الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٤

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل9%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 611

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 611 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 135029 / تحميل: 6379
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

البطالة ينافي ما عليه الإسلام ، وما هو معروف من مبادئه من انه ينكر البطالة ويحث عل العمل وعدم الاتكال على الآخرين.

ويقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« ملعون من القى كلّه على الناس »(١) .

ويقول الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام :

« لنقـل الصخر من قلل الجبال

أعز الي من مـنـن الـرجال

يقول الناس لي في الكسب عار

فقلت العار في ذْل السؤال »(٢)

بهذا الأسلوب يواجه الإسلام الأفراد فهو دين العزة والرفعة ، وهو دين الجد والعمل ، ولا يريد للمجتمع أن يعيش أفراده يتسكعون ويتكففون.

فلماذا اذاً يعودهم على الاتكال على غيرهم ؟.

للإجابة على ذلك نقول :

إن الإسلام بتشريعه الانفاق بنوعيه الالزامي والتبرعي لم يرد للأفراد أن يتكلوا على غيرهم في مجال العيش والعمل بل على العكس نراه يحارب بشدة الاتكالية ، والاعتماد على أيديِ الآخرين.

بل الإسلام يكره للفرد أن يجلس في داره وله طاقة على العمل ، ويطلب الرزق من الله فكيف بالطلب من انسان مثله.

يقول الإمام الصادقعليه‌السلام :

__________________

(١ و ٢) المحجة البيضاء ٧ / ٤٢٠.

٤١

« أربعة لا تستجاب لهم دعوة رجل جالس في بيته يقول : اللهم أرزقني فيقال له : ألم آمرك بالطلب ؟ »(١) .

وفي حديث آخر عنهعليه‌السلام فيمن ترد دعوته :

« ورجل جلس في بيته وقال : يا رب ارزقني »(٢) .

وهناك احاديث أخرى جاءت بهذا المضمون ان الله الذي قال في أكثر من آية( ادعوني أستجب لكم ) ، ووعد بالاستجابة بمجرد دعاء عبده ليكره على لسان هذه الأخبار وغيرها أن يدعوا العبد بالرزق ، وهو جالس لا يبدي أي نشاط وفعالية بالاسباب التي توجب الرزق.

واذاً فالإسلام عندما شرع بنوعية الإلزامي والتبرعي لم يشرعه لمثل هؤلاء المتسولين بل حاربهم ، واظهر غضبه عليهم.

فعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنه قال :

« ثلاثة يبغضهم الله ـ الشيخ الزاني ، والفقير المحتال ، والغني الظلوم »(٣) .

إنما شرع الإنفاق للفقير الذي لا يملك قوت سنته ، وقد اضطره الفقر لأن يجلس في داره.

وقد تضمنت آية الزكاة مصرف الزكاة فحصرت الاصناف الذين يستحقونها في ثمانية اثنان منهم الفقراء ، والمساكين ، وستة أصناف لم يؤخذ الفقر صفة لهم بل لمصالح خاصة استحقوها :

__________________

(١ و ٢) أصول الكافي ٢ / ٥١١ ـ طبعة طهران ـ تصحيح وتعليق الغفاري.

(٣) الدر المنثور في تفسير الآية ٢٧١ من صورة البقرة.

٤٢

يقول سبحانه :

( إنما الصّدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرّقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل ) (١) .

وأما مصرف بقية موارد الانفاق الإلزامي من كفارات ، والإنفاق التبرعي فكلفه للفقراء.

والفقراء في المصطلح الشرعي هم الذين يستحقون هذا النوع من المساعدة كلهم اخذ فيهم أن لا يملكوا قوت سنتهم ، أو كان ما عنده من المال لا يكفيه لقوت سنته أما من كان مالكاً لقوت سنته وأخذ منها فهو محتال وسارق لقوت غيره.

ولا يعطى من الصدقات ، وإذا اعطي من الصدقات فمن التبرعية لا الإلزامية وله عند الله حسابه لو عوّد نفسه على التكفف والتسول والأخذ من الصدقات التبرعية ، وبه طاقة على العمل.

__________________

(١) سورة التوبة / آية : ٦٠.

٤٣

الطرق التي سلكها القرآن الكريم

للحث على الإنفاق

وكما قلنا إن الأساليب التي اتخذها القرآن الكريم لحث الفرد على هذه العملية الإنسانية كثيرة وبالامكان بيان ابرز صورها وهي :

١ ـ الترغيب والتشويق إلى الإنفاق.

٢ ـ التنأيب على عدم الإنفاق.

٣ ـ الترهيب والتخويف على عدم الإنفاق.

١ ـ التشويق إلى الإنفاق والبذل والحث عليه :

ولم يقتصر هذا النوع من التشويق على صورة واحدة بل سلك القرآن في هذا المجال مسالك عديدة وصور لتحبيب الإنفاق صوراً مختلفة :

٤٤

الصورة الأولى من التشويق :

الضمان بالجزاء

لقد نوخت الآيات التي تعرضت إلى الإنفاق والتشويق له أن تطمئن المنفق بأن عمله لم يذهب سدى ، ولم يقتصر فيه على كونه عملية تكافلية إنسانية لا ينال الباذل من ورائها من الله شيئاً ، بل على العكس سيجد المنفق أن الله هو الذي يتعهد له بالجزاء على عمله في الدنيا وفي الآخرة.

أما بالنسبة إلى الجزاء وبيان ما يحصله الباذل ازاء هذا العمل فإن الآيات الكريمة تتناول الموضوع على نحوين :

الأول : وقد تعرضت إلى بيان أن المنفق سيجازيه الله على عمله ويوفيه حقه أما ما هو الحزاء ونوعيته فإنها لم تتعرض لذلك ، بل أوكلته إلى النحو الثاني الذي شرح نوعية الجزاء وما يناله المنفق في الدنيا والآخرة.

١ ـ الآيات التي اقتصرت على ذكر الجزاء فقط :

يقول تعالى :

( وما تنفقوا من خير يوفّ إليكم وانتم لا تظلمون ) (١) .

وفي آية أخرى قال سبحانه :

__________________

(١) سورة البقرة / آية : ٢٧٢.

٤٥

( وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوفّ إليكم وأنتم تظلمون ) (١) .

ويظهر لنا من مجموع الآيتين أنهما تعرضتا لأمرين :

الأول : اخبار المنفق واعلامه بأن ما ينفقه يوقى إليه ، وكلمة ( وفى ) في اللغة تحمل معنيين :

أحدهما : انه يؤدي الحق تاماً.

ثانيهما : انه يؤدي بأكثر.

وقوله سبحانه :( يُوَفَ إليكُم ) تشتمل بإطلاقها المعنيين أي يعطى جزاءه تاماً بل بأكثر مما يتصوره ويستحقه والمنفق.

الثاني : تطمين المنفق بأنه لا يظلم إذا أقدم على هذه العملية الإنسانية وهذا تأكيد منه سبحانه لعبده وكفى بالله ضامناً ومتعهداً في الدارين ويستفاد ذلك من تكرار الآية الكريمة وبنفس التعبير في الأخبار بالوفاء ، وعدم الظلم وحاشا له وهو الغفور الرحيم أن يظلم عبداً أنفق لوجهه ، وبذل تقرباً إليه.

هذا النوع من الإطمئنان للمنفق بأنه لا يظلم بل يؤدى إليه حقه كاملاً بل بأكثر.

وفي آية أخرى نرى التطمين من الله عز وجل يكون على شكل آخر فيه نوع من الحساب الدقيق مع المنفقين.

( الّذين ينفقون أموالهم باللّيل والنّهار سراً وعلانية فلهم

__________________

(١) سورة الانفال / آية : ٦٠.

٤٦

أجرهم عند ربّهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) (١) .

ولم يتعرض سبحانه لنوعية الجزاء من الأجر بل أخفاه ليواجههم به يوم القيامة فتزيد بذلك فرحتهم.

