الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٤

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل9%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 611

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 611 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 135039 / تحميل: 6382
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

الجزء السّابع

من

القرآن الكريم

١٢١
١٢٢

الآيات

( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (٨٢) وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٨٣) وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (٨٤) فَأَثابَهُمُ اللهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (٨٥) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (٨٦) )

سبب النّزول

المهاجرون الأوّل في الإسلام :

كثير من المفسّرين ـ ومنهم الطبرسي في «مجمع البيان» ، والفخر الرازي ،

١٢٣

وصاحب «المنار» ينقلون في تفاسيرهم عن المفسّرين السابقين أنّ هذه الآيات قد نزلت بحقّ «النّجاشي» صاحب الحبشة على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأتباعه ، وفي تفسير «البرهان» حديث يشرح هذا الموضوع شرحا وافيا.

يمكن تلخيص الرّوايات الإسلامية والتواريخ وأقوال المفسّرين بهذا الخصوص في ما يلي : في السنوات الاولى من بعثة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودعوته العامّة كان المسلمون أقلية ضعيفة ، وكانت قريش قد تواصت أن تضيق الخناق على مواليها وأتباعها الذين يؤمنون برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعلى هذا فقد أصبح كلّ مسلم واقعا تحت ضغط عشيرته وقومه يومئذ لم يكن عدد المسلمين يكفي للقيام بجهاد تحرري.

ولكي يحافظ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حياة هذه الجماعة القليلة ، ويهيئ قاعدة للمسلمين خارج الحجاز ، اختار لهم الحبشة وأمرهم بالهجرة إليها قائلا : «إنّ بها ملكا صالحا لا يظلم ولا يظلم عنده أحد فاخرجوا إليه حتى يجعل اللهعزوجل للمسلمين فرجا».

كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقصد النجاشي (النجاشي اسم عام لجميع سلاطين الحبشة ، مثل كسرى لملوك إيران ، أمّا النجاشي المعاصر لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو (أصحمة) ، أي العطية والهبة بلغة الأحباش).

فهاجر أحد عشر رجلا وأربع نساء من المسلمين إلى الحبشة بحرا على ظهر سفينة صغيرة استأجروها ، كان ذلك في شهر رجب من السنة الخامسة من البعثة ، وقد أطلق عليها اسم الهجرة الاولى.

ولم يمض على ذلك وقت طويل حتى لحقهم جعفر بن أبي طالب وجمع من المسلمين ، فكانوا مع السابقين جمعا مؤلفا من ٨٢ رجلا سوى النساء والصبيان ، وشكلت هذه المجموعة النواة الاولى للتجمع الإسلامي المنظم.

كان لفكرة هذا الهجرة وقع شديد على عبدة الأصنام ، لأنّهم أدركوا جيدا أنّه

١٢٤

لن يمضي زمن طويل حتى يكون عليهم أن يواجهوا جمعا قويا من المسلمين الذين اعتنفوا الإسلام ـ بالتدريج ـ دينا لهم في أرض الحبشة حيث الأمن والأمان.

فشمروا عن ساعد الجد لإحباط تلك الفكرة ، فاختاروا اثنين من فتيانهم الأذكياء المعروفين بالدهاء والمكر ، وهما (عمرو بن العاص) و (عمارة بن الوليد) وحملوهما مختلف الهدايا والتحف إلى النجاشي ليوغروا صدره على المسلمين فيطردهم من بلاده ، وعلى ظهر السفينة التي أقلت هذين إلى الحبشة سكرا وتخاصما إلّا أنّهما ـ لكي ينفذا المهمّة التي جاءا من أجلها ـ نزلا إلى البر الحبشي ، وحضرا مجلس النجاشي بكثير من الأبهة ، وخاصّة بعد أن اشتريا ضمائر حاشية النجاشي بالكثير من الهدايا والرشاوي ، فوعدهم هؤلاء بالوقوف إلى جانبهما وتأييدها.

بدأ عمرو بن العاص كلامه للنجاشي قائلا : «أيّها الملك ، إنّ قوما خالفونا في ديننا وسبوا آلهتنا ، وصاروا إليك فردهم إلينا».

ثمّ قدما ما حملاه من هدايا إلى النجاشي.

فوعدهم النجاشي أن يبت بالأمر بعد استجواب ممثلي اللاجئين وبعد التشاور مع حاشيته.

وفي يوم آخر عقدت جلسة حافلة حضرتها حاشية النجاشي وجمع من العلماء المسيحيين ، وممثل المسلمين جعفر بن أبي طالب ، ومبعوثا قريش ، وبعد أن استمع النجاشي إلى أقوال مبعوثي قريش ، التفت إلى جعفر وطلب منه بيان ما لديه.

قال جعفر : يا أيّها الملك سلهم ، أنحن عبيد لهم؟

فقال عمرو : لا ، بل أحرار كرام.

جعفر : سلهم ألهم علينا ديون يطالبوننا بها؟

عمرو : لا ، ما لنا عليكم ديون.

١٢٥

جعفر : فلكم في أعناقنا دماء تطالبونا بذخول بها؟

عمرو : لا.

جعفر : فما تريدون منّا؟ آذيتمونا فخرجنا من دياركم ، ثمّ قال : «نعم أيّها الملك خالفناهم بعث الله فينا نبيّا أمرنا بخلع الأنداد وترك الاستقسام بالأزلام ، وأمرنا بالصّلاة والزّكاة ، وحرّم الظلم والجور وسفك الدّماء بغير حقّها ، والزنا والربا والميتة والدّم ولحم الخنزير ، وأمرنا بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ، ونهانا عن الفحشاء والمنكر والبغي».

فقال النّجاشي : بهذا بعث الله عيسى ، ثمّ قال النجاشي لجعفر : هل تحفظ ممّا أنزل الله على نبيّك شيئا؟

قال جعفر : نعم ، فقرأ سورة مريم ، فلمّا بلغ قوله :( وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا ) قال : هذا والله هو الحقّ.

فقال عمرو : إنّه مخالف لنا فردّه إلينا.

فرفع النجاشي يده وضرب بها وجه عمرو وقال : اسكت ، والله لئن ذكرته بعد بسوء لأفعلنّ بك وقال : ارجعوا إلى هذا هديته ، وقال لجعفر وأصحابه : امكثوا فإنّكم آمنون.

كان لهذا الحدث أثر بالغ بعيد المدى ، ففضلا عمّا كان له من أثر إعلامي عميق في تعريف الإسلام لجمع من أهل الحبشة ، فإنّه شد من عزيمة المسلمين في مكّة وحملهم على الاطمئنان والثقة بقاعدتهم في الحبشة لإرسال المسلمين الجدد إليها ، إلى أن يشتد ساعدهم وتقوى شوكتهم.

ومضت سنوات ، وهاجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المدينة ، وارتفع شأن الإسلام ، وتمّ التوقيع على صلح الحديبية ، وتوجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفتح خيبر ، وفي ذلك اليوم الذي كان فيه المسلمون يكادون يطيرون فرحا لتحطيمهم أكبر قلعة للأعداء اليهود ، فإذا بهم يشهدون من بعيد قدوم جمع من الناس صوبهم ، ثمّ ما لبثوا حتى عرفوا أن أولئك لم يكونوا سوى المهاجرين الأوائل إلى الحبشة وقد عادوا في

١٢٦

ذلك اليوم إلى أوطانهم بعد أن تحطمت قوى الأعداء الشيطانية ، وقويت جذور شجيرة الإسلام النامية.

وإذ شاهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مهاجري الحبشة ، قال قولته التّأريخية : «لا أدري أنا بفتح خيبر أسر أم بقدوم جعفر»؟!

يروي أنّ جعفر وأصحابه جاؤوا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعهم سبعون رجلا ، اثنان وستون من الحبشة وثمانية من أهل الشام فيهم بحيراء الراهب ، فقرأ عليهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سورة «يس» إلى آخرها فبكوا حتى سمعوا القرآن وآمنوا وقالوا : ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى ، فأنزل الله فيهم هذه الآيات.

وروي عن سعيد بن جبير في سبب نزول الآية أنّ النجاشي أرسل ثلاثين شخصا من أخلص أتباعه إلى المدينة لإظهار حبّه لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وللإسلام ، أولئك هم الذين استمعوا إلى آيات سورة «يس» فأسلموا ، فنزلت الآيات المذكورة تقديرا لأولئك المؤمنين.

(لا يتعارض سبب النّزول هذا مع كون سورة المائدة قد نزلت في أواخر عمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) ، إذ أنّ هذا القول يرجع إلى معظم آيات السورة ، وليس ثمّة ما يمنع أن تكون بعض تلك الآيات قد نزلت في حوادث سابقة ، ثمّ وضعت ـ لأسباب ـ بأمر من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذه السّورة.

التّفسير

حقد اليهود ومودّة النصارى :

تقارن هذه الآيات بين اليهود والنصارى الذين عاصروا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

في الآية الاولى وضع اليهود والمشركون في طرف واحد والمسيحيون في طرف آخر :( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ، وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ) .

يشهد تاريخ الإسلام ، بجلاء على هذه الحقيقة ، ففي كثير من الحروب التي

١٢٧

أثيرت ضد المسلمين كان لليهود ضلع فيها ، بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، ولم يتورعوا عن التوسل بأية وسيلة للتآمر ، وقليل منهم اعتنق الإسلام ، ولكننا قلّما نجد المسلمين يواجهون المسيحيين في غزواتهم ، كما أنّ الكثيرين منهم التحقوا بصفوف المسلمين.

ثمّ يعزوا القرآن هذا الاختلاف في السلوك الفردي والاجتماعي إلى وجود خصائص في المسيحيين المعاصرين لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم تكن موجودة في اليهود : فأوّلا كان بينهم نفر من العلماء لم يسعوا ـ كما فعل علماء اليهود ـ إلى إخفاء الحقائق( ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ ) (١) .

ثمّ كان منهم جمع من الزهاد الذين تركوا الدنيا ، وهي النقطة المناقضة لما ـ كان يفعله بخلاء اليهود الجشعين.

