الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٤

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل9%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 611

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 611 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 135046 / تحميل: 6382
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

١٩٧٤ - وسأل عبيد بن زرارة أبا عبدالله عليه السلام " عن قول الله عزوجل: " فمن شهد منكم الشهر فليصمه(١) " قال: ما أبينها من شهد فليصمه ومن سافر فلا يصمه ".

١٩٧٥ - وروى محمد بن حكيم عن الصادق عليه السلام أنه قال: " لو أن رجلا مات صائما في السفر لما صليت عليه".

١٩٧٦ - وروى حريز، عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمى رسول الله صلى الله عليه وآله قوما صاموا حين أفطر وقصر: العصاة، قال: وهم العصاة إلى يوم القيامة، وإنا لنعرف أبناء‌هم وأبناء أبنائهم إلى يومنا هذا".

١٩٧٧ - وروى العيص بن القاسم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إذا خرج الرجل في شهر رمضان مسافرا أفطر، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله خرج من المدينة إلى مكة في شهر رمضان ومعه الناس وفيهم المشاة فلما انتهى إلى كراع الغميم(٢) دعا بقدح من ماء فيما بين الظهر والعصر فشرب وأفطر وأفطر الناس معه وتم أناس على صومهم فسماهم العصاة، وإنما يؤخذ بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله "(٣) .

١٩٧٨ - وروى أبان بن تغلب عن أبي جعفر عليه السلام قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: خيار أمتي الذين إذا سافروا أفطروا وقصروا، وإذا أحسنوا استبشروا، وإذا أساؤوا استغفروا، وشرار أمتي الذين ولدوا في النعيم وغذوا به، يأكلون طيب الطعام، ويلبسون لين الثياب، وإذا تكلموا لم يصدقوا ".

___________________________________

(١) " فمن شهد " أى فمن حضر في موضع في هذا الشهر ولم يكن مسافرا ولا مريضا.

(٢) هو اسم موضع بين مكة والمدينة، والكراع جانب مستطيل من الحرة، تشبيها بالكراع وهو ما دون الركبة من الساق، والغميم بالفتح واد بالحجاز أمام عسفان.

(٣) بيان لوجه عصيانهم أى يجب الاخذ والعمل بأوامر الرسول صلى الله عليه وآله فاذا أمر بالافطار وجب الافطار، فمن لم يفطر كان عاصيا، وانما يؤخذ الصوم بأمره فلما أفطر يجب الاطاعة (سلطان) أقول: كأن في سقطا والاصل " انما يؤخذ بآخر أمر رسول الله صلى الله عليه وآله " كما في الكافى ج ٤ ص ١٢٧ ولعله من النساخ، وذلك لرفع توهم عدم كونهم عصاة لاخذهم بقوله السابق.

١٤١

١٩٧٩ - وروى ابن محبوب، عن أبي أيوب، عن عمار بن مروان عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " سمعته يقول: من سافر قصر وأفطر إلا أن يكون رجلا سفره إلى صيد(١) أو في معصية الله عزوجل، أو رسولا لمن يعص الله عزوجل، أو طلب عدو أو شحناء، أو سعاية(٢) أو ضرر على قوم من المسلمين ".

١٩٨٠ - وقال عليه السلام: " لا يفطر الرجل في شهر رمضان إلا بسبيل حق "(٣) .

قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله: قد أخرجت تقصير المسافر في جملة أبواب الصلاة في هذا الكتاب، والحد الذي يجب فيه التقصير، والذين يجب عليهم التمام.

فأما صوم التطوع في السفر

١٩٨١ - فقد قال الصادق عليه السلام: " ليس من البر الصوم في السفر"(٤) .

١٩٨٢ - وروى الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام أنه " سئل عن الرجل يخرج من بيته وهو يريد السفر وهو صائم، فقال: إن خرج قبل أن ينتصف النهار فليفطر وليقض ذلك اليوم، وإن خرج بعد الزوال فليتم يومه "(٥) .

١٩٨٣ - وروى العلاء، عن محمد بن مسلم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إذا سافر الرجل في شهر رمضان فخرج بعد نصف النهار فعليه صيام ذلك اليوم ويعتد به من شهر رمضان، وإذا دخل أرضا قبل طلوع الفجر وهو يريد الاقامة بها فعليه صوم ذلك

___________________________________

(١) المراد بالصيد اللهوى منه، قال الشيخ في النهاية والمبسوط " ان طلب الصيد للتجارة يقصر صومه ويتم صلاته " وفى خصوص هذه المسألة اختلاف بين فقهائنا راجع مصباح الفقيه ص ٧٤٤ من كتاب الصلاة.

(٢) سعى به إلى الوالى: وشئ به.

والشحناء: العداوة.

(٣) أى مباح كما هو المشهور، أو راجح كما قيل. (المرآة)

(٤) ظاهره نفى صحة الصوم ومشروعيته في السفر اذ العبادة ليست غير البر، الا أن يكون المراد ليس من البر الكامل، ثم لا يخفى أن الحديث ليس صريحا في صوم التطوع اذ ربما كان المراد صوم شهر رمضان (سلطان) أقول: في بعض النسخ " الصيام في السفر ".

(٥) في بعض النسخ " فليتم صومه ".

١٤٢

اليوم، وإن دخل بعد طلوع الفجر فلا صيام عليه، وإن شاء صام "(١) .

١٩٨٤ - وفي رواية رفاعة بن موسى عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " سألته عن رجل يقبل(٢) في شهر رمضان من سفر حتى يرى أنه سيدخل أهله ضحوة(٣) أو ارتفاع النهار، قال: إذا طلع الفجر وهو خارج لم يدخل فهو بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر ".

١٩٨٥ - وورى يونس بن عبدالرحمن عن موسى بن جعفر عليهما السلام أنه قال: " في المسافر يدخل أهله وهو جنب قبل الزوال ولم يكن أكل فعليه أن يتم صومه ولا قضاء عليه قال:(٤) يعني إذا كانت جنابته من احتلام ".

١٩٨٦ - وسأل عبدالله بن سنان أبا عبدالله عليه السلام " عن الرجل يأتي جاريته في شهر رمضان بالنهار في السفر، فقال: ما عرف هذا حق شهر رمضان إن له في الليل سبحا طويلا(٥) قال: قلت له: أليس له أن يأكل ويشرب ويقصر؟ قال: إن الله عز وجل رخص للمسافر في الافطار والتقصير رحمة وتخفيفا لموضع التعب والنصب ووعث السفر(٦) ولم يرخص له في مجامعة النساء في السفر بالنهار في شهر رمضان، وأوجب عليه قضاء

___________________________________

(١) المشهور وجوب الصوم إذا دخل قبل الزوال ولم يفطر، وحمل هذا الخبر وأمثاله على التخيير قبل الدخول ويؤيده خبر رفاعة الاتى.

(٢) في الكافى ج ٤ ص ١٣٢ " يقدم ".

(٣) ضحوة النهار: بعد طلوع الشمس، والضحى ارتفاعه.

(٤) لعله كلام يونس وحملها على جنابة لم تخل بصحة الصوم فالمراد الاحتلام في اليوم أو في الليل ولم ينتبه الا بعد طلوع الفجر أو انتبه ونام بقصد الغسل (المرآة) وقال الفاضل التفرشى: لعل مراده بالاحتلام في اليوم دون الليل وبقائه على الجنابة حتى يطلع الفجر اذ الظاهر عدم الفرق بين الاحتلام والجماع في الليل.

(٥) السبح: الفراغ والتصرف في المعاش كما قال قتادة في قوله تعالى " ان لك في النهار سبحا طويلا ". أى فراغا طويلا. (الصحاح)

(٦) الوعث: المكان السهل الكثير الدهس، ووعثاء السفر مشتقة.

١٤٣

الصيام ولم يوجب عليه قضاء تمام الصلاة إذا آب من سفره، ثم قال: والسنة لا تقاس(١) وإني إذا سافرت في شهر رمضان ما آكل كل القوت(٢) وما أشرب كل الري ".

والنهي عن الجماع للمقصر في السفر إنما هو نهي كراهة لا نهي تحريم.

١٩٨٧ - وروى الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قلت له: " رجل صام في السفر فقال: إن كان بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن ذلك فعليه القضاء، وإن لم يكن بلغه فلا شئ عليه ".

باب صوم الحائض والمستحاضة

١٩٨٨ - روى أبوالصباح الكناني عن أبي عبدالله عليه السلام " في امرأة أصبحت صائمة فلما ارتفع النهار أو كان العشاء(٣) حاضت أتفطر؟ قال: نعم وإن كان قبل المغرب فلتفطر، وعن امرأة ترى الطهر في أول النهار في شهر رمضان ولم تغتسل ولم تطعم كيف تصنع بذلك اليوم؟ قال: إنما فطرها من الدم "(٤) .

١٩٨٩ - وروي عن علي بن مهزيار قال: كتبت إليه عليه السلام(٥) " امرأة طهرت

___________________________________

(١) ذكره هذه الجملة هنا كانه لبيان عدم صحة القياس حتى يقاس جواز الجماع بجواز الاكل والشرب، ثم الظاهر من الخبر حرمة الجماع بالنهار في السفر وحمله الاكثر على الكراهة جمعا (المرآة) وذهب الشيخ إلى عدم الجواز في بعض كتبه وعمل بظاهر هذا الخبر وحمل ما يدل على الجواز على غلبة الشهوة وخوف وقوعه في المحظور أو على الوطى بالليل ولا يخفى بعدهما.

(٢) في الكافى " الا القوت " وما في المتن أظهر، ويدل على كراهة التملى من الطعام والشراب للمسافر كما هو مذهب الاصحاب فيه وفى سائر ذوى الاعذار. (المرآة)

(٣) العشاء هى الزوال إلى المغرب والمشهور أنه اخر النهار. (المغرب)

(٤) أى لا صوم لها ولا بأس عليها.

(٥) يعنى أبا جعفر الجواد عليه السلام.

١٤٤

من حيضها أو دم نفاسها في أول يوم من شهر رمضان ثم استحاضت فصلت وصامت شهر رمضان كله من غير أن تعمل ما تعمله المستحاضة من الغسل لكل صلاتين هل يجوز صومها وصلاتها أم لا؟ فكتب عليه السلام: تقضي صومها ولا تقضي صلاتها لان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يأمر المؤمنات(١) من نسائه بذلك "(٢) .

١٩٩٠ - وروي عن سماعة قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام " عن المستحاضة، قال: تصوم شهر رمضان إلا الايام التى كانت تحيض فيهن، ثم تقضيها من بعده ".

١٩٩١ - وسأل عبدالرحمن بن الحجاج أبا الحسن عليه السلام " عن المرأة تلد بعد العصر أتتم ذلك اليوم أم تفطر؟ فقال: تفطر ثم تقضي ذلك اليوم ".

