بفارق واحد ، هو أنّ التهديد الأوّل إشارة إلى الانحراف والضلال والتقهقر الذي أصابهم،والتهديد الثّاني إشارة إلى معنى الهلاك والفناء (الذي هو أحد معاني اللعن).

خلاصة القول : إنّ أهل الكتاب بإصرارهم على مخالفة الحق يسقطون ويتقهقرون أو يهلكون.

ثمّ إنّ هنا سؤالا آخر هو : هل تحقق التهديد في شأن هؤلاء ، أم لا؟

لا شك أنّ التهديد الأوّل قد تحقق في شأن كثير منهم ، وأمّا التهديد الثّاني فقد تحقق في بعضهم ، ولقد هلك كثير منهم في الحروب الإسلامية ، وذهبت شوكتهم وقدرتهم. وإنّ تأريخ العالم ليشهد كيف تعرضوا بعد ذلك لكثير من الضغوطات في البلاد المختلفة ، وفقدوا الكثير من أفرادهم وعناصرهم ، وخسروا الكثير من طاقاتهم ، ولا يزالون إلى الآن يعيشون في ظروف صعبة وأحوال قاسية.

ثمّ إنّ الله يختم هذه الآية بقوله :( وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً ) ليؤكّد هذه التهديدات،فإنّه لا توجد قوّة في الأرض تستطيع أن تقف في وجه إرادة الله ومشيئته.

* * *

٢٥٨

الآية

( إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً (٤٨) )

التّفسير

أرجى آيات القرآن :

الآية الحاضرة تعلن بصراحة أنّ جميع الذنوب والمعاصي قابلة للمغفرة والعفو ، إلا «الشرك» فإنّه لا يغفر أبدا ، إلّا أن يكف المشرك عن شركه ويتوب ويصير موحدا ، وبعبارة أخرى : ليس هناك أي ذنب قادر بوحده على إزالة الإيمان ، كما ليس هناك أي عمل صالح قادر على خلاص الإنسان إذا كان مقرونا بالشرك( إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ ) .

إنّ ارتباط هذه الآية بالآيات السابقة إنّما هو من جهة أن اليهود والنصارى كانوا بشكل من الاشكال مشركين ، كل طائفة بشكل معين ، والقرآن ينذرهم ـ بهذه الآية ـ بأن يتركوا هذه العقيدة الفاسدة التي لا يشملها العفو والغفران ، ثمّ يبيّن في خاتمة الآية دليل هذا الأمر إذ يقول :( وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً ) (١) .

__________________

(١) الافتراء ، مشتقة من مادة فرى على وزن (فرد) بمعنى القطع ، وحيث أنّ قطع بعض أجزاء الشيء السالم يفسد

٢٥٩

وهذه الآية من الآيات التي تطمئن الموحدين إلى رحمة الله ولطفه ، لأنّ في هذه الآية قد بيّن سبحانه إمكان العفو عن جميع المعاصي والذنوب غير الشرك ، فهي كما جاءفي حديث عن أمير المؤمنين عليعليه‌السلام أرجى آيات القرآن الكريم إذ قال : «ما في القرآن آية أرجى عندي من هذه الآية».

وهذه الآية ـ كما قال ابن عباس «ثماني آيات نزلت في سورة النساء ، خير لهذه الأمّة ممّا طلعت عليه الشمس وغربت وعدّ منها هذه الآية»(١) .

لأنّ هناك كثيرين يرتكبون المعاصي العظيمة ثمّ يقنطون من رحمة الله وغفرانه إلى الأبد،فيتسبب قنوطهم في أن يسيروا بقية عمرهم في طريق المعصية والخطأ بنفس القوّة والإصرار ، ولكن الأمل في عفو الله وغفرانه خير وسيلة رادعة بالنسبة إلى هؤلاء ، وخير مانع من تماديهم في المعصية والطغيان ، وعلى هذا الأساس فإنّ هذه الآية تهدف ـ في الحقيقة ـ إلى مسألة تربوية.

فإذا رأينا عصاة مجرمين (كما يقول بعض المفسّرين ، ويعلم ذلك من الروايات المذكورة في ذيل هذه الآية) أمثال «وحشي» غلام هند وقاتل بطل الإسلام حمزة بن عبد المطلب عم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يؤمن مع نزول هذه الآية ، وينتهي عن جرائمه وشقاوته ، فإن من الطبيعي أن يوجد ذلك مثل هذا الأمل لدي العصاة الآخرين ، فلا ييأسوا من رحمة الله وغفرانه ، ولا يتورطوا في المزيد من الذنوب والمعاصي.

ويمكن أن يقال : إنّ هذه الآية من شأنها أن تشجع الناس في الوقت ذاته على الذنب وتغريهم بالمعصية ، لما فيها من الوعد بالعفو عن «جميع الذنوب ما عدا الشرك».

ولكن لا شك أنّ المراد من الوعد بالعفو والمغفرة ليس هو الوعد المطلق من

__________________

ذلك الشيء ويخربه استعمل في كل مخالفة ، ومن جملة ذلك الشرك والكذب والتهمة.

(١) مجمع البيان ، ج ٣ ، ص ٥٧.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710