الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٣

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل8%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 710

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 710 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 173386 / تحميل: 6084
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

وعنده حقة، أخذت منه، وأعطي معها شاتين أو عشرين درهما. فإن وجبت عليه حقة، وعنده جذعة، أخذت منه، وردّ عليه شاتان أو عشرون درهما.

فأمّا زكاة البقر، فليس في شي‌ء منها زكاة، الى أن تبلغ ثلاثين. فإذا بلغت ذلك، كان فيها تبيع حولي. ثمَّ ليس فيما زاد عليها شي‌ء، الى أن تبلغ أربعين. فإذا بلغت ذلك، كان فيها مسنّة. وكلّ ما زاد على ذلك، كان هذا حكمه: في كلّ ثلاثين تبيع أو تبيعة، وفي كل أربعين مسنّة.

وأمّا الغنم، فليس فيها زكاة، الى أن تبلغ أربعين. فإذا بلغت ذلك، كان فيها شاة. ثمَّ ليس فيها شي‌ء، الى أن تبلغ مائة وعشرين. فإذا بلغت ذلك، وزادت واحدة، كان فيها شاتان الى أن تبلغ مائتين. فإذا بلغت وزادت واحدة، كان فيها ثلاث شياه الى أن تبلغ ثلاثمائة. فإذا بلغت ذلك، وزادت واحدة، كان فيها أربع شياه. ثمَّ تترك هذه العبرة فيما زاد عليه، وأخذ من كلّ مائة شاة.

وأمّا الخيل إذا كانت عتاقا كان على كلّ واحدة منها في في كلّ سنة ديناران. وإن كانت براذين كان على كلّ واحدة منها دينار واحد. ومن حصل عنده من كلّ جنس تجب فيه الزّكاة أقلّ من النّصاب الذي فيه الزّكاة، وإن كان لو جمع لكان أكثر من النّصاب والنّصابين، لم يكن عليه شي‌ء، حتى

١٨١

يبلغ كلّ جنس منه، الحدّ الذي تجب فيه الزّكاة. ولو أنّ إنسانا ملك من المواشي ما تجب فيه الزّكاة، وإن كانت في مواضع متفرّقة، وجب عليه فيها الزّكاة. وإن وجد في موضع واحد من المواشي ما تجب فيه الزكاة لملّاك جماعة لم يكن عليهم فيها شي‌ء على حال. ولا بأس أن يخرج الإنسان ما يجب عليه من الزّكاة من غير الجنس الذي يجب عليه فيه بقيمته. وإن أخرج من الجنس، كان أفضل.

باب الوقت الذي تجب فيه الزكاة

لا زكاة في الذّهب والفضّة حتّى يحول عليهما الحول بعد حصولهما في الملك. فان كان مع إنسان مال أقلّ ممّا تجب فيه الزّكاة، ثمَّ أصاب تمام النّصاب في وسط السّنة، فليس عليه فيه الزّكاة حتّى يحول الحول على القدر الذي تجب فيه الزّكاة. وإذا استهلّ هلال الشّهر الثّاني عشر، فقد حال على المال الحول، ووجبت فيه الزّكاة. فإن أخرج الإنسان المال عن ملكه قبل استهلال الثّاني عشر، سقط عنه فرض الزّكاة. وإن أخرجه من ملكه بعد دخول الشّهر الثّاني عشر، وجبت عليه الزّكاة، وكانت في ذمّته الى أن يخرج منه.

وأمّا الحنطة والشّعير والتّمر والزّبيب، فوقت الزّكاة فيها حين حصولها بعد الحصاد والجذاذ والصّرام، ثمَّ ليس فيها

١٨٢

بعد ذلك شي‌ء، وإن حال عليها حول، إلّا أن تباع بذهب أو فضّة، وحال عليهما الحول، فتجب حينئذ فيه الزّكاة.

وأمّا الإبل والبقر والغنم، فليس في شي‌ء منها زكاة، حتّى يحول عليها الحول من يوم يملكها. وكلّ ما لم يحل عليه الحول من صغار الإبل والبقر والغنم، لا تجب فيه الزّكاة. ولا يجوز تقديم الزّكاة قبل حلول وقتها. فإن حضر مستحقّ لها قبل وجوب الزّكاة، جاز أن يعطى شيئا ويجعل قرضا عليه. فإذا جاء الوقت، وهو على تلك الصّفة من استحقاقه لها، احتسب له من الزّكاة. وإن كان قد استغنى، أو تغيّرت صفته التي يستحقّ بها الزّكاة، لم يجزئ ذلك عن الزّكاة، وكان على صاحب المال أن يخرجها من الرأس.

وإذا حال الحول فعلى الإنسان أن يخرج ما يجب عليه على الفور ولا يؤخّره. فإن عدم المستحقّ له، عزله عن ماله، وانتظر به المستحق. فإن حضرته الوفاة، وصى به أن يخرج عنه. وإذا عزل ما يجب عليه من الزّكاة، فلا بأس أن يفرّقه ما بينه وبين شهر وشهرين، ولا يجعل ذلك أكثر منه. وما روي عنهمعليهم‌السلام ، من الأخبار في جواز تقديم الزّكاة وتأخيرها، فالوجه فيه ما قدّمناه في أنّ ما يقدّم منه يجعل قرضا، ويعتبر فيه ما ذكرناه، وما يؤخّر منه إنّما يؤخّر انتظار المستحق، فأمّا مع وجوده، فالأفضل إخراجه إليه على البدار حسب ما قدّمناه.

١٨٣

باب مستحق الزكاة وأقل ما يعطى وأكثر

الذي يستحق الزّكاة هم الثّمانية أصناف الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن: وهم الفقراء، والمساكين، والعاملون عليها، و( الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ ) ، والغارمون،( وَفِي سَبِيلِ اللهِ ) ، وابن السّبيل.

فأمّا الفقير فهو الذي له بلغة من العيش. والمسكين الذي لا شي‌ء معه. وأمّا العاملون عليها فهم الذين يسعون في جباية الصّدقات.

وأمّا المؤلّفة فهم الذين يتألّفون ويستمالون إلى الجهاد.

(وَفِي الرِّقابِ ) وهم المكاتبون والمماليك الذين يكونون تحت الشّدة العظيمة. وقد روي أنّ من وجبت عليه كفّارة عتق رقبة في ظهار أو قتل خطإ وغير ذلك، ولا يكون عنده، يشترى عنه ويعتق.

والغارمون هم الذين ركبتهم الدّيون في غير معصية ولا فساد.

( وَفِي سَبِيلِ اللهِ ) وهو الجهاد.

وابن السّبيل وهو المنقطع به. وقيل أيضا: إنّه الضّيف الذي ينزل بالإنسان ويكون محتاجا في الحال، وإن كان له يسار في بلده وموطنه.

١٨٤

فإذا كان الإمام ظاهرا، أو من نصبه الإمام حاصلا، فتحمل الزّكاة إليه، ليفرّقها على هذه الثّمانية الأصناف. ويقسم بينهم على حسب ما يراه. ولا يلزمه أن يجعل لكل صنف جزءا من ثمانية، بل يجوز أن يفضّل بعضهم على بعض، إذا كثرت طائفة منهم وقلّت آخرون.

وإذا لم يكن الإمام ظاهرا، ولا من نصبه الإمام حاصلا، فرّقت الزّكاة في خمسة أصناف من الذين ذكرناهم، وهم الفقراء والمساكين( وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ ) وابن السّبيل. ويسقط سهم( الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ) وسهم السّعاة وسهم الجهاد، لأنّ هؤلاء لا يوجدون إلّا مع ظهور الإمام. لأن الْمُؤَلَّفَةَ( قُلُوبُهُمْ ) إنّما يتألّفهم الإمام ليجاهدوا معه، والسّعاة أيضا إنّما يكونون من قبله في جميع الزّكوات، والجهاد أيضا إنّما يكون به أو بمن نصبه. فإذا لم يكن هو ظاهرا ولا من نصبه، فرّق فيمن عداهم.