( ولا خوف عليهم ) من فقرٍ ، أو ملامة لأن الله عز وجل هو الذي يضمن لهم ، ثم ممن الخوف ؟

من اعتراض المعترضين ؟ ، وقد جاء في الحديث ( صانع وجهاً يكفيفك الوجوه ) ، أم من الفقر ، ونفاد المال ؟ وقد صرحت الآيات العديدة بأن الله سبحانه وتعالى هو الذي يقسم بين الناس معايشهم كما ذكرنا ذلك في الآيات السابقة.

( ولا هم يحزنون ) .

وقد ورد في تفسير هذه الآية أنها نزلت في الإمام علي بن أبي طالب أمير المؤمنينعليه‌السلام : « كانت عنده أربع دراهم فانفق بالليل درهماً ، وفي النهار درهماً وسراً درهماً وعلانيةً درهماً »(٢) .

وتتفاوت النفوس في الإيمان والثبات فلربما خشي البعض من العطاء فكان في نفسه مثل ما يلقاه المتردد في الاقدام على الشيء.

لذلك نرى القرآن الكريم يحاسب هؤلاء ويدفع بهم إلى الإقدام على الانفاق وعدم التوقف فيقول سبحانه :

( قل إنّ ربّي يبسُطُ الرّزقَ لمن يشاءُ من عبادِهِ ويقدِرُ له وما

__________________

(١) سورة البقرة / آية : ٢٤٧.

(٢) الدر المنثور : في تفسيره لهذه الآية.

٤٧

أنفقتُم من شَيءٍ فهو يخلفُهُ وهو خيرُ الرّازقينَ ) (١) .

ومع الآية الكريمة فإنها تضمنت مقاطع ثلاثة :

١ ـ قوله :( قل أن ربي يبسط الرّزقَ لمن يشاءُ من عبادهِ ويقدِرُ له ) .

٢ ـ قوله :( وما أنفقتُم من شيء فهوَ يخلفْهُ ) .

٣ ـ قوله :( وهو خيرُ الرازقين ) .

أولاً :

( قل إن ربي يبسُطُ الرزق لمن يشاءُ ) .

ولا بد للعبد أن يعلم أن الرازق هو الله وأن بيده جميع المقاييس والضوابط فالبسط منه والتقتير منه أيضاً وفي كلتا الحالتين تتدخل المصالح لتأخذ مجراها في هاتين العمليتين ، وليس في البين أي حيف وميل بل رحمة وعطف على الغني بغناه ، وعلى الفقير بفقره فكلهم عبيده وعباده وحاشا أن يرفع البعض على اكتاف الآخرين.

أما ما هي المصالح ؟.

فإن علمها عند الله وليس الخفاء فيها يوجب القول بعدم وجودها.

وفي الحديث عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن الله سبحانه يقول :

__________________

(١) سورة سبأ / آية : ٣٩.

٤٨

( عبدي أطعني بما أمرتك ولا تعلمني ما يصلحك ) .

ثانياً :

( وما أنفقتُم من شيءٍ فهو يخلفْهُ ) .

فعن جابر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله :

« كل معروف صدقة ، وما وقى به الرجل عرضه فهو صدقة ، وما انفق المؤمن من نفقة فعلى الله خلفها ضامناً »(١) .

ثالثاً :

( وهو خير الرازقين ) .

أما أنه خير الرازقين فلأن عطاءه يتميز عن عطاء البشر.

عطاؤه يأتي بلا منة.

وعطاء البشر مقرون بمنة.

وعطاؤه من دون تحديد نابع عن ذاته المقدسة الرحيمة الودودة التي هي على العبد كالأم الرؤوم بل وأكثر من ذلك ، وعطاء البشر محدود.

وكذب من قال انه محدود العطاء :

( بل يداهُ مبسوطتانِ ينفِقُ كيفَ يشاءُ ) (٢) .

وقد جاء عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :

__________________

(١) مجمع البيان في تفسيره لهذه الآية.

(٢) سورة المائدة / آية : ٦٤.

٤٩

« ان يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة سخاء بالليل والنهار أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض فإنه لم يغض ما في يمينه »(١) .

وقد جاء الوعد بالجزاء فقط في آيات أخرى فقد قال سبحانه :

( وما تُنفقوا من خيرٍ فأنَّ اللهَ به عليمٌ ) (٢) .

( وما أنفقتُم من نفقةٍ أو نذرتُم من نذرٍ فأنَّ الله يعلَمَهُ ) (٣) .

( وما تُنفقُوا من شيءٍ فإنَّ الله به عليمٌ ) (٤) .

وقد فسر قوله «عليم » أو «يعلمه » بالجزاء لأنه عالم فدل ذكر العلم على تحقيق الجزاء.

وفي تفسير آخر للآيات الكريمة أن معنى عليم أو يعلمه في هذه الآيات أي يجازيكم به قل أو كثر لأنه عليم لا يخفى عليه شيء من كل ما فعلتموه وقدمتموه لوجهه ولمرضاته عز وجل.

٢ ـ الآيات التي تطرقت لنوعية الجزاء :

يختلف لسان الآيات بالنسبة لبيان نوعية الجزاء فهي تارة : تذكر الجزاء ولا ذكر فيه للجنة.

وأخرى : تذكر الجنة وتبشر المنفق بأنها جزاؤه.

وما ذكر فيه الجنة أيضاً جاء على قسمين :

__________________

(١) الدر المنثور في تفسيره لهذه الآية.

(٢) سورة البقرة / آية : ٢٧٣.

(٣) سورة البقرة / آية : ٢٧٠.

(٤) سورة آل عمران / آية : ٩٢.

٥٠

فمرة : نرى الآية تقتصر على ذكر الجنة جزاء.

وثانية : تحبب إلى المنفق عمله فتذكر الجنة وما فيها من مظاهر تشتاق لها النفس كالانهار والاشجار وما شاكل.

ومن الاجمال إلى التفصيل :

يقول سبحانه :

( إنما المؤمنونَ الذينَ إذا ذُكِرَ اللهُ وجلَتْ قلوبُهُم وإذا تليَتْ عليهِم آياتُهُ زادتهُم إيماناً وعلى ربِّهِم يتوكَّلُون *الذينَ يقيمونَ الصَّلاةَ وممّا رزقناهُم يُنفِقون *أولئِكَ هُمُ المؤمنونَ حقّاً لهم درجاتٌ عندَ ربِّهِم ومغفرَةٌ وَرِزقٌ كَريمٌ ) (١) .

( إنما المؤمنون ) إنما أداة حصر تفيد أن ما بعدها هم المؤمنون هؤلاء الذين عددت الآية الكريمة صفاتهم وهم الذين جمعوا هذه الصفات.

وكانت صفة الانفاق من جملة مميزات المؤمنين وصفاتهم التي بها نالوا هذا التأكيد من الله سبحانه بقوله :

( أولئِكَ هُمُ المُؤمِنونَ حقّاً ) (٢) .

أما ما أعد لهم من جزاء فهو :

( درجات عند ربهم ) وهي الحسنات التي استحقوا بها تلك المراتب العالية.

__________________

(١) سورة الانفال / آية : ٢ ـ ٤.

(٢) سورة الانفال / آية : ٤ و ٧٤.

٥١

( ومغفرة ) لذنوبهم من غير حساب على ما فعلوه في هذه الدنيا من مخالفات.

( ورزق كريم ) : وهو رزق لا يصيبه ضرر ولا يخاف من نقصانه لأنه من الله جلت عظمته ، وما كان من الله ينمو وتكون فيه البركة فهو رزق طيب ومن كريم.

وفي آية كريمة أخرى يقول عز وجل :

( إنّ المسلمينَ والمسلماتِ والمؤمنينَ والمؤمناتِ والقانتينَ والقانتاتِ والصّادقينَ والصّادقاتِ والصّابرينَ والصّابراتِ والخاشعينَ والخاشعاتِ والمُتصدّقينَ والمُتصدّقاتِ ـ إلى قوله تعالى ـأعدَّ اللهُ لهم مغفرةً وأجراً عظيماً ) (١) .

