الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٣

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل8%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 710

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 710 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 173457 / تحميل: 6085
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

ولكن من عائلة معادية للإسلام ويجب في هذه الحالة عتق عبد مسلم ولا تدفع الدية إلى أهل القتيل ، لأنّ الإسلام يرفض تعزيز الحالة المالية لأعدائه ، بالإضافة إلى ذلك فإنّ الإسلام قد قطع الصلة بين هذا الفرد وعائلته المعادية للإسلام ، فلا معنى إذن لجبران الخسارة.

أما النّوع الثّالث : من غرامة القتل الناتج عن الخطأ ، فيكون في حالة كون القتيل من عائلة غير مسلمة لكن بينها وبين المسلمين عهدا وميثاقا ، في مثل هذه الحالة أمر بدفع دية القتيل إلى أهله ، كما أمر ـ أيضا ـ بتحرير عبد من العبيد المسلمين احتراما للعهود والمواثيق تقول الآية :( وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ).

واختلف المفسّرون في قتيل الحالة الثالثة ، هل يجب أن يكون من المسلمين ، أم أن الحكم يشمل غيرهم من الكفار الذميين؟

وظاهر الآية والروايات التي وردت في تفسيرها تدل على أنّ المقصود فيها هو القتيل «المسلم».

كما اختلف المفسّرون في جواز دفع الدية إلى أهل القتيل غير المسلمين ، حيث أنّ الدية تعتبر جزءا من الإرث ، والكافر لا يرث المسلم ، ولكن ظاهر الآية يدل على وجوب دفع الدية إلى أهل مثل هذا القتيل ، وذلك تأكيدا من الإسلام لاحترامه للعهود والمواثيق.

وذهب بعض المفسّرين إلى أنّ الدية تدفع في هذه الحالة إلى المسلمين من ورثة القتيل دون الكافرين منهم معتمدين على أنّ الكافر لا يرث المسلم وأنّ الدية هي جزء من الإرث،وقد وردت إشارات إلى هذا المعنى في بعض الروايات أيضا.

بينما ظاهر الآية يدل على أن الورثة ليسوا من المسلمين ، وذلك حين تقول :( مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ ) لأن العهود والمواثيق كانت في ذلك الزمان

٣٨١

بين المسلمين وبين غيرهم ، ولم تكن بين المسلمين أنفسهم ـ حينذاك ـ عهود أو مواثيق،(وهنا يجب الإمعان والتدقيق كثيرا من الأمر).

وتستطرد الآية في بيان الحكم فتتطرق إلى أولئك النفر من المسلمين الذين يرتكبون القتل عن خطأ ، ولا يسعهم ـ لفقرهم ـ دفع المال دية عن القتيل ، كما لا يسعهم شراء عبد لتحرير رقبته غرامة عن ارتكابهم للقتل الخطأ ، وتبيّن حكم هؤلاء ، وتعلن أنهم يجب أن يصوموا شهرين متتابعين غرامة عن القتل الخطأ الذي ارتكبوه ، بدلا من الدية وتحرير الرقبة،وقد اعتبرت ذلك نوعا من تخفيف الجزاء على الذين لا يطيقون الغرامة المالية وتوبة منهم إلى الله ، علما أنّ جميع أنواع الغرامات التي ذكرت في الآية عن القتل الخطأ ، إنما هي توبة وكفارة للذنب المرتكب في هذا المجال ، والله يعلم بخفايا الأمور وقد أحاط علمه بكل شيء حيث تقول الآية :( تَوْبَةً مِنَ اللهِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً ) .

لقد وردت في الآية ـ موضوع البحث ـ أمور عديدة يجدر الانتباه إليها وهي :

١ ـ ذكرت الآية ثلاثة أنواع من التعويض عند حصول قتل عن خطأ ، وكل نوع في حدّ ذاته تعويض عن الخسارة الناجمة عن هذا القتل.

فتحرير رقبة عبد مسلم يعتبر تعويضا عن خسارة اجتماعية ناتجة عن القتل الواقع على إنسان مسلم ، إذ بعد أن خسر المجتمع فردا نافعا من أفراده بسبب وقوع القتل عليه ، حصل على تعويض مماثل وذلك بدخول إنسان نافع آخر بين أفراده عن طريق التحرير.

وأمّا التعويض المادي «الدية» فهو مقابل الخسارة المادية اللاحقة بأهل القتيل نتيجة فقدهم إياه ، والحقيقة أن الدية ليست ثمنا لدم القتيل المسلم البريء ، لأن دمه لا تعادله قيمة ، بل هي ـ وكما أسلفنا ـ نوع من التعويض عن خسارة مادية لاحقة بذوي القتيل بسبب فقدانه.

وأمّا الخيار الثّالث الوارد في حالة تعذر تقديم التعويض المادي ، فيتمثل في

٣٨٢

صيام شهرين متتابعين يقوم به القاتل ، فهو تعويض أخلاقي ومعنوي لخسارة معنوية لحقت بالقاتل نفسه بسبب ارتكابه لحادث قتل ، فالكفارة تتحقق في الدرجة الأولى في تحرير رقبة مؤمنة ، فإن عجز القاتل فصيام شهرين متتابعين ـ ويجب الانتباه هنا إلى أن تحرير العبيد يعتبر بحدّ ذاته عبادة ، لما له من أثر معنوي على العبد الذي يتحرر من قيود الرق.

٢ ـ ورود عبارة( إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا ) بالنسبة إلى أهل القتيل الذين هم من المسلمين،أي أن يتنازلوا عن «دية» قتيلهم ، حيث لم ترد هذه العبارة بالنسبة لغير المسلمين ـ وسبب ذلك واضح ، وهو لأن الأرضية للصفح والعفو متوفرة لدى المسلمين حيال أمثالهم ، بينما لا تتوفر مثل هذه الأرضية لدى غير المسلمين تجاه المسلمين ، كما أن المسلم يجب أن لا يقبل معروفا أو منّة من غير المسلم في هذه الحالات.

٣ ـ وممّا يجلب الانتباه أنّ الحالة الثالثة الواردة في آية موضوع البحث ، قد قدمت كفارة الدية على كفارة التحرير ، وهذه الحالة تتناول مسألة القتل الخطأ الواقع على شخص لا ينتمي أهله إلى الإسلام ، بينما الحالة الأولى ـ التي كان القتيل فيها من عائلة إسلامية ـ تقدمت فيها كفارة التحرير على كفارة الدية.

ويمكن الاستنتاج من هذا التقديم والتأخير أن مسألة دفع الدية في موعد متأخر بالنسبة للمسلمين فيما بينهم ، لا تترك أثرا سلبيا عليهم ـ في الغالب ـ بينما لو كان أهل القتيل من غير المسلمين لوجب التعجيل في دفع الدية ـ أوّلا ـ اتقاء للفتنة ، ولكي لا يفسّر أهل القتيل وقومه مسألة القتل الحاصلة بأنّها نقض للعهد من جانب المسلمين.

٤ ـ لم تحدد الآية الكريمة مقدار الدية أو مبلغها في أي من الحالات الثلاثة المذكورة،ويستنتج من هذا أن مسألة التحديد هذه إنّما أوكلت إلى السنة التي عينت بالفعل مقدارها الكامل بألف مثقال من الذهب ، أو بمائة بعير ، أو مائتين من

٣٨٣

البقر ، ويمكن أن يكون ثمن هذه الأنواع مالا إذا حصل اتفاق بين طرفي القضية ، (وبديهي أن تخصيص الذهب أو نوع من أنواع الماشية دية عن القتل ، إنما هو سنة إسلامية تستند مبرراتها على الأمور الطبيعية لا الوضعية المتغيرة بتغير الزمان).