١٩٩٢ - وروى العيص بن القاسم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " سألته عن المرأة

___________________________________

(١) في الكافى ج ٤ ص ١٣٦ والتهذيب ج ١ ص ٤٤٠ " يأمر فاطمة والمؤمنات من نسائه بذلك".

(٢) هذا الخبر مع اضماره مخالف للاخبار الكثيرة والاجماع على اشتراط الصلاة بالطهارة، وفى هامش التهذيب " السائل سأل عن حكم المستحاضة التى صلت وصامت في شهر رمضان ولم تعمل أعمال المستحاضة، والامام عليه السلام ذكر حكم الحائض وعدل عن جواب السائل من باب التقية لان الاستحاضة من باب الحدث الاصغر عند العامة فلا توجب غسلا عندهم.

وقال الفيض رحمه الله في الوافى: هذا الخبر مع اضماره متروك بالاتفاق ولو كان الحكم بقضاء الصوم دون الصلاة متعاكسا لكان له وجه، على أنه قد ثبت عندنا أن فاطمة لم تر حمرة قط، اللهم الا أن يقال: ان المراد بفاطمة فاطمة بنت أبى حبيش فانها كانت مشتهرة بكثرة الاستحاضة والسؤال عن مسائلها في ذلك الزمان، ويحمل قضاء الصوم على قضاء صوم ايام حيضها خاصة دون سائر الايام وكذا نفى قضاء الصلاة انتهى.

وقال العلامة المجلسى رحمه الله: اعلم أن المشهور بين الاصحاب أن المستحاضة إذا أخلت بالاغسال تقضى صومها، واستدلوا بهذا الخبر وفيه اشكال لاشتماله على عدم قضاء الصلاة، ولم يقل به أحد ومخالف لسائر الاخبار قال: وقد وجه بوجوه (نقلنا بعضها): الاول ما ذكره الشيخ رحمه الله في التهذيب حيث قال: لم يأمرها بقضاء الصلاة إذا لا تعلم أن عليها لكل صلاتين غسلا أو لا يعلم ما يلزم المستحاضة فاما مع العلم بذلك والترك له على العمد يلزمها القضاء. وأورد عليه أنه ان بقى الفرق بين الصوم والصلاة فالاشكال بحاله وان حكم بالمساواة بينهما ونزل قضاء الصوم على حالة العلم وعدم قضاء الصلاة على حالة الجهل فتعسف ظاهر. =

١٤٥

تطمث في شهر رمضان قبل أن تغيب الشمس؟ قال: تفطر حين تطمث ".

١٩٩٣ - وروى علي بن الحكم، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: " سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت فماتت قبل أن يخرج شهر رمضان

___________________________________

= الثانى ما ذكره المحقق الاردبيلى قدس الله روحه وهو أن المراد لا يجب عليها قضاء جميع الصلوات لان منها ما كان واقعا في الحيض، وهو بعيد.

الثالث ما ذكره صاحب المنتقى روح الله روحه قال: والذى يختلج بخاطرى أن الجواب الواقع في الحديث غير متعلق بالسؤال المذكور فيه والانتقال إلى ذلك من وجهين أحدهما قوله فيه " ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يأمر فاطمة الخ " فان مثل هذه العبارة انما تستعمل فيما يكثر وقوعه ويتكرر وكيف يعقل كون تركهن لما تعمله المستحاضة في شهر رمضان جهلا والثانى أن هذه العبارة بعينها كانت في أخبار الحيض في كتاب الطهارة مرادا بها قضاء الحائض للصوم دون الصلاة إلى أن قال: ولا يخفى أن للعبارة بذلك الحكم مناسبة ظاهرة تشهد بها السليقة لكثرة وقوع الحيض وتكرره والرجوع اليه صلى الله عليه وآله في حكمه وبالجملة فارتباطها بذلك الحكم ومنافرتها لقضية الاستحاضة مما لا يرتاب فيه أهل الذوق السليم وليس بالمستبعد أن يبلغ الوهم إلى موضع الجواب مع غير سؤاله فان من شأن الكتابة في الغالب أن تجمع الاسؤلة المتعددة فاذا لم ينعم الناقل نظره فيها يقع له نحو هذا الوهم انتهى كلامه (ر ه) واحتمل سبطه الجليل احتمالا لعله قريب حاصله أن قوله " تقضى صومها ولا تقضى صلاتها " أصله " تقضى صومها ولاء وتقضى صلاتها " ثم ذكر في توجيهها كلاما لا يسعنا ذكره راجع مرآة العقول ج ٣ ص ٢٣٣.

وأقول: قال المحقق التسترى صاحب الاخبار الدخيلة مد ظله فيما كتب إلى: الظاهر أن على بن مهزيار في اصوله التى جمع منها كتابة خبران: خبر في السؤال عن حكم تاركة غسل الاستحاضة في شهر رمضان لصلاتها وصومها، وخبر في السؤال عن قضاء الحائض صلاتها وصومها فخلط بين الخبرين بنقل سؤال الخبر الاول وجواب الخبر الثانى في كتابة فنقله المشايخ الثلاثة عن كتابة مثل ما وجدوا ولم يأوله أحد منهم الا الشيخ رحمه الله.

١٤٦

هل يقضى عنها؟ قال: أما الطمث والمرض فلا، وأما السفر فنعم "(١) .

١٩٩٤ - وروى ابن مسكان، عن محمد بن جعفر قال: قلت لابي الحسن عليه السلام: " إن امرأتي جعلت على نفسها صوم شهرين فوضعت ولدها وأدركها الحبل فلم تقدر(٢) على الصوم، قال: فلتصدق مكان كل يوم بمد على مسكين"(٣) .

باب قضاء صوم شهر رمضان

٥ ١٩٩ روى عقبة بن خالد عن أبي عبدالله عليه السلام " في رجل مرض في شهر رمضان فلما برأ أراد الحج كيف يصنع بقضاء الصوم؟ قال: إذا رجع فليصمه "(٤) .

١٩٩٦ - وسأله عبدالرحمن بن أبي عبدالله " عن قضاء شهر رمضان في ذي الحجة وقطعه قال: إقضه في ذي الحجة واقطعه إن شئت "(٥) .

___________________________________

(١) عمل الشيخ رحمه الله في التهذيب بظاهره، والمشهور الاستحباب.

(٢) نسخة في الجميع " لم تقو ".

(٣) المشهور بين الاصحاب أن مع العجز عن الصوم المنذور يسقط الصوم ولا يلزمه شئ وذهب جماعة إلى لزوم الكفارة عن كل يوم بمد وجماعة بمدين لرواية أخرى، والقائلون بالمشهور حملوا تلك الاخبار على الاستحباب لكن العجز لا يتحقق في النذر المطلق الا باليأس منه في جميع العمر فهذا الخبر اما محمول على شهرين معينين أو على اليأس بأن يكون ظنها أنها تكون دائما اما في الحمل أو في الرضاع، مع أنه يحتمل أن يكون الكفارة في الخبر للتأخير مع عدم سقوط المنذور. (المرآة)

(٤) في بعض النسخ " فليقضه ". ويدل على عدم جواز قضاء صوم شهر رمضان في السفر وعليه الاصحاب.

(٥) ليس التتابع شرطا في القضاء فلا بأس أن يقطع بالعيد أو غيره (سلطان) وقال العلامة المجلسى رحمه الله: الشرط متعلق بالامرين لا بخصوص القطع مع احتماله فيكون المراد القطع بغير العيد، ثم ان الخبر يدل على عدم مرجوحية القضاء في عشر ذى الحجة كما هو المشهور بين الاصحاب، وروى الشيخ رحمه الله في التهذيب بسند موثق عن غياث ابن ابراهيم عن أبى عبدالله عليه السلام المنع منه وحمله على ما إذا كان مسافرا ولعله محمول على التقية لان بعض العامة يمنعون من ذلك لفوات التتابع الذى يقولون بلزومه.

وقال الشهيد رحمه الله في الدروس: لا يكره القضاء في عشر ذى الحجة والرواية عن على عليه السلام بالنهى عنه مدخولة.

١٤٧

١٩٩٧ - وروى الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إذا كان على الرجل شئ من صوم شهر رمضان فليقضه في أي شهر شاء أياما متتابعة فإن لم يستطع فليقضه كيف شاء، وليحص الايام، فإن فرق فحسن وإن تابع فحسن ".

١٩٩٨ - وسأل سليمان بن جعفر الجعفري أبا الحسن الرضا عليه السلام " عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان أ يقضيها متفرقة؟ قال: لا بأس بتفرقة قضاء شهر رمضان، إنما الصيام الذي لا يفرق صوم كفارة الظهار، وكفارة الدم وكفارة اليمين "(١) .

١٩٩٩ - وروى جميل، عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام " في الرجل يمرض فيدركه شهر رمضان ويخرج عنه وهو مريض فلا يصح حتى يدركه شهر رمضان آخر، قال: يتصدق عن الاول ويصوم الثاني، وإن كان صح فيما بينهما ولم يصم حتى أدركه شهر رمضان آخر صامهما جميعا وتصدق عن الاول ".

ومن فاته شهر رمضان حتى يدخل الشهر الثالث من مرض فعليه أن يصوم هذا الذي دخله وتصدق عن الاول لكل يوم بمد من طعام ويقضي الثاني(٢) .

_________________________________

(١) الحصر اضافى بالنسبة إلى قضاء شهر رمضان، أو المراد كفارة الظهار وأمثالها من الكفارات (سلطان) وقال المولى المجلسى رحمه الله: تخصيص الثلاث بالذكر لكونها منصوصا عليها في القرآن أو لمزيد الاهتمام.

(٢) يمكن أن يكون من تتمة خبر زرارة وأن يكون قول الصدوق، ويؤيده عدم ذكر الكلينى والشيخ لهذه الزيادة، وظاهره أن التصدق واجب للسنة الاولى ويجب القضاء فقط للسنة الثانية أو يكون هذا الحكم من خبر وصل اليه ان لم يكن جزء الخبر، والمشهور العمل بالاخبار الاولة، ويمكن حمله على ما إذا صح فيما بين الثانى والثالث ولم يقض ولم يتهاون بل كان في نيته القضاء ثم مرض ولم يقض ولم يصح فيما بين الاول والثانى، واختلف في وجوب تعدد الكفارة بتعدد السنين والاحوط التعدد بمعنى أنه إذا مرض وتهاون في القضاء حتى مضى أربع سنين فهل يجب لكل يوم أربعة أم يكفى مد واحد. (م ت)

١٤٨

٢٠٠٠ - وروى ابن محبوب، عن الحارث بن محمد، عن بريد العجلي عن أبي جعفر عليه السلام " في رجل أتى أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان، قال: إن كان أتى أهله قبل الزوال فلا شئ عليه إلا يوما مكان يوم، وإن أتى أهله بعد زوال الشمس فإن عليه أن يتصدق على عشرة مساكين لكل مسكين مد، فإن لم يقدر عليه صام يوما مكان يوم وصام ثلاثة أيام كفارة لما صنع "(١) .

