الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٣

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل8%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 710

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 710 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 173342 / تحميل: 6084
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

هل كان صعباً تطبيق قواعد الإسلام في الحياة اليومية؟

كنت أتقصّد التفريق بين الممارسات الإسلامية والثقافة الإسلامية وذلك ما كان يختلط على الناس. «كوني أوروبية، اعتناقي الإسلام لا يعني بالضرورة ارتدائي العباءة في لندن» فالعباءة هي زي ثقافي ولكن اللباس الفضفاض هو المطلوب في الإسلام وليس الأمر محصوراً بارتداء العباءة. فأنا أصلّي، أدفع الصدقات والخمس، أمتنع كلياً عن شرب الكحول والمحرّمات ولكن ليس المطلوب مني أن ألبس العباءة مع أنني أمتلك واحدة أستمتع بارتدائها في المنزل. ولكن بطبيعة الحال، أثناء تواجدي في أوروبا - أرتدي الزي الأوروبي مع مراعاة الحجاب.

فأنا أرى الكثير من الممارسات والقيم الإسلامية في أوروبا كاحترام حقوق الإنسان والحفاظ على النظافة والبيئة وهذه القيم الإسلامية وللأسف مفقودة اليوم عند أغلبية المجتمعات الإسلامية. وهذا بالذات ما عناه المستشرق محمد أسد عندما قال: «تستطيع أن ترى الكثير من الإسلام في أوروبا والقليل من المسلمين، والكثير من المسلمين في الشرق ولكن القليل من الإسلام الحقيقي».

ما هي التحديات التي يفرضها تخلي المرء عن ديانته الأولى واعتناقه لديانة أخرى؟

إنّ التحول إلى الإسلام له تحدياته، خصوصاً على صعيد وجود بيئة مماثلة للتعايش معها. فمثلاً من الصعوبات التي تطرح: وجود زوج لائق لامرأة اعتنقت الإسلام، حيث تصبح الواحدة منا عالقة بين عالمين. فأنا شخصياً امرأة مطلَّقة وأعاني أحياناً من لسعة الوحدة.كذلك المسلمون يتحمسون كثيراً لاعتناق الآخرين لديانتهم ولكنني دائماً أقول، ماذا عن البيئة الحاضنة فيما بعد؟ حيث يبدأ العمل الحقيقي عندها. فهم يشجعون الناس على اعتناق الإسلام ومن ثم يتركونهم وحدهم لمصيرهم. أنا محظوظة ربما بإنشاء شبكة من الصداقات. ولكن كم مرّ علي من الأعياد لم أستطع الإحتفال بها كوني كنت وحيدة. فالعيد كان بالنسبة إليّ أداء الصلاة ومن ثم متابعة اليوم بشكل عادي للأسف.

ولكنني أجد إيجابية في ذلك أحياناً، عندما ينتهي بي الأمر في الأعياد بالعشاء مع أحد الذين اعتنقوا الإسلام كذلك ولا يجد من يعيّد معه.

٣٠١

فالعزلة هي ما يترتب علينا عند اعتناقنا مذهباً ما وتخلينا عن مذهب آخر، ففي عيد الميلاد، لا أكون فرداً مرحّباً به في عائلتي كوني اخترت سلوك طريق آخر. وفي شهر رمضان أجد نفسي وحيدة حيث لا يوجد من يتسحّر معي أو يتناول معي الإفطار إلا إن دعاني أحدهم. ولكنّ العزاء دائماً أنّ الله بصحبتي وهو خير صاحب.

وإن كان الإيمان بالله هو الذي يجعلني أقاوم تلك التحديات ولكنني سمعت عن كثيرين اعتنقوا الإسلام حديثاً قد عادوا وانكفؤوا عن ذلك بسبب عدم وجود الدعم المعنوي الكافي من المجتمع الإسلامي المحيط. ومنذ فترة التقيت بامرأة كانت قد اعتنقت الإسلام لفترة عشر سنوات ولكنها عادت لتصبح اليوم وزيرة مسيحية مجدداً.

أخيراً ما الرسالة التي وجهتها إلى الناس من خلال كتابك؟

لقد وجهت رسالة من خلال كتابي إلى الناس الذين يتعلقون اليوم بالمظاهر المادية للحياة. الكثير من الشبان يحلمون بما كنت أمتلكه في الـ «أم تي ڤي» من تسلية ومعارف وشهرة وثقافة.. كنت أمتلك كل ذلك ويمكنني القول بأنّني لم أكن أشعر بالسعادة ولا أفكّر أبداً باسترجاع حياتي السابقة. ذلك الفراغ الذي كنت أحسّ به قبل اعتناقي للإسلام امتلأ اليوم من خلال وجود هدف لحياتي وعلاقة مميزة مع الله وحلم بالجنة.

وتختم بايكر بالقول: أكثر ما يقلقني اليوم هو أنّ غالبية سكان بريطانيا يبنون معارفهم عن الإسلام من خلال ما تمليه عليهم وسائل الإعلام. فالناس هنا لا يذهبون إلى المكتبات ويشترون الكتب ليتعرفوا على الإسلام، بل يكتفون بقراءة الدايلي مايل أو مشاهدة التلفاز لتكوين رأيهم عن الإسلام. كل ما ينقصنا هو التعليم والتثقيف. ولذلك أنا دائماً جاهزة لإجراء المقابلات، لكي أتكلم وأشرح أكثر عن الإسلام. فمثلاً عندما تتصل صحيفة الصن بأحدهم لإجراء حوار، يمتنع عن القبول، ولكنني أفعل لأنّ إلقاء قطرة واحدة من الحقيقة في ذلك المحيط الشاسع يمكن أن يكون له أثر».

٣٠٢

بايكر اليوم تبقي نفسها منشغلة بتحسين صورة الإسلام في بريطانيا. وكانت واحدة من الذين نظموا حملة «ألهمني الرسول محمد (ص)» في لندن التي هدفت إلى تقديم صورة مشرقة عن الإسلام من خلال ملصقات يتم وضعها في مواقف الحافلات وعلى سيارات الأجرة وكانت صورتها ظهرت على إحدى الملصقات وقد كتب تحتها «أؤمن بحماية البيئة وكذلك الرسول محمد (ص)». وقد تلقّت وسائل الإعلام تلك الحملة بالقبول. وفي الآونة الأخيرة أجرت معها شبكة البي بي سي لقاءً حول الفيلم المسيء للإسلام «براءة المسلمين».

الأخ يحيى

انطباعات من مسلم جديد

القرآن: الوحي الأخير

استدركت ضرورة وحتمية بعث نبي جديد بعد النبي عيسى (ع) نتيجة الابتكارات المنسوبة إلى الوحي الإلهي فكانت الحاجة لنبي آخر بعد عيسى (ع) مع وحي آخر بعد الإنجيل. لهذا بعث الله محمداً (ص) مع آخر رسالة، (أي القرآن)، لإعادة كل البشرية إلى الإيمان وعبادة إله واحد هو الله، دون شركاء أو وسطاء. وفقاً للمسلمين، القرآن الكريم، مصدر دائم لهداية الناس، وقد قدم توضيحاً عقلانياً للدور التاريخي الرائع للنبي عيسى (ع)، فقد ورد اسم (عيسى) خمساً وعشرين مرة في القرآن الكريم الذي يتضمن سورة اسمها مريم تيمناً باسم والدة نبي الله عيسى: السيدة مريم بنت عمران (عليها السلام).

فالحتمية الإلهية لنزول وحي جديد، وجدتها في الآيات القرآنية التالية التي أقنعتني جدا:) وَمَا کَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ یُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَکِنْ تَصْدِیقَ الَّذِی بَیْنَ یَدَیْهِ وَتَفْصِیلَ الْکِتَابِ لا رَیْبَ فِیهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِینَ ﴿37﴾﴾ [يونس: 37]، و﴿ وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْیَقِینِ ﴿51﴾ ﴾ [الحاقة: 51]. تزامناً، كنت أشعر بالقلق خوفاً من حصول تحريف في القرآن الكريم لأنها كانت مشكلة كبيرة مع الكتب السماوية السابقة. فقرأت بأن القرآن لن يتغير أو لن يتم إلغاؤه:﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴿9﴾ ﴾ [الحجر: 9].

٣٠٣

وعرفت لاحقاً أن بعض الظواهر العلمية مذكورة في القرآن، وهذا ما يؤكد مصداقية الاعتقاد بأن القرآن هو كلام الله. فهناك آيات تصف تكوين الجنين داخل رحم أمه، وتكوين الجبال، وأصل الكون، والمخ، والبحار، والأمواج والسحب. إنه فوق استيعاب أي شخص أن يتصور أنّ هذه الحقائق كانت مكتشفة منذ أكثر من أربعة عشر قرناً، ذلك أنه تم الكشف عن هذه الحقائق وتم تأكيدها في الآونة الأخيرة بواسطة علميات أُجريت بآليات متطورة.

الإسلام: جوهر وذروة الأديان السماوية

يعتقد المسلمون أن الغرض الأساسي لخلق الجنس البشري هو عبادة الله. كما قال في القرآن الكريم،﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِیَعْبُدُونِ ﴿56﴾ ﴾ [الذاريات: 56] وبحسب عالم إسلامي معروف في الغرب فإن «النظام الأكثر اكتمالا من العبادة المتاحة للإنسان اليوم هو النظام الموجود في دين الإسلام، وكلمة «الإسلام» تعني «التسليم والخضوع لإرادة الله (عزّ وجل)»، على الرغم من أنه يشارالى الإسلام عادة باسم ثالث الديانات التوحيدية الثلاث، فإنه ليس ديناً جديداً على الإطلاق. إنه دين جاء به جميع أنبياء الله للبشرية. فالإسلام هو دين آدم وإبراهيم وموسى وعيسى (عليهم السلام).

ويضيف العالم «بما أن الله واحد، والبشر هو نوع واحد، فبالنتيجة الدين الذي سيبعثه الله للناس هو دين موحد، فالحاجات الروحية والاجتماعية البشرية هي ذاتها والطبيعة البشرية لم تتغير منذ تم إنشاء أول رجل وامرأة

وبما أن رسالة الله كانت دائما هي نفسها، أدركت أنه من واجب جميع البشر البحث عن الحقيقة في التدين وليس مجرد القبول والاتباع الأعمى للدين الذي يتولاه مجتمعهم أو الوالدين، وفقاً للقرآن،﴿ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا أَسْمَاءً سَمَّیْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُکُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُکْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِیَّاهُ ذَلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ وَلَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ ﴿40﴾ ﴾ [يوسف: 40].