والذين يفرّق فيهم الزّكاة ينبغي أن يحصل لهم مع الصّفات التي ذكرناها أن يكونوا عارفين بالحقّ معتقدين له. فإن لم يكونوا كذلك، فلا يجوز أن يعطوا الزّكاة. فمن أعطى زكاته لمن لا يعرف الحق، لم يجزئه، وكان عليه الإعادة. ولو أنّ مخالفا أخرج زكاته الى أهل نحلته، ثمَّ استبصر، كان عليه إعادة الزّكاة. ولا يجوز أن يعطى الزّكاة من أهل المعرفة إلّا أهل السّتر والصّلاح. فأمّا الفسّاق وشرّاب

١٨٥

الخمور فلا يجوز أن يعطوا منها شيئا. ولا بأس أن تعطي الزّكاة أطفال المؤمنين. ولا تعطى أطفال المشركين.

ولا يجوز أن يعطي الإنسان زكاته لمن تلزمه النّفقة عليه مثل الوالدين والولد والجدّ والجدة والزّوجة والمملوك. ولا بأس أن يعطي من عدا هؤلاء من الأهل والقرابات من الأخ والأخت وأولادهما والعمّ والخال والعمّة والخالة وأولادهم.

والأفضل أن لا يعدل بالزّكاة عن القريب مع حاجتهم الى ذلك الى البعيد. فإن جعل للقريب قسط، وللبعيد قسط، كان أفضل.

ومتى لم يجد من تجب عليه الزّكاة مستحقّا لها، عزلها من ماله، وانتظر بها مستحقّها، فإن لم يكن في بلده من يستحقّها فلا بأس أن يبعث بها إلى بلد آخر. فإن أصيبت الزّكاة في الطّريق أو هلكت، فقد أجزأ عنه. وإن كان قد وجد في بلده لها مستحقا، فلم يعطه، وآثر من يكون في بلد آخر، كان ضامنا لها، إن هلكت، ووجب عليه إعادتها.

ومن وصّي بإخراج زكاة، أو أعطي شيئا منها ليفرّقه على مستحقيه، فوجده، ولم يعطه. بل أخّره، ثمَّ هلك، كان ضامنا للمال.

ولا تحلّ الصّدقة الواجبة في الأموال لبني هاشم قاطبة. وهم الذين ينتسبون إلى أمير المؤمنين،عليه‌السلام ، وجعفر

١٨٦

ابن أبي طالب، وعقيل بن أبي طالب، وعبّاس بن عبد المطّلب. فامّا ما عدا صدقة الأموال، فلا بأس أن يعطوا إيّاها. ولا بأس أن تعطي صدقة الأموال مواليهم. ولا بأس أن يعطي بعضهم بعضا صدقة الأموال. وإنّما يحرم عليهم صدقة من ليس من نسبهم.

وهذا كلّه إنّما يكون في حال توسّعهم ووصولهم إلى مستحقّهم من الأخماس. فإذا كانوا ممنوعين من ذلك ومحتاجين إلى ما يستعينون به على أحوالهم، فلا بأس أن يعطوا زكاة الأموال رخصة لهم في ذلك عند الاضطرار.

ولا يجوز أن تعطى الزّكاة لمحترف يقدر على اكتساب ما يقوم بأوده وأود عياله. فإن كانت حرفته لا تقوم به، جاز له أن يأخذ ما يتّسع به على أهله. ومن ملك خمسين درهما يقدر أن يتعيّش بها بقدر ما يحتاج إليه في نفقته، لم يجز له أن يأخذ الزكاة. وإن كان معه سبعمائة درهم، وهو لا يحسن أن يتعيّش بها، جاز له أن يقبل الزّكاة، ويخرج هو ما يجب عليه فيما يملكه من الزّكاة، فيتّسع به على عياله. ومن ملك دارا يسكنها وخادما يخدمه، جاز له أن يقبل الزّكاة. فإن كانت داره دار غلّة تكفيه ولعياله، لم يجز له أن يقبل الزّكاة فإن لم يكن له في غلّتها كفاية، جاز له أن يقبل الزّكاة.

وينبغي أن تعطي زكاة الذّهب والفضّة للفقراء والمساكين

١٨٧

المعروفين بذلك، وتعطي زكاة الإبل والبقر والغنم أهل التّجمّل.

فإن عرفت من يستحقّ الزّكاة، وهو يستحيي من التعرّض لذلك، ولا يؤثر إن تعرفه، جاز لك أن تعطيه الزّكاة وإن لم تعرفه أنّه منها، وقد أجزأت عنك.

وإذا كان على إنسان دين، ولا يقدر على قضائه، وهو مستحقّ لها، جاز لك أن تقاصّه من الزّكاة. وكذلك إن كان الدّين على ميّت، جاز لك أن تقاصّه منها. وإن كان على أخيك المؤمن دين، وقد مات، جاز لك أن تقضي عنه من الزّكاة. وكذلك إن كان الدين على والدك أو والدتك أو ولدك، جاز لك أن تقضيه عنهم من الزّكاة.

فإذا لم تجد مستحقا للزّكاة، ووجدت مملوكا يباع، جاز لك أن تشتريه من الزّكاة وتعتقه. فإن أصاب بعد ذلك مالا، ولا وارث له، كان ميراثه لأرباب الزّكاة. وكذلك لا بأس مع وجود المستحقّ أن يشتري مملوكا ويعتقه، إذا كان مؤمنا، وكان في ضرّ وشدّة. فإن كان بخلاف ذلك، لم يجز ذلك على حال.

ومن أعطى غيره زكاة الأموال ليفرقها على مستحقها، وكان مستحقّا للزّكاة، جاز له أن يأخذ منها بقدر ما يعطي غيره. اللهمّ إلّا أن يعيّن له على أقوام بأعيانهم. فإنّه لا يجوز

١٨٨

له حينئذ أن يأخذ منها شيئا، ولا أن يعدل عنهم الى غيرهم.

وأقلّ ما يعطي الفقير من الزّكاة خمسة دراهم أو نصف دينار. وهو أوّل ما يجب في النّصاب الأوّل. فأمّا ما زاد على ذلك، فلا بأس أن يعطى كلّ واحد ما يجب في نصاب نصاب، وهو درهم إن كان من الدراهم، أو عشر دينار إن كان من الدّنانير، وليس لأكثره حد. ولا بأس أن يعطي الرّجل زكاته لواحد يغنيه بذلك.

باب وجوب زكاة الفطرة ومن تجب عليه

الفطرة واجبة على كلّ حر بالغ مالك لما تجب عليه فيه زكاة المال. ويلزمه أن يخرج عنه وعن جميع من يعوله من ولد ووالد وزوجة ومملوك ومملوكة، مسلما كان أو ذمّيّا، صغيرا كان أو كبيرا. فإن كان لزوجته مملوك في عياله، أو يكون عنده ضيف يفطر معه في شهر رمضان، وجب عليه أيضا أن يخرج عنهما الفطرة. وإن رزق ولدا في شهر رمضان، وجب عليه أيضا أن يخرج عنه. فإن ولد المولود ليلة الفطر أو يوم العيد قبل صلاة العيد، لم يجب عليه إخراج الفطرة عنه فرضا واجبا. ويستحبّ له أن يخرج ندبا واستحبابا.

وكذلك من أسلم ليلة الفطر قبل الصّلاة، يستحبّ له أن يخرج زكاة الفطرة، وليس ذلك بفرض. فإن كان إسلامه

١٨٩

قبل ذلك، وجب عليه إخراج الفطرة. ومن لا يملك ما يجب عليه فيه الزّكاة، يستحبّ له أن يخرج زكاة الفطرة أيضا عن نفسه وعن جميع من يعوله. فإن كان ممّن يحلّ له أخذ الفطرة أخذها ثمَّ أخرجها عن نفسه وعن عياله. فإن كان به إليها حاجة، فليدر ذلك على من يعوله. حتّى ينتهي إلى آخرهم، ثمَّ يخرج رأسا واحدا إلى غيرهم، وقد أجزأ عنهم كلّهم.