وقد روي أنه إن أفطر قبل الزوال فلا شئ عليه، وإن أفطر بعد الزوال فعليه الكفارة مثل ما على من أفطر يوما من شهر رمضان(٢) .

٢٠٠١ - وروى سماعة، عن أبي بصير قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن المرأة تقضي شهر رمضان فيكرهها زوجها على الافطار فقال: لا ينبغي(٣) أن يكرهها بعد زوال الشمس ".

٢٠٠٢ - وسأله سماعة " عن قوله: " الصائم بالخيار إلى زوال الشمس " قال: " إن ذلك في الفريضة فأما في النافلة فله أن يفطر أي ساعة شاء إلى غروب الشمس ".

٢٠٠٣ - وروى ابن فضال، عن صالح بن عبدالله الخثعمي قال: " سألت أبا عبدالله

___________________________________

(١) قال بعض الشراح تحريم الافطار بعد الزوال في قضاء رمضان هو مذهب الاصحاب لا يعلم فيه خلاف وأما الجواز قبله فمذهب الاكثر ونقل عن أبى الصلاح القول بوجوب اتمام كل صوم واجب، وعن ابن أبى عقيل عدم جواز الافطار في قضاء رمضان مطلقا هذا مع التوسعة وأما مع تضييق الوقت يحرم الافطار مطلقا لكن لا تجب الكفارة قبل الزوال.

(٢) روى الشيخ في التهذيب ج ١ ص ٤٣٠ عن زرارة قال: " سألت أبا جعفر (ع) عن رجل صام قضاء من شهر رمضان فأتى النساء، قال: عليه من الكفارة ما على الذى أصاب في شهر رمضان " وحمله الشيخ على الاستحباب وجوز فيه الحمل على الافطار مع الاستخفاف و يمكن الحمل على التشبيه في وجوب الكفارة لا في قدرها.

(٣) ظاهره الكراهة وحمل على الحرمة. (المرآة)

١٤٩

عليه السلام عن الرجل ينوي الصوم فيلقاه أخوه الذي هو على أمره(١) فيسأله أن يفطر أيفطر؟ قال: إن كان تطوعا أجزأه وحسب له، وإن كان قضاء فريضة قضاه "(٢) .

وإذا أصبح الرجل وليس عليه من نيته أن يصوم ثم بدا له فله أن يصوم(٣) .

٢٠٠٤ - وسئل عليه السلام " عن الصائم المتطوع تعرض له الحاجة، فقال: هو بالخيار ما بينه وبين العصر وإن مكث حتى العصر ثم بدا له أن يصوم ولم يكن(٤) نوى ذلك فله أن يصوم ذلك اليوم إن شاء(٥) ".

وإذا طهرت المرأة من حيضها وقد بقي عليها بقية يوم صامت ذلك المقدار تأديبا وعليها قضاء ذلك اليوم، وإن حاضت وقد بقي عليها بقية يوم أفطرت وعليها القضاء(٦) .

___________________________________

(١) أى على دينه ومذهبه أو عليه أطاعته وقبول أمره.

(٢) ظاهر الخبر أن بدعوة المؤمن يستحب افطار صوم القضاء أيضا لكن لا يجزيه بل يلزمه فعله مرة اخرى، وأما حمله على أن المراد بالقضاء اتمام هذا الصوم وعدم الافطار فلا يخفى بعده. (المرآة)

(٣) يدل عليه أخبار منها صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج عن أبى الحسن عليه السلام " في الرجل يبدو له بعد ما يصبح ويرتفع النهار في صوم ذلك اليوم ليقضيه من شهر رمضان ولم يكن نوى ذلك من الليل: قال: نعم ليصمه وليعتد به إذا لم يكن أحدث شيئا " (الكافى ج ٤ ص ١٢٢).

(٤) رواه الكلينى ج ٤ ص ١٢٢ بسند موثق عن أبى بصير قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الصائم الخبر " وفيه " فان لم يكن " وما في المتن أظهر.

(٥) قد قطع الاصحاب بأن وقت النية في الواجب غير المعين كالقضاء والنذر المطلق يستمر من الليل إلى الزوال إذا لم يفعل المنافى نهارا ويدل عليه روايات كثيرة ويظهر من كلام ابن الجنيد جواز تجديد النية بعد الزوال أيضا وفى المعين المشهور أنه يجوز النية مع النسيان إلى الزوال لا مع العمد وبعد الزوال لا يجوز الا على ظاهر ابن الجنيد، وفى النافلة ذهب جماعة إلى امتداد وقت النية إلى الغروب. (سلطان)

(٦) روى الشيخ رحمه الله عن أبى بصير قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن امرأة أصبحت صائمة في رمضان فلما ارتفع النهار حاضت؟ قال: تفطر، قال: وسألته عن امرأة رأت الطهر أول النهار؟ قال: تصلى وتتم صومها أى تأديبا ويقضى ".

١٥٠

وإذا وجب على الرجل صوم شهرين متتابعين فصام شهرا ولم يصم من الشهر الثاني شيئا فعليه أن يعيد صومه ولم يجزئه الشهر الاول إلا أن يكون أفطر لمرض فله أن يبني على ما صام فان الله عزوجل حبسه(١) ، فإن صام شهرا وصام من الشهر الثاني أياما(٢) ثم أفطر فعليه أن يبني على ما صام(٣) .

___________________________________

(١) أى منعه من الصوم وعموم التعليل ربما يدل على عموم الحكم لكل مانع من قبل الله كالحيض وغيره.

وفى المدارك: اما وجوب البناء إذا كان قد صام من الشهر الثانى يوما فصاعدا فقال العلامة في التذكرة والمنتهى وولده في الشرح: انه قول علمائنا أجمع واختلف الاصحاب في جواز التفريق اختيارا بعد الاتيان بما يتحقق به التتابع فذهب الاكثر إلى الجواز والمفيد رحمه الله إلى المنع واختاره ابن ادريس قدس سره.

(٢) المشهور كفاية يوم واحد ومراد المصنف أعم منه لقوله سابقا " ولم يصم من الشهر الثانى شيئا".

(٣) روى الكلينى ج ٤ ص ١٣٨ في الصحيح عن جميل ومحمد بن حمران عن أبى عبدالله عليه السلام " في الرجل الحر يلزمه صوم شهرين متتابعين في ظهار فيصوم شهرا ثم يمرض، قال: يستقبل وان زاد على الشهر الاخر يوما أو يومين بنى على ما بقى " ورواه الشيخ في التهذيب وحمل قوله " يستقبل " على مرض يمنعه من الصيام وان كان يشق عليه. ولعل حمله على الاستحباب أظهر.

وروى الكلينى أيضا في الحسن كالصحيح والشيخ في الصحيح واللفظ له عن الحلبى عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " صيام كفارة اليمين في الظهار شهران متتابعان، والتتابع أن يصوم شهرا ويصوم من الشهر الاخر أياما أو شيئا منه فان عرض له شئ يفطر فيه أفطر ثم قضى ما بقى عليه وان صام شهرا ثم عرض له شئ فأفطر قبل أن يصوم من الاخر شيئا فلم يتابع أعاد الصيام كله "، وظاهر قوله " فان عرض له شئ " غير الاعذار الشرعية.

وفى الموثق عن سماعة قال: " سألته عن الرجل يكون عليه صوم شهرين متتابعين أيفرق بين الايام؟ فقال: إذا صام أكثر من شهر فوصله ثم عرض له أمر فأفطر فلا بأس، فان كان أقل من شهر أو شهرا أن يعيد الصيام ".

١٥١

٢٠٠٥ - وروى موسى بن بكر، عن الفضيل عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " في رجل عليه(١) صوم شهر فصام منه خمسة عشر يوما ثم عرض له أمر، فقال: إن كان صام خمسة عشر يوما فله أن يقضي ما بقي، وإن كان صام أقل من خمسة عشر يوما لم يجزئه حتى يصوم شهرا تاما(٢) ".

٢٠٠٦ - وروى منصور بن حازم عنه عليه السلام أنه قال " في رجل صام في ظهار شعبان ثم أدركه شهر رمضان قال: يصوم شهر رمضان ثم يستأنف الصوم وإن هو صام في الظهار فزاد في النصف يوما قضى بقيته ".

٢٠٠٧ - وروى ابن محبوب، عن أبي أيوب عن أبي عبدالله عليه السلام " في رجل كان عليه صوم شهرين متتابعين في ظهار فصام ذا القعدة ودخل عليه ذو الحجة، قال: يصوم ذا الحجة كله إلا أيام التشريق، ثم يقضيها في أول يوم من المحرم حتى يتم ثلاثة أيام فيكون قد صام شهرين متتابعين، قال: ولا ينبغي له أن يقرب أهله حتى يقضي ثلاثة أيام التشريق التي لم يصمها، ولا بأس إن صام شهرا ثم صام من الشهر الذي يليه أياما ثم عرضت له علة أن يقطعها(٣) ، ثم يقضي بعد تمام الشهرين ".

باب قضاء الصوم عن الميت

٢٠٠٨ - روى أبان بن عثمان، عن أبي مريم الانصاري عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إذا صام الرجل شيئا من شهر رمضان، ثم لم يزل مريضا حتى مات فليس

___________________________________

(١) في التهذيب ج ١ ص ٤٣٢ والكافى ٤ ص ١٣٩ " في رجل جعل عليه " وكأنه سقط من النساخ.

(٢) ذلك لان الشهر قد يكون تسعة وعشرين فاذا صام خمسة عشر فقد جاوز النصف.

ومضمون الخبر مشهور بين فقهائنا ومنهم من رده لضعف السند.

(٣) ظاهره عدم جواز الافطار بدون العذر وان كان العذر خفيفا، ولعله محمول على الافضلية بقرينة " لا ينبغى ". (المرآة)

١٥٢

عليه قضاء، وإن صح ثم مرض ثم مات وكان له مال تصدق عنه مكان كل يوم بمد فإن لم يكن له مال صام عنه وليه(١) ".

وإذا مات رجل وعليه صوم شهر رمضان فعلى وليه أن يقضي عنه، وكذلك من فاته في السفر والمرض إلا أن يكون مات في مرضه من قبل أن يصح بمقدار ما يقضي به صومه فلا قضاء عليه إذا كان كذلك(٢) وإن كان للميت وليان فعلى أكبرهما من الرجال أن يقضي عنه.

فإن لم يكن له ولي من الرجال قضى عنه وليه من النساء(٣) .

٢٠٠٩ - وقد روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: " إذا مات الرجل وعليه صوم شهر رمضان فليقض عنه من شاء من أهله ".