وعلى الرغم من كلّ انحرافاتهم كانوا على مستوى أرفع بكثير من مستوى اليهود : «ورهبانا».

وكثير منهم كانوا يخضعون للحق ، ولم يتكبروا ، في حين كان معظم اليهود يرون أنّهم عنصر أرفع ، فرفضوا قبول الإسلام الذي لم يأت على يد عنصر يهودي :( وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ) .

ثمّ إنّ نفرا منهم كانوا إذا استمعوا لآيات من القرآن تنحدر دموعهم مثل من صحب جعفر من الأحباش لأنّهم يعرفون الحقّ إذا سمعوه :( وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِ ) .

فكانوا ينادون بكل صراحة وشجاعة ،( يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ ) .

لقد كان تأثرهم بالآيات القرآنية من الشدة بحيث أنّهم كانوا يقولون :( وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ ) .

سبق أن قلنا إنّ هذه المقارنة كانت بين اليهود والنصارى المعاصرين لرسول

__________________

(١) «القسيس» تعريب لكلمة سريانية تعني الزعيم والموجه الديني عند المسيحيين.

١٢٨

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فاليهود ـ وإن كانوا من أصحاب الكتب السماوية ـ بلغت شدة تعلقهم بالمادة وحبّهم لها أن انخرطوا في سلك المشركين الذين لم يكن يربطهم بهم أي وجه شبه مشترك ، مع أن اليهود في البداية كانوا من المبشرين بمجيء الإسلام ولم تكن قد دخلتهم انحرافات كالتثليث والغلو اللذين كانا عند المسيحيين ، غير أن حبّهم للدنيا حبّ عبادة قد أبعدهم عن الحقّ ، بينما معاصروهم المسيحيون لم يكونوا على هذه المشاكلة.

إلّا أنّ التّأريخ القديم والمعاصر يقول لنا : أنّ المسيحيين في القرون التي أعقبت ذلك قد ارتكبوا بحق الإسلام والمسلمين جرائم لا تقل عمّا فعله اليهود في هذا المجال.

إنّ الحروب الصليبية الطّويلة والدّموية في القرون الماضية ، والاستفزازات الكثيرة التي يقوم بها الاستعمار ضد الإسلام والمسلمين اليوم غير خافية على أحد ، لذلك ليس لنا أن نأخذ الآيات المذكورة مأخذ قانون عام بالنسبة لجميع المسيحيين ، بل إنّ الآية :( إِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ ) وما بعدها دليل على إنّها نزلت بحق جمع من المسيحيين الذين كانوا يعاصرون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

الآيتان الأخيرتان فيهما إشارة إلى مصير هاتين الطائفتين وإلى عقابهما وثوابهما ، أولئك الذين أظهروا المودة للمؤمنين وخضعوا لآيات الله وأظهروا إيمانهم بكل شجاعة وصراحة :( فَأَثابَهُمُ اللهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ ) (١) .

وأمّا أولئك الذين ساروا في طريق العداء والعناد فتقول الآية عنهم :( وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ ) .

* * *

__________________

(١) «أثابهم» من الثواب ، وهي في الأصل بمعنى العودة وما يرجع إلى الإنسان من جزاء أعماله.

١٢٩

الآيات

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٨٧) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٨٨) لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٨٩) )

سبب النّزول

لا تتجاوزوا الحدود!

ثمّة روايات متعددة وردت بشأن نزول هذه الآيات منها : في أحد الأيّام أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصف بعض ما يجري يوم القيامة وحال الناس في تلك المحكمة الإلهية العظمى ، فهزّ الوصف نفوس الناس وراح بعضهم يبكي ، وعلى أثر ذلك عزم بعض أتباع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ترك بعض لذائذ الحياة ورفاهها ، وأن ينصرف

١٣٠

بدلا من ذلك إلى العبادة ، فأقسم أمير المؤمنينعليه‌السلام أن ينام من الليل أقلّه ويصرفه في العبادة ، وأقسم بلال أن يصوم أيّامه كلّها ، وأقسم عثمان بن مظعون أن يترك إتيان زوجته وأن ينقطع إلى العبادة.

جاءت زوجة عثمان بن مظعون ـ وكانت امرأة جميلة ـ يوما إلى عائشة فعجبت عائشة من حالها فقالت : ما لي أراك متعطلة؟

فقالت : لمن أتزين؟ فو الله ما قاربني زوجي منذ كذا وكذا فانّه قد ترهب ولبس المسوح وزهد في الدنيا ، فبلغ ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجاء إليهم وأخبرهم أن ذاك خلاف سنّته وقال : «فمن رغب عن سنتي فليس مني» ثمّ جمع الناس وخطبهم وقال : «ما بال أقوام حرموا النساء والطعام والطيب والنوم وشهوات الدنيا ، أمّا إنّي لست آمركم أن تكونوا قسيسين ورهبانا ، فإنّه ليس في ديني ترك اللحم ولا النساء ولا اتّخاذ الصوامع ، وإنّ سياحة أمّتي الصوم ورهبانيتهم الجهاد ، اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وحجوا واعتمروا وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة وصوموا رمضان ، واستقيموا يستقم لكم ، فإنّما هلك من كان قبلكم بالتشديد ، شددوا على أنفسهم فشدّد الله عليهم ...».

فقام الذين كانوا قد أقسموا على ترك تلك الأمور وقالوا : يا رسول الله ، لقد أقسمنا على ذلك ، فما ذا نفعل؟ فنزلت الآيات المذكورة جوابا لهم(١) .

لا بدّ من القول بأنّ قسم البعض مثل قسم عثمان بن مظعون لم يكن مشروعا لما فيه من غمط لحقوق زوجته ، ولكن فيما يتعلق بقسم الإمام عليعليه‌السلام بإحياء الليل بالعبادة ، فإنّه كان أمرا مباحا ، ولكن المستفاد من الآيات هو أنّ الاولى أن لا يكون ذلك بصورة مستمرة ودائمة ، ولا يتعارض مع عصمة عليعليه‌السلام ، لأننا نقرأ بما

__________________

(١) ما ذكر أعلاه في سبب النّزول ، قسم منه مأخوذ من تفسير علي بن إبراهيم ، وقسم من تفسير مجمع البيان وتفاسير أخرى.

١٣١

يشبه ذلك بالنسبة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الآية الاولى من سورة التحريم :( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ ) .

التّفسير

القسم وكفارته :

في هذه الآية والآيات التّالية لها مجموعة من الأحكام الإسلامية المهمّة ، بعضها يشرع لأوّل مرّة ، وبعض آخر جاء توكيدا وتوضيحا لأحكام سابقة وردت في آيات اخرى من القرآن ، لأنّ هذه السورة ـ كما سبق أن قلنا ـ نزلت في أواخر عمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكان لا بدّ من التأكيد فيها على أحكام اسلامية مختلفة.

في الآية الاولى إشارة إلى قيام بعض المسلمين بتحريم بعض النعم الإلهية. فنهاهم الله عن ذلك قائلا :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ ) (١) .

إنّ ذكر هذا الحكم ، مع أخذ سبب النّزول بنظر الإعتبار ، قد يكون إشارة إلى أنّه إذا كان في الآيات السابقة شيء من الثناء على فريق من علماء المسيحية ورهبانها لتعاطفهم مع الحقّ والتسليم له ، لا لتركهم الدنيا وتحريم الطيبات ، وليس للمسلمين أن يقتبسوا منهم ذلك ، فبذكر هذا الحكم يعلن الإسلام صراحة استنكار الرهبنة وهجر الدنيا كما يفعل المسيحيون والمرتاضون (ثمّة شرح أوفى لهذا الموضوع في تفسير الآية (٢٧) من سورة الحديد :( ... وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ) .

ثمّ لتوكيد هذا الأمر تنهي الآية عن تجاوز الحدود ، لأنّ الله لا يحبّ الذين يفعلون ذلك( وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) .

وفي الآية التي تليها آخر للأمر ، إلّا أنّ الآية السابقة كان فيها نهي عن التحريم ، وفي هذه الآية أمر بالانتفاع المشروع من الهبات الإلهية ، فيقول :( وَكُلُوا

__________________

(١) في معنى «الحلال» و «الطيب» أنظر المجلد الأول من هذا التفسير.

١٣٢

مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً ) .

والشرط الوحيد لذلك هو الاعتدال والتقوى عند التمتع بتلك النعم :( وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ ) أي أنّ إيمانكم بالله يوجب عليكم احترام أوامره في التمتع وفي الاعتدال والتقوى.

هناك احتمال آخر في تفسير هذه الآية ، وهو أنّ الأمر بالتقوى يعني إن تحريم المباحات والطيبات لا يأتلف مع درجات التقوى المتكاملة الرفيعة ، فالتقوى تستلزم أن لا يتجاوز الإنسان حد الاعتدال من جميع الجهات.

والآية التي بعدها تتناول القسم الذي يقسم به الإنسان في حالة تحريم الحلال وفي غيره من الحالات بشكل عام ، ويمكن القول أنّ القسم نوعان :

فالاولى : هو القسم اللغو ، فيقول :( لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ ) .

في تفسير الآية (٢٢٥) من سورة البقرة ـ التي تتناول موضوع عدم وجود عقاب على اللغو في الأيمان ـ قلنا : إنّ المقصود باللغوّ في الأيمان ـ كما يقول المفسّرون والفقهاء ـ الأيمان التي ليس لها هدف معين ولا تصدر عن وعي وعزم إرادي ، وإنما هي قسم يحلف به المرء من غير تمعن في الأمر فيقول : والله وبالله ، أو لا والله ولا بالله ، أو إنّه في حالة من الغضب والهياج يقسم دون وعي.

