الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٣

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل8%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 710

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 710 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 173335 / تحميل: 6084
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

النقص الحادث في المبيع ، فكذلك عدم المشروط. ولأنّ الإعسار يثبت به فسخ البيع بغير شرطٍ ، ولا يثبت مثل ذلك في الحوالة ، فاختلفا(١) .

ونمنع كون الإعسار لا يردّ الحوالة إذا لم يشترط ، وقد سبق. ونمنع الملازمة بين ثبوته بالشرط وبعدمه ، ونحن لا ندّعي مساواة الحوالة للبيع في جميع أحكامه.

تذنيب : لو كان المحال عليه معسراً ولم يعلم المحتال ثمّ تجدّد اليسار وعلم سبق الفقر ، احتُمل ثبوت الخيار ؛ للاستصحاب‌. وعدمُه ؛ لزوال المقتضي.

مسألة ٦٠٢ : إذا حصلت الحوالة مستجمعة الشرائط ، انتقل المال إلى ذمّة المحال عليه ، وبرئ المحيل‌ ، سواء أبرأه المحتال أو لا - وهو قول عامّة الفقهاء(٢) - لأنّ الحوالة مأخوذة من التحويل للحقّ ، وإنّما يتحقّق هذا المعنى لو انتقل المال من ذمّةٍ إلى أُخرى ، وليس هنا إلّا ذمّة المحيل والمحال عليه ، فإذا تحوّل الحقّ من ذمّة أحدهما إلى الآخَر مع اليسار أو علم الإعسار ، لم يعد الحقّ إليه ؛ لعدم المقتضي.

وقال شيخنارحمه‌الله في النهاية : ومَنْ كان له على غيره مالٌ فأحال به على غيره ، وكان الـمُحال عليه مليّاً به في الحال وقَبِل الحوالة وأبرأه منه ، لم يكن له الرجوعُ عليه ، ضمن ذلك المـُحال به عليه أو لم يضمن بعد أن يكون قد قَبِل الحوالة ، فإن لم يقبل الحوالة إلاّ بعد ضمان المـُحال عليه ولم يضمن مَنْ أُحيل عليه ذلك ، كان له مطالبة الـمُحيل ، ولم تبرأ ذمّته بالحوالة ، فإن انكشف لصاحب المال أنّ الذي أُحيل به عليه غير ملي بالمال ، بطلت‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٣ ، المغني ٥ : ٦٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٦٢.

(٢) المغني ٥ : ٥٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٥.

٤٤١

الحوالة ، وكان له الرجوعُ على المديون بحقّه عليه ، ومتى لم يُبرئ الـمُحال له بالمال الـمُحيل في حال ما يُحيله ، كان له أيضاً الرجوعُ عليه في أيّ وقت شاء(١) .

وكان الحسن البصري أيضاً لا يرى الحوالة مبرئةً إلّا أن يُبرئه(٢) .

واحتجّ الشيخرحمه‌الله بما رواه زرارة - في الحسن - عن الصادق أو الباقرعليهما‌السلام : في الرجل يحيل الرجل بمالٍ كان له على رجلٍ [ آخَر ] ، فيقول له الذي احتال : برئت ممّا لي عليك ، قال : « إذا أبرأه فليس له أن يرجع عليه ، وإن لم يُبرئه فله أن يرجع على الذي أحاله »(٣) .

وهذه الرواية لا بأس بها ؛ لصحّة السند ، لكنّ المشهور عند الأصحاب والعامّة البراءة بمجرّد الحوالة ، فلابدَّ من حمل الرواية على شي‌ء ، وليس ببعيدٍ من الصواب حملها على ما إذا شرط المحيل البراءة ، فإنّه يستفيد بذلك عدم الرجوع لو ظهر إفلاس المحال عليه ، أو نقول : إذا لم يُبرئه ، فله أن يرجع على الذي أحاله إذا تبيّن له إعساره وقت الحوالة.

النظر الثاني : في الرضا بالحوالة.

مسألة ٦٠٣ : يشترط في الحوالة رضا المحيل - وهو الذي عليه الحقّ - إجماعاً‌ ، فلو أُكره على أن يحيل فأحال بالإكراه ، لم تصحّ الحوالة ، ولا نعرف فيه خلافاً ؛ لأنّ مَنْ عليه الحقّ مخيَّر في جهات القضاء ، فله أن يقضي من أيّ جهة شاء ، فلا يُعيَّن عليه بعض الجهات قهراً ، فلا يلزمه‌

____________________

(١) النهاية : ٣١٦.

(٢) المغني ٥ : ٥٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٥.

(٣) الكافي ٥ : ١٠٤ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٢١١ - ٢١٢ / ٤٩٦ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

٤٤٢

أداؤه من جهة الدَّيْن الذي له على المحال عليه ، إلّا في صورةٍ واحدة لا يُعتبر فيها رضا المحيل ، وهي ما إذا جوّزنا الحوالة على مَنْ لا دَيْن عليه لو قال للمستحقّ : أحلت بالدَّيْن الذي لك على فلان على نفسي ، فقَبِل ، صحّت الحوالة ، فإذَنْ لا يشترط هنا رضا المحيل ، بل رضا المحتال والمحال عليه خاصّةً.

مسألة ٦٠٤ : يشترط رضا المحتال عند علمائنا أجمع‌ - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(١) - لأنّ حقّه ثابت في ذمّة المحيل ، فلا يلزمه نقله إلى ذمّةٍ أُخرى ، إلّا برضاه ، كما أنّه لا يجوز أن يُجبر على أن يأخذ بالدَّيْن عوضاً ، وكما إذا ثبت حقّه في عينٍ ، لا يملك نقله إلى غيرها بغير رضاه. وقال داوُد وأحمد : لا يعتبر رضاه إذا كان المحال عليه مليّاً ؛ لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « مَنْ أُحيل على ملي‌ء فليحتل »(٢) والأمر للوجوب(٣) .

ونحن نمنع الوجوب ، بل المراد به الإرشاد.

مسألة ٦٠٥ : يشترط عندنا رضا المحال عليه‌ ، فلو لم يرض المحال عليه أو لم يُعلم هل رضي أم لا؟ لم تصحّ الحوالة ، وبه قال أبو حنيفة والزهري والمزني(٤) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٤١٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٩٩ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٥ ، الذخيرة ٩ : ٢٤٣ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٦١.

(٢) مسند أحمد ٣ : ٢٢٥ ، ضمن ح ٩٦٥٥.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٤١٨ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٩٩ ، الذخيرة ٩ : ٢٤٣ ، المعونة ٢ : ١٢٢٨ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٦١.

(٤) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٩٩ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٥ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤١٨ ، الوسيط ٣ : ٢٢١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧ ، المغني ٥ : ٦١ ، الشرح الكبير ٥ : ٦١ - ٦٢.

٤٤٣

وقال أبو العبّاس ابن القاص : نصّ الشافعي في الإملاء على أنّها تفتقر إلى رضا المحال عليه - وإليه ذهب أبو سعيد الاصطخري من الشافعيّة - لأنّه أحد مَنْ تتمّ به الحوالة ، فأشبه المحتال والمحيل. ولأنّ الناس يختلفون في الاقتضاء والاستيفاء سهولةً وصعوبةً. ولأنّ الأصل بقاء الحقّ في ذمّة المحال عليه للمحيل ، فيستصحب إلى أن يظهر المعارض.

وأصحّ القولين عند الشافعي : أنّه لا يعتبر رضا المحال عليه إذا كانت الحوالة على مَنْ عليه دَيْنٌ للمحيل - وبه قال مالك وأحمد - لأنّ المحيل أقام المحتال مقام نفسه في القبض بالحوالة ، فلم يفتقر إلى رضا مَنْ عليه الحقّ ، كما لو كان وكيلاً في قبضه ، بخلاف المحتال ، فإنّه ينتقل حقّه ، وتبرأ ذمّته منه. ولأنّ المحال عليه محلّ الحقّ والتصرّف ، فلا يعتبر رضاه ، كما لو باع عبداً ، لا يعتبر رضاه(١) .

وبنوا الوجهين على أنّ الحوالة اعتياض أو استيفاء؟ إن قلنا بالأوّل ، فلا يشترط ؛ لأنّه حقٌّ للمحيل ، فلا يحتاج فيه إلى رضا الغير. وإن قلنا بالثاني ، يشترط ؛ لتعذّر إقراضه من غير رضاه(٢) .

وإن كانت الحوالة على مَنْ لا دَيْن عليه ، لم تصحّ عند الشافعي إلّا برضا المحال عليه ؛ لأنّا لو صحّحناه ، لألزمناه قضاء دَيْن الغير قهراً. وإن رضي ، ففي صحّة الحوالة وجهان بناهما الجمهور على الأصل المذكور(٣)

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٤١٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٥ ، الوسيط ٣ : ٢٢١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٢ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٩٩ ، التلقين ٢ : ٤٤٣ ، الذخيرة ٩ : ٢٤٣ ، المعونة ٢ : ١٢٢٩ ، المغني ٥ : ٦١ ، الشرح الكبير ٥ : ٦١ - ٦٢.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٢.

٤٤٤

وسيأتي(١) .

فقد ظهر من هذا الإجماعُ على اعتبار رضا المحيل إلّا في الصورة التي ذكرناها في أوّل النظر ، وأنّ أصحابنا اشترطوا رضا الثلاثة : المحيل والمحتال والمحال عليه.

النظر الثالث : في الدَّيْن.

مسألة ٦٠٦ : إذا أحال زيد عمراً على بكر بألف ، فلا يخلو إمّا أن تكون ذمّة زيدٍ(٢) مشغولةً بالألف لعمرو ، أو لا‌ ، وعلى كلا التقديرين فإمّا أن يكون بكر بري‌ء الذمّة منها أو مشغولها ، فالأقسام أربعة :

أ - أن تكون ذمّة زيدٍ وبكرٍ مشغولتين ، ولا خلاف هنا في صحّة الحوالة.

