الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٤

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل9%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 611

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 611 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 134977 / تحميل: 6376
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

٥ - عقيدتنا في الله تعالى

نعتقد: أنّ الله تعالى واحد احد ليس كمثله شيء، قديم لم يزل ولا يزال، هو الاَوّل والآخر، عليم، حكيم، عادل، حي، قادر، غني، سميع، بصير. ولا يوصف بما تُوصف به المخلوقات؛ فليس هو بجسم ولا صورة، وليس جوهراً ولا عرضاً، وليس له ثقل أو خفة، ولا حركة أو سكون، ولا مكان ولا زمان، ولا يشار إليه(١) ؟. كما لا ندَّ له، ولا شبه، ولا ضدّ، ولا صاحبة له ولا ولد، ولا شريك، ولم يكن له كفواً أحد، لا تدركه الاَبصار وهو يدرك الاَبصار.

ومن قال بالتشبيه في خلقه، بأن صوَّر له وجهاً ويداً وعيناً، أو أنّه ينزل إلى السماء الدنيا، أو أنّه يظهر إلى أهل الجنة كالقمر، أو نحو ذلك(٢) ، فانّه

____________________

(١) روي عن الامام عليعليه‌السلام قوله في جواب ذعلب: «لم أكن بالذي اعبد رباً لم أره» ثم أردف قائلاً في وصف الله تعالى: «ويلك لم تره العيون بمشاهدة الاَبصار ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان. ويلك يا ذعلب، إنّ ربي لا يوصف بالبعد ولا بالحركة ولا بالسكون ولا بالقيام قيام انتصاب ولا بجيئة ولا بذهاب، لطيف اللّطافة لا يوصف باللّطف، عظيم العظمة لا يوصف بالعظم، كبير الكبرياء لا يوصف بالكبر، جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ، رؤوف الرحمة لا يوصف بالرقة، مؤمن لا بعبادة، مدرك لا بمجسّة، قائل لا باللّفظ، هو في الاَشياء على غير ممازجة، خارج منها على غير مباينة، فوق كل شيء فلا يقال شيء فوقه، وأمام كل شيء فلا يقال له أمام، داخل في الاَشياء لا كشيء في شيء داخل، وخارج منها لا كشيء من شيء خارج».

التوحيد للصدوق: ٣٠٤ - باب حديث ذعلب - ، أمالي الصدوق: ٢٨٠ المجلس الخامس والخمسون، بحار الاَنوار: ٤/٢٧.

(٢) كقول الكرامية (إنّه تعالى في جهة فوق)!!

=

٢١

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ..

____________________

=

راجع: الفرق بين الفرق: ١٣١، الملل والنحل: ١/ ٩٩، وكذلك الأشاعرة في الإبانة في اصول الديانة: ٣٦ - ٥٥، وكذلك الوهابية رسالة العقيدة الحموية لإبن تيمية: ١/ ٤٢٩، الهدية السنية : ٩٧، والرسالة الخامسة منها لعبد اللطيف حفيد محمد بن عبدالوهاب.

وكذلك القول بأنه تعالى يتحد مع أبدان العارفين! كما حكم الصوفية قال العارف البلجرامي في كتابه «سبحة المرجان»:

انما الخلق المظهر الباري

هو في كل جزئه ساري

وقال الآخر منهم:

أنا من أهوى ومن أهوى أنا

نحن روحان حللنا بدنا

ويراجع ديوان الشيخ ابن الفارض، كما في قصيدته التائية الكبرى المسماة بنظم السلوك ومطلعها:

سقتني حميا الحب راحة مقلتي

وكأسي محيا من عن الحسن جلت

وقصيدته اليائية، مطلعها:

سائق الأضعان يطوي البيد طي

منعما عرج على كثبان طي

ورسائل الشيخ عطار وغيرها كثير.

ذكر العلامة الحلي معقبا على هذه الخرافات بقوله: (فانظرو إلى هؤلاء المشايخ الذين يتبركون بمشاهدهم كيف اعتقادهم في ربهم، وتجويزهم تارة الحلول واخرى الاتحاد، وعبادتهم الرقص والتصفيق والغناء) إلى أن قال: (ولقد شاهدت جماعة من الصوفية في حضرة مولانا الحسينعليه‌السلام وقد صلوا المغرب سوى شخص واحد منهم كان جالسا لم يصل، ثم صلوا بعد ساعة العشاء سوى ذلك الشخص، فسألت بعضهم عن ترك صلاة ذلك الشخص، فقال: وما حاجة هذا إلى الصلاة وقد وصل؟ أيجوز ان يجعل بينه وبين الله حاجباً؟ فقلت: لا فقال: الصلاة حاجب بين العبد والرب) نهج الحق: ٥٨.

يراجع: مناقب العارفين للافالكي، وأسرار التوحيد: ١٨٦، والأنوار في كشف الاسرار للشيخ روزبهان البقلي، والمجلد الثاني من احياء العلوم للغزالي.

٢٢

بمنزلة الكافر به، جاهل بحقيقة الخالق المنزَّه عن النقص، بل كل ما ميّزناه بأوهامنا في أدق معانيه فهو مخلوق مصنوع مثلنا مردود إلينا - على حد تعبير الامام الباقرعليه‌السلام (١) - وما أجلّه من تعبير حكيم! وما أبعده من مرمى علمي دقيق!

وكذلك يلحق بالكافر من قال: إنّه يتراءى لخلقه يوم القيامة(٢) ، وإن

____________________

(١) انظر بحار الاَنوار: ٦٩/٢٩٣ ح٢٣، المحجة البيضاء: ١/٢١٩.

(٢) حيث حكم الاَشاعرة بأنّ الله تعالى يتراءى لخلقه. راجع: الابانة في أصول الديانة لاَبي الحسن الاَشعري: ٥ و٦، الملل والنحل: ١/٨٥ إلى ٩٤، وحاشية الكستلي المطبوع في هامش شرح العقائد للتفتازاني: ٧٠، اللوامع الالهية: ٨٢ و٩٨.

ويضيف البغدادي: (وأجمع أهل السنة على أنّ الله تعالى يكون مرئياً للمؤمنين في الآخرة، وقالوا بجواز رؤيته في كل حال ولكل حي من طريق العقل، ووجوب رؤيته للمؤمنين خاصة في الآخرة من طريق الخبر). الفرق بين الفرق: ٣٣٥ - ٣٣٦.

وباستثناء المجسّمة الذين زعموا أنّ أهل المحشر كافة سيرونه - تعالى عن ذلك - يوم القيامة نصب أعينهم باتصال اشعّتها بجسمه، ينظرون إليه لا يمارون كما لا يمارون في الشمس والقمر ليس دونهما سحاب.. فإنّ محل النزاع منحصر في أنّ رؤية الباري تعالى هل هي ممكنة مع تنزيهه؟ أم هي مع التنزيه ممتنعة مستحيلة؟ فالاَشاعرة ذهبوا إلى الاَول وذهبنا نحن - تبعاً لائمتناعليهم‌السلام - إلى الثاني.

راجع - للتفصيل: كتاب كلمة حول الرؤية للاِمام السيد عبد الحسين شرف الدين؛ فقد أوفى الغرض بمناقشة هذه المسألة واستعراضها باسلوب رصين.

هذا كله بالاضافة إلى ما ورد من الاَحاديث - المزعومة - التي ذكرت بأن الله خلق آدم على صورته، وأنّ له جوارح مشخصة، كالاَصابع والساق والقدم، وأنّ في ساقه علامة يعرف بها، وأنّه يضع قدمه في جهنّم يوم القيامة لتكف عن النهم فتقول: قط! قط!، وأنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله يراه - سبحانه - فيقع ساجداً، وأنّ الله يهبط يوم القيامة إلى العباد ليقضي بينهم، وأنّ المسلمين يرون ربّهم يوم القيامة كما يرون القمر لا يضامون في رؤيته. وغيرها الكثير؛ لاحظ: صحيح البخاري: ٨/٦٢، ٩/١٥٦، وصحيح مسلم: ٤/٢١٨٣ وغيرها، سنن ابن ماجه: ١/٦٤، مسند أحمد: ٢/٢٦٤ وغيرها، الموطأ: ١/٢١٤ ح٣٠، أصل الشيعة وأصولها - مقدمة المحقّق - هامش ص ٢٤.

٢٣

نفى عنه التشبيه بالجسم لقلقة في اللسان؛ فان أمثال هؤلاء المدّعين جمدوا على ظواهر الاَلفاظ في القرآن الكريم أو الحديث، وأنكروا عقولهم وتركوها وراء ظهورهم. فلم يستطيعوا أن يتصرَّفوا بالظواهر حسبما يقتضيه النظر والدليل وقواعد الاستعارة والمجاز.

٢٤

٦ - عقيدتنا في التوحيد

ونعتقد: بأنّه يجب توحيد الله تعالى من جميع الجهات، فكما يجب توحيده في الذات ونعتقد بأنّه واحد في ذاته ووجوب وجوده، كذلك يجب - ثانياً - توحيده في الصفات، وذلك بالاعتقاد بأنّ صفاته عين ذاته - كما سيأتي بيان ذلك - وبالاعتقاد بأنه لا شبه له في صفاته الذاتية؛ فهو في العلم والقدرة لا نظير له، وفي الخلق والرزق لا شريك له، وفي كلّ كمال لا ندَّ له.

وكذلك يجب - ثالثاً - توحيده في العبادة؛ فلا تجوز عبادة غيره بوجه من الوجوه، وكذا إشراكه في العبادة في أيّ نوع من أنواع العبادة؛ واجبة أو غير واجبة، في الصلاة وغيرها من العبادات.

ومن أشرك في العبادة غيره فهو مشرك، كمن يرائي في عبادته ويتقرَّب إلى غير الله تعالى، وحكمه حكم من يعبد الاَصنام والاَوثان، لا فرق بينهما(١) .

____________________

(١) يذكر الشيخ المظفرقدس‌سره في محاضراته الفلسفية قوله: (في بحثنا الالهي نخطو خطوات ونجتاز مراحل:

١ - المرحلة الاولى: في إثبات أصل واجب الوجود.

٢ - المرحلة الثانية: بعد ثبوت أصل واجب الوجود لا بدّ أن يكون هو صرف الوجود.