ويقول بعضهم : إنّ الإنسان إذا كان واثقا من أمر فاقسم به ، ثمّ ظهر أنّه قد أخطأ ، فقسمه ـ يعتبر أيضا ـ من نوع اللغو في الأيمان ، كأن يتيقن أحدهم من خيانة زوجته على أثر سعاية بعض الناس ووشايتهم ، فيقسم على طلاقها ، ثمّ يتّضح له أن ما سمعه بحقّها كان كذبا وافتراء ، فإنّ قسمه ذاك لا اعتبار له ، إننا نعلم أيضا أنّه بالإضافة إلى توفر القصد والإرادة والعزم في القسم الجاد ، يجب أن يكون محتواه غير مكروه وغير محرم ، وعليه إذا أقسم أحدهم مختارا أن يرتكب عملا محرما أو مكروها ، فإن قسمه لا قيمة له ولا يلزمه الوفاء به ، ويحتمل أن يكون مفهوم «اللغو» في هذه الآية مفهوما واسعا يشمل هذا النوع من الأيمان

١٣٣

أيضا.

والقسم الثّاني : هو القسم الجاد الإرادي الذي قرره المرء بوعي منه ، هذا النوع من القسم هو الذي يعاقب عليه الله إذا لم يف به الإنسان :( وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمان ) .

كلمة «العقد» تعني في الأصل ـ كما قلنا في بداية سورة المائدة ـ جمع أطراف الشيء جمعا محكما.

ومنه تسمية ربط طرفي الحبل بـ «العقدة» ثمّ انتقل هذا المعنى إلى الأمور المعنوية ، فأطلق على كل اتفاق وعهد اسم العقد ، فعقد الأيمان ـ كما في الآية ـ يعني التعهد بكل جد وعزم وتصميم على أمر ما بموجب القسم.

بديهي أن الجد وحده في القسم لا يكفي لصحته ، بل لا بدّ أيضا من صحة محتواه ـ كما قلنا ـ وأن يكون أمرا مباحا في الأقل ، كما لا بدّ من القول بأنّ القسم بغير اسم الله لا قيمة له.

وعليه إذا أقسم إمرؤ بالله أن يعمل عملا محمودا ، أو مباحا على الأقل ، فيجب عليه أن يعمل بقسمه ، فإن لم يفعل ، فعليه كفارة التخلف.

وكفارة القسم هي ما ورد في ذيل الآية المذكورة ، وهي واحدة من ثلاثة :

الأولى :( فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ ) ، ولكيلا يؤخذ هذا الحكم على إطلاقه بحيث يصار إلى أي نوع من الطعام الدنيء والقليل ، فقد جاء بيان نوع الطعام بما لا يقل عن أوسط الطعام الذي يعطى لأفراد العائلة عادة :( مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ ) .

ظاهر الآية يدل على النوعية المتوسطة ، ولكن يحتمل أنّه إشارة إلى الكمية والكيفية كليهما ، فقد جاء عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه الحد الوسط من الكيفية ، وعن الإمام الباقرعليه‌السلام أنّه الحدّ الوسط من الكمية ، الأمر الذي يدل على أن المطلوب هو

١٣٤

الحد الوسط من كليهما(١) .

ولا حاجة للقول بأنّ «الحدّ الوسط» سواء في الكمية أو الكيفية ، يختلف باختلاف المدن والقرى والأزمنه.

وقد احتمل بعضهم تفسيرا آخر للأوسط ، وهو أنّه يعني الجيد الرفيع ، وهما من معاني «الأوسط» كما نقرأ في الآية (٢٨) من سورة القلم :( قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ ) .

الثّانية :( أَوْ كِسْوَتُهُمْ ) .

من الطبيعي أنّ ذلك يعني الملابس التي تغطي الجسم حسب العادة ، لذلك ورد في بعض الرّوايات أنّ الإمام الصادقعليه‌السلام بيّن أنّ المقصود بالكسوة في هذه الآية قطعتا اللباس (الثوب والسروال) ، أمّا الرواية المنقولة عن الإمام الباقرعليه‌السلام بأن ثوبا واحدا يكفي ، فربّما تكون إشارة إلى الثوب العربي الطويل المعروف والذي يكسو الجسم كلّه ، أمّا بشأن النسوة فلا شك أنّ ثوبا واحدا لا يكفي ، بل لا بدّ من غطاء للرأس والرقبة ، وهذا هو الحدّ الأدنى لكسوة المرأة لذلك لا يستبعد أن تكون الكسوة التي تعطى كفارة تختلف أيضا باختلاف الفصول(٢) والأمكنة والأزمنة.

أمّا من حيث الكيفية ، وهل يكفي الحد الأدنى ، أم ينبغي مراعاة الحد الأوسط؟ فإن للمفسرين رأيين في ذلك :

١ ـ إن كل كسوة تكفي إذا أخذت الآية على إطلاقها.

٢ ـ إنّه ما دمنا قد راعينا الحدّ الأوسط في الإطعام ، فلا بدّ أن نراعي هذا الحد في الكساء أيضا ، غير أن الرأي الأوّل أكثر انسجاما مع إطلاق الآية.

الثّالثة :( أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ) .

__________________

(١) «نور الثقلين» ، ج ١ ، ص ٦٦٦ وتفسير «البرهان» ، ج ١ ، ص ٤٩٦.

(٢) ثمّة حديث بهذا الشأن عن الإمام الباقرعليه‌السلام أو الإمام الصادقعليه‌السلام أنظر تفسير «البرهان» ، ج ١ ، ص ٤٩٦.

١٣٥

وإن كانت الآية مطلقة في الظاهر.

وهذا ما يدل على أنّ الإسلام يتوسل بطرق مختلفة لتحرير العبيد ، أمّا في الوقت الحاضر حيث يبدو أنّه لا وجود للرق ، فإنّ على المسلمين أن يختاروا واحدة من الكفارتين المتقدمتين.

ليس ثمّة شك في أنّ هذه المواضيع الثلاثة متباينة من حيث قيمتها تباينا كبيرا ، ولعل القصد من هذا التباين هو حرية الإنسان في إختيار الكفارة التي تناسبه وتناسب إمكاناته المادية.

ولكن قد يوجد من لا قدرة له على أيّ منها ، لذلك فإنّه بعد بيان تلك الأحكام يقول سبحانه وتعالى :( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ) .

إذن ، فصيام ثلاثة أيّام مقصور على الذين لا قدرة لهم على تحقيق أي من الكفارات الثلاث السابقة ، ثمّ يؤكّد القول ثانية :( ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ ) .

ومع ذلك ، فلكي لا يظن أحد أنّه بدفع الكفارة يجوز للمرء أن يرجع عن قسم صحيح أقسمه ، يقول تعالى :( وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ ) .

وبعبارة أخرى : إنّ الالتزام بالقسم واجب تكليفي ، وعدم تنفيذه حرام ، والكفارة تأتي بعد الرجوع عن القسم.

في ختام الآيات يبيّن القرآن أنّ هذه الآيات توضح لكم الأحكام التي تضمن سعادة الفرد والمجتمع وسلامتها لتشكروه على ذلك :( كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) .

* * *

١٣٦

الآيات

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (٩١) وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٩٢) )

سبب النّزول

تذكر التفاسير الشيعية والسنّية روايات متعددة عن سبب نزول الآية الاولى تكاد تكون متشابهة ، من ذلك أنّه جاء في تفسير «الدر المنثور» عن سعد بن أبي وقاص أنّه قال : إنّ هذه الآية قد نزلت بشأني. كان أنصاري قد أعد طعاما دعانا إليه مع جمع من الناس ، فتناولوا الطعام وشربوا الخمر ، وكان هذا قبل تحريمها في الإسلام ، وعند ما صعدت النشوة إلى رؤوسهم أخذوا يتفاخرون وارتفع بينهم الكلام شيئا فشيئا حتى وصل الأمر بأحدهم أن تناول عظم بعير فضربني به على أنفي فشجه فقمت إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحكيت له ما جرى ، فنزلت الآية المذكورة.

١٣٧

وفي «مسند أحمد» و «سنن أبي داود» و «النسائي» و «الترمذي» أنّ عمر (وكان يكثر من الخمر كما جاء في تفسير «في ظلال القرآن» ج ٣ ، ص ٣٣) كان يدعو الله أن ينزل حكما واضحا في الخمر ، وعند ما نزلت الآية (٢١٩) من سورة البقرة( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ) قرأها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكنّه ظل يكرر دعاءه ويطلب مزيدا من التوضيح حتى نزلت الآية (٤٣) من سورة النساء :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى ) فقرأها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا ، غير أنّه استمر في دعاءه ، حتى نزلت الآية التي نحن بصددها موضحة الحكم بشكل كامل ، وعند ما قرأها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على عمر ، فقال : انتهينا انتهينا(١) !

التّفسير

مراحل تحريم الخمر وحكمها النهائي :

سبق أنّ ذكرنا في المجلد الثّالث من هذا التّفسير في ذيل الآية (٤٣) من سورة النساء ، إنّ معاقرة الخمر في الجاهلية وقبيل الإسلام كانت منتشرة انتشارا أشبه بالوباء العام ، حتى قيل : أنّ حبّ عرب الجاهلية كان مقصورا على ثلاثة : الشعر والخمر والغزو.

ويستفاد من بعض الرّوايات ، أنّه حتى بعد تحريم الخمر فإن الإقلاع عنها كان شاقّا على بعض المسلمين ، حتى قالوا : ما حرم علينا شيء أشد من الخمر(٢) ! من الواضح أنّ الإسلام لو أراد أن يحارب هذا البلاء الكبير الشامل بغير أن يأخذ الأوضاع النفسية والاجتماعية بنظر الإعتبار لتعذر الأمر وشق تطبيق التحريم ، لذلك اتخذ أسلوب التحريم التدريجي وإعداد الأفكار والأذهان لاقتلاع

__________________

(١) تفسير «المنار» ، ج ٧ ، ص ٥٠.

(٢) نفس المصدر ، ج ٧ ، ص ٥١.

١٣٨

هذه الآفة من جذورها ، وهي العادة التي كانت قد تأصلت في نفوسهم ، وعروقهم ، ففي أوّل الأمر وردت إشارات في الآيات المكية تستقبح شرب الخمر ، كما في الآية (٦٧) من سورة النحل :( وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً ) .