باب ما يجوز إخراجه في الفطرة ومقدار ما يجب منه

أفضل ما يخرجه الإنسان في زكاة الفطرة التّمر ثمَّ الزّبيب. ويجوز إخراج الحنطة والشّعير والأرزّ والأقط واللّبن. والأصل في ذلك أن يخرج كلّ أحد ممّا يغلب على قوته في أكثر الأحوال.

فأمّا أهل مكّة والمدينة وأطراف الشّام واليمامة والبحرين والعراقين وفارس والأهواز وكرمان، فينبغي لهم أن يخرجوا التّمر. وعلى أوساط الشّام ومرو من خراسان والريّ، أن يخرجوا الزّبيب. وعلى أهل الجزيرة والموصل والجبال كلّها وخراسان، أن يخرجوا الحنطة والشّعير، وعلى أهل طبرستان الأرز، وعلى أهل مصر البرّ. ومن سكن البوادي من الأعراب فعليهم الأقط، فإذا عدموه، كان عليهم اللّبن.

١٩٠

ومن عدم أحد هذه الأصناف التي ذكرناها، أو أراد أن يخرج ثمنها بقيمة الوقت ذهبا أو فضة، لم يكن به بأس. وقد روي رواية أنّه يجوز أن يخرج عن كلّ رأس درهما. وقد روي أيضا أربعة دوانيق. والأحوط ما قدّمناه من أنّه يخرج قيمته بسعر الوقت.

فأمّا القدر الذي يجب إخراجه عن كلّ رأس، فصاع من أحد الأشياء التي قدّمنا ذكرها. وقدره تسعة أرطال بالعراقيّ وستّة أرطال بالمدني. وهو أربعة أمداد. والمدّ مائتان واثنان وتسعون درهما ونصف. والدرهم ستّة دوانيق. والدّانق ثماني حبّات من أوسط حبّات الشّعير. فأمّا اللّبن فمن يريد إخراجه، أجزأه أربعة أرطال بالمدنيّ أو ستّة بالعراقي.

باب الوقت الذي يجب فيه إخراج الفطرة ومن يستحقها

الوقت الذي يجب فيه إخراج الفطرة يوم الفطر قبل صلاة العيد. ولو أن إنسانا أخرجها قبل يوم العيد بيوم أو يومين أو من أوّل الشّهر الى آخره، لم يكن به بأس، غير أن الأفضل ما قدّمناه.

فإذا كان يوم الفطر، فليخرجها، ويسلّمها الى مستحقّيها فإن لم يجد لها مستحقّا، عزلها من ماله، ثمَّ يسلّمها بعد الصّلاة أو من غد يومه الى مستحقّيها. فإن وجد لها أهلا، وأخّرها،

١٩١

كان ضامنا لها، الى أن يسلّمها إلى أربابها. وإن لم يجد لها أهلا، وأخرجها من ماله، لم يكن عليه ضمان.

وينبغي أن تحمل الفطرة الى الإمام ليضعها حيث يراه. فإن لم يكن هناك إمام، حملت الى فقهاء شيعته ليفرقوها في في مواضعها. وإذا أراد الإنسان أن يتولّى ذلك بنفسه، جاز له له ذلك، غير أنّه لا يعطيها إلا لمستحقّيها.

والمستحقّ لها، هو كلّ من كان بالصّفة التي تحلّ له معها الزّكاة. وتحرم على كلّ من تحرم عليه زكاة الأموال.

ولا يجوز حمل الفطرة من بلد الى بلد. وان لم يوجد لها مستحقّ من أهل المعرفة، جاز أن تعطى المستضعفين من غيرهم.

ولا يجوز إعطاؤها لمن لا معرفة له، إلّا عند التقية أو عدم مستحقّيها من أهل المعرفة. والأفضل أن يعطي الإنسان من يخافه من غير الفطرة، ويضع الفطرة في مواضعها.

ولا يجوز أن يعطي أقلّ من زكاة رأس واحد لواحد مع الاختيار. فإن حضر جماعة محتاجون وليس هناك من الأصواع بقدر ما يصيب كلّ واحد منهم صاع، جاز أن يفرّق عليهم. ولا بأس أن يعطي الواحد صاعين أو أصواعا.

والأفضل أن لا يعدل الإنسان بالفطرة إلى الأباعد مع وجود القرابات ولا الى الأقاصي مع وجود الجيران. فإن فعل خلاف ذلك، كان تاركا فضلا، ولم يكن عليه بأس.

١٩٢

باب الجزية وأحكامها

الجزية واجبة على أهل الكتاب ممّن أبى منهم الإسلام وأذعن بها، وهم اليهود والنّصارى. والمجوس حكمهم حكم اليهود والنّصارى. وهي واجبة على جميع الأصناف المذكورة إذا كانوا بشرائط المكلّفين وتسقط عن الصّبيان والمجانين والبله والنّساء منهم. فأمّا ما عدا الأصناف المذكورة من الكفّار، فليس يجوز أن يقبل منهم إلّا الإسلام أو القتل. ومن وجبت عليه الجزية وحلّ الوقت، فأسلم قبل أن يعطيها، سقطت عنه، ولم يلزمه أداؤها.

وكلّ من وجبت عليه الجزية، فالإمام مخيّر بين أن يضعها على رءوسهم أو على أرضيهم. فإن وضعها على رءوسهم، فليس له أن يأخذ من أرضيهم شيئا. وإن وضعها على أرضيهم، فليس له أن يأخذ من رءوسهم شيئا.

وليس للجزية حدّ محدود ولا قدر موقّت. بل يأخذ الإمام منهم على قدر ما يراه من أحوالهم من الغنى والفقر بقدر ما يكونون به صاغرين.

وكان المستحقّ للجزية في عهد رسول الله،صلى‌الله‌عليه‌وآله ، المهاجرين دون غيرهم. وهي اليوم لمن قام مقامهم في نصرة الإسلام والذبّ من سائر المسلمين.

١٩٣

ولا بأس أن تؤخذ الجزية من أهل الكتاب ممّا أخذوه من ثمن الخمور والخنازير والأشياء التي لا يحلّ للمسلمين بيعها والتّصرف فيها.

باب أحكام الأرضين وما يصح التصرف فيه منها بالبيع والشرى والتملك وما لا يصح

الأرضون على أربعة أقسام:

ضرب منها يسلم أهلها عليها طوعا من قبل نفوسهم من غير قتال، فتترك في أيديهم، ويؤخذ منهم العشر أو نصف العشر، وكانت ملكا لهم، يصحّ لهم التّصرّف فيها بالبيع والشّرى والوقف وسائر أنواع التّصرف.

وهذا حكم أرضيهم إذا عمروها وقاموا بعمارتها. فإن تركوا عمارتها، وتركوها خرابا، كانت للمسلمين قاطبة. وعلى الإمام أن يقبّلها ممّن يعمّرها بما يراه من النّصف أو الثّلث أو الرّبع. وكان على المتقبّل بعد إخراج حقّ القبالة ومئونة الأرض، العشر أو نصف العشر فيما يبقى في حصّته، إذا بلغ الى الحدّ الذي يجب فيه ذلك. وهو خمسة أوسق فصاعدا حسب ما قدّمناه.

والضّرب الآخر من الأرضين، ما أخذ عنوة بالسّيف، فإنّها تكون للمسلمين بأجمعهم. وكان على الإمام أن يقبّلها

١٩٤

لمن يقوم بعمارتها بما يراه من النّصف أو الثّلث أو الرّبع. وكان على المتقبّل إخراج ما قد قبل به من حقّ الرّقبة، وفيما يبقى في يده وخاصّه العشر أو نصف العشر.