٣ - المرحلة الثالثة: بعد ثبوت المرحلتين ننتقل إلى وحدانيته؛ لاَنّه إذا ثبت أنّه صرف الوجود فلا بد أن يكون واحداً؛ لاَنّ صرف الشيء لا بدّ أن يكون واحداً، وإلاّ لم يكن صرف الشيء، وإذا كان عارياً من كل حد فلا يعقل أن يتعدّد؛ لاَنّ الاَشياء إنّما تتمايز بالحدود.

فالتوحيد لا ينحصر في الاعتقاد بوحدة واجب الوجود وأنه صرف الوجود، بل هو تعالى واحد في خلقه وفيضه، فكل الاَشياء من فيضه وتجليات لنوره).

ثم يذكر الشيخقدس‌سره برهانا للقدماء على التوحيد، وملخصه: ( العالم واحد فلا

=

٢٥

أمّا زيارة القبور وإقامة المآتم، فليست هي من نوع التقرُّب إلى غير الله تعالى في العبادة - كما توهّمه بعض من يريد الطعن في طريقة الامامية، غفلة عن حقيقة الحال فيها(١) - بل هي من نوع التقرُّب إلى الله تعالى

____________________

=

بد أن يكون الخالق واحدا؛ فهناك تلازم بين وحدة الخالق ووحدة المخلوق - وهو العالم - بحيث لو فرض وجود عالمين لفرض وجود إلهين اثنين، وهو مقولة: الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد.

ثم يشير عند شرحه لخطبة التوحيد المشهورة للامام عليعليه‌السلام عند قولهعليه‌السلام : «وكمال توحيده الاخلاص له»: والفكرة العامية للاخلاص هو الاخلاص بالعبادة، ولكن هذا المعنى لا يترتب على ما قبله، ولا ينسجم مع ما بعده؛ فالاخلاص يعني تنزيه من كل النقائص، ومن كل شيء يقدح في كونه واجب الوجود، فهو أعم من الاخلاص في العمل والعبادة، فالتوحيد لا يكون توحيداً حقيقياً إلا إذا وحدته من جميع الجهات في ذاته وصفاته وأفعاله وعبادته أيضاً، فالاخلاص له يعني التوحيد من جميع الجهات، وتنزيهه عن الشريك من جميع النواحي إلى آخره).

يراجع: الفلسفة الاسلامية؛ محاضرات الشيخ المظفرقدس‌سره على طلاب كلية الفقه في النجف الاشرف، الدرس العاشر: ٩١، والدرس الحادي عشر: ٩٣، والدرس الرابع عشر: ١٠٣.

(١) وفي هذه العبارة التي ذكرها المصنفقدس‌سره إشارة إلى الشبهة التي أثارها بعض خصوم الشيعة حول زيارة القبور وأشاعوا انّها محرّمة. واعتمدوا في ذلك على الحديث النبوي الذي نقله النسائي في سننه، ولفظه «لعن الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج»: ٤/٩٥. ونقله أيضاً بنفس اللفظ: كنز العمال: ١٦/٣٨٨ ح٤٥٠٣٩. وذكره أيضاً ابن ماجه في سننه، ولكن بلفظ مختلف هو: «لعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله زوّارت القبور»: ١/٥٠٢ باب ما جاء في النهي عن زيارة النساء القبور، ح١٥٧٤ و ١٥٧٥ ، ١٥٧٦. ولا يخفى ما في متن الحديثين من تفاوت واضطراب؛ فلفظ زائرات يختلف عن زوّارت - بصيغه المبالغة - وكذلك عدم ورود الزيادة التي ذكرها النسائي اضافة إلى ذلك، ذكر هذا الحديث كل من محمد ناصر الدين الاَلباني في: سلسلة الاَحاديث الضعيفة: ١/٢٥٨ ح٢٢٥، وكذلك ابن عدي في: الكامل في الضعفاء: ٥/١٦٩٨ بدون ذكر الزيادة الموجودة في سنن النسائي.

=

٢٦

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ..

____________________

=

هذا من ناحية المتن، أما بالنسبة إلى السند، ففي سند هذا الحديث: عبدالوارث بن سعيد وأبو صالح - على رواية النسائي وراوية ابن ماجه الاولى - وعبدالله بن عثمان وعبدالرحمن بن بهمان - على رواية ابن ماجه الثانية - وهؤلاء يمكن الاطلاع على احوالهم مما يلي: -

١- عبدالوارث بن سعيد: قال عنه ابن حبان: كان قدرياً. وقال ابن أبي خيثمة: وكان يرمى بالقدر. وقال الساجي: كان قدرياً ذم لبدعته، وقال ابن معين: كان يرى القدر ويظهره. ذكر ذلك في تهذيب التهذيب: ٦/ ٣٩١ - ٣٩٢.

٢ - أبو صالح: وهو مردد بين ميزان البصري وبين باذام مولى ام هاني. والمرجح عند أهل الرجال والحديث أنه باذام. وباذام هذا قال ابن حجر في تهذيب التهذيب: ١/ ٣٦٤ - ٣٦٥ أنه قال فيه أحمد: كان ابن مهدي قد ترك حديثه، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال النسائي: ليس بثقة، وقال ابن عدي: ولم أعلم أحداً من المتقدمين رضيه. وقال زكريا بن أبي زائدة، كان الشعبي يمر بأبي صالح فيأخذ باذنه فيهزها ويقول: ويلك تفسر القرآن وأنت لا تحفظ القرآن، وقال ابن المديني عن القطان عن الثوري: قال الكلبي قال لي أبو صالح: كلما حدثتك كذب. ونقل ابن الجوزي عن الازدي أنه قال: كذاب.

هذا ما ذكره تهذيب التهذيب. أما في سلسلة الأحاديث الضعيفة فبعد أن ذكر الحديث ورجح أن أبو صالح هذا هو باذام قال: (وأبو صالح هذا مولى ام هانئ بنت أبي طالب، واسمه باذان ويقال: باذام. وهو ضعيف عند جمهور النقاد ولم يوثقه أحد إلا العجلي وحده. بل كذبه اسماعيل بن أبي خالد والأزدي، ووصمه بعضهم بالتدليس وقال الحافظ في «التقريب»: ضعيف مدلس. وهو ضعيف عند ابن الملقن وعبد الحق الأشبيلي). سلسلة الأحاديث الضعيفة: ١/ ٢٥٨.

٣- عبدالله بن عثمان: قال النسائي: ثقة، وقال مرة: ليس بالقوي. وقال ابن حبان: كان يخطئ ‎ وقال عبدالله بن الدورقي عن ابن معين: أحاديثه ليست بالقوية. وقال: ابن خثيم ليس بالقوي علي بن المديني قال: ابن خثيم منكر الحديث. ذكره تهذيب التهذيب: تهذيب التهذيب: ٦/ ١٣٥.

٤- عبدالرحمن بن بهمان: وهذا قال فيه ابن المديني: لا نعرفه. كما نقله عنه في تهذيب التهذيب: ٦/ ١٣٥.

هذا هو حال سند هذا الحديث وحال متنه، ويضاف إلى ذلك أنه معارض بأخبار أخر

=

٢٧

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ..

____________________

=

كثيرة أحسن منه متناً وأقوى سنداً؛ فقد جاء من الأحاديث التي تحث على زيارة قبر النبي العديد العديد منها ما في كنز العمال: ١٥/ ٦٥١ ح ٤٢٥٨٢ - ٤٢٥٨٤، وكذا في جزئه الخامس / ١٣٥ ح ١٢٣٦٨ - ١٢٣٧٣، وكذلك ما جاء في السنن الكبرى للبيهقي: ٥/ ٢٤٥ باب زيارة قبر النبي، وأما في زياره القبور بصورة عامة فلا حظ: كنز العمال: ١٥/ ٦٤٦ الفصل الثالث في زيارة القبور وفي الاحاديث من ٤٢٥٥١ إلى ٤٢٥٥٨، والسنن الكبرى للبيهقي: ٥/ ٢٤٩ باب زيارة القبور التي في بقيع الغرقد، وباب زيارة قبور الشهداء. وكذا في سنن ابن ماجه: ١/ ٥٠٠ باب ما جاء في زيارة القبور. وغير هذه المصادر الكثير الكثير مما يقصر هذا الموضع عن عدها. ولو سلمنا صحة الحديث السابق - جدلا - ومقاومته ومعارضته لكل هذه الأحاديث الصحيحة القوية، فان هذا الأحاديث يمكن أن نعتبرها ناسخة له إذا لا حظنا قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها؛ فإنها تذكركم بالاخرة» ذكره كنز العمال: ١٥/ ٦٤٦ ح ٤٢٥٥٥ وغيره كثير. هذا كله بالاضافة إلى إجماع المسلمين على جواز زيارة القبور، بل رجحانها واستحبابها، وقيام السيرة على ذلك منذ عهد النبي، فقد ذكر البيهقي في سننه الكبرى وغيره بأنه كلما كانت ليلة عائشة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وآتاكم ما توعدون» ذكره في الجزء: ٥/ ٢٤٩، وذكر النسائي في سننه، كتاب الجنائز، باب زيارة قبور المشركين، وأبو داود في سننه في زيارة القبور ح٣٢٣٤، وبن ماجه في سننه في باب ما جاء في زيارة قبور المشركين: أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله زار قبر أمه فبكى وأبكى من حوله. بالاضافة إلى الاحاديث المتكاثرة التي تذكر بأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يعلم عائشة الدعاء عند زيارة القبور. ولو تجاوزنا هذا كله ورجعنا إلى الحديث الذي اعتمدوه ولا حظناه - بغض النظر عن كل ما قدمناه - فلن نجد فيه الدلالة التي ذكروها بل قد استفاد الكثير من المحدثين والفقهاء كراهة زيارة القبور بالنسبة للنساء فقط لا غير، وإليك نص العبارة التي ذكرها البيهقي في سننه الكبرى: ٤/ ٧٨، فقد قال: (إن فاطمة بنت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كانت تزور قبر عمها حمزة كل جمعة فتصلي وتبكي عنده ثم قال: وقد روينا في الحديث الثابت عن أنس بن مالك أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مر بامرأة عند قبر وهي تبكي فقال: «اتقي الله واصبري» وليس في الخبر أنه نهاها عن الخروج إلى المقبرة، وفي ذلك تقوية لما روينا

=

٢٨

بالاعمال الصالحة، كالتقرُّب إليه بعيادة المريض، وتشييع الجنائز، وزيارة الاخوان في الدين، ومواساة الفقير.