٥ ـ قد يرد هذا الوهم لدى البعض بأنّ القتل الواقع خطأ ، يجب أن لا يكون بإزائه غرامة أو عقوبة ، لأن القاتل لم يرتكب جريمة عن عمد أو سبق إصرار وإن الخطأ لا عقوبة أو غرامة مالية عليه.

وجواب هذا ـ أو توضيحه ـ هو أن القتل ، دون سواه من الجرائم ، تدخل فيه قضية بالغة الأهمية وهي قضية الدم المراق فيها والحياة الإنسانية التي تسلب عضو من أعضاء المجتمع ولكي يبيّن الإسلام اهتمامه الكبير بحياة الأفراد ، ويدفع معتنقيه إلى التزام الحيطة والحذر الدقيقين لعدم التورط في ارتكاب مثل هذه الأخطاء ، شدد في مسألة الغرامة والعقوبة حرصا منه على حياة أفراد المجتمع ، ولكي لا يصبح الخطأ عذرا يتوسل به من شاء في إهدار دماء الأبرياء من الناس.

والعبارة الأخيرة من الآية الكريمة التي هي( تَوْبَةً مِنَ اللهِ ) قد تكون إشارة إلى أنّ وقوع الخطأ يكون غالبا بسبب التهاون وقلة الحذر ، وان الخطأ إذا كان كبيرا كالقتل ـ يجب التعويض عنه أوّلا وإرضاء أهل القتيل لكي تشمل القاتل أو الخاطئ بعد ذلك التوبة الإلهية.

* * *

٣٨٤

الآية

( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً (٩٣) )

سبب النّزول

ذكروا أنّ «المقيس بن صبابة الكناني» كان قد وجد قاتل أخيه «هشام» في محلة بني النجار ، وأخبر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذا الأمر ، فبعثه النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع «قيس بن هلال المهري» إلى زعماء بني النجار يأمرهم أن يسلموا قاتل «هشام» إلى أخيه «المقيس» وإن لم يكن لهم علم به أو بمكانه فليدفعوا إلى «المقيس» دية أخيه القتيل ، فدفع بنو النجار الدية لعدم علمهم بمكان القاتل ، فأخذ «المقيس» الدية وتوجه إلى المدينة مع «قيس بن هلال المهري» إلّا أنه في الطريق راودته نعرة من نعرات الجاهلية ، فظن أنه قد جلب على نفسه العار بقبوله المال بدل دم أخيه ، فعمد إلى قتل رفيق سفره ، أي قيس بن هلال الذي كان من قبيلة بني النجار ، انتقاما لدم أخيه على حسب ظنّه ، ثمّ هرب «المقيس» إلى مكّة وارتد عن إسلامه ، فاستباح النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دم هذا القاتل ، أي «المقيس» لخيانته ، وقد نزلت هذه الآية في هذه المناسبة وهي تبيّن عقوبة مرتكب القتل العمد.

٣٨٥

التّفسير

عقوبة القتل العمد :

لقد بيّنت الآية السابقة عقوبة ـ أو غرامة ـ القتل الناتج عن الخطأ ، وجاءت الآية الأخيرة عقوبة القتل عن عمد وسبق إصرار ، في حالة إذا كان القتيل من المؤمنين ، وبما أن جريمة قتل الإنسان من أعظم وأكبر الجرائم وأخطر الذنوب ، وان التهاون في مكافحة مثل هذه الجريمة يهدد أمن المجتمع وسلامة أفراده ، الأمن الذي يعتبر من أهم متطلبات المجتمع السليم ، لذلك فإنّ القرآن الكريم قد تناول هذه القضية في آيات مختلفة بأهمية بالغة ، حتى أنّه اعتبر قتل النفس الواحدة قتلا للناس جميعا ، إلّا أن يكون القتل عقابا لقتل مثله أو عقابا لجريمة الإفساد في الأرض حيث يقول القرآن في هذا المجال :( مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً ) (١) .

وقد قررت الآية ـ موضوع البحث ـ أربع عقوبات أخروية لمرتكب القتل العمد ، وعقوبة أخرى دنيوية هي القصاص ، والعقوبات الأخروية هي :

١ ـ الخلود والبقاء الأبدي في نار جهنم ، حيث تقول الآية :( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها ) .

٢ ـ احاطة غضب الله وسخطه بالقاتل :( وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ ) .

٣ ـ الحرمان من رحمة الله :( وَلَعَنَهُ ) .

٤ ـ العذاب العظيم الذي ينتظره يوم القيامة :( وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً ) والملاحظ هنا أن العقاب الأخروي الذي خصصه الله للقاتل في حالة العمد ، هو أشدّ أنواع العذاب والعقاب بحيث لم يذكر القرآن عقابا أشدّ منه في مجال آخر أو لذنب آخر.

أمّا العقاب الدنيوي الذي وردت تفاصيله في الآية (١٧٩) من سورة البقرة ،

__________________

(١) الآية ٣٢ من سورة المائدة.

٣٨٦

فهو القصاص ، وقد تطرقنا إليه لدى تفسير هذه الآية في الجزء الأوّل من كتابنا هذا.

جريمة القتل العمد والعقاب الأبدي :

يرد سؤال في هذا المجال ، وهو أن الخلود في العذاب قد ورد بالنسبة إلى من يموت كافرا ، بينما قد يكون مرتكب جريمة القتل العمد مؤمنا ، كما يحتمل أن يندم على ما ارتكبه من إثم ويتوب عن ذلك في الدنيا ، ويسعى إلى تعويض وتلافي ما حصل بسبب جريمته ، فكيف إذن يستحق مثل هذا الإنسان عذابا أبديا وعقابا يخلد فيه؟

إنّ جواب هذا السؤال يشتمل على ثلاث حالات هي :

١ ـ قد يكون المراد بقتل المؤمن ـ الوارد في الآية موضوع البحث ـ هو القتل بسبب إيمان الشخص ، أي استباحة دم المؤمن ، وواضح من هذا إنّ الذي يعمد إلى ارتكاب جريمة قتل كهذه إنما هو كافر عديم الإيمان ، وإلا كيف يمكن لمؤمن أن يستبيح دم أخيه المؤمن ، وبناء على هذا يستحق القاتل الخلود في النار ويستحق العذاب والعقاب المؤبد، وقد نقل عن الإمام الصادقعليه‌السلام حديث بهذا الفحوى(١) .

٢ ـ كما يحتمل أن يموت مرتكب جريمة القتل العمد مسلوب الإيمان بسبب تعمده قتل إنسان مؤمن بريء ، فلا يحظى بفرصة للتوبة عن جريمته ، فينال في الآخرة العذاب العظيم المؤبد.

٣ ـ ويمكن أيضا ـ أن يكون المراد بعبارة «الخلود» الواردة في الآية هو العذاب الذي يستمر لآماد طويلة وليس العذاب المؤبد.

ويمكن أن يطرح سؤال آخر ـ في هذا المجال ـ وهو هل أنّ جريمة القتل

__________________

(١) فقد ورد في كتاب الكافي وتفسير العياشي في تفسير هذه الآية عن الإمام الصادق عليه‌السلام قوله : «إن من قتل مؤمنا على دينه فذلك المتعمد الذي قال الله تعالي في كتابه عنه : «وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً».

٣٨٧

العمد قابلة للتوبة؟!

لقد ردّ جمع من المفسّرين بالنفي صريحا على هذا السؤال ، وقالوا : أن هذه الجريمة التي ورد ذكرها في الآية موضوع البحث غير قابلة للتوبة مطلقا ، حيث أشارت الروايات الواردة في هذا الأمر إلى ذلك ، فقد صرحت الروايات بأنّ لا توبة لقاتل المؤمن عمدا.

