الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٣

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل11%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 710

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 710 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 173427 / تحميل: 6085
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

الثّانية : إن النّجاحات المادية التي يحرزها بعض العصاة والفاسقين إنّما هي لكونهم لا يتقيدون في جمع الثّروة بأي قيد أو شرط ، فهم يجمعون المال من كل سبيل ، سواء كان مشروعا أم غير مشروع ، حراما كان أم حلالا ، بل إنّهم يجوزون لأنفسهم اكتناز الثروة حتى على حساب الضعفاء والفقراء وامتصاص دمائهم ، في حين يتقيد المؤمنون بمبادئ الحق والعدالة في هذا المجال ، فلا يسوغون لأنفسهم بأن يكتسبوا المال من أي طريق كان ، وأي سبيل اتفق ، ولهذا لا يمكن (أو لا تصح) المقارنة والمقايسة بين هؤلاء وهؤلاء.

هؤلاء يشعرون بالمسؤولية الثّقيلة ، وأولئك لا يشعرون بأية مسئولية ، ولا يعترفون بأي ضابطة ، وحيث إن الحياة الحاضرة حياة الإرادة البشرية الحرّة ، وعالم الإختيار الحر ، كان طبيعيا أن يترك الله سبحانه كلتا الطائفتين أحرارا ليتصرفوا كيف شاؤوا ، ولينتهوا في المآل إلى نتائج أعمالهم التي اكتسبوها بأيديهم ، وهو ما يقصده ويعنيه سبحانه ، بقوله في ختام هذه الآية :( ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ ) .

معرفة نقاط الضّعف والقوّة معا :

ثمّ أن هناك سببا آخر لتقدم ونجاح بعض الكفار والفاسقين ، وتأخر بعض المؤمنين هو أن الطائفة الأولى رغم خلوهم من عنصر الإيمان يتحلون ـ أحيانا ـ ببعض نقاط القوّة التي يحققون في ظلّها ما يحققون من المكاسب ، ويحرزون ما يحرزون من النجاحات ، فيما تعاني الطائفة الثانية من نقاط ضعف توجب تأخرهم وانحطاطهم.

فنحن نعرف أشخاصا ـ رغم انقطاعهم عن الله ـ يتسمون بالجدّية الكبيرة في أعمالهم ، ويتحلّون بالاستقامة والعزم ، والتنسيق والتعاون فيما بينهم ، والمعرفة بقضايا العصر ومتطلباته ، ومقتضياته ومستجداته ، ومن الطبيعي أن يحقق هؤلاء

٦١

مكاسب كبيرة ويحرزوا انتصارات ونجاحات في حياتهم المادية ، وما هم في هذا الأمر ـ في الحقيقة ـ إلّا مطبقون لتعاليم الدين وبرامجه من دون إسنادها إلى الدين وإعطائها صفته وصبغته.

وفي المقابل ، هناك أشخاص متدينون أوفياء للعقائد الدينية ، لكنهم بسبب غفلتهم عن تعاليم الدين الحيوية يعانون من الجبن والإحجام ، ويفتقرون إلى الشهامة والاستقامة ويفقدون عنصر الثبات والاستمرار والاتحاد والتعاون ، وطبيعي أن يصاب هذا الصنف من الناس بإخفاقات متلاحقة وهزائم متتابعة ، ولكن هذه الهزائم والإخفاقات ليست أبدا بسبب إيمانهم بالله ، بل هي بسبب ما بهم من نقاط الضعف ، وما بأنفسهم من عوامل الهزيمة ، وموجبات السقوط والإخفاق.

إنّهم يتصورون (وبالأحرى يظنون) بأنهم سيتنصرون بمجرد الصلاة والصوم في جميع المجالات ، وينجحون في جميع المواقف ، في حين جاء الدين بسلسلة من البرامج والمناهج العملية الحيوية للتقدم والنجاح في الحياة ، يستلزم تجاهلها الفشل والسقوط والهزيمة.

إنّ لكلّ شيء سببا ، ولكل نجاح مفتاحه الخاص ، ووسيلته الخاصّة ، وقد أتى الدّين بكل ذلك ، وبيّنه في تعاليمه وتوصياته ، فلا يمكن أن يتحقق نجاح بغيره هذه التعاليم وبغير هذه الوسائل.

وخلاصة القول : إنه لدى كل طائفة من هاتين الطائفتين نقاط ضعف ، ونقاط قوّة،ولكل واحدة منها آثارها ونتائجها الطبيعية ، غاية ما في الأمر أنه قد تلتبس هذه الآثار وتشتبه على المرء عند التقييم والمحاسبة.

مثلا : هناك كافر يتمتع لسعيه وجهاده واستمراره في أعماله بالحياة ويحقق في هذا المجال النجاح تلو النجاح ، ولكنّه إذ يفتقد عنصر الإيمان بالله فإنّه يفتقر إلى نعمة الطمأنينة النفسية وفضيلة المشاعر الطاهرة ، والأهداف الإنسانية العالية.

٦٢

يبقى أن نعرف أن ما ذكرناه من العوامل الثلاث لتقدم الكفار ونجاحهم ، وتأخر بعض المؤمنين وفشلهم لا تصدق في مكان واحد ، بل لكل واحد منها مورده ومجاله الخاص.

ثمّ إنّ الله سبحانه بعد أن بيّن مصير الكفار في الآية السابقة ، بيّن هنا ـ في الآية التي تلت تلك الآية ـ مصير المؤمنين ، إذ قال :( لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ) أي إن الذين اتبعوا موازين الحق والعدل في الوصول إلى المكاسب المادية ، أو أنّهم بسبب إيمانهم تعرضوا للحصار الاقتصادي والاجتماعي ولكنهم مع ذلك بقوا ملتزمين بالتقوى ، فإنّه تعالى سيعوضهم عن كل ذلك بجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها( نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ ) .

و «النّزل» في اللغة هو ما يعدّ للضيف من الكرامة والبر ، وقال البعض : أنّه أول ما يقدم إلى الضّيف النازل من شراب أو فاكهة.

وعلى هذا يكون معنى الآية أن الجنات المذكورة مع كل ما فيها من المواهب المادية هي أوّل ما يقدّم يوم القيامة إلى المؤمنين المتقين ، وأمّا الضيافة المهمّة والعليا فهي النعم والمواهب المعنوية التي عبر عنها سبحانه بقوله :( وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ ) .

* * *

٦٣

الآية

( وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (١٩٩) )

سبب النّزول

هذه الآية ـ حسب ما يذهب إليه أكثر المفسّرين ـ نزلت في مؤمني أهل الكتاب الذين تركوا العصبية العمياء ، والتحقوا بصفوف المسلمين ، وكانوا يشكلون عددا معتدّا به من النصارى واليهود.

ولكنّها حسب اعتقاد بعض المفسّرين أنّها نزلت في النّجاشي ملك الحبشة العادل،وإن كان مفهومها أوسع من ذلك المورد.

ففي السنة التاسعة للهجرة وفي شهر رجب بالذات توفي النجاشي ، فبلغ خبر وفاته إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإلهام إلهي في اليوم الذي مات فيه وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «اخرجوا فصلّوا على أخ لكم مات بغير أرضكم» ، قالوا : ومن؟ قال : النجاشي ، فخرج النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى البقيع وكشف له من المدينة إلى أرض الحبشة فأبصر سرير النجاشي ، وصلى عليه ، فقال بعض المنافقين : انظروا إلى هذا يصلّي على علج نصراني حبشي لم يره قطّ وليس على دينه ، فأنزل الله هذه الآية ردّا على

٦٤

مقالتهم(١) .

هذا ويستفاد من هذه الرواية أن النجاشي اعتنق الإسلام بالكامل وإن لم يظهر ذلك.