ب - قسيم هذا ، وهو أن تكون ذمّتهما بريئةً ، فإذا أحال زيد - وهو بري‌ء الذمّة - عمراً - ولا دَيْن له عليه - على بكر ، وهو بري الذمّة ، لم يكن ذلك إحالةً صحيحة ؛ لأنّ الحوالة إنّما تكون بدَيْنٍ ، وهنا لم يوجد ، بل يكون ذلك وكالةً في اقتراضٍ ، وإنّما جازت الوكالة هنا بلفظ الحوالة ؛ لاشتراكهما في المعنى ، وهو استحقاق الوكيل أن يفعل ما أمره الموكّل من الاقتراض ، وأن يطالبه من المحال عليه ، كما يستحقّ المحتال مطالبة المحال عليه.

ج - أن يكون المحيلُ بري‌ءَ الذمّة والمحالُ عليه مشغولَها ، ( فيحيل‌

____________________

(١) في ص ٤٤٥ ، القسم « د » من الأقسام المذكورة في المسألة ٦٠٦.

(٢) في « ج » : « ذمّته » بدل « ذمّة زيد ».

٤٤٥

مَنْ لا دَيْن عليه مَنْ لا دَيْن له على مَنْ للمحيل عليه دَيْنٌ )(١) بقبضه ، فلا يكون ذلك أيضاً حوالةً ؛ لأنّ الحوالة مأخوذة من تحوّل الحقّ وانتقاله ، ولا حقّ [ هاهنا ](٢) ينتقل ويتحوّل ، بل يكون ذلك في الحقيقة وكالةً في الاستيفاء ؛ لاشتراكهما في استحقاق الوكيل مطالبة مَنْ عليه الدَّيْن ، كاستحقاق المحتال مطالبة المحال عليه ، وتحوّل ذلك إلى الوكيل كتحوّله إلى المحيل.

د - أن يكون المحيل مشغولَ الذمّة والمحالُ عليه برئَ الذمّة.

وفي صحّة هذه الحوالة إشكال أقربه : الصحّة - وبه قال أبو حنيفة وأصحابه(٣) - لأنّ المحال عليه إذا قَبِلها ، صار كأنّه قضى دَيْن غيره بذمّته ؛ لأنّ الحوالة بمنزلة الحقّ المقبوض ، وإذا قبض حقّاً من غيره ، صحّ وسقط عن غيره ، كذا هنا ، لكن يكون ذلك بالضمان أشبه.

وللشافعيّة وجهان مبنيّان على أنّ الحوالة اعتياض أو استيفاء؟ فإن قلنا : إنّها اعتياض ، لم تصحّ ؛ لأنّه ليس له على المحال عليه شي‌ء نجعله عوضاً عن حقّ المحتال. وإن قلنا : إنّها استيفاء حقٍّ ، صحّت(٤) ، كأنّه أخذ المحتال حقّه وأقرضه من المحال عليه(٥) .

قال الجويني : الصحيح عندي تخريج الخلاف على الخلاف في أنّه‌

____________________

(١) بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجريّة : « فيحيل مَنْ لا دَيْن له عليه على مَنْ للمحيل عليه دَيْنٌ ». وكذا في « ر » بإسقاط « له » من « لا دَيْن له عليه ».

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فيها ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) راجع : فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٣ : ٧٣ و ٧٤ ، وبدائع الصنائع ٦ : ١٦.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « صحّ ». والظاهر ما أثبتناه.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٢.

٤٤٦

هل يصحّ الضمان بشرط براءة الأصيل؟ بل هذه(١) الصورة غير(٢) تلك الصورة ؛ فإنّ الحوالة تقتضي براءة المحيل ، فإذا قَبِل الحوالة ، فقد التزم على أن يُبرئ المحيل(٣) .

وهذا ذهابٌ منه إلى براءة المحيل وجَعْلها أصلاً مفروغاً عنه.

لكن للشافعيّة وجهان :

أحدهما : أنّه يبرأ على قياس الحوالات.

والثاني - وبه قال أكثرهم - : أنّه لا يبرأ ، وقبول الحوالة ممّن لا دَيْن عليه ضمانٌ مجرّد(٤) .

ثمّ فرّعوا فقالوا : إن قلنا : لا تصحّ هذه الحوالة ، فلا شي‌ء على المحال عليه ، فإن تطوّع وأدّاه ، كان كما لو قضى دَيْنَ الغير. وإن قلنا : تصحّ ، فهو كما لو ضمنه ، فيرجع على المحيل إن أدّى بإذنه(٥) .

وكذا إن أدّى بغير إذنه عندنا وعلى أظهر الوجهين عند الشافعيّة(٦) ؛ لجريان الحوالة بإذنه.

وللمحال عليه الرجوع على المحيل هنا قبل الأداء - وهو أحد وجهي الشافعيّة(٧) - لأنّ المحيل يبرأ ، فينتقل الحقّ إلى ذمّة المحال عليه بمجرّد الحوالة.

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « هنا » بدل « هذه ». والمثبت كما في المصدر.

(٢) كذا في النسخ الخطّيّة والحجريّة ، وفي المصدر « عين » بدل « غير ». وفي « ر » : « على غير ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٢.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٧ - ١٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٢.

(٦ و ٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٣.

٤٤٧

والثاني : ليس له ذلك بناءً على أنّ المحيل لا يبرأ ، كما أنّ الضامن لا يرجع على المضمون عنه قبل الأداء(١) .

وإذا طالبه المحتال بالأداء ، فله مطالبة المحيل بتخليصه.

وهل له ذلك قبل مطالبة المحتال؟ الأقوى عندي : ذلك.

وللشافعيّة وجهان كالوجهين في مطالبة الضامن(٢) .

ولو أبرأه المحتال ، لم يرجع على المحيل بشي‌ء.

ولو قبضه المحتال ثمّ وهبه منه ، فالأقوى : الرجوع ؛ لأنّه قد غرم عنه ، وإنّما عاد المال إليه بعقدٍ مستأنف.

وللشافعيّة وجهان يُنظر في أحدهما إلى أنّ الغُرْم لم يستقر عليه ، فلم يغرم عنه في الحقيقة شيئاً. وفي الثاني إلى أنّه عاد إليه بتصرّفٍ مبتدأ(٣) .

وهُما مأخوذان من القولين فيما إذا وهبت منه الصداق بعد القبض ثمّ طلّقها قبل الدخول.

ولو ضمن عنه ضامنٌ ، لم يرجع على المحيل حتى يأخذ المحتال المالَ منه أو من ضامنه.

ولو أحال المحتال على غيره ، نُظر إن أحاله على مَنْ عليه دَينٌ ، رجع على محيله بنفس الحوالة ؛ لحصول الأداء بها. وإن أحال على مَنْ لا دَيْن عليه ، لم يرجع عليه الذي أحاله عليه.

مسألة ٦٠٧ : الأقوى عندي أنّه لا يشترط في الدَّيْن المحال به اللزومُ‌

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٣.

٤٤٨

- وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(١) - كما لو أحال بالثمن في مدّة الخيار بأن يحيل المشتري البائعَ على رجلٍ أو يحيل البائع رجلاً على المشتري. ولأنّه صائرٌ إلى اللزوم ، والخيار عارضٌ فيه ، فيعطى حكم اللازم.

والثاني لهم : المنع ؛ لأنّه ليس بلازم(٢) .

وهو مصادرة على المطلوب.

قال بعض الشافعيّة : هذا الخلاف مبنيّ على أنّ الحوالة معاوضة أو استيفاء؟ إن قلنا معاوضة ، فهي كالتصرّف في المبيع في زمان الخيار. وإن قلنا : استيفاء ، فتجوز(٣) .

قالوا : فإن قلنا بالمنع ، ففي انقطاع الخيار وجهان :

أحدهما : أنّه لا ينقطع ؛ لحكمنا ببطلانه ، وتنزيلنا إيّاه منزلة العدم.

والثاني : نعم ؛ لأنّ التصرّف في عوض العقد يتضمّن الرضا بإبطال الخيار(٤) .

وإن قلنا بالجواز ، لم يبطل الخيار عند بعضهم(٥) .

وقال آخَرون : يبطل ؛ لأنّ قضيّة الحوالة اللزوم ، ولو بقي الخيار لما صادفت الحوالة مقتضاها ، وكانت هذه الحوالة كالحوالة على النجوم(٦) .

والأقوى : بقاء الخيار.

مسألة ٦٠٨ : إذا وقعت الحوالة بالثمن المتزلزل بالخيار ثمّ انفسخ البيع‌

____________________

(١ و ٢) الحاوي الكبير ٦ : ٤١٩ ، الوسيط ٣ : ٢٢٢ - ٢٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٩.

(٤ - ٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

٤٤٩

بفسخ صاحب الخيار ، بطل الثمن ، وبطلت الحوالة المترتّبة عليه ، فلو أحال البائع على المشتري بالثمن رجلاً له عليه دَيْنٌ ثمّ فسخ المشتري بالخيار ، بطلت الحوالة ؛ لأنّها فرع البيع ، والبيع قد بطل.

وعندي فيه نظر ؛ لأنّ البيع لم يبطل من أصله ، وإنّما تجدّد له البطلان ، فلا يؤثّر في الحوالة التي جرت منهما.

ولو أحال المشتري البائعَ على غيره ثمّ فسخ البيع بالخيار ، بطلت الحوالة ؛ لترتّبها على البيع ، والبيع قد بطل.

ويُحتمل قويّاً عدم بطلان الحوالة.

وعلى قول الشافعيّة ببطلان الخيار لو أحال المشتري البائعَ على ثالثٍ ، يبطل خيارهما جميعاً ؛ لتراضيهما. ولو أحال البائع رجلاً على المشتري ، لم يبطل خيار المشتري ، إلاّ أن يقبل ويرضى بالحوالة(١) .