٢٠١٠ - وكتب محمد بن الحسن الصفار رضي الله عنه إلى أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام في رجل مات وعليه قضاء من شهر رمضان عشرة أيام وله وليان هل يجوز لهما

___________________________________

(١) يدل على أنه يجب على الولى قضاء الصلاة والصيام عن الميت سواء تمكن من القضاء أم لا وسواء فات بمرض أو غيره ويدل أيضا على أن الولى مطلق الوارث من الذكور وفى المسألة أقوال شتى ففى الدروس: لو مات قبل التمكن من القضاء فلا قضاء ولا كفارة ويستحب القضاء وفى التهذيب يقضى ما فات في السفر ولو مات في رمضان لرواية منصور بن حازم والسر فيه تمكن المسافر من الاداء وهو أبلغ من التمكن من القضاء إذا كان تركه للسفر سائغا، وان تمكن من القضاء ومات قبله فالمشهور وجوب القضاء على الولى سواء كان صوم رمضان أو لا، وسواء كان له مال أو لا.

ومع عدم الولى يتصدق من أصل ماله عن كل يوم بمد، قال المرتضى يتصدق عنه فان لم يكن له مال صام وليه، وقال الحسن: يتصدق عنه لا غير، وقال الحلبى: مع عدم الولى يصام عنه من ماله كالحج والاول أصح، والمرأة هنا كالرجل على الاصح وأما العيد فمشكل والمساواة قريبة، ثم الولى عند الشيخ أكبر أولاده الذكور لا غير، وعند المفيد لو فقد أكبر الولد فأكبر أهله من الذكور فان فقدوا فالنساء وهو ظاهر القدماء والاخبار والمختار، ولو كان له وليان فصاعدا متساويان توزعوا الا أن يتبرع به بعضهم، وقال القاضى: يقرع بينهما، وقال ابن ادريس: لا قضاء والاول أثبت. (المرآة)

(٢) راجع الكافى ج ٤ ص ١٢٣.

(٣) يمكن أن يكون الدليل الخبر الآتى أو العمومات.

١٥٣

أن يقضيا عنه جميعا خمسة أيام أحد الوليين وخمسة أيام الآخر؟ فوقع عليه السلام يقضي عنه أكبر ولييه عشرة أيام ولاء إن شاء الله(١) ".

قال مصنف هذا الكتاب - رحمه الله: وهذا التوقيع عندي مع توقيعاته إلى محمد بن الحسن الصفار بخطه عليه السلام.

باب فدية صوم النذر

٢٠١١ - روى أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام " في رجل نذر على نفسه إن هو سلم من مرض أو تخلص من حبس أن يصوم كل يوم أربعاء وهو اليوم الذي تخلص فيه فعجز عن ذلك لعلة أصابته أو غير ذلك فمد الله عزوجل للرجل في عمره واجتمع عليه صوم كثير ما كفارة ذلك؟ قال: تصدق لكل يوم مدا من حنطة أو بمد تمر(٢) ".

٢٠١٢ - وفي رواية إدريس بن زيد، وعلي بن إدريس عن الرضا عليه السلام " تصدق عن كل يوم بمد من حنطة أو شعير(٣) ".

___________________________________

(١) الحكم بالتتابع محمول على الافضل. (الوافى)

(٢) اختلف الاصحاب فيمن عجز عن صوم النذر فقيل: يجب عليه القضاء دون الكفارة وقيل بالعكس، والكفارة اما مد على المشهور أو مدان كما ذهب اليه الشيخ وبعض الاصحاب فهذا الخبر يدل على الاكتفاء بالكفارة وأنها مد. (المرآة)

(٣) هذا الخبر في الكافى ج ٤ ص ١٤٣ مثل خبر البزنطى بادنى اختلاف في اللفظ.

١٥٤

باب صوم الاذن

٢٠١٣ - روى الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا دخل رجل بلدة فهو ضيف على من بها من أهل دينه حتى يرحل عنهم، ولا ينبغي للضيف أن يصوم إلا بإذنهم لئلا يعملوا شيئا فيفسد، ولا ينبغي لهم أن يصوموا إلا بإذن الضيف لئلا يحتشمهم(١) ويشتهي فيتركه لهم ".

٢٠١٤ - وروى نشيط بن صالح، عن هشام بن الحكم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من فقه الضيف أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحبه، و من طاعة المرأة زوجها أن لا تصوم تطوعا إلا بإذنه وأمره، ومن صلاح العبد و طاعته ونصيحته لمولاه أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن مولاه، ومن بر الولد بأبويه أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن أبويه وأمرهما، وإلا كان الضيف جاهلا، وكانت المرأة عاصية وكان العبد فاسدا عاصيا، وكان الولد عاقا(٢) ".

___________________________________

(١) الاحتشام بمعنى الغضب وبمعنى الحياء وبمعنى الخجلة والانقباض.

وقوله " ويشتهى " أى حالكونه يشتهى الطعام فيتركه لهم مع اشتهائه.

(٢) اختلف الاصحاب في صوم الضيف نافلة من دون اذن مضيفه فقال المحقق في الشرايع انه مكروه الا مع النهى فيفسد، وقال في النافع والمعتبر: انه غير صحيح، وأطلق العلامة وجماعة الكراهة وهو المعتمد كما هو الظاهر من سياق الرواية، وقوله صلى الله عليه وآله " وكانت المرآة عاصية " يدل على حرمة صومها بدون اذن زوجها مطلقا (المرآة) وقال ملاذنا وفقيه عصرنا الآية الخوانسارى دامت بركاته: وقد يفصل بين عدم الاذن والنهى لما في خبر هشام من التعبير بالعقوق والعصيان ويمكن أن يقال: لعل التعبير بالعقوق والعصيان للمبالغة في الكراهة مع حفظ اطلاق عدم الاذن لصورة عدم النهى (جامع المدارك ج ٢ ص ٢٣٠).

١٥٥

باب الغسل في الليالي المخصوصة في شهر رمضان وما جاء في العشر الاواخر و... في ليلة القدر

٢٠١٥ - روى العلاء، عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام أنه قال: " يغتسل في ثلاث ليال من شهر رمضان، في تسع عشرة، وإحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وأصيب أمير المؤمنين عليه السلام في تسع عشرة، وقبض عليه السلام في إحدى وعشرين، قال: الغسل في أول الليل وهو يجزي إلى آخره(١) ".

٢٠١٦ - وقد روي أنه " يغتسل في ليلة سبع عشرة ".

٢٠١٧ - وروى زرارة، وفضيل عن أبي جعفر عليه السلام قال: " الغسل في شهر رمضان عند وجوب الشمس قبيله، ثم يصلي ويفطر(٢) ".

٢٠١٨ - وروى سماعة، عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا دخل العشر الاواخر شد المئزر(٣) واجتنب النساء وأحيا الليل و تفرغ للعبادة ".

٢٠١٩- وروى سليمان الجعفري عن أبي الحسن عليه السلام أنه قال: " صل ليلة إحدى وعشرين، وثلاث وعشرين مائة ركعة، تقرأ في كل ركعة الحمد مرة و قل هو الله أحد عشر مرات".

٢٠٢٠ - وقال الصادق عليه السلام: " في ليلة تسع عشرة من شهر رمضان التقدير، وفي ليلة إحدى وعشرين القضاء، وفي ليلة ثلاث وعشرين إبرام ما يكون في السنة إلى مثلها(٤) ، ولله عزوجل أن يفعل ما يشاء في خلقه ".

٢٠٢١- وروى رفاعة عنه عليه السلام أنه قال: " ليلة القدر هي أول السنة وهي آخرها "(٥) .

___________________________________

(١) يدل أن الغسل في أول الليل أفضل.

(٢) وجوب الشمس غروبها، في القاموس وجب الشمس وجبا ووجوبا غابت، و " قبيلة " أى قبل سقوط الشمس وغروبها بقليل.

(٣) شد المئزر كناية عن الجد والاجتهاد في العبادة أو عن اجتناب النساء أو عنهما معا وعلى الاخيرين يكون العطف تفسيرا أو تخصيصا بعد التعميم والاول أظهر. (م ت)

(٤) هكذا جاء في هذه الرواية وفى الكافى ج ٤ ص ١٥٩ مسندا عن زرارة قال: قال أبوعبدالله عليه السلام: " التقدير في ليلة تسع عشرة، والابرام في ليلة احدى وعشرين، والامضاء في ليلة ثلاث وعشرين ".

(٥) الظاهر أن الاولية باعتبار التقدير أى أول السنة التى يقدر فيها الامور لليلة القدر والاخرية باعتبار المجاورة فان ما قدر في السنة الماضية انتهى اليها كما سيجئ =

١٥٦

٢٠٢٢ - " وأري(١) رسول الله صلى الله عليه وآله في منامه بني أمية يصعدون منبره من بعده يضلون الناس عن الصراط القهقرى فأصبح كئيبا حزينا، فهبط عليه جبرئيل عليه السلام فقال: يا رسول الله مالي أراك كئيبا حزينا؟ قال: يا جبرئيل إني رأيت بني أمية في ليلتي هذه يصعدون منبري من بعدي يضلون الناس عن الصراط القهقرى فقال: والذي بعثك بالحق نبيا إن هذا لشئ ما اطلعت عليه، ثم عرج إلى السماء فلم يلبث أن نزل عليه بآي من القرآن يؤنسه بها: " أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاء‌هم ما كانوا يوعدون ما أغنى ما كانوا يمتعون(٢) " وأنزل عليه " إنا أنزلناه في ليلة القدر * وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر " جعل ليلة القدر لنبيه صلى الله عليه وآله خيرا من ألف شهر من ملك بني أمية "(٣) .

___________________________________

= أن اول السنة التى يحل فيها الاكل والشرب يوم الفطر، أو أن عملها يكتب في آخر السنة الاولى وأول السنة الثانية كصلاة الصبح في أول الوقت، أو يكون أول السنة باعتبار تقدير ما يكون في السنة الثانية وآخر السنة المقدر فيها الامور. (م ت)

(١) في الكافى ج ٤ ص ١٥٩ باسناده عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " رأى رسول الله صلى الله عليه وآله الخ ".

(٢) قال في المجمع معناه: أرأيت ان أنظرناهم أو أخرناهم سنين ومتعناهم بشئ من الدنيا ثم أتاهم العذاب لم يغن عنهم ما متعوا في تلك السنين من النعيم لازديادهم في الاثام واكتسابهم من الاجرام.

(٣) قد حوسب مدة ملك بنى أمية فكانت ألف شهر من دون زيادة يوم ولا نقصان يوم وانما ارى اضلالهم للناس عن الدين القهقرى لان الناس كانوا يظهرون الاسلام وكانوا يصلون إلى القبلة ومع هذا كانوا يخرجون من الدين شيئا فشيئا كالذى يرتد عن الصراط السوى القهقرى ويكون وجهه إلى الحق حتى إذا بلغ غاية سعيه رأى نفسه في جهنم (الوافى).