وهذا الضّرب من الأرضين لا يصحّ التّصرف فيه بالبيع والشرى والتملّك والوقف والصّدقات. وللإمام أن ينقله من متقبّل إلى غيره عند انقضاء مدّة ضمانه، وله التّصرّف فيه بحسب ما يراه من مصلحة المسلمين. وهذه الأرضون للمسلمين قاطبة، وارتفاعها يقسم فيهم كلّهم: المقاتلة، وغيرهم. فإن المقاتلة ليس لهم على جهة الخصوص إلّا ما تحويه العسكر من الغنائم.

والضّرب الثّالث كلّ أرض صالح أهلها عليها، وهي أرض الجزية، يلزمهم ما يصالحهم الإمام عليه من النّصف أو الثّلث أو الرّبع، وليس عليهم غير ذلك.

فإذا أسلم أربابها، كان حكم أرضيهم حكم أرض من أسلم طوعا ابتداء، ويسقط عنهم الصّلح، لأنه جزية بدل من جزية رءوسهم وأموالهم، وقد سقطت عنهم بالإسلام. وهذا الضّرب من الأرضين يصحّ التّصرّف فيه بالبيع والشّرى والهبة وغير ذلك من أنواع التّصرف، وكان للإمام أن يزيد وينقض ما صالحهم عليه بعد انقضاء مدّة الصّلح حسب ما يراه من زيادة الجزية ونقصانها

١٩٥

والضّرب الرّابع، كلّ أرض انجلى أهلها عنها، أو كانت مواتا فأحييت، أو كانت آجاما وغيرها ممّا لا يزرع فيها، فاستحدثت مزارع.

فإن هذه الأرضين كلّها للإمام خاصة، ليس لأحد معه فيها نصيب، وكان له التّصرّف فيها بالقبض والهبة والبيع والشّرى حسب ما يراه، وكان له أن يقبّلها بما يراه من النّصف أو الثّلث أو الرّبع، وجاز له أيضا بعد انقضاء مدّة القبالة نزعها من يد من قبّله إيّاها وتقبيلها لغيره، إلّا الأرضين التي أحييت بعد مواتها، فإن الذي أحياها أولى بالتّصرف فيها ما دام يقبلها بما يقبلها غيره. فإن أبى ذلك، كان للإمام أيضا نزعها من يده وتقبيلها لمن يراه. وعلى المتقبّل بعد إخراجه مال القبالة والمؤن فيما يحصل في حصتّه، العشر أو نصف العشر.

باب الخمس والغنائم

الخمس واجب في جميع ما يغنمه الإنسان.

والغنائم كلّ ما أخذ بالسّيف من أهل الحرب الذين أمر الله تعالى بقتالهم من الأموال والسّلاح والكراع والثّياب والمماليك وغيرها ممّا يحويه العسكر وممّا لم يحوه.

ويجب الخمس أيضا في جميع ما يغنمه الإنسان من أرباح

١٩٦

التّجارات والزّراعات وغير ذلك بعد إخراج مئونته ومئونة عياله.

ويجب الخمس أيضا في جميع المعادن من الذّهب والفضّة والحديد والصّفر والملح والرّصاص والنّفط والكبريت وسائر ما يتناوله اسم المعدن على اختلافها.

ويجب أيضا الخمس من الكنوز المذخورة على من وجدها، وفي العنبر وفي الغوص.

وإذا حصل مع الإنسان مال قد اختلط الحلال بالحرام، ولا يتميّز له، وأراد تطهيره، أخرج منه الخمس، وحلّ له التّصرف في الباقي. وإن تميّز له الحرام، وجب عليه إخراجه وردّه الى أربابه. ومن ورث مالا ممّن يعلم أنّه كان يجمعه من وجوه محظورة مثل الرّبا والغضب وما يجري مجراهما، ولم يتميّز له المغصوب منه ولا الرّبا، أخرج منه الخمس، واستعمل الباقي، وحلّ له التّصرف فيه.

والذمّي إذا اشترى من مسلم أرضا، وجب عليه فيها الخمس.

وجميع ما قدّمناه ذكره من الأنواع، يجب فيه الخمس قليلا كان أو كثيرا، إلّا الكنوز ومعادن الذّهب والفضّة، فإنّه لا يجب فيها الخمس إلّا إذا بلغت إلى القدر الذي يجب فيه الزّكاة.

١٩٧

والغوص لا يجب فيه الخمس إلّا إذا بلغ قيمته دينارا.

وأمّا الغلّات والأرباح فإنّه يجب فيها الخمس بعد إخراج حق السّلطان ومئونة الرّجل ومئونة عياله بقدر ما يحتاج اليه على الاقتصاد.

والكنوز إذا كانت دراهم أو دنانير، يجب فيها الخمس فيما وجد منها، إذا بلغ إلى الحدّ الّذي قدّمناه ذكره. وإن كان ممّا يحتاج الى المؤنة والنّفقة عليه، يجب فيه الخمس بعد إخراج المؤنة منه.

باب قسمة الغنائم والأخماس

كلّ ما يغنمه المسلمون من دار الحرب من جميع الأصناف التي قدّمناه ذكرها، ممّا حواه العسكر يخرج منه الخمس. وأربعة أخماس ما يبقى يقسم بين المقاتلة. وما لم يحوه العسكر من الأرضين والعقارات وغيرها من أنواع الغنائم يخرج منه الخمس، والباقي تكون للمسلمين قاطبة: مقاتليهم وغير مقاتليهم، يقسمه الامام بينهم على قدر ما يراه من مئونتهم.

والخمس يأخذه الإمام فيقسمه ستّة أقسام:

قسما لله، وقسما لرسوله، وقسما لذي القربى. فقسم الله وقسم الرّسول وقسم ذي القربى للإمام خاصّة، يصرفه في أمور نفسه وما يلزمه من مئونة غيره.

١٩٨

وسهم ليتامى آل محمّد، وسهم لمساكينهم، وسهم لأبناء سبيلهم. وليس لغيرهم شي‌ء من الأخماس. وعلى الإمام أن يقسم سهامهم فيهم على قدر كفايتهم ومئونتهم في السّنة على الاقتصاد. فإن فضل من ذلك شي‌ء، كان له خاصّة. وإن نقص كان عليه أن يتمّ من خاصّته.

وهؤلاء الذين يستحقّون الخمس، هم الذين قدّمنا ذكرهم ممّن تحرم عليهم الزّكاة، ذكرا كان أو أنثى. فإن كان هناك من أمّه من غير أولاد المذكورين، وكان أبوه منهم، حلّ له الخمس، ولم تحلّ له الزّكاة. وإن كان ممّن أبوه من غير أولادهم، وأمّه منهم، لم يحلّ له الخمس، وحلّت له الزّكاة.

باب الأنفال

الأنفال كانت لرسول الله خاصّة في حياته، وهي لمن قام مقامه بعده في أمور المسلمين. وهي كلّ أرض خربة قد باد أهلها عنها. وكلّ أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب أو يسلّمونها هم بغير قتال، ورءوس الجبال وبطون الأودية والآجام والأرضون الموات التي لا أرباب لها، وصوافي الملوك وقطائعهم ممّا كان في أيديهم من غير وجه الغصب، وميراث من لا وارث له.

وله أيضا من الغنائم قبل أن تقسم: الجارية الحسناء،

١٩٩

والفرس الفاره، والثّوب المرتفع، وما أشبه ذلك ممّا لا نظير له من رقيق أو متاع.

وإذا قاتل قوم أهل حرب من غير أمر الإمام، فغنموا، كانت غنيمتهم للإمام خاصّة دون غيره.

وليس لأحد أن يتصرف فيما يستحقّه الإمام من الأنفال والأخماس إلّا بإذنه. فمن تصرّف في شي‌ء من ذلك بغير إذنه، كان عاصيا، وارتفاع ما يتصرّف فيه مردود على الإمام. وإذا تصرّف فيه بأمر الإمام، كان عليه أن يؤدي ما يصالحه الإمام عليه من نصف أو ثلث أو ربع.

هذا في حال ظهور الإمام. فأمّا في حال الغيبة، فقد رخّصوا لشيعتهم التصرّف في حقوقهم ممّا يتعلّق بالأخماس وغيرها فيما لا بدّ لهم منه من المناكح والمتاجر والمساكن. فأمّا ما عدا ذلك، فلا يجوز له التصرّف فيه على حال.