فإنّ عيادة المريض - مثلاً - في نفسها عمل صالح يتقرَّب به العبد إلى الله تعالى، وليس هو تقرُّباً إلى المريض يوجب أن يجعل عمله عبادة لغير الله تعالى أو الشرك في عبادته، وكذلك باقي أمثال هذه الاَعمال الصالحة التي منها: زيارة القبور، وإقامة المآتم، وتشييع الجنائز، وزيارة الاِخوان.

أما كون زيارة القبور وإقامة المآتم من الاَعمال الصالحة الشرعية، فذلك يثبت في علم الفقه، وليس هنا موضع إثباته(١) .

____________________

=

عن عائشة إلا أن اصح ما روي ذلك صريحا حديث أم عطية وما يوافقه من الأخبار، فلو تنزهن عن اتباع الجنائز والخروج إلى المقابر وزيارة القبور كان أبرأ لدينهن). انتهى كلامه. وحديث أم عطية هو: قالت نهينا عن اتباع الجنائز، ولم يعزم علينا: السنن الكبرى: ٤/ ٧٧ قال: وأخرجه مسلم في الصحيح من وجهين عن هشام. سنن ابن ماجه ١/ ٥٠٢ ح ١٥٧٧.

ولزيادة الاطلاع والتوضيح راجع: كشف الارتياب في اتباع محمد بن عبد الوهاب، للسيد محسن الأمين العاملي.

(١) وعلى سبيل المثال نذكر ما ورد في السنة والسيرة للنبي وآلهصلى‌الله‌عليه‌وآله حول رجحان أمثال هذه الاَعمال الصالحة؛ منها ما رواه البخاري في صحيحه في باب فضائل أصحاب النبي: ٤/٢٠٤ عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «على مثل جعفر فلتبك البواكي» وكذلك ندب النبي إلى البكاء على حمزة فقال: «على مثل حمزة فلتبك البواكي» راجع: طبقات ابن سعد: ٢/٤٤، ومغازي الواقدي: ١/٣١٧، ومسند أحمد: ٢/٤٠. وذكر النسائي في سننه، كتاب الجنائز باب زيارة قبور المشركين، وابو داود في سننه في زيارة القبور ح ٣٢٣٤ وابن ماجه في سننه في باب ما جاء في زيارة قبور المشركين: أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله زار قبر اُمه فبكى وأبكى من حوله.

وكذلك صح بكاء الزهراءعليها‌السلام على أبيها وبكاء زينب بنت أمير المؤمنينعليه‌السلام على أخويها الحسن والحسينعليهما‌السلام ، وقال الامام الصادقعليه‌السلام : «قال الحسينعليه‌السلام : أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلا بكى» كامل الزيارات: ١٠٨.

وقالعليه‌السلام : «نفس المهموم لظلمنا تسبيح، وهمه لنا عبادة، وكتمان سرنا جهاد

=

٢٩

والغرض؛ إنّ إقامة هذه الاَعمال ليست من نوع الشرك في العبادة - كما يتوهمه البعض - وليس المقصود منها عبادة الاَئمّة، وإنّما المقصود منها إحياء أمرهم، وتجديد ذكرهم، وتعظيم شعائر الله فيهم( وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله فَإنَّها مِنْ تَقْوى القُلُوب ) (١) .

فكلّ هذه أعمال صالحة ثبت من الشرع إستحبابها، فإذا جاء الانسان متقرِّباً بها إلى الله تعالى، طالباً مرضاته، استحقّ الثواب منه، ونال جزاءه.

____________________

=

في سبيل الله». بحار الأنوار: ٤٤/ ٢٧٨ ح٤.

وقال الامام الرضاعليه‌السلام : «من تذكر مصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون، ومن جلس مجلساً يحيي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب» أمالي الصدوق: المجلس السابع عشر.

(١) الحج ٢٢: ٣٢.

٣٠

٧ - عقيدتنا في صفاته تعالى

ونعتقد: أنّ من صفاته تعالى الثبوتية الحقيقية الكمالية التي تسمى بصفات الجمال والكمال - كالعلم، والقدرة، والغنى، والاِرادة، والحياة - هي كلّها عين ذاته، ليست هي صفات زائدة عليها، وليس وجودها إلاّ وجود الذات؛ فقدرته من حيث الوجود حياته، وحياته قدرته، بل هو قادر من حيث هو حي، وحي من حيث هو قادر، لا إثنينيه في صفاته ووجودها، وهكذا الحال في سائر صفاته الكماليّة.

نعم، هي مختلفة في معانيها ومفاهيمها، لا في حقائقها ووجوداتها؛ لاَنّه لو كانت مختلفة في الوجود - وهي بحسب الفرض قديمة وواجبة كالذات - للزم تعدّد واجب الوجود، ولانثلمت الوحدة الحقيقية، وهذا ما ينافي عقيدة التوحيد(١) .

وأمّا الصفات الثبوتية الاضافية - كالخالقية، والرازقية، والتقدّم، والعلّية - فهي ترجع في حقيقتها إلى صفة واحدة حقيقية، وهي القيّومية

____________________

(١) يشير الشيخ المظفرقدس‌سره إلى هذا المعنى بقوله: -

(أمّا القول بالاعتبار الذي معناه أنّ الصفات لا واقع خارجي لها، فنحن نعتبر هذا الكلام غير صحيح؛ لاَنّ الله تعالى وصف نفسه بأنّه عليم حكيم قادر هو محض القدرة والعلم والحياة، لا أنّه ذات لها القدرة والعلم والحياة، ولكن هذه الصفات متغايرة بالمفهوم الذي يفهم منه لدى الذهن؛ لاَنّها ألفاظ غير مترادفة، فتغايرها اعتباري مفهومي فقط، فلا تغاير في الصفات وجوداً، ولا من حيث الحيثيّة، ولا تعددها اعتباري كما ذكروا، بل هناك تعدد مفهومي يحكي عن حقيقة هو كلّ الحقائق. قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : «فمن وصفه فقد عدّه..» أليس هو قد وصفه بصفات كثيرة؟! ولكنه يعني أنّ من وصفه بصفات زائدة على الذات، بحيث يوجب تعدد الذات وتعدّد القدماء، ويخرج عن كونه واجب الوجود).

الفلسفة الاسلامية محاضرات الشيخ المظفرقدس‌سره : ١٠٢.

٣١

لمخلوقاته، وهي صفة واحدة تنتزع منها عدّة صفات باعتبار اختلاف الآثار والملاحظات.

وأمّا الصفات السلبية التي تسمّى بصفات الجلال، فهي ترجع جميعها إلى سلب واحد هو سلب الامكان عنه؛ فإنّ سلب الاِمكان لازمه - بل معناه - سلب الجسمية والصورة والحركة والسكون، والثقل والخفّة، وما إلى ذلك، بل سلب كل نقص.

ثمّ إنّ مرجع سلب الاِمكان - في الحقيقة - إلى وجوب الوجود، ووجوب الوجود من الصفات الثبوتية الكمالية، فترجع الصفات الجلالية (السلبية) آخر الاَمر إلى الصفات الكمالية (الثبوتية) ، والله تعالى واحد من جميع الجهات، لا تكثّر في ذاته المقدّسة، ولا تركيب في حقيقة الواحد الصمد.

ولا ينقضي العجب من قول من يذهب إلى رجوع الصفات الثبوتية إلى الصفات السلبية؛ لمّا عزّ عليه أن يفهم كيف أنّ صفاته عين ذاته، فتخيّل أنّ الصفات الثبوتية ترجع إلى السلب؛ ليطمئنّ إلى القول بوحدة الذات وعدم تكثّرها، فوقع بما هو أسوأ؛ إذ جعل الذات التي هي عين الوجود، ومحض الوجود، والفاقدة لكلّ نقص وجهة إمكان، جعلها عين العدم ومحض السلب(١) ، أعاذنا الله من شطحات الاَوهام، وزلاّت الاَقلام.

____________________

(١) في كلام المصنّفقدس‌سره إشارة إلى ما ذهب إليه الشيخ الصدوققدس‌سره في قوله: (كلّما وصفنا الله تعالى من صفات ذاته فإنّما نريد بكل صفة منها نفي ضدّها عنه عز وجل. ونقول: لم يزل الله عز وجل سميعاً بصيراً عليماً حكيماً قادراً عزيزاً حياً قيوماً واحداً قديماً. وهذه صفات ذاته.

ولا نقول: إنّه عز وجل لم يزل خلاّقاً فاعلاً شائياً مريداً راضياً ساخطاً رازقاً وهاباً متكلماً؛ لاَنّ هذه صفات أفعاله، وهي محدثة لا يجوز أن يقال: لم يزل الله موصوفاً بها) الاعتقادات: ٨.

=

٣٢

كما لا ينقضي العجب من قول من يذهب إلى أنّ صفاته الثبوتية زائدة على ذاته؛ فقال بتعدّد القدماء، ووجود الشركاء لواجب الوجود، أو قال بتركيبه - تعالى عن ذلك -(١) .

____________________

=

الاعتقادات: ٨.

ولا يخفى أن هذا يعني أنه يمكن انطباق عدة سلوب على موضوع واحد؛ فمعنى الحياة هو عدم الموت، ومعنى العلم عدم الجهل، ومعنى القدرة عدم العجز.. وهكذا، وهذه اسلوب يمكن انطباقها على ذات واحدة، فيتبين أن الله - تعالى عن ذلك - هو مجموعة اسلوب، ويعقب الشيخ المظفر على ذلك بقوله: (نحن نحترم الشيخ الصدوق - كمحدث وناقل - فاذا تحدث عن مثل هذه الامور فلا نقبل آراءه. فنحن نريد أن نقول: أنه لا تعدد حقيقي، ولا من حيث الحيثية، ولا تعدد اعتباري؛ لأن التعدد من ناحية الاعتبار ومن ناحية الحيثية لا قيمة له، فالفكرة التي نؤمن بها يعرب عنها الفارابي بقوله : (هو عالم من حيث قادر ، وقادر من حيث هو حي ، وحي من حيث هو عالم ..) إن هذه الصفات ليس فيها تعدد حقيقي ولا تعدد حيثية ؛ لان جهة العلم ليست غير جهة الحياة ، فالتعدد الذي نتصوره هو بالمفهوم الذي يحكي عن حقيقة ، وتعددها عين وحدتها نحن نقول : انه عالم من حيث هو قادر ، وهو حيثيات واقعية ولكن لا بمعنى ان لها وجودات مستقلة ، بل بمعنى ان نفس الوجود هو بنفسه العلم وهو بنفسه القدرة لا ان القدرة موجودة بذلك الوجود لتكون حيثية مقابلة لتلك الحيثية ، فهذه الصفات وان كانت حقيقة وواقعية ففي عين تعددها هي واحدة ، وتعدد هذه المفاهيم يكشف عن معنى حقيقي ولكن ليس هناك تعدد حتى بالمعنى ، وهذا العمق في هذا القول هو الذي غاب عن أفكار أصحاب الاقوال السابقة ) لاحظ : الفلسفة الاسلامية للمظفر : ١٠١ - ١٠٢. راجع : تصحيح الاعتقاد للشيخ المفيد ٤١، وكذلك : مطارح النظر في شرح الباب الحادي عشر للشيخ صفي الدين الطريحي : الفصل الثالث : ١٣١- ١٦٢.