٣٠٤

وفيما يتعلق بالفطرة، قال النبي محمد (ص)، ما معناه كل مولود يولد على الفطرة لكن والديه يحولانه إلى اليهودية أو المسيحية أو المجوسية. وعلاوة على ذلك، قال الله تعالى:﴿ فَأَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّینِ حَنِیفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ وَلَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ ﴿30﴾ ﴾ [الروم: 30].

كذلك، تعلمت أنه لا يوجد دين آخر مقبول عند الله الى جانب الإسلام، كما قال بوضوح في القرآن الكريم:﴿ وَمَنْ یَبْتَغِ غَیْرَ الإسْلامِ دِینًا فَلَنْ یُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِی الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِینَ ﴿85﴾ ﴾ [آل عمران: 85].

فاستنتجت أن الانسان قد يهمل هدى الله ويقيم لنفسه معايير خاصة للمعيشة. ولكن في نهاية المطاف، سوف يكتشف أنه لم يكن يتبع إلا سراباً.

عابر

واصلت قراءة القرآن والتعرف على أقوال وأفعال النبي محمد (ص)، فلاحظت أن الإسلام يرى الإنسان (العبد) كرجل عابر لهذه الحياة، والآخرة هي الدار المقر.

فنحن هنا لفترة قصيرة، ولا يمكن أن نأخذ أي شيء معنا من هذه الحياة إلا إيماننا بالله وأفعالنا الحسنة. وبالتالي، ينبغي أن نكون مثل المسافر الذي يمر عبر الأراضي فقط ولا يأخذ أي شيء منها.يجب علينا أن نفهم أن معنى أن نكون على قيد الحياة هو أن نكون تحت اختبارات متواصلة. فهناك المعاناة والفرح والألم والغبطة. هذه الاختبارات من الخير والشر هدفها بلورة الصفات الروحية العليا فينا. نحن غير قادرين على الاستفادة من هذه التجارب إلا إذا بذلنا قصارى جهدنا، بحيث يكون لدينا ثقة كاملة بالله وتقبل ما يقدر الله لنا بصبر.

٣٠٥

الطريق إلى الجنة

كان لا بد من معرفة المزيد عن الجنة إذ إنها بالتأكيد الهدف النهائي الذي يسعى إليه كل فرد، يقول الله،﴿إِنَّمَا یُؤْمِنُ بِآیَاتِنَا الَّذِینَ إِذَا ذُکِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا یَسْتَکْبِرُونَ ﴿15﴾ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ یَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ یُنْفِقُونَ ﴿16﴾ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِیَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْیُنٍ جَزَاءً بِمَا کَانُوا یَعْمَلُونَ ﴿17﴾ ﴾ [السجدة: 17] فصرت على بينة أن سروري غداً هو أبعد من كل خيال، إذ سأعيش هذا الفرح العارم في ظل الخالق.

كنت أتساءل أي النفوس تستحق هذه المكافأة؟ هذا الثواب أعظم من أن يكون له ثمن. قيل لي أن الثمن هو الايمان الحقيقي بالله والطاعة له ولنبيه محمد (ص) وآل بيته (عليهم السلام).

أدركت أن البشرية يجب أن تعبد الله لتحقيق البر والوضع الروحي اللازم لدخول الجنة.هذا يعني أنه على البشر الفهم أن العبادة لا غنى عنها كما الأكل والتنفس وليست مجرد معروف يقومون به تجاه الله.لذلك نحن بحاجة لقراءة القرآن لمعرفة أي نوع من الناس يريدنا الله أن نكون ونحاول أن نصبح على هذا النحو. إذاً هذا هو الطريق إلى الجنة.

التغلب على عقبة:

في هذه المرحلة، شعرت بأنني 80٪ أريد أن أصبح مسلماً، ولكن ما كان يدفعني إلى الخلف أنني كنت قلقاً من ردّة فعل عائلتي وأصدقائي لو علموا بأنني أصبحت مسلماً.

فأعربت عن قلقي لأخ مسلم فقال لي أنه في يوم القيامة، لا أحد سيكون قادراً على مساعدتك، لا والدك، ولا والدتك أو أي من أصدقائك. لذلك، إذا كنت تعتقد أن الإسلام هو الدين الحق، يجب أن تتقبله وتعيش حياتك لإرضاء واحد أحد هو الذي خلقك، وهو الله.

وهكذا، أصبح جلياً بالنسبة لي أننا جميعا في قارب واحد؛ وأن كل نفس ذائقة الموت ثم سنكون جميعاً مسؤولين عن معتقداتنا وعن أفعالنا أمام الله.

٣٠٦

شريط فيديو ذو مغزى:

في هذه المرحلة من بحثي عن الحقيقة، كنت على وشك اعتناق الاسلام. شاهدت محاضرة إسلامية على شريط فيديو حول الغرض من الحياة. وكان الموضوع الرئيسي لهذه المحاضرة أن الغرض من الحياة يمكن تلخيصه في كلمة واحدة، هي الإسلام (التسليم لإرادة الله).

على عكس الأديان أو المعتقدات الأخرى، فإن مصطلح «الإسلام» لا يرتبط بأي شخص أو مكان معين. قد أسمى الله الدين في الآية القرآنية التالية:﴿ إِنَّ الدِّینَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ ﴾ [آل عمران: 19] فأي شخص يعتنق الإسلام يسمى مسلماً بغض النظر عن عرق ذلك الشخص أو جنسه أو جنسيته. هذا هو واحد من الأسباب التي تجعل الإسلام دينآً عالمياً.

قبل بحثي عن الحقيقة، لم أنظر بجدية إلى الإسلام كخيار بسبب الصورة السلبية المستمرة عن المسلمين في وسائل الإعلام. وقد أظهر مقطع من شريط الفيديو كيف أن المسلمين وعلى الرغم من تميز الإسلام بالمعاييرالأخلاقية العالية، ليسوا جميعاً متمسكين بهذه المعايير.و يمكن قول الشيء نفسه عن أتباع الديانات الأخرى.

فهمت أخيراً أننا لا نستطيع أن نحكم على الديانات من خلال تصرفات أتباعها وحدها، كما فعلت، لأن عامة البشر غير معصومين. على هذا الحساب، لا ينبغي لنا أن نحكم على الإسلام من تصرفات أنصاره، ولكن عن طريق الوحي (القرآن الكريم) وسنة النبي محمد (ص) وأهل بيته (عليهم السلام).

النقطة الأخيرة التي التقطتها هي أهمية الامتنان لله. فالله يذكر في القرآن أنه ينبغي لنا أن نكون ممتنين لحقيقة أنه خلقنا:﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَکُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِکُمْ لا تَعْلَمُونَ شَیْئًا وَجَعَلَ لَکُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ ﴿78﴾ ﴾ [النحل: 78].

٣٠٧

الحقيقة تكشف عن نفسها:

بمجرد انتهاء العرض،اختبرت كشف النقاب عن روحي، شعرت أنّ عبئاً كبيراً من الخطايا زال عن كتفي. وعلاوة على ذلك، شعرت بنفسي كأنني أرتفع عن الأرض وأحلّق، رافضاً المسرات المؤقتة في هذا العالم من أجل الأفراح الأبدية في الآخرة.

هذه التجربة، إلى جانب عملية طويلة من التفكير، حلت أحجية «الغرض من الحياة». وكشفت أن الإسلام هو الحقيقة، وبالتالي كان علي تحديد هدفي من الحياة، ومعتقدي، اتجاهي وأفعالي.

فدخلت بوابة الإسلام بالإعلان عن نية الإيمان بالقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.

أُبلغت بأن هذه الشهادة تؤكد الاعتقاد بجميع الأنبياء والمرسلين من الله، جنباً إلى جنب وبالتالي فإن كل رسول ونبي هو تحديث واستكمال لدين واحد حتى وصلنا إلى آخر الأنبياء محمد (ص) وإلى الوحي النهائي من الله [القرآن].

انطباعات من مسلم جديد:

أثناء بحثي عن الحقيقة، الدرس الذي تخطى جميع الدروس، هو أن كل المعبودات الأخرى ما عدا الله هي مجرد أوهام.

فالإذعان لإرادة الله أشعرني بالسلام مع الخالق، مع الآخرين، وأخيراً، مع نفسي. ونتيجة لذلك، بت أشعر بالامتنان جداً، وهذا من رحمة الله، الذي أنقذني من أعماق الجهل وصعد بي إلى نور الحقيقة.

الإسلام، الدين الحق في جميع الأوقات والأماكن ولكل الشعوب، هو رمز كامل للحياة إذ يوجّه الإنسان لتحقيق الغرض من وجوده على الأرض، ويعد له اليوم الذي سيعود فيه الى خالقه.

اتباع هذا المسار بطريقة ورعة تمكن الواحد منا من اكتساب رضوان الله فنكون أقرب إليه وسط المسرات التي لا نهاية لها من الجنة والخلاص من عذاب جهنم. مكافأة إضافية بأن تكون حياتنا الحالية أسعد بكثير عندما نتخذ مثل هذا الخيار.

٣٠٨

التمتع بالضلالة:

وقد أعطى اعتناق الاسلام لي أكثر من نظرة ثاقبة في الطبيعة الوهمية لهذه الحياة. على سبيل المثال، إحدى الركائز الأساسية للإسلام هي تحرير الإنسان. فعندما يطلق مسلم على نفسه اسم «عبد الله»، ذلك إن دل على شيء فإنما يدل على التحرر من العبودية لجميع الأشكال الأخرى، وعلى الرغم من أن الإنسان المعاصر قد يظن أنه متحرر، وهو في الحقيقة عبد لرغباته. مخدوع ومضلل من هذه الحياة الدنيوية. يقول الله تعالى:﴿ أَرَ‌أَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ﴿43﴾ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَ‌هُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان: 43، 44].

لذلك يجب علينا ألا ندع حماسنا للاستمتاع بمتع هذه الحياة الزائلة يعرِّض فرصة الاستمتاع بملذات الجنة للخطر. كما يقول الله في القرآن:﴿ زُیِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِینَ وَالْقَنَاطِیرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَیْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِکَ مَتَاعُ الْحَیَاةِ الدُّنْیَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴿14﴾ قُلْ أَؤُنَبِّئُکُمْ بِخَیْرٍ مِنْ ذَلِکُمْ لِلَّذِینَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِینَ فِیهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِیرٌ بِالْعِبَادِ ﴿15﴾ ﴾ [آل عمران: 14، 15].

ولذلك، فإن المنافسة الحقيقية في هذه الحياة ليست على تراكم الثروة أو الرغبة في الشهرة، بل بالقيام بالاعمال الصالحة لإرضاء الله، مع الاحتفاظ بالجزء القانوني من التمتع في هذه الحياة.

