الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٤

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل0%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 611

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

مؤلف: آية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
تصنيف:

الصفحات: 611
المشاهدات: 127760
تحميل: 5336


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 611 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 127760 / تحميل: 5336
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء 4

مؤلف:
العربية

١
٢

٣

الآيتان

( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (41) سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42) )

سبب النّزول

وردت روايات عديدة في سبب نزول الآيتين الأخيرتين أوضحها ما نقل عن الإمام الباقرعليه‌السلام في هذا المجال ، وخلاصة ذلك أنّ أحد وجهاء اليهود في منطقة خيبر كان متزوجا ، فارتكب عملا غير شرعي ومخالفا للعفة مع امرأة

٤

متزوجة من عائلة خيبرية مشهورة ، فاغتم اليهود كيف ينفذون حكم التّوراة (الرجم) في وجيههم ذلك وفي شريكته في الذنب ، فأخذوا يبحثون عن حل لهذه المعضلة لينقذوهما من العقوبة المذكورة ، وفي نفس الوقت ليظهروا التزامهم بالأحكام الإلهية ، ودفعهم هذا الأمر إلى الاستعانة بأبناء طائفتهم الموجودين في المدينة المنورة ، وطلبوا منهم أن يسألوا عن حكم هذه الحادثة من النّبى محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (حتى إذا كان الحكم بسيطا وخفيفا أخذوا به ، وإذا كان شديدا تجاهلوه وتناسوه ، ولعلهم أرادوا بسؤالهم ذلك أن يلفتوا انتباه نبيّ الإسلام إلى أنفسهم وليظهروا أنفسهم بأنّهم أصدقاء للمسلمين).

ولهذا الغرض توجه عدد من وجهاء يهود المدينة للقاء النّبى محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فسألهم النّبىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن كانوا سيقبلون بكل حكم يصدره ، فأجابوه بأنّهم قدموا إليه لهذا السبب! فنزل في تلك الأثناء حكم رجم مرتكب الزنا مع المرأة المحصنة ، لكن اليهود لم يبدوا استعدادا لقبول هذا الحكم ، بدعوى أنّ ديانتهم تخلو من مثله ، فرد عليهم النّبىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّ هذا الحكم هو نفس ذلك الذي هو عندهم في التّوراة ، وسألهم إن كانوا يقبلون بحضور أحد علمائهم ليتلو عليهم حكم التّوراة في تلك القضية ليأخذوا به ، فوافقوا على ذلك ، فسألهم النّبي عن رأيهم في العالم اليهودي (ابن صوريا) الذي كان يقطن منطقة (فدك) فأجابوه بأنّه خير من يعرف التّوراة من اليهود.

فبعث النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى هذا العالم ، فلمّا قدم عنده أقسم عليه النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالله الواحد الأحد الذي أنزل التّوراة على موسى وفلق البحر لإنقاذ بني إسرائيل وأغرق عدوّهم فرعون وأنزل عليهم نعمه في صحراء سيناء ، أن يصدق القول إن كان حكم الرجم قد نزل في التّوراة في مثل تلك الواقعة أم لم ينزل؟ فأجاب العالم اليهودي (ابن صوريا) بأنّه مرغم بسبب القسم الذي أقسمه عليه النّبي أن يقول الحقيقة ويعترف بوجود حكم الرجم في التّوراة.

٥

فسأل النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اليهود عن سبب احجامهم عن تطبيق الحكم المذكور ، فأجاب (ابن صوريا) بأنّهم كانوا يطبقون هذا الحكم بحقّ العامّة من أبناء طائفتهم ويصونون الأثرياء والوجهاء منهم من تنفيذ هذا الحكم بحقّهم ، فأدى هذا التهاون إلى انتشار الخطيئة المذكورة بين أثرياء اليهود حتى بادر إلى ارتكابها ابن عم لأحد رؤساء الطائفة ، فلم يطبق بحقه الحكم الشرعي بحسب العادة المتبعة لديهم ، وصادف في نفس ذلك الوقت أن ارتكب نفس الخطيئة أحد عامّة الناس من أبناء الطائفة ، فأرادوا تطبيق حكم الرجم بحقّه لكن أقاربه اعترضوا على ذلك ، وقالوا : إذا كان لا بدّ من تنفيذ هذا الحكم فيجب أن ينفذ بحق الاثنين (الوجيه اليهودي والشخص الآخر العادي) ، فعمد عند ذلك علماء الطائفة إلى سنّ حكم أخف من الرجم وهو أن يجلد الزناة 40 جلدة وتسود وجوههم ويركبوا دابة ويطاف بهم في أزقة وأسواق المنطقة!