(١) نجد أنّ الشيخ المؤلف قد اوضح هذه المسألة من حيث أنّ الاَقوال فيها كما يلي: -

١ - الصفات زائدة على الذات، ولكنها لازمة لها أي واجبة الوجود أيضاً، هذا قول الاَشاعرة.

٢ - قول الكرامية بأنّ الصفات زائدة على الذات ولكنها غير لازمة لها؛ لاَنّها لو كانت

=

٣٣

قال مولانا أمير المؤمنين وسيِّد الموحّدينعليه‌السلام : «وكمالُ الاِخلاصِ لهُ نفيُ الصِفاتِ عنهُ؛ لشهادةِ كلِّ صفةٍ أَنَّها غيرُ المَوصوفِ، وشهادةِ كلِّ موصوفٍ أنَّه غيرُ الصفةِ، فمَنْ وَصَفَ الله سبحانه فَقدْ قرنَهُ، ومَنْ قرنَهُ فَقدْ ثنّاهُ، ومَنْ ثنّاهُ فَقدْ جزّأَهُ، ومن جزّأَهُ فَقدْ جَهِلَهُ...»(١) .

____________________

=

لازمة لكانت واجبة الوجود وحينئذٍ يلزم تعدد واجب الوجود.

٣- وقول بأن وجود الصفات نفس وجود الذات أي متحدة بالوجود مع تعدد الحيثية، كتعدد حيثيات صفات الانسان ، فالنفس في وحدتها كل القوى أي وجودا.

٤- وقول بأن هذا التعدد اعتباري ، أي ليس هناك تعدد في الوجود ولا في الحيثيات ، وإنما يعتبرها الذهن ، ومنشأ الاعتبار هو نفس الذات.

فهذه الأقوال جميعا لا نرتضيها ؛ لأنها كلها غير صحيحة ، وإنما نشأ الخلط في دقة النظر في فهم عينية الصفات للذات.

الأشاعرة لم يفهموا معنى عينية الصفات للذات وظنوا أن معنى ذلك أنه تعالى لا صفات له ، والكرامية قالوا : إن الصفات لو كانت ملازمة للزم تعدد واجب الوجود ، والقائلون بتعدد الحيثيات قالوا بأن هذا لا يثلم عقيدة التوحيد ، والقائلون بالاعتبار قالوا : إن القول بتعدد الحيثيات غير معقول.

الفلسفة الاسلامية للشيخ المظفر : ١٠٠.

(١) نهج البلاغة: الخطبة ١ (من كلام لهعليه‌السلام يذكر فيها ابتداء خلق السماء والاَرض)، الاحتجاج: ٢/٤٧٣ ح١١٣.

٣٤

٨ - عقيدتنا في العدل

ونعتقد: أنّ من صفاته تعالى الثبوتية الكمالية أنّه عادل غير ظالم، فلا يجور في قضائه، ولا يحيف في حكمه؛ يثيب المطيعين، وله أن يجازي العاصين، ولا يكلِّف عباده ما لا يطيقون، ولا يعاقبهم زيادة على ما يستحقّون(١) .

ونعتقد: أنّه سبحانه لا يترك الحسن عند عدم المزاحمة، ولا يفعل القبيح؛ لاَنّه تعالى قادر على فعل الحسن وترك القبيح، مع فرض علمه بحسن الحسن، وقبح القبيح، وغناه عن ترك الحسن وعن فعل القبيح، فلا الحسن يتضرّر بفعله حتى يحتاج إلى تركه، ولا القبيح يفتقر إليه حتى يفعله. وهو مع كل ذلك حكيم؛ لا بدّ أن يكون فعله مطابقاً للحكمة، وعلى حسب النظام الاَكمل(٢) .

____________________

(١) العدل هو الجزاء على العمل بقدر المستحق عليه، والظلم هو منع الحقوق، والله تعالى عدل كريم جواد متفضل رحيم قد ضمن الجزاء على الاعمال والعوض على المبتدئ من الآلام، ووعد التفضل بعد ذلك بزيادة من عنده، فقال تعالى( لِلّذينَ أحسَنُوا الحُسْنَى وزيادة ) يونس ١٠: ٢٦. فخبّر أنّ للمحسنين الثواب المستحق وزيادة من عنده، وقال:( مَنْ جَاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِهَا ) يعني له عشر أمثال ما يستحق عليها،( وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فِلا يُجزَى إلاّ مِثْلَها وَهُم لا يُظلَمون ) الانعام ٦: ١٦٠. يريد أنّه لا يجازيه بأكثر مما يستحقه، ثم ضمن بعد ذلك العفو ووعد بالغفران. فقال سبحانه( وإنّ ربّك لَذو مَغفِرةٍ للنَّاسِ على ظلمهم ) الرعد ١٣: ٦. وقال سبحانه:( إنّ الله لا يَغْفِر أن يُشركَ بِهِ ويَغفر مَا دُونَ ذَلِكَ لَمَنْ يَشاءُ ) النساء ٤: ٤٨... وقد أمر الله تعالى بالعدل ونهى عن الجور فقال تعالى:( إنَّ الله يأمُر بِالعَدلَ والاِحْسن ) النحل ١٦: ٩٠.

تصحيح الاعتقاد للشيخ المفيد: ١٠٣.

(٢) وتعتبر الشيعة الامامية العدل من أصول الدين وليس هو في الحقيقة اصلاً مستقلاً، بل هو

=

٣٥

فلو كان يفعل الظلم والقبح - تعالى عن ذلك - فانّ الأمر في ذلك لا يخلو عن أربع صور:

١ - أن يكون جاهلاً بالأمر، فلا يدري أنّه قبيح.

٢ - أن يكون عالماً به، ولكنّه مجبور على فعله، وعاجز عن تركه.

٣ - أن يكون عالماً به، وغير مجبور عليه، ولكنه محتاج إلى فعله.

٤ - أن يكون عالماً به، وغير مجبور عليه، ولا يحتاج إليه، فينحصر في أن يكون فعله له تشهّياً وعبثاً ولهواً.

وكل هذه الصور محال على الله تعالى، وتستلزم النقص فيه وهو محض الكمال، فيجب أن نحكم أنه منزَّه عن الظلم وفعل ما هو قبيح.

____________________

=

مندرج في نعوت الحق ووجوب وجوده المستلزم لجامعيّته لصفات الجمال والكمال فهو شأن من شؤون التوحيد، ولكن الاَشاعرة لما خالفوا العدلية - وهم المعتزلة والامامية - فانكروا الحسن والقبح العقليين وقالوا: ليس الحسن إلاّ ما حسّنه الشرع وليس القبح إلاّ ما قبحه الشرع، وأنه تعالى لو خلد المطيع في جهنم والعاصي في الجنة لم يكن قبيحاً؛ لاَنّه يتصرف في ملكه( لا يُسئَلُ عَمَّا يَفْعَل وَهُم يُسْئَلُونَ ) الانبياء ٢١: ٢٣. أمّا العدلية فقالوا: انّ الحاكم في تلك النظريات هو العقل مستقلاً، ولا سبيل لحكم الشرع فيها إلاّ تأكيداً وارشاداً، والعقل يستقل بحسن بعض الاَفعال وقبح البعض الآخر ويحكم بأنّ القبيح محال على الله تعالى؛ لاَنّه حكيم وفعل القبيح مناف للحكمة وتعذيب المطيع ظلم والظلم قبيح وهو لا يقع منه تعالى.

وبهذا أثبتوا لله صفة العدل وأفردوها بالذكر دون سائر الصفات إشارة الى خلاف الاشاعرة.

والعدلية بقاعدة الحسن والقبح العقليين اثبتوا جملة من القواعد الكلامية : كقاعدة اللطف ، ووجوب شكر المنعم ، ووجوب النظر في المعجزة ، وعليها بنوا أيضا مسألة الجبر والاختبار التي هي من معضلات المسائل.

للتفصيل راجع : أصل الشيعة واصولها للشيخ كاشف الغطاء : ٢٣٠.

مطارح النظر للشيخ الطريحي : الفصل الرابع ١٦٤.

٣٦

غير أن بعض المسلمين جوَّز عليه تعالى فعل القبيح(١) - تقدَّست أسماؤه - فجوَّز أن يعاقب المطيعين، ويدخل الجنّة العاصين، بل الكافرين، وجوَّز أن يكلِّف العباد فوق طاقتهم وما لا يقدرون عليه، ومع ذلك يعاقبهم على تركه، وجوَّز أن يصدر منه الظلم والجور والكذب والخداع، وأن يفعل الفعل بلا حكمة وغرض ولا مصلحة وفائدة، بحجّة أنّه( لا يُسئَلُ عَمَّا يَفعَلُ وَهُم يُسئَلونَ ) (٢) .

فربُّ أمثال هؤلاء الذين صوَّروه على عقيدتهم الفاسدة: ظالم، جائر، سفيه، لاعب، كاذب، مخادع، يفعل القبيح ويترك الحسن الجميل، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً، وهذا هو الكفر بعينه، وقد قال الله تعالى في محكم كتابه:( وَمَا اللهُ يُريدُ ظُلْماً للعِبَادِ ) (٣) .

وقال:( وَاللهُ لا يُحِبُّ الفَسَادَ ) (٤) .

وقال:( وَمَا خَلَقْنَا الْسَّمواتِ والاَرضَ وَمَا بَيْنَهُما لاعِبِينَ ) (٥) .