( والمتصدقين والمتصدقات ) .

هؤلاء من جملة من أعد الله لهم المغفرة والأجر العظيم جزاء على هذه الصفة وهذا الشعور التعاطفي بالنحو على الضعيف.

وأما الأيات التي ذكرت الجنة جزاء للمنفق فمنها قوله تعالى :

( أفمن يعلمُ أنّما أُنزلَ إليكَ من ربّكَ الحقُّ كمن هو أعمَى إنّما يتذكّرُ أولُوا الألبابِ *الّذينَ يُوفُونَ بعهدِ اللهِ ولا يُنقضُونَ الميثاقَ *والّذين يصلُونَ ما أمرَ اللهُ بهِ أنْ يوصَلَ ويخشونَ ربّهم ويَخافونَ سوءَ الحساب *والّذينَ صَبَرُوا ابتغاءَ وجهِ ربّهم وأقامُوا الصّلاة وأنفَقُوا ممّا رزقناهُم سرّاً وعلانِيَةً ويدْرَءُونَ بالحَسَنَةِ السّيِّئَةَ أولئك لهم عقبى الدّارِ *جنّاُت عدنٍ يَدخلونَهَا ) (٢) .

__________________

(١) سورة الأحزاب / آية : ٣٥.

(٢) سورة الرعد / آية : ١٩ ـ ٢٣.

٥٢

يقف الإنسان عند هذه الآيات وهو يرتلها بخشوع ليلحظ من خلالها إنها فرقت بين صنفين من الناس كافر ، ومؤمن ، وقد وصفت الكافر أنه( أعمى ) لا يتذكر ولا ينفع معه شيء.

أما المؤمن ، وهو من يتذكر فأنه ينظر بعين البصيرة ، وقد شرعت ببيان أوصاف هؤلاء المؤمنين ، ومن جملة صفاتهم أنهم الذين ينفقون مما رزقناهم سراً وعلانيةً.

في السر : فإنما هي لرعاية الفقير وحفظ كرامته لئلا يظهر عليه ذل السؤال.

ويحدثنا التاريخ عن أئمة أهل البيتعليهم‌السلام إنهم كانوا إذا أرادوا العطاء أعطوا من وراء ستار حفاظاً منهم على عزة السائل وكرامته ، وتنزيهاً للنفس لئلا يأخذ العجب والزهو فتمن على السائل بهذا العطاء فيذهب الأجر.

أما في العلانية : فإنما هو لتشجيع الأخرين على التسابق على الخير والاحسان أو لدفع التهمة عن النفس لئلا يرمى المنفق بالبخل والامتناع عن هذا النوع من التعاطف الإنساني.

أما جزاؤهم : فهو العاقبة الحسنة ، وأن لهم الجنة جزاء قيامهم بهذه الأعمال وتفقدهم لهؤلاء الضعفاء في جميع الحالات سراً وعلانيةً.

وفي آيات أخرى نرى القرآن لا يقتصر على ذكر الجنة فقط كجزاء للمنفق بل يتطرق لبيان ما فيها وما هي ليكون ذلك مشوقاً للمنفق في أن يقوم بهذه الأعمال الخيرة لينال جزاءه في الآخرة.

٥٣

قال تعالى :

( وسارعُوا إلى مغفرةٍ من ربّكُم وجنّةٍ عرضُهَا السماواتُ والأرضُ أعدَّت للمُتّقينَ *الّذين ينفقونَ في السّرّاءِ والضّرّاءِ والكاظِمِينَ الغيظَ والعافينَ عن النّاسِ واللهُ يحبُّ المُحسنينَ ) (١) .

وقال جلت عظمته :

( قل أؤنبّئكمُ بخيرٍ من ذلكُم للذينَ اتّقَوا عندَ ربّهم جنّاتٌ تجري من تحتها الأنهارُ خالدينَ فيها وأزواجٌ مطهّرةٌ ورضوانٌ من اللهِ واللهُ بصيرٌ بالعبادِ *الّذين يقولونّ ربّنا إنّنا آمَنّا فأغفِر لنا ذُنُوبَنَا وقِنا عذابَ النّار *الصّابرينَ والصّادقينَ والقانتينَ والمُنفقينَ والمُستغفرينَ بالأسحارِ ) (٢) .

وقد تضمنت الآيات نحوين من الجزاء :

الأول : جزاء حسي.

الثاني : جزاء روحي.

أما الجزاء الحسي : فيتمثل بقوله تعالى في الآية الأولى :

( جنة عرضُها السماواتُ والأرضُ ) .

وفي الآية الثانية فيتمثل بقوله تعالى :

( جنّاتٌ تجري من تَحتِها الأنهارُ خالدينَ فيها وأزواجٌ مطهرةٌ ) .

وتأتي هذه الصفات أو المشوقات للجنة من كونها بهذا الحجم الواسع عرضاً فكيف بالطول لأن العرض غالباً يكون أقل من الطول ،

__________________

(١) سورة آل عمران / آية : ١٣٣ ـ ١٣٤.

(٢) سورة آل عمران / آية : ١٥ ـ ١٦ ـ ١٧.

٥٤

ومن أن فيها الأشجار ، ومن تحت تلك الأشجار الأنهار الجارية وفيها أزواج ، وتلك الأزواج مطهرة من دم الحيض والنفاس ، ومن كل الأقذار والقبائح وبقية الصفات الذميمة.

تأتي كل هذه الصفات مطابقة لما تشتهيه النفس ، وما اعتادت على تذوقه في الدنيا من مناظر الأشجار والأنهار والنساء وأن ذلك غير زائل بل هو باقٍ وكل هذه الأمور محببة للنفس وقد استحقها المنفق جزاء تعاطفه وإنفاقه في سبيل الله ونيل مرضاته جلت عظمته.

أما الجزاء الروحي : فيتمثل بقوله تعالى في الآية الأولى :

( والله يحبُ المحسنين ) .

( ورضوانٌ من اللهِ ) .

رضا الله ومحبته له والتفاته وعطفه كل هذه غاية يتوخاها الإنسان يبذل بازائها كل غالٍ ونفيس ، وما أسعد الإنسان وهو يرى نفسه محبوباً لله سبحانه راضياً عنه.

على أن في الأخبار بالرضا والمحبة في آيتين تدرجاً ظاهراً وواضحاً فإن المحبة أمر أعمق من مجرد الرضا وواقع في النفس من ذلك.

وصحيح ان الإنسان يسعى جاهداً ويقوم بكل عبادة ليحصل على رضا الله ، ولكن محبة الله له هي معنى له تأثيره الخاص في النفس.

ان عباد الله المؤمنين يشعرون بهذه اللذة وهذه الراحة النفسية عندما يجد الفرد منهم أنه مورد عناية الله في توجهه إليه.

٥٥

الصورة الثانية من التشويق :

جعل المنفقين من المتقين أو المؤمنين

ويتحول القرآن الكريم إلى إعطاء صورة أخرى من صور التشويق للانفاق والبذل والعطاء فنراه يرفع من مكانة هؤلاء المحسنين ، ويجعلهم بمصاف النماذج الرفيعة من الذين اختارهم وهداهم إلى الطريق المستقيم.

ففي آية يعدّهم من أفراد المتقين ، وفي أخرى من المؤمنين ، وفي ثالثة يقرنهم بمقيم الصلاة ، والمواظبين عليها ، وهو تعبير يحمل بين جنباته بأن هؤلاء من المطيعين لله والمواظبين على امتثال أوامره يقول سبحانه عز وجل :

( ذلكَ الكتابُ لا ريبَ فيه هدىً للمُتّقينَ *الذينَ يؤمنونَ بالغيبِ ويقيمونَ الصّلاةَ وممّا رزقناهُم يُنفقونَ ) (١) .

ومن خلال هذه الآية نلمح صفة الإنفاق وما لها من الأهمية بحيث كانت إحدى الركائز الثلاثة التي توجب إطلاق صفة المتقي على الفرد.

__________________

(١) سورة البقرة / آية : ٢ ـ ٣.