التّفسير

أهل الكتاب ليسوا سواء :

قلنا ـ في ما سبق ـ ان القرآن الكريم إذا تطرق إلى أمور حول إتباع الشرائع الاخرى لم ينظر إلى الجميع نظرة سواء ، ولم يحسب لهم حسابا واحدا ، ولم تتسم أبحاثه حولهم بصفة قومية أو حزبية علائية ، بل ينطلق في أحكامه من أسس اعتقادية ومبدئية ، ولهذا ينتقد أعمالهم ، وممارساتهم ولا يتناول بسوء قومياتهم أو أجناسهم ، ولهذا لا ينسى فضل تلك القلّة المؤمنة الصالحة منهم والتي تميزت عن الأكثرية الساحقة بصلاحها وحسن عملها ، ولا يتجاهل قيمتها ومكانتها.

والمقام الذي نحن فيه هو أحد تلك الموارد التي جاء فيها الكلام عن هذه القلة المؤمنة الصالحة التي استجابت لدعوة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخضعت للحق.

فالآية الحاضرة بعد أن وبّخت كثيرا من أهل الكتاب على كتمانهم لآيات الله،وطغيانهم وتمردهم في الآيات السابقة ذكرت هذه القلّة المؤمنة ، وبينت خمسا من صفاتها الممتازة هي :

١ ـ( يُؤْمِنُ بِاللهِ ) (أي أنهم يؤمنون بالله عن طواعية وصدق).

٢ ـ( وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ ) (أي يؤمنون بالقرآن).

٣ ـ( وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ ) أي إيمانهم بنبيّ الإسلام نابع في الحقيقة من إيمانهم بكتبهم السّماوية الواقعية التي بشّرت بهذا النّبي ودعت إلى الإيمان به إذا ظهر ، فهم في الحقيقة يؤمنون بكتبهم.

__________________

(١) أسباب النزول للواقدي.

٦٥

٤ ـ( خاشِعِينَ لِلَّهِ ) أي أنّهم مسلمون لأمر الله وخاضعون لإرادته ، وهذا التسليم والخضوع هو السبب الحقيقي لإيمانهم ، وهو الذي فرّق بينهم وبين العصبيات الحمقاء ، وحرّرهم من التعنت والاستكبار تجاه منطق الحقّ.

٥ ـ( لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً ) أي أنّهم ليسوا مثل بعض أحبار اليهود الذين يحرفون آيات الله حفاظا على مراكزهم وإبقاء على حاكميتهم على أقوامهم وجماعاتهم،وصولا إلى بعض المكاسب المادية.

والإشارة إلى «الثّمن القليل» في الآية للتلويح بما كان عليه أولئك الأحبار المحرفون للكلم من تفاهة الهمّة ، وضعف الطموح ، وقصر النظر ، وحقارة النفس.

هذا مضافا إلى أن كل أجر دون الأجر الإلهي حقير ، وكل مكسب يحصل عليه الإنسان عوضا عن آيات الله فهو مكسب تافه ورخيص.

وسيكون لهذه الطائفة من أهل الكتاب بسبب هذه الصفات الإنسانية العالية هذا الموقف الواضح الحي ، أجرهم عند ربّهم( أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) .

والتعبير هنا بلفظة «ربّهم» إشارة إلى غاية لطفه سبحانه ومنتهى رحمته بهم ، كما أنه إشارة أيضا إلى أن الله هو الذي يهديهم في هذه المسيرة الخيرة ، وهو يتكفل بمساعدتهم ، ويعينهم في هذا الطريق.

( إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ ) فلا يتأخر عن إعطاء الصالحين المؤمنين أجرهم ، كما لا يبطئ عن مجازاة المنحرفين والظالمين.

وهذه العبارة بشارة إلى الصالحين المؤمنين ، كما هي أيضا تحذير وتهديد للعصاة والمذنبين(١) .

* * *

__________________

(١) للوقوف على تفصيل أكثر حول معنى هذه العبارة راجع ، الآية ٢٠٢ من سورة البقرة.

٦٦

الآية

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٢٠٠) )

التّفسير

هذه الآية هي آخر الآيات من سورة آل عمران ، وتحتوي على برنامج يتكون من أربع نقاط لعامّة المسلمين ، وهي لذلك تبدأ بتوجيه الخطاب إلى المؤمنين إذ تقول :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) .

١ ـ «اصبروا» : إن أوّل مادة في هذا البرنامج الذي يكفل عزّة المسلمين وانتصارهم هو الاستقامة والثبات ، والصبر في وجه الحوادث الذي هو ـ في الحقيقة ـ أصل كلّ نجاح مادي ، وعلّة كل انتصار معنوي ، وهو الأمر الذي يستحق حديثا مفصلا لما له من أثر جدّ مهم في الانتصارات والنجاحات الفردية والاجتماعية ، وهو الذي قال عنه الأمام عليعليه‌السلام في حكمه وكلماته القصار : «إن الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد».

٢ ـ «وصابروا» وهي من المصابرة (من باب المفاعلة) بمعنى الصبر والاستقامة والثبات في مقابل صبر الآخرين وثباتهم واستقامتهم.

وعلى هذا فإن القرآن يوصي المؤمنين أوّلا بالصبر والاستقامة (التي تشمل

٦٧

كل ألوان الجهاد ، كجهاد النفس ، والاستقامة في مواجهة مشاكل الحياة) ، ثمّ يوصي ثانيا بالصبر والثبات والاستقامة أمام الأعداء ، وهذا بنفسه يفيد أن الأمّة ما لم تتغلب وتنتصر في جهادها مع النفس ، وفي إصلاح ما بها من نقاط الضعف الداخلية يستحيل انتصارها على الأعداء ، وهذا يعني أن أكثر هزائمها أمام أعدائها إنّما هي بسبب ما لحق بها من هزائم في جبهة الجهاد مع النفس وما أصابها من إخفاقات في إصلاح نقاط الضعف التي تعاني منها.

كما وأنّه يستفاد من هذا التعليم «صابروا» أن على المسلمين أن يضاعفوا من صبرهم ومن ثباتهم كلما ضاعف العدو من صبره وثباته ومقاومته وعناده.

٣ ـ «ورابطوا» وهذه العبارة مشتقة من مادة «الرباط» وتعني ربط شيء في مكان (كربط الخيل في مكان) ، ولهذا يقال لمنزل المسافرين «الرباط» ، ويقال أيضا ربط على قلبه بمعنى أنّه أعطاه السكينة ، وملأه بالطمأنينة وكأن قلبه انشد إلى مكان ، وارتكز على ركن وثيق ، و «المرابطة» بمعنى مراقبة الثغور وحراستها لأن فيها يربط الجنود أفراسهم.

وهذه العبارة أمر صريح إلى المسلمين بأن يكونوا على استعداد دائم لمواجهة الأعداء،وأن يكونوا في حالة تحفز وتيقظ ومراقبة مستمرة لثغور البلاد الإسلامية وحدودها حتى لا يفاجئوا بهجمات العدوّ المباغتة ، كما أنّه حثّ على التأهب الكامل لمواجهة الشيطان ، والأهواء الجامحة حتى لا تباغتهم وتأخذهم على حين غرّة وغفلة ، ولهذا جاء في بعض الأحاديث عن الإمام عليعليه‌السلام تفسير المرابطة بانتظار الصلاة بعد الصلاة ، لأن من حافظ على يقظة روحه وضميره بهذه العبادات المستمرة المتلاحقة ، كان كالجندي المتأهب لمواجهة الأعداء على الدّوام.

وخلاصة القول : إن للمرابطة معنى وسيعا يشمل كل ألوان الدفاع عن النفس والمجتمع.

٦٨

ثمّ إنّ هناك في الفقه الإسلامي بابا خاصّا ـ في كتاب الجهاد ـ تحت عنوان «المرابطة» بمعنى الاستعداد والتأهب الكامل في الثغور لحراستها وحمايتها وحفظها أمام حملات الأعداء الاحتمالية ، وقد ذكرت لها أحكام خاصّة يقف عليها كل من راجع الكتب الفقهية.

هذا وقد أطلق على العلماء ـ كما في بعض الأحاديث ـ صفة المرابط ، فعن الإمام الصادقعليه‌السلام : «علماء شيعتنا مرابطون في الثغر الذي يلي إبليس وعفاريته ، ويمنعونهم عن الخروج على ضعفاء شيعتنا وعن أن يتسلط عليهم إبليس ...»(١) .