الطريق الصحيح إلى الله:

هناك العديد من البدائل الدينية المتاحة للإنسان، والأمر متروك له لاختيار أي ديانة يرغب في اتباعها. إنَّه أشبه بالتاجر مع العديد من السلع أمامه، وهو الذي يختار أي سلعة ليتاجر بها. من الواضح أنّه سوف يختار ما يعتقد أنّه الأكثر ربحاً. ومع ذلك، فإن التاجر يبقى غير متأكد وغير ضامن للربح؛ حيث يمكن أن يكسب اليوم ويمكن أن يخسر غداً كل شيء.

في المقابل، فإن المؤمن في وحدانية تسليمه لله، يكون متأكداً تماماً أنّه إذا كان يتبع طريق الهداية [القرآن وسنة النبي محمد (ص)، وآل بيته (عليهم السلام)] سيكون بلا شك مصيره النجاح والثواب في نهاية هذا الطريق، ولحسن الحظ، يبدأ هذا النجاح أيضاً في بداية اختيار هذا المسار.

٣٠٩

أنا مسلمة جديدة...

رقية وارث مقصود

ليس من أمر أسهل من اعتناق الإِسلام - لحظة يدرك الإنسان أن الله حق وأن الله موجود حقاً ويقر بأن النبي العربي محمد (ص) هو حقاً خاتم رسل الله ضمن سلسلة الأنبياء الآخرين المذكورين في الإنجيل يكون قد خطى فعلياً الخطوة الأولى.

تسمى لحظة الإشراق هذه التقوى والإحسان. فجأة تدرك أن الله يراك ويعرفك وإن كنت لا تعرفه ولا تراه.

الخطوة الثانية في مسيرة اعتناق الإِسلام هي التعبير وبوضوح عن لحظة الإيمان هذه - أي نطق الشهادة: «أشهد» لتتوالى الخطوات طوال حياتك.

كيف أعيش كمسلمة:

أن تصبح جزءاً من الجالية المسلمة المحلية وتلج في نمط الحياة هذا أمر يختلف تماماً عن مجرد أن تصبح مسلماً على مستوى العقل.

فهذا يتطلب من الكثيرات من معتنقات الإِسلام درجة عالية من العزم والثقة. فأنتِ لن تواجهي عائلتك وأصدقائك الذين يعتقدون أنك قد أصبت بالجنون فقط، ولكن كامرأة عليك أيضاً أن تستجمعي قواك للدخول إلى عالم المسجد حيث الرجال العابسو الوجوه ذوو اللحى الطويلة لن يكلموك.

فإن كنت واحدة من معتنقات الإِسلام في بعض نواحي إنكلترا الشمالية حيث يغلب على المساجد الطابع الآسيوي، يجدر بك أن تعلمي الكثير عن الثقافات الآسيوية بالإضافة إلى تعلّم الإِسلام.

تنجلي تلك العبسات عن حياء ورقة وتقوى وصداقة صادقة وضيافة وكرم؛ ولكن يعتبر من الفظاظة أن يبدو الرجل وكأنه متحمس للتحدث مع النساء أو للنظر إليهن أكثر من نظرة واحدة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الكثير من المساجد لا تحوي بعد على مصلّى للنساء.

٣١٠

اكتساب الثقة:

لكننا نحن الذين نعتنق الإِسلام نكتسب الثقة شيئاً فشيئاً، فلم نعد نشعر بأنه علينا أن نتظاهر بأننا عرب أو باكستانيون لنشعر بالانتماء.

فنحن نعلم الآن أن المسلمين متواجدون في كل مكان حول العالم من الأسكيمو إلى أستراليا.

يمكننا أن نختار أسماء عربية، كما يمكننا أن نبقى على أسمائنا القديمة فهذا الأمر ليس ذا قيمة حقاً.

على النساء اختيار ملابس معينة كالبنطال الفضفاض والسترة الطويلة أو التنورة الطويلة. وإن كنا لا نشعر بالانسجام في المساجد المحلية لأننا لا نتقن اللغة العربية، فنحن بدأنا بتنظيم مساجد داخل البيوت ونشكل جماعات فيما بيننا وندعو الآسيويين أيضاً ليكونوا ضيوفنا.

أطياف متعددة من المسلمين.... عائلة واحدة:

بدأنا نحن - معتنقو الإِسلام الجدد - بالقراءة بما فيه الكفاية وبتحصيل العلم بما يمكِّننا من التعبير عن آرائنا حول الأمور من حولنا. فنحن عندنا النضج الكافي لندرك أن ليس كل المسلمين قديسين. فالبشر بشر وجلّنا بعيد عن الكمال.

هكذا نتغلب على الشعور بالخيبة عندما نكتشف أن ليس كل مسلم يحيا كما ينبغي على المسلم أن يحيا للوصول إلى الكمال وبالتالي لا نستسلم أو نتهمهم بالنفاق؛ بل على العكس نبذل أقصى جهدنا لنحيا حياتنا بأفضل طريقة ممكنة.

شيئاً فشيئاً يدرك كافة معتنقي الإِسلام وجود الكثير من أنواع المسلمين.

بعض المسلمين روحانيون في حين أن آخرين يهتمون بظاهر العبادات.

لكن شعورنا يزداد بأنه بإمكاننا أن نجد مكاناً لأنفسنا إلى جانب الآخرين في هذه الأمة الواسعة والعائلة الممتدة، وطالما أننا نقوم بأقصى جهدنا فإن الله سيثيبنا على نوايانا الحسنة.

٣١١

جيمي بور

من عارضة أزياء إلى امرأة مسلمة

السلام عليكم، إسمي جيمي

وُلدت وترعرعت على المسيحية الحديثة غير الطائفية ولم أجد فيها أجوبة لما كنت أبحث عنه، ولمدة 31 عاماً كمسيحية، لم أشعر يوماً بالله. حاولت وبكل ما بوسعي ولكني لم أشعر به على الإطلاق. كنت عارضة لبلادي ولمدة خمس سنوات، تعاطيتُ الكثير من المخدرات خلال تلك الفترة كنت أستخدمها كمساعد لفقدان الوزن وكنت أستخدمها لمرة واحدة لأُبعد نفسي عن الإكثار من تناول الطعام. كنت أعتقد بأنني قوية لأتجنب الإدمان على المخدرات التي تحوّل كل من يستخدمها إلى مدمن. بدأتُ أفكر بأني سآخذها لأسبوعين إلّا أنني أصبحتُ مدمنة ليل نهار. أخذتني المخدرات إلى الحضيض والدمار الكامل، فقد كان زوجي يتعاطى المخدرات كذلك. ما دفعه ليكون عنيفاً معي، حتى أني كنت خائفة على حياتي.

قررت أن أتوقف عن تعاطيها، فليس هذا ما أريده لحياتي. فقلت له أنني سأتوقف عنها، ضحك وقال: «لن تستطيعي التوقف». فقلت: «سأتوقف عنها». وتوقفت عن تناولها ذلك اليوم ولم أنظر إلى الخلف مرة أخرى، ولم يكن لديَّ أي برنامج لإعادة التأهيل أو أي مساعدة خارجية أو نظام دعم. كان زوجي يضحك، محاولاً أن يثنيني عن عزمي حتى أعود لتناولها من جديد، وبعد ذلك رُزقت بولدي الصغير. تغيّرت نظرتي إلى الحياة بأكملها. فقد أحببتُ ذلك الطفل الصغير الرائع والذي يحتاج إلى أم صالحة، أحببته كثيراً. فأردت تغيير كل شيء كنت قد ركزت عليه سابقاً، لأجله.

كنت في السابق قادرة على فعل أي شيء أريد أن أقوم به، فقد كنت جزءاً من مشاهد هوليوود التي يرغب الجميع بأن يكون جزءاً منها. لم أكن شخصاً جيداً، كنت في السابق، أشرب الكحول وأتعاطى المخدرات. ولكنني لم أعد أريد القيام بهذه الأمور بعد الآن.

٣١٢

قمتُ بالبحث عن الإِسلام لفترة قبل أن أصبح مسلمة، أردتُ أن أعرف وبشكلٍ أساسي سبب كراهية العالم للمسلمين بهذا القدر، لأنني رأيت ما رأيتُ في نشرات الأخبار، ورأيتُ الظلم والعنف وهذا ما دفعني للبحث عن الحقيقة ولمعرفة ما إذا كان الإِسلام كذلك. بدأتُ البحث عن الموضوع، وكلما بحثت أكثر كلما غصت أعمق في الموضوع. فوجدتُ الحقيقة.

تفاجأ الكثير من الناس عندما تخليتُ عن كل الملذات السابقة لأجل أن أكون مسلمة. والغريب هو أنني عندما نطقت الشهادتين أسست بتلاشي الرغبات للقيام بتلك الأمور وبشكل كامل. إنه لشيء رائع أن أستمتع وأشعر بالسلام في قلبي كوني مسلمة.

أعتقد أن الشيء الأساسي الذي أثار إعجابي بالإِسلام هو احترام المرأة. فهناك الكثير من الاحترام للمرأة والأمور التي تقوم بها النساء، حياتنا نحن النساء ليست سهلة، فلدينا الكثير لنفكر فيه ونقلق بشأنه، كعائلاتنا وأزواجنا وأطفالنا. فتربية الأطفال هو أمر صعب جداً، بالإضافة إلى الأعمال المنزلية والطبخ والاعتناء بأزواجنا.. إنها وظيفة صعبة.

وفي الواقع فإن الإِسلام يحترم المرأة لتلك الأسباب. كان سبباً لفصلنا عن الرجال في المساجد حتى لا يتشتت الرجال. يفهم الإِسلام القوة الكامنة في جاذبيتنا ومظهرنا وهو ما يتأثر به الرجال، والإِسلام يحترم هذا الأمر. ما إن أدركتُ هذا حتى تمكنت الفكرة مني وأردتُ أن أصبح مسلمة. اعتناقي للإِسلام أشعرني بالاختلاف فقد جعلني أشعر بالسلام المطلق. كنت في السابق أشعر بعدم الاستقرار، فالكثير من الأشياء كانت في حالة عدم استقرار، والسبب في هذا هو عدم اتخاذ قرار بشأنها. لم يكن لديَّ أيَّ هدف في ذهني ولم يكن هناك سبب لوجودي، لكن اعتناقي للإِسلام أعطاني السلام والأمان والتوازن وهو ما احتجت إليه في حياتي، إسلامي جعل من الأشياء حقيقة، وتستحق أن أكون هنا من أجلها، فأخيراً صار هناك هدف لحياتي وأنا أفهم الآن ما هو الغرض منها. لا نملك الفرصة دوماً للالتقاء بالناس الذين نحتاجهم بصورة جوهرية لنفهمهم. هذا ما جعلني أتردد على المسجد لأتقرب إلى الناس وأفهمهم. وكلما زاد ترددي إلى المسجد، كلما ازداد عدد النساء اللواتي أحطن بي واعتنين بي ومنحنني العطف الموجود في الإِسلام.