فأمر النّبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الفور أن يرجم ذلك الرجل الوجيه والمرأة الثرية أمام المسجد(1) وأشهد الله في ذلك الحين بأنّه هو أول شخص يحيي حكم الله بعد أن أماته اليهود.

في تلك الأثناء نزلت الآيتان الأخيرتان وتحدّثنا عن القضية المذكورة بالإيجاز.

التّفسير

التّحكيم بين الأنصار والأعداء :

تدلّ هاتان الآيتان والآيات التي تليهما ، على أنّ للقاضي المسلم الحق ـ في ظل شروطه خاصّة ـ في الحكم في جرائم الطوائف الأخرى من غير المسلمين ،

__________________

(1) ذكرت الرّوايات التي جاء بها (البيهقي) في الجزء الثامن من سننه ، ص 266 أن علماء اليهود حين قدموا إلى النّبي كانوا قد جلبوا معهم الرجل والمرأة الزانيين.

٦

وسيأتي شرح هذا الموضوع في تفسير نفس هذه الآيات.

لقد بدأت الآية الاولى ـ من الآيتين الأخيرتين ـ الخطاب بعبارة( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ ) وقد وردت هذه العبارة في مكانين من القرآن : أوّلهما في الآية موضوع البحث ، والثّاني في الآية (67) من نفس هذه السورة والتي تتعرض لقضية الولاية والخلافة. وربّما جاء استخدام هذا التعبير من أجل إثارة أكثر لدافع الشعور بالمسؤولية لدى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتعزيز ارادته ، ومخاطبته بأنّه هو رسول الله ، وعليه أن يستقيم ويصمد في إبلاغ الحكم المكلّف به.

بعد ذلك تطمئن الآية النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ كتمهيد لبيان الحكم التالي ـ فتقول :( لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ ) .

ويرى البعض أن عبارة( يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ) تختلف عن عبارة «يسارعون إلى الكفر» وذلك لأنّ العبارة الاولى تقال بشأن أفراد كافرين غارقين في كفرهم ، ويتسابقون فيما بينهم للوصول إلى آخر مرحلة من الكفر ، أمّا العبارة الثّانية فتقال في من يعيشون خارج حدود الكفر لكنّهم يتسابقون للوصول إليه(1) .

وبعد أن تذكر الآية تجاوزات المنافقين والأعداء الداخليين ، تتناول وضع الأعداء الخارجيين واليهود الذين كانوا سببا لحزن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتقول الآية :( وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا ) .

ثمّ تشير الآية إلى قسم من تصرفات هؤلاء المشوبة بالنفاق والرياء ، وفتؤكّد أنّهم إنّما يستمعون كلام النّبي لا لأجل أطاعته ، بل لكي يجعلوا من ذلك وسيلة لتكذيب النّبي والافتراء عليه حيث تقول الآية :( سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ ) .

ولهذه الجملة القرآنية تفسير آخر ، هو أنّ هؤلاء اليهود يستمعون كثيرا إلى أكاذيب قادتهم وزعمائمهم ، لكنّهم لا يبدون استعدادا لاستماع قول الحق

__________________

(1) المنار ، ج 6 ، ص 388.

٧

والإذعان له(1) .

ثمّ تفضح الآية الصفة الثالثة لليهود ، فتبيّن أنّهم يتجسّسون على المسلمين لمصلحة قوم آخرين ممّن لا يحضرون الاجتماعات الإسلامية التي تعقد في مجلس النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتقول الآية :( سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ ) .