وتعتبر نهاية هذا الحديث العلماء أعلى مكانة من الجنود والقادة الذين يحرسون الثغور ويذبون عنها أعداء الإسلام. وما ذلك إلّا أن العلماء حماة الدين وحرّاسه والأمناء المدافعون عن القيم الإسلامية ، والجنود حماة الثغور الجغرافية ، ومن الثابت المسلم به أن الثغور الفكرية والثقافية لأمّة من الأمم لو تعرضت لكيد الأعداء ، ولم تستطع الذّب عنها بنجاح ، فإنّها سرعان ما تصيبها الهزائم العسكرية والسياسية أيضا.

٤ ـ( وَاتَّقُوا اللهَ ) وهذا بالتالي آخر التعاليم والأوامر في هذا البرنامج ، وهو بمثابة المظلة الواقية لما سبقها من التعاليم أنّه حثّ على التقوى ، ولا بدّ للاستقامة والمصابرة والمرابطة من أن تمتزج بعنصر التقوى ، ولا يشوبها شيء من أنانية أو رياء أو أغراض شخصية.

( لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) وهكذا تختم الآية هذا البرنامج بذكر النّتيجة التي تنتظر كلّ من يطبق هذا البرنامج ، إنه الفلاح والنجاح الذي يمكنكم الوصول إليه عبر الأخذ بهذه التعاليم والأوامر ، وإلّا فلن تحصلوا على شيء من النجاح والإنتصار.

__________________

(١) الإحتجاج للطبرسي ، الفصل الأول.

٦٩

سؤال :

هناك سؤال يطرح نفسه وهو : لما ذا تبدأ بعض العبارات والجمل القرآنية بلفظة «لعل» مثل قوله تعالى( لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) ، و( لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ، و( لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون ) وهي كما نعلم تفيد التّرديد الذي لا يليق بالله سبحانه العالم بكل شيء.

وقد صارت هذه المسألة ذريعة بأيدي بعض أعداء الإسلام الذين انطلقوا يقولون : إن الإسلام لا يعطي وعودا قطعية بالثواب ، فوعوده مرددة غير مجزوم بها ، لأنها تبدأ ـ في أغلبها ـ بلعلّ.

الجواب :

من حسن الاتفاق أن هذا النمط من التعبير يشكّل جانبا من عظمة هذا الكتاب العزيز، وواقعيته في النظرة إلى الأمور وفي بيانها ، ذلك لأن القرآن استخدم هذه اللفظة في كل مقام يتوقف الاستنتاج فيه على شرائط ومقدمات قد أشار إليها ولوح بها إجمالا بلفظة «لعل».

فالسكوت عند الاستماع إلى القرآن والانتباه والتوجه إلى ألفاظ الآيات القرآنية مثلا لا يكفي ـ بمجرده ـ لإحراز الرحمة الإلهية ، بل لا بدّ من فهم الآيات ودرك معانيها،ومقاصدها ، وتطبيق توصياتها ، وتعاليمها وأوامرها ونواهيها ، ولهذا يعلق سبحانه شمول الرحمة بقوله :( وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) (١) .

وعلى هذا الأساس لو كان القرآن يقول أنكم سترحمون حتما كان بعيدا عن الواقعية،لأنّ لتحقق هذا الموضوع كما قلنا شرائط أخرى أيضا ، فيكون التعبير الجازم تجاهلا لهذه الشرائط ، ولكنّه إذا قال «لعلّكم» فإنّه يكون قد أخذ تلك الشرائط بنظر الإعتبار وحسب لها حسابها.

بيد أن عدم الالتفات إلى هذه الحقيقة جرّ البعض إلى الاعتراض على مثل هذا التعبير في الآيات القرآنية إلى درجة أن بعض علمائنا ـ أيضا ـ ذهب إلى

__________________

(١) الأعراف ، ٢٠٤.

٧٠

القول بأن «لعل» ليست مستعملة في مثل هذه الموارد في معناها الحقيقي ، وهذا كما ترى خلاف للظاهر دونما دليل.

وفي المقام نجد الآية الحاضرة مع أنها أشارت إلى أربع نقاط من أهم التعاليم الإسلامية،ولكن حتى لا يغفل المسلمون عن بقية البرامج والتعاليم الإسلامية البناءة استخدمت كلمة «لعل» للإيذان بأن هناك أيضا من الظروف والشرائط ما له دخل في تحقق هذه الرحمة ينبغي أن تؤخذ بعين الإعتبار.

وعلى كلّ حال لو أن المسلمين اليوم جعلوا الآية الحاضرة شعارهم ومنهجهم في حياتهم اليومية وطبقوا مفادها لانحل الكثير من مشاكلهم التي يعانون منها الآن بشدّة.

إن الضربات الموجعة التي يتلقاها الإسلام والمسلمون اليوم ليست ـ في الحقيقة ـ إلّا بسبب تجاهل هذه التوصيات الإسلامية الأربع أو تناسيها كلّها أو بعضها.

ولو أنّ المسلمين أعادوا إلى نفوسهم روح الثبات والاستقامة ، ولو أنّهم ضاعفوا جهودهم في مقابل مضاعفة الأعداء لجهودهم ، ولو أنّهم ـ حسب ما في هذه الآية ـ شددوا من مراقبتهم للثغور الجغرافية والفكرية والاعتقادية وحافظوا على حالة الاستعداد والتأهب الدائمة لمواجهة أي خطر داهم ، أو أي عدوّ مباغت ، ولو أنّهم ـ فوق كل هذا ـ تسلحوا بسلاح التقوى والورع ، أفرادا وجماعات ، وطهروا بيئاتهم من أدران الفساد لضمنوا النصر والظفر.

رباه ، وفقنا جميعا للأخذ بتعاليم كتابك السماوي العزيز في حياتنا ، وجد علينا برحمتك الواسعة ، ومنّ علينا بلطفك ، آمين يا أرحم الراحمين ويا ربّ العالمين.

* * *

٧١
٧٢

سورة النّساء

مدنيّة وعدد آياتها

مائة وستّ وسبعون آية

٧٣
٧٤

سورة النّساء

قبل الخوض في تفسير آيات هذه السورة يلزم أن نذكر للقارىء الكريم بعدّة نقاط هي :

١ ـ موضع نزول هذه السورة

كل آيات هذه السورة (باستثناء الآية ٥٨ حسب نقل بعض المفسرين) نزلت في المدينة المنورة ، وتقع من حيث ترتيب النّزول بعد سورة الممتحنة ، لأنّ التّرتيب الفعلي للسّور القرآنية ـ كما نعلم ـ لا يطابق ترتيبها في النزول ، بمعنى أن كثيرا من السّور التي نزلت في مكّة تقع في الترتيب الحاضر في آخر القرآن الكريم ، وكثيرا من السّور التي نزلت في المدينة تقع في أوائل القرآن.

على أنّنا قد نوهنا في بداية المجلد الأوّل من هذه المجموعة التّفسيرية ، بأنّ ثمّة دلائل تؤكد أن جمع السّور القرآنية على الشكل الفعلي قد تمّ في زمن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه ، وعلى هذا الأساس يكون النّبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أمر بأن ترتب السّور على النحو الموجود الآن (بأن يكون أوّلها الحمد وآخرها النّاس) لأسباب مختلفة منها أهمية المواضيع التي تضمنتها السور ، والترتيب الطبيعي لهذه السور بدون أن يكون قد تغيّر من هذا الترتيب أو زيد أو نقص في الحروف والآيات والسور.

إنّ هذه السّورة تعتبر من حيث عدد الكلمات والأحرف ـ أطول السور بعد

٧٥

سورة البقرة ، وتحتوي على (١٧٦) آية ، وتسمّى بسورة النساء نظرا لتضمنها أبحاثا كثيرة وحديثا مفصلا حول أحكام «المرأة» وحقوقها.

٢ ـ محتويات هذه السورة :

هذه السّورة ـ كما قلنا ـ نزلت في المدينة ، بمعنى أنّ النّبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند ما كان مقبلا على تأسيس حكومة إسلامية وتكوين مجتمع إنساني قويم ، نزلت هذه السورة وهي تحمل جملة من القوانين التي لها أثر كبير في إصلاح المجتمع ، وإيجاد البيئة الاجتماعية الصالحة النقية.