٥٦

فمن هم المتقون ؟.

ويأتينا الجواب عبر الآية الكريمة بأنهم :

( الّذين يؤمنونَ بالغيبِ ويُقيمونَ الصلاةَ ومما رزقناهم يُنفقونَ ) .

( يُؤمنونَ بالغيبِ ) :

يؤمنون بما جاء من عند الله من أحكامه وتشريعاته وما يخبر به من المشاهد الآتية من القيامة والحساب والكتاب والجنة والنار وما يتعلق بذلك من مغيبات يؤمنون بها ، ولا يطلبون لمثل هذا الايمان مدركاً يرجع إلى الحس والنظر والمشاهدة بل تكفيهم هذه الثقة بالله وبما يعود له.

( ويقيمونَ الصلاة ) :

فمنهم في مقام اداء فرائضهم مواظبون ولا يتأخرون ويتوجهون بعملهم إلى الله يطلبون رضاه ، ولا يتجهون إلى غيره ، يعبدونه ولا يشركون معه أحداً ، وأداء الصلاة هو مثال الخضوع والعبودية بجميع الأفعال ، والأقوال. يقف الفرد في صلاته خاشعاً بين يدي الله ويركع ويسجد له ، ويضع أهم عضو في البدن وهو الجبهة على الأرض ليكون ذلك دليلاً على منتهى الإطاعة والخضوع ، ويرتل القرآن ليمجده ويحمده ويسبحه ويهلله فهي إذاً مجموعة أفعال وأقوال يرمز إلى الاذعان لعظمته ، والخضوع لقدرته وبذلك تشكل عبادة فريدة من نوعها لا تشبهها بقية العبادات.

( ومما رزقناهم ينفقون ) :

كل ذلك من الجوانب الروحية ، وأما من الجوانب المالية ،

٥٧

فإن المال لا يقف في طريق وصولهم إلى الهدف الذي يقصدونه من الاتصال بالله فهم ينفقون مما رزقناهم غير آبهين به ولا يخافون لومة لائم في السر والعلن ، وفي الليل والنهار كما حدّث القرآن الكريم في آيات أخرى مماثلة.

هؤلاء هم المنفقون الذين كات الإنفاق من جماة مميزاتهم ، وقد مدحهم الله جلت قدرته بقوله :

( أولئكَ على هدىً من ربّهم وأولئكَ هُمُ المُفلحونَ ) (١) .

( هدىً من ربهم ) :

بلى : هدى وبصيرة فلا يضلون ولا يعمهون في كل ما يعود إلى دينهم ودنياهم.( وأولئك هم المفلحون ) :

بكل شيء مفلحون في الدينا بما ينالهم من عزٍ ورفعة لأنهم خرجوا من ذل معصية الله إلى عز طاعته تماماً كما يقول الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام :

« إذا أردت عز بلا عشيرة وهيبةً بلا سلطان فاخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعته »(٢) .

ومفلحون في الآخرة التي وعدهم بها كما جاء ذلك في آيات عديدة من كتابه الكريم.

ولم يقتصر الكتاب على هذه الآية في عد الانفاق من جملة صفات المتقين بل درج مع الذين ينفقون من المتقين حيث قال سبحانه :

__________________

(١) سورة البقرة / آية : ٥.

(٢) من كلماتهعليه‌السلام في نهج البلاغة.

٥٨

( وسارعُوا إلى مغفرةٍ مِن ربّكُم وَجنَّةً عرضُهَا السَمَاواتُ و الأرضُ أعِدَّتْ للمتّقينَ *الّذين يُنفقونَ في السّرّاءِ والضّرّاءِ والكاظمينَ الغيظَ والعافينَ عن النّاسِ واللهُ يُحبُّ المُحسنينَ ) (١) .

ومن خلال هذه الآية نرى الأهمية للإنفاق تبرز بتقديم المنفقين على غيرهم من الأصناف الذين ذكرتهم الآية والذين أعدت لهم الجنة من الكاظمين والعافين.

هؤلاء المنفقون الذين لا يفترون عن القيام بواجبهم الإجتماعي في حالتي اليسر والعسر في السراء والضراء يطلبون بذلك وجه الله والتقرب إلى ساحته المقدسة.

وعندما نراجع الآية الكريمة في قوله تعالى :

( الم *تلك آياتُ الكتابِ الحكيمِ *هدىً ورحمةً للمحسنينَ *الذينَ يقيمونَ الصّلاةَ ويؤتونَ الزّكاةَ وهم بالأخرةِ هُم يوقنونَ *أولئكَ على هدىً من ربّهِم وأولئكَ هُمُ المُفلحونَ ) (٢) .

نرى نفس الموضوع تكرره الآية هنا ، ولكن في الآية السابقة قالت عن المنفق بأنه من المتقين ، وهنا من المحسنين.

وفي الآية السابقة الانفاق بكل ما ينفق وهنا عن الانفاق بالزكاة ، فالنتيجة لا تختلف كثيراً ، والصورة هي الصورة نفسها إنفاق من العبد ، وتشويق من الله ، ومدح له بنفس ما مدح المتقي سابقاً.

__________________

(١) سورة آل عمران / آية : ١٣٣ ـ ١٣٤.

(٢) سورة لقمان / آية : ١ ـ ٥.

٥٩

والحديث في الآيتين عن المتقين والمحسنين ، ومن جملة صفاتهم الإنفاق وأداء ما عليهم من الواجب الإجتماعي المتمثل في الإنفاق التبرعي ، أو الإلزامي ، وقد قال عنهم في نهاية المطاف بنفس ما مدح به المتقين في الآية السابقة.

( أولئكَ على هدىً من ربّهم وأولئكَ هُمُ المفلحونَ ) (١) .

وفي وصف جديد في آية كريمة أخرى يصفهم الله بأنهم من المخبتين.

( وبشِّرِ المخبتينَ *الذين إذا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قلوبهم والصّابرينَ على ما أصابَهُم والمُقيمي الصّلاةِ وممّا رزقناهُم يُنفقونَ ) (٢) .

( والمخبتون ) هم المتواضعون لله المطمئنون إليه.

وعندما شرعت الآية بتعدادهم قالت عنهم :

( الذين إذا ذُكِرَ الله وجلتْ قلوبهُمْ ) .

انها النفوس المطمئنة التي إذا ذكر الله ، ـ وذكر الله هنا التخويف من عقابه وقدرته وسطوته ـ وجلت قلوبهم أي دخلها الخوف ولكنه خوف مشوب برجاء عطفه ورحمته.

ولا يأس معه من روح الله لأنه :

( لا يايئسُ من روحِ اللهِ إلا القومُ الكافرونَ ) (٣) .

__________________

(١) سورة لقمان / آية : ٥.

(٢) سورة الحج / آية : ٣٤ ، ٣٥.

(٣) سورة يوسف / آية : ٨٧.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

الآيتان

( قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٦٨) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٩) )

سبب النّزول

جاء في تفسير «مجمع البيان» وتفسير القرطبي ، عن ابن عباس قال : جاء جماعة من اليهود إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا : ألست تقرّ بأن التّوراة من عند الله؟

قال : «بلى».

قالوا : فإنّا نؤمن بها ولا نؤمن بما عداها (وفي الحقيقة فانّ التّوراة تعتبر القدر المشترك بيننا وبينكم ، ولكنّ القرآن كتاب مختص بكم).

فنزلت الآية الاولى.

١٠١

التّفسير

لاحظنا في ما سبق من تفسير آيات هذه السورة أنّ قسما كبيرا منها يدور حول العقبات التي كان يضعها أهل الكتاب «اليهود والنصارى» في طريق المسلمين وما كانوا يوردونه من مجادلة وتساؤل ، هذه الآية ـ أيضا ـ تشير إلى جانب آخر من ذلك الموضوع ، ترد فيها على منطقهم الواهي الداعي إلى اعتبار التّوراة كتابا متفقا عليه بين المسلمين واليهود ، وترك القرآن باعتباره موضع خلاف.