وفي تفسير آخر لهذه الجملة قيل أن هؤلاء اليهود كانوا يستمعون إلى أوامر جماعتهم ـ فقط ـ وقد كلّفهم قومهم بأن يقبلوا ما وافق أهواءهم من أقوال النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأن يخالفوا أو يرفضوا ما كان عكس ذلك من أقوالهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبناء على هذا السلوك فإنّ ما كان يظهر من طاعة هؤلاء لبعض أقوال النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن في الحقيقة إلّا طاعة منهم لأقوال كبارهم ووجهائهم الذين أمروهم باتباع هذا الأسلوب ، ولذلك أشارت الآية على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن لا يحزن لمخالفات هؤلاء ، فهم لم يحضروا عنده أبدا من أجل الاستماع إلى الحقّ واتّباعه!

ثمّ تذكر الآية انحرافا آخر لهؤلاء اليهود ، فتشير إلى تحريفهم لكلام الله سبحانه وتعالى من خلال تحريف الألفاظ أو تحريف المعاني الواردة في هذا الكلام ، فهم إن وجدوا في كلام الله حكما يخالف مصالحهم أوّلوه أو رفضوه جملة وتفصيلا ، كما تقول الآية :( يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ ) (2) .

والأعجب من ذلك أنّ هؤلاء قبل أن يحضروا مجلس النّبي كانوا يقررون كما يأمرهم كبارهم أنّهم إن تلقوا من محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حكما موافقا لميولهم وأهوائهم قبلوا به ، وإن كان مخالفا لهوى أنفسهم ردوه وابتعدوا عنه ، تقول الآية الكريمة :( يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا ) .

فهؤلاء قد غرقوا في الضلال وتحجرت عقولهم لغاية أنّهم كانوا يرفضون كل شيء يخالف ما عندهم من أحكام محرفة ، دون أن يبذلوا جهدا أو عناء في التفكير

__________________

(1) في التّفسير الأوّل تكون اللاء في عبارة (للكذب) لام التعليل بينما في التّفسير الثّاني فهي لام التعدية.

(2) تحدثنا عن أساليب التحريف التي اتبعها اليهود في تفسير الآية (13) من نفس هذه السورة.

٨

لمعرفة الحقيقة ، وقد أبعدتهم هذه الحالة عن طريق الرشاد وأخرجتهم من جادة الصوا ، بحيث لم يبق أمل في هدايتهم ، فاستحقوا بذلك عذاب الله ، ولم تعد تنفع فيهم شفاعة الشافعين ، وفي هذا المجال تقول الآية الكريمة :( وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئا ) وقد تدنست قلوب هؤلاء إلى درجة لم تعد قابلة للتطهير ، وحرمهم الله لذلك طهارة القلوب ، فتقول الآية :( أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ) وعمل الله مقرون بالحكمة دائما ، لأن من يقضي عمرا في الانحراف ويمارس النفاق والكذب ويخالف الحق ويرفض الحقيقة ، ويحرف قوانين الله لن يبقى له مجال للتوبة والعودة إلى الحق ، حيث تقول الآية الكريمة في هذا المجال :( لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ ) .

أمّا الآية الثّانية فتؤكّد ـ مرّة أخرى ـ على أن هؤلاء لديهم آذان صاغية لاستماع حديث النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا لإطاعته بل لتكذيبه ، أو كما يقول تفسير آخر فإنّ هؤلاء آذانهم صاغية لاستماع أكاذيب كبارهم ، فتقول الآية :( سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ ) وقد تكررت هذه الجملة في آيتين متتاليتين تأكيدا واثباتا لوجود هذه الصفة الشنيعة في هؤلاء.

كما أضافت الآية صفة شنيعة أخرى اتصف بها اليهود ، وهي تعودهم وادمانهم على أكل الأموال المحرمة والباطلة من الرّبا والرّشوة وغير ذلك ، حيث تقول الآية :( أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ) (1) .

ثمّ تخير الآية النّبي بين أن يحكم بينهم أو أن يتجنبهم ويتركهم ، حيث تقول الآية :فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ ) ولا يعني التخيير أن يستخدم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ميله ورغبته في اختيار أحد الأمرين المذكورين ، بل إن

__________________

(1) تعني كلمة (سحت) في الأصل نزع القشرة ، أو شدّة الجوع ، ثمّ أطلقت على كل مال غير مشروع ، أي محرم ، وبالأخص الرشوة ، لأن مثل هذه الأموال تنزع الصفاء والمودة عن المجتمع وتزيل عنه البركة والرخاء مثلما يؤدي نزع قشر الشجرة إلى ذبولها وجفافها وعلى هذا الأساس فإن لكلمة (سحت) معنى واسعا ، وإذا ورد في بعض الرّوايات مصداق خاص لها فلا يدل ذلك على اختصاص الكلمة بذلك.