وما يستحقّونه من الأخماس في الكنوز وغيرها في حال الغيبة فقد اختلف قول أصحابنا فيه، وليس فيه نصّ معيّن إلا أنّ كلّ واحد منهم قال قولا يقتضيه الاحتياط.

فقال بعضهم: إنّه جار في حال الاستتار مجرى ما أبيح لنا من المناكح والمتاجر.

وقال قوم: إنّه يجب حفظه ما دام الإنسان حيا. فإذا حضرته الوفاة، وصّى به الى من يثق به من إخوانه المؤمنين

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

لأولئك ويمنيهم الأمنيات الطوال العراض ، ولكنه لا يفعل شيئا بالنسبة لهؤلاء غير الإغواء والخداع :( يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً ) (١) .

وبيّنت آخر آية من الآيات الخمس الأخيرة مصير اتباع الشيطان ، بأنّهم ستكون نتيجتهم السكنى في جهنم التي لا يجدون منها مفرا أبدا ، فتقول الآية :( أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً ) (٢) .

* * *

__________________

(١) الغرور يعني في الأصل الأثر الواضح للشيء ، ولكنه يطلق في الغالب على الآثار التي لها ظاهر خادع وباطن كريه ، ويطلق على كل شيء يخدع الإنسان مثل المال والجاه والسلطان التي تبعد الإنسان عن الحق وعن جادة الصواب على أنّه مادة للغرور.

(٢) المحيص مشتق من المصدر «حيص» ويعني العدول والانصراف عن الشيء ، وعلى هذا الأساس فإن المحيص هو وسيلة الانصراف والفرار.

٤٦١

الآية

( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً (١٢٢) )

التّفسير

لقد بيّنت الآيات السابقة أنّ الذين يتخذون الشيطان وليا لهم ، إنّما ينالهم ضرر واضح ومبين ، وأنّ الشيطان يعدهم زيفا وخداعا ويلهيهم بالأمنيات الواهية الخيالية الطويلة العريضة ، وإن وعد الشيطان مكر وخداع لا غير.

أمّا في هذه الآية الأخيرة ـ التي هي موضوع بحثنا الآن ـ فقد بيّنت مقابل أولئك في النهاية أعمال المؤمنين والثواب الذي سينالونه يوم القيامة ، من جنّات وبساتين وأنهار تجري فيها ، حيث تقول الآية :( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ) .

وإنّ هذه النعمة العظيمة دائمة أبدا ، وليست كنعم الدنيا الزائلة ، فالمؤمنون في الجنّة يتمتعون بما أوتوه من خير دائما أبدا ، تؤكّد هذه بعبارة( خالِدِينَ فِيها أَبَداً ) .

وإنّ هذا الوعد وعد صادق وليس كوعود الشيطان الزّائفة ، حيث تقول الآية :

٤٦٢

( وَعْدَ اللهِ حَقًّا ) .

وبديهي أنّ أي فرد لا يستطيع ـ أبدا ـ أن يكون أصدق قولا من الله العزيز القدير في وعوده وفي كلامه ، كما تقول الآية :( وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً ) وطبيعي أنّ عدم الوفاء بالوعد ناتج إمّا عن العجز وإمّا الجهل والحاجة ، والله سبحانه وتعالى منزه عن هذه الصفات.

* * *

٤٦٣

الآيتان

( لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (١٢٣) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً (١٢٤) )

سبب النّزول

جاء في تفسير مجمع البيان ـ وتفاسير أخرى ـ أنّ المسلمين وأهل الكتاب كانوا يتفاخرون بعضهم على بعض ، فكان أهل الكتاب يتباهون بكون نبيّهم قد بعث قبل نبيّ الإسلام وإن كتابهم أسبق من كتاب المسلمين ، بينما كان المسلمون يفتخرون على أهل الكتاب بأنّ نبيّهم هو خاتم الأنبياء وأن كتابه هو آخر الكتب السماوية وأكملها.

وفي رواية أخرى ، نقل أنّ اليهود كانوا يدعون أنّهم هم الشعب المختار ، وأنّ نار جهنم لا تمسّهم إلّا لأيّام معدودات ، كما ورد في سورة البقرة ـ الآية (٨٠)( وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً ) وأن المسلمين كانوا يقولون ، ردّا على كلام اليهود هذا:بأنّهم خير الأمم لأنّ الله قال في شأنهم :( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ

٤٦٤

أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) (١) ولذلك نزلت الآية الأخيرة هذه ودحضت كل تلك الدعاوى وحددت قيمة كل شخص بما يقوم به من أعمال.

التّفسير

امتيازات حقيقية وأخرى زائفة :

لقد بيّنت هذه الآية واحدا من أهم أعمدة أو أركان الإسلام ، هو أنّ القيمة الوجودية لأي إنسان وما يناله من ثواب أو عقاب ، لا تمت بصلة إلى دعاوى وأمنيات هذا الإنسان مطلقا ، بل أن تلك القيمة ترتبط بشكل وثيق بعمل الإنسان وإيمانه وأنّ هذا مبدأ ثابت ، وسنّة غير قابلة للتغيير ، وقانون تتساوى الأمم جميعها أمامه ، ولذلك تقول الآية في بدايتها :( لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ ) وتستطرد فتقول :( مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً ) .

وكذلك الذين يعلمون الخير ، ويتمتعون بالإيمان ، سواء أكانوا من الرجال أو النساء ـ فإنّهم يدخلون الجنّة ولا يصيبهم أقل ظلم أبدا ، حيث تقول الآية :( وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً ) (٢) .

وبهذه الصورة يعمد القرآن إلى نبذ كل العصبيات بكل بساطة ، معتبرا الاعتبارات والارتباطات المصطنعة الخيالية والاجتماعية والعرقية وأمثالها خاوية من كل قيمة إذا قيست برسالة دينية ، ويعتبر الإيمان بمبادئ الرسالة والعمل بأحكامها هو الأساس.

وفي تفسير الآية الأولى من الآيتين الأخيرتين حديث نقلته مصادر الشيعة

__________________

(١) آل عمران ، ١١٠.

(٢) لقد أوضحنا المراد من عبارة «نقير» في تفسير الاية ٥٣ من نفس هذه السورة.

٤٦٥

والسنّة ، مفاده أنّ المسلمين حين نزلت هذه الآية استولى عليهم الرعب وأخذوا يبكون خوف ، لمعرفتهم بأنّ الإنسان معرض للخطأ ويحتمل كثيرا صدور ذنوب منه ، فلو فرض عدم وجود عفو أو غفران وأن يؤاخذ كل إنسان بجريرته ، فإنّ الأمر سيكون في غاية الصعوبة ، لذلك لجؤوا إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فذكروا له أن هذه الآية قد أفقدتهم كل أمل ، فأقسم النّبي لهم بالله أنّه ما جاءت به الآية هو الصحيح ، ولكنه بشّرهم بأنّها ستكون خير محفز لهم للتقرب إلى الله والقيام بالأعمال الصالحة ، وإنّ ما سيصيبهم من محن ومصائب وآلام حتى لو كانت من وخز شوكة سيكون كفارة لذنوبهم(١) .

سؤال :

من الممكن أن يستدل البعض من الجملة القرآنية التالية :( وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً ) على أنّ قضية الشفاعة ونظائرها قد ألغيت بهذه الآية بصورة تامّة،فيعتبرونها دليلا لإلغاء الشفاعة بصورة مطلقة.

الجواب :

لقد أشرنا سابقا إلى أن الشفاعة لا تعني أنّ الشفعاء من أمثال الأنبياء والأئمة والصالحين لهم جهاز أو تنظيم مستقل يقابل قدرة الله ، بل الصحيح هو أنّ الشفعاء لا يشفعون لأحد إلّا بإذن الله ، وعلى هذا الأساس فإنّ مثل هذه الشفاعة ستعود في النهاية إلى الله وتعتبر فرعا من ولاية ونصرة وعون الله.