فهنا «سكر» وتعني الشراب المسكر الذي كانوا يستخرجونه من التمر والعنب ، قد وضع في قبال الرزق الحسن ، فاعتبره شرابا غير طيب بخلاف الرزق الحسن ، إلّا أنّ تلك العادة الخبيثة ـ عادة معاقرة الخمرة ـ كانت أعمق من أن تستأصل بهذه الإشارات ، ثمّ أنّ الخمر كانت تؤلف جانبا من دخلهم الاقتصادي لذلك ، عند ما هاجر المسلمون إلى المدينة وأسسوا أولى الحكومات الإسلامية ، نزلت آية ثانية أشد في تحريم الخمر من الاولى ، لكي تهيئ الأذهان أكثر إلى التحريم النهائي ، تلك هي الآية (٢١٩) من سورة البقرة :( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما ) .

فها هنا إشارة إلى منافع الخمر الاقتصادية لبعض المجتمعات ، كالمجتمع الجاهلي ، مصحوبة بإشارة إلى أخطارها الكبيرة ومضارها التي تفوق كثيرا منافعها الاقتصادية.

ثمّ في الآية (٤٣) من سورة النساء :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ ) يأمر الله المسلمين أمرا صريحا بأن لا يقيموا الصّلاة وهم سكارى حتى أدركوا ما يقولونه أمام الله.

واضح أنّ هذا لم يكن يعني أنّ شرب الخمر في غير الصّلاة جايز ، بل هي مسألة التدرج في تحريم الخمر مرحلة مرحلة ، أي أنّ هذه الآية كأنّها تلتزم الصمت ولا تقول شيئا صراحة في غير مواقع الصّلاة.

إنّ تقدم المسلمين في التعرف على أحكام الإسلام واستعدادهم الفكري لاستئصال هذه المفسدة الاجتماعية الكبيرة التي كانت متعمقة في نفوسهم ، أصبحا

١٣٩

سببا في نزول آية صريحة تماما في تحريم الخمر حتى سدت الطريق أمام الذين كانوا يتصيدون الأعذار والمسوغات ، وهذه الآية هي موضوع البحث.

وإنّه لمما يستلفت النظر أنّ تحريم الخمرة يعبر عنه في هذه الآية بصورة متنوعة :

١ ـ فالآية تبدأ بمخاطبة المؤمنين :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) أي أنّ عدم الصدوع بهذا الأمر لا ينسجم مع روح الإيمان.

٢ ـ استعمال «إنّما» التي تعني الحصر والتوكيد.

٣ ـ وضعت الخمر والقمار إلى جانب الأنصاب(١) (وهي قطع أحجار لا صورة لها كانت تتخذ كالأصنام) للدلالة على أنّ الخمر والقمار لا يقلان ضررا عن عبادة الأصنام ، ولهذا جاء في حديث شريف أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «شارب الخمر كعابد الوثن»(٢) .

٤ ـ الخمر والقمار وعبادة الأصنام ، والاستقسام والأزلام (ضرب من اليانصيب)(٣) لها قد اعتبرها القرآن رجسا وخبثا :( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ ) .

٥ ـ وهذه الأعمال القبيحة كلّها من أعمال الشيطان :( مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ ) .

٦ ـ وأخيرا يصدر الأمر القاطع الواجب الإتباع :( فَاجْتَنِبُوهُ ) .

لا بدّ من التنوية بأنّ لتعبير «فاجتنبوه» مفهوما أبعد ، إذ أنّ الاجتناب يعني الابتعاد والانفصال وعدم الاقتراب ، ممّا يكون أشد وأقطع من مجرّد النهي عن شرب الخمر.

٧ ـ وفي الختام يقول تعالى أن ذلك :( لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) أي لا فلاح لكم بغير

__________________

(١) انظر المجلد الثّالث ، من هذا التّفسير بشأن الأنصاب والنصيب.

(٢) هامش تفسير الطبري ، ج ٧ ، ص ٣١ ، وقد جاء هذا الحديث في تفسير «نور الثقلين» ، ج ١ ، ص ٦٩ عن الإمام الصادقعليه‌السلام .

(٣) انظر شرح كيفية الأزلام في المجلد الثالث من هذا التّفسير.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

و في ( عيون ابن قتيبة ) قالت عائشة : خطب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله امرأة من كلب ، فبعثني أنظر إليها فقال لي : كيف رأيت ؟ فقلت : ما رأيت طائلا فقال : لقد رأيت خالا بخدّها أقشعر كلّ شعرة منك على حدها فقالت : ما دونك ستر(١) .

و روى ( سنن أبي داود ) عن أنس أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان عند بعض نسائه ، فأرسلت إحدى امهات المؤمنين مع خادمها قصعة فيها طعام ، فضربت بيدها فكسرت القصعة ، فأخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الكسرتين فضمّ إحداهما إلى الاخرى فجعل يجمع فيها الطعام و يقول : غارت امّكم(٢) .

قلت : و المرسلة للطعام في قصعة كانت صفية بن حيّ بن أخطب و الكاسرة لها عائشة كما صرّح به في خبر رواه بعد و في ذاك الخبر : أخذ عائشة أفكل فكسرت الإناء .

و في ( اسد الغابة ) في عنوان خديجة ، قالت عائشة : كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة فيحسن الثناء عليها ، فذكرها يوما فأدركتني الغيرة فقلت : هل كانت إلاّ عجوزا فقد أبدلك اللَّه خيرا منها فغضب حتى اهتزّ مقدّم شعره من الغضب ، ثم قال : لا و اللَّه ما أبدلني اللَّه خيرا منها ، آمنت بي إذ كفر الناس ، و صدّقتني إذ كذّبني الناس ، و واستني في مالها إذ حرمني الناس ، و رزقني اللَّه منها أولادا إذ حرمني أولاد النساء(٣) .

قلت : و مغزى كلامهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ أباها كان كافرا فيمن كفر و مكذّبا فيمن كذب حين اسلام خديجة ، كما أنّها هي من نسائه اللاتي حرم الولد منهن ، فكيف يدّعون لأبيها تقدم اسلامه .

____________________

( ١ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٤ : ١٩ كذا أخبار النساء لابن قيم الجوزية : ٩ .

( ٢ ) سنن أبي داود ٣ : ٢٩٧ ح ٣٥٦٧ .

( ٣ ) اسد الغابة لابن الأثير ٥ : ٤٣٨ .

٢٨١

و في ( تفسير القمّي ) في قوله تعالى :( و امرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي ) (١) كان سبب نزولها أنّ امرأة من الأنصار أتت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و قد تهيّأت و تزيّنت ، فقالت : يا رسول اللَّه هل لك فيّ حاجة فقد وهبت نفسي لك فقالت لها عائشة : قبّحك اللَّه ما أنهمك للرجال فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : مه يا عائشة فإنّها رغبت في رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ زهدتنّ فيه ثم قال : رحمك اللَّه و رحمكم يا معشر الأنصار ، نصرني رجالكم و رغبت فيّ نساؤكم ، إرجعي رحمك اللَّه فإنّي أنتظر أمر اللَّه فأنزل اللَّه تعالى( و امرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبيّ أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين ) (٢) فلا تحلّ الهبة إلاّ لرسول اللَّه(٣) .

ثم من المضحك أنّ النووي في شرحه على صحيح مسلم قال بعد ذكر رواية مسلم عن عائشة قالت : قال لي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّي لأعلم إذا كنت عنّي راضية و إذا كنت عليّ غضبى قلت : و من أين تعرف ذلك ؟ قال : أمّا إذ كنت عني راضية تقولين : « لا و ربّ محمّد » و إذ كنت غضبى تقولين : « لا و ربّ إبراهيم » .

قلت : أجل و اللَّه لا أهجر إلاّ اسمك .

مغاضبة عائشة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هي ممّا سبق من الغيرة التي عفي عنها للنساء في كثير من الأحكام كما سبق لعدم انفكاكهن منها ، حتى قال مالك و غيره من علماء المدينة : يسقط عنها الحد إذا قذفت زوجها بالفاحشة على جهة الغيرة ، قال و احتج بما روي ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ما تدري الغيراء أعلى الوادي من أسفله و لو لا ذلك لكان على عائشة في ذلك من الحرج ما فيه ، لأن الغضب على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و هجره كبيرة عظيمة(٤) .

____________________

( ١ ) الأحزاب : ٥٠ .

( ٢ ) الأحزاب : ٥٠ .

( ٣ ) تفسير القمي ٢ : ١٩٥ .

( ٤ ) صحيح مسلم بشرح النووي ١٥ : ٢٠٣ .

٢٨٢

فإنّ إخواننا إنّما عرفوا الحق بالأشخاص ، فاعتقدوا بحسب مذهبهم المتناقض أنّ عائشة صدّيقة ابنة صدّيق .

فاشتروا بذلك قول اللَّه جل و علا :( يا نساء النبي من يأت منكنّ بفاحشة مبيّنة يضاعف لها العذاب ضعفين و كان ذلك على اللَّه يسيرا ) (١) و قوله تعالى فيها و في صاحبتها :( و إن تظاهرا عليه فإنّ اللَّه هو مولاه و جبريل و صالح المؤمنين ) (٢) .

و قوله عزّ اسمه تعريضا بهما كما صرّح به ( الزمخشري )(٣) و رواه ( صحيح مسلم )(٤) :( ضرب اللَّه مثلا للّذين كفروا امرأت نوح و امرأت لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من اللَّه شيئا و قيل ادخلا النّار مع الدّاخلين ) (٥) بثمن قليل ، فكان ضعف العذاب عليها لإتيانها بتلك الفواحش المبيّنة عليهم عسيرا ، و تظاهرها هي و صاحبتها على نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله نسيا منسيا ، و أنّها مع خيانتها تلك الخيانات التي أثبتها التاريخ في الجمل و غير الجمل كان كونها تحت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يغني عنها شيئا .

كما أغمضوا عمّا شاهدوا من أبيها و صاحبه مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالتخلّف عن جيش اسامة الذي لعن المتخلف عنه و منعه من الوصية و نسبة الهجر إليه ، مع قوله تعالى :( و ما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى ) (٦) و مع أهل بيته بإحراقهم لو لم يبايعوا مع قوله تعالى فيهم( إنّما يريد اللَّه ليذهب

____________________

( ١ ) الأحزاب : ٣٠ .