٣١٣

لم أفكر أبداً ولو لمرة واحدة في حياتي بأني سأصبح مسلمة على الإطلاق. فقناعاتي تجاه المسلمين كانت مغلوطة للغاية فأنا لم أحبهم، فقد كنت أعتقد بأنهم سيئون ولم أكن لأفكر ولو لمرة بأني سأكون واحدة منهم. ولكن اليوم أنا فخورة وسعيدة جداً، وأريد أن أرتدي الحجاب ليعرف الناس أني مسلمة، حتى لو كرهوني فأنا لا أهتم. أنا أريد أن أبيِّن لهم أن الله موجود في أي شخص وليس فقط في الشرق أوسطيين.

٣١٤

راكيل: مسلمة أميركية...

ضابطة شرطة سابقة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إسمي راكيل، وقد اعتنقت الإسلام.

لقد كنت ضابطة شرطة في مدينة ديترويت وعملت هناك منذ عام 1996 وحتى عام 2004 وقد أُطلق علَيّ النار عام 2002، وكان ذلك أثناء تأدية وظيفتي وكدت أفارق الحياة.

لم أكن أذهب إلى الكنيسة في واقع الأمر، لقد نشأت في منزل مسيحي، فأبواي قسين مسيحيين، وقرأت الكثير عن الكاثوليكية.

لقد لاحظت أن الإسلام منطقي من الناحية الفكرية، أنا لم أحلل الأديان الأخرى وأدرسها، إلّا أنها تبدو وكأنها تحمل الكثير من صنع الإنسان، وأفكاره بدلاً من شريعة الله الأصلية، وهذا كان يزعجني كثيراً. ثم وجدت الإسلام، أكثر دقة تاريخياً ومن حيث أصالة النصوص، ولم يتم تشويهه من خلال الكثير من الترجمات المختلفة.

أعتقد أنه في عام 2002، تم إنقاذ حياتي لسبب، وأعتقد أن هذا السبب هو أن أتمكن من اعتناق الإسلام وأن أصبح مسلمة. لم أكن أعرف كيف أعبد الله، لم أعرف ما هو الدين الذي ينبغي أن أؤمن به، حتى التقيت ببعض الأصدقاء المسلمين، وقد حدثوني باستفاضة، وفسَّروا لي الكثير. لقد كنت أشعر بالقلق حيال إعلان الشهادة لأنني لا أعرف الكثير من الكلمات الإسلامية حتى الآن، فساندتني إحدى الأخوات التي كانت ترعاني في المسجد، وساعدتني حتى أعلن شهادتي وكان الأمر رائعاً فعلاً. لقد استمتعت بمجرد الإعلان أني أشهد أن لا لا إله إلّا الله أمام كل من في المسجد وكان ذلك أبرز الأحداث بالنسبة لي. لم أعد أخاف الموت فيجب أن لا نخشى إلّا الله، ونتحلى بالإيمان، لأنَّ الله واحد وأنا أعرف ذلك لأنني كنت على شفير الموت ولو كنت قد توفيت ذلك اليوم، لا أعرف إن كنت في هذه الحالة سيكون مصيري إلى نار جهنم أم لا، أما الآن فتملأني الثقة والطمأنينة والسعادة لأنني أعرف مصيري إن حدث لي شيء اليوم.

٣١٥

كان سيصيبني الجنون إن تابعت عملي كضابطة شرطة، لأن الناس يهاجمون المسلمين في ديترويت دون سبب على الإطلاق، لاسيما بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، كان الأمر فظيعاً وقد أزعجني، وكنت أردّ بأن كونهم مسلمين لا يعني أنهم متطرفون حيث أزعجني ما رأيت - كضابطة شرطة - في الشوارع والأسلوب الذي كانت تتم به معاملتهم فقد كان في ذلك انعدام للضمير.

أعرف أن تعلُّم لغة جديدة قد يكون محبطاً للبعض، فهي في الأساس ثقافة جديدة، وليست ديناً فحسب، بل أسلوب حياة. وبالنسبة لي لم يكن ذلك محبطاً، كل ما في الأمر هو رغبتي في تعلمها بسرعة أكبر، وأريد أن أتقنها بمفردي، لكن هذا ليس سهلاً وعلَيَّ أن أتعلم كل شيء تقريباً عبر الإنترنت حتى كيفية ارتداء الحجاب، إنها تجربة مذهلة. بدأت أمتنع عن الكثير من المحرمات كشرب الكحول ولم أعد أتناول لحم الخنزير، وبالطبع أشتري الآن لحماً حلالاً. أصبحت في الأربعين وكنت أعرف أنني أرغب في إدخال هذه التغييرات إلى حياتي، وآن الأوان لأنعم بالسلام والهدوء في حياتي وأتقرب إلى الله، وكنت مستعدة تماماً لهذا التغيير وكنت أعرف أن هذا ما تفتقده حياتي. عندما أصلي، أشعر أنَّ الصلاة مؤثرة جداً وأشعر بقدر هائل من الحماية.

أقرأ القرآن الكريم كل يوم، وأجد فيه آداب الإسلام وأتعلم شيئاً جديداً، والناس يقدمون الكثير من المساعدة، فبالرغم من اختلاف العرق، لا يصدر الناس عليك أحكاماً إذا دخلت وأنت أمريكي. بل يقدمون الكثير من الدعم، فالكل يعاملك بكل لطف ويساعد في تعليمك وتوجيهك.

أكثر ما يعجبني في الإسلام هو الحجاب، فأنا أستمتع به، لأكون صادقة تماماً، لا سيما هنا في لاس فيغاس حيث ينظر الرجال إلى النساء بشكل غريب وهذا يثير الخوف. وهكذا أشعر بمزيد من الراحة والأمان. أما في ما يتعلق بإخبار أصدقائي عن اعتناقي الإسلام، لست متأكدة من ردود أفعالهم فمثلاً أفضل صديقاتي من الطفولة تعمل في الواقع في الكنيسة الكاثوليكية، وأعرف أن رد فعلها لهذا سيكون سيئاً، وقد لا نكون أصدقاء بعد الآن. والبعض أظهروا لي الكثير من الدعم أو طرحوا أسئلة مثيرة للاهتمام كذلك، فكان من اللطيف أن أتمكن من أن أنقل أفكاري لهم. من أبرز الأسئلة التي طرحها أصدقائي بصفة خاصة، سواء من الرجال أو النساء، لماذا تغطين رأسك؟ ولماذا تغطين ذراعيك؟

٣١٦

لا سيما عندنا في لاس فيغاس، لأن المجتمع هنا مختلف للغاية مقارنة حتى بالمجتمعات الأمريكية العادية، الناس هنا يرتدون ألبسة مكشوفة خاصة النساء، فقلت بكل بساطة، الأمر يتعلق بالاحتشام، وقد لاحظت أن الناس ينظرون إليّ بشكل مختلف، حتى أن بعض أصدقائي ذكروا أن بعض الناس ينظرون إليّ بمزيد من الإحترام لأنّ الرجال لا ينظرون إليّ كشيء، بل ينظرون إلى وجهي. في ما يتعلق بأفراد أسرتي فهو سيف ذو حدين، إنني أفتقدهم كأشخاص، لكنني لا أفتقد دينهم على الإطلاق. وقد كانوا في غاية القسوة معي، فقد كانت لديّ تجارب رهيبة ومخيفة للغاية، كان والداي يصطحبانني منذ صغري لحضور ممارسات طرد الأرواح الشريرة. فكان لذلك أثر عاطفي هائل على نفسي طوال الوقت. والداي لا يعرفان أنني اعتنقت الإسلام، لم يكن أمامي سوى خيار واحد في رأيهما، وكان إما اختيار أن أكون مسيحية ذات شخصية جذابة مثلهما أو لا يحترمانني مطلقاً وقد أقصياني من العائلة وكان ذلك قبل أن أعتنق الإسلام.

أفضِّل أن تكون لي أسرة مسلمة وأن يكون الله في حياتي، الله الحق، وليس مجموعة من القواعد والقوانين التي أرساها البشر، لقد تسبب دينهما بالكثير من الألم لي، لكن هذا الدين ليس كذلك.

أنا أريد أن أنشر هذا الدين، وأنشر الحب وأنشر السعادة وأنشر السلام، وأوضح للناس أنه يلزم القضاء على كل هذه النماذج النمطية، وأن الإسلام ليس إرهاباً، وأنه رائع للغاية وهذا ما أرغب أنا شخصياً في أن أوضحه للناس.

٣١٧

أسلم بعد جنازة صديقه

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وُلِدتُ وترعرعت في مدينة هاليفاكس في نوفا سكوتيا، أبي رجل أبيض من منطقة برنس إدوارد في كندا وأمي امرأة سوداء من مجتمع يُدعى لوكاس فيل في نوفا سكوتيا.

أمي كانت مسيحية ولقد اعتدت الذهاب معها إلى الكنيسة، وحتى عندما توقفت هي كنت أنا الوحيد من أفراد عائلتي الذي يذهب إلى هناك، عندما كبرت وأصبحت في مرحلة آخر المراهقة، توقفت عن الذهاب إلى الكنيسة، فلم أكن مهتمّاً بمفهوم الدين.

لا زلت أؤمن بالله والعديد من المعتقدات الدينية المسيحية لكنني لم أؤمن بهذا التنظيم الديني.

لقد كنت أعيش في منطقة دارتموت، هي تقع على ميناء مدينة هاليفاكس، ترعرعت هناك حيث كان يوجد عائلة باكستانية كبيرة مسلمة، كنت صديقاً لهم وتعلّمت منهم عن الإسلام بعض الأشياء، فقد كان أحد أفرادها متديّناً، فقد كنت أراه دائماً يذهب إلى المسجد ويصلّي، كان عمري 16 سنة تقريباً عندما أصبحتُ مهتمّاً بالدين الإسلامي وبدأت بالاستفسار عنه، من أصدقائي. وحين بلغت السابعة عشرة - وفي الصيف الذي ما بين الأول الثانوي والثاني الثانوي - انتقلت مع أبي وزوجته من دارتموت للعيش في هاليفاكس، حيث كان هناك العديد من العرب المسلمين، وكانت هذه النقلة بمثابة الصدمة الثقافية بالنسبة لي، لأنني كنت أعيش في كول هاربور، حيث المسلمون قلّة لا تراهم في كل مكان، وبالتالي لا ترى الحجاب أو أيّ شيء من هذا القبيل، بينما في بدفورد يوجد العديد من المسلمين العرب الذين يمكنك معرفتهم بسيماهم. بعد فترة من وصولي إلى هناك، عرف أحد الإخوة العراقيين أنني مهتم بالإسلام فجاء وقال لي بأنهم يقيمون صلاة الجمعة كل أسبوع في المدرسة الثانوية التي كنت أرتادها في وقت استراحة الغداء، فدعاني.