* * *

__________________

(١) نور الثقلين ، الجزء الأوّل ، ص ٥٥٣.

٤٦٦

الآيتان

( وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً (١٢٥) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً(١٢٦) )

التّفسير

لقد تحدثت الآيات السابقة عن أثر الإيمان والعمل ، كما بيّنت أن اتّباع أي مذهب أو شريعة غير شرع الله لا يغني عن الإنسان شيئا ، والآية الحاضرة تداركت كل وهم قد يطرأ على الذهن من سياق الآيات السابقة ، فأوضحت أفضلية شريعة الإسلام وتفوقها على سائر الشرائع الموجودة ، حيث قالت( وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً ) .

ومع أنّ هذه الآية قد جاءت بصيغة الاستفهام ، إلّا أنّها تهدف إلى كسب الاعتراف من السامع بالحقيقة التي أوضحتها.

لقد بيّنت الآية ـ موضوع البحث ـ أمورا ثلاثة تكون مقياسا للتفاضل بين الشرائع وبيانا لخيرها :

١ ـ الاستسلام والخضوع المطلق لله العزيز القدير ، حيث تقول الآية :( أَسْلَمَ

٤٦٧

وَجْهَهُ لِلَّهِ ) (١) .

٢ ـ فعل الخير ، كما تقول الآية :( وَهُوَ مُحْسِنٌ ) والمقصود بفعل الخير ـ هنا ـ كل خير يفعله الإنسان بقلبه أو لسانه أو عمله ، وفي حديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكره صاحب تفسير الثقلين في تفسيره للآية ـ هذه ـ وهو جواب لمن سأل النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحديد معنى الإحسان،فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك».

فالإحسان في هذه الآية هو كل عمل ينجزه الإنسان ويقصد به التعبد لله والتقرب إليه ، وأن يكون الإنسان لدى إنجازه لهذا العمل قد جعل الله نصب عينيه ، وكأنّه يراه ، فإن كان هو يعجز عن رؤية الله فإن الله يراه ويشهد على أعماله.

٣ ـ إتّباع شريعة إبراهيم النقية الخالصة ، كما في الآية :( وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً ) (٢) .

ودليل الاعتماد على شريعة إبراهيم ما ذكرته الآية نفسها في آخرها : إذ تقول:( وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً ) .

ما هو معنى الخليل؟

إنّ كلمة «خليل» قد تكون مشتقة من المصدر «خلّة» على وزن «حجّة» الذي يعني الصداقة ، وقد يكون اشتقاقها من المصدر «خلة» على وزن «ضربة» بمعنى الحاجة.

__________________

(١) الوجه في اللغة هو مقدمة الرأس ، أو ذلك الجزء من البدن الذي يشمل الجبهة والعينين والأنف والفم والجبين، ولما كان الوجه بمثابة مرآة لروح الإنسان وقلبه ، وفيه الحواس التي تربط باطن الإنسان بالعالم الخارجي،لذلك جاء في الآية التعبير عنه بذات الإنسان ونفسه.

(٢) إنّ عبارة «ملّة» الواردة في الآية أعلاه تعني «الشريعة أو الدين» والفرق بين الملّة والدين أن الأولى لا تنسب إلى الله ، أي لا يقال «ملّة الله» ويمكن أن تضاف إلى النّبي بينما كلمة الدين أو الشريعة يمكن أي يضافا إلى لفظ الجلالة فيقال : «دين الله» أو «شريعة الله» كما يمكن إضافتهما إلى النّبي أيضا ، وعبارة «حنيف» تعني الشخص الذي يترك الأديان الباطلة ويتبع دين الحق.

٤٦٨

وقد اختلف المفسّرون في أي المعنيين أقرب إلى مفهوم الآية موضوع البحث.

فرأى البعض منهم أنّ المعنى الثّاني أقرب لحقيقة هذه الآية ، لأنّ إبراهيمعليه‌السلام كان يؤمن بأنّه محتاج إلى الله في كل شؤونه بدون استثناء ، ولكن مفسّرين آخرين يرون أنّه ما دامت الآية تتحدث عن منزلة وهبها الله لنبيه إبراهيم فالمقصود بكلمة «الخليل» الواردة هو «الصديق» لأننا لو قلنا أنّ الله قد انتخب إبراهيم صديقا له ، يكون أقرب كثيرا إلى الذهن من قولنا أن الله انتخب إبراهيم ليكون محتاجا إليه. لأنّ الحاجة إلى الله لا تقتصر على إبراهيم وحده ، بل يشاركه ويساويه فيها جميع المخلوقات ، فالكل محتاجون إلى الله دون استثناء،وكان تقول الآية (١٥) من سورة فاطر :( يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ ) وهذا على عكس الصداقة والخلّة مع الله التي لا يتساوى فيها كل المخلوقات.

وفي رواية عن الإمام الصّادقعليه‌السلام أنّه قال : «أنّه (الله) إنّما اتّخذ إبراهيم خليلا لطاعته ومسارعته إلى رضاه لا لحاجة منه سبحانه إلى خلته» وتدل هذه الرواية(١) أيضا بأن عبارة «خليل» الواردة في الآية المذكورة إنّما تعني الصديق ولا تعني غيره.

وعلى هذا الأساس لنرى ما الذي امتاز به إبراهيم لينال هذه المنزلة العظيمة من الله،لقد ذكرت الروايات الواردة في هذا المجال عللا مختلفة تكون بمجملها دليلا لهذا الانتخاب ، ومن هذه الروايات قول الإمام الصّادقعليه‌السلام «إنّما اتّخذ الله إبراهيم خليلا لأنّه لم يرد أحدا ولم يسأل أحدا غير الله»(٢) .

وتفيد روايات أخرى أن إبراهيم قد حاز هذه الدرجة لكثرة سجوده لله ، وإطعامه للجياع وإقامة صلاة الليل ، أو لسعيه في طريق مرضاة الله وطاعته.

__________________

(١) مجمع البيان في هامش الآية الشريفة.

(٢) عيون أخبار الرضا ، وتفسير الصافي في هامش الآية المذكورة وفي تفسير البرهان الجزء الأوّل ، ص ٤١٧.

٤٦٩

بعد ذلك تتحدث الآية التالية بملكية الله والمطلقة وإحاطته بجميع الأشياء ، حيث تقول :( وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً ) وهذه إشارة إلى أنّ الله حين انتخب إبراهيم خليلا له ، ليس من أجل الحاجة إلى إبراهيم فالله منزّه عن الاحتياج لأحد ، بل أن هذا الإختيار قد تمّ لما لإبراهيم من صفات وخصال وسجايا طيبة بارزة لم توجد في غيره.

* * *

٤٧٠

الآية

( وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللاَّتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِهِ عَلِيماً (١٢٧) )

التّفسير

عود على حقوق المرأة :

تجيب الآية الأخيرة هذه على أسئلة وردت حول النساء من قبل المسلمينوبالأخص حول اليتامى منهنّ) فتخاطب النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتبيّن له أنّ الله هو الذي يفتي في الأسئلة التي وجهت إليك يا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حول الأحكام الخاصّة بحقوق النساء ، فتقول :( وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ ).

وتضيف الآية إنّ ما ورد في القرآن الكريم حول الفتيات اليتامى اللواتي كنتم تتصرفون في أموالهنّ ، ولم تكونوا لتتزوجوا بهنّ ، ولم تدفعوا أموالهنّ إليهنّ لكي يتزوجن من آخرين، فإنّه يجيب على قسم آخر من اسئلتكم ويبيّن لكم قبح ما كنتم تعلمون من ظلم بحق هؤلاء النسوة ،( وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى

٤٧١

النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ ). (١) .

ثمّ توصي الآية الكريمة بالأولاد الذكور الصغار الذين كانوا يحرمون من الإرث وفق التقاليد الجاهلية ، فتؤكد ضرورة رعاية حقوقهم ، حيث تقول :( وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ ) .