( ٢ ) التحريم : ٤ .

( ٣ ) الكاشف للزمخشري ٤ : ٥٧١ .

( ٤ ) صحيح مسلم ١٥ : ٢٠٣ .

( ٥ ) التحريم : ١٠ .

( ٦ ) النجم : ٣ ٤ .

٢٨٣

 عنكم الرجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا ) (١) .

و لمّا قال بعضهم لأمير المؤمنينعليه‌السلام : إني أعتزلك لاعتزال سعد و ابن عمر لك قالعليه‌السلام له : إنّك تعرف الحقّ بالرجال و الواجب أن تعرف الرجال بالحقّ(٢) .

و كيف تكون غيرتهن عفوا و قد قال أمير المؤمنينعليه‌السلام « غيرتهن كفر » و قال الباقرعليه‌السلام : غيرة النساء الحسد ، و الحسد أصل الكفر ، إنّ النساء إذا غرن غضبن ، و إذا غضبن كفرن إلاّ المسلمات منهنّ(٣) .

و قال الصادقعليه‌السلام : إن اللَّه تعالى لم يجعل الغيرة للنساء ، و إنّما تغار المنكرات منهن ، فأمّا المؤمنات فلا ، إنّما جعل اللَّه الغيرة للرجال(٤) .

فأمّا قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله « الغيراء لا تدري أعلى الوادي من أسفله » فبيان حالهن لا دليل جواز عملهن .

و ورد من طريقنا(٥) أيضا هكذا : بينا كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قاعدا إذ جاءت امرأة عريانة حتى قامت بين يديه فقالت : إنّي قد فجرت فطهّرني ، و جاء رجل يعدو في أثرها و ألقى عليها ثوبا ، فقال : ما هي منك ؟ قال : صاحبتي خلوت بجاريتي فصنعت ما ترى فقال : ضمّها إليك ثم قال : ان الغيراء لا تبصر أعلى الوادي من أسفله(٦) .

____________________

( ١ ) الأحزاب : ٣٣ .

( ٢ ) ذكره المفيد في أماليه : ٣ بلفظ : « فإنّك امرؤ ملبوس عليك ، إنّ دين اللَّه لا يعرف بالرجال بل بآية الحق ، فأعرف الحق تعرف أهله .

( ٣ ) الفروع من الكافي للكليني ٥ : ٥٠٥ ، و ذكره الطبرسي في مكارم الأخلاق : ١٢٤ .

( ٤ ) الفروع من الكافي للكليني ٥ : ٥٠٥ ح ٢ .

( ٥ ) من حديث مطول أسنده الطبرسي إلى جابر . لم يأت المؤلف على ذكره بالتفصيل انظر مكارم الأخلاق : ١٢٤ .

( ٦ ) الكافي للكليني ٥ : ٥٠٥ ح ٣ ، و فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٩ : ٣٢٥ .

٢٨٤

و كيف يعفى عنهنّ مع ترتب مفاسد كثيرة على غيرتهن ، فقد روى الكافي أنّ عمر اتي بجارية قد شهدوا عليها أنّها بغت و كان من قصتها أنّها كانت يتيمة عند رجل و كان الرجل كثيرا ما يغيب عن أهله ، فشبّت اليتيمة فتخوّفت المرأة أن يتزوجها زوجها ، فدعت بنسوة حتى أمسكنها فأخذت عذرتها بأصبعها ، فلما قدم زوجها من غيبته رمت المرأة اليتيمة بالفاحشة و أقامت البيّنة من جاراتها اللاّتي ساعدنها على ذلك ، فرفع ذلك إلى عمر فلم يدر كيف يقضي فيها ، ثم قال للرجل : إئت عليّ بن أبي طالب و إذهب بنا إليه .

فأتوهعليه‌السلام و قصوا عليه القصة ، فقالعليه‌السلام لامرأة الرجل : ألك بيّنة أو برهان ؟

قالت : هؤلاء جاراتي يشهدن عليها بما أقول ، و أحضرتهن فأخرج عليعليه‌السلام سيفه من غمده فطرحه بين يديه و أمر بكلّ واحدة منهن فأدخلت بيتا ، ثم دعا امرأة الرجل فأدارها بكل وجه فأبت أن تزول عن قولها ، فردّها إلى البيت الذي كانت فيه و دعا إحدى الشهود و جثا على ركبتيه ثم قال : تعرفيني أنا علي بن أبي طالب و هذا سيفي و قد قالت امرأة الرجل ما قالت و رجعت إلى الحق و أعطيتها الأمان و إن لم تصدقيني لأمكّننّ السيف منك فالتفتت المرأة إلى عمر و قالت : الأمان على الصدق فقال لها علي فاصدقي ، فقالت لا و اللَّه إلاّ أنّها رأت جمالا و هيئة فخافت فساد زوجها فسقتها المسكر و دعتنا فأمسكناها فافتضّتها بأصبعها فقال عليعليه‌السلام : اللَّه أكبر أنا أوّل من فرق بين الشهود إلاّ دانيال النبيعليه‌السلام ، و الزمهن حدّ القاذف و الزمهن جميعا العقر و جعل عقرها أربعمائة درهم ، و أمر بالمرأة أن تنفى من الرجل و يطلقها زوجها ، و زوّجهعليه‌السلام الجارية و ساق المهر عنه .(١) .

و روى أيضا أنّه كان على عهد أمير المؤمنينعليه‌السلام رجلان متؤاخيان

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٧ : ٤٢٥ ح ٩ .

٢٨٥

في اللَّه عز و جل ، فمات أحدهما و أوصى إلى الآخر في حفظ بنية كانت له ، فحفظها الرجل و أنزلها منزلة ولده في اللطف و الإكرام ، ثم حضره سفر فخرج و أوصى امرأته في الصبية ، فأطال السفر حتى إذا أدركت الصبيّة و كان لها جمال و كان الرجل يكتب في حفظها و التعاهد لها ، فلما رأت ذلك امرأته خافت أن يقدم فيراها قد بلغت مبلغ النساء فيعجبه جمالها فيتزوجها ، فعمدت إليها هي و نسوة معها قد كانت أعدّتهن ، فأمسكنّها لها ثم افترعتها بأصبعها ، فلما قدم الرجل من سفره دعا الجارية ، فأبت أن تجيبه استحياء ممّا صارت إليه ، فألحّ عليها في الدعاء ، كلّ ذلك و هي تأبى أن تجيبه ، فلما أكثر عليها قالت له امرأته : دعها فانّها تستحي أن تأتيك من ذنب أتته ، و رمتها بالفجور ، فاسترجع الرجل ثم قام إلى الجارية فوبّخها و قال لها : ويحك أما علمت ما كنت أصنع بك من الألطاف ، و اللَّه ما كنت أعدّك إلاّ كبعض ولدي أو إخوتي و إن كنت لابنتي ، فما دعاك إلى ما صنعت ؟ فقالت له الجارية : أمّا إذ قيل لك ما قيل فو اللَّه ما فعلت الذي رمتني به امرأتك و لقد كذبت عليّ ، فإنّ القصة لكذا و كذا و وصفت له ما صنعت امرأته بها فأخذ الرجل بيد امرأته و يد الجارية فمضى بهما حتى أجلسهما بين يدي أمير المؤمنينعليه‌السلام و أخبره بالقصة كلّها و أقرّت المرأة بذلك ، و كان الحسنعليه‌السلام بين يدي أبيه فقال له : إقض فيها فقال الحسنعليه‌السلام :

نعم على المرأة الحد لقذفها الجارية و عليها القيامة لافتراعها فقالعليه‌السلام له :

صدقت(١) .

و في ( مناقب السروي ) عن تميم بن خزام الأسدي قال : صبّت امرأة بياض البيض على فراش ضرّتها و قالت لزوجها : قد بات عندها رجل ، ففتّش ثيابها فأصاب ذلك البيض ، فقص ذلك على عمر فهمّ أن يعاقبها فقال أمير

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٧ : ٢٠٧ ح ١٢ .

٢٨٦

المؤمنينعليه‌السلام : إيتوني بماء حار قد اغلي غليانا شديدا ، فلما اتي به أمرهم فصبّوا على الموضع فاشتوى ذلك الموضع ، فرمى به إليها و قال :( إنّه من كيدكن إنّ كيدكن عظيم ) (١) و قالعليه‌السلام لزوجها : أمسك عليك زوجك فإنّها حيلة تلك التي قذفتها ، فضربها الحدّ(٢) .

و في ( معجم أدباء الحموي ) نقلا عن كتاب شعراء ابن المعتزّ : كان الخليل منقطعا إلى الليث بن رافع بن نصر بن سيّار ، و كان الليث من أكتب أهل زمانه بارع الأدب بصيرا بالشعر و الغريب و النحو ، و كان كاتبا للبرامكة و كانوا معجبين به ، فارتحل إليه الخليل و عاشره فوجده بحرا فأغناه ، و أحبّ الخليل أن يهدي إليه هدية تشبهه ، فاجتهد في تصنيف كتاب العين فصنّفه له و خصّه به دون الناس و حبّره و أهداه إليه ، فوقع منه موقعا عظيما و سرّ به و عوّضه عنه مائة ألف درهم و اعتذر إليه ، و أقبل الليث ينظر فيه ليلا و نهارا لا يملّ النظر فيه حتى حفظ نصفه و كانت ابنة عمّه تحته فاشترى عليها جارية نفيسة بمال جليل ، فبلغها ذلك فغارت غيرة شديدة ، فقالت و اللَّه لأغيظنّه و لا ابقي غاية فقالت : إن غظته في المال فذاك ما لا يبالي و لكني أراه مكبّا ليله و نهاره على هذا الدفتر و اللَّه لأفجعنه به ، فأخذت الكتاب و أضرمت نارا و ألقته فيها ، و أقبل الليث إلى منزله و دخل إلى البيت الذي كان فيه الكتاب ، فصاح بخدمه و سألهم عن الكتاب فقالوا : أخذته الحرة ، فبادر إليها و قد علم من أين اتي ، فلما دخل عليها ضحك في وجهها و قال لها : ردّي الكتاب فقد وهبت لك الجارية و حرّمتها على نفسي ، و كانت غضبى فأخذت بيده و أرته رماده ، فسقط في يد الليث فكتب نصفه من حفظه و جمع على الباقي أدباء زمانه و قال

____________________

( ١ ) يوسف : ٢٨ .