وقال:( وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ والاِنْسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) (٦) .

إلى غير ذلك من الآيات الكريمة، سبحانك ما خلقت هذا باطلاً.

____________________

(١) والى ذلك ذهبت الاَشاعرة بقولهم إنّ الله تعالى قد فعل القبائح بأسرها من أنواع الظلم والشرك والجور والعدوان ورضي بها وأحبّها - جل عن ذلك سبحانه وتعالى -. ولتفصيل هذه الاَفكار الباطلة يراجع: نهج الحق للعلامة الحلّي: ٨٥، شرح العقائد وحاشيتة للكستلي: ١٠٩ و١١٣، الملل والنحل: ١/٨٥، ٨٨، ٩١، الفصل لابن حزم: ٣/٦٦ و٦٩، شرح التجريد للقوشجي: ٣٧٣.

(٢) الانبياء ٢١: ٢٣.

(٣) غافر ٤٠: ٣١.

(٤) البقرة ٢: ٢٠٥.

(٥) الدخان ٤٤: ٣٨.

(٦) الذاريات ٥١: ٥٦.

٣٧

٩ - عقيدتنا في التكليف

نعتقد: أنّه تعالى لا يكلِّف عباده إِلاّ بعد إقامة الحجّة عليهم(١) ، ولا

____________________

(١) لا بد من معرفة أنّ حقيقة التكليف تعني: إرادة المريد من غيره ما فيه كلفة ومشقة. فيكون عندئذ المرجع هو الارادة، بقرينة ما ذكر في التعريف من الكلفة والمشقة. وأردف السيد الشريف المرتضى علم الهدى بعد ذلك بقوله - مصحّحاً القول: إنّ التكليف لا يحسن إلاّ بعد اكمال العقل ونصب الادلّة -: (وأنه تعالى اكمل العقول وحصل سائر الشروط فلا بد من أن يكلِّف، وهذا يدل على أن التكليف غير التعريف ). وقد بحث علماؤنا مباحث التكليف بصورة مستفيضة ذاكرين وجوه المراد بالتكليف وتعلقها بالمكلِّف والمكلَّف وصفات المكلف، والغرض من هذا التكليف، والوجه المجرى به إليه، وما الافعال التي يتناولها، وما المكلِّف الذي كلف هذه الاَفعال، وبأي شيء مختص من الصفات حتى يحسن أو يجب تكليفه. والمعلوم أنّ هذا الموضوع هو من بحوث الارادة الذي استحق من المتكلمين عناية وعنواناً مفرداً على أثر الاختلاف العظيم بين العلماء وزعماء المذاهب في المشيئة الالهية المذكورة في آيات الذكر الحكيم وتعلقها بأمور غير مرضية لديه سبحانه، ثمّ في تأويلها بوجوه لا تخلو عن التكلّف في الاَكثر وأهمّها الآية ١٤٨ من سورة الاَنعام( سَيقوُل الّذين أشركُوا لو شاءَ الله ما أشركْنَا ولا آباؤُنَا ولا حَرّمنا مِنْ شَيء كَذلِكَ كذّبَ الّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتّى ذاقُوا بَأسَنَا قُلْ هَل عِنْدَكُم مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إنْ تَتَّبعونَ إلاّ الظَنَّ وإنْ أَنْتُمْ إلاّ تخرُصُون ) والآية ٢٠ من سورة الزخرف:( وَقالُوا لَو شَاءَ الرّحمنُ ما عبدنهُمْ مَا لَهُم بِذلِكَ مِنْ عِلمٍ إنْ هم إلاّ يَخرُصوُنَ ) وآيات كثيرة توهم تعلق إرادة الخالق بما يستقبحهُ المخلوق تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. ومن هذا يبدو أنّ شيخنا المظفرقدس‌سره أفرد عنواناً مستقلاً للتكليف سطر فيه ما يمكن أن يختصر نظرية الامامية في هذا الباب، ذلك أنّ مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام لها موقف واضح معروف يؤكّد على تنزيه الرب الكريم سبحانه وتقديسه عن كل ما هو قبيح أو شبه قبيح وشدة استنكارها بتعلّق مشيئة الله أو إرادته بشرك أو ظلم أو فاحشة قط، فضلاً عن فعله أو خلق فعله أو الاَمر به؛ إذ كل ذلك سيقع خلافاً لحكمته وعدله وفضله.

=

٣٨

يكلِّفهم إلاّ ما يسعهم ما يقدرون عليه وما يطيقونه وما يعلمون؛ لاَنّه من الظلم تكليف العاجز والجاهل غير المقصِّر في التعليم.

أمّا الجاهل المقصِّر في معرفة الاَحكام والتكاليف فهو مسؤول عند الله تعالى، ومعاقَب على تقصيره؛ إذ يجب على كلّ إنسان أن يتعلَّم ما يحتاج إليه من الاَحكام الشرعية(١) .

____________________

=

ومحصلة القول ما ذكره الشيخ المفيد بقوله: إنّ الله تعالى لا يريد إلاّ ما حسن من الاَفعال، ولا يشاء إلاّ الجميل من الاعمال، ولا يريد القبائح، ولا يشاء الفواحش - تعالى الله عمّا يقول المبطلون علواً كبيرا- :

قال الله تعالى :( وما الله يريد ظلماً للعباد ) غافر ٤٠ : ٣١.

وقال تعالى :( يريد الله بكم اليسرة ولا يريد بكم العسر ) البقرة ٢ : ١٨٥.

وقال تعالى :( يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم ) النساء ٤ : ٢٦.

وقال تعالى :( والله يرريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماُ ) النساء ٤: ٢٧.

وقال تعالى :( يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الانسن ضعيفا ) النساء ٤: ٢٨. فخبر سبحانه أنه لا يريد بعباده العسر بل يريد بهم اليسر ، وأنه يريد لهم البيان ولا يريد لهم الضلال ، ويريد التخفيف عنهم ولا يريد التثقيل عليهم ، فلو كان سبحانه مريدا لمعاصيهم لنافى ذلك إرادة البيان لهم والتخفيف عنهم واليسر لهم وكتاب الله تعالى شاهد بضد ما ذهب اليه الضالون المفترون على الله الكذب تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كلبيرا.

لاحظ : الذخيرة للسيد المرتضى : ١٠٥، تصحيح الاعتقاد للشيخ المفيد : المجلد ٥ من مصنفات الشيخ المفيد : ٤٨-٥١.

(١) ويدلّ عليه ما ورد في كتاب الله تعالى من قوله:( فَسْئَلُوا أَهلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُون ) النحل ١٦: ٤٣ وقوله تعالى:( فَلَولا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهوا في الدِّين ولُينذرِوا قَوْمَهُمْ إذا رَجَعوا إليْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرون) التوبة ٩: ١٢٢.

ويدلّ عليه أيضاً قول الامام الصادقعليه‌السلام عندما سئل عن قوله تعالى:( قلْ فَلِلّهِ الحُجَّةُ البالِغَةُ ) الانعام ٦: ١٤٩. فقالعليه‌السلام : «إنّ الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة عبدي أكنت عالماً؟ فان قال نعم قال له: أفلا عملت بما علمت؟! وإن قال: كنت

=

٣٩

ونعتقد: أنّه تعالى لا بدَّ أن يكلِّف عباده، ويسنَّ لهم الشرائع، وما فيه صلاحهم وخيرهم؛ ليدلّهم على طرق الخير والسعادة الدائمة، ويرشدهم إلى ما فيه الصلاح، ويزجرهم عمّا فيه الفساد والضرر عليهم وسوء عاقبتهم، وإن علم أنّهم لا يطيعونه؛ لاَنّ ذلك لطف ورحمة بعباده، وهم يجهلون أكثر مصالحهم وطرقها في الدنيا والآخرة، ويجهلون الكثير ممّا يعود عليهم بالضرر والخسران، والله تعالى هو الرحمن الرحيم بنفس ذاته، وهو من كماله المطلق الذي هو عين ذاته، ويستحيل أن ينفك عنه.

ولا يرفع هذا اللطف وهذه الرحمة أن يكون العباد متمرّدين على طاعته، غير مناقدين إلى أوامره ونواهيه.

____________________

=

جاهلاً، قال له: أفلا تعلّمت حتى تعمل؟! فيخصم، فتلك الحجة البالغة». الاَمالي للشيخ الطوسي: ٩ ح١٠/١٠. ونقله عنه: البحار: ٢/٢٩ ح١٠.

والحديث الوارد عن الامام الصادقعليه‌السلام : (عليكم بالتفقه في دين الله ، ولا تكونوا أعرابا ؛ فانه من لم يتفقه في دين الله لم ينظر الله اليه يوم القيامة ولم يزك له عملا .)الكافي :١/٢٤ ح٧.

كما ورد في الرسائل العملية للعلماء الأعلام : يجب على المكلف تعلم مسائل الشك والسهو التي في معرض ابتلائه لئلا يقع - لولا التعلم - في مخالفة تكليف إلزامي متوجه اليه عند طروهما لاحظ منهاج الصالحين للسيد السيستاني : العبادات / مسألة ١٩ص١٣.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

تحت الماء ، وكانت مكّة أوّل نقطة يابسة ظهرت من تحت الماء ، حسب الأحاديث الإسلامية.

وكون مكّة ليست أعلى مكان على الكرة الأرضية في الوقت الحاضر ، لا يتعارض أبدا مع هذا القول ، لأن مئات الملايين من السنين تفصلنا اليوم عن ذاك الزمان ، وقد حدثت خلال ذلك تغيرات جغرافية بدلت وجه الأرض كليا ، فبعض الجبال هبطت إلى أعماق البحار ، وبعض أعماق البحار ارتفع فصار جبلا ، وهذا ثابت في علم التضاريس الأرضية والجغرافية الطبيعية.

أمّا كلمة «أم» فتعني ـ كما سبق أن قلنا ـ الأصل والأساس والمبدأ لكل شيء.

من كل هذا يتبيّن أنه إذا أطلق مكّة اسم «أم القرى» فذلك يستند إلى أنّها كانت مبدأ ظهور اليابسة على الأرض ، «ومن حولها» أي جميع الناس الذين يسكنون الأرض برمتها.