مسألة ٦٠٩ : لو أحال زيد على عمرو بكراً بمالٍ فأدّاه عمرو - بعد قبول الثلاثة الحوالة - إلى بكر‌ ، ثمّ جاء عمرو يطالب زيداً بما أدّاه بحوالته إلى بكر ، فادّعى زيد أنّه إنّما أحال بما لَه عليه ، وأنكر عمرو ذلك وأنّه احتال ولا شي‌ء لزيد عليه ، كان القولُ قولَ عمرو ؛ لأصالة براءة ذمّته.

ويُحتمل أن يقال : إن قلنا بصحّة الحوالة على مَنْ لا مال عليه ، كان القولُ قولَ المحال عليه قطعاً. وإن قلنا : إنّها لا تصحّ ، كان القولُ قولَ المحيل ؛ لاعترافهما بالحوالة ، وادّعاء المحال عليه بطلانها ، والأصل الصحّة.

مسألة ٦١٠ : لو أحال السيّد على مكاتَبه بمال النجوم‌ ، فإن كان بعد‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

٤٥٠

حلوله ، صحّ ؛ لثبوته في ذمّة المكاتَب. وإن كان قبل الحلول ، فكذلك على الأقوى.

ويجي‌ء على قول الشيخرحمه‌الله المنع(١) ؛ لأنّ مال الكتابة غير واجبٍ - عنده(٢) - على المكاتَب ؛ إذ له أن يُعجّز نفسه ، فله أن يمتنع من أدائه.

وللشافعيّة وجهان فيما إذا أحال السيّد غيره على مكاتَبه بالنجوم.

أحدهما : الجواز - كما قلناه - لأنّ النجوم دَيْنٌ ثابت على المكاتَب ، فأشبه سائر الديون.

وأصحّهما عندهم : المنع ؛ لأنّ النجوم غير لازمة على المكاتَب ، وله إسقاطها متى شاء ، فلا يمكن إلزامه الدفع إلى المحتال(٣) .

وعلى ما اخترناه - من صحّة الحوالة - لو أعتق السيّد عبده المكاتَب ، بطلت الكتابة ، ولم يسقط عن المكاتَب مال الحوالة ؛ لأنّ المال بقبوله الحوالة صار لازماً له للمحتال ، ولا يضمن السيّد ما يغرمه من مال الحوالة.

ولو كان للسيّد عليه دَيْنُ معاملةٍ غير مال الكتابة ، صحّت الحوالة به قطعاً ؛ لأنّ حكمه حكم الأحرار في المداينات.

وقال بعض الشافعيّة : إنّه مبنيّ على أنّ المكاتَب لو عجّز نفسه ، هل يسقط ذلك الدَّيْن؟ إن قلنا : نعم ، لم تصح الحوالة ، وإلّا صحّت(٤) .

والمعتمد ما قلناه ، وهو قول أكثر الشافعيّة وقول أكثر العامّة(٥) .

ولو أحال المكاتَبُ السيّدَ على إنسانٍ بمال الكتابة ، صحّت الحوالة‌

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٣٢١.

(٢) الخلاف ٦ : ٣٩٣ ، المسألة ١٧ ، المبسوط - للطوسي - ٦ : ٧٣ و ٨٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٩ - ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

(٥) روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤ ، المغني ٥ : ٥٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٧.

٤٥١

عندنا وعند أكثر الشافعيّة وأكثر المانعين من حوالة السيّد عليه بالنجوم(١) ، وتبرأ ذمّة المكاتَب من مال الكتابة ، ويتحرّر ، ويكون ذلك بمنزلة الأداء ، سواء أدّى المحال عليه أو مات مفلساً ؛ لأنّ ما أحاله عليه مستقرّ ، والكتابة لازمة من جهة السيّد ، فمتى أدّى المحال عليه وجب على السيّد القبول أو الإبراء.

وقال بعض الشافعيّة : لا تصحّ هذه الحوالة أيضاً(٢) .

فللشافعيّة إذَنْ ثلاثة أقوال في الجمع بين الصورتين :

أحدها : جواز إحالة المكاتَب بالنجوم ، وإحالة السيّد على النجوم ، وهو قول ابن سريج.

والثاني : منعهما جميعاً.

والثالث : أظهرها عندهم ، وهو : جواز إحالة المكاتَب بها ، ومنع إحالة السيّد عليها(٣) .

ولو أحال السيّد بأكثر مال الكتابة ثمّ أعتقه ، سقط عن المكاتَب الباقي ، ولم تبطل الحوالة.

مسألة ٦١١ : مال الجُعْل في الجُعالة إن استحقّ بالعمل ، صحّت الحوالة به إجماعاً.

وإن لم يشرع في العمل ، فالأقرب : الجواز ؛ لأنّا نجوّز الحوالة على بري‌ء الذمّة.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤ ، المغني ٥ : ٥٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

(٣) الوسيط ٣ : ٢٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠.

٤٥٢

وقياس الشافعيّة أنّه يجي‌ء في الحوالة به وعليه الخلافُ المذكور في الرهن به وفي ضمانه(١) .

وقال بعض الشافعيّة : تجوز الحوالة به وعليه بعد العمل ، لا قبله(٢) .

ولو أحال مَنْ عليه الزكاة الساعيَ على إنسانٍ بالزكاة ، جاز ، سواء قلنا : إنّ الحوالة استيفاء أو اعتياض ؛ لأنّه دَيْنٌ ثابت في الذمّة ، فجازت الحوالة.

وعندنا يجوز دفع قيمة الزكاة عن عينها ، فجاز الاعتياض فيها.

أمّا الشافعيّة فإنّهم منعوا من دفع القيمة في الزكاة ومن الاعتياض عنها(٣) ، فهنا قالوا : إن قلنا : إنّ الحوالة استيفاء ، صحّت الحوالة هنا. وإن قلنا : إنّها اعتياض ، لم تجز ؛ لامتناع أخذ العوض عن الزكاة(٤) .

ولو أحال الفقير المديون صاحبَ دَيْنه بالزكاة على مَنْ وجبت عليه ، لم تصح ؛ لأنّها لم تتعيّن له إلّا بالدفع إليه.

ولو قَبِل مَنْ وجبت عليه ، صحّ ، ولزمه الدفع إلى المحتال.

مسألة ٦١٢ : تجوز الحوالة بكلّ مالٍ لازمٍ ثابتٍ في الذمّة معلومٍ‌ ؛ لأنّها إمّا اعتياض ، فلا تصحّ على المجهول ، كما لا يصحّ بيعه ، وإمّا استيفاء ، وإنّما يمكن استيفاء المعلوم ، أمّا المجهول فلا. ولاشتماله على الغرر.

فلو قال : أحلتك بكلّ ما لك عَلَيَّ ، فقَبِل ، لم تصح.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

(٢) روضة الطالبين ٣ : ٤٦٤.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ١٥٧ ، المجموع ٥ : ٤٢٨ - ٤٢٩ ، و ٦ : ١٣٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٧ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٦٥ ، المغني ٢ : ٦٧١ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢١.

(٤) روضة الطالبين ٣ : ٤٦٥.

٤٥٣

ويحتمل الصحّة ، ويكون على المحال عليه للمحتال كلّ ما تقوم به البيّنة ، كما قلناه في الضمان.

ولا يشترط اتّفاق الدَّيْنين في سبب الوجوب ، فلو كان أحدهما ثمناً والآخَر أُجرةً أو قرضاً أو بدلَ متلفٍ أو أرشَ جنايةٍ وما أشبهه ، جازت الحوالة ، ولا نعلم فيه خلافاً.

مسألة ٦١٣ : تصحّ الحوالة بكلّ دَيْنٍ ثابتٍ في الذمّة‌ ، سواء كان مثليّاً ، كالذهب والفضّة والحبوب والأدهان ، أو من ذوات القِيَم ، كالثياب والحيوان وغيرهما - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(١) - لأنّه حقٌّ لازمٌ ثابتٌ في الذمّة ، فأشبه ما لَه مِثْلٌ.

والثاني : المنع ؛ لأنّ الغرض من الحوالة إيصال الحقّ إلى مستحقّه من غير تفاوتٍ ، وهذا الغرض لا يتحقّق فيما لا مِثْل له ؛ لأنّ المثل لا يتحرّز(٢) ، ولهذا لا يضمن بمثله في الإتلاف(٣) .

والأوّل أصحّ. والوصول إلى الحقّ قد يكون بالمثل ، وقد يكون بالقيمة ، وكما يجوز إبراء المديون منه بالأداء ، كذا المحال عليه.

ولو كان المال ممّا لا يصحّ السَّلَم فيه ، ففي جواز الحوالة به إشكال أقربه : الجواز ؛ لأنّ الواجب في الذمّة حينئذٍ القيمة ، وتلك العين لا تثبت في الذمّة ، فلا تقع الحوالة بها ولا بمثلها ؛ لعدمه ، بل بالقيمة.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٤ ، حلية العلماء ٥ : ٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٥.

(٢) في النسخ الخطّيّة : « لا يتحرّر » بالراءين المهملتين.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٤ ، حلية العلماء ٥ : ٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٥.

٤٥٤

ولو كان عليه خمس من الإبل أرش الموضحة مثلاً ، وله على آخَر مثلها ، فأحاله بها ، فالأقرب : الصحّة ؛ لأنّها تنحصر بأقلّ ما يقع عليه الاسم في السنّ والقيمة وسائر الصفات ، وهو أحد قولَي الشافعي(١) .

والثاني : لا تجوز ؛ لأنّ صفاتها مجهولة(٢) .

وهو ممنوع.

وقال بعض الشافعيّة : إذا أحال بإبل الدية وعليها وفرّعنا على جواز الحوالة في المتقوّمات ، فوجهان أو قولان مبنيّان على جواز المصالحة والاعتياض عنها.

والأصحّ عندهم : المنع ؛ للجهل بصفاتها(٣) .