ومن ناحية أخرى فإنّ أكثر أفراد هذا المجتمع الجديد كانوا قبل ذلك من الوثنيين بما فيهم من لوثات الجاهلية وانحرافاتها ورواسبها ، لذلك يتعين قبل أي شيء تطهير عقولهم ، وتزكية أرواحهم ونفوسهم من تلك الرّواسب ، وإحلال القوانين والبرامج اللازمة لإعادة بناء المجتمع محل تلك العادات والتقاليد الجاهلية الفاسدة.

وعلى العموم فإن المواضيع المختلفة التي تحدثت عنها هذه السّورة هي عبارة عن :

١ ـ الدّعوة إلى الإيمان والعدالة ، وقطع العلاقات الودّية بالأعداء الألداء ، والخصوم المعاندين.

٢ ـ ذكر بعض قصص الأمم الماضية لأجل التعرف على عواقب المجتمعات غير الصالحة.

٣ ـ العناية بالمحتاجين إلى الحماية مثل الأيتام ، وبيان التعاليم اللازمة لصيانة حقوقهم.

٤ ـ قانون الإرث والتوارث بنحو طبيعي وعادل في قبال الكيفية القبيحة التي كان عليها وضع التوريث في ذلك الزمان ، حيث كان يحرم الضعفاء بحجج واهية ، وأعذار غير وجيهة.

٧٦

٥ ـ القوانين المتعلقة بالزّواج والبرامج التي تصون العفاف العام.

٦ ـ القوانين العامّة لحفظ الأموال العامّة.

٧ ـ حفظ وتحسين حالة الوحدة الأساسية للمجتمع ، أي العائلة.

٨ ـ الحقوق والواجبات الفردية المتقابلة في المجتمع.

٩ ـ التعريف بأعداء المجتمع الإسلامي وتحذير المسلمين منهم.

١٠ ـ الحكومة الإسلامية ووجوب طاعة قائد هذه الحكومة.

١١ ـ حثّ المسلمين على مجابهة الأعداء وجهادهم.

١٢ ـ الكشف عن الأعداء والخصوم الذين قد يتوسلون بالعمل السري.

١٣ ـ أهمية الهجرة ووجوبها عند مواجهة مجتمع فاسد غير قابل للتأثير فيه وتغييره.

١٤ ـ البحث مجددا عن الإرث ونظام التوريث ، وضرورة تقسيم الثروات المكدسة بين الوارثين.

٣ ـ فضل تلاوة هذه السّورة

عن النّبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما في رواية أنّه قال : «من قرأها (أي سورة النساء) فكأنّما تصدق على كلّ مؤمن ورث ميراثا ، وأعطي من الأجر كمن اشترى محرّرا»(١) .

ومن البيّن أنّ المقصود في هذه الرواية وأمثالها ليس هو القراءة المجردة ، بل تلك القراءة التي تكون مقدمة للفهم والإدراك الذي هو بدوره مقدمة لتطبيق تعاليم هذه السّورة في الحياة الفردية والاجتماعية.

ومن المسلم أن المسلمين لو استلهموا من مفاهيم هذه السورة في حياتهم لنالوا كل هذا الأجر مضافا إلى النتائج الدنيوية.

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ٣ ، ص ١.

٧٧

الآية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (١) )

التّفسير

مكافحة التّمييزات والاستثناءات :

( يا أَيُّهَا النَّاسُ ) الخطاب في الآية الأولى من هذه السّورة موجه إلى كافة أفراد البشر ، لأنّ محتويات هذه السورة ـ هي في الحقيقة ـ نفس الأمور التي يحتاج إليها كل أفراد البشر في حياتهم.

ثمّ إنّ الآية تدعو إلى التقوى باعتبارها أساسا لأيّ برنامج إصلاحي للمجتمع ، فأداء الحقوق والتقسيم العادل للثروة ، وحماية الأيتام ، ورعاية الحقوق العائلية ، وما شابه ذلك كلها من الأمور التي لا تتحقق بدون التقوى ، ولهذا تفتتح هذه السورة ـ التي تحتوي على جميع هذه الأمور ـ بالدعوة إلى التزام التقوى :( اتَّقُوا رَبَّكُمُ ) .

وللتعريف بالله الذي يراقب كلّ أعمال الإنسان وتصرفاته أشير في الآية إلى واحدة من صفاته التي تعتبر أساسا للوحدة الاجتماعية في عالم البشر :( الَّذِي

٧٨

خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ) .

وعلى هذا الأساس لا مبرر للتمييز العنصري ، واللغوي ، والمحلي ، والعشائري وما شابه ذلك ممّا يسبب في عالمنا الرّاهن آلافا من المشاكل في المجتمعات. ولا مجال لهذه الأمور وما يترتب عليها من الأمجاد الكاذبة والتفوق الموهوم في المجتمع الإسلامي ، لأنّ كافة البشر على اختلاف ألوانهم ، ولغاتهم ، وأقطارهم يرجعون إلى أب واحد وأمّ واحدة.

وتتّضح أهمية مكافحة هذا الأمر ـ أكثر فأكثر ـ إذا لاحظنا أنّ ذلك قد تمّ في زمن كان يعاني بقايا ورواسب نظام قبلي وعشائري ظالم ، ونعني عصر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

هذا وقد ورد نظير هذا التعبير في موارد أخرى من القرآن الكريم أيضا ، وسنشير إلى كل ذلك في موضعه.

والآن يجب أن نرى من هو المقصود من «نفس واحدة»؟

هل المراد من «نفس واحدة» هو شخص معين ، أو أنه واحد نوعي (أي جنس المذكر)؟

لا شك أنّ ظاهر هذا التعبير هو الشخص المعين ، والواحد الشخصي ، وهو إشارة إلى أوّل إنسان قد سمّاه القرآن الكريم بـ «آدم» ويعتبره أبا البشر.

كما وقد عبر عن البشر ببني آدم في آيات كثيرة من القرآن الكريم.

فاحتمال أن يكون المراد من نفس واحدة هو الواحد النوعي بعيد عن ظاهر الآية جدّا.

ثمّ أنّ قوله تعالى :( وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها ) قد فهم منها بعض المفسرين أن «حواء» قد خلقت من جسم آدم واستشهدوا لذلك بروايات وأحاديث غير معتبرة تقول : إنّ حواء خلقت من أضلاع آدم (وهو أمر قد صرّح به في سفر التكوين من التوراة أيضا).

٧٩

لكن مع ملاحظة سائر الآيات القرآنية يرتفع كلّ إبهام حول تفسير هذه الآية، ويتضح أن المراد منها هو أن الله سبحانه خلق زوجة آدم من جنسه (أي جنس البشر) ففي الآية (٢١) من سورة الروم نقرأ( وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها ) كما نقرأ : في الآية (٧٢) من سورة النّحل( وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً ) .

ومن الواضح أنّ معنى قوله تعالى :( خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً ) هو أنّه خلقهم من جنسكم لا أنّه خلقهن من أعضاء جسمكم.

ووفقا لرواية منقولة عن الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام كما في تفسير العياشي ـ أنه كذّب بشدّة فكرة خلق حواء من ضلع آدم ، وصرحعليه‌السلام ـ بأنه خلقت من فضل الطينة التي خلق منها آدم.

كيف كان زواج أبناء آدم؟ :

قال سبحانه :( وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً ) هذه العبارة يستفاد منها أنّ انتشار نسل آدم ، وتكاثره قد تمّ عن طريق آدم وحواء فقط ، أي بدون أن يكون الموجود ثالث أي دخالة في ذلك.

وبعبارة أخرى أنّ النسل البشري الموجود إنّما ينتهي إلى آدم وزوجته من غير أن يشاركهما في ذلك غيرهما من ذكر أو أنثى.

وهذا يستلزم أن يكون أبناء آدم (أخوة وأخوات) قد تزاوجوا فيما بينهم ، لأنه إذا تمّ تكثير النسل البشري عن طريق تزوجهم بغيرهم لم يصدق ولم يصح قوله : «منهما».