ذهبنا إلى هناك يوم الجمعة والحمد لله كانت تجربة جيدة جداً. كان الخطيب شاباً يافعاً مرحِّباً ومضيافاً وصلّيت معهم على الرغم من أنني لم أعِ ما أفعل، فلقد كنت أقلّدهم. بعد الصلاة تحدّثت إلى الخطيب ورجل آخر كان يأتي للصلاة كل جمعة.

٣١٨

وفي أحد الأيام وبعد انتهائنا من الصلاة سألني ذلك الرجل: «ما رأيك بالإسلام؟» فقلت له: «أنا أؤمن بالدين الإسلامي وأعتقد أنه الدين الصحيح والطريقة المُثلى للحياة» فأجابني: «إذاً يجب أن تصبح مسلماً!» تفاجأت حينها لأنني كنت صغيراً ولا زال أمامي الكثير لأتعلّمه. قال لي: «يجب أن تُسلم لأنك لا تعلم متى ستموت» عندها ضحكت لأنني كنت أبلغ من العمر السابعة عشرة فقط وما زلت صغيراً على الموت، سأموت عندما أصبح جَدَّاً في الثمانينات ويمتلئ شعري شيباً وأحفادي من حولي، فلم أكترث لما كان يقوله.

ذهبت إلى هناك 4 أو 5 مرات بعدها، إلى أن جاءت إجازة الصيف فلم أعد أذهب إلى المدرسة. لكن في يوم من أيام الإجازة الصيفية، كنت أعمل في مطعم، حيث تلقّينا اتصالاً مفاجئاً في وقت الإغلاق من المديرة، التي أخبرتنا فيما بعد أنَّ خالد توفي في حادث اصطدام سيارة. من هو خالد؟ خالد هو أحد الإخوة الفلسطينيين كان يعمل معنا في المطعم لمدة قصيرة وكان صديقي أيضاً فلقد كنا نرتاد نفس المدرسة وتخرجّنا منها معاً. عندما سمعت الخبر لم أصدّقه لأوّل وهلة. هاتفتُ المديرة التي نقلت إلينا الخبر وعندما سمعت صوتها تبكي عرفت حينها بأنه قد مات فعلاً.

لم أستوعب ما الذي يحدث في ذلك الوقت، لكنني في طريقي إلى البيت ماشياً، انهرت باكياً. كانت المرة الأولى التي عرفت فيها أنَّ أحداً توفي في نفس عمري، فكلانا كنا نبلغ الثامنة عشرة من العمر، فقد صدمتني هذه الفاجعة في الصميم..

يوم دفن الجثّة، تعلّمت كيفية الوضوء حيث هاتفت صديقي وعلّمني كيف أتوضأ. وذهبنا أنا وصديقي إلى المسجد في دارتموت لصلاة الجنازة ثم بعد ذلك توجهنا إلى مقبرة المسلمين.

كان الجو مفعماً بالحزن فإخوته وأبوه كانوا هناك والجميع منخرط في البكاء.

عندما وضعوا التراب فوق جثمانه بدأت أنا بالبكاء الشديد، أثناء ذلك شاهدت الشيخ الذي قال لي يجب أن تسلم لأنك لا تعلم متى ستموت. كان هذا بمثابة إشارة لي من عند الله أني قد أموت قريباً وأنَّ كلام الشيخ كان صحيحاً وأنني يجب أن أسلم.

٣١٩

ذهبت إليه مباشرة وأخبرته أنني أريد أن أسلم فقال لي: «أهلاً أليكس، كيف حالك؟ من الرائع رؤيتك مرة أخرى، أتمنى أنك ما زلت مهتمّاً بالإسلام». وسبحان الله في تلك اللحظة، وفي ذلك المكان عند المسجد بجانب المقبرة قلت: «أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله».

بعد ذلك مباشرةً حان وقت صلاة المغرب، وسألني أحد الإخوة إذا كنت أعرف كيفية الوضوء، فقلت نعم. ثم ذهبت إلى دورة المياه لأتوضأ لكنني نسيت مراحل الوضوء فمكثت هناك وقتاً طويلاً محاولاً التذكر. وعندما فرغت من الوضوء كانوا قد انتهوا من صلاة المغرب لكن الشيخ لم يصلِّ بعد وكان بانتظاري ثم صلّينا معاً والحمد لله نشأت بيننا صداقة طيبة من بعد ذلك، فقد استمريت في مقابلته يومياً بعد ذلك لمدة أسبوع حيث علمني سورة الفاتحة وأركان الإسلام.

قبل الإسلام لم أكن أعرف ما الذي يجب أن أفعله وما الذي أريده وما الطريقة المُثلى للعيش.

كنت أعيش وفقاً لفلسفتي الخاصة منجرفاً إلى العديد من العادات السيئة ولكن الحمد لله هداني ربي إلى الطريق الصحيح قبل الوقوع في الطريق السيء.

الكثير قد يجادل بأنَّ السبب وراء اعتناقي الدين الإسلامي هو عاطفتي. ولكن لم تكن الأسباب كذلك، لأنني كنت مقتنعاً أصلاً بأنَّ الدين الإسلامي هو الدين الحق لكنني كنت بحاجة إلى دفعة في الاتجاه الصحيح. فهذه الحادثة جعلتني أعي أنني قد أموت في أي دقيقة وكانت الحادثة إشارة لي بما أنني كنت مقتنعاً بالإسلام فلماذا أنتظر حتى أبلغ العشرين أو الثلاثين أو الأربعين من عمري؟ ولهذا أسلمت وبذلت جهداً في تعلّم الإسلام وأركانه ومبادئه.

أتوق إلى شهر رمضان هذا العام، وأستمتع باختباره مجدداً. نؤدي الشعائر الدينية بشكل أفضل كقراءة الأدعية والذهاب إلى المسجد دوماً وتلاوة القرآن الكريم.

أنا الآن أكثر اقتناعاً من قبل بأنَّ الدين الإسلامي هو الدين الصحيح لأنني رأيت براهين القرآن الكريم ومعجزاته.

حياتي بعد الإسلام تحسّنت كثيراً، فالإسلام هداني إلى الاتجاه الصحيح للحياة وهو أن أعيش حياة مستقيمة ومتديّنة بعد أن كنت متخبطاً قبل ذلك.

٣٢٠

كان قد أصابهم مكروه في قتالهم يتحدث المنافقون بابتهاج بأنّ الله قد أنعم عليهم نعمة كبيرة إذ لم يشاركوا المجاهدين في ذلك القتال ، ويفرحون لعدم حضورهم في مشاهد الحرب الرهيبة( فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً ) .

وحين تصل الأخبار بانتصار المسلمين المجاهدين ونيلهم المغانم ، يتبدل موقف هؤلاء المنافقين فتبدو الحسرة عليهم ويظهر الندم على وجوههم ، ويشرعون ـ وكأنّهم غرباء لا تربطهم بالمسلمين أية رابطة ـ بترديد عبارات التأسف :( وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً ) .

في الآية إشارة إلى المفهوم المادي للنصر في نظر المنافقين ، فالذي يرى الشهادة والقتل في سبيل الله مصيبة وبلاء ، ويخال النجاة من القتل أو الشهادة في هذه السبيل نعمة إلهية،لا ينظر إلى النصر والفوز إلّا من خلال منظار كسب الغنائم والمتاع المادي لا غير.

هؤلاء المتلونون الموجودون ـ مع الأسف ـ في كل المجتمعات ، سرعان ما يغيرون أقنعتهم تجاه ما يواجهه المؤمنون من نصر أو هزيمة ، هؤلاء لا يشاركون المؤمنين في معاناتهم ولا يساعدونهم في الملمات ، لكنّهم يتوقعون أن يكون لهم في الانتصارات السّهم الأوفى، وأن يحصلوا على ما يحصل عليه المجاهدون المؤمنون من امتيازات.

* * *

٣٢١

الآية

( فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (٧٤) )

التّفسير

إعداد المؤمنين للجهاد :

بعد أن أوضحت الآية السابقة إحجام المنافقين عن مشاركة المجاهدين في القتال تتوجه الآية (٧٤) والتي تليها ـ بلغة مشجعة مشوقة ـ إلى المؤمنين فتدعوهم إلى الجهاد في سبيل الله ، ونزول هذه الآيات حين كان الإسلام مهددا من قبل مختلف الأعداء ـ سواء من الداخل أو الخارج ـ يدل على أهميتها في تربية الروح الجهادية لدى المسلمين.

وتوضح الآية في بدايتها أنّ أعباء الجهاد يجب أن تكون على عاتق أولئك النفر الذين باعوا حياتهم الدنيوية المادية الزائلة ، مقابل فوزهم بالحياة الأخروية الخالدة :( فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ ) أي أن المجاهدون الحقيقيون هم وحدهم المستعدون للدخول في هذه الصفقة ، بعد أن انكشفت لهم دناءة الحياة المادية (وهو ما يفهم من لفظ الدنيا) ، فهؤلاء أدركوا أن هذه الحياة لا قيمة لها تجاه الحياة الأبدية الخالدة،أمّا الذين يرون الأصالة في

٣٢٢

الحياة المادية الدنيئة ، ويعتبرونها أرفع وأكبر من الأهداف الإلهية المقدسة والأهداف الإنسانية السامية ، فلا يمكن أن يكونوا أبدا مجاهدين صالحين.

وتستمر الآية مبينة أنّ مصير المجاهدين الحقيقيين الذين باعوا الحياة الدنيا بالآخرة واضح لا يخرج عن حالتين : إمّا النصر على الأعداء ، أو الشهادة في سبيل الله ، وهم في كلتا الحالتين ينالون الأجر والثواب العظيم من الله تعالى( ... وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ) وبديهي أن جنودا كهؤلاء لا يفهمون معنى الهزيمة ، فهم يرون النصر إلى جانبهم في الحالتين : سواء تغلّبوا على العدو ، أو نالوا الشهادة في سبيل الله ، ومثل هذه المعنويات كفيلة بأن تمهد الطريق للانتصار على العدو ، ويعتبر التاريخ خير شاهد على أنّ هذه المعنويات هي العامل في انتصار المسلمين على أعداء فأقوهم عددا وعدّة.