كما تعود الآية فتكرر التأكيد على حقوق اليتامى ، فتذكر أن الله يوصيكم في أن تراعوا العدالة في تعاملكم مع اليتامى :( وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ ) .

وفي الختام تجلب الآية الانتباه إلى أن أي عمل خير يصدر منكم وبالأخص إذا كان في حق اليتامى والمستضعفين ـ فإنّه لا يخفى على الله ـ وإنّكم ستنالون أجر ذلك في النهاية ، حيث تقول الآية :( وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِهِ عَلِيماً ) .

هذا ويجب الالتفات إلى أنّ عبارة( يَسْتَفْتُونَكَ ) مشتقة من المصدر «فتوى» أو «فتيا» ومعناها الإجابة على كل سؤال معضل ، ولما كانت هذه الكلمة تعود في الأصل إلى كلمة «فتى» أي الشاب اليافع ، فمن الممكن أن الفتوى كانت تستخدم للتعبير عن الإجابة على الأسئلة المستحدثة ، وبعد ذلك أصبحت تطلق بصورة شاملة على كل أنواع الأجوبة الخاصّة بالمسائل المنتخبة.

* * *

__________________

(١) بناء على التّفسير الذي أوردناه بشأن الآية أعلاه يتبيّن لنا أنّ عبارة «ما يتلى» مبتدأ وخبرها جملة «يفتيكم فيهنّ» التي حذفت للقرينة الموجودة في القسم السابق من الآية. كما أنّ عبارة «ترغبون» هنا تعني عدم الميل والرغبة ، حيث تشير القرائن إلى تقدير «عن» بعد عبارة «ترغبون» في هذه الآية والفرق بين «رغب عنه» و «رغب فيه» واضح.

٤٧٢

الآية

( وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (١٢٨) )

سبب النّزول

لقد ورد في الكثير من كتب التّفسير والحديث ، في سبب نزول هذه الآية ، أنّه كان في زمن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شخص يدعى «رافع بن خديج» وكانت له زوجتان ، إحداهما كبيرة السن عجوز ، والأخرى شابة ، فطلق «رافع» زوجته العجوز (اثر خلافات بينهما) لكنه ـ قبل أي تنتهي عدّتها ـ عرض عليها الصلح مشترطا عليها أن لا تضجر إذا قدم عليها زوجته الشابة ، أو أن تصبر حتى تنتهي عدتها فيتم الفصل والفراق بينهما ، فقلبت زوجته العجوز الشرط أو الاقتراح الأوّل ، فاصطلحا ، فنزلت هذه الآية الكريمة مبيّنة حكم هذا العمل.

٤٧٣

التّفسير

الصّلح خير :

لقد قلنا سابقا ـ في هامش الآيتين (٣٤ و ٣٥) من نفس سورة النساء ـ إنّ كلمة «نشوز» مشتقة من المصدر «نشز» بمعنى «الأرض المرتفعة» وحين تستخدم هذه العابرة في شأن الرجل والمرأة تعني ذلك «التكبر» و «الطغيان».

وقد بيّنت الآيات السابقة حكم نشوز المرأة ، وفي هذه الآية إشارة لنشوز الرجل فالآية تتحدث عن المرأة إذا أحست من زوجها التكبر والإعراض عنها ، وتبيّن أن لا مانع من أن تتنازل عن بعض حقوقها ، وتتصالح مع زوجها ، من أجل حماية العلاقة الزوجية من التصدع ، فتقول :( وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً ) .

ولمّا كانت المرأة تتنازل عن بعض حقوقها طوعا وعن طيب خاطر ومن غير إكراه فلا ذنب في هذا العمل ، حيث عبّرت الآية عن ذلك بعبارة «فلا جناح» أي لا ذنب،للدلالة على الحقيقة المذكورة.

وعند النظر إلى سبب نزول الآية ، نستخلص منها مسألتين فقهيتين :

الأولى : إنّ حكما مثل تقسيم أيّام الأسبوع بين الزوجات ، له طابع الحق أكثر من طابع الحكم ، ولذلك فبإمكان المرأة التخلي عن هذا الحق بشكل تام إذا شاءت أو بصورة جزئية.

والمسألة الثّانية : إنّ التراضي والتصالح لا يشترط أن يكون بالمال ، بل يصح أن يكون بالتنازل عن حق من الحقوق.

بعد ذلك تؤكد الآية على أنّ الصلح خير وأحسن ، حيث تقول :( وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ) وهذه الجملة الصغيرة مع أنّها جاءت في مجال الخلافات العائلية ، لكنها تبيّن قانونا كليا عاما شاملا ، وتؤكد أنّ الصلح هو المبدأ الأوّل في كل المجالات ، وأنّ الخلاف والنزاع والصراع والفراق ليس له وجود في الطبع والفطرة الإنسانية السليمة ، ولذلك فلا تسوغ هذه الفطرة التوسل بالنزاع وما يجري مجراه إلّا في

٤٧٤

الحالات الاستثنائية الطارئة.

وهذا الأمر على عكس ما يصوّره الماديون من أنّ الصراع من أجل البقاء هو الأصل في حياة الموجودات الحيّة ، ويزعمون أن التكامل يحصل من خلال هذا الصراع.

وقد كان هذا النوع من التفكير سببا في بروز الكثير من النزاعات الدّموية والحروب في القرون الأخيرة ، لكن الإنسان لا يقاس بالحيوانات الأخرى المفترسة بسبب ما يملكه من عقل وإحساس ، وإنّ تكامله يتمّ في ظل التعاون وليس في ظل النزاع ، ومن حيث المبدأ فإن الصراع من أجل البقاء حتى في الحيوانات لا يعتبر مبدأ مقبولا للتكامل(١) .

وتشير الآية بعد ذلك مباشرة إلى أنّ الإنسان بسبب غريزة حبّ الذات التي يمتلكها تحيط به أمواج البخل ، بحيث أنّ كل إنسان يسعى إلى نيل حقوقه دون التنازل عن أقل شيء منها ، وهذا هو سبب ومنبع النزاع والصراع ، تقول الآية :( وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَ ) .

ولذلك فلو أحسّ كلّ من الزوجين بأنّ البخل هو منبع الكثير من الخلاف وأدركوا حقيقة البخل وأنّه من الصفات القبيحة ، وسعوا لإصلاح ذات بينهم وأبدوا العفو والصفح،فسوف لا يؤدي هذا إلى زوال الخلاف والنزاع العائلي فحسب ، بل سيؤدي أيضا إلى إنهاء الكثير من الصراعات الاجتماعية.

ولكي لا يسيء الرجال استغلال هذا الحكم الوارد في الآية ، وجه الخطاب إليهم في نهايتها ودعوا إلى فعل الخير والتزام التقوى ، ونبهوا إلى أنّ الله يراقب أعمالهم دائما فليحذروا الانحراف عن جادة الحق والصواب ، تقول الآية في هذا المجال :( وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً ) .

* * *

__________________

(١) من أجل معرفة تفاصيل أكثر حول هذا الموضوع راجع الجزء الثّاني من هذا التّفسير في فصل «الصراع من أجل البقاء».

٤٧٥

الآيتان

( وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (١٢٩) وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ وَكانَ اللهُ واسِعاً حَكِيماً (١٣٠) )

التّفسير

العدالة شرط في تعدد الزّوجات :

نستنتج من الجملة التي وردت في نهاية الآية السابقة ـ التي تمّ البحث عنها والتي دعت الرجال إلى فعل الخير والتزام التقوى ـ إنّها تعتبر نوعا من التهديد للأزواج من الرجال،بأن يراقبوا حالهم ولا ينحرفوا قيد شعرة عن جادة الحق والعدالة لدى التعامل مع زوجاتهم.