٩

المراد من ذلك هو أن يراعي النّبي الظروف والملابسات المحيطة بكل حالة ، فإن رأى الوضع يقتضي الحكم بينهم حكم ، وإن رأى خلاف ذلك تركهم وأعرض عنهم.

ولكي تعزز الآية الاطمئنان في نفس النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إن هو ارتأى الإعراض عن هؤلاء لمصلحة أكّدت قائلة :( وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً ) .

كما أكّدت ضرورة اتباع العدل وتطبيقه إذا كانت الحالة تقتضي أن يحكم النّبي بين هؤلاء فقالت الآية :( وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) .

وقد اختلف المفسّرون في قضية تخيير النظام الإسلامي بين الحكم في غير المسلمين بأحكام الإسلام أو الإعراض عنهم ، وهل أن هذا التخيير باق على قوته أو أنّه أصبح منسوخا؟

ويرى البعض أنّ الناس في ظل الحكم الإسلامي مشمولون من الناحيتين الحقوقية والجزائية بالقوانين الإسلامية ، سواء كانوا مسلمين أم غير مسلمين. وبناء على هذا الرأي فإن حكم التأخير إمّا أن يكون منسوخا وإمّا أنّه يخص غير الكفار الذميين ، أي يخض أولئك الكفار الذين لا يعيشون في ظل حكم اسلامي ، بل يرتبطون بالمسلمين باتفاقيات أو مواثيق ، أو يكون بينهم علاقات ود وتزاور.

ويعتقد مفسّرون آخرون أنّ الحاكم المسلم يكون مخيرا ـ حتى في الوقت الحاضر لدى التعامل مع غير المسلمين ، فهو إمّا أن يطبق فيهم الأحكام الإسلامية إذا اقتضت الضرورة والمصلحة ذلك ، وإمّا أن يعرض عنهم ويحيلهم إلى قوانينهم الخاصّة بهم ، بحسب ظروف وملابسات كل حالة «للاطلاع أكثر على تفاصيل هذا الحكم تراجع كتب الفقه».

* * *

١٠

الآية

( وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43) )

التّفسير

تتابع هذه الآية موضوع الحكم بين اليهود تطرقت إليه الآيتان السابقتان ، اللتان بيّنتا أنّ اليهود كانوا يأتون إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويطلبون منه الحكم فيهم ، وقد أظهرت هذه الآية الأخيرة الاستغراب من حالة اليهود الذين كانوا مع وجود التّوراة بينهم ، واحتوائها على حكم الله ، يأتون إلى النّبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويطلبون منه الحكم فيهم بالرغم من وجود التّوراة عندهم ، فتقول :( وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللهِ ) .

ويجب الانتباه إلى أنّ المقصود من الحكم في الآية هو حكم الرجم للزاني المحصن من الرجال والنساء والذي ورد في التّوراة أيضا ، في سفر التثنية الفصل الثّاني والعشرين.

والعجيب في أمر هؤلاء اليهود أنّهم مع وجود التّوراة بينهم وعدم اعترافهم بنسخها من قبل القرآن ورفضهم للشريعة الإسلامية ، كانوا حين يرون حكما في التّوراة لا يوافق ميولهم وأهوائهم يتركون ذلك الحكم ويبحثون عن حكم آخر في

١١

مصادر لم يقرّوا ولم يعترفوا بها.

والأعجب من ذلك أنّهم حين كانوا يطلبون التحكيم من نبي الإسلام بينهم ، كانوا لا يقبلون بحكمه إذا كان مطابقا لحكم التّوراة لكنه لم يوافق ميولهم ورغباتهم حيث تقول الآية :( ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ ) وما ذلك إلّا لأن هؤلاء لم يكونوا بمؤمنين في الحقيقة ، ولو كانوا مؤمنين لما استهزءوا هكذا بأحكام الله ، حيث تؤكّد الآية قائلة :( وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ ) .