ولو كان الحيوان صداقاً ودخل بها ، جازت الحوالة عند بعض الشافعيّة ؛ لأنّه لا يكون مجهولاً(٤) .

ومَنَعه بعضهم ؛ لأنّه لا تجوز المعاوضة معها(٥) .

النظر الرابع : في تساوي الجنسين.

مسألة ٦١٤ : من مشاهير الفقهاء(٦) وجوب تساوي الدَّيْنين‌ - أعني الدَّيْن الذي للمحتال على المحيل ، والذي للمحيل على المحال عليه - جنساً ووصفاً ، فلو كان له دنانير على شخصٍ فأحال عليه بدراهم ، لم تصحّ ؛ لأنّ الحوالة إن جعلناها استيفاءً ، فلأنّ مستحقّ الدراهم إذا‌

____________________

(١ و ٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٢ ، ولاحظ : حلية العلماء ٥ : ٣٣.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٥.

(٤ و ٥) راجع : التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٦٢.

(٦) بداية المجتهد ٢ : ٣٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٦ ، المغني ٥ : ٥٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٩.

٤٥٥

استوفاها وأقرضها فمحال أن ينتقل حقّه إلى الدنانير.

وإن جعلناها معاوضةً ، فلأنّها وإن كانت معاوضةً فليست هي على حقيقة المعاوضات التي يقصد بها تحصيل ما ليس بحاصل من جنس مالٍ أو زيادة قدرٍ أو صفة ، وإنّما هي معاوضة إرفاقٍ ومسامحة للحاجة ، فاشترط فيها التجانس والتساوي في القدر والصفة ؛ لئلّا يتسلّط على المحال عليه ، كما في القرض.

ولأنّا نجبر المحال عليه عند مَنْ لا يشترط رضاه ، ولا يمكن إجباره مع الاختلاف.

ولأنّ الحوالة لا يُطلب بها الفضل ، ولهذا جازت دَيْناً بدَيْن ، ألا ترى أنّه لا يجوز بيع الدَّيْن بالدَّيْن ، فلو جوّزنا الإحالة مع الاختلاف في الجنس أو الوصف ، لكان بيعَ الدَّيْن بالدَّيْن.

ومع هذا فقد قال المشترطون للتساوي : إنّه تصحّ الحوالة على مَنْ لا دَيْن عليه ، والأحرى جواز الإحالة على مَنْ عليه دَيْن مخالف. لكنّ الغرض بقولهم : « إذا تغاير الدَّيْنان جنساً أو وصفاً أو قدراً ، لم تصحّ الحوالة » أنّ الحقّ لا يتحوّل بها من الدنانير إلى الدراهم وبالعكس ، لكنّها إذا جرت فهي حوالة على مَنْ لا دَيْن له عليه ، وحكمه ما تقدّم(١) .

مسألة ٦١٥ : لو كان عليه إبل من الدية وله على آخَر مثلها قرضاً ، فأحاله صاحب القرض على المقترض بإبل الدية‌ ، فإن قلنا : يردّ في القرض مثلها ، صحّت الحوالة ؛ لأنّه يمكن استيفاء الحقّ على صفته من المحال عليه. ولأنّ الخيرة في التسليم إلى مَنْ عليه الدَّيْن ، وقد رضي بتسليم ما لَه‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٦.

٤٥٦

في ذمّة المقترض ، وهو مثل الحقّ ، فكانت الحوالة صحيحةً.

وإن قلنا : إنّه يردّ في القرض القيمة ، لم تصحّ الحوالة ؛ لاختلاف الجنس.

وكذا ما يثبت في الذمّة قيمته في القرض - كالجواهر واللآلئ وغيرهما ممّا لا يصحّ السَّلَم فيه - لا تصحّ الحوالة به.

ولو احتال المقرض بإبل الدية ، لم تصح ؛ لأنّا إن قلنا : تجب القيمة في القرض ، فقد اختلف الجنس. وإن قلنا : يجب المثل ، فللمقرض مثل ما أقرض في صفاته ، والذي عليه الدية لا يلزمه ذلك.

مسألة ٦١٦ : يجب تساوي الدَّيْنين في القدر‌ ، فلا يحال بخمسة على عشرة ، ولا بعشرة على خمسة ؛ لما قلنا من أنّ هذا العقد للإرفاق ، ولإيصال كلّ حقٍّ إلى مستحقّه ، ولم يوضع لتحصيل زيادة أو حطّ شي‌ء.

والمراد بذلك وقوع المعاوضة بالقليل عن الكثير وبالعكس ، وإلّا فلو كان له عشرة فأحال بخمسة منها ، أو كان له خمسة فأحال بها وبخمسةٍ أُخرى ، فإنّه تصحّ.

وللشافعيّة وجهٌ في الإحالة بالقليل على الكثير : أنّها جائزة ، وكأنّ المحيل تبرّع بالزيادة(١) .

وقال أبو العباس ابن سريج : الحوالة بيع إلّا أنّه غير مبنيّ على المكايسة والمغابنة وطلب الربح والفضل ، بل جُعل رفقاً ، كالقرض ، وإن كان نوعَ معاوضةٍ ، فلا تجوز إلّا مع اتّفاق الجنس جنساً وقدراً وصفةً ، وقد قال الشافعي في كتاب البيوع في باب الطعام قبل أن يستوفى : وإن حلّ عليه‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٦.

٤٥٧

طعام فأحال به على رجل له عليه طعام أسلفه إيّاه ، لم تجز من قِبَل أنّ هذا الطعام لـمّا لم يجز بيعه لم تجز الحوالة به ؛ لأنّه بيع ، وهذا نصٌّ منه(١) .

وقيل : ليست بيعاً(٢) - وهو ما اخترناه نحن أوّلاً - لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ندب إليها ، فقال : « مَنْ أُحيل على ملي‌ء فليحتل »(٣) . ولأنّها لا تصحّ بلفظ البيع ، ولا تجوز الزيادة فيها ولا النقصان ، ولما جازت في النقود إلّا مع التقابض في المجلس ، إلّا أنّ هذا القائل لا يجوّز الحوالة بالـمُسْلَم فيه ، وهذا تشمير(٤) لقول مَنْ قال : إنّه بيع.

لا يقال : لو كان بيعاً ، لكان على المحيل تسليمه إلى المحال عليه ؛ لأنّه عوض من جهته ، كما إذا باع شيئاً في يد غيره ، فإنّه يطالبهما به المشتري.

لأنّا نقول : أجاب مَنْ قال : « إنّه بيع » : بأنّه لـمّا استحقّ مطالبة المحال عليه به لم يستحقّ مطالبة المحيل ؛ لأنّه لو استحقّ مطالبتهما ، لكان قد حصل له بالحوالة زيادة في حقّ المطالبة ، وقد ثبت أنّ الحوالة مبنيّة على أنّه لا يستحقّ بها إلّا مثل ما كان يستحقّه ، بخلاف البيع ؛ لأنّه تجوز فيه الزيادة.

وفائدة الاختلاف : ثبوت خيار المجلس إن قلنا : إنّها بيع.

والحقّ ما تقدّم ، والاعتذار باطل ؛ لأنّ تخلّف لازم البيع يقضي بانتفائه.

____________________

(١) انظر : الحاوي الكبير ٦ : ٤١٩ ، والعزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٦ ، وراجع : الأُم ٣ : ٧٣.

(٢) انظر : الحاوي الكبير ٦ : ٤١٩ ، والعزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٦.

(٣) المصنّف - لابن أبي شيبة - ٧ : ٧٩ / ٢٤٤٥.

(٤) التشمير : التقليص والإرسال. لسان العرب ٤ : ٤٢٨ « شمر ».

٤٥٨

مسألة ٦١٧ : الأقرب : أنّه لا يشترط تساوي المالَيْن في الحلول والتأجيل‌ ، فيجوز أن يحيل بالمؤجَّل على الحالّ ؛ لأنّ للمحيل أن يُعجّل ما عليه ، فإذا أحال به على الحالّ فقد عجّل.

وكذا يجوز أن يحيل بالحالّ على المؤجَّل.

ثمّ إن رضي المحال عليه بالدفع معجَّلاً ، جاز ، وإلاّ لم يجز ، ووجب على المحتال الصبر ، كما لو احتال مؤجّلاً.

وللشافعيّة قولان :

أصحّهما عندهم : أنّه يشترط التساوي في الحلول والتأجيل ؛ إلحاقاً للوصف بالقدر.

والثاني : أنّه يجوز أن يحيل بالمؤجَّل على الحالّ ؛ لأنّه تعجيل ، ولا يجوز العكس ؛ لأنّ حقّ المحتال حالٌّ ، وتأجيل الحالّ لا يلزم(١) .

ونحن نمنع عدم اللزوم مطلقاً ، بل إذا تبرّع به ، لم يلزم ، أمّا إذا شرطه في عقدٍ لازم ، فإنّه يلزم ، والحوالة عقد لازم ، والمحيل إنّما أحال بالمؤجَّل ، والمحال عليه إنّما قَبِل على ذلك ، فلم يكن للمحتال الطلبُ معجَّلاً.

فروع :

أ - لو كان الدَّيْنان مؤجَّلين ، فإن تساويا في الأجل ، صحّت الحوالة قطعاً.

وإن اختلفا ، صحّت عندنا أيضاً.

وللشافعيّة وجهان بناءً على الوجهين في الحالّ والمؤجَّل ، فإن منعناه هناك ، منعناه هنا. وإن جوّزناه هناك ، جاز هنا على حدّ ما جاز هناك على معنى أنّه يجوز أن يحال بالأبعد على الأقرب ؛ لأنّه تعجيل ، ولا يجوز‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٦.

٤٥٩

العكس ؛ لأنّه تأجيل الحالّ(١) .