لذلك فالآية تخاطب الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائلة :( قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ) .

وذلك لأنّ هذه الكتب ـ كما قلنا ـ صادرة عن مبدأ واحد وأصولها واحدة ، ولمّا كان آخر هذه الكتب السماوية أكملها وأجمعها فإنّه هو الأجدر بالعمل به ، كما أنّ الكتب السابقة تحمل بشائر وارشادات إلى آخر الكتب ، وهو القرآن ، فإذا كانوا ـ حسب زعمهم ـ يقبلون التّوراة والإنجيل ، وكانوا صادقين في زعمهم ، فلا مندوحة لهم عن القبول بتلك البشائر أيضا ، وإذ وجدوا تلك العلامات في القرآن ، فإن عليهم أن يحنوا رؤوسهم خضوعا لها.

هذه الآية تقول أنّ الادعاء لا يكفي ، بل لا بدّ من إتباع ما جاء في هذه الكتب السماوية عمليا ، ثمّ أن القضية ليست «كتابنا» و «كتابكم» ، بل هي الكتب السماوية وما أنزل من الله ، فكيف تريدون بمنطقكم الواهي هذا أن تتجاهلوا آخر كتاب سماوي؟

ويعود القرآن ليشير إلى حالة أكثريتهم ، فيقرّر أنّ أكثرهم لا يأخذون العبرة والعظة من هذه الآيات ولا يهتدون بها ، بل أنّهم ـ لمّا فيهم من روح العناد ـ يزدادون في طغيانهم وكفرهم( وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً ) .

١٠٢

وهكذا يكون التأثير المعكوس للآيات الصادقة والقول المتزن في النفوس المملوءة عنادا والجاجا.

وفي ختام الآية يخفف الله من حزن رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إزاء تصلب هذه الأكثرية من المنحرفين وعنادهم ، فيقول له( فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ ) (١) .

هذه الآية ليست مقصورة على اليهود ـ طبعا ـ فالمسلمون أيضا إذا اكتفوا بادعاء الإسلام ولم يقيموا تعاليم الأنبياء ، وخاصة ما جاء في كتابهم السماوي ، فلن تكون لهم منزلة ومكانة لا عند الله ، ولا في حياتهم الفردية والاجتماعية ، بل سيظلون دائما أذلاء ومغلوبين على أمرهم.

الآية التّالية تعود لتقرر مرّة أخرى هذه الحقيقة ، وتؤكّد أنّ جميع الأقوام وأتباع كل المذاهب دون استثناء ، مسلمين كانوا أم يهودا أم صابئين(٢) أم مسيحيين ، لا ينجون ولا يأمنون الخوف من المستقبل والحزن على ما فاتهم إلّا إذا آمنوا بالله وبيوم الحساب وعملوا صالحا :( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) .

هذه الآية ، في الحقيقة ردّ قاطع على الذين يظنون النجاة في ظل قومية معينة ، ويفضلون تعاليم بعض الأنبياء على بعض ، ويتقبلون الدعوة الدينية على أساس من تعصب قومي ، فتقول الآية إن طريق الخلاص ينحصر في نبذ هذه الأقوال.

وكما أشرنا في تفسير الآية (٦٢) من سورة البقرة ، التي تقترب في مضمونها من مضمون هذه الآية سعى بعضهم بجد ليثبت أنّ هذه الآية تعتبر دليلا على «السلام العام» وعلى أنّ أتباع جميع الأديان ناجون ، وأن يتجاهل فلسفة نزول الكتب السماوية بالتتابع الذي يدل على تقدم الإنسان في مسيرته التكاملية

__________________

(١) «فلا تأس» من الأسى ، بمعنى الغم والحزن.

(٢) الصابئون هم أتباع يحيى أو نوح أو إبراهيم ، وقد ذكرناهم بتفصيل أكثر في المجلد الأول.

١٠٣

التدريجية.

ولكن ـ كما قلنا ـ تضع الآية حدّا فاصلا بقولها( وَعَمِلَ صالِحاً ) لكل قول ، وتشخص الحقيقة ، بخصوص تباين الأديان ، فتوجب العمل بآخر شريعة إلهية ، لأنّ العمل بقوانين منسوخة ليس من العمل الصالح ، بل العمل الصالح هو العمل بالشرائع الموجودة وبآخرها (لمزيد من الشرح والتوضيح بهذا الشأن انظر المجلد الأوّل ص ٢١٧.

ثمّ إنّ هناك احتمالا مقبولا في تفسير عبارة( مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً ) وهو إنّها تختص باليهود والنصارى والصابئين ، لأنّ( الَّذِينَ آمَنُوا ) في البداية لا تحتاج إلى مثل هذا القيد ، وعليه ، فإن معنى الآية يصبح هكذا : إنّ المؤمنين من المسلمين ـ وكذلك اليهود والنصارى والصابئين ، بشرط أن يؤمنوا وأن يتقبلوا الإسلام ويعملوا صالحا ـ سيكونون جميعا من الناجين وإن ماضيهم الديني لن يكون له أي أثر في هذا الجانب ، وإن الطريق مفتوح للجميع (تأمل بدقّة).

* * *

١٠٤

الآيتان

( لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ (٧٠) وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تابَ اللهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (٧١) )

التّفسير

في آيات سابقة من سورة البقرة ، وفي أوائل هذه السورة أيضا إشارة إلى عهد وميثاق أخذه الله تعالى على بني إسرائيل وفي هذه الآية تذكير بهذا الميثاق :( لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلاً ) .

يبدو أنّ هذا الميثاق هو الذي جاءت الإشارة إليه في الآية (٩٣) من سورة البقرة ، أي العمل بما أنزل الله!

ثمّ يضاف إلى ذلك القول بأنّهم ، فضلا عن كونهم لم يعملوا بذاك الميثاق ،( كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ ) .

هذه هي طرائق المنحرفين الأنانيين وسبلهم ، فهم بدلا من إتباع قادتهم ، يصرون على أن يكون القادة هم التابعين ولا هوائهم ، وإلّا فليس لهؤلاء الهداة

١٠٥

والأنبياء حتى حق الحياة.

في هذه الآية جاء الفعل «كذبوا» بصيغة الماضي بينما جاء الفعل «يقتلون» بصيغة المضارع ، ولعل السبب ـ بالإضافة إلى المحافظة على التناسب اللفظي في أواخر الآيات السابقة والتّالية وكلها بصيغة المضارع ـ هو كون الفعل المضارع يدل على الاستمرار ، والقصد من ذلك الإشارة إلى استمرار هذه الروح فيهم ، وأن تكذيب الأنبياء وقتلهم لم يكن حدثا عارضا في حياتهم ، بل كان طريقا واتجاها لهم(١) .

في الآية التّالية إشارة إلى غرورهم أمام كل ما اقترفوه من طغيان وجرائم :( وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ ) أي ظنوا مع ذلك أن البلاء والجزاء لن ينزل بهم ، واعتقدوا ـ كما صرحت الآيات الأخرى ـ أنّهم من جنس أرقى ، وأنّهم أبناء الله! وأخيرا استحال هذا الغرور الخطير والتكبر إلى ما يشبه حجابا غطى أعينهم وآذانهم :( فَعَمُوا وَصَمُّوا ) عن رؤية آيات الله وعن سماع كلمات الحقّ.

ولكنّهم عند ما أصابتهم مظاهر من عقاب الله وشاهدوا نتائج أعمالهم المشؤومة ، ندموا وتابوا بعد أن أدركوا أن وعد الله حق ، وأنّهم ليسوا عنصرا متميزا فائقا.

وتقبل الله توبتهم :( ثُمَّ تابَ اللهُ عَلَيْهِمْ ) .

إلّا أنّ حالة الندم والتوبة لم تلبث طويلا ، فسرعان ما عاد الطغيان والتجبر وسحق الحقّ والعدالة ، وعادت أغشية الغفلة الناتجة عن الانغماس في الإثم تحجب أعينهم وآذانهم مرّة أخرى( ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ ) فلم يعودوا يرون آيات أو يسمعوا كلمة الحقّ ، وعمت الحالة الكثير منهم.