أقول: في هامش الطبع الاول من الوافى الذى لم يتم طبعه " أن المستفاد من كتب السير أن أول انفراد بنى امية بالامر كان عند ما صالح الحسن بن على عليهما السلام معاوية سنة ٤٠ من الهجرة وكان انقضاء ملكهم على يد أبى مسلم المروزى سنة ١٣٢ منها، فكانت تمام دولتهم اثنتان وتسعون سنة حذفت منها خلافة عبدالله بن الزبير وهى ثمان سنين وثمانية أشهر بقى ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر بلا زيادة ولا نقصان وهى ألف شهر انتهى.

أقول: ولعل المراد بألف شهر المبالغة في التكثير، لا حقيقة.

١٥٧

٢٠٢٣ - وسأل رجل الصادق عليه السلام فقال: " أخبرني عن ليلة القدر كانت أو تكون في كل عام؟ فقال: لو رفعت ليلة القدر لرفع القرآن "(١) .

٢٠٢٤ - وسأل حمران أبا جعفر عليه السلام " عن قول الله عزوجل: " إنا أنزلناه في ليلة مباركة " قال: هي ليلة القدر وهي في كل سنة في شهر رمضان في العشر الاواخر، ولم ينزل القرآن إلا في ليلة القدر قال الله عزوجل: " فيها يفرق كل أمر حكيم " قال: يقدر في ليلة القدر كل شئ يكون في تلك السنة إلى مثلها من قابل من خير أو شر، أو طاعة أو معصية، أو مولود أو أجل أو رزق، فما قدر في تلك الليلة وقضي فهو المحتوم ولله عزوجل فيه المشيئة، قال: قلت له: ليلة القدر خير من ألف شهر أي شئ عنى بذلك؟ فقال: العمل الصالح في ليلة القدر(٢) ولولا ما يضاعف الله تبارك وتعالى للمؤمنين ما بلغوا(٣) ولكن الله عزوجل يضاعف لهم الحسنات ".

٢٠٢٥ - وسئل الصادق عليه السلام " كيف تكون ليلة القدر خيرا من ألف شهر؟ قال العمل الصالح فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر ".(٤)

___________________________________

(١) اى تبقى ليلة القدر إلى انقضاء التكليف الذى علامته رفع القرآن إلى السماء، ويحتمل أن يكون المعنى رفع حكم القرآن ومدلوله أى لو ذهبت ليلة القدر بطل حكم القرآن حيث يدل على استمراره فان قوله " تنزل الملائكة والروح فيها " يدل على الاستمرار التجددى ثم اعلم أنه لا خلاف بين الامامية في استمرار ليلة القدر وبقائها، واليه ذهب أكثر العامة وذهب شاذ منهم إلى أنها كانت مختصة بزمن الرسول صلى الله عليه وآله وبعد وفاته رفعت.

(٢) في الكافى ج ٤ ص ١٥٨ " العمل الصالح فيها من الصلاة والزكاة وأنواع الخير خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر " ولعل هذه الزيادة سقطت من نسخة الفقيه.

(٣) أى غاية الفضل والثواب. (المرآة)

(٤) في الكافى هذا الخبر جزء من حديث حمران المتقدم كما أشرنا اليه.

١٥٨

٢٠٢٦ - وروى علي بن حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " نزلت التوراة في ست مضين من شهر رمضان، ونزل الانجيل في اثنى عشرة مضت من شهر رمضان، ونزل الزبور في ليلة ثمان عشرة من شهر رمضان، ونزل القرآن [الفرقان خ ل) في ليلة القدر ".

٢٠٢٧ - وروي عن العلاء، عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: " سألته عن علامة ليلة القدر؟ فقال: علامتها أن تطيب ريحها وإن كانت في برد دفئت(١) وإن كانت في حر بردت وطابت ".

٢٠٢٨ - وسئل عليه السلام " عن ليلة القدر فقال: تنزل فيها الملائكة والكتبة إلى السماء الدنيا فيكتبون ما يكون في أمر السنة وما يصيب العباد وأمر عنده عزوجل موقوف له فيه المشيئة فيقدم منه(٢) ما يشاء ويؤخر منه ما يشاء ويمحو ويثبت وعنده أم الكتاب ".

٢٠٢٩ - وروي عن علي بن أبي حمزة(٣) قال: " كنت عند أبي عبدالله عليه السلام فقال له أبوبصير: جعلت فداك الليلة التي يرجى فيها ما يرجى(٤) أي ليلة هي؟ فقال: في ليلة إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين، قال: فإن لم أقو على كلتيهما؟ فقال: ما أيسر ليلتين فيما تطلب، قال: فقلت: ربما رأينا الهلال عندنا وجاء‌نا من يخبرنا بخلاف ذلك في أرض أخرى؟ فقال: ما أيسر أربع ليال فيما تطلب فيها، قلت: جعلت فداك ليلة

___________________________________

(١) بالدال المهملة مهموزة اللام من باب فرح أى سخنت.

(٢) الظاهر أن " له " خبر المشيئة قدم عليها، و " فيه " متعلق به، ولعل المراد بذلك الامر ما لم يطلع الكتبة على تفصيله فيكتبونه على وجه الاجمال وتفصيله موكول إلى مشيئة الله تعالى ومعنى التقديم والتأخير أنه قد تراء‌ى منه أنه يقدم وهو في علم الله تعالى الذى لم يطلع عليه أحد مؤخر فيؤخر أو بالعكس، ولعل ذلك هو معنى المحو والاثبات ومعنى البداء. (مراد)

(٣) السند ضعيف لانه البطائنى تحقيقا.

(٤) يعنى من الرحمة والمغفرة وتضاعف الحسنات وقبول الطاعات يعنى بها ليلة القدر (الوافى) وفى بعض النسخ " نرجو فيها ما نرجو ".

١٥٩

ثلاث وعشرين ليلة الجهني(١) قال: إن ذلك ليقال، قلت: جعلت فداك إن سليمان بن خالد روى أن في تسع عشرة يكتب وفد الحاج(٢) ، فقال: يا أبا محمد وفد الحاج يكتب في ليلة القدر والمنايا(٣) والبلايا والارزاق وما يكون إلى مثلها في قابل فاطلبها في إحدى وعشرين وثلاث وعشرين، وصل في كل واحدة منهما مائة ركعة وأحيهما إن استطعت إلى النور(٤) واغتسل فيهما، قال: قلت: فإن لم أقدر على ذلك وأنا قائم؟ قال: فصل وأنت جالس، قلت: فإن لم أستطع؟ قال: فعلى فراشك، قلت: فإن لم أستطع؟ فقال: لا عليك أن تكتحل أول الليل بشئ من النوم(٥) إن أبواب السماء تفتح في شهر رمضان وتصفد الشياطين(٦) وتقبل الاعمال أعمال المؤمنين نعم الشهر شهر رمضان كان يسمى على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله المرزوق ".

٢٠٣٠ - وروى محمد بن حمران، عن سفيان بن السمط قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " الليالي التي يرجى فيها من شهر رمضان؟ فقال: تسع عشرة، وإحدى و عشرين، وثلاث وعشرين، قلت: فإن أخذت إنسانا الفترة أو علة ما المعتمد عليه من ذلك؟ فقال: ثلاث وعشرين ".

٢٠٣١ - وفي رواية عبدالله بن بكير، عن زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال: " سألته عن الليالي التي يستحب فيها الغسل في شهر رمضان؟ فقال: ليلة تسع عشرة

___________________________________

(١) اشارة إلى ما يأتى تحت رقم ٢٠٣١ وقوله " ما أيسر " يدل على استحباب الاحتياط في الامور المستحبة عند اشتباه الهلال لئلا يقع في حرام كصوم يوم عرفة عند اشتباه الهلال في ذى الحجة لاحتمال العيد المحرم صومه.

(٢) وفد الحاج هم القادمون إلى مكة للحج فان في تلك الليلة تكتب أسماء من قدر أن يحج في تلك السنة. (الوافى)

(٣) المنايا جمع المنية وهى الموت. والبلايا جمع البلية وهى الافات.

(٤) النور كناية عن انفجار الصبح بالفلق. (الوافى)

(٥) استعارة عن قلة النوم أول الليل. و " لا عليك " أى لا بأس عليك.

(٦) في القاموس صفده يصفده: شده وأوثقه كأصفده وصفده من باب التفعيل.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

معيشتهم والوصول إلى لقمة العيش.

فيرد القرآن على ذلك مبينا أنّنا حتى لو فرضنا أنّهم كذلك ، فان حسابهم على الله ، ما دام هؤلاء قد آمنوا وأصبحوا في صفوف المسلمين ، فلا يجوز طردهم بأي ثمن ، وبهذا يقف في وجه إحتجاج أشراف قريش.

وشاهد هذا التّفسير ما جاء في حكاية النّبي نوحعليه‌السلام التي تشبه حكاية أشراف قريش ، فأولئك كانوا يقولون لنوح :( أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ ) فيرد عليهم نوح قائلا :( وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ ، وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ ) (١) .

من هنا يجب على الأنبياء أن يتقبلوا كل امرئ يظهر الإيمان بدون أي تمييز ومن أية طبقة كان فكيف بالمؤمنين الأطهار الذين لا يريدون إلّا وجه الله ، وكل ذنبهم هو أنّهم فقراء صفر اليدين من الثروة ، ولم يتلوثوا بالحياة الدنيئة لطبقة الأشراف!

امتياز كبير للإسلام :

إنّنا نعلم أنّ دائرة صلاحيات رجال الدين المسيحيين المعاصرين قد اتسعت اتساعا مضحكا بحيث إنّهم أعطوا أنفسهم حق غفران الذنوب ، فبإمكانهم طرد الأشخاص وتكفيرهم أو قبولهم لأتفه الأمور.

إلّا أنّ القرآن ، في هذه الآية وفي آيات أخرى ينفي صراحة أن يكون لأحد الحقّ ، بل ولا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه في أن يطرد أحدا أظهر إيمانه ولم يفعل ما يوجب إخراجه من الإسلام ، وأن غفران الذنوب والحساب بيد الله وحده ، ولا يحق لأحد التدخل في هذا أبدا.

والكلام هنا على «الطرد الديني» لا «الطرد الحقوقي» فلو كانت إحدى

__________________

(١) الشعراء ، الآيات ١١١ ـ ١١٤.

٣٠١

المدارس وقفا على طبقة خاصّة من الطلاب ، وقبل أحدهم فيها لتوفر شروط القبول فيه ، ثمّ فقد بعض تلك الشروط ، فان طرده وإخراجه من تلك المدرسة لا مانع فيه ، كذلك لو أنّ مدير مدرسة أعطيت له صلاحيات معينة لغرض إدارة شؤونها ، فله كل الحقّ في الاستفادة من تلك الصلاحيات لحفظ النظام ورعاية مصالح المدرسة (فما ورد في حديث صاحب تفسير المنار عند تفسيره الآية ممّا يخالف هذا المعنى ناشي من الاشتباه بين الطرد الديني والطرد الحقوقي).