( ٢ ) المناقب للسروي ٢ : ٣٦٧ .

٢٨٧

لهم : مثلوا عليه و اجتهدوا ، فعملوا هذا النصف الذي بأيدي الناس ، فهو ليس من تصنيف الخليل و لا يشقّ غباره(١) .

هذا ، و في السير : ضرب البعث على كوفي إلى آذربيجان ، فاقتاد جارية و فرسا و كان مملكا بابنة عمه ، فكتب إليها ليغيرها :

ألا بلغوا ام البنين بأننا

غنينا و أغنتنا الغطارفة المرد

بعيد مناط المنكبين إذا جرى

و بيضاء كالتمثال زيّنها العقد

فهذا لأيّام العدو و هذه

لحاجة نفسي حين ينصرف الجند

فكبت إليه امرأته :

ألا فاقره منّي السّلام و قل له

غنينا و أغنتنا غطارفة المرد

إذا شئت أغناني غلام مرجّل

و نازعته في ماء معتصر الورد

و ان شاء منهم ناشى‏ء مدّ كفّه

إلى عكن ملساء أو كفل نهد

فما كنتم تقضون حاجة أهلكم

شهودا قضيناها على النأي و البعد

فعجّل علينا بالسراح فإنّه

منانا و لا ندعو لك اللَّه بالرد

فلا قفل الجند الذي أنت فيهم

و زادك رب الناس بعدا على بعد

فلما ورد عليه الكتاب لم يزد ان ركب فرسه و أردف الجارية و لحق بها ، فكان أوّل شي‏ء قال لها : تاللَّه هل كنت فاعلة قالت : أنت أحقر من أن أعصي اللَّه فيك ، كيف ذقت طعم الغيرة ، فوهب لها الجارية و انصرف إلى بعثه(٢) .

و في المناقب عن غريب حديث أبي عبيد : جاءت امرأة إلى عليعليه‌السلام و قالت : ان زوجها يأتي جاريتها فقالعليه‌السلام : ان كنت صادقة رجمناه و ان كنت كاذبة جلدناك فقالت : ردوني إلى أهلي غيري نقزة قال أبو عبيد : تعني ان

____________________

( ١ ) معجم الأدباء لياقوت الحموي ١٧ : ٤٥ ، عقلا عن طبقات الشعراء لعبد اللَّه بن المعتز : ٩٧ .

( ٢ ) الابشيهي ، المستطرف في كل فن مستظرف ٢ : ٤٨٧ ٤٨٨ .

٢٨٨

جوفها يغلي من الغيظ و الغيرة(١) .

و في ( المروج ) : ذكر مصعب الزبيري أنّ امّ سلمة بنت يعقوب المخزومي كانت بعد هشام بن عبد الملك عند السفاح ، و كان حلف لها أن لا يتزوّج عليها و لا يتسرّى ، و غلبت عليه غلبة شديدة حتى ما كان يقطع أمرا إلاّ بمشورتها ، حتى أفضت الخلافة إليه فوفى لها بما حلف لها ، فلما كان ذات يوم خلا به خالد ابن صفوان فقال له : إني فكّرت في أمرك و سعة ملكك ، و قد ملكت نفسك امرأة واحدة ، فإن مرضت مرضت و ان غابت غبت و حرمت نفسك التلذّذ باستطراف الجواري و معرفة أخبار حالاتهن و التمتّع بما تشتهي منهنّ ، فإنّ منهن الطويلة الغيداء و منهن الفضة البيضاء ، و منهن العتيقة الأدماء و الدقيقة السمراء و البربرية العجزاء ، من مولدات المدينة تفتن بمحادثتها و تلذّ بخلوتها ، و أين أنت من بنات الأحرار و النظر إلى ما عندهن و حسن الحديث منهن ، و لو رأيت الطويلة البيضاء و السمراء اللعساء و الصفراء العجزاء و المولّدات من البصريات و الكوفيات ، ذوات الألسن العذبة و القدود المهفهفة و الأوساط المخصّرة و الأصداغ المزرفنة ، و العيون المكحلة و الثدي المحقة ، و حسن زيّهن و زينتهن و شكلهن ، لرأيت شيئا حسنا و جعل يجيد في الوصف و يجدّ في الاطناب بحلاوة لفظه وجودة صفته .

فلما فرغ قال له السفاح : و يحك يا خالد ما صكّ مسامعي و اللَّه قطّ كلام أحسن من كلامك ، فأعده علي فقد وقع منّي موقعا ، فأعاد عليه خالد أحسن ممّا ابتدأ ، ثم انصرف و بقي السفاح مفكّرا فيما سمع من خالد ، فدخلت عليه ام سلمة فلما رأته متفكّرا قالت : إنّي لأنكرك ، هل حدث أمر أو أتاك خبر ؟ قال : لم يكن من ذلك شي‏ء قالت : فما قصّتك ؟ فجعل يزوي عنها فلم تزل به حتى

____________________

( ١ ) المناقب لابن شهر آشوب ٢ : ٣٨١ .

٢٨٩

أخبرها بمقالة خالد ، فقالت : فما قلت لابن الفاعلة قال : سبحان اللَّه ينصحني و تشتمينه ، فخرجت من عنده مغضبة و أرسلت إلى خالد من البخارية و معهم من الكافر كوبات ، و أمرتهم أن لا يتركوا منه عضوا صحيحا .

قال خالد : فانصرفت إلى منزلي و أنا على السرور بما رأيت من السفاح و إعجابه بما ألقيته إليه ، و لم أشكّ أنّ صلته تأتيني ، فلم ألبث حتى صار إليّ اولئك البخارية و أنا قاعد على باب داري ، فلما رأيتهم أيقنت بالجائزة واصلة ، حتى وقفوا عليّ فسألوا عني فقلت : ها أنا ذا خالد ، فسبق اليّ أحدهم بهراوة كانت معه ، فلما أهوى بها اليّ و ثبت الى منزلي و أغلقت الباب و استترت ، و مكثت أيّاما على تلك الحال لا أخرج من منزلي ، و وقع في خلدي أنّي أوتيت من قبل امّ سلمة ، و طلبني السفاح طلبا شديدا فلم أشعر ذات يوم إلاّ بقوم هجموا عليّ و قالوا : أجب الخليفة فأيقنت بالموت ، فركبت و ليس عليّ لحم و لا دم ، فلما وصلت إلى الدار أومى اليّ بالجلوس و نظرت فإذا خلف ظهري باب عليه ستور قد ارخيت و حركة خلفها ، فقال السفاح : لم أرك يا خالد منذ ثلاث .

قلت : كنت عليلا قال : ويحك إنّك وصفت لي في آخر دخلة من أمر الناس و الجواري ما لم يخرق مسامعي قط كلام أحسن منه فأعده علي قلت : نعم .

أعلمتك أنّ العرب اشتقت اسم الضرّة من الضر ، و ان أحدهم ما تزوج من النساء أكثر من واحدة إلاّ كان في جهد فقال : ويحك لم يكن هذا في الحديث .

قلت : بلى ، و أخبرتك أنّ الثلاث من النساء كأثافي القدر يغلي عليهن قال : برئت من قرابتي من النبي إن كنت سمعت هذا منك في حديثك قلت : و أخبرتك أنّ الأربعة من النساء شرّ صيح بصاحبه يشنه و يهرمنه و يسقمنه قال : ويلك ما سمعت هذا منك و لا من غيرك قبل هذا قال خالد : بلى قال : ويلك تكذّبني .

قلت : و تريد أن تقتلني قال : مر في حديثك قلت : و أخبرتك ان أبكار الجواري

٢٩٠

رجال و لكن لا خصي لهن .

قال خالد : و سمعت الضحك من وراء الستر قلت : و نعم و أخبرتك أيضا ان بني مخزوم ريحانة قريش و أنت عندك ريحانة من الرياحين و أنت تطمح بعينك إلى حرائر النساء و غيرهن من الاماء .

قال خالد : فقيل لي من وراء الستر صدقت يا عمّاه و برّرت بهذا حديث الخليفة و لكنه بدل و غيّر و نطق عن لسانك بغيره فقال لي السفاح : قاتلك اللَّه و أخزاك و فعل بك و فعل ، فتركته و خرجت و قد أيقنت بالحياة قال : فما شعرت إلاّ برسل ام سلمة قد صاروا إليّ و معهم عشرة آلاف درهم و تخت و برذون و غلام(١) .

و غيرة الرجل التي هي إيمان ، غيرته على ميل امرأته إلى رجل أجنبي ، و أمّا ميلها إلى زوج لها قبل بمعنى مدحها له بصفات ليست في الأخير فيغيّر زوجها فليس بايمان بل من الكفر ، ففي السير كانت مع سعد بن أبي وقاص بالقادسية زوجة له كانت قبل تحت المثنى بن حارثة ، فلما لم تر من سعد إقداما مثل المثنى قالت : و امثنياه و لا مثنى للمسلمين اليوم فلطمها سعد فقالت المرأة : أ غيرة و جبنا فذهبت مثلا(٢) .

٢ الحكمة ( ٢٣٨ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْمَرْأَةُ شَرٌّ كُلُّهَا وَ شَرُّ مَا فِيهَا أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْهَا « المرأة شرّ كلّها » قالوا : كتب بعض الحكماء على باب داره « لا يدخل داري

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٢٦٠ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٦٣ .

٢٩١

شرّ » فقال بعض آخر منهم : من أين تدخل امرأتك(١) ؟

و قالوا : تزوّج بعضهم امرأة نحيفة فقيل له في ذلك فقال : اخترت من الشرّ أقلّه(٢) .

و قالوا : رأى بعض الحكماء امرأة غريقة قد احتملها السيل فقال : زادت الكدر كدرا ، و الشر بالشر يهلك(٣) .

و في ( الملل ) : رأى ديو جانس امرأة تحملها الماء فقال : على هذا المعنى جرى المثل « دع الشر يغسله الشر »(٤) .