وقد يرد اعتراض في هذا المجال وهو : إن الآية الشريفة تقرّ بوجود حكم الله في التّوراة ونحن نعلم عن طريق القرآن والرّوايات الإسلامية ، بأن التّوراة قد أصابها التحريف قبل ظهور نبي الإسلام محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

إنّ جوابنا على هذا الاعتراض هو أننا أوّلا : لا نقول بأن التحريف قد أصاب التّوراة كلّها ، بل نقر بوجود أحكام في التّوراة تطابق الحقيقة والواقع ، وحكم الرجم ـ الذي هو موضوع بحثنا الآن ـ من الأحكام التي لم تصبها يد التحريف في التّوراة.

ثانيا : إنّ التّوراة مهما كان حالها لا يعتبرها اليهود كتابا محرفا ، ولذلك فإن الغرابة هنا تكمن في رفض اليهود العمل بحكم الله مع وجوده في توراتهم.

* * *

١٢

الآية

( إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (44) )

التّفسير

إنّ هذه الآية والآية التي تليها تكملان البحث أو الموضوع الوارد في الآيات السابقة ، وتبيّن هذه الآية أهمية الكتاب السماوي الذي نزل على النّبي موسىعليه‌السلام أي التّوراة ، حيث تشير إلى أنّ الله أنزل هذا الكتاب وفيه الهداية والنّور اللذان يرشدان إلى الحق ، وأن النّور والضياء الذي فيه هو لإزاحة ظلمات الجهل من العقول فتقول الآية :( إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ ) .

ولذلك فإنّ الأنبياء الذين أطاعوا أمر الله ، والذين تولوا مهامهم بعد نزول التّوراة كانوا يحكمون بين اليهود بأحكام هذا الكتاب ، تقول الآية الكريمة :( يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا ) .

١٣

كما أنّ علماء اليهود ووجاءهم ومفكريهم المؤمنين الأتقياء ، كانوا يحكمون وفق هذا الكتاب السماوي الذي وصل أمانة بأيديهم وكانوا شهودا عليه ، حيث تقول الآية :( وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ ) (1) .

ثمّ توجه الآية الخطاب إلى أولئك العلماء والمفكرين من اليهود الذين كانوا يعيشون في ذلك العصر ، فتطلب منهم أن لا يخافوا الناس لدى بيان أحكام الله ، بل عليهم أن يخافوا الله ، فلا تسول لهم أنفسهم مخالفة أوامره أو كتمان الحق ، وإن فعلوا ذلك فسيلقون الجزاء والعقاب ، فتقول الآية هنا :( فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ ) .

ثمّ تحذر الآية من الاستهانة والاستخفاف بآيات الله ، فتقول :( وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً ) .

وحقيقة كتمان الحق وأحكام الله نابعة إمّا عن الخوف من الناس ، وإمّا بدافع المصلحة الشخصية ، وأيّا كان السبب فهو دليل على ضعف الإيمان وانحطاط الشخصية ، وقد أشير في الجمل القرآنية أعلاه إلى هذين السببين.

وتصدر الآية حكما صارما وحازما على مثل هؤلاء الأفراد الذين يحكمون خلافا لما أنزل الله فتقول :( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ ) .

وواضح أنّ عدم الحكم بما أنزل الله يشمل السكوت والابتعاد عن حكم الله الذي يؤدي بالناس إلى الضلال ، كما يشمل التحدث بخلاف حكم الله.

وواضح ـ أيضا ـ أنّ للكفر مراتب ودرجات مختلفة ، تبدأ من إنكار أساس وجود الله ويشمل عصيان أوامره ، لأنّ الإيمان الكامل يدعو ويحثّ الإنسان على

__________________

(1) لقد تطرقنا إلى معنى كلمة (رباني) ومصدرها لدى تفسير الآية (80) من سورة آل عمران ، أمّا كلمة (أحبار) فهي صيغة جمع من (حبر) على وزن (فكر) فهي تعني كل أثر خير ، أطلقت على المفكرين الذين يخلفون أثارا خيرة في مجتمعهم ، ويطلق أيضا على حبر الدواة الذي يستعمل للكتابة لما فيه من أثر خير.

١٤

العمل وفق أوامر الله ، ومن لا عمل له ليس له ايمان كامل.