الآية الثّانية يحذر فيها القرآن أصحاب المال والثروة من أن هذه الأمور اختبار لهم ، فإذا لم يجتازوا الامتحان فعليهم أن يتحملوا العواقب المؤلمة ، فالله يمتحن بعضهم ببعض :( وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ) .

«الفتنة» تعني هنا الامتحان(١) وأي إمتحان أصعب ممّا يمر به الأغنياء الذين كانوا قد اعتادوا لسنوات طويلة على الترفع على الطبقات الدنيا ، فلا يشاركونهم أفراحهم وأتراحهم ، بل حتى أنّهم يبعدون قبور موتاهم عن قبورهم ، أمّا الآن فيطلب منهم أن يتخلوا عن كل ذلك وأن يحطموا كل تلك العادات والسنن ، ويكسروا القيود والسلاسل ليلتحقوا بدين طلائعه من الفقراء ومن يسمون بالطبقة الدنيا.

ثمّ تضيف الآية أنّ الأمر يصل بهؤلاء إلى أنّهم ينظرون إلى المؤمنين الصادقين نظرة احتقار( لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا ) (٢) ؟!

ثمّ تجيب الآية على المعترضين مؤكدة أنّ هؤلاء الأشخاص أناس شكروا نعمة التشخيص الصحيح بالعمل ، كما أنّهم شكروا نعمة دعوة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقبولها ، فأي نعمة أكبر ، وأي شكر أرفع ، ولذلك رسخ الله الإيمان في قلوبهم :( أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ) .

* * *

__________________

(١) لمزيد من الشرح انظر المجلد الثّاني في تفسير الآيتين ١٩١ و ١٩٣ من سورة البقرة.

(٢) أشرنا في تفسير الآية ١٦٤ من سورة آل عمران إلى أنّ «المنة» تعني في الأصل النعمة يهبها الله.

٣٠٢

الآيتان

( وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٤) وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (٥٥) )

التّفسير

يرى بعض المفسّرين أنّ الآية نزلت بشأن الذين نهت الآيات السابقة عن طردهم وإبعادهم ، ويرى بعض آخر أنّها نزلت في فريق من المذنبين قدموا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقالوا : إنّهم قد أذنبوا كثيرا ، فسكت النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى نزلت الآية.

ومهما يكن سبب نزول الآية ، فالذي لا شك فيه أنّ معناها واسع وشامل ، لأنّها تبدأ أوّلا بالطلب من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن لا يطرد المذنبين مهما عظمت ذنوبهم ، بل عليه أن يستقبلهم ويتقبلهم :( وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ) .

يحتمل أن يكون هذا السّلام من الله بوساطة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو أنّه من الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مباشرة ، وهو ـ على كلا الاحتمالين دليل على القبول والترحيب

٣٠٣

والتفاهم والمحبّة.

ثمّ تقول الآية( كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ) .

«كتب» تأتي في كثير من الأحيان كناية عن الإلزام والتعهد ، إذ إنّ من نتائج الكتابة توكيد الأمر وثبوته.

وفي الجزء الأخير من الآية ـ وهو توضيح وتفسير لرحمة الله ـ يتحدث بلهجة عاطفية :( أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .

وقد سبق القول(١) أنّ «الجهالة» في مثل هذه المواضع تعني طغيان الشهوة وسيطرتها ، والإنسان بسبب هذه الأهواء المستفحلة ، لا بسبب عدائه لله وللحق ـ يفقد المقدرة العقيلة والسيطرة على الشهوات ، مثل هذا الشخص ـ وإن كان عالما بالذنب والحرمة ـ يسمى جاهلا ، لأنّ علمه مستتر وراء حجب الأهواء والشهوات ، وهذا الشخص مسئول عن ذنوبه ، ولكنّه يسعى لإصلاح نفسه وجبران أخطائه لأنّ أفعاله لم تكن عن روح عداء وخصام.

تأمر الآية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن لا يطرد أي شخص مؤمن مهما تكن طبقته وظروفه وعنصره ، بل عليه أن ينظر إلى الجميع بعين المساواة ، وأن يحتضنهم ويعمل على إصلاحهم حتى وإن كانوا ملوثين بالذنوب.

الآية التّالية ومن أجل توكيد هذا الموضوع تشير إلى أنّ الله سبحانه يوضح آياته وأوامره توضيحا بيّنا لكي يتبيّن طريق الباحثين عنه والمطيعين له ، كما يتبيّن طريق الآثمين المعاندين من أعداء الله :( وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ ) (٢) .

__________________

(١) المجلد الثّالث من هذا التّفسير.

(٢) جملة «ولتستبين» معطوفة في الواقع على جملة محذوفة تدرك بالقرينة ، فيكون المعنى لتستبين سبيل المؤمنين المطيعين ولتستبين سبيل المجرمين.

٣٠٤

من الواضح في هذه الآية أنّ «المجرم» ليس كل مذنب ، لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكلّف في هذه الآية أن يتقبل المذنبين الذين يقبلون عليه ، مهما يكن جرمهم الذي ارتكبوه عن جهل ، وعليه فان المجرمين هنا هم أولئك المذنبون المعاندون الذين لا يستسلمون للحق.

أي بعد هذه الدعوة العامّة إلى الله ، التي تشمل حتى المجرمين النادمين يتّضح بشكل كامل طريق المعاندين الذين لا يرجعون عن عنادهم.

* * *

٣٠٥

الآيات

( قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (٥٦) قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ (٥٧) قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (٥٨) )

التّفسير

الإصرار العقيم :

ما يزال الخطاب في هذه الآيات موجها إلى المشركين وعبدة الأصنام المعاندين ـ كدأب معظم آيات هذه السورة ـ يبدو من سياق هذه الآيات أنّهم دعوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى اعتناق دينهم ، الأمر الذي يستدعي نزول الآية :( قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ) (١) .

__________________

(١) استعمال «الذين» التي هي للجمع المذكر العاقل ، لا للإشارة إلى الأصنام ، يدل على أنّ الكلام يجري وفق وجهة نظر المشركين.

٣٠٦

جملة «نهيت» التي وردت بصيغة الماضي ومبنية للمجهول تشير إلى أنّ النهي عن عبادة الأصنام ليس أمرا جديدا ، بل كان دائما قائما وسيبقى كذلك.

ثمّ بجملة( قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ ) يجيب بوضوح على إصرارهم العقيم ، بالنظر لأنّ عبادة الأصنام لا تتفق مع المنطق ولا مع الأدلة العقلية ، لأنّ العقل يدرك بسهولة أن الإنسان أشرف من الجماد ، فكيف يمكن للإنسان أن يخضع لأي مخلوق آخر فضلا عن المخلوق الأدني؟ هذا مع أنّ هذه الأصنام هي من صنع الإنسان نفسه فكيف يتخذ الإنسان ما خلقه بنفسه معبودا يعبده ويلجأ إليه في كل مشاكله؟ وبناء على ذلك ، فإنّ منشأ عبادة الأصنام ليس سوى التقليد الأعمى والإتّباع المقيت للأهواء والشهوات.

وفي ختام الآية يؤكّد القرآن مرّة أخرى على أنّه إذا فعل ذلك( قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ) .

الآية التّالية تتضمّن جوابا آخر ، وهو :( قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ ) .

«البيّنة» أصلا ما يفصل بين شيئين بحيث لا يكون بينهما تمازج أو اتصال ، ثمّ أطلقت على الدليل والحجة الواضحة ، لأنّها تفصل بين الحق والباطل.

وفي المصطلح الفقهي تطلق «البيّنة» على الشاهدين العدلين ، غير أنّ معنى الكلمة اللغوي واسع جدا ، وشهادة العدل واحد من تلك المعاني ، وكذلك كانت المعجزة بيّنة لأنّها تفصل بين الحق والباطل ، وإذا قيل للآيات والأحكام الإلهية بينات فلكونها من مصاديق الكلمة الواسعة.

وعليه ، فرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يؤمر في هذه الآية أن يقول : إنّ دليلي في قضية عبادة الله ومحاربة الأصنام واضح وبيّن ، وان تكذيبكم وإنكاركم لا يقللان من صدق الدليل.

ثمّ يشير إلى حجّة واهية أخرى من حججهم ، وهي أنّهم كانوا يقولون : إن

٣٠٧

كنت على حق فعلا فعجل بالعقاب الذي تتوعدنا به ، فيقول لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ ) ، لأنّ الأعمال والأوامر كلها بيد الله :( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ) .

وبعد ذلك يقول مؤكدا : إنّ الله هو الذي :( يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ ) .

بديهي أنّ القادر على أن يفصل بين الحق والباطل على خير وجه هو الذي يكون أعلم الجميع ، ومن السهل عليه التمييز بين الحق والباطل ، ثمّ تكون له القدرة الكافية على استخدام علمه ، وهاتان الصفتان (العلم والقدرة) هما من صفات الذات الإلهية اللامحدودة ، وعليه فإنّهعزوجل خير من يقص الحق ، أي يفصل الحق من الباطل.

الآية التّالية تأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقول لهؤلاء الجماعة الملحاحة العنيدة الجاهلة : لو أن ما تطلبونه مني على عجل كان في سعتي وقدرتي ، وأجبتكم إليه لانتهى الأمر ، ولم يعد بيني وبينكم شيء :( قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ) .

ولكيلا يظنوا أن عقابهم قد طواه النسيان ، يقول في النهاية( وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ ) وسوف يعاقبهم في الوقت المناسب.

* * *

بحوث

هنا لا بدّ من ذكر بعض النقاط :

١ ـ يستفاد من آيات القرآن أنّ كثيرا من الأمم الماضية طلبوا مثل هذا الطلب من أنبيائهم ، وهو : إذا كنت صادقا فيما تقول فلما ذا لا ترسل علينا العقاب الذي تتوعدنابه؟

٣٠٨

قوم نوحعليه‌السلام طلبوا منه ذلك( قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) (١) ونظير ذلك جاء على لسان قوم صالح(٢) وكذلك فعل قوم عاد مع نبيّهم هود(٣) .

ويستفاد من سورة الإسراء أنّ هذا الطلب قد تكرر لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حتى أنّهم قالوا له : إننا لا نؤمن لك( أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً ) (٤) .

كان الدافع إلى هذه الطلبات غير المعقولة السخرية والاستهزاء ، أو الرغبة في رؤية المعجزة ، وفي كلتا الحالتين كان الطلب أحمقا ، إذ في الحالة الثانية يكون تحقق الطلب سببا في إبادتهم ، ولا يكون ثمّة مجال للاستفادة من ظهور المعجزة ، وفي الحالة الأولى كان لدى الأنبياء أدلة بينة توفر ـ على الأقل ـ احتمال التصديق عند كل ناظر بصير ، فكيف يمكن مع هذا الاحتمال أن يطلب أحد القضاء على نفسه ، أو أن لا يأخذ المسألة مأخذ الجد ، غير أنّ التعصب والعناد بلاء عظيم يقفان بوجه كل فكر ومنطق.