و رأى نساء يتشاورن فقال : على هذا جرى المثل : « هو ذا الثعبان يستقرض من الأفاعي سمّا » .

و رأى امرأة متزينة في ملعب فقال : هذه لم تخرج لترى و لكن لترى و قالوا : رأى بعضهم جارية تحمل نارا فقال : نار على نار ، و الحامل شر من المحمول و قالوا : رأى حكيم جارية تتعلّم الكتابة ، فقال : يسقى هذا السهم سمّا ليرمي به يوما ما(٥) .

و قالوا : و نظر حكيم إلى امرأة مصلوبة على شجرة ، فقال : ليت كلّ شجرة تحمل مثل هذه الثمرة(٦) .

و قال بعضهم :

ان النساء شياطين خلقن لنا

نعوذ باللَّه من شرّ الشياطين(٧)

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٣٢٥ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٦٣ و ١٨ : ١٩٨ ١٩٩ .

( ٣ ) المصدر نفسه .

( ٤ ) الملل و النحل للشهرستاني ٢ : ١٥٢ ، و شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٩٨ .

( ٥ ) الملل و النحل للشهرستاني ٢ : ١٥٢ ، و شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٦٣ .

( ٦ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٩ : ١٦٣ و ١٨ : ١٩٨ .

( ٧ ) نسبوا هذا البيت إلى عمر بن الخطاب ، قاله عند ما سمع امرأة تقول : ان النساء رياحين خلقن لكم و كلكم يشتهي

٢٩٢

و قال بعضهم في قولهم « بعد الّتي و اللّتيّا » : إن رجلا تزوج امرأة قصيرة و امرأة طويلة ، فلقي منهما شدّة ، فطلّقهما و قال : بعد اللتيا يعني القصيرة و الّتي أي الطويلة لا أتزوج أبدا(١) .

و في ( شعراء ابن قتيبة ) : كان جران العود و الرحال خدنين ، فتزوج كلّ واحد منهما امرأتين ، فلقيا منهما مكروها فقال الأول :

ألا لا تغرنّ امرأ نوفلية

على الرأس بعدي أو ترائب وضّح

و لا فاحم يسقي الدهان كأنّه

أساود يزهاها لعينك أبطح

و أذناب خيل علقت في عقيصة

ترى قرطها من تحتها يتطوّح

جرت يوم جئنا بالركاب نزفّها

عقاب و تشحاج من الطير متيح

فأمّا العقاب فهي منّا عقوبة

و أمّا الغراب فالغريب المطوّح

هي الغول و السعلاة حلقي منهما

مكدّح ما بين التراقي مجرّح

خذا نصف مالي و اتركا لي نصفه

و بينا بذم فالتعزّب أروح

و سمّي جران العود بقوله لامرأتيه :

خذا حذرا يا جارتيّ فإنّني

رأيت جران العود قد كان يصلح

فخوفهما بسير قدّ من صدر جمل مسن ، قال و يتمثل من شعره بقوله :

و لا تأمنوا مكر النساء و أمسكوا

عرى المال عن أبنائهن الأصاغر

فإنّك لم ينذرك أمر تخافه

إذا كنت منه خائفا مثل خابر(٢)

و في القاموس هو عامر بن الحرث و قول الصحاح اسمه المستورد غلط .

شم الرياحين ، راجع أدب الدنيا و الدين للماوردي : ١٥٦ .

____________________

( ١ ) مجمع الأمثال للميداني ١ : ١٢٥ .

( ٢ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ٢٧٥ ٢٧٧ .

٢٩٣

و قال الثاني :

فلا بارك الرحمن في عود أهلها

عشية زفّوها و لا فيك من بكر

و لا الزعفران حين مسّحنها به

و لا الحلي منها حين نيط من النحر

و لا فرش طوهرن من كلّ جانب

كأنّي أطوي فوقهن من الجمر

فيا ليت أنّ الذئب خلّل درعها

و إن كان ذا ناب حديد و ذا ظفر

و جاءوا بها قبل المحاق بليلة

و كان محاقا كلّه آخر الشهر

لقد أصبح الرحّال عنهن صادفا

إلى يوم يلقى اللَّه في آخر العمر(١)

و في ( الاستيعاب ) : كانت عند الأعشى المازني امرأة يقال لها معاذة ، فخرج يمير أهله من هجر ، فهربت امرأته بعده ناشزة عليه ، فعاذت برجل منهم يقال له مطرف ، فجعلها خلف ظهره ، فلما قدم الأعشى لم يجدها في بيته و اخبر أنّها نشزت و عاذت بمطرف ، فأتاه فقال له : يا ابن عم عندك امرأتي فادفعها اليّ فقال : ليست عندي و لو كانت عندي لم أدفعها إليك و كان مطرف أعزّ منه ، فخرج حتى أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و أنشأ يقول :

يا سسّد الناس و ديّان العرب

أشكو إليك ذربة من الذرب(٢)

خرجت أبغيها الطعام في رجب

فخلفتني بنزاع و هرب

اخلفت العهد و ألظت بالذنب

و هنّ شر غالب لمن غلب(٣)

فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله « و هنّ شر غالب لمن غلب » و كتب إلى مطرف : إدفع إليه امرأته ، فلما قرأ الكتاب قال لمعاذة : هذا كتاب النبي فيك و أنا دافعك إليه فقالت :

خذ لي العهد أن لا يعاقبني فيما صنعت ، فأنشأ يقول :

____________________

( ١ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ١٧٠ .

( ٢ ) الذرب : حدّة اللسان .

( ٣ ) حياة الحيوان للدميري ١ : ٥١٢ .

٢٩٤

لعمرك ما حبّي معاذة بالذي

يغيّره الواشي و لا قدم العهد

و لا سوء ما جاءت به إذ أزلّها

غواة رجال إذ ينادونها بعدي(١)

و في ( الملل ) : قيل للاسكندر : إنّ روشنك امرأتك بنت دارا الملك و هي من أجمل النساء فلو قربتها إلى نفسك قال : أكره أن يقال : غلب الاسكندر دارا ، و غلبت روشنك الاسكندر(٢) .

و قالوا : كان أحمد بن يوسف كاتب المأمون إذا دخل عليه حيّاه بتحية أبرويز الملك : « عشت الدهر ، و نلت المنى ، و حبيت طاعة النساء »(٣) .

و في ( الكافي ) عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : إتّقوا من شرار النساء و كونوا من خيارهن على حذر ، و إن أمرنكم بالمعروف فخالفوهنّ كيلا يطمعن في المنكر(٤) .

و عنهعليه‌السلام : في خلاف النساء البركة(٥) .

____________________

( ١ ) ذكر الحكاية ( ابن الأثير ) في اسد الغابة ١ : ١٢٣ ، و لم يذكر ( ابن عبد البر ) في الإستيعاب ١ : ١٤٤ ( المصدر الّذي اعتمده المؤلف ) إلاّ جزءا من الحكاية ، فقد ذكر أبيات الأعشى المازني إمام النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و قول النبي له فقط ، مع تغيير عمّا ذكره المؤلف و الأبيات هي:

يا مالك الناس و ديان العرب

إنّي لقيتف دربة من الذّرب

ذهبت ابضيها الطعام في رجب

فخالفتني بنزاع و هرب

أخلفت العهد و الطّت بالذنب

و هن شر غالب لمن غلب

( ٢ ) الملل و النحل للشهرستاني ٢ : ١٤٧ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٦ : ١٩٥ .

( ٤ ) الكافي للكليني ٥ : ٥١٧ ح ٥ .

( ٥ ) لفظ الحديث كما رود في بحار الأنوار ١٠٣ : ٢٦٢ ، و جامع أحاديث الشيعة ١٦ : ٨٦ ، عن هارون بن موسى عن محمّد بن علي بن محمّد بن الحسين عن علي بن اسباط عن أبي فضال عن الصادق عن ايائه عن رسول اللَّه أنه قال : شاوروا النساء و خالفوهن فأن خلافهن بركة و قد أورد جمع من المتأخرين هذا الحديث و نسبوه إلى الإمام عليّعليه‌السلام أو إلى الرسول صلّى اللَّه عليه و آله بينما لم يرد في المصادر من نسب هذا القول إلى الإمام عليّعليه‌السلام أمّا نسبته إلى الرسول صلّى اللَّه عليه و آله فقد عجّت و صادر الحديث بذكره في الموضوعات ، من هذه الكتب : ١ السخاوي في المقاصد

٢٩٥

و كل أمر تدبرته امرأة فهو ملعون(١) .

و عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ النساء لا يشاورن في النجوى و لا يطعن في ذوي القربى ، إنّ المرأة إذا أسنّت ذهب خير شطريها و بقي شرهما ، يعقم رحمها و يسوء خلقها و يحتدّ لسانها ، و إن الرّجل إذا أسنّ ذهب شرّ شطريه و بقي خيرهما يؤوب عقله و يستحكم رأيه و يحسن خلقه(٢) .

و عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : كان إذا أراد الحرب دعا نساءه فاستشارهن ثم خالفهن(٣) .

و قال طفيل الغنوي :

إنّ النّساء متى ينهين عن خلق

فإنّه واجب لا بدّ مفعول(٤)

و قالوا : قيل لسقراط أيّ السباع أجسر ؟ قال : المرأة(٥) .

قالوا : و مرّت به امرأة فقالت له : ما أقبحك فقال لها : لو لا أنّك من المرايا الحسنة ، و قال عنه : لم أره مرفوعا ، و لكن عن العسكري من احديث حفص بن عثمان بن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عمر قال : قال عمر : خالفوا النساء فإنّ خلافهن لبركة ( راجع المقاصد الحسنة : ٢٤٨ ح ٥٨٥ ) ٢ أورده المنقي الهندي في كنز العمّال عن ( عمر ) أنه قال : خالفوا النساء فإن خلافهن بركة ( كنز العمّال ٣ : ٤٥١ ) ٣ الزبيري في إتحاف السادة المتقين بشرح أسرار إحياء علوم الدين ٥ : ٣٥٦ ، يقول عنه هكذا اشتهر على الألسنه و ليس بحديث .