وهذا ما تؤيده الآيات الأخرى التي تؤكّد عالمية الإسلام ، وكذلك الرسائل الكثيرة التي بعث بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى رؤساء العالم ، مثل كسرى وقيصر ، وقد جاء شرح ذلك في المجلد الثاني من هذا التّفسير.

٢ ـ العلاقة بين الإيمان بالقرآن والإيمان بالآخرة

تبيّن هذه الآية : إنّ الذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون أيضا بالقرآن ، أي أنّهم يعلمون أن هذه الدنيا ما هي إلّا مقدمة لعالم الآخرة ، وإنّها أشبه بالمزرعة أو المدرسة أو المتجر ، والوصول إلى ذلك الهدف الرفيع والاستعداد لذلك اليوم لا يكون إلّا عن طريق مجموعة من القوانين والمناهج والدساتير وإرسال الأنبياء.

بعبارة أخرى ، إنّ الله قد أرسل الإنسان إلى هذه الحياة ليطوي مسيرته التكاملية وليصل إلى مستقره الأصلي في العالم الآخر ، وهذا الغرض ينتقض إذا

٣٨١

لم يرسل إليه الأنبياء والكتب السماوية ، من هنا يمكن أن نستنتج من الإيمان بالله والمعاد ، الإيمان بنبوة الأنبياء والكتب السماوية (تأمل بدقّة).

٣ ـ أهمية الصّلاة

نلاحظ في هذه الآية أنّها تشير إلى الصّلاة من بين جميع الفرائض الدينية ، ونعلم أنّ الصّلاة هي مظهر الارتباط بالله ، ولذلك كانت أرفع من جميع العبادات منزلة ، ويرى بعضهم أنّه عند نزول هذه الآية كانت العبادة الوحيدة المفروضة حتى ذلك الوقت هي الصّلاة(١) .

* * *

__________________

(١) تفسير المنار ، ج ٧ ، ص ٦٢٢.

٣٨٢

الآية

( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (٩٣) )

سبب النّزول

ثمّة روايات متعددة في سبب نزول هذه الآية وردت في كتب الحديث والتّفسير ، من ذلك أنّ الآية نزلت بشأن شخص يسمى «عبد الله بن سعد» من كتاب الوحي ، ثمّ خان فطرده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فراح يزعم أنّه قادر على قول مثل آيات القرآن ، يقول جمع آخر من المفسّرين أنّ الآية ، أو قسما منها ، نزلت بحق «مسيلمة الكذاب» الذي ادعى النبوّة ، ولكن بالنظر لأنّ مسيلمة الكذاب ظهر في أواخر حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذه السورة مكّية ، فإنّ مؤيدي هذا التّفسير يقولون : إنّ هذه الآية نزلت في المدينة ، ثمّ أدخلت ضمن هذه السورة بأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٣٨٣

على كل حال هذه الآية ، مثل سائر آيات القرآن ، نزلت في ظروف خاصّة ، وهي ذات محتوى عام يشمل كل من ادعى النبوة وأمثالهم.

التّفسير

في الآيات السابقة مرّت الإشارة إلى مزاعم اليهود الذين أنكروا نزول أي كتاب سماوي على أحد ، وفي هذه الآية يدور الكلام على اشخاص آخرين يقفون على الطرف المعاكس تماما لأولئك ، فيزعمون كذبا أن الوحي ينزل عليهم.

وتتناول الآية ثلاث جماعات من هؤلاء بالبحث ، ففي البداية تقول :( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً ) .

والجماعة الثّانية هم الذين يدعون النّبوة ونزول الوحي عليهم ، فلا هم أنبياء ، ولا نزل عليهم وحي :( أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ ) .

والجماعة الثّالثة هم الذين أنكروا نبوة نبي الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو زعموا ساخرين أنّهم يستطيعون أنّ يأتوا بمثل آيات القرآن ، وهم في ذلك كاذبون ولا قدرة لهم على ذلك :( وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ ) .

نعم ، هؤلاء كلّهم ظالمون ، بل أظلم الظالمين ، لأنّهم يغلقون طريق الحق بوجه عبادالله ويضلونهم في متاهات الضلال حائرين ، ويحاربون قادة الحق ، فهم ضالون مضلون ، فمن أظلم ممن يدعي لنفسه القيادة الإلهية وليست لديه صلاحية مثل هذا المقام.

على الرغم من أنّ الآية تخصّ أدعياء النبوة والوحي ، إلّا أنّ روحها تشمل كل من يدعي كذبا لنفسه مكانة ليس أهلا لها.

ثمّ تبيّن العقاب الأليم الذي ينتظر أمثال هؤلاء فتقول :( وَلَوْ تَرى إِذِ

٣٨٤

الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ ) (١) أي لو أنك ـ أيّها النّبي ـ رأيت هؤلاء الظالمين وهم يمرون بشدائد الموت والنزع الأخير ، وملائكة قبض الأرواح ما دين أيديهم نحوهم ويقولون لهم : هيا أخرجوا أرواحكم ، لأدركت العذاب الذي ينزل بهم.

عندئذ تخبرهم ملائكة العذاب بأنّهم سينالون اليوم عذابا مذلا لأمرين : الأوّل : إنّهم كذبوا على الله ، والآخر ، إنّهم لم ينصاعوا لآياته :( الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ) .

* * *

ملاحظات :

ينبغي هنا ملاحظة النقاط التّالية :

١ ـ تعتبر الآية أدعياء النبوة والقادة المزيفين من أشد الظالمين ، بل لا ظلم أشدّ من ظلمهم ، لأنّهم يسرقون أفكار الناس ويهدمون عقائدهم ويغلقون بوجوههم أبواب السعادة ويحيلونهم إلى مستعمرين فكريا لهم.

٢ ـ جملة( باسِطُوا أَيْدِيهِمْ ) قد تعني أنّ ملائكة قبض الأرواح تبسط أيديها إليهم استعدادا لقبض أرواحهم ، وقد تعني بسط أيديهم للبدء بتعذيبهم.

٣ ـ( أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ ) تعني في الواقع ضربا من التحقير تبديه الملائكة نحو هؤلاء الظالمين ، وإلّا فإنّ إخراج الروح ليس من عمل هؤلاء ، بل هو من واجب الملائكة ، مثل ما يقال للمجرم عند إعدامه : مت! ولعل هذا التحقير يقابل تحقيرهم لآيات الله وأنبيائه وعباده.

__________________

(١) «الغمرات» جمع غمرة (على وزن ضربة) ، وأصل الغمر إزالة أثر الشيء ، ثمّ استعملت للماء الكثير الذي ليستروجه الشيء تماما ، كما تطلق على الشدائد والصعاب التي تغمر المرء.

٣٨٥

وفي الوقت نفسه تعتبر هذه الآية دليلا آخر على استقلال الروح وانفصالها عن الجسد ، كما يستفاد من الآية أنّ تعذيب هؤلاء يبدأ منذ لحظة قبض أرواحهم.

* * *

٣٨٦

الآية

( وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٩٤) )

سبب النّزول

جاء في تفسير مجمع البيان وتفسير الطبري وتفسير الآلوسي إنّ مشركا اسمه النضر بن الحارث قال : إنّ اللآت والعزى (وهما من أصنام العرب المشهورة) سوف يشفعان لي يوم القيامة ، فنزلت هذه الآية جوابا له ولأمثاله.

التّفسير

الضّالون :

أشارت الآية السابقة إلى أحوال الظالمين وهم على شفا الموت ، هنا في هذه الآية تعتبر عن خطاب الله لهم عند الموت أو عند الورود إلى ساحة يوم القيامة.

فيبدأ بالقول بأنّهم يأتون يوم القيامة منفردين كنا خلقوا منفردين :( وَلَقَدْ

٣٨٧

جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ) .

والأموال التي وهبناها لكم وكنتم تستندون إليها في حياتكم ، قد خلفتموها وراءكم ، وجئتم صفر الأيدي :( وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ ) (١) .

ولا نرى معكم تلك الأصنام التي قلتم إنّها سوف تشفع لكم وظننتم أنّها شريكة في تعيين مصائركم( وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ ) .

ولكن الواقع أنّ جمعكم قد تبدد ، وتقطعت جميع الروابط بينكم :( لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ ) .

وكل ما ظننتموه وما كنتم تستندون إليه قد تلاشى وضاع :( وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ) .

كان المشركون العرب يستندون في حياتهم إلى أشياء ثلاثة : القبيلة أو العشيرة التي كانوا ينتمون إليها ، والأموال التي جمعوها لأنفسهم ، والأصنام التي اعتبروها شريكة لله في تقرير مصير الإنسان وشفيعة لهم عند الله ، والآية في كل جملة من جملها الثلاث تشير إلى واحدة من هذه الأمور ، وإلى أنّها عند الموت تودعه وتتركه وحيدا فريدا.

هنا ينبغي الالتفات إلى نقطتين :

١ ـ نظرا لمجيء هذه الآية في أعقاب الآية السابقة التي تحدثت عن قيام الملائكة بقبض الأرواح عند الموت ، وكذلك بالنظر إلى عبارة :( وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ ) ، نفهم أنّ هذا الكلام يقال لهم عند الموت أيضا ، ولكن من جانب الله ، غير أنّ بعض الرّوايات تقول : إنّ هذا الخطاب يوجه إليهم يوم القيامة ، على أي حال فإنّ الهدف لا يختلف في الحالين.

__________________

(١) «خولناكم» من «الخول» وهو إعطاء ما يحتاج إلى التعهد والتدبير والإدارة ، وهو النعم التي يسبغها الله تعالى على عباده.

٣٨٨

٢ ـ على الرغم من نزول هذه الآية بشأن مشركي العرب ، فهي ليست بالطبع مقصورة عليهم.

ففي ذلك اليوم تنفصم العرى وتنفصل عن البشر كل الانشدادات المادية والمعبودات الخيالية المصطنعة وجميع ما اصطنعوه لأنفسهم في الحياة الدنيا ليكون سندا لهم يستعينون به في يوم بؤسهم لا يبقى سوى الشخص وعمله ، ويزول كل ما عدا ذلك ، أو يضل عنهم بحسب تعبير القرآن وهو تعبير جميل يوحي بأنّ الشركاء سيكونون إلى درجة من الصغر والحقارة والضياع أنّهم لا يروا بالعين.