ب - لو كان أحدهما صحيحاً والآخَر مكسَّراً‌ ، قالت الشافعيّة : لم تجز الحوالة بينهما على الوجه الأوّل ، وعلى الثاني يحال بالمكسَّر على الصحيح ، ويكون المحيل متبرّعاً بصفة الصحّة ، ولا يحال بالصحيح على المكسَّر ، إلَّا إذا كان المحتال تاركاً لصفة الصحّة ، ويرضى بالمكسَّرة رشوةً ليحيله المحيل.

ج - يُخرّج على هذا الخلاف عندهم حوالة الأردأ على الأجود في كلّ جنسٍ ، وبالعكس‌(٢) .

والأقرب عندي : جواز ذلك كلّه.

د - لو أدّى المحال عليه الأجود إلى المحتال ، وجب القبول‌. وكذا الصحيح عوض المكسَّر.

أمّا تعجيل المؤجَّل فلا يُجبر عليه ، خلافاً للشافعيّة ، فإنّهم أوجبوه(٣) ، حيث يجبر المستحقّ على القبول(٤) .

وهذا يتفرّع على الصحيح في أنّ المديون إذا جاء بأجود ممّا عليه من ذلك النوع ، يُجبر المستحقّ على قبوله ، ولا يكون ذلك معاوضةً؟(٥) .

ه- لو كان الدَّيْنان حالَّيْن فشرط في الحوالة أنّ المحتال يقبض حقّه أو بعضه بعد شهرٍ ، صحّ عندنا‌ - خلافاً لأحمد(٦) - لعموم قولهعليه‌السلام :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣١ - ١٣٢.

(٣) في النسخ الخطّيّة : « جوّزوه » بدل « أوجبوه ».

(٤ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٣٢.

(٦) المغني ٥ : ٥٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٩.

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

الآيات

( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً (١٦٧) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً (١٦٨) إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً (١٦٩) )

التّفسير

جرى البحث في الآيات السابقة حول المؤمنين وغير المؤمنين ، أمّا الآيات الثلاثة الأخيرة فهي تشير إلى مجموعة اختارت أقبح أنواع الكفر ، فهؤلاء ـ بالإضافة ـ إلى انحرافهم وضلالهم سعوا إلى تحريف وإضلال الآخرين ، وقد ظلموا أنفسهم بفعلهم هذا وظلموا الآخرين معهم لأنهم لم يسيروا في طريق الحق ولم يسمحوا للآخرين ـ أيضا ـ باتّباع هذا السبيل ، والآية الكريمة تصف هؤلاء بأنّهم في ضلال بعيد وذلك بقولها :( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً ) .

فلما ذا ـ يا ترى ـ استحق هؤلاء الإبعاد عن طريق الحق؟ إنّهم استحقوا ذلك لدعوتهم الآخرين إلى طريق الضلال ، حيث من المستبعد جدّا أن يتخلوا عن طريق هم يدعون الآخرين لاتّباعه ـ فقط خلط هؤلاء كفرهم بالعناد ، ووضعوا

٥٤١

أقدامهم في طريق الضلال والانحراف ، وابتعدوا بذلك كثيرا عن طريق الحق والصواب.

أمّا الآية الأخرى فتشير إلى الذين كفروا وظلموا ، إذ ظلموا الحق أوّلا لعدم التزامهم بالصواب ، كما ظلموا أنفسهم بذلك ـ أيضا ـ إذ حرموها من السعادة وسقطوا في هوة الضلالة ، وظلموا الآخرين حين منعوهم من التوجه إلى طريق الحق والصواب ، فهؤلاء لن يشملهم أبدا عفو الله ، وإن الله لا يهديهم أبدا إلّا إلى طريق جهنم ، تقول الآية :( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ ) .

فهؤلاء باقون وخالدون في جهنم دائما وأبدا ، كما تقول الآية :( خالِدِينَ فِيها أَبَداً ) .

وعلى هؤلاء أن يعلموا أنّ وعد الله حق ، وأن تهديده يتحقق لا محالة ، فليس ذلك على الله بالأمر الصعب تقول الآية :( وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً ) .

ونشاهد في الآيتين المذكورتين تأكيدا من طراز خاص حول هذا النوع من الكفار والعقوبات التي ينالونها ـ فمن جهة يوصف انحرافهم بالضلال البعيد ، ومن جهة ثانية تؤكد الآية باستخدام عبارة( لَمْ يَكُنِ اللهُ ) أنّ العفو عن هؤلاء الكفار لا يليق بمنزلة الله سبحانه وتعالى ، ومن جانب آخر فقد جاء التأكيد على خلود هؤلاء في النار والتشديد على أنّه خلود أبدي ، لأنّ هؤلاء وأمثالهم بالإضافة إلى خروجهم عن جادة الحق وانحرافهم،سعوا إلى إبعاد وحرف الآخرين عن هذا السبيل ، وبذلك تحملوا مسئولية وإثما عظيما.

* * *

٥٤٢

الآية

( يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٧٠) )

التّفسير

لقد أوضحت الآيات السابقة نهاية وعاقبة الناس الذين انعدم لديهم عنصر الإيمان،أمّا الآية الأخيرة فهي تدعو إلى الإيمان وتبيّن نتيجة هذا الإيمان ، وتستخدم في ترغيب الناس إلى هذا الهدف السامي عبارات واصطلاحات تثير عند الأفراد الرغبة والاندفاع نحو الإيمان.

وهذه الآية تشير في البداية إلى أنّ النّبي المرسل هو ذلك الذي كان ينتظر الناس ظهوره ، والذي أشارت إليه الكتب السماوية السابقة ، وهو يحمل إليهم شريعة الحق والعدالة فتقول الآية في هذا المجال :( يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ (١) بِالْحَقِ ) (٢) .

__________________

(١) يبدو من سياق الآية أنّ حرفي «ال» الداخلة على كلمة «رسول» هما «ال» العهدية ، وفيها إشارة إلى النّبي الذي كانوا ينتظرون قدومه ، ولم يقتصر هذا الانتظار على اليهود والنصارى وحدهم ، بل أنّ المشركين ـ أيضا ـ كانوا يتوقعون ـ لما سمعوه من أهل الكتاب ـ ظهور النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

(٢) لقد فسّرت بعض الروايات الواردة عن أهل البيتعليهم‌السلام كلمة «الحق» الواردة في الآية إشارة إلى ولاية علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وقد بيّنا سابقا إن مثل هذه التفاسير واضحة في بيان المصاديق ، وهي لا تدل على الحصر.

٥٤٣

ثمّ تردف الآية بأن هذا النّبي قد جاء إلى الناس من الله الذي تعهد تربية الخلق أجمعين، وذلك من خلال العبارة القرآنية الواردة في هذه الآية ، وهي عبارة :( مِنْ رَبِّكُمْ ) .

وبعد ذلك تؤكّد الآية ـ على أنّ إيمان الأفراد إنّما تعود فائدته ويعود نفعه عليهم أنفسهم ، أي أن الإنسان إذا آمن إنما يخدم نفسه بهذا الإيمان قبل أن يخدم به غيره تقول الآية :( فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ ) .

كما تؤكّد الآية في النهاية على أن من يتخذ الكفر سبيلا لنفسه فلن يضرّ الله بعمله هذا أبدا ، لأن الله يملك كل ما في السماوات وما في الأرض ، فهو بهذا لا يحتاج إلى أي شيء من الآخرين ، تقول الآية في هذا الصدد :( وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) .

وتبيّن الآية في النهاية أنّ أحكام الله وأوامره كلّها لمصلحة البشر ، لأنّها نابعة من حكمة الله وعلمه وهي قائمة على أساس تحقيق مصالح الناس ، ومنافعهم الخيّرة ، فتقول الآية :( وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً ) .

ومن المنطلق نفسه فإنّ ما أرسله الله من شرائع لتنظيم الحياة الاجتماعية للبشر بواسطة الأنبياءعليهم‌السلام ، لم يكن ـ مطلقا ـ لحاجة الله إلى ذلك ، بل إنّه نابع من علمه وحكمته ، فهل يحق للبشر بعد هذا البيان أن يتركوا طريق الإيمان ويتبعوا سبيل الكفر؟

* * *

٥٤٤

الآية

( يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً (١٧١) )

التّفسير

اسطورة التثليث الوهمية :

تتطرق هذه الآية والآية التي تليها إلى واحد من أهم انحرافات الطائفة المسيحية ، وهذا الانحراف هو اعتقاد المسيحيين بالتثليث ، أي وجود آلهة ثلاثة ويأتي التطرق إلى هذا البحث في سياق البحوث القرآنية التي وردت في الآيات السابقة عن أهل الكتاب والكفار.

فهذه الآية تحذر في البداية أهل الكتاب من المغالاة والتطرف في دينهم ، وتدعوهم أن لا يقولوا على الله غير الحق ، حيث تقول :( يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ ) .

لقد كانت قضية الغلو في حق القادة السابقين إحدى أخطر منابع الانحراف

٥٤٥

في الأديان السماوية ، فالإنسان بما أنّه يميل إلى ذاته يندفع بهذا الميل إلى إظهار زعمائه وقادته بصورة أكبر ممّا هم عليه ، لكي يضفي على نفسه الأهمية والعظمة من خلال هؤلاء القادة ، وقد يدفع الإنسان التصور الواهي بأن الإيمان هو المبالغة والغلو في احترام وتعظيم القادة ـ إلى الوقوع في متاهات هذا النوع من الانحراف الرهيب.

والغلو في أصله ينطوي على عيب كبير يفسد العنصر الأساسي للدين ـ الذي هو عبادة الله وتوحيده ـ ولهذا السبب فقد عامل الإسلام الغلاة أو المغالين بعنف وشدّة ، إذ عرفت كتب الفقه والعقائد هذه الفئة من الناس بأنّهم أشد كفرا من الآخرين.