ولعل تقديم «عموا» على «وصمّوا» يعني أن عليهم أوّلا أن يبصروا آيات الله

__________________

(١) في الواقع وكما جاء في تفسير «مجمع البيان» وفي غيره إنّ عبارة ، «فريقا كذبوا وفريقا يقتلون» في الأصل «كذبوا وقتلوا» و «يكذبون ويقتلون».

١٠٦

ومعجزات رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ يستمعوا إلى تعاليمه ويستوعبوها.

وورود عبارة( كَثِيرٌ مِنْهُمْ ) بعد تكرار( عَمُوا وَصَمُّوا ) جاء لتوضيح أنّ حالة الغفلة والجهل والعمى والصمم تجاه الحقائق لم تكن عامّة ، بل كان بينهم بعض الأقلية من الصالحين ، وفي هذا دليل على أن تنديد القرآن باليهود لا ينطوي على أي جانب عنصري أو طائفي ، بل هو موجّه إلى أعمالهم فحسب.

هل أن تكرار عبارة( عَمُوا وَصَمُّوا ) ذو طابع عام تأكيدي ، أم للإشارة إلى حادثتين مختلفتين؟

يرى بعض المفسّرين أنّ التكرار يشير إلى واقعتين مختلفتين حدثتا لبني إسرائيل ، الاولى : الغزو البابلي لهم ، والثّانية : غزو الإيرانيين والروم ، والقرآن أشار إليها بشكل عابر في بداية سورة بني إسرائيل.

ولا يستبعد ـ أيضا ـ أنّ بني إسرائيل قد تعرضوا مرات عديدة لهذه الحالات فحينما يشاهدون نتائج أعمالهم الشريرة ، كانوا يتوبون ، ثمّ ينقضون توبتهم ، وقد حدث هذا عدّة مرّات لا مرّتين فقط.

في نهاية الآية جملة قصيرة عميقة المعنى تقول : إنّ الله لا يغفل أبدا عن أعمالهم ، إذ أنّه يرى كل ما يعملون :( وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ ) .

* * *

١٠٧

الآيات

( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (٧٢) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٣) أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٤) )

التّفسير

تعقيبا على البحوث الماضية بشأن انحرافات اليهود التي مرّت في الآيات السابقة ، تتحدث هذه الآيات والتي تليها عن انحرافات المسيحيين ، فتبدأ أولا بأهم تلك الانحرافات ، أي «تأليه المسيح» «تثليث المعبود» :( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ) .

وأيّ كفر أشدّ من أن يجعلوا الله اللامحدود من جميع الجهات متحدا مع مخلوق محدود من جميع الجهات ، وأن يصفوا الخالق بصفات المخلوق. مع أنّ

١٠٨

المسيحعليه‌السلام نفسه يعلن صراحة لبني إسرائيل :( يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ) وبهذا يستنكر كل لون من ألوان الشرك ، ويفرض الغلوّ في شخصه ، ويعتبر نفسه مخلوقا كسائر مخلوقات الله.

ولكي يشدد المسيح التوكيد على هذا الأمر ، وليزيل كل إبهام وخطأ ، يضيف قائلا :( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ ) .

ويمضي في التوكيد وإثبات أنّ الشرك والغلو ضرب من الظلم الواضح ، فيقول أيضا :( وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ ) .

سبق أن أشرنا إلى أنّ تاريخ المسيحية يؤكّد بأنّ التثليث لم يكن معروفا في القرون الاولى من المسيحية ، ولا حتى على عهد المسيحعليه‌السلام ، بل أن الأناجيل الموجودة ـ على الرغم من كل ما فيها من تحريفات وإضافات ـ ليس فيها أدنى إشارة إلى التثليث ، وهذا ما يعترف به المحققون المسيحيون أنفسهم ، وعليه فإن ما ورد في الآية المذكورة عن إصرار المسيحعليه‌السلام على مسألة التوحيد إنّما ينسجم مع المصادر المسيحية الموجودة ، ويعتبر من دلائل عظمة القرآن(١) .

وينبغي الالتفات إلى أنّ الموضوع الذي تتناوله الآية هو الغلو ووحدة المسيح بالله. أو بعبارة أخرى ، هو «التوحيد في التثليث» ، ولكن الآية التّالية تشير إلى مسألة «تعدد الآلهة» في نظر المسيحيين ، أي «التثليث في التوحيد» ، وتقول : إنّ الذين قالوا أن الله ثالث الأقانيم(٢) الثلاثة لا ريب أنّهم كافرون :( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ ) .

اعتقد كثير من المفسّرين ، ومنهم الطبرسي في «مجمع البيان» ، والشيخ الطوسي في «التبيان» ، والفخر الرازي والقرطبي في تفسيريهما ، أنّ الآية السابقة تشير إلى فرقة من المسيحيين باسم «اليعاقبة» يعتقدون أن الله متحد بالمسيحعليه‌السلام ،

__________________

(١) للمزيد من توضيح التثليث والوحدة في التثليث أنظر المجلد الثالث من هذا التّفسير.

(٢) «الأقنوم» بمعنى الأصل والذات ، جمعها «أقانيم».

١٠٩

وهذه الآية وردت بشأن فرقة أخرى هي «الملكانية» و «النسطورية» الذين يقولون بالأقانيم الثلاثة ، أو الآلهة الثلاثة.

غير أنّ هذه النظرة عن المسيحية كما سبق أن قلنا ـ لا تطابق مع الواقع ، لأن الإعتقاد بالتثليث عام بين المسيحيين كافة ، كما أن التوحيد بيننا نحن المسلمين عقيدة عامّة قطعية ، ولكنّهم في الوقت الذي يعتقدون حقا بتثليث الأرباب ، يؤمنون أيضا بالوحدة الحقيقية ، قائلين أن ثلاثة حقيقيين يؤلفون واحدا حقيقيا!

الظاهر أنّ الآيتين المذكورتين تشيران إلى جانبين مختلفين لهاتين القضيتين : في الاولى إشارة إلى وحدة الآلهة الثلاثة ، وفي الثّانية إشارة إلى تعددها ، وتوالي المسألتين هو في الحقيقة إشارة الى واحد من الأدلة الواضحة على بطلان عقيدتهم ، فكيف يمكن لله أن يكون واحدا مع المسيح وروح القدس مرّة ، ومرّة أخرى يكون ثلاثة أشياء؟ أمن المعقول أن يتساوى الثلاثة مع الواحد؟!

إنّ ما يؤيد هذه الحقيقة هو أنّنا لا نجد بين المسيحيين أية طائفة لا تؤمن بالآلهة الثلاثة!(١) .

ويرد القرآن عليهم ردا قاطعا فيقول :( وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ ) وفي ذكر «من» قبل «إله» نفي أقوي لأي معبود آخر.

ثمّ ينذرهم بلهجة قاطعة :( وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) .

يقول بعضهم أن «من» في «منهم» بيانية ، ولكن الظاهر أنّها تبعيضية تشير إلى الذين بقوا على كفرهم حتى بعد أن دعا القرآن إلى التوحيد ، لا الذين تابوا ورجعوا.

يذكر صاحب «المنار» قصّة في المجال تكشف عن غموض تثليث النصارى

__________________

(١) ورد في بعض الرّوايات ، وكذلك بعض التواريخ أنّ بين المسيحيين أقلية لا تؤمن بالتثليث ، بل يعتقدون اتحاد عيسى بالله ، ولكننا لا نرى لهؤلاء في هذا العصر اسم ولا رسم.