ويؤكّد هذا الأمر حتى المفكرون من غير المسلمين ممن كتبوا عن انتصارات المسلمين السريعة التي حققوها في عصر الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي العصور التالية ، فهؤلاء المفكرون يرون أن منطق الفوز بإحدى الحسنيين أحد العوامل الحاسمة في تقدم المسلمين.

يقول مؤرخ غربي مشهور في كتاب له في هذا المجال : إنّ المسلمين لم يكونوا ليخافوا الموت في سبيل دينهم الجديد ، لما وعدوا به من هبات إلهية في الآخرة ، وأنّهم لم يعتقدوا بأصالة خلود هذه الحياة الدنيا ، ولذلك فهم قد تنازلوا عن هذه الحياة في سبيل العقيدة والهدف(١) .

والجدير ذكره هنا هو أنّ هذه الآية ـ وآيات أخرى من القرآن الكريم ـ اعتبرت الجهاد أمرا مقدسا إذا كان في سبيل الله ، ومن أجل إنقاذ البشر ، وإحياء مبادئ الحق والعدالة والطهارة والتقوى ، على عكس الحروب التي تشن بهدف التوسع وبدافع من التعصب والتوحش والاستعمار والاستغلال.

* * *

__________________

(١) راجع غوستاف لوبون ، تاريخ الحضارة الإسلامية والعربية.

٣٢٣

الآية

( وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (٧٥) )

التّفسير

الاستعانة بالعواطف والمشاعر الإنسانية :

كانت الآية السابقة تطالب المؤمنين بالجهاد معتمدة على إيمانهم بالله واليوم الآخر،وقد اعتمدت أيضا قضية الربح والخسارة في سياق دعوتها إلى الجهاد ، أمّا هذه الآية فتستند في دعوتها الجهادية إلى العواطف والمشاعر الإنسانية وتستثيرها في هذا الاتجاه ـ فهي تخاطب مشاعر المؤمنين وعواطفهم بعرض ما يتحمله الرجال والنساء والأطفال المضطهدون من عذاب وظلم بين مخالب الطغاة الجبارين ، وتطالب المؤمنين ـ مستثيرة عواطفهم في هذا الاتجاه ـ عن طريق عرض المشاهد المأساوية التي يعاني منها المستضعفون وتدعوهم إلى الجهاد في سبيل الله من أجل إنقاذ هؤلاء المظلومين فتقول الآية :( وَما لَكُمْ لا

٣٢٤

تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ (١) مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ ) .

ولأجل إثارة المشاعر أكثر ، تنبّه الآية المؤمنين بأنّ المستضعفين المذكورين لكثرة معاناتهم من البطش والإرهاب والاضطهاد قد انقطع أملهم في النجاة ويئسوا من كل عون خارجي ، فأخذوا يدعون الله لإخراجهم من ذلك المحيط الرهيب المشحون بأنواع البطش والرعب والظلم الفاحش :( الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها ) ويطلب المستضعفون من الله ـ أيضا ـ أن يرسل لهم من يتولى الدفاع عنهم وينجيهم من الظالمين بقولهم :( وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً ) .

الآية ـ في الواقع ـ نشير إلى أنّ الله قد استجاب دعاء المستضعفين ، فهذه الرسالة الإنسانية الكبرى قد أوكلت إليكم أنتم أيّها المسلمون المخاطبون ، فقد أصبحتم أنتم «الولي» المرتقب وأنتم «النصير» من قبل الله تعالى لإنقاذ المستضعفين ، من هنا عليكم أن تنهضوا بهذه المسؤولية وتستثمروا هذه المكانة الكبرى المناطة إليكم ولا تضيعوها.

والآية هذه يستفاد منها أيضا عدّة أمور ، هي :

١ ـ إنّ الجهاد في سبيل الله وكما أشير إليه من قبل ـ ليس من أجل انتزاع الأموال والسلطة والثروات من أيدي الآخرين ، كما أنّه لا يستهدف إيجاد أسواق لاستهلاك البضائع أو لفرض عقائد خاصّة بالقوّة ، بل أنه يستهدف نشر الفضيلة والإيمان والدفاع عن المظلومين والمضطهدين من النساء والرجال والولدان ، ومن هذا المنطلق يتّضح أنّ للجهاد هدفين شاملين جامعين أشارت الآية إليهما ، أحدهما «ربّاني» ، وآخر «إنساني» يكمل أحدهما الآخر ، ولا ينفصلان ، بل

__________________

(١) إنّ الفرق بين المستضعف والضعيف واضح وجلي ، فالضعيف هو من كان معدوم القدرة والقوّة ، والمستضعف هو من أصابه الضعف بسبب ظلم وجور الآخرين ، سواء كان الاستضعاف فكريا أم ثقافيا أم كان أخلاقيا أو اقتصاديا أم سياسيا أم اجتماعيا ، فالعبارة هنا جامعة شاملة تستوعب جميع أنواع الاستضعاف.

٣٢٥

كلاهما يعودان إلى حقيقة واحدة.

٢ ـ إنّ الإسلام يرى أن المحيط السالم الذي يمكن للإنسان أن يعيش فيه ، هو ذلك المحيط الذي يوفّر الحرية للإنسان ، ويضمن له العمل بما يعتقد دون مانع أو أذى ، ويرى الإسلام ـ أيضا ـ أنّ المحيط الذي يسوده الكبت والإرهاب والقمع ، ولا يستطيع المسلم فيه إظهار عقيدته أو إعلان إسلامه ، فهو محيط لا يجدر بالإنسان المسلم أن يبقى فيه ، لذلك فإن الآية تنقل عن المؤمنين دعاءهم إلى الله لكي يخلصهم من مثل هذا الجو المليء بالقمع والإرهاب.

وعلى الرغم من أن مكّة كانت ملجأ وملاذا للمهاجرين ، فإنّ تفشي الظلم فيها جعل المؤمنين يدعون الله لإنقاذهم من ظلم أهل هذه المدينة ، وييسر لهم سبيلا إلى الخروج منها.

٣ ـ وفي نهاية الآية نرى أنّ المؤمنين الذين يعانون من محيطهم الظالم ، يسألون الله أن يبعث لهم من يتولى شؤونهم ، وأن يمدهم ـ أيضا ـ بمن ينصرهم على الظالمين ويخلصهم من مخالبهم ، ويفهم من هذه الآية أهمية القيادة الصالحة ، وأهمية قدرة هذه القيادة في إنقاذ المظلومين وضرورة امتلاكها من العدد والعدّة ما يمكنها من القيام بمسؤوليتها الخطيرة هذه.

بذلك نستنتج من الآية العناصر التي يجب أن تتوفر في كل قيادة إسلامية ، وهي كما يلي :

أ ـ أن تكون القيادة صالحة (بما في كلمة الصلاح من شمولية)

ب ـ أن تكون قوية مقتدرة (أن تملك العدد والعدّة الكافيين ، بالإضافة إلى الخطط العسكرية التي تضمن نجاح استخدام القوّة الموجودة).

٤ ـ تبيّن الآية أنّ المؤمنين يطلبون حاجاتهم من الله العلي القدير وحده ، ولا يلجئون إلى غيره في حوائجهم ، حتى أنّهم يسألون الله أن يمدهم بمن يتولى الدفاع عنهم وينصرهم على الظالمين.

* * *

٣٢٦

الآية

( الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً (٧٦) )

التّفسير

لقد أوضحت الآيات السابقة قضية الجهاد ، وأبرزت عناصره والمخاطبين به ودوافعه،وفي هذه الآية نلاحظ أنّها تحث المجاهدين على القتال ، وتبيّن أهدافهم ، مؤكّدة أنّهم يقاتلون في سبيل الله ولمصلحة عباد الله ، وأن الكافرين يقاتلون في سبيل الطاغوت المتجبر :( الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ ) أي أنّ الحياة في كل الأحوال لا تخلو من الكفاح والصراع ، غير أن جمعا يقاتلون في طريق الحق،وجمعا يقاتلون في طريق الشيطان والباطل.

لذلك تطلب الآية من أنصار الحق أن ينبروا لقتال أنصار الشيطان دونما رهبة وخوف:( فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ ) .

كما توضح هذه الآية حقيقة مهمّة ، هي أنّ الطاغوت والقوى المتجبرة ـ مهما امتلكت من قوة ظاهرية ـ ضعيفة في نفسها وجبانة في باطنها ، وبهذا تطمئن الآية

٣٢٧

المؤمنين كي لا يخافوا من هؤلاء الطواغيت مهما أوتوا من عدّة أو عدد ، لأنّهم خالون من الهدف فارغون من الإيمان ، ولذلك كانت خططهم كلها ضعيفة خاوية كقدرتهم ولأنّهم لا يعتمدون على منشأ القدرة الأزلية الأبدية الذي هو الله العزيز القدير ، بل يعتمدون على قدرة الشيطان الضعيفة الجوفاء :( إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً ) .

أما سبب قوة المؤمنين من أنصار الحق فيعود إلى أنهم يسيرون في طريق أهداف وحقائق تنسجم مع قانون الخليقة والوجود ، وتتمتع بالصفة الأزلية الأبدية ، فهم يجاهدون في سبيل تحرير الإنسان ومحو آثار الظلم والعدوان بينما الطاغوت وأنصاره يقاتلون من أجل منافعهم الشخصية أو يعملون في خدمة الطواغيت والمستكبرين من أجل استغلال البشر إرضاء لشهواتهم الفانية الزائلة ، الأمر الذي يدفع في النهاية بالمجتمع إلى الانحطاط والزّوال ، لأنّ عمل الطواغيت يتناقض وسرّ الوجود ويتعارض مع قوانين الفطرة والطبيعة ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فإن المؤمنين باعتمادهم على القوى الروحية يتمتعون بثقة عالية بالنفس وبهدوء باطني يمهّد لهم سبيل النصر والفوز على العدو ، بل ويهبهم القوّة والقدرة على الاندفاع لمواجهة الأعداء ، بينما العدو والكافر لا يعتمد على أساس قوي أبدا.

وتجدر الملاحظة هنا أنّ الآية قرنت الطاغوت بالشيطان ، وهذا يدل على أن القوى الطاغوتية المتجبرة إنّما تستمد القوة والعون من منبع ضعيف يتمثل في القوى الشيطانية والجوفاء.

هذا المضمون تذكره ـ أيضا ـ الآية (٢٧) من سورة الأعراف :( إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ ) .