بعد ذلك تشير الآية الكريمة إلى عدّة نقاط ، يعتبر كل واحد منها في حدّ ذاته دليلا على بطلان قضية التثليث ، وعدم صحة الوهية المسيحعليه‌السلام ، وهذه النقاط هي :

١ ـ لقد حصرت الآية بنوة السيد المسيحعليه‌السلام بمريمعليها‌السلام ( إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ) ، وإشارة البنوة ـ هذه الواردة في ستة عشر مكانا من القرآن الكريم ـ إنّما تؤكّد أنّ المسيحعليه‌السلام هو إنسان كسائر الناس ، خلق في بطن امّه ، ومرّ بدور الجنين في ذلك الرحم ، وفتح عينيه على الدنيا حين ولد من بطن مريمعليها‌السلام كما يولد أفراد البشر من بطون أمهاتهم ومرّ بفترة الرضاعة وتربى في حجر امّه ، ممّا يثبت بأنّه امتلك كل صفات البشر فكيف يمكن ـ وحالة المسيحعليه‌السلام هذه ـ أن يكون إلها أزليا أبديا ، وهو في وجوده محكوم بالظواهر والقوانين المادية الطبيعية ويتأثر بالتحولات الجارية في عالم الوجود؟!

وعبارة الحصر التي هي «إنّما» الواردة في الآية تحصر بنوة المسيحعليه‌السلام بمريمعليها‌السلام وتؤكّد على أنّه وإن لم يكن له والد ، فليس معنى ذلك أن أباه هو الله ، بل هو فقط ابن مريمعليها‌السلام .

٥٤٦

٢ ـ تؤكّد الآية الكريمة أنّ المسيحعليه‌السلام هو رسول الله ومبعوث إلى البشر من قبله سبحانه وتعالى ، وإن هذه المنزلة ـ أي منزلة النّبوة ـ لا تتناسب ومقام الألوهية.

والجدير بالذكر هو أنّ معظم كلام المسيحعليه‌السلام الوارد قسم منه في الأناجيل المتداولة في الوقت الحاضر ، إنّما يؤكّد نبوته وبعثته لهداية الناس ، وليس فيه دلالة على ادعائه الألوهية والربوبية.

٣ ـ تبيّن الآية أن عيسى المسيحعليه‌السلام هو كلمة الله التي ألقاها إلى مريمعليها‌السلام حيث تقول :( وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ ) .

وقد وردت عبارة : «كلمة» في وصف المسيح في عدد من الآيات القرآنية ، وهذه إشارة إلى كون المسيح مخلوقا بشريا ، إذ أن الكلمات مخلوقة من قبل الله ، كما أنّ الموجودات في الكون من مخلوقاتهعزوجل ، فكما أن الكلمات تبيّن مكنونات أنفسنا ـ نحن البشر ـ وتدل على صفاتنا وأخلاقياتنا ، فإنّ مخلوقات الكون تحكي صفات خالقها وجماله وتدل على جلاله وعظمته.

وعلى هذا الأساس فقد وردت عبارة «كلمة» في عدد من العبارات القرآنية، لتشمل جميع مخلوقات الله ، كما في الآية (١٠٩) من سورة الكهف والآية (٢٩) من سورة لقمان،وبديهي أنّ الكلمات الإلهية تتفاوت بعضها مع البعض في المنزلة والأهمية وعيسىعليه‌السلام يعتبر إحدى كلمات الله البارزة الأهمية ، لكونه ولد من غير أب ، إضافة إلى كونه يتمتع بمقام الرسالة الإلهية.

٤ ـ تشير الآية إلى أنّ عيسى المسيحعليه‌السلام هو روح مخلوقة من قبل الله ، حيث تقول( وَرُوحٌ مِنْهُ ) وهذه العبارة التي وردت في شأن خلق آدم ـ أو بعبارة أخرى خلق البشر أجمعين ـ في القرآن الكريم ، إنما تدل على عظمة تلك الروح التي خلقها الله تعالى وأودعها في أفراد البشر بصورة عامّة ، وفي المسيحعليه‌السلام وسائر الأنبياء بصورة خاصّة.

٥٤٧

وعلى الرغم من أنّ البعض أساء الاستفادة من هذه العبارة وفسّرها بأنّ المسيحعليه‌السلام هو جزء من الله سبحانه وتعالى ، مستندا إلى عبارة «منه» ولكن الواضح في مثل هذه الحالات أن كلمة «من» ليست للتبعيض ، بل تدل على مصدر ومنشأ وأصل وجود الشيء.

وهناك طرفة تاريخية تذكر أنّه كان لهارون الرشيد طبيب نصراني ، دخل يوما في نقاش مع «علي بن الحسين الواقدي» وهو أحد المفكرين الإسلاميين في ذلك العصر ، فقال له هذا الطبيب : «توجد في كتابكم السماوي آية تبيّن أنّ المسيحعليه‌السلام هو جزء من الله ...» وتلا هذا النصراني الآية موضوع البحث ، فرد عليه «الواقدي» مباشرة تاليا هذه الآية :( وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ ) (١) ، وأضاف مبيّنا أنّ كلمة «من» لو كانت تفيد التبعيض ، لاقتضى ذلك أن تكون جميع موجودات السماء والأرض ـ بناء على هذه الآية ـ جزءا من الله ، فلما سمع الطبيب النصراني كلام الواقدي أسلم في الحال ، وسر إسلامه هارون الرشيد فكافأ الواقدي بجائزة مناسبة(٢) .

إنّ ما يثير العجب ـ إضافة إلى ما ذكر ـ هو أنّ المسيحيين يرون ولادة المسيح من أمّ دون أب دليلا على ألوهيته ، وهم ينسون في هذا المجال أن آدمعليه‌السلام كان قد ولد من غير أب ، ولا أم ، ولم ير أحد هذه الخصيصة الموجودة في آدم دليلا على ربوبيته.

بعد ذلك تؤكّد الآية على ضرورة الإيمان بالله الواحد الأحد وبأنبيائه ، ونبذ عقيدة التثليث ، مبشرة المؤمنين بأنّهم إن نبذوا هذه العقيدة فسيكون ذلك خيرا لهم حيث قالت الآية :( فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ ) .

__________________

(١) الجاثية ، ١٣.

(٢) تفسير المنار ، الجزء السادس ، ص ٨٤.

٥٤٨

وتعيد الآية التأكيد على وحدانية الله قائلة :( إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ ) وهي تخاطب المسيحيين لأنّهم حين يدعون التثليث يقبلون ـ أيضا ـ بوحدانية الله ، فلو كان لله ولد لوجب أن يكون شبيهه ، وهذه حالة تناقض أساس الوحدانية.

فكيف ـ إذن ـ يمكن أن يكون لله ولد ، وهو منزّه من نقص الحاجة إلى زوجة أو ولد،كما هو منزّه من نقائص التجسيم وأعراضه؟ تقول الآية :( سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ) والله هو مالك كل ما في السموات وما في الأرض والموجودات كلها مخلوقاته وهو خالقها جميعا ، والمسيحعليه‌السلام ـ أيضا ـ واحد من خلق الله ، فكيف يمكن الادعاء بهذا الاستثناء فيه؟ وهل يمكن المملوك والمخلوق أن يكون ابنا للمالك والخالق؟! حيث تؤكد الآية:( لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ) والله هو المدبر والحافظ والرازق والراعي لمخلوقاته ، تقول الآية :( وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً ) .

والحقيقة هي أنّ الله الأزلي الأبدي الذي يرعى جميع الموجودات منذ الأزل إلى الأبد لا يحتاج مطلقا إلى ولد ، فهل هو كسائر الناس لكي يحتاج إلى ولد يخلفه من بعد الموت؟

عقيدة التثليث أكبر خرافة مسيحية :

ليس في الانحرافات التي تورط بها العالم المسيحي أكبر من انحراف عقيدة التثليث، لأنّ المسيحيين يعتقدون صراحة بالثالوث الإلهي ، وهم في نفس الوقت يصرحون بأن الله واحد!أي أنّهم يرون الحقيقة في التثليث والتوحيد في أن واحد.

وقد خلقت هذه القضية ـ التي لها حدان متناقضان ـ مشكلة كبيرة للمفكرين والباحثين المسيحيين.

فلو كان المسيحيون مستعدين لقبول مسألة التوحيد بأنّها «مجازية» وقبول

٥٤٩

مسألة التثليث بأنّها مسألة حقيقية أو قبول العكس ، لأمكن تبرير هذا الأمر ، ولكنهم يرون الحقيقة في الجمع بين هذين المتناقضين ، فيقولون أن الثلاثة واحد كما يقولون أن الواحد ثلاثة في نفس الوقت.

وما يلاحظ من ادعاء في الكتابات التبشيرية الأخيرة للمسيحيين ، والتي توزع للناس الجهلاء ، من أن التثليث شيء مجازي ، إنّما هو كلام مشوب بالرياء ولا يتلاءم مطلقا مع المصادر الأساسية للمسيحية ، كما لا يتفق مع الآراء والمعتقدات الحقيقية للمفكرين المسيحيين.

ويواجه المسيحيون ـ هنا ـ قضية لا تتفق مع العقل فالمعادلة التي افترضوا فيها أن١= ٣ لا يقبلها حتى الأطفال الذين هم في مرحلة الدراسة الابتدائية.

ولهذا السبب ادعوا أنّ هذه القضية لا تقاس بمقياس العقل ، وطلبوا الإذعان بها عبر ما سمّوه بالرؤية التعبدية القلبية.

وكان هذا التناقض منشأ للتباعد الحاصل لديهم بين الدين والعقل ، وسببا لجر الدين إلى متاهات خطيرة ، الأمر الذي اضطرهم إلى القول بأن الدين ليس له صلة بالعقل ، أو ليس فيه الطابع العقلاني ، وأنّه ذو طابع تعبدي محض.