٢ ـ إنّ معنى( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ) واضح ، أي أنّ كل أمر في عالم الخلق والتكوين وفي عالم الأحكام والتشريع بيد الله ، وبناء على ذلك إذا كان لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقوم بمهمّة فذلك أيضا بأمر من الله.

فإذا أحيا المسيحعليه‌السلام ميتا ـ مثلا ـ فهو بإذن الله ، وكذلك كل منصب ـ بما في ذلك القيادة الإلهية والتحكيم والقضاء ـ إذا أوكل إلى أحد ، فإنّما هو بأمر الله تعالى.

ولكنّ الذي يؤسف له أنّ هذه الآية الواضحة استغلت على مدى التّأريخ ، فمرّة تمسك بها الخوارج في قضية «الحكمين» التي أرادوها هم وأمثالهم في

__________________

(١) هود ، ٣٢.

(٢) الأعراف ، ٧٧.

(٣) الأعراف ، ٧٠.

(٤) الإسراء ، ٩١.

٣٠٩

حرب «صفين» فكانت «كلمة حق أريد بها باطل» كما قال الإمام عليعليه‌السلام ، حتى أصبح شعارهم (لا حكم إلّا لله).

لقد كانوا من الجهل والبلاهة إنّهم حسبوا أن من حكم بأمر الله والإسلام في أمر من الأمور يكون قد خالف( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ) بينما كانوا يقرءون القرآن كثيرا ، ولكن لا يفهمونه إلّا قليلا ، فالقرآن نفسه في موضوع الاحتكام العائلي يصرح باختيار حكم من جانب الزوجة وحكم من جانب الزوج :( فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها ) (١) .

واعتبر بعض آخر هذه الآية ـ كما يقول الفخر الرازي في تفسيره ـ دليلا على الجبرية ، قائلين إنّنا إذا قبلنا بأنّ الأوامر في عالم الخلق بيد الله ، فلا يبقى لأحد مجال للاختيار.

ولكنّنا نعلم أنّ حرية إرادة عباد الله وحرية اختيارهم هي أيضا ، بأمر من الله الذي شاء أن يكونوا أحرارا في إختيار ما يعملون ، لكي يحملهم مسئولية أعمالهم والتكاليف الملقاة على عواتقهم.

٣ ـ «يقص» في اللغة ترد بمعنى القطع ، وفي القاموس : «قص الشعر والظفر أي قطع منهما بالمقص أي المقراض» ، وعلى هذا يكون معنى و «يقص الحق» إنّ الله يقطع الحق عن الباطل ويفصل بينهما ، ولذلك يتلوها بقوله :( هُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ ) للتوكيد ، فالفعل «يقص» هنا لا يعني سرد حكاية ، كما ظن بعض المفسّرين.

* * *

__________________

(١) النساء ، ٣٥.

٣١٠

الآيات

( وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٥٩) وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٦٠) وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ (٦١) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ (٦٢) )

التّفسير

أسرار الغيب :

في هذه الآيات يدور الكلام حول علم الله وقدرته وسعة حكمه وأمره ، وهي تشرح ما أجملته الآيات السابقة.

٣١١

تشرع الآية في الكلام على علم الله فتقول :( وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُو ) .

«مفاتح» جمع «مفتح» (بكسر الميم وفتح التاء) وهو المفتاح ، أمّا إذا كانت بفتح الميم فهي بمعنى الخزانة التي تختزن فيها الأشياء.

وعلى الأوّل يكون المعنى : إنّ جميع مفاتيح الغيب بيد الله.

وعلى الثّاني يكون المعنى : إنّ جميع خزائن الغيب بيد الله.

ويحتمل أن يكون المعنيان قد اجتمعا في عبارة واحدة ، وكما هو ثابت في علم الأصول ، فإن استعمال لفظة واحدة لعدة معان لا مانع منه ، وعلى كل حال فهاتان الكلمتان متلازمتان ، لأنّه حيثما كانت الخزانة كان المفتاح.

وأغلب الظن أنّ «مفاتح» بمعنى «مفاتيح» لا بمعنى «خزائن» لأنّ الهدف هو بيان علم الله ، فتكون المفاتيح وسائل لمعرفة مختلف الذخائر وهو أنسب بالآية ، وفي موضعين آخرين في القرآن ترد كلمة «مفاتح» بمعنى المفاتيح(١) .

ثمّ لتوكيد ذلك أكثر يقول :( وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ) .

«البرّ» كل مكان واسع فسيح ، وتطلق على اليابسة ، «والبحر» كذلك تعني المحل الواسع الذي يتجمع فيه الماء ، وتطلق على البحار والمحيطات وعلى الأنهر العظيمة أحيانا.

فالقول بأنّ الله يعلم ما في البر والبحر ، كناية عن إحاطته بكل شيء ، وهذه الإحاطة بما في البرّ والبحر إنّما تمثل في الحقيقة جانبا من علمه الأوسع.

فهو عالم بحركة آلاف الملايين من الكائنات الحية ، الكبيرة والصغيرة ، في أعماق البحار.

وهو عالم بارتعاش أوراق الأشجار في كل غابة وجبل.

وهو عالم بمسيرة كل برعمة وتفتح أوراقها.

__________________

(١)( ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ ) (القصص ، ٧٦) و( أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ ) (النّور ، ٦١).

٣١٢

وهو عالم بجريان النسيم في البوادي ومنعطفات الوديان.

وهو عالم بعدد خلايا جسم الإنسان وكريات دمه.

وهو عالم بكل الحركات الغامضة في الإلكترونات في قلب الذّرة.

وهو عالم بكل الحركات الغامضة في الإلكترونات في قلب الذّرة.

وهو عالم بكل الأفكار التي تمرّ بتلافيف أدمغتنا حتى أعماق أرواحنا نعم أنّه عالم بكل ذلك على حدّ سواء.

لذلك فإنّه يؤكّد ذلك مرّة أخرى فيقول :( وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها ) .

أي أنّه يعلم عدد الأوراق ولحظة انفصال كل ورقة عن غصنها وطيرانها في الهواء ، حتى لحظة استقرارها على الأرض ، كل هذا جلي أمام علم الله.

كذلك لا تختفي حبّة بين طيات التراب إلّا ويعلمها الله ويعلم كل تفاصيلها :( وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ ) .

التركيز هنا ـ في الحقيقة ـ على نقطتين حساستين لا يمكن أن يتوصل إليهما الإنسان حتى لو أمضى ملايين السنين من عمره يرتقي سلم الكمال في صنع أجهزته وأدواته المدهشة.

ترى من ذا الذي يستطيع أن يعرف كم تحمل الرياح معها في هبوبها على مختلف أصقاع الأرض في الليل والنهار ، من أنواع البذور المنفصلة عن نباتاتها؟ وإلى أين تحملها وتنشرها ، أو تدسها في التراب حيث تبقى سنوات مختفية ، حتى يتهيأ لها الماء فتنبت وتنمو؟

من ذا الذي يعلم كم من هذه البذور في كل أنحاء الدنيا تحمل عن طريق الإنسان أو الحشرات في كل ساعة من نقطة إلى نقطة أخرى؟

أي دماغ الكتروني هذا الذي يستطيع أن يحصي عدد أوراق الشجر التي تسقط كل يوم من أشجار الغابات؟ انظر إلى غابة من الغابات في الخريف ، وخاصّة بعد مطر شديد أو ريح عاصفة ، وتطلع إلى مشهد سقوط الأوراق المتواصل البديع ، عندئذ تتكشف لك هذه الحقيقة ، وهي أنّ علوما من هذا القبيل

٣١٣

لن تكون يوما في متناول يد الإنسان.

إنّ سقوط الورقة ـ في الحقيقة ـ هو لحظة موتها ، بينما سقوط البذرة في مكمنها من الأرض هو لحظة بدء حياتها ، وما من أحد غير الله يعلم بنظام هذا الموت وهذه الحياة ، وحتى أنّ كل خطوة تخطوها البذرة نحو حياتها وانبعاثها وتكاملها خلال اللحظات والساعات ، جلية في علم الله.

إنّ لهذا الموضوع أثرا «فلسفيا» وآخر «تربويا» : أمّا أثره الفلسفي ، فينفي رأي الذين يحصرون علم الله بالكليات ، ويعتقدون أنّه لا يعلم عن الجزئيات شيئا ، وفي الآية هنا تأكيد على أنّ الله يعلم الكليات والجزئيات كلها.

أمّا أثره التربوي فواضح ، لأنّ الإيمان بهذا العلم الواسع لله يقول للإنسان : إنّ جميع أسرار وجودك ، وأعمالك ، وأقوالك ونياتك ، وأفكارك كلّها بيّنة أمام الله ، فإذا آمن الإنسان حقّا بهذا ، فكيف يمكن له أن لا يكون رقيبا على نفسه ويسيطر على أعماله وأقواله ونياته!

وفي ختام الآية يقول تعالى :( وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ ) .

تبيّن هذه العبارة القصيرة سعة علم الله اللامحدود وإحاطته بكل الكائنات بدون أي استثناء ، إذ أن «الرطب» و «اليابس» لا يقصد بهما المعنى اللغوي ، بل هما كناية عن الشمول والعمومية.

وللمفسّرين آراء متعددة في معنى : «كتاب مبين» ، ولكنّ الأقوى أنّه كناية عن علم الله الواسع ، أي انّ كل الموجودات مسجلة في علم الله اللامحدود ، كما أنّه تفسر بكونه «اللوح المحفوظ» نفسه ، إذ لا يستبعد أن يكون اللوح المحفوظ هو صفحة علم الله.

وثمّة احتمال آخر عن معنى «كتاب مبين» وهو أنّه عالم الخلق وسلسلة العلل والمعلولات التي كتب فيها كل شيء.

٣١٤

جاء فيما روي عن أهل البيتعليهم‌السلام أنّ «الورقة» الساقطة بمعنى الجنين الساقط ، و «الحبّة» بمعنى الابن ، و «ظلمات الأرض» بمعنى رحم الأمّ ، و «رطب» ما بقي حيا من النطفة ، و «يابس» ما تلاشى من النطفة(١) .

لا شك أنّ هذا التّفسير لا ينسجم مع الجمود على المعاني اللغوية للآية ، إذ إنّ معنى «الورقة» و «الحبّة» و «ظلمات الأرض» و «الرّطب» و «اليابس» معروف ، ولكنّ أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام بهذا التّفسير أرادوا أن يوسعوا من آفاق نظرة المسلمين إلى القرآن ، وأن لا ينحصروا في إطار الألفاظ ، بل يتوسعوا في نظرتهم حين توجد قرائن على هذا التوسع.

الرّواية أعلاه تشير إلى أنّ معنى «الحبّة» لا ينحصر في بذور النباتات ، بل يشمل أيضا بذور النطف الإنسانية.