ولكن الذي نستنتجه من روح التعاليم الإسلامية ، وروايات الأئمّةعليهم‌السلام ، وغيرهم من علماء الدين الكبار ، وكذلك من فلسفة التوبة القائمة على أساس التربية والوقاية من الوقوع في الذنوب والخطايا في مستقبل الفرد المسلم المستخلص من ذلك كله هو أنه لا يوجد ذنب غير قابل للتوبة ، لكن التوبة من بعض الذنوب تكون مقيدة بشروط قاسية جدا يصعب بل يستحيل أحيانا على الفرد تحقيقها.

والدليل على هذا الأمر هو قول القرآن الكريم :( إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ ) (١) .

وقد قلنا في تفسير هذه الآية : إنّها وردت في شأن العفو عن الذنوب بواسطة الشفاعة وما شاكل ذلك ، ولكن المعروف أنّه حتى الشرك ـ ذاته ـ يعتبر من الجرائم والذنوب القابلة للتوبة ، إذا تخلى الإنسان عنه وعاد فآمن بالله الواحد الأحد وأسلم وجهه لله ، كما حصل للجاهليين الذين تخلوا عن شركهم وقبلوا الإسلام وتابوا إلى الله فعفا عنهم وغفر لهم ذنوبهم السابقة.

ويتبيّن من هذا العرض الموجز أنّ كل الذنوب ـ حتى الشرك ـ قابلة للتوبة ، وتؤكد على ذلك الآيتان (٥٣ و ٥٤) من سورة الزمر حيث يقول تعالى :( إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ ) .

وقد ذكر بعض المفسّرين أن الآيات التي تتحدث عن غفران جميع الذنوب

__________________

(١) النساء ، ٤٧.

٣٨٨

هي آيات عامّة قابلة للتخصيص ـ ولكن لا يمكن الحكم بصحة هذا القول ، لأنه يتناقض ومنطق هذه الآية التي اعتبرت التوبة نعمة ومنة من الله على المذنبين ، وأكدت ذلك بالقرائن، لذلك لا يمكن تخصيص هذه الآيات ، فهي ـ كما في الاصطلاح ـ تأبى التخصيص.

إضافة إلى ذلك كلّه فقد يحتمل أن يلجأ مرتكب القتل العمد إلى التوبة ، ويخلص الطاعة لله في بقية عمره ، ويتجنب ارتكاب الذنوب ولا يعصي الله بعد ذلك ، ولا يعمد إلى ارتكاب جريمة قتل مشابهة ، فهل يصح أن ييأس التائب ـ في مثل هذه الحالة ـ من رحمة الله وعفوه ومغفرته؟ وهل يجوز القول بأن هذا الشخص مع توبته وندمه وسيبقى مشمولا بعذاب الله المؤبد؟ إن القول برفض توبة إنسان كهذا يكون مخالفا لروح التعاليم الدينية السامية التي جاء بها الأنبياء لتربية البشر وهدايتهم في جميع مراحل التاريخ.

والذي نلاحظه في تاريخنا الإسلامي ، هو أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد عفا عن أخطر المجرمين من أمثال «وحشي» الذي قتل «حمزة بن عبد المطلب» عم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقبل النّبي توبته، وكذلك لا يمكن القول بأن ارتكاب جريمة القتل في حال الشرك يختلف عنه في حال الإيمان ، بحيث يقال باحتمال التغاضي والعفو عن الجريمة في الحالة الأولى ، وعدم احتماله في حالة الإيمان ، وقد سبق أن علمنا أن ليس هناك ذنب أعظم من الشرك بالله ، وعرفنا أنّ هذا الذنب ـ أيضا ـ قابل للتوبة وان الله يعفو عن المشرك إذا تاب عن شركه واعتنق الإسلام فكيف ـ والحالة هذه ـ يمكن القول بأنّ جريمة القتل العمد ـ التي لم يذكر القرآن أنّها أعظم الجرائم ليست قابلة للتوبة أو العفو؟

إنّ قولنا بأنّ جريمة قتل العمد قابلة للتوبة والعفو لا يقلل من عظم خطورة هذه الجريمة، وقبول التوبة في هذا المجال لا يعني أنّ التوبة متيسرة بسيطة في مثل هذه الحالة ، بل أنّها من أصعب الأمور ، وهي إن أريد تحقيقها ـ تحتاج إلى

٣٨٩

بذل وتضحيات كبيرة للتعويض عما خلفته الجريمة من آثار خطيرة وسيئة على المجتمع، والتعويض في هذا المجال ليس بالأمر اليسير(١) ولكننا أردنا من ذلك أن نبين أن باب التوبة ليست مغلقة على من تاب وآمن وعمل صالحا ثمّ اهتدى ، حتى لو كان قد ارتكب في وقت من الأوقات جريمة كالقتل المتعمد.

ما هي أنواع القتل؟

لقد قسم الفقهاء القتل إلى ثلاثة أنواع : كما ورد في كتب القصاص والديات ، وقد استندوا في هذا التقسيم على ما استلهموه من الآيات القرآنية والروايات والأحاديث الواردة في هذا المجال وهذه الأنواع هي :

١ ـ القتل العمد.

٢ ـ القتل شبه العمد.

٣ ـ القتل الخطأ.

والقتل العمد هو الذي يحصل باستخدام وسائل القتل مع وجود سبق إصرار على ارتكاب هذه الجريمة ، مثل أن يعمد إنسان إلى قتل إنسان آخر مستخدما في ذلك وسائل كالسكين أو العصي أو الحجارة أو غير ذلك من الوسائل القاتلة.

أمّا القتل شبه العمد فهو الذي يكون مسبوقا بإصرار القاتل على إيذاء القتيل دون استهداف قتله ، فيؤدي الإيذاء إلى القتل ، كأن يضرب شخص شخصا آخر ، دون أن يقصد قتله ، فيؤدي الضرب إلى قتل المضروب.

والقتل الخطأ هو القتل الذي يحصل دون أن يكون لدى القاتل سبق إصرار على ارتكاب هذه الجريمة ، ولم يكن يهدف إلى إيذاء القتيل ، ويحدث هذا ـ مثلا ـ

__________________

(١) إنّ الآيات التي وردت في بيان خطورة قتل الأبرياء لها أثر يهز الإنسان من الأعماق ، وفي حديث عن الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «لزوال الدنيا أهون على الله من قتل امرئ مسلم» وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا : «لو أن رجلا قتل بالمشرق وآخر رضي بالمغرب لاشرك في دمه»من تفسير المنار ، الجزء الخامس ، ص ٣٦١.

٣٩٠

لدى محاولة إنسان اصطياد بعض الحيوانات بنوع من أنواع السلاح ، فبدل أن يقع السلاح في الحيوان يقع سهوا على إنسان آخر فيقتله.

وقد وردت الأحكام المختلفة لهذه الأنواع الثلاثة من القتل في الكتب الفقهية.

* * *

٣٩١

الآية

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (٩٤) )

سبب النّزول

لقد ذكرت الرّوايات والتفاسير الإسلامية أسباب عدة لنزول هذه الآية ، وكلها تتشابه مع بعضها الآخر ، ومن ذلك أنّ الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين عاد من واقعة خيبر بعث أسامة بن زيد مع جمع من المسلمين إلى يهود كانوا يسكنون في قرية فدك ، من أجل دعوتهم إلى الإسلام أو الإذعان لشروط الذمّة ، مرداس اليهودي ، وهو أحد الذين عرفوا بقدوم جيش الإسلام وكان قد أخذ أمواله وأولاده ولجأ بهم إلى أحد الجبال ، هبّ لاستقبال المسلمين وهو يشهد بوحدانية الله ورسالة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد ظن أسامة بن زيد أن هذا اليهودي يتظاهر بالإسلام خوفا على نفسه وحفظا لماله وأنه لا يبطن الإسلام في الحقيقة فعمد أسامة إلى قتل هذا اليهودي واستولى على أغنامه ، وما أن وصل نبأ هذه الواقعة إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تأثر تأثرا شديدا منها وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما معناه إن أسامة لم يكن ليعرف ما في نفس هذا

٣٩٢

الإنسان فلعله كان قد أسلم حقيقة.