وقد ورد هذا الموضوع في أحاديث متعددة أيضا ، ولا داعي للتعجب والاستغراب إذ طبقا للاستدلال الذي جاء في طائفة من الأحاديث المنقولة عن أهل البيتعليهم‌السلام إنّ هذا النوع من الزواج كان مباحا حيث لم يرد بعد حكم بحرمة

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

يقرأ في كلّ ركعة الحمد مرّة، وخمسين مرّة قل هو الله احد.

وصلاة فاطمة،عليها‌السلام ، ركعتان: يقرأ في الأولى منهما الحمد مرّة واحدة، وإنا أنزلناه مائة مرّة، وفي الثّانية الحمد مرّة وقل هو الله أحد مائة مرّة.

وصلاة جعفر أربع ركعات بثلاثمائة مرّة « سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر »: يبتدئ الصّلاة، فيقرأ الحمد ويقرأ في الأولى منهما إذا زلزلت. فإذا فرغ منها، سبّح خمس عشرة مرة، ثمَّ ليركع، ويقول ذلك عشرا. فإذا رفع رأسه، قاله عشرا. فإذا سجد، قاله عشرا. فإذا رفع رأسه من السّجود، قاله عشرا. فإذا سجد الثّانية، قاله عشرا. فإذا رفع رأسه من السّجود ثانيا، قاله عشرا. فهذه خمس وسبعون مرّة. ثمَّ لينهض إلى الثّانية، وليصلّ أربع ركعات على هذا الوصف، ويقرأ في الثّانية و « العاديات »، وفي الثّالثة إذا جاء نصر الله، وفي الرّابعة قل هو الله أحد ويقول في آخر سجدة منه « يا من لبس العزّ والوقار » إلى آخر الدّعاء.

ويستحبّ أن يصلّي الإنسان يوم الغدير إذا بقي إلى الزّوال نصف ساعة بعد أن يغتسل ركعتين: يقرأ في كلّ واحدة منهما الحمد مرّة، وقل هو الله أحد عشر مرّات وآية الكرسيّ

١٤١

عشر مرّات، وإنا أنزلناه عشر مرّات. فإذا سلّم، دعا بعدهما بالدعاء المعروف.

ويستحبّ أن يصلّي الإنسان يوم المبعث، وهو اليوم السابع والعشرون من رجب، اثنتي عشرة ركعة: يقرأ في كل واحدة منهما « الحمد ويس ». فان لم يتمكّن، قرأ ما سهل عليه من السّور. فإذا فرغ منها، جلس في مكانه، وقرأ أربع مرّات سورة الحمد، وقُلْ هو اللهُ أَحد مثل ذلك، والمعوذّتين، كلّ واحدة منهما أربع مرّات. ثمَّ يقول: « سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر » أربع مرّات، ويقول: « الله الله لا أشرك به شيئا » أربع مرّات.

ويستحبّ أن يصلّي ليلة النّصف من شعبان أربع ركعات: يقرأ في كلّ واحدة منهما الحمد مرّة وقل هو الله أحد مائة مرّة.

وإذا أراد الإنسان أمرا من الأمور لدينه أو دنياه، يستحبّ له أن يصلّي ركعتين: يقرأ فيهما ما شاء من السّور، ويقنت في الثّانية. فإذا سلّم: دعا بما أراد، ثمَّ ليسجد وليستخر الله في سجوده مائة مرّة، يقول: « أستخير الله في جميع أموري »، ثمَّ يمضي في حاجته.

وإذا غرض للإنسان حاجة، فليصم الأربعاء والخميس والجمعة، ثمَّ ليبرز تحت السّماء في يوم الجمعة وليصلّ

١٤٢

ركعتين، يقرأ فيهما بعد الحمد مأتي مرّة وعشر مرّات قل هو الله أحد على ترتيب صلاة التّسبيح، إلّا أنه يجعل بدل التّسبيح في صلاة جعفر، خمس عشرة مرّة قل هو الله أحد في الرّكوع والسّجود وفي جميع الأحوال. فإذا فرغ منها سأل الله حاجته.

وإذا قضيت حاجته، فليصلّ ركعتين شكرا لله تعالى: يقرأ فيهما الحمد وإِنا أَنزلناه أو سورة قُلْ هو اللهُ أَحد، ثمَّ ليشكر الله تعالى على ما أنعم في حال السّجود والرّكوع وبعد التّسليم، إن شاء الله.

باب الصلاة على الموتى

الصّلاة على الأموات فريضة. وفرضه على الكفاية، إذا قام به البعض، سقط عن الباقين. ولا يختلف الحكم في ذلك، سواء كان الميّت رجلا أو امرأة، حرّا أو عبدا، إذا كان له ستّ سنين فصاعدا، وكان على ظاهر الإسلام. فإن نقص سنّه عن ستّ سنين، لم تجب الصّلاة عليه، بل يصلّى عليه استحبابا وتقيّة.

وإذا حضر القوم للصّلاة عليه، فليتقدّم أولى النّاس به، أو من يأمره الوليّ بذلك. وإن حضر الإمام العادل، كان أولى بالصّلاة عليه. وإن حضر رجل من بني هاشم معتقد للحقّ،

١٤٣

كان أيضا أولى بالصّلاة عليه، إذا قدّمه الولي. ويستحب له تقديمه. فإن لم يفعل، فليس له أن يتقدّم للصّلاة عليه. والزّوج أحقّ بالصّلاة على المرأة من أخيها وأبيها.

وإذا كانوا جماعة، فليتقدّم الإمام ويقف الباقون خلفه صفوفا أو صفا واحدا. وإن كان فيهم نساء، فليقفن آخر الصّفوف، فلا يختلطن بالرّجال. فإن كان فيهنّ حائض، فلتقف وحدها في صفّ بارزة عنهن وعنهم. وإن كان من يصلّي على الميّت نفسين، فليتقدّم واحد ويقف الآخر خلفه سواء، ولا يقف على جنبه.

وينبغي أن يقف الإمام من الجنازة، إن كانت لرجل، عند وسطها، وان كانت لامرأة، عند صدرها. وإذا اجتمع جنازة رجل وامرأة فلتقدّم المرأة إلى القبلة، ويجعل الرّجل ممّا يليها، ويقف الإمام عند الرّجل. وان كان رجل وامرأة وصبي، فليقدّم الصّبي، ثمَّ المرأة، ثمَّ الرّجل. وإن كان معهم عبد فليقدّم أوّلا الصّبي، ثمَّ المرأة، ثمَّ العبد، ثمَّ الرّجل، ويقف الإمام عند الرّجل ويصلّي عليهم صلاة واحدة. وكذلك الحكم، إن زادوا في العدد على ما ذكرناه، ويكون على هذا ترتيبهم.

وينبغي أن يكون بين الإمام وبين الجنازة شي‌ء يسير، ولا يبعد منها. وليتحفّ عند الصّلاة عليه، ان كان عليه نعلان.

١٤٤

فإن لم يكن عليه نعل، أو كان عليه خفّ، فلا بأس أن يصلّي كذلك.

ثمَّ يرفع الإمام يده بالتّكبير، ويكبّر خمس تكبيرات، يرفع يده في أوّل تكبيرة منها حسب، ولا يرفع فيما عداها. هذا هو الأفضل. فإن رفع يده في التّكبيرات كلّها، لم يكن به بأس. وإذا كبّر الأولة، فليشهد: أن لا إله إلّا الله. وأنّ محمدا رسول الله، ثمَّ يكبّر الثّانية ويصلّي على النّبي وآله، ثمَّ يكبّر الثّالثة ويدعوا للمؤمنين، ثمَّ يكبّر الرّابعة ويدعوا للميّت إن كان مؤمنا.

فإن لم يكن كذلك، وكان ناصبا معلنا بذلك، لعنه في صلاته، وتبرّأ منه. وإن كان مستضعفا فليقل: ربنا اغفر( لِلَّذِينَ تابُوا ) إلى آخر الآية. وإن كان ممّن لا يعرف مذهبه، فليدع الله أن يحشره مع من كان يتولّاه. وإن كان طفلا فليسأل الله أن يجعله له ولأبويه فرطا. فإذا فرغ من ذلك، كبّر الخامسة.