٤ ابن عراق الشافعي في تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشيعة الموضوعة ٢ : ٢١٠ ، نسبه إلى عمر بن الخطاب ٥ ( ملا علي القالي في الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة ، المعروف بالموضوعات الكبرى : ٢٢٢ ) ذكر قائلا : حديث شاورهن و خالفوهن لم يثبت بهذا المعنى و إن كان له وجه من حيث المعنى .

____________________

( ١ ) في بحار الأنوار ١٠٣ : ٢٢٨ « كل امرى‏ء تدبره امرأة فهو ملعون » .

( ٢ ) من لا يحضره الفقيه للصدوق ٣ : ٤٦٨ ح ٤٦٢١ .

( ٣ ) ذكره المجلسي في مكانين ٩١ : ٢٥٥ و ١٠٣ : ٢٢٨ إلاّ ان أرباب السير ذكروا ان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله استشار ( امّ سلمة ) في صاح الحديبيه ، فقد قال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري ٥ : ٢٦٥ ٢٦٦ : فلمّا لم يقم منهم ( الأصحاب ) أحد دخل على امّ سلمة فذكر لها ما لقي من الناس ، فقالت امّ سلمة : يا نبي اللَّه ، اتحب ذلك ؟ أخرج و لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بذلك و تدعو حالقك فيحلقك ، فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك ، نحر بدنة ، و دعا حالقه فحلقه ، فلمّا رأوا قاموا فنحروا ، و جعل بعضهم بحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا .

( ٤ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٨ : ١٩٨ .

( ٥ ) المصدر نفسه .

٢٩٦

الصديّة لغمّني ما بان من قبح صورتي فيك(١) .

هذا ، و عن ( ملح النوادر ) كان ذئب ينتاب بعض القرى و يعبث فيها ، فترصّدوه حتى أخذوه ، ثم تشاوروا فيه فقال بعضهم : تقطع يداه و رجلاه و تدقّ أسنانه و يخلع لسانه ، و قال آخر بل يصلب و يرمى بالنبال ، و قال آخر :

توقد نار عظيمة و يلقى فيها ، و قال بعض الممتحنين بالنساء : بل يزوّج و كفى بالتزويج تعذيبا و في هذه القصة قال الشاعر :

رب ذئب أخذوه

و تماروا في عقاب

ثم قالوا زوّجوه

و ذروه في عذاب(٢)

« و شر ما فيها أنّه لا بدّ منها » في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : ان إبراهيمعليه‌السلام شكا إلى اللَّه ما يلقى من سوء خلق سارة ، فأوحى إليه : إنّما مثل المرأة مثل الضلع المعوجّ ، إن أقمته كسرته و إن تركته استمتعت فاصبر عليها(٣) و نظم مضمونه من قال :

هي الضلع العوجاء لست تقيمها

ألا إنّ تقويم الضلوع انكسارها(٤)

و في ( البيان ) : سمع أعرابي يقول « اللّهم اغفر لامّ أوفى » قيل له : من امّ أوفى ؟ قال : إمرأتي ، إنّها لحمقاء مرغامة(٥) أكول قامّة(٦) لا تبقي خامّة(٧) ، غير

____________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٨ : ٢٠٠ .

( ٢ ) لم نعثر على الكتاب لا في المطبوعات و لا في المخطوطات ، و يبدو ان المؤلف لم ير الكتاب حيث ذكر ( و عن ) ، و قد ذكر حاجي خليفة الكتاب في كشف الظنون ٢ : ١٨١٧ ، و نسبه إلى الشيخ أبي عبد اللَّه الكاتب .

( ٣ ) الكافي للكليني ٥ : ٥١٣ ح ٢ .

( ٤ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٨ : ١٩٩ .

( ٥ ) المرغامة : المبغضة ليعلها .

( ٦ ) قمّ : أكولة .

( ٧ ) الخامّ : ما تغيّر ريحه من لحم أو لبن .

٢٩٧

أنّها حسناء فلا تفرك و امّ غلمان فلا تترك(١) .

و نظير المرأة في مطلوبيتها مع شدائدها لعدم بدّ منها ، الشيب فرارا من الموت قال الشاعر :

الشيب كره و كره أن يفارقني

فأعجب لشي‏ء على البغضاء مودود(٢)

٣ الحكمة ( ٦١ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْمَرْأَةُ عَقْرَبٌ حُلْوَةُ اَللَّبْسِةِ « المرأة عقرب » في ( اللّسان ) العقرب يكون للذّكر و الانثى ، و الغالب عليه التأنيث ، و يقال للانثى : عقربة و عقرباء ، و العقربان : الذكر منها ، قال إياس بن الأرتّ :

كأنّ مرعى امكم إذ غدت

عقربة يكومها عقربان(٣)

و عقرب بن أبي عقرب كان من تجّار المدينة مشهورا بالمطل ، قال الزبير ابن بكار : عامله الفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب فلزم الفضل بيته زمانا فلم يعطه شيئا ، فقال الفضل :

قد تجرت في سوقنا عقرب

لا مرحبا بالعقرب التاجره

كلّ عدو يتّقى مقبلا

و عقرب تخشى من الدابره

إن عادت العقرب عدنا لها

و كانت النعل لها حاضره

____________________

( ١ ) البيان و التبيان للجاحظ ٢ : ٩٥ .

( ٢ ) هو مسلم بن الوليد ذكره النويري ، في نهاية الارب ٢ : ٣٧ .

( ٣ ) لسان العرب لابن منظور ٩ : ٣١٨ .

٢٩٨

كلّ عدوّ كيده في استه

فغير مخشي و لا ضائره(١)

« حلوة اللبسة » هكذا في ( الطبعة المصرية )(٢) ، و الصواب : ( اللسبة ) كما نقله ( ابن أبي الحديد(٣) و اللسبة من لسب بالفتح ، قال ابن السكيت يقال لسبته العقرب إذا لسعته ، و اما لسب بالكسر فبمعنى لعق ، يقال لسبت العسل أي لعقته(٤) .

و لكون المرأة عقربا حلوة اللسبة قال كثيّر في صاحبته عزّة :

هنيئا مريئا غير داء مخامر

لعزّة من أعراضنا ما استحلّت(٥)

و عن مجنون في صاحبته ليلى :

حلال لليلى شتمنا و انتقاصنا

هنيئا و مغفور لليلى ذنوبها(٦)

و في ( الأغاني ) : قدم الوليد بن عبد الملك مكة فأراد أن يأتي الطائف فقال :

هل من رجل عالم يخبرني عنها قالوا : عمر بن أبي ربيعة قال : لا حاجة لي به ، ثم عاد فسأل فذكروه فقال : هاتوه فأتى و ركب معه ، فجعل يحدّثه ثم حوّل رداءه ليصلحه على نفسه ، فرأى الوليد على ظهره أثرا فقال : ما هذا ؟ قال : كنت عند جارية لي إذ جاءتني جارية برسالة من عند جارية اخرى و جعلت تسارّني بها ، فغارت التي كنت عندها فعضّت منكبي ، فما وجدت ألم عضتها من لذة ما كانت تلك تنفث في اذني حتى بلغت ما ترى و الوليد يضحك(٧) .

____________________

( ١ ) حياة الحيوان للدميري ٢ : ٦١ .

( ٢ ) راجع النسخة المصرية : ٦٧١ رقم ٦٢ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٩٨ رقم ٥٩ .

( ٤ ) ترتيب اصلاح المنطق لابن السكّيت : ٣٣٤ .

( ٥ ) ديوان كثير عزة : ٥٦ .

( ٦ ) ديوان مجنون ليلى : ٣٤ .

( ٧ ) الأغاني للأصفهاني ١ : ١١٢ .

٢٩٩

و قال حجر آكل المرار في هند امرأته :

حلوة العين و الحديث و مرّ

كل شي‏ء أجنّ منها الضمير(١)

و قال أبو العتاهية :

رأيت الهوى جمر الغضا غير أنّه

على جمره في صدر صاحبه حلو(٢)

و في ( الجمهرة ) ( زينب ) اشتقاقه من زنابة العقرب و هي ابرته التي تلذع بها ، فأما زبانيا العقرب فهما قرناها(٣) .

٤ الحكمة ( ٢٣٤ ) و قالعليه‌السلام :

خِيَارُ خِصَالِ اَلنِّسَاءِ شَرُّ خِصَالِ اَلرِّجَالِ اَلزَّهْوُ وَ اَلْجُبْنُ وَ اَلْبُخْلُ فَإِذَا كَانَتِ اَلْمَرْأَةُ مَزْهُوَّةً لَمْ تُمَكِّنْ مِنْ نَفْسِهَا وَ إِذَا كَانَتْ بَخِيلَةً حَفِظَتْ مَالَهَا وَ مَالَ بَعْلِهَا وَ إِذَا كَانَتْ جَبَانَةً فَرِقَتْ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ يَعْرِضُ لَهَا « خيار خصال النساء شرّ خصال الرجال » و ممّا قيل في اختلافهن مع الرجال في غير ما قالعليه‌السلام قول ابن شبرمة : ما رأيت لباسا على رجل أزين من فصاحته ، و لا رأيت لباسا على امرأة أزين من شحم(٤) و لشاعر :

الخال يقبح بالفتى في خدّه

و الخال في خد الفتاة مليح

و الشيب يحسن بالفتى في رأسه

و الشيب في رأس الفتاة قبيح(٥)

الزهو : أي : الكبر و الفخر و كونه من شرار خصال الرجال واضح .

____________________

( ١ ) الأغاني للأصفهاني ١٦ : ٣٥٨ ، كذا ابن قيم الجوزية : ١٤٤ و نسب البيت إلى عمرو الملك .

( ٢ ) الأغاني للأصفهاني ٤ : ٤١ و في نسخة التحقيق ورد العجز بلفظ « على كل حال عند صاحبه حلو » .

( ٣ ) جمهرة اللغة لابن دريد ٣ : ٣٦٥ .

( ٤ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٤ : ٣٠ .

( ٥ ) المصدر نفسة ٤ : ٢٢ .

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611