عند ذلك نزلت الآية المذكورة فحذرت المسلمين من أن تكون الغنائم الحربية أو أمثالها سببا في رفض إسلام من يظهر الإسلام ، مؤكدة ضرورة قبول إسلام مثل هذا الإنسان.

التّفسير

بعد أن وردت التأكيدات اللازمة ـ في الآيات السابقة ـ فيما يخص حماية أرواح الأبرياء، ورد في هذه الآية أمر احترازي يدعو إلى حماية أرواح الأبرياء الذين قد يعرضون إلى الاتهام من قبل الآخرين ، إذ تقول :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً ) .

تأمر هذه الآية المسلمين أن يستقبلوا ـ بكل رحابة صدر ـ أولئك الذين يظهرون الإسلام وأن يتجنبوا إساءة الظن بإيمان أو إسلام هؤلاء ، وتؤكد الآية بعد ذلك محذرة وناهية عن أن تكون نعم الدنيا الزائلة سببا في اتهام أفراد أظهروا الإسلام ، أو قتلهم على أنّهم من الأعداء والاستيلاء على أموالهم ، إذ تقول الآية :( ... تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا ) (١) .وتؤكّد على أنّ النعم الخالدة القيمة هي عند الله بقوله :( ... فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ ) .

وتشير الآية أيضا إلى حروب الجاهلية التي كانت تنشب بدوافع مادية مثل السلب والنهب فتقول :( ... كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ ) (٢) وتضيف ـ مخاطبة المسلمين ـ أنّهم في ظل الإسلام ولطف الله وكرمه وفضله قد نجوا من ذلك الوضع السيء مؤكّدة أنّ شكر هذه النعمة الكبيرة يستلزم منهم التحقق والتثبيت

__________________

(١) العرض كلمة على وزن (مرض) وتعني كل شيء زائل لا دوام له ، وعلى هذا الأساس فإن «عرض الحياة الدنيا» معناه رؤوس الأموال الدنيوية التي يكون مصير جميعها إلى الزوال والفناء لا محالة.

(٢) وقد ورد في تفسير هذه الآية احتمال آخر ، هو أنّها تخاطب المسلمين بأنهم كان لهم نفس الحالة عند إسلامهم ، أي أنّهم أقروا بالإسلام بألسنتهم وقبل منهم إسلامهم ، وفي حين لم يكن أحد غير الله يعلم بما يخفونه في سرائرهم.

٣٩٣

من الأمور ، إذ تقول الآية :( ... فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً ) .

الجهاد الإسلامي نفي من البعد المادي :

توضح الآية السالفة هذه الحقيقة بصورة جلية ، وهي أنّ أي مسلم يجب أن لا يتقدم إلى ساحة الجهاد بأهداف مادية ، ولذلك عليه أن يقبل ـ منذ الوهلة الأولى ـ من العدو إظهاره للإيمان ويلبي نداءه للصلح والسلام ، حتى لو حرم المسلم بقبوله إيمان العدو الكثير من الغنائم المادية ، والسبب في ذلك أن هدف الجهاد في الإسلام ليس التوسع ولا الاستيلاء على الغنائم المادية ، بل الهدف من الجهاد الإسلامي هو تحرير البشر من قيود العبودية لغير الله ، سواء كان هذا الغير هم الطغاة الجبابرة ، أو كانت العبودية للمال وللثروة والجاه، ويجب على كل مسلم أن يسعى إلى هذه الحقيقة كلما برقت له بارقة أمل صوبها.

وتذكّر الآية الكريمة المسلمين بعهدهم في الجاهلية ، حيث كانوا يحملون الأفكار المادية الدنيئة قبل إسلامهم ، فكانوا يتسببون في إراقة سيول من الدماء لأسباب مادية محضة، وقد نجوا اليوم بفضل إسلامهم وإيمانهم من تلك الحروب وتغير أسلوب حياتهم.

كما تشير الآية إلى حقيقة أخرى ، وهي أنّ المسلمين ساعة إظهارهم الإسلام لم يكن أحد ليعرف حقيقة هذا الإظهار أو حقيقة ما ينويه المظهر للإسلام ، وتؤكد لهم ضرورة أن يطبقوا ما كانوا هم عليه عند إسلامهم على من يظهر الإسلام أمامهم من الأعداء.

سؤال :

قد يطرأ على الذهن سؤال ، وهو لو أنّ الإسلام قبل دعوى كل من يتظاهر بالإسلام منذ الوهلة الأولى دون التحقيق من حقيقة هذه الدعوى ، لأصبح ذلك

٣٩٤

سببا في إيجاد أرضية النفاق وظهور المنافقين في المحيط الإسلامي ، وبهذا الأسلوب يمكن للكثير من الأعداء إساءة استغلال هذه الظاهرة والتستر في ظل الإسلام ، ومن خلال ذلك القيام بأعمال عدائية ضد الإسلام؟

الجواب :

من الممكن القول أن ليس هناك قانون في العالم لا يمكن إساءة استغلاله أبدا ، بل المهم في القانون هو أن يحوي في أغلب جوانبه النفع للعموم ، لو رفضنا ـ منذ الوهلة الأولى ـ إسلام من يظهر الإسلام من الأعداء وغيرهم لمجرّد عدم معرفتنا بسريرة هذا الذي يظهر الإسلام ، لأدى رفضنا في كثير من الحالات إلى مفاسد لا تحمد عقباها ، بل ستكون أكثر ضررا على الإسلام ، إذ أنّها تعني سحق المبادئ والعواطف الإنسانية ، ويكون ـ هذا الرفض ـ عند ذلك وسيلة بيد كل من يضمر العداء لصاحبه ليتهمه بأنّ إظهاره للإسلام لم يكن إظهارا حقيقيا مخلصا أو مطابقا لما في سريرته ، وبهذه الصورة من الممكن أن تراق دماء كثيرة لأناس أبرياء.

وفوق كل ذلك فإنّ الكثيرين لدى بدء كل دعوة ممن تكون توجهاتهم لهذه الدّعوة بسيطة وشكيلة وظاهرية ، ولكنهم بمرور الزمان واتصالهم الدائم بتلك الدّعوة ـ تتجذر في نفوسهم مبادئ الدعوة وتتأصل وتتعزز ، لذلك لا يمكن القبول برفض مثل هؤلاء الضعيفي الصلة بالدّعوة.

* * *

٣٩٥

الآيتان

( لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (٩٥) دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٩٦) )

التّفسير

تناولت الآيات السابقة الحديث عن الجهاد ، والآيتان الأخيرتان تبيّنان التمايز بين المجاهدين وغيرهم من القاعدين ، فتؤكد عدم التساوي بين من يبذل المال والنفس رخيصين في سبيل الهدف الإلهي السامي ، وبين من يقعده عن هذا البذل سبب آخر غير المرض الذي يحول دونه ودون المشاركة في الجهاد ،( لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ) .

وواضح من هذه الآية أنّ المقصود بالقاعدين فيها هم أولئك المؤمنون بالإسلام الذين لم يشاركوا في الجهاد في سبيله بسبب افتقارهم إلى العزم الكافي

٣٩٦

لذلك ، وتبيّن هنا ـ أيضا ـ أنّ الجهاد المقصود لم يكن واجبا عينيا ، فلو كان واجبا عينيا لما تحدث القرآن عن هؤلاء التاركين للجهاد بمثل هذه اللهجة المرنة ولم يكن ليوعدهم بالثواب.