ولا يبرح من مكانه حتّى ترفع الجنازة، فيراها على أيدي الرّجال، ومن فاته شي‌ء من التّكبيرات، فليتمّه عند فراغ الإمام من الصّلاة متتابعة. فإن رفعت الجنازة، كبّر عليها، وان كانت مرفوعة. وإن كانت قد بلغت إلى القبر، كبّر على القبر ما بقي له، وقد أجزأه. ومن كبّر تكبيرة قبل

١٤٥

الإمام، فليعدها مع الإمام.

ومن فاتته الصّلاة على الجنازة، فلا بأس أن يصلّي على القبر بعد الدّفن يوما وليلة. فإن زاد على ذلك، لم يجز الصّلاة عليه. ويكره أن يصلّي على جنازة واحدة مرّتين.

ولا بأس أن يصلّى على الجنازة أيّ وقت كان من ليل أو نهار، ما لم يكن وقت فريضة. فإن كان وقت فريضة، بدئ بالفرض ثمَّ بالصّلاة على الميّت، اللهمّ إلّا أن يكون الميّت مبطونا أو ما أشبه ذلك ممّن يخاف عليه الحوادث، فإنّه يبدأ بالصّلاة عليه، ثمَّ بصلاة الفريضة.

ولا بأس بالصّلاة على الجنائز في المساجد. وإن صلّي عليها في مواضعها المختصّة بذلك، كان أفضل. ومتى صلّي على جنازة، ثمَّ تبيّن بعد ذلك أنّها كانت مقلوبة، سوّيت، وأعيد عليها الصّلاة، ما لم يدفن. فإن دفن، فقد مضت الصّلاة.

والأفضل أن لا يصلّي الإنسان على الجنازة إلّا على طهر. فإن فاجأته جنازة، ولم يكن على طهارة، تيمّم، وصلّى عليها. فإن لم يمكنه، صلّى عليها بغير طهر. وكذلك الحكم في من كان جنبا، والمرأة إذا كانت حائضا، فإنّه لا بأس أن يصليا عليه من غير اغتسال. فإن تمكّنا من الاغتسال، اغتسلا، فإنّ ذلك أفضل.

وإذا كبّر الإمام على الجنازة تكبيرة أو تكبيرتين،

١٤٦

وأحضرت جنازة أخرى، فهو مخيّر بين أن يتمّ خمس تكبيرات على الجنازة الأولى، ثمَّ يستأنف الصّلاة على الأخرى، وبين أن يكبّر خمس تكبيرات من الموضع الذي انتهى إليه، وقد أجزأه ذلك عن الصّلاة عليهما.

فإذا حضر جماعة من النساء للصّلاة على الميّت، ليس فيهنّ رجل، فلتقف واحدة منهنّ في الوسط، والباقيات عن يمينها وشمالها ويصلّين عليها. وكذلك إذا صلّوا جماعة عراة على الجنازة، فلا يتقدّم منهم أحد، بل يقف في الوسط، ويكبّر، ويكبّر الباقون معه. فإن كان الميّت عريانا، ترك في القبر أوّلا، وغطّى سوأته، ثمَّ صلّي عليه بعد ذلك، ودفن.

١٤٧

كتاب الصيام

باب ماهية الصوم ومن يجب عليه ذلك ومن لا يجب عليه

الصوم في اللغة هو الإمساك، وهو في الشّريعة كذلك، إلا أنّه إمساك عن أشياء مخصوصة في زمان مخصوص.

والّذي يقع الإمساك عنه على ضربين: ضرب يجب الإمساك عنه، والآخر الأولى الإمساك عنه.

والذي يجب الإمساك عنه على ضربين: ضرب منهما متى لم يمسك الإنسان عنه، بطل صومه. والقسم الآخر متى لم يمسك عنه، كان مأثوما، وإن لم يبطل ذلك صومه.

فأما الذي يجب الإمساك عنه ممّا يبطل الصّوم بفعله. فهو الأكل والشّرب والجماع والارتماس في الماء والكذب على الله ورسوله وازدراد كلّ شي‌ء يفسد الصّيام والحقنة والقي‌ء على طريق العمد.

وأمّا الذي يجب الإمساك عنه، وإن لم يبطل الصّوم بفعله فهو النّظر إلى ما لا يجوز النظر اليه، والإصغاء إلى ما لا يحلّ

١٤٨

الإصغاء إليه من الغناء وقول الفحش، والكلام بما لا يسوغ التّكلّم به، ولمس ما لا يحلّ ملامسته، والمشي إلى المواضع المنهيّ عنها.

والذي الأولى الإمساك عنه، فالتّحاسد والتّنازع والمماراة وإنشاد الشعر، وما يجري مجرى ذلك ممّا نذكره من بعد في باب ما يفسد الصّيام وما لا يفسده.

والصّوم على ضربين: مفروض ومسنون.

فالمفروض على ضربين: ضرب يجب على كافّة المكلّفين مع التمكّن منه بالإطلاق. والضّرب الآخر يجب على من حصل فيه سبب وجوبه.

فالقسم الأوّل هو صوم شهر رمضان. فإنّه يلزم صيامه لسائر المكلّفين من الرّجال والنّساء والعبيد والأحرار، ويسقط فرضه عمّن ليس بكامل العقل من الصّبيان وغيرهما. ويستحبّ ان يؤخذ الصّبيان بالصّيام إذا أطافوه، وبلغوا تسع سنين وإن لم يكن ذلك واجبا عليهم. ويسقط فرض الصّيام عن العاجز عنه بمرض أو كبر أو ما يجري مجراهما ممّا سنبيّنه فيما بعد، إن شاء الله.

والذين يجب عليهم الصّيام على ضربين: منهم من إذا لم يصم متعمّدا، وجب عليه القضاء والكفّارة أو القضاء. ومنهم من لا يجب عليه ذلك. فالذين يجب عليهم ذلك، كل من

١٤٩

كان ظاهره ظاهر الإسلام. والذين لا يجب عليهم، هم الكفّار من سائر أصناف من خالف الإسلام. فإنه وإن كان الصّوم واجبا عليهم، فإنّما يجب بشرط الإسلام. فمتى يصوموه، لم يلزمهم. القضاء ولا الكفّارة.

والقسم الثّاني مثل صوم النّذور والكفّارات وما يجري مجراهما ونحن نبيّن كلّ ذلك في أبوابه، إن شاء الله.

باب علامة شهر رمضان وكيفية العزم عليه ووقت فرض الصوم ووقت الإفطار

علامة الشّهور رؤية الهلال مع زوال العوارض والموانع. فمتى رأيت الهلال في استقبال شهر رمضان، فصم بنيّة الفرض من الغد. فإن لم تره لتركك التّراءي له، ورؤي في البلد رؤية شائعة، وجب أيضا عليك الصّوم. فإن كان في السّماء علة، ولم يره جميع أهل البلد، ورآه خمسون نفسا، وجب أيضا الصّوم. ولا يجب الصّوم إذا رآه واحد أو اثنان، بل يلزم فرضه لمن رآه حسب، وليس على غيره شي‌ء.

ومتى كان في السّماء علة، ولم ير في البلد الهلال أصلا، ورآه خارج البلد شاهدان عدلان، وجب أيضا الصّوم. وإن لم

١٥٠

يكن هناك علة، وطلب فلم ير الهلال، لم يجب الصّوم إلّا أن يشهد خمسون نفسا من خارج البلد أنّهم رأوه.

ومتى لم ير الهلال في البلد، ولم يجي‌ء من الخارج من يخبر برؤيته، عددت من الشّهر الماضي ثلاثين يوما، وصمت بعد ذلك بنية الفرض. فان ثبت بعد ذلك بيّنة عادلة أنّه كان قد رئي الهلال قبله بيوم، قضيت يوما بدله.

