الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٤

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل12%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 611

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 611 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 135050 / تحميل: 6382
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ ) (١) .

وأمّا الإنجيل فقد أطلقت عليه الآية الأخيرة اسم النّور.

والقرآن ـ أيضا ـ حيث نقرأ قوله تعالى :( قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ ) (٢) .

فكما أنّ النّور يعتبر ـ في الحقيقة ـ ضرورة حتمية لجميع الموجودات من أجل أن تواصل حياتها ، كذلك تكون الأديان الإلهية والشرائع والكتب السماوية ضرورة حتمية لنضوج وتكامل بني الإنسان.

وقد ثبت من حيث المبدأ أنّ مصدر كل الطاقات والقوى والحركات وكل أنواع الجمال هو النّور ، فكذلك الحال في تعليمات الأنبياء وارشاداتهم ، فلولاها لساد الظلام كل القيم الإنسانية سواء الفردية منها أو الاجتماعية ، وهذا ما نلاحظه في المجتمعات المادية بكل وضوح.

لقد كرر القرآن الكريم في مجالات متعددة أنّ التّوراة والإنجيل هما كتابان سماويان ، ومع أن هذين الكتابين ـ دون شك ـ منزلان في الأصل من قبل الله سبحانه وتعالى ، لكنّهما ـ بالتأكيد ـ قد تعرضا بعد حياة الأنبياء إلى التحريف ، فحذفت منهما حقائق وأضيفت إليهما خرافات ، وأدى ذلك إلى أن يفقدا قيمتهما الحقيقية ، أو أنّ الكتب الأصلية تعرضت للنسيان والتجاهل وحلت محلها كتب أخرى حوت على بعض الحقائق من الكتب الأصلية(٣) .

وعلى هذا الأساس فإنّ كلمة النّور التي أطلقت في القرآن الكريم على هذين الكتابين ، إنما عنت التّوراة والإنجيل الأصليين الحقيقيين.

بعد ذلك تكرر الآية التأكيد على أن عيسىعليه‌السلام لم يكن وحده الذي أيد

__________________

(١) المائدة ، ٤٤.

(٢) المائدة ، ١٥.

(٣) راجع كتابي «الهدى إلى دين المصطفى» و «أنيس الأعلام» لمعرفة تفاصيل التحريف الوارد في الإنجيل والدلائل التأريخية على ذلك.

٢١

وصدق التّوراة ، بل أن الإنجيل ـ الكتاب السماوي الذي نزل عليه ـ هو الآخر شهد بصدق التّوراة حيث تقول الآية :( مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ ) .

وفي الختام تؤكّد الآية أنّ هذا الكتاب السماوي قد حوى سبل الرشاد والهداية والمواعظ للناس المتقين ، حيث تقول :( وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ) .

وتشبه هذه العبارة ، عبارة أخرى وردت في بداية سورة البقرة ، حين كان الحديث يدور عن القرآن الكريم ، حيث جاء قوله تعالى :( هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ) .

إن هذه الصفة لا تنحصر بالقرآن وحده ، بل أن كل الكتب السماوية تحتوي على سبل الهداية للناس المؤمنين المتقين ، والمراد بالمتقين هم أولئك الذين يبحثون عن الحق والحقيقة والمستعدون لقبول الحق ، وبديهي أن الذين يغلقون أبواب قلوبهم إصرارا وعنادا بوجه الحق ، لن ينتفعوا بأي حقيقة أبدا.

والملفت للنظر في هذه الآية أيضا ، أنّها ذكرت أوّلا أنّ الإنجيل (فيه هدى) ثمّ كررت الآية كلمة (هدى) بصورة مطلقة ، وقد يكون المراد من هذا الاختلاف في التعبير هو بيان أنّ الإنجيل والكتب السماوية الأخرى تشتمل على دلائل الهداية للناس ـ جميعا ـ بصورة عامّة ، ولكنّها بصورة خاصّة ـ تكون باعثا لهداية وتربية وتكامل الأتقياء من النّاس الذي يتفكرون فيها بعمق وتدبر.