وعلى هذا الأساس فإنّ فضل المجاهدين على القاعدين لا يمكن إنكاره حتى لو كان الجهاد ليس واجبا عينيا ، ولا تشمل الآية بأي حال من الأحوال أولئك الذين أحجموا عن المشاركة في الجهاد نفاقا ، وعدوانا ويجب الانتباه ـ أيضا ـ إلى أنّ عبارة( غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ ) لها مفهوم واسع يشمل كل أولئك الذين يعانون من نقص العضو أو المرض أو الضعف الشديد ، مما يحرمهم من المشاركة في الجهاد ، فهؤلاء مستثنون من ذلك.

وتكرر الآية من جديد مسألة التفاضل بشكل أوضح وأكثر صراحة ، وتؤكد في نهاية المقارنة ، أنّ الله وهب المجاهدين أجرا عظيما ،( فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً ) (١) .

ولكن ـ كما أسلفنا ـ لما كان في الجانب المقابل لهؤلاء المجاهدين يقف أولئك الذين لم يكن الجهاد بالنسبة لهم واجبا عينيا أو لم يشاركوا في الجهاد بسبب مرض أو عجز أو علة أخرى أعجزتهم عن هذه المشاركة ، فذلك ولأجل أن لا يغفل ما لهؤلاء من نيّة صالحة وإيمانه وأعمال صالحة أخرى فقد وعدوا خيرا حيث تقول الآية الكريمة :( ... وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى ) إلّا أنّه من البديهي أن هناك فرقا شاسعا بين الخير الذي وعد به المجاهدون ، وبين ذلك الذي يصيب القاعدين من العاجزين عن المشاركة في الجهاد.

وتبيّن الآية القرآنية في هذا المجال : أنّ لكل عمل صالح نصيب محفوظ من

__________________

(١) لقد وردت عبارة «درجة» في الآية على صيغة النكرة ، وتؤكد كتب الأدب بأن النكرة في مثل هذه الحالات تأتي لبيان العظمة والأهمية ـ أي أن درجة المجاهدين من السمو والرفعة بحيث لا يمكن للبشر معرفتها بصورة كاملة ـ وهذا شبيه بالعبارة التي تطلق لبيان القيمة العظيمة لشيء يجهل قيمته البشر.

٣٩٧

الثواب لا يغفل ولا ينسى ، خاصّة وهي تتحدث عن قاعدين أحبّوا المشاركة في الجهاد وكانوا يرونه ساميا مقدسا ، وبما أن عدم كون هذا الجهاد واجبا عينيا قد حال دون تحقق هذا الهدف السامي المقدس فإن أولئك الذين قعدوا عن المشاركة فيه سينالون من الثواب على قدر رغبتهم في المشاركة ، أمّا أولئك الذين عجزوا عن المشاركة بسبب عاهة أو مرض إلّا أنّهم كانوا يرغبون في الاشتراك في الجهاد برغبة جامحة ، بل كانوا يعشقون الجهاد ، لذلك فإنّ لهم ـ أيضا ـ سهم ونصيب لا ينكر من ثواب المجاهدين ، كما جاء في حديث مروي عن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخاطب فيه جند الإسلام فيقول : «لقد خلفتم في المدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلّا كانوا معكم ، وهم الذين صحت نياتهم ونصحت جيوبهم وهوت أفئدتهم للجهاد وقد منعهم عن المسير ضرر أو غيره».(١)

وبما أنّ أهمية الجهاد في الإسلام بالغة جدا ، لذلك تتطرق الآية مرّة أخرى للمجاهدين وتؤكد بأن لهم أجرا عظيما يفوق كثيرا أجر القاعدين عن الجهاد عن عجز،( ... وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً ) .

وتشرح الآية التالية ـ وهي الآية (٩٦) من سورة النساء ـ نوع هذا الأجر العظيم فقول أنّه :( دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً ) فلو أنّ أفرادا من بين المجاهدين تورطوا في زلة أثناء أدائهم لواجبهم فندموا على تلك الزّلة ، فقد وعدهم الله بالمغفرة والعفو ، حيث يقول في نهاية الآية:( ... وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً ) .

نكات مهمة حول المجاهدين :

١ ـ لقد كررت الآية (٩٥) عبارة المجاهدين ثلاث مرات : في المرّة الأولى ذكر المجاهدون مع الهدف والوسيلة الخاصّة بالجهاد :

__________________

(١) تفسير الصافي ، هامش الآية المذكورة.

٣٩٨

( الْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ) .

وفي الثّانية : ذكر اسم المجاهدين مقرونا بوسيلة الجهاد ، ولم يذكر شيء عن الهدف:( الْمُجاهِدُونَ (فِي سَبِيلِ اللهِ) بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ) .

وأمّا في المرحلة الأخيرة فقد جاءت الآية باسم المجاهدين فقط ، حيث يدل ذلك بوضح على الأسلوب البلاغي الرفيع في الكلام القرآني ، حيث يتعرف السامع شيئا فشيئا بواسطته على الموضوع وتخف قيوده وصفاته لديه ، وتصل درجة التعرف إلى مرحلة يفهم السامع بها كل شيء من خلال إشارة واحدة.

٢ ـ لقد ذكرت الآية في البداية تفوق المجاهدين على القاعدين بعبارة مفردة وهي «درجة» بينما في الآية التالية جاءت هذه العبارة بصيغة الجمع «درجات» وجلّى أن لا تناقض بين هاتين العبارتين ، لأن القصد من العبارة الأولى تبيان تفوق المجاهدين على غيرهم،ولكن العبارة الثانية تشرح هذا التفوق حين تقترن بذكر عبارات «المغفرة» و «الرحمة»،وبعبارة أخرى فإن الفرق بين هاتين العبارتين «درجة» و «درجات» هو الفرق بين المجمل والمفصل.

كما يمكن الاستفادة من عبارة «درجات» على أنّها تعني أن المجاهدين ليسوا كلّهم في درجة أو مستوى واحد ، بل تختلف درجاتهم باختلاف درجة إخلاصهم وتفانيهم وتحملهم للمشاق ، وتختلف بذلك منزلتهم المعنوية ، لأنّه من البديهي أن الذين يجاهدون الأعداء في صف واحد ليسوا جميعا بمستوى جهادي واحد ، كلها تختلف درجات الإخلاص لدى كل واحد منهم بالقياس إلى أمثالهم ، ولذلك فإنّ لكل واحد منهم ثوابا خاصا به يتناسب مع عمله الجهادي ونيّته في هذا العمل.

الأهمية بالبالغة للجهاد :

إنّ الجهاد قانون عام في عالم الخليقة ، فإنّ كل مخلوق سواء كان من

٣٩٩

النباتات أو الحيوانات يسعى لإزالة ما يعترض طريقه من موانع بواسطة الجهاد ، لكي يستطيع كل واحد منهم بلوغ الكمال المطلوب في التكوين.

وعلى سبيل المثال فجذر النبات الذي ينشط للحصول على الغذاء والطاقة بصورة دائمة ، لو ترك نشاطه ، هذا وكف عن السعي لاستحال عليه إدامة حياته.

ولذلك فإن هذا الجذر حين يعترض طريقه مانع في عمق الأرض يحال تخطيه بثقبه،والعجيب هنا أنّ الجذور الرقيقة تعمل في مثل هذه الحالة كالمسمار الفولاذي في ثقب الموانع التي تعترضها ، فلو عجزت في هذا المجال لحرفت طريقها واجتازت المانع عن طريق الالتفات حوله.

وفي داخل وجود الإنسان أيضا وحتى في ساعات النوم هناك صراع غريب ومستمر ما دام الإنسان حيا ، وهو الصراع بين كريات الدم البيضاء والأجسام المعادية المهاجمة ، فلو أن هذا الصراع توقف لساعة واحدة وتخلت الكريات البيض عن الدفاع ، لتسلطت الجراثيم والمكروبات المتنوعة على كافة أجهزة جسم الإنسان ولعرضت حياته إلى الخطر.