١١٠

وتوحيدهم نقلا عن صاحب (إظهار الحقّ) قال : «نقل أنّه تنصر ثلاثة أشخاص ، وعلمهم بعض القسيسين العقائد الضرورية ، سيما عقيدة التثليث وكانوا في خدمته ، فجاء أحد المسيحيين إلى هذا القسيس ، وسأله عمن تنصّر. فقال : ثلاثة أشخاص تنصّروا فسأله : هل تعلموا شيئا من العقائد الضرورية؟ فقال : نعم ، واستدعى واحدا منهم ليريه ذلك فسأله القسيس عن عقيدة التثليث ، فقال : إنّك علمتني أن الآلهة ثلاثة ، أحدهم في السماء ، والثّاني تولد من بطن مريم العذراء ، والثّالث الذي نزل في صورة الحمامة على الإله الثّاني بعد ما صار ابن ثلاثين سنة ، فغضب القسيس وطرده وقال : هذا جاهل.

ثمّ طلب الآخر منهم سأله فقال : إنّك علمتني أن الآلهة كانوا ثلاثة وصلب واحد منهم فالباقي إلهان ، فغضب عليه القسيس ـ أيضا ـ وطرده.

ثمّ طلب الثّالث وكان ذكيا بالنسبة إلى الأولين وحريصا في حفظ العقائد ، فسأله ، فقال : يا مولاي ، حفظت ما علمتني حفظا جيدا ، وفهمت فهما كاملا بفضل السيد المسيح : أن الواحد ثلاثة والثلاثة واحد ، وصلب واحد منهم ومات ، فمات الكل لأجل الاتحاد ، ولا إله الآن ، وإلّا يلزم نفي الاتحاد!

في الآية الثالثة يدعوهم القرآن إلى أن يتوبوا عن هذه العقيدة الكافرة لكي يغفر لهم الله تعالى ، فيقول :( أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .

* * *

١١١

الآيات

( مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٧٥) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٧٦) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ(٧٧) )

التّفسير

تواصل هذه الآيات البحث الذي جاء في الآيات السابقة حول غلو المسيحيين في المسيحعليه‌السلام واعتقادهم بألوهيته ، فتفند في بضع آيات قصار اعتقادهم هذا ، وتبدأ متسائلة عمّا وجدوه في المسيح من اختلاف عن باقي الأنبياء حتى راحوا يؤلهونه ، فالمسيح ابن مريم قد بعثه الله كما بعث سائر الأنبياء من قبله :( مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ) .

إذا كان بعثه من قبل الله سببا للتأليه والشرك ، فلما ذا لا تقولون القول نفسه بشأن سائر الأنبياء؟

١١٢

ولكنّنا نعلم أنّ المسيحيين المنحرفين لا يقنعون باعتبار عيسىعليه‌السلام مجرّد مبعوث من الله ، فاعتقادهم العام في الوقت الحاضر هو اعتباره ابن الله ، وأنّه هو الله بمعنى من المعاني وأنّه جاء ليفتدي ذنوب البشر (ولم يأت لهدايتهم وقيادتهم) لذلك أطلقوا عليه اسم «الفادي» أي الذي افتدى بنفسه آثام البشر.

ولمزيد من التوكيد ، يقول :( وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ) أي أنّ من تكون له أمّ حملته في رحمها ، ومن يكون محتاجا إلى كثير من الأمور ، كيف يمكن أن يكون إلها؟! ثمّ إذا كانت أمّه صديقة فذلك لأنّها هي ـ أيضا ـ على خط رسالة المسيحعليه‌السلام ، منسجمة معه ، وتدافع عن رسالته ، لهذا فقد كان عبدا من عباد الله المقربين ، فينبغي ألّا يتخذ معبودا كما هو السائد بين المسيحيين الذين يخضعون أمام تمثاله إلى حدّ العبادة.

ومرّة أخرى يشير القرآن إلى دليل آخر ينفي الربوبية عن المسيحعليه‌السلام ، فيقول :( كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ ) .

فهذا الذي يحتاج إلى الطعام ، ولو لم يتناول طعاما لعدّة أيّام يضعف عن الحركة ، كيف يمكن أن يكون ربّا أو يقرن بالربّ؟!

وفي ختام الآية إشارة وضوح هذه الدلائل من جهة ، وإلى عناد أولئك وجهلهم من جهة أخرى ، فيقول :( انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ) (١) .

تكرر كلمة «انظر» في الآية توجيه للنظر إلى جهتين : إلى الدلائل الواضحة الكافية لكل شخص ، وإلى رد الفعل السلبي المحير المثير للعجب الصادر من هؤلاء.

ولكي يكمل الاستدلال السابق تستنكر الآية التّالية عبادتهم المسيح مع أنّهم يعلمون أن له احتياجات بشرية ، وإنّه لا قدرة له على دفع الضرر عن نفسه أو

__________________

(١) الإفك : كل مصروف عن وجهه الذي يحق أن يكون عليه ، والمأفوك : المصروف عن الحقّ ، وإن كان عن تقصيره ، ومن هنا يسمّى إفكا ، لأنّه يصد الإنسان عن الحقّ.

١١٣

نفعها ، فكيف يتسنى له دفع الضرر عن الغير أو نفعهم؟( قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً ) ؟

فكثيرا ما تعرّض هو وأتباعه للأذى على أيدي أعدائهم ، ولو لا أنّ الله شمله بلطفه لما استطاع أن يخطو خطوة واحدة.

وفي النهاية يحذرهم من أن يظنوا أنّ الله لا يسمع ما يتقولونه أو لا يعلم ما يكنونه :( وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) .

ممّا يلفت النظر أنّ مسألة كون المسيحعليه‌السلام بشرا ذا حاجات مادية جسمانية ـ وهي ما يستند إليها القرآن في هذه الآية وفي آيات أخرى ـ كانت من أكبر المعضلات بوجه المسيحيين الذين يدعون ألوهيته ، فسعوا إلى تبرير ذلك بشتى الأساليب ، حتى أنّهم اضطروا أحيانا إلى القول بثنائية المسيح : اللاهوت والناسوت ، فهو من حيث لاهوتيته ابن الله ، بل هو الله نفسه ومن حيث ناسوتيته فهو جسم ومخلوق من مخلوقات الله ، وأمثال ذلك من التبريرات التي هي خير دلالة على ضعف منطقهم وخطله.

لا بدّ من الالتفات ـ أيضا ـ أنّ الآية استعملت «ما» بمكان «من» والتي تشير عادة إلى غير العاقل ، ولعل ذلك يفيد الشمول بالنسبة للمعبودات والأصنام المصنوعة من الحجر أو الخشب ، فيكون المقصود هو أنّه إذا جاز أن يعبد الناس مخلوقا ، جازت كذلك عبادتهم الأصنام ، لأنّ هذه المعبودات تتساوى من حيث كونها جميعا مخلوقات ، وأنّ تأليه المسيحعليه‌السلام ضرب من عبادة الأصنام ، لا عبادة الإله.

الآية التّالية تأمر رسول اللهعليه‌السلام ، بعد اتضاح خطأ أهل الكتاب في الغلو أن يدعوهم بالأدلة الجلية إلى الرجوع عن السير في هذا الطريق :( قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِ ) (١) .

__________________

(١) «لا تغلو» من مادة «الغلو» وهي بمعنى تجاوز الحدّ ، إلّا أنّها تستعمل للإشارة تجاوز الحدّ بالنسبة لمقام شخص من

١١٤

إنّ غلو النصارى معروف ، إلّا أنّ غلو اليهود ، الذي يشملهم تعبير( يا أَهْلَ الْكِتابِ ) قد يكون إشارة إلى ما كانوا يقولونه عن العزير وقد اعتبروه ابن الله ، ولما كان الغلو ينشأ ـ أكثر ما ينشأ ـ عن إتباع الضالين أهواءهم ، لذلك يقول الله سبحانه( وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ ) .

وفي هذا إشارة ـ أيضا ـ إلى ما انعكس في التّأريخ المسيحي ، إذ أنّ موضوع التثليث والغلو في أمر المسيحعليه‌السلام لم يكن له وجود خلال القرون الاولى من المسيحية ، ولكن عند ما اعتنق بعض الهنود وأمثالهم من عبدة الأصنام المسيحية أدخلوا فيها شيئا من دينهم السابق ، كالتثليث والشرك.