وهذا هو أساس التناقض بين الدين والعلم في منطق المسيحية ، فالعلم يحكم بأنّ الثلاثة لا تساوي الواحد ، والمسيحية المعاصرة تصر على أنّهما متساويان! ويجب الالتفات ـ هنا ـ إلى عدّة نقاط حول هذا الإعتقاد المسيحي :

١ ـ لم يشر أي من الأناجيل المتداولة في الوقت الحاضر إلى مسألة التثليث لذلك يعتقد الباحثون المسيحيون أنّ مصدر التثليث في الأناجيل خفي وغير بارز ، وفي هذا المجال يقول الباحث الأمريكي المستر هاكس : «إنّ قضية التثليث تعتبر في العهدين القديم والجديد خفية وغير واضحة ، (القاموس المقدس ، ص ٣٤٥ ، طبعة بيروت).

٥٥٠

وذكر المؤرّخون أنّ قضية التثليث قد برزت بعد القرن الثّالث الميلادي لدى المسيحيين وإن منشأ هذه البدعة كان الغلو من جانب ، واختلاط المسيحيين بالأقوام الأخرى من جانب آخر.

ويرى البعض احتمال أن يكون مصدر التثليث عند المسيحيين واردا من عقيدة الثالوث الهندي ، أي عبادة الهنود للآلهة الثلاثة(١) .

٢ ـ إنّ قضية التثليث القائلة بأن الثلاثة واحد تعتبر أمرا غير معقول أبدا ، ويرفضها العقل بالبداهة ، والشيء الذي نعرفه هو أن الدين لا يمكنه أن يكون منفصلا عن العقل والعلم ، فالعلم الحقيقي والدين الواقعي كلاهما متفقان ومتناسقان دائما ـ ولا يمكن القول بأن الدين أمر تعبدي محض ـ لأننا لو أزحنا العقل جانبا عند قبول مبادئ الدين وأذعنا للعبادة العمياء الصماء ، فلا يبقى لدينا ما نميز به بين الأديان المختلفة.

وفي هذه الحالة ، أي دليل يوجب على الإنسان أن يعبد الله ولا يعبد الأصنام؟ وأي دليل يدعو المسيحيين إلى التبشير لدينهم لا للأديان الأخرى؟

ومن هذا المنطلق فإن الخصائص التي يراها المسيحيون لدينهم ويصرّون على دعوة الناس للقبول بها ، هي بحدّ ذاتها دليل على أن الدين يجب أن يعرف بمنطق العقل ، وهذا يناقض دعواهم حول قضية التثليث التي يرون فيها انفصال الدين عن العقل.

وليس هناك كلام يستطيع تحطيم الدين أشد وأقبح من أن يقال : إن الدين لا يمتلك طابعا عقلانيا ومنطقيا ، وأنّه ذو طابع تعبدي محض! ٣ ـ إنّ الأدلة العديدة التي يستشهد بها ـ في مجال إثبات التوحيد ، ووحدانية الذات الإلهية ـ ترفض كل أنواع التثنية أو التثليث ـ فالله سبحانه وتعالى هو وجود مطلق لا يحد بالجهات ، وهو أزلي أبدي لا حدود لعلمه ولقدرته ولقوته.

__________________

(١) انظر دائرة المعارف للقرن العشرين (لفريد وجدي) في مادة (ثالوث)

٥٥١

وبديهي أنّه لا يمكن تصور التثنية في اللامتناهي ، لأنّ فرض وجود لا متناهيين يجعل من هذين الإثنين متناهيين ومحدودين ، لأن وجود الأوّل يفتقر إلى قدرة وقوة ووجود الثّاني كما أن وجود الثّاني يفتقر إلى وجود وخصائص الأوّل ، وعلى هذا الأساس فإن كلا الوجودين محدودان.

وبعبارة أخرى : إنّنا لو افترضنا وجود لا متناهيين من جميع الجهات ، فلا بدّ حين يصل اللامتناهي الأوّل إلى تخوم اللامتناهي الثّاني ينتهي إلى هذا الحد كما أن اللامتناهي الثّاني حين يصل إلى حد اللامتناهي الأوّل ينتهي هو أيضا ، وعلى هذا الأساس فإن كليهما يكونان محدودين ولا تنطبق صفة اللامتناهي على أي منهما ، بل هما متناهيان محدودان،والنتيجة هي أن ذات الله ـ الذي هو وجود لا متناه ـ لا يمكن أن تقبل التعدد أبدا.

وهكذا فإنّنا لو اعتقدنا بأن الذات الإلهية تتكون من الأقانيم الثلاثة ، لا يستلزم أن يكون كل من هذه الأقانيم محدودا ، ولا تصح فيه صفة اللامحدود واللامتناهي ، وكذلك فإن أي مركب في تكوينه يكون محتاجا إلى أجزائه التي تكونه ، فوجود المركب يكون معلولا لوجود أجزائه.

وإذا افتراضنا التركيب في ذات الله لزم أن تكون هذه الذات محتاجه أو معلولة لعلّة سابقة في حين إنّنا نعرف أنّ الله غير محتاج ، وهو العلّة الأولى لعالم الوجود ، وعلّة العلل كلها منذ الأزل وإلى الأبد.

٤ ـ بالإضافة إلى كل ما ذكر ، كيف يمكن للذات الإلهية أن تتجسد في هيكل إنساني لتصبح محتاجة إلى الجسم والمكان والغذاء واللباس وأمثالها؟

إنّ فرض الحدود لله الأزلي الأبدي ، أو تجسيده في هيكل إنسان ووضعه جنينا في رحم أمّ ، يعتبر من أقبح التهم التي تلصق بذات الله المقدسة المنزهة عن كل النقائص ، كما أنّ افتراض وجود الابن لله ـ وهو يستلزم عوارض التجسيم المختلفة ـ إنما هو افتراض غير منطقي وبعيد عن العقل بعدا مطلقا.

٥٥٢

بدليل أنّ أي إنسان لم ينشأ في محيط مسيحي ولم يتربّ منذ طفولته على هذه التعليمات الوهمية الخاطئة عند ما يسمع هذه التعابير المنافية للفطرة الإنسانية والمخالفة لما يحكم به العقل البشري ، يشعر بالسخط والاشمئزاز ، وإذا كان المسيحيون أنفسهم لا يرون بأسا في كلمات مثل «الله الأب» و «الله الابن» فما ذلك إلّا لأنّهم جبلوا على هذه التعاليم الخاطئة منذ نعومة أظفارهم.

٥ ـ لوحظ في السنين الأخيرة أنّ جماعة من المبشرين المسيحيين يلجؤون إلى أمثلة سفسطائية من أجل خداع الجهلاء من الناس في قبول قضية التثليث.

من هذه الأمثلة قولهم أن اجتماع التوحيد والتثليث معا يمكن تشبيهه بقرص الشمس والنور والحرارة النابعتين من هذا القرص ، حيث أنّها ثلاثة أشياء في شيء واحد.

أو تشبيههم ذلك بانعكاس صورة إنسان في ثلاث مرايا في آن واحد ، فهذا الإنسان مع كونه واحدا إلّا أنّه يظهر وكأنّه ثلاثة في المرايا الثلاث.

كما يشبهون التثليث بالمثلث الذي له ثلاث زوايا من الخارج ، ويقولون بأنّ هذه الزوايا لو مدت من الدخل لوصلت كلها إلى نقطة واحدة؟!

لكننا بالتعمق قليلا في هذه الأمثلة يتبيّن لنا أن لا صلة لها بموضوع بحثنا الحاضر،فقرص الشمس شيء ونورها شيء آخر والنور الذي يتكون من الأشعة فوق الحمراء يختلف عن الحرارة التي تتكون من الأشعة دون الحمراء ، وهذه الأشياء الثلاثة تختلف الواحدة منها عن الأخرى من حيث النظرة العلمية ، وهي ليست بمجموعها شيئا واحدا من خلال هذه النظرة.

وإذا صح القول بأنّ هذه الأشياء الثلاثة شيء واحد ، إنّما يكون ذلك من باب التسامح أو التعبير المجازي ليس إلّا.

والأوضح من ذلك مثال الجسم والمرايا الثلاث ، فالصورة الموجودة في المرايا عن الجسم ليست إلّا انعكاسا للنور ، وبديهي أنّ انعكاس النّور عن جسم

٥٥٣

معين غير ذات الجسم ، وعلى هذا الأساس فليس هناك أي اتحاد حقيقي أو ذاتي بين الجسم وصورته المنعكسة في المرآة ، وهذه قضية يدركها حتى الدارس المبتدي لعلم الفيزياء.

أمّا في مثال المثلث فالأمر واضح كما في المثالين السابقين ، حيث أن زوايا المثلث المتعددة لا علاقة لها بالبداهة بالامتداد الداخلي الحاصل للزوايا ، والذي يوصلها جميعا إلى نقطة واحدة.

والذي يثير العجب ـ أكثر من ذلك ـ هو محاولة بعض المسيحيين المستشرقين مطابقة قضية «التوحيد في التثليث» مع نظرية «وحدة الوجود» التي يقول بها الصوفيون(١) والأمر الواضح من غير دليل ـ في هذا المجال ـ هو إنّما لو قبلنا بالنظرية الخاطئة والمنحرفة القائلة بوحدة الوجود ، لاقتضى ذلك منّا أن نذعن بأن كل موجودات العالم أو الكون هي جزء من ذات الله سبحانه وتعالى ، بل الإذعان بأنّها هي عين ذاته.

عند ذلك لا يبقى معنى للتثليث ، بل تصبح جميع الموجودات ـ صغيرها وكبيرها ـ جزءا أو مظهر الله سبحانه ، وعلى هذا الأساس فلا يمكن تطابق نظرية التثليث المسيحية بالنظرية الصوفية القائلة بوحدة الوجود بأي شكل من الأشكال ، علما بأن النظرية الصوفية هذه قد دحضت وبان بطلانها.