* * *

٣٢٨

الآية

( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٧٧) )

سبب النّزول

روى جمع من المفسّرين كالشّيخ الطوسي في التبيان ، والقرطبي وصاحب المنار عن ابن عباس أنّ نفرا من المسلمين كانوا أثناء وجودهم في مكّة قبل الهجرة يعانون من ضغط المشركين وأذائهم ، فجاءوا إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وطلبوا منه أن يسمح لهم بقتال الأعداء فأجابهم النّبي في حينه أنّه لم يؤمر بالجهاد.

ومضت أيّام على طلب هؤلاء ، حتى هاجر المسلمون إلى المدينة وتهيأت هناك ظروف وشروط الجهاد المسلح ، وأمر الله المسلمين بالجهاد ، فأخذ بعض من أولئك النفر الذين كانوا يصرّون على النّبي للسماح لهم بالجهاد وقتال الأعداء في مكّة يظهرون الكسل والتهاون في تنفيذ الأمر الإلهي ، ولم يبدوا أي حماس أو رغبة في الجهاد ، كما كانوا يظهرون ذلك في مكّة ، فنزلت هذه الآية وهي تحثّ

٣٢٩

المسلمين على الجهاد وتؤنب المتهاونين والمتقاعسين عن هذا الواجب الحسّاس.

وقد تطرقت الآية الكريمة إلى عدد من الحقائق في هذا الصدد.

التّفسير

قوم بضاعتهم الكلام دون العمل :

تتحدث الآية بلغة التعجب من أمر نفر أظهروا رغبة شديدة في الجهاد خلال ظرف غير مناسب ، وأصرّوا على السماح لهم بذلك ، وقد صدرت الأوامر لهم ـ حينئذ ـ بالصبر والاحتمال ، ودعوا إلى إقامة الصلاة ، وأداء الزكاة ، وبعد أن سنحت الفرصة وآتت الظروف للجهاد بصورة كاملة وأمروا به ، استولى على هؤلاء النفر الخوف والرعب ، وانبروا يعترضون على الأمر الإلهي ويتهاونون في أدائه.

تقول الآية :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً ) فكان هؤلاء في اعتراضهم على أمر الجهاد يقولون صراحة : لما ذا أسرع الله في إنزال أمر الجهاد؟ ويتمنون لو أخر الله هذا الأمر ولو قليلا! أو يطلبون أن يناط أمر الجهاد للأجيال القادمة(١) ( وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ ) .

والقرآن الكريم يردّ على هؤلاء أوّلا من خلال عبارة :( يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً ) أي أن هؤلاء بدل أن يخافوا الله القادر القهار ، أخذتهم الرّجفة واستولى عليهم الرعب من إنسان ضعيف عاجز ، بل أصبح خوفهم من هذا

__________________

(١) تدل بعض الأحاديث أنّ هذا النفر من المسلمين كان قد سمع بحديث نهضة المهدي المنتظر ، فكان البعض منهم يترقب أن يؤخر الجهاد إلى زمن المهديعليه‌السلام ، تفسير نور الثقلين ، الجزء الأوّل ، ص ٥١٨.

٣٣٠

الإنسان أكبر من خشيتهم الله العلي القدير.

ثمّ يواجه القرآن هؤلاء بهذه الحقيقة : لو أنّهم استطاعوا بعد تركهم الجهاد أن يوفّروا لأنفسهم ـ فرضا ـ حياة قصيرة رغيدة هانئة ، فإنّهم سيخسرون هذه الحياة لأنّها زائلة لا محالة ، بينما الحياة الأبدية التي وعد الله بها عباده المؤمنين المجاهدين الذين يخشونه ولا يخشون سواه ، هي خير من تلك الحياة الزائلة ، وإن المتقين سيلقون فيها ثوابهم كاملا غير منقوص دون أن يصيبهم أي ظلم ،( قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً ) (١) .

من الضروري الالتفات إلى عدة نقاط في تفسير هذه الآية ، وهي :

١ ـ لما ذا أمرت أولئك النفر بإقامة الصلاة وأداء الزكاة دون غيرهما من الفرائض الكثيرة الاخرى؟

والجواب على هذا السؤال يتلخص في أنّ الصلاة هي سر الاتصال بالله سبحانهعزوجل ، والزكاة تعتبر مفتاحا لباب الاتصال بعباد الله ، وعلى هذا الأساس فقد صدرت الأوامر للمسلمين بأن يعدّوا أنفسهم وأرواحهم ومجتمعهم للجهاد في سبيل الله ، عن طريقة إقامة الصلة الوثيقة بينهم وبين الله وعباده ، وبعبارة أخرى أن يسعوا إلى بناء أنفسهم وإعدادها ، وبديهي أن أي جهاد يحتاج بالضرورة إلى إعداد النفس والروح ، وإلى توثيق عرى التلاحم الاجتماعي ، وبدون ذلك لا يمكن إحراز أي انتصار.

والإنسان يقوي صلته بالله من خلال الصلاة ويربّي بها روحه ومعنوياته ، فيكون بذلك مستعدا لتقديم أغلى التضحيات بما في ذلك التضحية بالنفس ، كما أنّ الزكاة هي الوسيلة الوحيدة لرأب كل صدع اجتماعي ، بالإضافة إلى كونها دعما اقتصاديا في سبيل إعداد ذوي الخبرة والتجربة والعدة الحربية ، وما

__________________

(١) الفتيل يعني الشعيرة الرفيعة جدا الموجودة بين فلقتي نواة التّمر ، وقد تطرفنا إلى شرح ذلك في الآية (٤٩) من سورة النساء وفي هذا المجلد من تفسيرنا هذا.

٣٣١

يحتاجه المسلمون في قتال الأعداء ليكونوا على استعداد لمواجهة العدو إذا صدر الأمر إليهم بذلك.

٢ ـ المعروف أنّ حكم الزكاة ورد في آيات نزلت في المدينة (أي أنّها آيات مدنية) ولم يكلف المسلمون بأداء الزكاة في مكّة ـ فكيف إذن يمكن القول إن هذه الآية تتحدث عن وضع المسلمين في مكّة؟

يجيب على هذا السؤال الشيخ الطوسيرحمه‌الله في تفسير «التّبيان» فيقول : إنّ المقصود بالزكاة الواردة في هذه الآية هو الزكاة المستحبة التي كانت معروفة في مكّة ، أي أنّ القرآن المجيد كان يحثّ المسلمين حتى في مكّة على تقديم المساعدات المالية إلى مستحقيها ولدعم اقتصاد المجتمع الإسلامي الجديد في مكّة.

٣ ـ وتشير هذه الآية الكريمة إلى حقيقة مهمة ، هي أنّ المسلمين في مكّة كان لهم منهج ، ثمّ أصبح لهم في المدينة منهج آخر ، ففي مكّة انشغل المسلمون ببناء شخصيتهم الإسلامية بعد أن تحرروا من أدران الجاهلية ، فكان سعي النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مكّة منصبا على تربية هؤلاء الذين نبذوا عبادة الأصنام ليجعل منهم أناسا يسترخصون النفس والنفيس في مواجهة ما يعترض سبيل المسلمين من تحديات ، فما أحرزه المسلمون من انتصارات باهرة في المدينة المنورة ، كان حصيلة عملية بناء الشخصية الإسلامية ، هذه العملية التي تعهدت بها رسالة الإسلام في مكّة.

لقد تعلم المسلمون الكثير في مكّة ومارسوا تجارب جمّة واكتسبوا استعدادا روحيا ومعنويا عظيما خلال العهد المكي ، ودليل هذا الأمر هو نزول قرابة التسعين سورة ـ من مجموع سور القرآن الكريم البالغة مائة وأربع وعشرة سورة ـ في مكّة ، وقد تناولت هذه السور في الغالب الجوانب العقائدية التربوية الخاصّة بإعداد الشخصية الإسلامية ـ أمّا في المدينة فقد انصرف المسلمون إلى

٣٣٢

تشكيل الحكومة الإسلامية وإقامة أسس المجتمع الإسلامي السليم.

ويدل هذه ـ أيضا ـ على عدم نزول حكم الجهاد والزكاة الواجبين في العصر المكي لأنّ الجهاد من واجبات الحكومة الإسلامية مثل تشكيل بيت المال فإنّه من شؤون الحكومة الإسلامية أيضا.

* * *

٣٣٣

الآيتان

( أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (٧٨) ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً (٧٩) )

التّفسير

نستنتج من الآيات السابقة واللاحقة أنّ هاتين الآيتين تقصدان مجموعة من المنافقين تسللوا إلى صفوف المسلمين ، وقد قرأنا في الآيات السابقة أن هؤلاء قد أبدوا الخوف والقلق من المشاركة في مسئولية الجهاد ، وقد ظهر عليهم الضجر والاستياء حين نزول حكم الجهاد،فردّ عليهم القرآن الكريم وأنبّهم لموقفهم هذا بقوله :( قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى ) (١) موضحا أن الحياة بكل زخارفها سرعان ما تزول ، وإنّ ما يناله المؤمنون الذين يخشون الله

__________________

(١) الآية ٧٧ من نفس السورة.

٣٣٤

ولا يعصونه من الخير والثواب هو خير من كل ما في هذه الدنيا من خيرات.

وفي هذا المقطع القرآني ردّ آخر على أولئك المنافقين ، حيث بيّن أن الموت آتيهم يوما لا محالة ، حتى إذا تحصنوا في قلاع عالية ومنيعة بحسب ظنّهم ، وما دام الموت يدرك الإنسان بهذه الصورة أليس من الخير له أن يموت على طريق مثمر وصحيح كالجهاد؟!

وممّا يلفت الانتباه أنّ القرآن الكريم يطلق في مواقع متعددة اسم «اليقين» على الموت ، كما في الآية (٩٩) من سورة الحجر ، والآية (٤٨) من سورة المدثر ـ ومعنى هذه العبارة القرآنية هو أن الإنسان مهما كانت عقيدته ـ يؤمن بوجود الموت إيمانا لا يخامره فيه شك مطلقا ، ومهما أنكر المرء من حقائق لا يستطيع إنكار الموت الذي يشهده بأم عينه أو يسمع عنه كل يوم ، والإنسان الذي يحب الحياة ويخال أن الموت هو الفناء الذي لا حياة بعده أبدا يخاف من ذكر الموت ويفر من مظاهره.

الآيتان الأخيرتان تؤكدان حقيقة عدم جدوى الفرار من الموت ، فهو يدرك الإنسان يوما ما لا محالة ، وهو حقيقة قطعية يقينية في عالم الوجود.