وتبيّن هذه الآية ـ أيضا ـ المسؤولية الكبرى التي يتحملها علماء ومفكر وأكل أمّة حيال العواصف الاجتماعية ، والأحداث التي تقع في بيئاتهم ، وتدعو بأسلوب حازم لمكافحة الانحرافات وعدم الخوف من أي بشر ـ كائنا من كان ـ لدى تطبيق أحكام الله.

* * *

١٥

الآية

( وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) )

التّفسير

القصاص والعفو :

تشرح هذه الآية الكريمة قسما آخر من الأحكام الجنائية والحدود الإلهية التي وردت في التّوراة ، فتشير إلى ما ورد في هذا الكتاب السماوي من أحكام وقوانين تخص القصاص ، وتبيّن أن من يقتل إنسانا بريئا فإنّ لأولياء القتيل حق القصاص من القاتل بقتله نفسا بنفس. حيث تقول الآية في هذا المجال :( وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) .

كما بيّنت أن من يصيب عين انسان آخر ويتلفها ، يستطيع هذا الإنسان المتضرر في عينه أن يقتص من الفاعل ويتلف عينه ، إذ تقول الآية في هذا المجال :( وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ ) .

١٦

وكذلك الحال بالنسبة للأنف والأذن والسن والجروح الأخرى ،( وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ ) .

وعلى هذا الأساس فإنّ حكم القصاص يطبق بشكل عادل على المجرم الذي يرتكب أحد الجرائم المذكورة ، دون الالتفات إلى عنصره أو قوميته أو طبقته الاجتماعية أو طائفته ، ولا مجال أبدا لاستخدام التمايز القومي أو الطبقي أو الطائفي لتأخير تطبيق حكم القصاص على الجاني.

وبديهي أنّ تطبيق حكم القصاص على المعتدي شأنه شأن الأحكام الإسلامية الأخرى ، مقيد بشروط وحدود ذكرتها كتب الفقه ، ولا يختص هذا الكلام ولا ينحصر ببني إسرائيل وحدهم ، لأنّ الإسلام ـ أيضا ـ جاء بنظيره كما ورد في آية القصاص في سورة البقرة ـ الآية (178).

وقد أنهت هذه الآية التمايز غير العادل الذي كان يمارس في ذلك الوقت حيث ذكرت بعض التفاسير أنّ تمايزا غريبا كان يسود بين طائفتين من اليهود ، هما بنو النضير وبنو قريظة الذين كانوا يقطنون المدينة المنورة في ذلك العصر ، لدرجة أنّه إذا قتل أحد أفراد طائفة بني النضير فردا آخر من طائفة بني قريظة فالقاتل لا ينال القصاص ، بينما في حالة حصول العكس فإن القاتل الذي كان من طائفة بني قريظة كان ينال القصاص إن هو قتل واحدا من أفراد طائفة بني النضير.

ولمّا امتد نور الإسلام إلى المدينة سأل بنو قريظة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن هذا الأمر ، فأكّد النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن لا فرق في الدماء بين دم ودم فاعترضت قبيلة بني النضير على حكم النّبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وادعت أنّ حكمه حطّ من شأنهم ، فنزلت الآية الأخيرة وبيّنت أنّ هذا الحكم غير مختص بالإسلام ، بل حتى الديانة اليهودية أوصت بتطبيق قانون القصاص بصورة عادلة(1) .

ولكي لا يحصل وهم أنّ القصاص أو المقابلة بالمثل أمر الزامي لا يمكن

__________________

(1) تفسير القرطبي ، الجزء الثّالث ، ص 2188.

١٧

الحيدة عنه ، استدركت الآية بعد ذكر حكم القصاص فبيّنت أن الذي يتنازل عن حقه في هذا الأمر ويعفو ويصفح عن الجاني ، يعتبر عفوه كفارة له عن ذنوبه بمقدار ما يكون للعفو من أهمية( فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ ) (1) .