في الآية الثانية ينتقل الكلام إلى إحاطة علم الله بأعمال الإنسان وهو الهدف الأصلي وإلى بيان قدرة الله القاهرة ، لكي يستنتج الناس من هذا البحث الدروس التربوية اللازمة فتبدأ بالقول بأنّ الله هو الذي يقبض أرواحكم في الليل ، ويعلم ما تعملون في النهار :( وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ) .

«توفى» تعني استرجع ، فالقول بأنّ النوم هو استرجاع للروح يعود إلى أنّ النوم أخو الموت ، كما هو معروف ، فالموت تعطيل كامل لجهاز الدماغ ، وانقطاع تام في ارتباط الروح بالجسد ، بينما النوم تعطيل قسم من جهاز الدماغ وضعف في هذا الارتباط ، وعليه فالنوم مرحلة صغيرة من مراحل الموت(٢) .

«جرحتم» من «جرح» وهي هنا بمعنى الاكتساب ، أي أنّكم تعيشون تحت ظل قدرة الله وعلمه ليلا ونهارا ، وانّ الذي يعلم بانفلاق الحبّة ونموها في باطن الأرض ، ويعلم بسقوط أوراق الأشجار وموتها في أي مكان وزمان ، يعلم

__________________

(١) تفسير البرهان ، ج ١ ، ص ٥٢٨.

(٢) هناك شرح أو فى لهذا في المجلد الثاني.

٣١٥

بأعمالكم أيضا.

ثمّ يقول : إنّ نظام النوم واليقظة هذا يتكرر ، فأنتم تنامون في الليل( ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ) (١) أي ثمّ يوقظكم في النهار وتستمر هذه العملية حتى نهاية حياتكم.

ويبيّن القرآن النتيجة النهائية لهذا المبحث بالشكل التالي :( ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) .

وفي الآية الثّالثة توضيح أكثر لإحاطة علم الله بأعمال عباده وحفظها بكل دقة ليوم الحساب ، بعد أن يسجلها مراقبون مرسلون لإحصاء أعمالهم :( وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً ) .

سبق أن قلنا إنّ «القاهر» هو المتسلط الغالب المهيمن الذي لا تقف أمامه أية قوّة ، ويرى بعضهم هذه الكلمة تستعمل حيث يكون المقهور عاقلا.

أمّا كلمة «الغالب» فليست فيها هذه الخصوصية ، فهي عامّة واسعة المعنى.

«حفظة» جمع «حافظ» وهم هنا الملائكة الموكّلون بحفظ أعمال الناس ، كما جاء في سورة الإنفطار ، الآيات ١٠ ـ ١٣ :( إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ ) .

ويرى بعض المفسّرين أنّهم لا يحفظون أعمال الإنسان ، بل هم مأمورون بحفظ الإنسان نفسه من الحوادث والبلايا حتى يحين أجله المعين ، ويعتبرون( حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ) بعد «حفظة» قرينة تدل على ذلك ، كما يمكن اعتبار الآية (١١) من سورة الرعد دليلا عليه كذلك(٢) .

ولكنّ بالتدقيق في مجموع الآية التي نحن بصددها نتبيّن أنّ القصد من الحفظ هنا هو حفظ الأعمال ، أمّا بشأن الملائكة الموكّلين بحفظ الناس فسوف

__________________

(١) الضمير في «فيه» يعود على «النهار» و «يبعثكم» بمعنى يوقظكم وينهضكم ، و «أجل مسمى» هو العمر المحدد لكل فرد.

(٢) تفسير الميزان ، ج ٧ ، ص ١٣٤.

٣١٦

نشرحه بإذن الله عند تفسير سورة الرعد.

ثمّ يبيّن القرآن الكريم أن حفظ الأعمال يستمر حتى نهاية الأعمار وحلول الموت :( حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا ) .

وتبيّن الآية في النهاية أنّ هؤلاء الملائكة لا يقصرون ولا يفرطون في مهمتهم ، فلا يتقدمون لحظة ولا يتأخرون في موعد قبض الروح.

ويحتمل أيضا أنّ هذه الصفة ترتبط بالملائكة الذين يحفظون حساب أعمال البشر ، فهم في حفظهم للحساب لا يصدر منهم أدنى تقصير أو قصور ، والآية تركز على هذا القسم بالذات.

في الآية الاخيرة يشير القرآن الكريم إلى آخر مراحل عمل الإنسان ، فيقول :( ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ ) أي عادوا إلى الله بعد أنّ طووا مرحلة حياتهم ، واختتم ملفهم الحاوي على كل شيء.

وفي تلك المحكمة يكون النظر في القضايا وإصدار الأحكام بيد الله :( أَلا لَهُ الْحُكْمُ ) .

وعلى الرغم من كل تلك الأعمال والملفّات المتراكمة عن أفراد البشر طوال تاريخهم الصاحب فانّ الله سريع في النظر فيها :( وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ ) .

لقد جاء في بعض الرّوايات : «إنّه سبحانه يحاسب جميع عباده في مقدار حلب شاة» أي أنّ ذلك لا يتجاوز فترة حلب شاة(١) .

وكما قلنا في تفسير الآية (٢٠٢) من سورة البقرة ، إنّ إجراء الحساب من السرعة بحيث إنّه يمكن أن يتمّ في لحظة واحدة بالنسبة للجميع ، بل إن ذكر فترة حلب شاة في الرواية المذكورة يقصد منه بيان قصر الزمن اللازم لذلك ، وعلى هذا نقرأ في رواية أخرى : «إن الله تعالى يحاسب الخلائق كلّهم في مقدار لمح

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ٣ ، ص ٣١٣.

٣١٧

البصر»(١) .

والدليل على ذلك هو ما ذكرناه في تفسير هذه الآية ، وهو أنّ أعمال الإنسان تؤثر في وجوده وفي وجود الكائنات المحيطة به ، تماما مثل الماكنة التي تسجل مقدار حركتها في عداد متصل بها.

وبتعبير أوضح ، لو كانت هناك أجهزة دقيقة جدا لاستطاعت أن تسجّل في عين الإنسان عدد النظرات الآثمة ، وعلى الألسنة عدد الأكاذيب والافتراءات والتهم والطعون التي اقترفتها ، أي أن كل عضو من أعضاء الجسم فيه ـ بالإضافة إلى روحه ـ جهاز حاسب يكشف الحساب في لحظة واحدة.

وإذا جاء في بعض الرّوايات أنّ محاسبة المسؤولين والأغنياء تطول يوم القيامة فإن هذا لا يعني في الواقع طول زمن الحساب ، بل هو طول زمن المحاسبة عليهم ، إذ لا بدّ لهم من الإجابة على الأسئلة الكثيرة التي تلقى عليهم بشأن الأعمال التي ارتكبوها ، أي أن ثقل مسئولياتهم ولزوم إجابتهم على الأسئلة لإتمام الحجّة عليهم هي التي تطيل زمن محاكمتهم.

يؤلف مجموع هذه الآيات درسا تربويا كاملا لعباد الله في إحاطة علمه تعالى بأصغر ذرات هذا العالم وبأكبرها وقدرته وقهره لعباده ومعرفته بجميع أعمال البشر ، وقيام كتبة أمناء بحفظ أعمال الناس وقبض أرواحهم في لحظات معينة بالنسبة لكل منهم ، وبعثهم يوم القيامة ، ومن ثمّ محاسبتهم محاسبة دقيقة وسريعة.

كيف يمكن أن يؤمن الشخص بمجموع هذه المسائل ثمّ لا يراقب أعماله ، يظلم دون وازع ، ويكذب ويفتري ويعتدي على الآخرين؟

هل يجتمع كل هذا مع الإيمان والاعتقاد على صعيد واحد؟

* * *

__________________

(١) المصدر نفسه ، ج ١ ، ص ٢٩٨.

٣١٨

الآيتان

( قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٣) قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٦٤) )

التّفسير

النّور الّذي يضيء في الظلّام :

مرّة أخرى يأخذ القرآن بيد المشركين ويتوغّل بهم إلى أعماق فطرتهم ، وهناك في تلك الأغوار المحفوفة بالأسرار الغامضة يريهم نور التوحيد وعبادة الواحد الأحد ، فيقول للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قل لهم :( قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ) ؟

إنّ الظلام يكون حسيا أحيانا ومعنويا أحيانا أخرى ، الظلام الحسي هو الذي يكون عند انقطاع النّور انقطاعا تاما ، أو يضعف بحيث لا يرى شيء ، أو يرى بالجهد الجهيد ، والظلام المعنوي هو المشاكل والصعوبات ذات النهايات المظلمة الغامضة ، الجهل الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية والفكرية ، والانحرافات والفساد الأخلاقي التي لا يمكن التكهن بعواقبها السيئة ، أو التي تجر إلى التعاسة والشقاء كلّها ظلام.

٣١٩

إنّ الظلام بذاته مخيف مثير للأوهام والتخيلات ، فهجوم الكثير من الحيوانات الخطرة وسطوة اللصوص والمجرمين يقع تحت جنح الظلام ، أنّ لكل امرئ ذكرياته عن هذه الحالات ، فعند هبوط الظلام تنشط الأوهام وتخرج منها الأشباح المرعبة ، فيستولي الخوف والهلع على العامّة من الناس.

الظلام من العدم ، والإنسان يهرب بطبيعته من العدم ويخافه ، ولهذا نراه يخاف الظلام.

وإذا حدثت في هذا الظلام حوادث واقعية مرعبة ، كأن يكون الإنسان مسافرا في البحر ، وتحاصره في ليلة ظلماء الأمواج الهائلة والدوامات المائية ، فإنّ خوفه من ذلك يكون أضعاف ما لو حدث ذلك بالنهار ، لأنّ الإنسان في مثل هذه الظروف يجد أبواب النجاة مسدودة في وجهه ، وهكذا لو كان في ليلة حالكة الظلام يسير في الصحراء فيضل الطريق ويسمع زمجرة الوحوش المفترسة من هنا وهناك وهي تبحث عن فريسة ، في مثل هذه اللحظات ينسى الإنسان كل شيء ولا يعود يتذكر شيئا سوى نفسه ، والنّور الذي يسطع في أعماقه ويجذبه نحو المبدأ قادر على إزالة ما يعتوره من بلاء وضيق ، هذه الحالات تفتح نوافذ على عالم التوحيد ومعرفة الله ، لذلك يقول في أمثال هذه الحالات :( تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً ) .

وتعقدون ـ وأنتم في تلك الحالة ـ عهدا وميثاقا على أنفسكم ، وتقولون :( لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ) .

ثمّ تأمر الآية النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يخبرهم أنّ الله سوف ينجيهم من هذه ومن غيرها من الأخطار ، وقد فعل ذلك من قبل مرارا ، ولكنّهم بعد زوال الخطر عنهم يعودون إلى طريق الشرك والكفر :( قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ ) .

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611