والأفضل أن يصوم الإنسان يوم الشّكّ على أنّه من شعبان. فان قامت له البيّنة بعد ذلك أنّه كان من رمضان، فقد وفّق له، وأجزأ عنه، ولم يكن عليه قضاء. وإن لم يصمه، فليس عليه شي‌ء. ولا يجوز له أن يصوم ذلك اليوم على أنّه من شهر رمضان حسب ما قدّمناه، ولا أن يصومه وهو شاك فيه لا ينوي به صيام يوم من شعبان. فان صام على هذا الوجه، ثمَّ انكشف له أنّه كان من شهر رمضان، لم يجزئ عنه، وكان عليه القضاء.

والنيّة واجبة في الصّيام. ويكفي في نيّة صيام الشّهر كلّه أن ينوي في أوّل الشّهر، ويعزم على أن يصوم الشّهر كلّه. وإن جدّد النيّة في كلّ يوم على الاستيناف، كان أفضل. فإن لم يفعلها، لم يكن عليه شي‌ء. وإن نسي أن يعزم على الصّوم في أوّل الشّهر، وذكر في بعض النّهار، جدّد النّيّة، وقد أجزأه. فان لم يذكرها، وكان من عزمه قبل

١٥١

حضور الشّهر صيام الشّهر إذا حضر، فقد أجزأه أيضا. فإن لم يكن ذلك في عزمه، وجب عليه القضاء.

وإذا صام الإنسان يوم الشّكّ على أنّه من شعبان، ثمَّ علم بعد ذلك أنّه كان من شهر رمضان، فقد أجزأه. وكذلك إن كان في موضع لا طريق له إلى العلم بالشهر، فتوخّى شهرا فصامه، فوافق ذلك شهر رمضان، أو كان بعده، فقد أجزأه عن الفرض. وان انكشف له أنّه كان قد صام قبل شهر رمضان، وجب عليه استيناف الصّوم وقضاؤه.

وإذا نوى الإنسان الإفطار يوم الشّكّ، ثمَّ علم أنّه يوم من شهر رمضان، جدّد النّيّة ما بينه وبين الزّوال، وقد أجزأه، إذا لم يكن قد فعل ما يفسد الصّيام. وإن كان تناول ما يفسد الصّيام، أمسك بقيّة النّهار، وكان عليه القضاء. وإن لم يعلم الا بعد زوال الشمس، أمسك بقيّة النّهار عمّا يفسد الصّيام، وكان عليه قضاء ذلك اليوم.

والوقت الذي يجب فيه الإمساك عن الطّعام والشّراب، هو طلوع الفجر المعترض الذي يجب عنده الصّلاة، وقد بيّناه فيما مضى من الكتاب ومحلّل الأكل والشّرب إلى ذلك الوقت. فأما الجماع، فإنه محلّل إلى قبل ذلك بمقدار ما يتمكّن الإنسان من الاغتسال. فإن غلب على ظنّه، وخشي أن يلحقه الفجر قبل الغسل، لم يحلّ له ذلك.

١٥٢

ووقت الإفطار سقوط القرص. وعلامته ما قدّمناه من زوال الحمرة من جانب المشرق، وهو الوقت الذي يجب فيه الصّلاة. والأفضل أن لا يفطر الإنسان إلا بعد صلاة المغرب. فإن لم يستطع الصّبر على ذلك، صلّى الفرض، وأفطر، ثمَّ عاد، فصلّى نوافله. فإن لم يمكنه ذلك، أو كان عنده من يحتاج إلى الإفطار معه، قدّم الإفطار. فإذا فرغ منه، قام إلى الصّلاة، فصلّى المغرب.

باب ما على الصائم اجتنابه مما يفسد الصيام وما لا يفسده والفرق بين ما يلزم بفعله القضاء والكفارة وبين ما يلزم منه القضاء دون الكفارة

الذي على الصّائم اجتنابه على ضربين: ضرب يفسد الصّيام وضرب لا يفسده بل ينقضه. والذي يفسده على ضربين: ضرب منهما يجب منه القضاء والكفّارة، والضّرب الآخر يجب منه القضاء دون الكفّارة.

فأمّا الذي يفسد الصّيام ممّا يجب منه القضاء والكفّارة، فالأكل، والشّرب، وازدراد كلّ شي‌ء يقصد به إفساد الصّيام والجماع، والإمناء على جميع الوجوه، إذا كان عند ملاعبة أو ملامسة، وان لم يكن هناك جماع. والكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمّةعليهم‌السلام ، متعمّدا مع الاعتقاد لكونه

١٥٣

كذبا، وشمّ الرائحة الغليظة التي تصل إلى الحلق، والارتماس في الماء، والمقام على الجنابة والاحتلام باللّيل متعمّدا إلى طلوع الفجر. وكذلك، من أصابته جنابة، ونام من غير اغتسال، ثمَّ انتبه، ثمَّ نام، ثمَّ انتبه ثانيا، ثمَّ نام إلى طلوع الفجر. فهذه الأشياء كلّها تفسد الصّيام، ويجب منها القضاء والكفّارة.

والكفّارة عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستّين مسكينا، وقضاء ذلك اليوم. أيّ ذلك فعل، فقد أجزأه. فإن لم يتمكّن، فليتصدّق بما تمكّن منه. فإن لم يتمكّن من الصّدقة، صام ثمانية عشر يوما. فإن لم يقدر، صام ما تمكّن منه. فإن لم يستطع، قضا ذلك اليوم، وليستغفر الله تعالى، وليس عليه شي‌ء. ومتى وطئ الرّجل امرأته نهارا في شهر رمضان، كان عليها أيضا القضاء والكفّارة، إن كانت طاوعته على ذلك. وإن كان أكرهها، لم يكن عليها شي‌ء، وكان عليه كفّارتان.

وأمّا الذي يفسد الصّيام ممّا يجب منه القضاء دون الكفّارة، فمن أجنب في أوّل اللّيل، ونام، ثمَّ انتبه، ولم يغتسل، فنام ثانيا، واستمرّ به النّوم الى طلوع الفجر، كان عليه القضاء، وصيام ذلك اليوم، وليس عليه كفّارة. ومن تمضمض للتبرّد دون الطّهارة، فدخل الماء حلقه، وجب عليه

١٥٤

القضاء دون الكفّارة. وكذلك من تقيّأ متعمّدا، وجب عليه القضاء دون الكفّارة. فإن ذرعه القي‌ء، لم يكن عليه شي‌ء. وليبصق بما يحصل في فيه. فإن بلعه، كان عليه القضاء.

ومن أكل أو شرب عند طلوع الفجر من غير أن يرصده، ثمَّ تبيّن بعد ذلك أنّه كان طالعا، كان عليه القضاء. فإن رصده ولم يتبيّنه لم يكن عليه شي‌ء. فإن بدأ بالأكل، فقيل له: قد طلع الفجر، فلم يمتنع، ثمَّ تبيّن بعد ذلك أنّه كان طالعا، وجب عليه القضاء. ومن قلّد غيره في أنّ الفجر لم يطلع، ثمَّ تبيّن أنّه كان طالعا، وجب عليه القضاء.

ومن شكّ في دخول اللّيل لوجود عارض في السّماء، ولم يعلم بدخول الليل، ولا غلب على ظنّه ذلك، فأفطر، ثمَّ تبيّن بعد ذلك أنّه كان نهارا، كان عليه القضاء. فإن كان قد غلب على ظنّه دخول اللّيل، ثمَّ تبيّن أنّه كان نهارا، لم يكن عليه شي‌ء.

وجميع ما قدّمناه ممّا يفسد الصّيام، ممّا يجب منه القضاء والكفّارة، أو القضاء وحده، متى فعله الإنسان ناسيا وساهيا، لم يكن عليه شي‌ء. ومتى فعله متعمّدا، وجب عليه ما قدّمناه، وكان على الإمام أن يعزّره بحسب ما يراه. فإن تعمّد الإفطار ثلاث مرّات، يرفع فيها إلى الإمام: فإن كان عالما بتحريم ذلك عليه، قتله الإمام في الثّالثة والرّابعة. وإن لم

١٥٥

يكن عالما، لم يكن عليه شي‌ء.

ويكره للصّائم الكحل إذا كان فيه مسك. وإن لم يكن فيه ذلك، لم يكن به بأس.