إنّ ما هو موجود في أوساط المجتمعات والقوميّات والشعوب في العالم من كفاح من أجل البقاء ، هو عين ذلك الكفاح والجهاد الذي لمسناه في النبات وفي جسم الإنسان.

وعلى هذا الأساس فإن كل من يواصل «الجهاد» و «المراقبة» تكون الحياة من نصيبه وهو منتصر دائما ـ أما الذين تلهيهم عن الجهاد الأهواء والملذات والشهوات والأنانية وحبّ الذات فلن ينالهم غير الفناء والدمار عاجلا أو آجلا ، وسيحل محلهم أناس يمتازون بالحيوية والنشاط والكفاح الدؤوب.

وهذا هو الشيء الذي يؤكّد عليه رسول الله محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ يقول : «فمن ترك الجهاد ألبسه الله ذلا وفقرا في معيشته ، ومحقا في دينه ، إنّ الله أعزّ أمّتي بسنابك خيلها

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

فالأمراض الجسميّة تبرز سماتها وأعراضها على الجسم في صورٍ مِن الشحوب والهزال والانهيار.

أمّا العلل النفسيّة والروحيّة فإنّ مضاعفاتها لا يتبيّنها إلاّ العارفون مِن الناس، حيث تبدو في صورٍ مقيتة مِن جموح النفس، وتمرّدها على الحقّ، ونزوعها إلى الآثام والمنكرات، وهيامها بحبّ المادّة وتقديسها وعبادتها، ونبذها للقيم الروحيّة ومثلها العليا، ممّا يوجِب مسخها وهبوطها إلى درك الحيوان.

مِن أجل ذلك كانت العِلَل الروحيّة والنفسيّة أصعب علاجاً، وأشدّ عناءً من العلل الجسميّة، لعُسر علاج الأُولى، ويُسرّ الثانية في الغالب.

وكانت عناية الحكماء والأولياء بتهذيب النفس، وتربية الوجدان أضعاف عنايتهم بالجسَد.

وهذا ما يحتم على كلّ واعٍ مستنير أن يعني بتركيز نفسه، وتصعيد كفاءتها، وتهذيب ملكاتها، ووقايتها مِن الشذوذ والانحراف، وذلك برعاية حقوقها، وحسن سياستها وتوجيهها.

وإليك طرَفاً مِن طلائع حقوق النفس:

١ - تثقيف النفس:

وذلك: بتنويرها بالمعرفة الإلهيّة والعقيدة الحقّة، وتزويدها بالمعارف النافعة، التي تنير للإنسان سبُل الهداية وتوجّهه وجهة الخير والسداد. وهذه هي

٥٠١

أسمى غايات النفس وأشواقها.

فهي تصبو إلى العقيدة، وتهفو إلى الإيمان باللّه عزّ وجل، وتتعشّق العِلم، وتهفو إلى استجلاء الحقائق، واستكشاف أسرار الكون وألغاز الحياة. تتطلّع إلى ذلك تطلّع الظمآن إلى الماء، وتلتمس الذي لنفسها كما يلتمسه هو سَواءً بسواء، فإنْ ظفَرَت بذلك أحسّت بالطمأنينة والارتياح، وإنْ فقدَته شعَرت بالقلق والسأم.

٢ - إصلاح السريرة:

للإنسان صورتان: صورة ظاهريّة تتمثّل في إطار جسده المادّي، وصورة باطنيّة تتمثّل فيها خصائصه النفسيّة، وسجاياه الخلقيّة.

وكما تكون الصورة الظاهريّة هدفاً للمدح أو الذمّ، ومدعاة للحبِّ أو الكره نظراً لصفاتها الجميلة أو القبيحة.

كذلك الصورة الباطنيّة يعروها المدح والذم، وتبعث على الإعجاب أو الاستنكار، تبعاً لما تتّسم به مِن طيبةٍ أو خُبث، مِن تلألؤٍ أو ظلامٍ.

وكما يهتمّ العقلاء بتجميل صورهم المادّية، وإظهارها بالمظهر اللائق الجذّاب، كذلك يجدوا الاهتمام بتجميل صورهم الباطنيّة، وتزيينها بالطيبة وصفاء السريرة وجمال الخلق. لتغدو وضّاءة مشعّة بألوان الخير والجمال. وذلك بتطهيرها مِن أوضار الرياء والنفاق، والحسَد والمكر ونحوها من السجايا الهابطة المقتية.

٥٠٢

من أجل ذلك حرّض أهل البيتعليهم‌السلام على تهذيب النفس وإصلاح السريرة، وحسن الطوية ؛ لتكون ينبوعاً ثرّاً فيّاضاً بشرف الفضائل وحُسن الأخلاق.

فعن الصادق عن آبائهعليهم‌السلام قال: ( قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : كانت الفقهاء والحكماء إذا كاتَب بعضهم بعضاً، كتبوا بثلاثٍ ليس معهن رابعة:

مَن كانت الآخرة همّه كفاه اللّه همّه مِن الدنيا، ومَن أصلَح سريرته أصلح اللّه علانِيَته، ومَن أصلح فيما بينه وبين اللّه عزّ وجل أصلح اللّه له فيما بينه وين الناس )(١) .

وقال الصادقعليه‌السلام : ( ما مِن عبدٍ يسرّ خيراً، إلاّ لم تذهب الأيّام حتّى يظهر اللّه له خيراً، وما مِن عبدٍ يسرّ شراً، إلاّ لم تذهب الأيّام حتّى يظهر اللّه له شرّاً )(٢) .

وعنهعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله سيأتي على الناس زمان، تخبث فيه سرائرهم، وتحسن فيه علانيتهم، طمعاً في الدنيا، لا يريدون به ما عند ربهم، يكون دينهم رياءً، لا يخالطهم خوف، يعمّهم اللّه بعقاب، فيدعونه دعاء الغريق، فلا يستجيب لهم )(٣).

_____________________

(١) البحار م ١٤ ج ٢ ص ٢٠٤ عن الخصال والأمالي وثواب الأعمال للصدوق (ره).

(٢) الوافي ج ٣ ص ١٤٧ عن الكافي.

(٣) الوافي ج ٣ ص ١٤٨ عن الكافي.

٥٠٣

٣ - ضبط النفس:

تنزع النفس بغزائرها وشهواتها إلى الشذوذ والانحراف، وتخدع أربابها بسحرها الفاتن وأهوائها المضلّة، حتّى تجمح بهم في متاهات الغواية والضلال:( إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي ) ( يوسف: ٥٣ ).

وهذا ما يُحفّز كلّ واعٍ مستنير، أنْ يُعني بضبط نفسه، والسيطرة عليها وتحصينها ضد المعاصي والآثام، وترويضها على طاعة اللّه تعالى، وأتباع شرعته ومنهاجه.

وقد حثّ القرآن الكريم علي ضبط النفس، والحدّ مِن جماحها وتوجيهها شطر الخير والصلاح.

قال تعالى:( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ) ( الشمس: ٧ - ١٠ ).

وقال تعالى:( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ) ( النازعات: ٤١).

( فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى ) ( النازعات: ٣٧).

وهكذا حرّض أهل البيتعليهم‌السلام على ضبط النفس، وقمع نزَواتها، معتبرين ذلك أفضل صور الجهاد.

فعن موسى بن جعفر عن آبائهعليهم‌السلام قال: ( قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : إنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث سريّة، فلمّا رجعوا

٥٠٤

قال: مرحباً بقومٍ قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر. قيل: يا رسول اللّه، وما الجهاد الأكبر ؟

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : جهاد النفس.

ثمّ قال: أفضل الجهاد مَن جاهد نفسه التي بين جنبيه )(١).