وعبارة( يُدْرِكْكُمُ ) الواردة في الآية الأولى تعني الملاحقة ، واللاحق هو الموت الذي يدرك الإنسان ، وتوحي بأنّ الفرار لا ينقذ الإنسان من هذا المصير الحتمي.

وتؤكد الحقيقة المذكورة الآية الثّامنة من سورة الجمعة إذ تقول :( قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ) .

إذن ليس من العقل والمنطق أن يدرك الإنسان هذه الحقيقة ويفر بعد ذلك من ميدان الجهاد ، ويحرم نفسه أشرف ميتة وهي الشهادة في سبيل الله ، فيموت على فراشه فلو عاش الإنسان بعد فراره من الجهاد أيّاما أو شهورا أو سنوات لتكرر ما فعل ولتكررت أمامه المشاهد الماضية ، فهل من العقل أن يحرم الإنسان نفسه

٣٣٥

لأجل هذه المتكررات من الثواب الأبدي الذي يناله المجاهد في سبيل الله؟! وهنا أمر ثان يجب الانتباه له في الآية الأولى من هاتين الآيتين ، وهو عبارة( بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ) (١) التي تؤكد أنّ الموت لا تحول دونه القلاع والحصون المنيعة العالية ، والسرّ في هذا الأمر هو أنّ الموت الطبيعي لا يداهم الإنسان من خارج وجوده ـ خلافا لما يتصورون ـ ولا يحتاج إلى اجتياز القلاع والحصون ، بل يأتي من داخل وجود الإنسان حيث تقف أجهزة الإنسان عن العمل بعد نفاذ قدرتها المحدودة على البقاء.

نعم ، الموت غير الطبيعي يأتي الإنسان طبعا من خارج وجوده ، وبذلك قد تنفع القلاع والحصون في تأخير هذا النوع من الموت عنه.

ولكن ما ذا ستكون النهاية والنتيجة؟ هل بمقدور القلاع والحصون أن تحول دون وصول الموت الطبيعي الذي سيدرك الإنسان ـ دون شك ـ في يوم من الأيّام؟!

من أين تأتي الانتصارات والهزائم؟

يشير القرآن في هاتين الآيتين إلى وهم آخر من أوهام المنافقين ، حين يوضح أن هؤلاء إذا أحرزوا نصرا أو غنموا خيرا قالوا : إنّ الله هو الذي أنعم عليهم بذلك ، وزعموا أنّهم أهل لهذه النعمة :( وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ ) .

أمّا إذا مني هؤلاء بهزيمة أو لحقهم أذى في ميدان القتال ، ألقوا اللوم على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وافتروا عليه بقولهم إنّ ما نالهم من سوء هو من عنده ، متهمين خططه

__________________

(١) «مشيدة» في الأصل من مادة «شيد» على وزن فيل ، بمعنى الجص والمواد الاخرى التي تستخدم لتقوية البنيان ، وبما أن أكثر المواد استعمالا في البناء في تلك الازمنة هو الجص فان هذه الكلمة تطلق عليه عادة ، فيكون معنى «بروج مشيدة» هو القلاع الرصينة والمتينة ، وقد تستعمل ويراد بها المرتفعة والعالية. وذلك أيضا لنفس السبب لأنّه من دون استخدام الجص لم يكن بالإمكان بناء تلك الابنية المرتفعة.

٣٣٦

العسكرية بالضعف ، من ذلك ما حدث في غزوة أحد ، تقول الآية :( وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ ) .

ويحتمل بعض المفسّرين أن تكون هذه الآية قد نزلت بشأن اليهود ، ويرون أنّ المقصود بالحسنة والسيئة ـ هنا ـ هو ما كان يحدث من وقائع سارة وضارة ، حيث كان اليهود حين بعثة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينسبون كلّ حدث سار ونافع إلى الله ، ويعزون حدوث الوقائع الضّارة إلى وجود النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين ظهرانيهم ، بينما اتصال الآية بالآيات السابقة والتالية ـ التي يدور الحديث فيها عن المنافقين ـ يدل على أنّ المقصود في هذه الآية الأخيرة هم المنافقون.

ومهما يكن من أمر ، فإنّ القرآن الكريم يردّ على هؤلاء مؤكدا إنّ الإنسان المسلم الموحد الذي يؤمن صادقا بالله ويعبده ولا يعبد سواه ، إنّما يعتقد بأنّ كل الوقائع والأحداث والانتصارات والهزائم هي بيد الله العليم الحكيم ، فالله هو الذي يهب الإنسان ما يستحقه ويعطيه بحسب قيمته الوجودية ، وفي هذا المجال تقول الآية :( قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ ) .

والآية ـ هذه ـ تحمل في آخرها تقريعا وتأنيبا للمنافقين الذين لا يتفكرون ولا يمعنون في حقائق الحياة المختلفة ، حيث تقول :( فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً ) .

وبعد هذا ـ في الآية التالية ـ يصرّح القرآن بأنّ كل ما يصيب الإنسان من خيرات وفوائد وكل ما يواجهه الكائن البشري من سرور وانتصار هو من عند الله ، وإن ما يحصل للإنسان من سوء وضرر وهزيمة أو خسارة فهو بسبب الإنسان نفسه تقول الآية :( ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ) وتردّ الآية في آخرها على أولئك الذين كانوا يرون وجود النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سببا لوقوع الحوادث المؤسفة فيما بينهم فتقول :( وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً ) .

٣٣٧

جواب على سؤال مهم :

السّؤال المهم الذي يتبادر إلى الذهن حين قراءة هاتين الآيتين الأخيرتين هو : لما ذا نسب الخير والشر في الآية الأولى كلّه لله؟ ولما ذا حصرت الآية التالية الخير ـ وحده ـ لله،ونسبت الشرّ إلى الإنسان؟

حين نمعن النظر في الآيتين تواجهنا عدّة أمور ، يمكن لكل منها أن يكون هو الجواب على هذا السؤال.

١ ـ لو أجرينا تحليلا على عناصر تكوين الشر لرأينا أنّ لها اتجاهين : أحدهما إيجابي والآخر سلبي ، والاتجاه الأخير هو الذي يجسد شكل الشر أو السيئة ويبرزه على صورة «خسارة نسبية» فالإنسان الذي يقدم على قتل نظيره بسلاح ناري أو سلاح بارد يكون قد ارتكب بالطبع عملا شريرا وسيئا ، فما هي إذن عوامل حدوث هذا العمل الشرير؟

إنّها تتكون من : أوّلا : قدرة الإنسان وعقله وقدرة السلاح والقدرة على الرمي والتهديف الصحيحين واختيار المكان والزمان المناسبين ، وهذه تشكل عناصر الاتجاه الإيجابي للقضية ، لأنّ كل عنصر منها يستطيع في حدّ ذاته أن يستخدم كعامل لفعل حسن إذا استغل الاستغلال الحكيم ، أمّا الاتجاه السلبي فهو في استغلال كل من هذه العناصر في غير محله ، فبدلا من أن يستخدم السلاح لدرء خطر حيوان مفترس أو للتصدي لقاتل ومجرم خطير ، يستخدم في قتل إنسان بريء ، فيجسد بذلك فعل الشر ، وإلّا فإنّ قدرة الإنسان وعقله وقدرته على الرمي والتهديف ، وأصل السلاح وكل هذه العناصر ، يمكن أن يستفاد منها في مجال الخير.

وحين تنسب الآية الأولى الخير والشرّ كلّه لله ، فإن ذلك معناه أنّ مصادر القوّة جميعها بيد الله العليم القدير حتى تلك القوّة التي يساء استخدامها ، ومن هذا المنطلق تنسب الخير والشرّ لله ، لأنّه هو واهب القوى.

٣٣٨

والآية الثّانية : تنسب «السيئات» إلى الناس انطلاقا من مفهوم «الجوانب السلبية» للقضية ومن الإساءة في استخدام المواهب الإلهية.

تماما مثل والد وهب ابنه مالا ليبني به دارا جديدة ، لكن هذا الولد بدلا من أن يستخدم هذا المال في بناء البيت المطلوب ، اشترى مخدرات ضارة أو صرفه في مجالات الفساد والفحشاء ، لا شك أنّ الوالد هو مصدر هذا المال ، لكن أحدا لا ينسب تصرف الابن لوالده ، لأنه أعطاه للولد لغرض خيري حسن ، لكن الولد أساء استغلال المال ، فهو فاعل الشرّ ، وليس لوالده دخل في فعلته هذه.

٢ ـ ويمكن القول ـ أيضا ـ بأنّ الآية الكريمة إنّما تشير إلى موضوع «الأمر بين الأمرين».

وهذه قضية بحثت في مسألة الجبر والتفويض ، وخلاصة القول فيها أنّ جميع وقائع العالم خيرا كانت أم شرّا ـ هي من جانب واحد تتصل بالله سبحانه القدير لأنّه هو الذي وهب الإنسان القدرة والقوّة وحرية الانتخاب والإختيار ، وعلى هذا الأساس فإنّ كل ما يختاره الإنسان ويفعله بإرادته وحريته لا يخرج عن إرادة الله ، لكن هذا الفعل ينسب للإنسان لأنّه صادر عن وجوده ، وإرادته هي التي تحدد اتجاه الفعل.

ومن هنا فإنّنا مسئولون عن أعمالنا ، واستناد أعمالنا إلى الله ـ بالشكل الذي أوضحناه ـ لا يسلب عنّا المسؤولية ولا يؤدي إلى الإعتقاد بالجبر.

وعلى هذا الأساس حين تنسب «الحسنات» و «السيئات» إلى الله سبحانه وتعالى ، فلفاعلية الله في كل شيء ، وحين تنسب السيئة إلى الإنسان فلإرادته وحريته في الإختيار.

وحصيلة هذا البحث إنّ الآيتين معا تثبتان قضية الأمر «الأمر بين الأمرين» (تأمل بدقّة)!

٣ ـ هناك تفسير ثالث للآيتين ورد فيما أثر عن أهل البيتعليهم‌السلام ، وهو أنّ

٣٣٩

المقصود من عبارة السّيئات جزاء الأعمال السيئة وعقوبة المعاصي التي ينزلها الله بالعاصين،ولما كانت العقوبة هي نتيجة لأفعال العاصين من العباد ، لذلك تنسب أحيانا إلى العباد أنفسهم وأحيانا أخرى إلى الله ، وكلا النسبتين صحيحتان ، إذ يمكن القول في قضية إنّ القاضي هو الذي قطع يد السارق ، كما يجوز أن يقال إنّ السارق هو السبب في قطع يده لارتكابه السرقة.

* * *

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710