* * *

٣٨٩

الآيتان

( إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٩٥) فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٩٦) )

التّفسير

فالق الإصباح :

مرّة أخرى يوجه القرآن الخطاب إلى المشركين ، ويشرح لهم دلائل التوحيد في عبارات جذابة وفي نماذج حية من أسرار الكون ونظام الخلق وعجائبه.

في الآية الأولى يشير إلى ثلاثة أنواع من عجائب الأرض ، وفي الآية الثّانية يشير إلى ثلاثة من الظّواهر السماوية.

يقول القرآن الكريم أوّلا :( إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى ) .

«الفلق» شقّ الشيء وإبانة بعضه عن بعض(١) .

و «الحب» و «الحبة» تقال لانواع الحبوب الغذائية كالحنطة والشعير

__________________

(١) الراغب الأصفهاني (المفردات) ، ص ٣٨٥.

٣٩٠

ونحوهما من المطعومات التي تحصد ، كما يقال ذلك لبروز الرياحين أيضا(١) .

و «النوى» من النّواة ، قيل إنّه يخص نوى التمر ، ولعل هذا يرجع إلى كثرة التمر في بيئة العرب حتى كان العربي ينصرف ذهنه إلى نوى التمر إذا سمع هذه الكلمة.

ولننظر الآن إلى ما يمكن في هذا التعبير : ينبغي أن نعلم أنّ أهم لحظة في حياة الحبّة والنّوى هي لحظة الفلق ، وهي أشبه بلحظة ولادة الطفل وانتقاله من عالم إلى عالم آخر ، إذ في هذه اللحظة يحصل أهم تحول في حياته.

وممّا يلفت الانتباه أنّ الحبّة والنّواة غالبا ما تكونان صلبتين ، فنظرة إلى نوى التمر والخوخ وأمثالهما ، وإلى بعض الحبوب الصلبة ، تكشف لنا أنّ تلك النطفة الحياتية التي هي في الواقع صغيرة ، محصنة بقلعة مستحكمة تحيط بها من كل جانب ، وانّ يد الخالق قد أعطت لهذه القلعة العصية على الاختراق خاصية التسليم والليونة أمام اختراق نطفة النبات ، كما منحت النطفة قوة اندفاع تمكنها من فلق جدران قلعتها فتطلع النبتة بقامتها المديدة ، هذه حقّا حادثة عجيبة في عالم النبات لذلك يشير إليها القرآن على أنّها من دلائل التوحيد.

ثمّ يقول :( يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِ ) .

يتكرر هذا التعبير كثيرا في القرآن مشيرا إلى نظام الموت والحياة وتبديل هذا بذاك ، فمرّة ترى الحياة تنبعث من مواد جامدة لا روح فيها في أعماق المحيطات ومجاهل الغابات والصحارى ، فيخلق من تركيب مواد كل واحدة منها سم قاتل مواد حيوية ، وأحيانا ترى العكس ، فبإجراء تغيير بسيط على كائنات حية قوية مفعمة بالحياة تراها قد تحولت إلى كائن لا حياة فيه.

إنّ موضوع الحياة والموت بالنسبة للكائنات الحية من أعقد المسائل التي

__________________

(١) المصدر نفسه ، ص ١٠٥.

٣٩١

لم تستطيع العلوم البشرية الوصول إلى كنه حقيقتها ورفع الستار عن أسرارها لتخطو إلى أعماق مجهولاتها ، ولتعرف كيف يمكن لعناصر الطبيعة وموادها الجامدة أن تطفر طفرة عظيمة فتتحول إلى كائنات حية.

قد يأتي ذلك اليوم الذي يستطيع فيه الإنسان أن يصنع كائنا حيا باستخدام التركيبات الطبيعية المختلفة وتحت ظروف معقدة خاصّة ، وبطريقة تركيب أجزاء مصنعة ، كما يفعلون بالمكائن والأجهزة ، غير أن قدرة البشر «المحتملة» في المستقبل لا تستطيع أن تقلل من أهمية مسألة الحياة وتعقيداتها التي تبدأ من المبدع القادر.

لذلك نجد القرآن ـ وفي معرض إثبات وجود الله ـ كثيرا ما يكرر هذا الموضوع ، كما يستدل أنبياء عظام كإبراهيم وموسى ـ على وجود مبدأ قادر حكيم بمسألة الحياة والموت لإقناع جبابرة طغاة مثل نمرود وفرعون.

يقول إبراهيم لنمرود :( رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ) (١) ، ويقول موسى لفرعون :( وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى ) (٢) .

ينبغي ألّا ننسى أنّ ظهور الحي من الميت لا يختص في بداية ظهور الحياة على الأرض فقط ، بل يحدث هذا في كل وقت بانجذاب الماء والمواد الأخرى إلى خلايا الكائنات الحية ، فتكتسي كائنات غير حية بلباس الحياة ، وعليه فإنّ القانون الطبيعي السائد اليوم والقائل بأنّه لا يمكن في الظروف الحالية التي تسود الأرض لأي كائن غير حي أن يتحول إلى كائن حي ، وحيثما وجد كائن حي فثمّة بذرة حية وجد منها هو قانون لا يتعارض مع ما قلناه ، (فتأمل بدقّة)!

ويستفاد من روايات أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام في تفسير هذه الآية والآيات المشابهة لها ، أنّ ذلك يشمل الحياة والموت الماديين كما يشمل الحياة والموت

__________________

(١) البقرة ، ٢٥٨.

(٢) طه ، ٥٣.

٣٩٢

المعنويين أيضا(١) فثمّة مؤمنون ولدوا لآباء غير مؤمنين ، وآخرون مفسدون وأشرار ولدوا لآباء من المتقين الأخيار ، ناقضين قانون الوراثة بإرادتهم واختيارهم.

وهذا بذاته دليل آخر على عظمة الخلاق الذي أعطى الإنسان هذه القدرة والإرادة.

النقطة الأخرى التي ينبغي الالتفات إليها هي أنّ «يخرج» الفعل المضارع و «مخرج» اسم الفاعل ، يدلان على الاستمرار ، أي أنّ نظام ظهور الحي من الميت وظهور الميت من الحي نظام دائم وعام في عالم الخلق.

وفي ختام الآية توكيد للموضوع :( ذلِكُمُ اللهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ) أي هذا هو ربّكم وهذه هي قدرته وعلمه اللامتناهي ، فكيف بعد هذا تنحرفون عن الحق وتميلون إلى الباطل؟( ذلِكُمُ اللهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ) وفي الآية الثّانية يشير القرآن إلى ثلاث نعم سماوية : فيقول أولا :( فالِقُ الْإِصْباحِ ) وذكرنا ، أنّ «الفلق» هو شقّ الشيء وإبانة بعضه عن بعض ، و «الإصباح» و «الصبح» بمعنى واحد.

إنّه تعبير رائع ، فظلام الليل قد شبه بالستارة السميكة التي يشقها نور الصباح شقا ، وهذه الحالة تنطبق على الصبح الصادق والصبح الكاذب كليهما ، لأنّ الصبح الكاذب هو الضوء الخفيف الذي يظهر في آخر الليل عند المشرق على هيئة عمود ، وكأنّه شق يبدأ من الشرق نحو الغرب في قبة السماء المظلمة ، والصبح الصادق هو الذي يلي ذلك على هيئة شريط أبيض لامع جميل يظهر عند امتداد الأفق الشرقي ، وكأنّه يشق عباب الليل الأسود من الأسفل ممتدا من الجنوب إلى الشمال ، متقدما في كل الأطراف حتى يغطي السماء كلها شيئا فشيئا.

كثيرا ما يشير القرآن إلى نعمتي النّور والظلام والليل والنهار ، ولكنّه هنا

__________________

(١) أصول الكافي ، ج ٢ ، باب (طينة المؤمن الكفار) ، تفسير البرهان ، ج ١ ، ص ٥٤٣.

٣٩٣

يتناول «طلوع الصبح» كنعمة من نعم الله الكبرى ، فنحن نعرف أنّ هذه الظاهرة تحدث لوجود جو الأرض ، ذلك الغلاف الضخم من الهواء الذي يحيط بالأرض ، فلو كانت الأرض ـ مثل القمر ـ عديمة الجو ، لما كان هناك «طلوعان» ولا «فلق» ولا «إصباح» ، ولا «غسق» ولا «شفق» بل كانت الشمس تبزغ فجأة ، بدون أية مقدمات ولسطع نورها في العيون التي اعتادت على ظلام الليل ولم تكد تفارقه ، وعند الغروب تختفي فجأة ، وتعم الظلمة الموحشة في لحظة واحدة كل الأرجاء ، غير أنّ الجو الموجود حول الأرض والمؤدي إلى حصول فترة فاصلة بين ظلام الليل وضياء النهار عند طلوع الشمس وغروبها يهيئ الإنسان تدريجيا لتقبل هذين الاختلافين المتضادين والانتقال من الظلمة إلى النّور ، ومن النّور إلى الظلمة ، شيئا فشيئا ، بحيث إنّه يستطيع أن يتحمل كل منهما ، فنحن نشعر بالانزعاج إذا كنّا في غرفة مضاءة وانطفأت الأنوار فجأة وعم الظلام ، ثمّ إذا استمر الظلام ساعة ، وعاد النّور مرّة أخرى فجأة ، عادت معها حالة الانزعاج بسبب سطوع الضوء المفاجئ الذي يؤلم العين ويجعلها غير قادرة على رؤية الأشياء ، وإذا ما تكرر هذا الأمر فإنّه لا شك سيؤذي العين ، غير أنّ( فالِقُ الْإِصْباحِ ) قد جنب الإنسان هذا الأذى بطريقة رائعة(١) .

ولكيلا يظن أحد أنّ فلق الصبح دليل على أنّ ظلال الليل أمر غير مطلوب وأنّه عقاب أو سلب نعمة ، يبادر القرآن إلى القول :( وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً ) .

من الأمور المسلم بها أنّ الإنسان يميل خلال انتشار النّور والضياء إلى العمل وبذل الجهد ، ويتجه الدم نحو سطح الجسم وتتهيأ العضلات للفعالية والنشاط ، ولذلك لا يكون النوم في الضوء مريحا ، بل يكون أعمق وأكثر راحة كلما كان الظلام أشد ، حيث يتجه الدم فيه نحو الداخل ، وتدخل الخلايا عموما

__________________

(١) يقول علماء الفلك : يبدأ طلوع الصبح عند ما تصل الشمس إلى ١٨ ـ درجة قبل الأفق الشرقي ، ويعم الظلام كل شيء ويختفي الشفق عند ما تصل إلى ١٨ ـ درجة تحت الأفق الغربي.