وقد يرد اعتراض وهو : إنّ تحقيق العدالة في مجال الحبّ والعلاقات القلبية أمر بعيد المنال ، فكيف يمكن إذن والحالة هذه اتباع العدل مع الزوجات؟

وردا على الاعتراض المذكور توضح الآية (١٢٩) من سورة النساء ، بأنّ تحقيق العدالة في مجال الحبّ بين الزوجات أمر غير ممكن ، مهما بذل الإنسان من سعي في هذا المجال فتقول الآية :( وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ

٤٧٦

حَرَصْتُمْ ) ويتبيّن من عبارة( وَلَوْ حَرَصْتُمْ ) هذه وجود أشخاص بين المسلمين كانوا يسعون كثيرا لتحقيق تلك العدالة المطلوبة ، ولعل سعيهم ذلك كان من أجل الحكم المطلق الذي طالب المسلمين باتّباع العدل من زوجاتهم والذي ورد في الآية الثّالثة من سورة النساء،التي تقول :( ... فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً ) .

بديهي أنّ أي حكم سماوي لا يمكن أن ينزل على خلاف فطرة البشر ، كما لا يمكن أن يكون تكليفا بما لا يطاق ، ولمّا كانت العلاقات القلبية تنتج عن عوامل يكون بعضها خارجا عن إرادة الإنسان ، لم يحكم الله بتحقيق العدالة في مجال الحبّ القلبي بين الزوجات،أمّا فيما يخص الأعمال وأسلوب التعامل ورعاية الحقوق بين الأزواج ممّا يمكن للإنسان تحقيقه ، فقد تمّ التأكيد على تحقيق العدالة فيه.

ولكي لا يسيء الرجال استغلال هذا الحكم ، طالبت الآية الرجال بأن لا يظهروا الميل الكامل لإحدى الزوجات إذا تعسر عليهم تحقيق المساواة في حبّهم لهنّ جميعا ، كي لا يضيع حق الأخريات ولا يحرن في أمرهنّ ما ذا يفعلن! حيث تقول الآية :( فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ ).

وتحذر الآية في آخرها أولئك الذين يجحفون في حقّ زوجاتهم ، وتطالبهم بأن يتبعوا طريق الإصلاح والتقوى ، ويعرضوا عمّا فات في الماضي ، كي يشملهم الله برحمته وعفوه،فتقول الآية :( وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً ).

لقد وردت روايات اشتملت على مواضيع تخص مسألة تحقيق العدالة بين الزّوجات،وتبيّن عظمة هذا الحكم والقانون الإسلامي.

من هذه الروايات ما روي عن علي بن أبي طالب أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّه كان له امرأتان ، فكان إذا كان يوم واحدة لا يتوضأ في بيت الاخرى»(١) .

__________________

(١) تفسير التبيان ، الجزء الثّالث ، ص ٣٥٠.

٤٧٧

وروي عن جعفر بن محمّد عن أبيه عنءابائهعليهم‌السلام «أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقسم بين نسائه في مرضه ، فيطاف به بينهن».(١)

وكان معاذ بن جبل له امرأتان ماتتا في الطاعون أقرع بينهما أيّهما تدفن قبل الاخرى؟(٢) أي أيّهما يقدم أوّلا في الدفن لكي يتجنب ما من شأنه أن يخدش العدل المفروض اتباعه بين الزوجات.

جواب على سؤال ضروري :

كنّا قد نوّهنا ـ في هامش الآية (٣) من نفس هذه السورة ـ بأنّ بعضا ممن ليس لهم علم استنتجوا ـ من ضم تلك الآية إلى هذه الآية ـ أن تعدد الزوجات مشروط بتحقيق العدالة بينهنّ ، وأنّه لمّا كان تحقيق العدالة أمرا غير ممكن ، فلذلك قالوا بأنّ الإسلام قد منع تعدد الزوجات.

ويفهم من الروايات الإسلامية أنّ أوّل من طرح هذا الرأي هو «ابن أبي العوجاء» وكان من أصحاب المذهب المادي ، ومن المعاصرين للإمام الصّادقعليه‌السلام ، وجاء طرحه لرأيه هذا في نقاش له مع المفكر الإسلامي المجاهد «هشام بن الحكم» فلما أعيى «هشاما» الجواب توجه من بلدته الكوفة إلى المدينة المنورة «لمعرفة الجواب» فقدم على الإمام الصّادقعليه‌السلام فتعجب الإمام من مقدمه قبل حلول موسم الحج أم العمرة ، ولكن هشاما أخبر الإمام بسؤال ابن أبي العوجاء ، فكان جواب الإمام الصّادقعليه‌السلام على السؤال هو أنّ المقصود بالعدالة الواردة في الآية الثّالثة من سورة النساء ، هي العدالة في النفقة (وضرورة رعاية الحقوق الزوجية وأسلوب التعامل مع الزوجة) أمّا العدالة الواردة في الآية (١٢٩) من نفس السورة (والتي اعتبر تحقيقها أمرا مستحيلا) فالمقصود بها العدالة في

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) المصدر السابق.

٤٧٨

الميول القلبية ، (وعلى هذا الأساس فإن تعدد الزوجات ليس ممنوعا ولا مستحيلا إذا روعيت فيه الشروط الإسلامية) ، فلما رجع هشام بالجواب إلى ابن أبي العوجاء حلف هذا الأخير أن هذا الجواب ليس من عندك.

ومعلوم أنّ تفسيرنا لكلمتي العدالة ـ الواردتين في الآية الثّالثة والآية (١٢٩) من سورة النساء ـ بمعنين يختلف أحدهما عن الآخر ، إنّما هو للقرينة الواضحة الواردة مع كل من الآيتين المذكورتين ، لأنّ الآية الأخيرة تأمر الإنسان أن لا يميل ميلا شديدا لإحدى زوجاته ويترك الأخريات في الحيرة من شأنهنّ ، ولهذا فهي تدل على جواز تعدد الزوجات مع اشتراط أن لا يحصل إجحاف بحق إحداهنّ لحساب الأخرى ، مع الإذعان باستحالة تحقق المساواة في الحب القلبي لكلا الزوجتين ، أمّا في الآية الثّالثة من سورة النساء فقد ورد التصريح في أوّلها بجواز تعدد الزوجات.

أمّا الآية الثانية من الآيتين الأخيرتين ، فهي تشير إلى هذه الحقيقة ، وهي أنّه لو استحال مواصلة الحياة الزوجية للطرفين ـ الزوج والزوجة ـ واستحال الإصلاح بينهما،فإنّهما ـ والحالة هذه ـ غير مرغمين على الاستمرار في مثل هذه الحياة المرّة الكريهة،بل يستطيعان أن ينفصلا عن بعضهما وعليهما اتخاذ موقف شجاع وحاسم في هذا المجال دون خوف أو رهبة من المستقبل ، لأنّهما لو انفصلا في مثل تلك الحالة فإن الله العليم الحكيم سيغنيهما من فضله ورحمته ، فلا يعدمان الأمل في حياة مستقبلية أفضل ، فتقول الآية الكريمة في هذا المجال :( وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكانَ اللهُ واسِعاً حَكِيماً ) .

* * *

٤٧٩

الآيات

( وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللهُ غَنِيًّا حَمِيداً (١٣١) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً (١٣٢) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكانَ اللهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً (١٣٣) مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَكانَ اللهُ سَمِيعاً بَصِيراً (١٣٤) )

التّفسير

لقد أوضحت الآية السابقة أن إذا اقتضت الضرورة لزوجين أن ينفصلا عن بعضهما دون أن يجدا حلا بديلا عن الانفصال فلا مانع من ذلك ، وليس عليهما أن يخافا من حياة المستقبل ، لأن الله سيشملهما بكرمه وفضله ، ويزيل احتياجاتهما برحمته وبركته.

أمّا في الآية ـ موضوع البحث ـ فإنّ الله يؤكّد قدرته على إزالة ورفع تلك الاحتياجات،لأنّه مالك ما في السموات وما في الأرض( وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ) وإنّ من يملك ملكا لا نهاية له كهذا الملك ، ويملك قدرة لا نفاذ

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710