وعن عبد اللّه بن الحسن، عن أُمّه فاطمة بنت الحسين بن عليّعليه‌السلام عن أبيهاعليه‌السلام قال:

( قال رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وآله ): ثلاث خصال، مَن كُن فيه، استكمل خصال الإيمان: الذي إذا رضيَ لم يُدخله رضاه في إثمٍ ولا باطل، وإذا غضِب لم يُخرجه الغضَب مِن الحقّ، وإذا قدر لم يتعاط ما ليس له )(٢).

٤ - محاسبة النفس:

والمراد منها هو: محاسبة النفس في كلّ يوم عمّا عملته مِن الطاعات والمعاصي، والموازنة بينهما، فإنْ رجُحت كفّة الطاعات، شكَر المُحاسب اللّه على توفيقه لها، وفوزه بشرف طاعته ورضاه.

وإنْ رجُحت كفّة المعاصي أدّب المحاسب نفسه بالتقريع والتأنيب على إغفال الطاعة، والنزوع للآثام.

قال الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام : ( ليس منا من لم يحاسب

_____________________

(١) سفينة البحار ج ١ ص ١٩٧ عن معاني الأخبار للصدوق.

(٢) سفينة البحار ج ٢ ص ٥٥٠ عن الخصال للصدوق.

٥٠٥

نفسه في كلّ يوم، فإنْ عمل حسنةً استزاد اللّه تعالى، وإنْ عمل سيّئة استغفر اللّه تعالى منها وتاب إليه )(١).

وقد بحثت هذا الموضوع في القسم الأوّل مِن هذا الكتاب فراجعه هناك.

هذه لمحات خاطفة مِن حقوق النفس، تفاديت الإطناب فيها خَشية السأم والملل.

وقد وقع الفراغ مِن هذه الأبحاث على يد مؤلّفها مهدي ابن المغفور له العلاّمة الحجّة السيّد علي الصدر ابن آية اللّه العظمى السيّد حسن الصدر- أعلى اللّه مقامهما - في ليلة الأربعاء ١٧ شوّال سنة ١٣٩٠ هجريّه والحمد للّه أوّلاً وآخراً.

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ٦٢ عن الكافي.