٣٩٤

في نوع من السكون والراحة ، لذلك نجد في الطبيعة أنّ النوم في الليل لا يقتصر على الحيوانات فقط ، بل إنّ النباتات تنام في الليل أيضا ، وعند بزوغ خيوط الصباح الأولى تشرع بفعاليتها ونشاطها ، بعكس الإنسان في هذا العصر الآلي ، فهو يبقى مستيقظا إلى ما بعد منتصف الليل ، ثمّ يظل نائما حتى بعد ساعات من طلوع الشمس ، فيفقد بذلك نشاطه وسلامته.

في الأحاديث الواردة عن أهل البيتعليهم‌السلام نجد التأكيد على ما ينسجم مع هذا التنظيم ، من ذلك ما جاء في نهج البلاغة عن الإمام عليعليه‌السلام أنّه قال يوصي أحد قواده «... ولا تسر أوّل الليل فإنّ الله جعله سكنا وقدره مقاما لا ضعنا ، فارح فيه بدنك وروح ظهرك»(١) .

وفي حديث عن الإمام الباقرعليه‌السلام أنّه قال : «تزوج بالليل فإنّه جعل الليل سكنا»(٢) .

وفي كتاب الكافي عن الإمام زين العابدين علي بن الحسينعليه‌السلام أنّه كان يأمر بعدم ذبح الذبائح في الليل وقبل طلوع الفجر ، وكان يقول : «إنّ الله جعل الليل سكنا لكل شيء»(٣) .

ثمّ يشير الله تعالى إلى الثالثة من نعمه ودلائل عظمته بجعل الشمس والقمر وسيلة للحساب :( وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ) .

«الحسبان» بمعنى الحساب ، ولعل القصد منه أنّ الدوران المنظم لهاتين الكرتين السماويتين وسيرهما الدائب (المقصود طبعا حركتها في أنظارنا وهي الناشئة عن حركة الأرض) عون لنا على وضع مناهجنا الحياتية المختلفة وفق مواعيد محسوبة ، كما ذكرنا في التّفسير.

__________________

(١) تفسير الصافي في تفسير الآية.

(٢) المصدر السابق.

(٣) المصدر السّابق.

٣٩٥

يرى بعض المفسّرين أنّ الآية تريد أن تقول إن هاتين الكرتين السماويتين تتحركان في السماء وفق حساب وبرنامج ونظام.

وعليه فهي في الحالة الأولى إشارة إلى إحدى نعم الله على الإنسان ، وفي الحالة الثّانية إشارة إلى واحد من أدلة التوحيد وإثبات وجود الخالق ، ولعلها إشارة إلى كلتيهما.

على كل حال ، إنّه لموضوع مهم جدّا أن تكون الأرض منذ ملايين السنين تدور حول الشمس والقمر يدور حول الأرض ، وبذلك تنتقل الشمس في أنظارنا من برج إلى برج بين الأبراج الفلكية الاثنتي عشرة ، والقمر يدور في حركته المنتظمة من الهلال حتى المحاق ، أنّ حساب هذا الدوران من الدقة والضبط بحيث إنّه لا يتقدم ولا يتأخر لحظة واحدة ، ولو لاحظنا أنّ الأرض تدور حول الشمس في مدار بيضوي معدل شعاعه ١٥٠ ـ مليون كيلومتر ضمن جاذبية الشمس العظيمة ، والقمر الذي يدور كل شهر حول الأرض في مدار شبه دائرة شعاعه نحو ٣٧٤ ألف كيلومتر ولا يخرج من جاذبية الأرض العظيمة ، فهو دائم الانجذاب نحوها ، عندئذ يمكن أن ندرك مدى التعادل الدقيق بين قوة الجذب بين هذه الأجرام السماوية من جهة ، والقوة الطاردة عن مراكزها (القوة المركزية) من جهة أخرى ، بحيث لا يمكن أنّ تتوقف لحظة واحدة أو تختلف قيد شعرة.

وهذا ما لا يمكن أن يكون إلّا في ظل علم وقدرة لا نهائيتين يضعان تخطيطه وينفذانه بدقّة ، لذلك تنتهي الآية بقولها :( ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) .

* * *

٣٩٦

الآية

( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٩٧) )

التّفسير

بعد شرح نظام دوران الشمس والقمر في الآية السابقة ، تشير هذه الآية إلى نعمة أخرى من نعم الله على البشر ، فجعل النجوم ليهتدي بها الإنسان في ليالي البر والبحر :( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ) .

وتختتم الآية بالقول بأنّ الله قد بين آياته لأهل الفكر والفهم والإدراك : و( قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) .

منذ آلاف السنين والإنسان يعرف النجوم في السماء ونظامها ، وعلى الرغم من تقدم البشر في هذا المضمار تقدما كبيرا ، فإنّه ما يزال يتابع وضع النجوم قليلا أو كثيرا ، بحيث كانت له هذه النجوم خير وسيلة لمعرفة الاتجاه في الأسفار البرية والبحرية ، وعلى الأخص في المحيطات الواسعة التي كانت تخلو من كل إمارة تشير إلى الاتجاه قبل اختراع الأسطرلاب.

إنّ النجوم هي التي هدت ملايين البشر وأنقذتهم من الغرق وأوصلتهم إلى بر السلامة.

٣٩٧

لو تطلعنا إلى السماء عدّة ليال متوالية لانكشف لنا أنّ مواضع النجوم في السماء متناسقة في كل مكان ، وكأنّها حبات لؤلؤ خيطت على قماش أسود ، وإنّ هذا القماش يسحب باستمرار من الشرق إلى الغرب ، وكلها تتحرك معه وتدور حول محور الأرض دون أن تتغير الفواصل بينها ، إنّ الاستثناء الوحيد في هذا النظام هو عدد من الكواكب التي تسمى بالكواكب السيارة لها حركات مستقلة وخاصّة ، وعددها ثمانية : خمسة منها ترى بالعين المجرّدة ، وهي (عطارد والزهرة ، وزحل ، والمريخ والمشتري) وثلاثة لا ترى إلّا بالتلسكوب وهي (أورانوس ونبتون وپلوتو) بالإضافة إلى كوكب الأرض التي تجعل المجموع تسعة.

ولعل إنسان ما قبل التّأريخ كان يعرف شيئا عن «الثوابت» و «السيارات» لأنّه لم يكن هناك ما يمكن أن يجلب انتباهه أكثر من السماء المرصعة بالنجوم في ليلة ظلماء ، فلا يستبعد أن يكون هو أيضا قد استخدم النجوم في الاستهداء ومعرفة الاتجاه.

يستفاد من بعض روايات أهل البيتعليهم‌السلام أنّ لهذه الآية تفسيرا آخر ، وهو أنّ المقصود بالنجوم القادة الإلهيين والهداة إلى طريق السعادة ، أي الأئمّة الذين يهتدي بهم الناس في ظلام الحياة فينجون من الضياع ، وسبق أن قلنا أنّ هذه التفاسير المعنوية لا تتنافى مع التفاسير الظاهرية ، ومن الممكن أن تقصد الآية كلا التفسيرين(١) .

* * *

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، ج ١ ، ص ٧٥٠.

٣٩٨

الآيتان

( وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (٩٨) وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٩٩) )

التّفسير

هاتان الآيتان تتابعان دلائل التوحيد ومعرفة الله ، والوصول إلى هذا الهدف يأخذ القرآن بيد الإنسان ويسيح به في آفاق العالم البعيدة وقد يسير به في داخل ذاته ويبيّن له آثار الله في جسمه وروحه ، فيتيح له أن يرى الله في كل مكان.

فيبدأ بالقول :( وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ) .

أي أنّكم ، على اختلاف ملامحكم وأذواقكم وأفكاركم والتباين الكبير في مختلف جوانب حياتكم ، قد خلقتم من فرد واحد ، وهذا دليل على منتهى عظمة الخالق وقدرته التي أوجدت من المثال الأوّل كل هذه الوجوه المتباينة.

٣٩٩

وجدير بالملاحظة أنّ هذه الآية تعبر عن خلق الإنسان بالإنشاء ، والكلمة لغويا تعني الإيجاد والإبداع مع التربية ، أي أنّ الله قد خلقكم وتعهد بتربيتكم ، ومن الواضح أنّ الخالق الذي يخلق شيئا ثمّ يهمله لا يكون قد أبدى قدرة فائقة ، ولكنّه إذا استمر في العناية بمخلوقاته وحمايتها ، ولم يغفل عن تربيتها لحظة واحدة ، عندئذ يكون قد أظهر حقّا عظمته وسعة رحمته.

بهذه المناسبة ينبغي ألا نتوهّم من قراءة هذه الآية ، أنّ أمّنا الأولى حواء قد خلقت من آدم (كما جاء في الفصل الثّاني من سفر التكوين من التّوراة) ، ولكن آدم وحواء خلقا من تراب واحد ، وكلاهما من جنس واحد ونوع واحد ، لذلك قال : إنّهما خلقا من نفس واحدة ، وقد بحثنا هذا الموضوع في بداية تفسير سورة النساء.

ثمّ يقول : إنّ فريقا من البشر «مستقر» وفريقا آخر «مستودع»( فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ ) .

«المستقر» أصله من «القر» (بضم القاف) بمعنى البرد ، ويقتضي السكون والتوقف عن الحركة ، فمعنى «مستقر» هو الثابت المكين.

و «مستودع» من «ودع» بمعنى ترك ، كما تستعمل بمعنى غير المستقر والوديعة هي التي يجب أن تترك عند من أودعت عنده لتعود إلى صاحبها.

يتّضح من هذا الكلام أنّ الآية تعني أنّ الناس بعض «مستقر» أي ثابت ، وبعض «مستودع» أي غير ثابت ، أمّا المقصود من هذين التعبيرين ، فالكلام كثير بين المفسّرين ، وبعض التفاسير تبدو أقرب إلى الآية كما أنّها لا تتعارض فيما بينها.

من هذه التفاسير القول بأنّ «مستقر» صفة الذين كمل خلقهم ودخلوا «مستقر الرحم» أم مستقر وجه الأرض ، و «المستودع» صفة الذين لم يكتمل خلقهم بعد وإنّما هو ما يزالون نطفا في أصلاب آبائهم.

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611