ولا بأس للصّائم أن يحتجم ويفتصد، إذا احتاج إلى ذلك، ما لم يخف الضّعف. فإن خاف، كره له ذلك، إلّا عند الضّرورة اليه.

ويكره له تقطير الدّهن في أذنه إلّا عند الحاجة اليه، ويكره له أن يبلّ الثّوب على جسده. ولا بأس أن يستنقع في الماء الى عنقه، ولا يرتمس فيه حسب ما قدّمناه. ويكره ذلك للنّساء. ويكره للصّائم السّعوط. وكذلك الحقنة بالجامدات. ولا يجوز له الاحتقان بالمائعات. ويكره له دخول الحمّام إذا خاف الضّعف. فإن لم يخف، فليس به بأس.

ولا بأس بالسّواك للصّائم بالرّطب منه واليابس. فان كان يابسا، فلا بأس أن يبلّه أيضا بالماء. وليحفظ نفسه من ابتلاع ما حصل في فيه من رطوبته. ويكره له شمّ النّرجس وغيره من الرّياحين. وليس كراهية شمّ النّرجس مثل الرّياحين بل هي آكد. ولا بأس أن يدّهن بالأدهان الطيّبة وغير الطيّبة. ويكره له شمّ المسك وما يجري مجراه.

ويكره للصّائم أيضا القبلة، وكذلك مباشرة النّساء وملاعبتهنّ. فإن باشرهنّ بما دون الجماع أو لاعبهن بشهوة،

١٥٦

فأمذى، لم يكن عليه شي‌ء. فإن أمنى، كان عليه ما على المجامع. فإن أمنى من غير ملامسة لسماع كلام أو نظر، لم يكن عليه شي‌ء. ولا يعود إلى ذلك.

ولا بأس للصّائم أن يزقّ الطّائر، والطّباخ أن يذوق المرق، والمرأة أن تمضغ الطّعام للصّبي ولا تبلغ شيئا من ذلك. ولا يجوز للصائم مضغ العلك. ولا بأس ان يمص الخاتم والخرز وما أشبههما.

باب حكم المريض والعاجز عن الصيام

المريض الذي لا يقدر على الصّيام أو يضرّ به، يجب عليه الإفطار، ولا يجزي عنه إن صامه، وكان عليه القضاء إذا برأ منه. فإن أفطر في أوّل النّهار، ثمَّ صحّ فيما بقي منه، أمسك تأديبا، وكان عليه القضاء.

فإن لم يصحّ المريض، ومات من مرضه الذي أفطر فيه، يستحبّ لولده الأكبر من الذّكور أن يقضي عنه ما فاته من الصّيام. وليس ذلك بواجب عليه. فإن برأ من مرضه ذلك، ولم يقض ما فاته، ثمَّ مات، وجب على وليّه القضاء عنه. وكذلك إن كان قد فاته شي‌ء من الصّيام في السفر، ثمَّ مات قبل أن يقضي، وكان متمكّنا من القضاء، وجب على وليّه أن يصوم عنه.

١٥٧

فإن فات المريض صوم شهر رمضان، واستمرّ به المرض إلى رمضان آخر، ولم يصحّ فيما بينهما، صام الحاضر، وتصدّق عن الأول عن كلّ يوم بمدين من طعام. فإن لم يمكنه فبمد منه. فان لم يتمكّن، لم يكن عليه شي‌ء، وليس عليه قضاء. فإن صحّ فيما بين الرّمضانين، ولم يقض ما عليه، وكان في عزمه القضاء قبل الرّمضان الثّاني، ثمَّ مرض، صام الثّاني، وقضى الأوّل، وليس عليه كفّارة. فإن أخّر قضاءه بعد الصحّة توانيا، وجب عليه أن يصوم الثّاني، ويتصدّق عن الأوّل ويقضيه أيضا بعد ذلك. وحكم ما زاد على الرّمضانين حكم رمضانين على السّواء. وكذلك لا يختلف الحكم في أن يكون الذي فاته الشّهر كلّه أو بعضه، بل الحكم فيه سواء.

والمريض إذا كان قد وجب عليه صيام شهرين متتابعين، ثمَّ مات، تصدّق عنه عن شهر، ويقضي عنه وليّه شهرا آخر.

والمرأة أيضا، حكمها حكم ما ذكرناه، في أنّ ما يفوتها من الصّيام بمرض أو طمث، لا يجب على أحد القضاء عنها، إلا أن تكون قد تمكّنت من القضاء، فلم تقضه، فإنّه يجب القضاء عنها. ويجب أيضا القضاء عنها ما يفوتها بالسّفر حسب ما قدّمناه في حكم الرّجال.

وحدّ المرض الذي يجب معه الإفطار، إذا علم الإنسان من

١٥٨

نفسه: أنه إن صام، زاد ذلك في مرضه، أو أضرّ به. وسواء الحكم أن يكون المرض في الجسم، أو يكون رمدا، أو وجع الأضراس. فإن عند جميع ذلك يجب الإفطار مع الخوف من الضّرر.

والشّيخ الكبير والمرأة الكبيرة، إذا عجزا عن الصّيام، أفطرا وتصدّقا عن كل يوم بمدّين من طعام. فإن لم يقدرا عليه فبمدّ منه. وكذلك الحكم فيمن يلحقه العطاش ولا يقدر معه على الصّوم. وليس على واحد منهم القضاء. والحامل المقرب والمرضع القليلة اللّبن لا بأس أن تفطرا، إذا أضرّ بهما الصّوم وتتصدّقا عن كلّ يوم وتقضيا ذلك اليوم فيما بعد.

وكلّ هؤلاء الذين ذكرنا: أنه يجوز لهم الإفطار، فليس لهم أن يأكلوا شبعا من الطعام، ولا أن يشربوا ريّا من الشراب، ولا يجوز لهم أن يواقعوا النّساء.

باب حكم من أسلم في شهر رمضان ومن بلغ فيه والمسافر إذا قدم أهله والحائض إذا طهرت والمريض إذا برأ

من أسلم في شهر رمضان، وقد مضت منه أيّام، فليس عليه قضاء شي‌ء ممّا فاته من الصّيام، وعليه صيام ما يستأنف من الأيام. وحكم اليوم الذي يسلم فيه، إن أسلم قبل طلوع الفجر، كان عليه صيام ذلك اليوم. فإن لم يصمه. كان عليه

١٥٩

القضاء. وإذا أسلم بعد طلوع الفجر، لم يجب عليه صيام ذلك اليوم، وكان عليه أن يمسك تأديبا إلى آخر النّهار.

وحكم من بلغ في شهر رمضان أيضا ذلك الحكم في أنّه يجب عليه صيام ما بقي من الأيام بعد بلوغه، وليس عليه قضاء ما قد مضى ممّا لم يكن بالغا فيه.

والمسافر إذا قدم أهله، وكان قد أفطر، فعليه أن يمسك بقيّة النّهار تأديبا، وكان عليه القضاء. فإن لم يكن قد فعل شيئا ينقض الصّوم، وجب عليه الإمساك، ولم يكن عليه القضاء. فإن طلع الفجر، وهو بعد خارج البلد، كان مخيّرا بين الإمساك ممّا ينقض الصّوم، ويدخل بلده، فيتمّ صومه ذلك اليوم، وبين أن يفطر، فإذا دخل إلى بلده، أمسك بقيّة نهاره تأديبا، ثمَّ قضاه حسب ما قدّمناه. والأفضل، إذا علم أنّه يصل إلى بلده، أن يمسك عمّا ينقض الصّيام. فإذا دخل الى بلده، تمّم صومه، ولم يكن عليه قضاء.

والحائض، إذا طهرت في وسط النّهار، أمسكت بقيّة النّهار تأديبا، وكان عليها القضاء، سواء كانت أفطرت قبل ذلك، أو لم تفطر. ويجب عليها قضاء ما فاتها من الصّيام في أيّام حيضها.

والمريض، إذا برأ من مرضه في وسط النّهار، أو قدر على الصّوم، وكان قد تناول ما يفسد الصّوم، كان عليه الإمساك

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710