٥٠٦

فهرست تفصيلی

القسم الأوّل - الأخلاق العامّة ١

مُقدمَة الكِتَابَ.. ٥

حُسن الخُلق. ١١

سُوء الخلق: ١٩

الأخلاق بين الاستقامة والانحراف: ٢٠

علاج سوء الخلق: ٢٢

الصـدق. ٢٣

مآثر الصدق: ٢٤

أقسام الصدق: ٢٦

الكذِب.. ٢٧

مساوئ الكذِب: ٢٨

دواعي الكذِب: ٢٩

أنواع الكذب: ٣٠

أضرار اليمين الكاذبة وشهادة الزور: ٣١

علاج الكذب: ٣٣

مسوّغات الكذب: ٣٤

الحِلْم وكظم الغيظ. ٣٥

الغضَب.. ٤٣

بواعِث الغضَب: ٤٤

أضرار الغضب: ٤٥

الغضب بين المدح والذم: ٤٥

علاج الغضب: ٤٦

التواضع. ٤٩

التكبّر ٥٥

مساوئ التكبّر: ٥٧

بواعث التكبّر: ٥٨

٥٠٧

درجات التكبّر: ٥٩

أنواع التكبّر: ٦٠

علاج التكبّر: ٦٠

القناعة ٦٣

محاسن القناعة: ٦٤

الحِرص.. ٦٧

مساوئ الحرص: ٦٨

علاج الحرص: ٦٩

الكـرَم ٧١

محاسن الكرَم: ٧٢

مجالات الكرَم: ٧٣

بواعِث الكرَم: ٧٥

الإيثـار ٧٧

البُخـل. ٨٠

مساوئ البُخل: ٨١

صور البُخل: ٨٢

علاج البُخل: ٨٢

العفّة ٨٨

حقيقة العفّة: ٨٩

الاعتدال المطلوب: ٨٩

محاسن العفّة: ٩٠

الشره ٩١

مساوئ الشره: ٩٢

علاج الشرَه: ٩٣

الأمانة والخيانة ٩٥

محاسن الأمانة ومساوئ الخيانة: ٩٦

صوَر الخيانة: ٩٧

٥٠٨

التآخي. ٩٩

التآخي الروحي: ٩٩

العصبيّة ١٠٤

حقيقة العصبيّة: ١٠٦

غوائل العصبية: ١٠٧

العدل. ١٠٨

أنواع العدل: ١٠٩

محاسن العدل: ١١١

الظلم. ١١٦

أنواع الظلم: ١١٩

وخامة الظلم: ١٢٣

علاج الظلم: ١٢٤

الإخلاص.. ١٢٦

فضيلة الإخلاص: ١٢٧

عوائق الإخلاص: ١٢٨

كيف نكسب الإخلاص: ١٢٩

الرياء ١٣١

أقسام الرياء ١٣٣

دواعي الرياء: ١٣٣

حقائق: ١٣٤

مساوئ الرياء: ١٣٦

علاج الرياء: ١٣٧

علاج الرياء العمَلي: ١٣٧

العُجُب.. ١٣٩

مساوئ العجُب: ١٤١

علاج العُجُب: ١٤١

٥٠٩

اليقين. ١٤٣

خصائص الموقنين: ١٤٥

درجات الايمان: ١٤٦

أنواع الايمان: ١٤٧

الصبر. ١٥٠

أقسام الصبر. ١٥٢

(١) الصبر على المكاره والنوائب: ١٥٢

(٢) الصبر على طاعة اللّه والتصبّر عن عصيانه: ١٥٦

(٣) الصبر على النِّعَم: ١٥٧

محاسن الصبر: ١٥٨

كيف تكسب الصبر: ١٥٩

الشُّكر ١٦١

أقسام الشكر: ١٦٣

فضيلة الشكر: ١٦٤

كيف نتحلّى بالشكر: ١٦٦

التوكّل. ١٦٨

حقيقة التوكّل: ١٧٠

درجات التوكّل: ١٧١

محاسن التوكّل: ١٧٢

كيف تكسب التوكّل: ١٧٣

الخوف من اللّه تعالى. ١٧٦

الخوف بين المدّ والجزر: ١٧٨

محاسن الخوف: ١٧٨

كيف نستشعر الخوف: ١٨٠

طرف مِن قَصص الخائفين: ١٨١

الرجاء من اللّه تعالى. ١٨٣

واقع الرجاء ١٨٩

٥١٠

الحكمة في الترجّي والتخويف.. ١٩٠

الغرور ١٩٢

( أ ) الاغترار بالدنيا ١٩٣

القانون الخالد: ١٩٦

مساوئ الاغترار بالدنيا: ١٩٩

علاج هذا الغرور: ٢٠٠

( ب ) غرور العلم. ٢٠٤

( ج ) غرور الجاه ٢٠٧

الجاه بين المدح والذم: ٢٠٩

(د) غرور المال. ٢١٠

المال بين المدح والذم: ٢١١

( هـ ) غرور النسب.. ٢١٣

الحسَد. ٢١٥

بواعث الحسَد: ٢١٦

مساوئ الحسَد: ٢١٨

علاج الحسَد: ٢١٩

الغيبة ٢٢١

التصامُم عن الغيبة: ٢٢٢

بواعث الغيبة: ٢٢٣

مساوئ الغيبة: ٢٢٤

مسوّغات الغيبة: ٢٢٥

علاج الغيبة: ٢٢٧

كفّارة الغيبة: ٢٢٧

البهتان. ٢٢٩

النميمة ٢٣٠

بواعث النميمة: ٢٣٢

مساوئ النميمة: ٢٣٢

٥١١

كيف تعامل النمّام: ٢٣٢

السعاية: ٢٣٤

الفُحش والسَّب والقَذف.. ٢٣٥

بواعِث البَذاء ٢٣٨

مساوئ المُهاتَرات: ٢٣٨

السُّخرية ٢٣٩

الكلِم الطيّب.. ٢٤١

غوائل الذنوب.. ٢٤٦

التوبة ٢٥٣

حقيقة التوبة: ٢٥٣

فضائل التوبة: ٢٥٤

وجوب التوبة وفوريّتها: ٢٥٧

تجديد التوبة: ٢٥٨

منهاج التوبة: ٢٦٠

قبول التوبة: ٢٦١

أشواق التوبة: ٢٦٢

محاسبة النفس ومراقبتها ٢٦٣

دستور المحاسبة: ٢٦٥

اغتنام فرصة العمر: ٢٦٧

العمل الصالح. ٢٧٢

طاعة اللّه وتقواه: ٢٧٦

حقيقة الطاعة والتقوى: ٢٧٩

الثبات على المبدأ ٢٨٣

القسم الثاني - في الحقوق والواجبات.. ٢٩٣

تمهيد. ٢٩٥

الحقوق الإلهيّة ٢٩٩

١ - العبادة: ٣٠٠

٥١٢

٢ - الطاعة: ٣٠٢

٣ - الشكر: ٣٠٣

٤ - التوكّل: ٣٠٤

حقوق النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.... ٣٠٥

١ - طاعته: ٣٠٦

٢ - محبّته: ٣٠٧

٣ - الصلاة عليه: ٣١٠

٤ - مودّة أهل بيته الطاهرين: ٣١٣

حقوق الأئمة الطاهرين عليهم‌السلام.... ٣٢٠

فضلهم: ٣٢٠

١ - معرفتهم: ٣٢٠

٢ - موالاتهم: ٣٢٢

٣ - طاعتهم: ٣٢٤

٤ - أداء حقّهم مِن الخُمس: ٣٢٦

٥ - الإحسان إلى ذرّيتهم: ٣٢٧

٦ - مدحهم ونشر فضلهم: ٣٢٨

٧ - زيارة مشاهدهم: ٣٣٢

حقُوق العلماء ٣٣٥

فضل العلم والعلماء: ٣٣٥

١ - توقيرهم: ٣٣٨

٢ - بِرّهم: ٣٣٩

٣ - الاهتداء بهم: ٣٤٠

حقوق الأساتذة والطلاب.. ٣٤٣

حقوق الطلاّب.. ٣٤٥

حقوق الوالدين والأولاد ٣٤٩

حقوق الوالدين. ٣٤٩

برّ الوالدين: ٣٥٠

٥١٣

عقوق الوالدين. ٣٥٥

مساوئ العقوق: ٣٥٧

حقوق الأولاد: ٣٦٠

حكمة التأديب: ٣٦٣

المدرسة الأولى للطفل: ٣٦٣

منهاج التأديب: ٣٦٤

الحقوق الزوجيّة ٣٦٦

فضل الزواج. ٣٦٦

١ - فوائد الزواج: ٣٦٧

٢ - ومِن منافع الزواج: ٣٦٨

٣ - ومِن آثار الزواج: ٣٦٨

السعادة الزوجيّة: ٣٦٩

الزوج المثالي: ٣٦٩

الزوجة المثاليّة: ٣٧١

رعاية الحقوق: ٣٧٢

حقوق الزوج. ٣٧٣

١ - الطاعة: ٣٧٣

٢ - المداراة: ٣٧٥

٣ - الصيانة: ٣٧٨

حقوق الزوجة ٣٧٩

١ - النفقة: ٣٧٩

التوسعة على العيال: ٣٨٠

٢ - حسن العشرة: ٣٨١

٣ - الحماية: ٣٨٢

الحقوق المزيّفة ٣٨٣

١ - السفور: ٣٨٤

الأضرار الخُلقيّة: ٣٨٥

٥١٤

الأضرار الصحيّة: ٣٨٨

الأضرار الاجتماعيّة: ٣٨٩

منزلة المرأة في الإسلام ٣٩٨

المرأة في التاريخ القديم. ٣٩٩

المرأة في المجتمع العربي الجاهلي: ٤٠١

المرأة في الحضارة الغربية الحديثة: ٤٠٢

تحرير المرأة في الإسلام ٤٠٣

المساواة بين الرجل والمرأة ٤١٢

التمايز بين الجنسين. ٤١٧

١ - القوامة: ٤١٨

٢ - إيثار الرجل على المرأة في الإرث: ٤١٩

٣- الشهادة: ٤٢٠

٤ - تعدّد الزوجات: ٤٢١

أ - المبرّرات: ٤٢٣

ب - الحروب: ٤٢٥

الطلاق في الإسلام ٤٢٧

حقوق الأقرباء ٤٣١

فضل الأقرباء: ٤٣١

صلة الرحم: ٤٣١

خصائص صلة الرحم: ٤٣٤

قطيعة الرحم: ٤٣٥

مساوئ قطيعة الرحم: ٤٣٨

حقوق الأصدقاء ٤٣٩

فضل الأصدقاء ٤٣٩

واقع الصداقة والأصدقاء: ٤٤٠

اختيار الصديق: ٤٤٢

خِلال الصديق المثالي: ٤٤٣

٥١٥

مقاييس الحبّ.. ٤٤٧

الصداقة بين المدّ والجزر: ٤٤٨

حقوق الأصدقاء: ٤٤٩

١ - الرعاية الماديّة: ٤٤٩

٢ - الرعاية الأدبيّة: ٤٥١

٣ - المداراة: ٤٥٢

الاعتدال في حبّ الصديق والثقة به: ٤٥٦

حقوق الجِوار ٤٥٨

التآزر والتعاطف: ٤٥٨

حقوق الجار: ٤٦٠

حقوق المجتمع الإسلامي. ٤٦٢

فضل المجتمع الإسلامي: ٤٦٢

حقوق المجتمع الإسلامي: ٤٦٤

١ - حقُّ الحياة: ٤٦٤

٢ - حقُّ الكرامة: ٤٦٥

٣ - حقُّ الحريّة: ٤٦٩

أ - الحريّة الدينيّة: ٤٦٩

ب - الحريّة المدنيّة: ٤٧٠

ج - حريّة الدعوة الإسلاميّة: ٤٧٠

٤ - حقُّ المساواة: ٤٧١

المساواة في الإسلام ٤٧٣

٥ - حقّ العِلم: ٤٧٨

٦ - حقّ الملكيّة: ٤٧٩

٧ - حق الرعاية الإسلاميّة: ٤٨١

أ - إطعامه وسقيه: ٤٨٢

ب - إكساء المؤمن: ٤٨٣

ج - قضاء حاجة المؤمن: ٤٨٤

٥١٦

د - مسرّة المؤمن: ٤٨٥

هـ - زيارة المؤمن: ٤٨٦

الحاكمون وواجباتهم. ٤٨٧

حقوق الرعيّة على الحاكم: ٤٩٠

أ - العدل: ٤٩٠

ب - الصلاح: ٤٩١

ج - الرفق: ٤٩١

مظاهر الرفق: ٤٩٢

آثار الرفق: ٤٩٣

د - اختبار الأعوان: ٤٩٣

هـ - محاسبة العمّال والموظفين: ٤٩٤

و - إسعاد الرعيّة: ٤٩٤

حقوق الحاكم على الرعيّة ٤٩٥

حاجات الجسم والنفس.. ٤٩٩

حقوق الجسَد: ٥٠٠

حقوق النفس: ٥٠٠

١ - تثقيف النفس: ٥٠١

٢ - إصلاح السريرة: ٥٠٢

٣ - ضبط النفس: ٥٠٤

٤ - محاسبة النفس: ٥٠٥

٥١٧

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710