ويجب الانتباه إلى أنّ الضمير الوارد في كلمة (به) يعود على القصاص ، وكانت الآية جعلت التصدق بالقصاص عطية أو منحة للجاني واستخدام عبارة «التصدق» والوعد الذي قطعه الله للمتصدق ، يعتبران عاملا محفزا على العفو والصفح ، لأنّ القصاص لا يمكنه أن يعيد للإنسان ما فقده مطلقا ، بل يهبه نوعا من الهدوء والاستقرار النفسي المؤقت ، بينما العفو الذي وعد به الله للمتصدق ، بإمكانه أن يعوضه عما فقده بصورة أخرى ، وبذلك يزيل عن قلبه ونفسه بقايا الألم والاضطراب ، ويعتبر هذا الوعد خير محفز لمثل هؤلاء الأشخاص.

وقد ورد عن الحلبي قال سألت أبا عبد الله ـ الإمام الصادق ـعليه‌السلام عن قوله اللهعزوجل :( فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَ ) قال : «يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما عفى»(2) .

وتعتبر هذه الجملة القرآنية في الحقيقة خير جواب مفحم للذين يزعمون أن القصاص ليس بقانون عادل ، ويدعون أنّه يشجع روح الانتقام والمثلة.

والذي يفهم من الصياغة العامّة للآية هو أنّ جواز القصاص إنّما هو لإخافة وإرعاب الجناة وبالنتيجة لضمان الأمن لأرواح الناس الأبرياء ، كما أنّ الآية فتحت باب العفو والتوبة ، وبذلك أراد الإسلام أن يحول دون ارتكاب مثل هذه الجرائم باستخدام الروادع والحوافز كالخوف والأمل ، كما استهدف الإسلام من ذلك ـ أيضا ـ الحيلولة دون الانتقام للدم بالدم بقدر الإمكان ـ إذا استحق الأمر

__________________

(1) لقد أورد الكثير من المفسّرين احتمالا آخر ، وهو أن الضمير الوارد في كلمة «له» يعود على شخص الجاني ، بحيث يصبح المعنى أن الذي يتنازل عن حقه يرفع بذلك القصاص عن الجاني ويكون ذلك كفارة لعمل الجاني ، إلّا أن ظاهر الآية يدل على التفسير الذي أشرنا إليه أعلاه.

(2) نور الثقلين ، الجزء الأول ، ص 637.

١٨

ذلك.

وفي الختام تؤكّد الآية قائلة :( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) .

وأي ظلم أكبر من الانجرار وراء العاطفة الكاذبة ، وترك القاتل دون أن ينال قصاصه العادل بحجّة لا ضرورة في غسل الدم بالدم ، وفسح المجال للقتلة للتمادي بارتكاب جرائم قتل أخرى ، وبالنهاية الإساءة عبر هذا التغاضي إلى أفراد أبرياء ، وممارسة الظلم بحقّهم نتيجة لذلك.

ويجب الانتباه إلى أنّ التّوراة المتداولة حاليا قد اشتملت على هذا الحكم أيضا ، وذلك في الفصل الواحد والعشرين من سفر الخروج ، حيث جاء فيها أنّ النفس بالنفس والعين بالعين والسن بالسن واليد باليد والرجل بالرجل والحرق بالحرق والجرح بالجرح والصفعة بالصفعة (سفر الخروج ، الجمل 23 و 24 و 25).

* * *

١٩

الآية

( وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46) )

التّفسير

بعد الآيات التي تحدثت عن التّوراة جاءت هذه الآية ، وهي تشير إلى حال الإنجيل وتؤكّد بعثة ونبوة المسيحعليه‌السلام بعد الأنبياء الذين سبقوه ، وتطابق الدلائل التي جاء بها مع تلك التي وردت في التّوراة ، حيث تقول الآية :( وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ ) ولهذه الجملة القرآنية تفسير آخر وهو أنّ عيسى المسيحعليه‌السلام قد أقرّ بحقيقة كلّ ما نزل في التّوراة على النّبي موسىعليه‌السلام كاقرار جميع الأنبياءعليهم‌السلام بنبوة من سبقوهم من الأنبياء ، وبعدالة ما جاؤوا به من أحكام.

ثمّ تشير الآية الكريمة إلى إنزال الإنجيل على المسيحعليه‌السلام وفيه الهداية والنّور فتقول :( وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ ) وقد أطلق اسم النّور في القرآن المجيد على التّوراة والإنجيل والقرآن نفسه ، حيث نقرأ بشأن التّوراة قوله تعالى :( إِنَّا

٢٠