٦ ـ يقول بعض المسيحيين ـ أحيانا ـ إنّها حين يسمّون المسيحعليه‌السلام بـ «ابن الله» إنّما يفعلون ذلك كما يفعل المسلمون في تسمية سبط الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام بـ «ثار الله وابن ثاره» أو كالتسمية التي وردت في بعض الروايات لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام حيث سمى فيها بـ «يد الله» ، وهؤلاء المسيحيون يفسرون كلمة «ثار» بأنّها تعني الدم ، أي أنّ العبارة الواردة في الحسين الشهيدعليه‌السلام

__________________

(١) المراد بوحدة الوجود عند الصوفية ، هي وحدة الموجود ، ويستدلون بها على أن الوجود ليس أكثر من واحد يظهر في صور مختلفة ، وإن هذا الواحد هو الله.

٥٥٤

تعني «دم الله وابن دمه».

إنّ هذا الأمر هو عين الخطأ :

أوّلا : لأنّ العرب لم تطلق كلمة الثأر أبدا لتعني بها الدم ، بل اعتبرت الثأر دائما ثمنا للدم ، ولذلك فإن معنى العبارة أن الله هو الذي يأخذ ثمن دم الحسين الشهيد ، وأن هذا الأمر منوط به سبحانه وتعالى ، أي أنّ الحسينعليه‌السلام لم يكن ملكا أو تابعا لعشيرة أو قبيلة معينة لتطالب بدمه ، بل هو يخص العالم والبشرية جمعاء ويكون تابعا لعالم الوجود وذات الله المقدسة ، ولذلك فإن الله هو الذي يطالب ويأخذ ثمن دم هذا الشهيد ـ كما أن الحسين هو ابن علي بن أبي طالبعليه‌السلام الذي استشهد في سبيل الله ، والله هو الذي يطالب ويأخذ ثمن دمه أيضا.

وثانيا : حين يعبّر في بعض الأحيان عن بعض أولياء الله بعبارة «يد الله» فإن هذا التعبير ـ حتما ـ من باب التشبيه والكناية والمجاز ليس إلّا.

فهل يجيز أي مسيحي لنفسه أن يقال في عبارة «ابن الله» الواردة عندهم في حق المسيحعليه‌السلام أنّها ضرب من المجاز والكناية؟ بديهي أنّه لا يقبل ذلك ، لأنّ المصادر المسيحية الأصلية اعتبرت صفة البنوة لله سبحانه منحصرة بالمسيحعليه‌السلام وحده وليس في غيره ، واعتبروا تلك الصفة حقيقية لا مجازية ، وما بادر إليه بعض المسيحيين من الادعاء بأن هذه الصفة هي من باب الكناية أو المجاز ، إنّما هو من أجل خداع البسطاء من الناس.

ولإيضاح هذا الأمر نحيل القاري إلى كتاب «القاموس المقدس» في مادة «الله» حيث يقول هذا الكتاب بأنّ عبارة «ابن الله» هي واحدة من القاب منجي ومخلص وفادي المسيحيين ، وأن هذا اللقب لا يطلق على أي شخص آخر إلّا إذا وجدت قرائن تبيّن بأنّ المقصود هو ليس الابن الحقيقي لله(١) .

* * *

__________________

(١) القاموس المقدس ، طبعة بيروت ، ص ٣٤٥.

٥٥٥

الآيتان

( لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (١٧٢) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (١٧٣) )

سبب النّزول

روى جمع من المفسّرين أنّ هذه الآية نزلت بشأن طائفة من مسيحيي نجران ، حين زاروا النّبي محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستفسروا منه عن سبب اعتراضه على نبيّهم المسيحعليه‌السلام ، فسألهم النّبيعليه‌السلام عن أي اعتراض هم يتحدثون؟ فقالوا للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّك تقول بأنّ المسيح هو عبد الله ورسوله ...» فنزلت الآيتان جوابا على قولهم هذا.

٥٥٦

التّفسير

المسيح هو عبد الله :

على الرغم من أنّ هاتين الآيتين لهما سبب نزول خاص بهما ، إلّا أنّهما جاءتا في سياق الآيات السابقة التي تحدثت في نفي الألوهية عن المسيحعليه‌السلام وعلاقتهما بالآيات السابقة في دحض قضية التثليث واضحة وجلية.

في البداية تشير الآية الأولى إلى دليل آخر لدحض دعوى ألوهية المسيح ، فتقول مخاطبة المسيحيين : كيف تعتقدون بألوهية عيسىعليه‌السلام في حين أنّ المسيح لم يستنكف عن عبادة الله والخضوع بالعبودية له سبحانه ، كما لم يستنكف الملائكة المقرّبون من هذه العبادة؟ حيث قالت الآية :( لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ) .

وبديهي أنّ من يكون عبدا لا يمكن أن يصبح معبودا في آن واحد ، فهل يمكن أن يعبد فرد نفسه؟ أو هل يكون العابد والمعبود والرّب فردا واحدا؟

وفي هذا المجال ينقل بعض المفسّرين حادثة طريفة تحكي أن الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام لكي يدين ويفند عقيدة التثليث المنحرفة قال لكبير المسيحيين في ذلك الحين ـ وكان يلقب بـ «الجاثليق» ـ بأنّ المسيحعليه‌السلام كان حسنا في كل شيء لو لا وجود عيب واحد فيه ، وهو قلة عبادته لله ، فغضب الجاثليق وقال للإمام الرضاعليه‌السلام : ما أعظم هذا الخطأ الذي وقعت فيه ، إنّ عيسى المسيح كان من أكثر أهل زمانه عبادة ، فسأله الإمامعليه‌السلام على الفور : ومن كان يعبده المسيح؟! فها أنت قد أقررت بنفسك أنّ المسيح كان عبدا ومخلوقا لله وأنّه كان يعبد الله ولم يكن معبودا ولا ربّا؟ فسكت الجاثليق ولم يحر جوابا.(١) بعد ذلك تشير الآية إلى أن الذين يمتنعون عن عبادة الله والخضوع له بالعبودية،يكون امتناعهم هذا ناشئا عن التكبر والأنانية وإنّ الله سيحضر هؤلاء

__________________

(١) مناقب ابن شهر آشوب ، ج ٤ ، ص ٣٥٢.

٥٥٧

الناس في يوم القيامة ويجازي كل واحد منهم بالعقاب الذي يناسبه ، فتقول الآية :( وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً ) .

وإنّ الله العزيز القدير سيكافئ في يوم القيامة أولئك الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقاموا بالأعمال الخيرة ، ويعطيهم ثوابهم كاملا غير منقوص ويجزل لهم الثواب والنعم ، أمّا الذين تكبروا وامتنعوا عن عبادة الله ، فإنهم سينالون منه عذابا أليما شديدا ، ولن يجدوا في يوم القيامة لأنفسهم وليا أو حاميا من دون الله ، حيث تقول الآية :( فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً ) .

في هذه الآية نقطتان يجب الانتباه إليهما ، وهما :

١ ـ إنّ كلمة «استنكاف» تأتي بمعنى الامتناع أو الاستياء الشديد من شيء ، ولها معان واسعة ، وتحدد معناها ـ هنا ـ بما أتى بعدها من قرينة في عبارة( اسْتَكْبَرُوا ) لإنّ الامتناع عن عبادة الله ورفض الخضوع له بالعبودية إمّا ناشئ عن الجهل أو الغفلة. وأحيانا أخرى ينشأ هذا الامتناع عن التكبر والأنانية والغرور ، ومع أن الامتناعين يعتبران ذنبا ، إلّا أن الامتناع الأخير يفوق الأوّل قبحا بمراتب كبيرة.

٢ ـ إنّ الآية جاءت بعبارة توضح عدم استنكاف الملائكة المقرّبين عن عبادة الله،وذلك ردّا على المسيحيين الذين يثلثون الآلهة (الأب ولابن وروح القدس) ولتدحض عن هذا الطريق فرضية وجود المعبود الثّالث الذي ادعاه المسيحيون ومثلوه في أحد الملائكة المسمى بـ «روح القدس» ولتثبت التوحيد ووحدانية ذات الله سبحانه وتعالى.

وقد تكون هذه الآية إشارة إلى الشرك الذي وقع فيه الوثنيون العرب ، والشرك الذي تورط به المسيحيون حيث أنّ مشركي الجاهلية كانوا يعتبرون

٥٥٨

الملائكة أبناء الله سبحانه ، أو يعدونهم جزءا منه ، فجاءت هذه الآية لترد عليهم وتدخص أقوالهم هذه.

وعند التعمق في هذين الأمرين يتبيّن لنا ـ بجلاء ـ أنّ الآية لم تأت لبيان التفاضل بين الملائكة والأنبياء ، بل جاءت فقط لدحض عقيدة «الأقنوم الثّالث» أو دحض عقيدة المشركين العرب في الملائكة ، وليس فيها أي دلالة على مسألة التفاضل بين المسيحعليه‌السلام وبين الملائكة.

٥٥٩

الآيتان

( يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (١٧٤) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً (١٧٥) )

التّفسير

النّور المبين :

بعد أن تناولت الآيات السابقة بعضا من انحرافات أهل الكتاب بالنسبة لمبدأ التوحيد ومبادئ وتعاليم الأنبياء ، جاءت الآيتان الأخيرتان لتختما القول في بيان سبيل النّجاة والخلاص من تلك الانحرافات.

لقد توجه الخطاب أوّلا إلى عامّة الناس ، مبينا أنّ الله قد بعث من جانبه نبيّا يحمل معه الدلائل والبراهين الواضحة ، وبعث معه النور المبين المتجسد في القرآن الكريم الذي يهدي الناس إلى طريق السعادة الأبدية ، حيث تقول الآية الأولى :( يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً ) .

ويعتقد بعض العلماء أنّ كلمة «برهان» المشتقة من المصدر «بره» على وزن «فرح» تعني الابيضاض ـ ولمّا كانت الأدلة الواضحة تجلى للمسامع وجه الحق وتجعله واضحا مشرقا أبيض لذلك سميت بـ «البرهان».

٥٦٠

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710