إنّ الثالوث الهندي (الإيمان بالآلهة الثلاثة : برهما ، وفيشنو ، وسيغا) ، كان تاريخيا أسبق من التثليث المسيحي الذي لا شك أنّه انعكاس لذاك ، ففي الآية الثلاثين من سورة التوبة وبعد ذكر غلو اليهود والنصارى في مسألة العزير والمسيحعليه‌السلام يقول سبحانه( يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ ) .

وقد وردت كلمة «ضلوا» في هذه الآية مرّتين بالنسبة للكفار الذين اقتبس منهم أهل الكتاب الغلو ، ولعل هذا التكرار من باب التوكيد ، إذ أنّهم كانوا قبل ذلك من الضّالين ، ثمّ لمّا أضلّوا لآخرين بدعواهم وقعوا في ضلال آخر ، ومن يسعى لتضليل الآخرين يكون أضلّ منهم في الواقع ، لأنّه يكون قد استهلك قواه لدفع نفسه ودفع الآخرين إلى طريق التعاسة ولحمل آثام الآخرين ـ أيضا ـ على كاهله ، وهل يرتضي المرء السائر على الطريق المستقيم أن يضيف إلى آثامه آثام غيره أيضا؟

* * *

__________________

الأشخاص ومنزلته ، وبالنسبة للأسعار وتستعمل كلمة «الغلاء» و «غلو» السهم على وزنه «دلو» ارتفاعه وتجاوزه مداه ، وفي الماء يقال «غليان» و «الغلواء» جموح في الحيوان ، وهي جميعا من أصل واحد ، ويرى بعضهم أن الغلو يعني الإفراط والتفريط معا ، ويحصر بعضهم معناه بالتفريط فقط ، ويقابله التقصير.

١١٥

الآيات

( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (٧٨) كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (٧٩) تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ (٨٠) )

التّفسير

تشير هذه الآيات إلى المصير المشؤوم الذي انتهى إليه الكافرون السابقون ، لكي يعتبر به أهل الكتاب فلا يتبعونهم اتباعا أعمى ، فيقول :( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ) .

أمّا لماذا ورد اسما هذين النّبيين دون غيرهما ، فللمفسّرين في ذلك أقوال ، فمن قائل : إنّ السبب هو أنّهما كانا أشهر الأنبياء بعد موسىعليه‌السلام ، وقيل : إنّ السبب هو أنّ كثيرا من أهل الكتاب كانوا يفخرون بأنّهم من نسل داود.

وتذكر الآية أوّلا أنّ داود كان يلعن السائرين على طريق الكفر والطغيان.

ويقول بعض : إنّ في الآية إشارة إلى حادثتين تأريخيتين أثارتا غضب هذين

١١٦

النّبيين ، فلعنا جمعا من بني إسرائيل ، فداود قد لعن سكان مدينة (أيلة) الساحلية المعروفين باسم (أصحاب السبت) ، وسيأتي تفصيل تأريخهم في سورة الأعراف ، وعيسىعليه‌السلام لعن جمعا من اتباعه ممن أصروا على اتباع طريق الإنكار والمعارضة حتى بعد نزول المائدة من السماء.

على كل حال ، فالآية تشير إلى أنّ مجرّد كون الإنسان من بني إسرائيل ، أو من أتباع المسيح دون أن ينسجم مع خط سيرهما ، لا يكون مدعاة لنجاته ، بل أنّ هذين النّبيين قد لعنا من كان على هذه الشاكلة من الناس.

وفي آخر الآية توكيد لهذا الأمر وبيان للسبب :( ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ ) .

الآية التّالية تؤكّد أنّ هؤلاء لم يعترفوا أبدا بأنّ عليهم يتحملوا أية مسئولية اجتماعية ، ولا هم كانوا يتناهون عن المنكر ، بل أنّ بعضا من صلحائهم كانوا بسكوتهم وممالاتهم يشجعون العصاة عمليا( كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ ) لذلك فقد كانت أعمالهم سيئة وقبيحة :( لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ ) .

هنالك في تفسير هذه الآية روايات منقولة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعن أهل البيتعليهم‌السلام ذات دلالات تعليمية.

ففي حديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذون على يد السفيه ولتأطرنه على الحقّ اطرا ، أو ليضربن الله قلوب بعضكم على بعض ويلعنكم كما لعنهم»(١) .

وفي حديث آخر عن الامام الصّادقعليه‌السلام في تفسير( كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ ) أنّه قال : «أمّا أنّهم لم يكونوا يدخلون مداخلهم ولا يجلسون مجالسهم ، ولكن كانوا إذا لقوهم ضحكوا في وجوههم وأنسوا بهم»(٢) .

__________________

(١) تفسير (مجمع البيان) لهذه الآية ، وفي تفسير القرطبي ، ج ٤ ، ص ٢٢٥٠ حديث مشابه منقول عن الترمذي.

(٢) تفسير البرهان : ج ١ ، ص ٤٩٢ ، وتفسير نور الثقلين : ج ١ ، ص ٦٦١.

١١٧

الآية الثّالثة تشير إلى معصية أخرى من معاصيهم :( تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) .

من البديهي أنّ صداقتهم لأولئك لم تكن صداقة عادية ، بل كانت ممتزجة بأنواع المعاصي ، وكانوا يشجعون الأعمال والأفكار الخاطئة ، لذلك أدانت الآية في عباراتها الأخيرة الأعمال التي قدموها ليوم المعاد ، تلك الأعمال التي استوجبت غضب الله وعذابه الدائم :( لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ ) .

أمّا من هم المقصودون بتعبير( الَّذِينَ كَفَرُوا ) فإنّ بعضا يقول : إنّهم كانوا مشركي مكّة الذين صادقوا اليهود.

ويرى بعض أنّهم الجبارون والظالمون الذين كان اليهود قديما يمدون إليهم يد الصداقة ، وهذا الرأي يؤكّده الحديث المنقول عن الإمام الباقرعليه‌السلام إذ قال : «يتولون الملوك الجبارين ويزينون لهم أهواءهم ليصيبوا من دنياهم»(١) .

وليس ثمّة ما يمنع أن تشمل الآية كلا المعنيين ، بل وتكون أعم منهما أيضا.

* * *

__________________

(١) (مجمع البيان) في تفسير الآية المذكورة.

١١٨

الآية

( وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٨١) )

التّفسير

هذه الآية تبيّن لهم طريق النجاة من نهجهم الخاطئ ، وهو أنّهم لو كانوا حقا يؤمنون بالله وبرسوله وبما أنزل عليه ، لما عقدوا أواصر الصداقة مع أعداء الله ولا اعتمدوهم أبدا :( وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ ) ولكن الذي يؤسف له هو أنّ الذين يطيعون أوامر الله قلّة ، ومعظمهم خارجون عن نطاق إطاعته وسائرون على طريق الفسق( وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ ) .

من الواضح أنّ كلمة «النّبي» هنا تعني «رسول الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » وذلك لأنّ هذه الكلمة قد استعملت في القرآن المجيد في آيات متعددة بهذا المعنى ، وهذا الموضوع يتكرر في عشرات الآيات.

ثمّة احتمال آخر في تفسير هذه الآية ، هو أنّ الضمير في «كانوا» يعود على المشركين وعبدة الأصنام ، أي لو أنّ هؤلاء المشركين الذين يعتمدهم اليهود ويثقون بهم ، قد آمنوا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والقرآن ، لما اختارهم اليهود أصدقاء لهم ،

١١٩

وهذا دليل بيّن على على ضلال هؤلاء وفسقهم ، وذلك لأنّهم ـ على الرغم من زعمهم أنّهم يتبعون الكتب السماوية ـ يتخذون عبدة الأصنام أصدقاء لهم ما دام هؤلاء مشركين ، ولكنّهم يبتعدون عنهم إذا توجهوا إلى الله والكتب السماوية.

بيد أنّ التّفسير الأوّل أقرب إلى ظاهر الآيات ، حيث الضمائر كلّها تعود إلى مرجع واحد هو اليهود.

* * *

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611