* * *

٢٢

الآية

( وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٤٧) )

التّفسير

الامتناع عن الحكم بالقانون الإلهي :

بعد أن أشارت الآيات السابقة إلى نزول الإنجيل ، أكّدت الآية الأخيرة أنّ حكم الله يقضي أن يطبق أهل الإنجيل ما أنزله الله في هذا الكتاب من أحكام ، فتقول الآية :( وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ ) .

وبديهي أنّ القرآن لا يأمر بهذه الآية المسيحيين أن يواصلوا العمل بأحكام الإنجيل في عصر الإسلام ، ولو كان كذلك لناقض هذا الكلام الآيات القرآنية الأخرى ، بل لناقض أصل وجود القرآن الذي أعلن الدين الجديد ونسخ الدين القديم ، لذلك فالمراد هو أنّ المسيحيين تلقوا الأوامر من الله بعد نزول الإنجيل بأن يعملوا بأحكام هذا الكتاب وأن يحكموها في جميع قضاياهم(١) .

وتؤكّد هذه الآية ـ في النهاية ـ فسق الذين يمتنعون عن الحكم بما أنزل الله

__________________

(١) إنّ الحقيقة التي أكّدها الكثير من المفسّرين هي أنّ جملة «قلنا» تكون مقدرة هنا في هذه الآية حيث يصبح مفهوم الآية كما يلي : «قلنا ليحكم أهل الإنجيل ...».

٢٣

من أحكام وقوانين فتقول :( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ ) .

ويلفت النظر اطلاق كلمة «الكافر» مرّة و «الظّالم» أخرى و «الفاسق» ثالثة ، في الآيات الأخيرة على الذين يمتنعون عن تطبيق أحكام الله ، ولعل هذا التنوع في اطلاق صفات مختلفة إنّما هو لبيان أنّ لكل حكم جوانب ثلاثة :

أحدها : ينتهي بالمشرع الذي هو الله.

والثّاني : يمس المنفذين للحكم (الحاكم أو القاضي).

الثّالث : يرتبط بالفرد أو الأفراد الذين يطبق عليهم الحكم.

أي أنّ كل صفة من الصفات الثلاث المذكورة قد تكون إشارة إلى واحد من الجوانب الثلاثة ، لأنّ الذي لا يحكم بما أنزل الله يكون قد تجاوز القانون الإلهي وتجاهله ، فيكون قد كفر بغفلته هذه ، ومن جانب آخر ارتكب الظلم والجور بابتعاده عن حكم الله ـ على انسان برىء مظلوم ، وثالثا : يكون قد خرج عن حدود واجباته ومسئوليته ، فيصبح بذلك من الفاسقين (لأنّ «الفسق» كما أوضحنا ، يعني الخروج عن حدود العبودية والواجب).

* * *

٢٤

الآية

( وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٤٨) )

التّفسير

تشير هذه الآية إلى موقع القرآن بعد أن ذكرت الآيات السابقة الكتب السماوية التي نزلت على الأنبياء السابقين.

وكلمة «مهيمن» تطلق في الأصل على كل شيء يحفظ ويراقب أو يؤتمن على شيء آخر ويصونه ، ولمّا كان القرآن الكريم يشرف في الحفاظ على الكتب السماوية السابقة وصيانتها من التحريف اشرافا كاملا ، ويكمل تلك الكتب ، لذلك أطلق عليه لفظ «المهيمن» حيث تقول الآية :( وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً

٢٥

لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ ) .

فالقرآن بالإضافة إلى تصديقه الكتب السماوية السابقة ، اشتمل ـ أيضا ـ على دلائل تتطابق ، مع ما ورد في تلك الكتب ، فكان بذلك حافظا وصائنا لها.

إنّ الكتب السماوية جاءت كلها متناسقة في المبادئ والهدف الواحد الذي تبنى تربية الإنسان والسمو به إلى مراتب الكمال المعنوي والمادي ، على الرغم من الفوارق الموجودة بين هذه الكتب والتي تنبع من مقتضى التكامل التدريجي للإنسان ، حيث أن كل شرعة جديدة ترتقي بالإنسان إلى مرحلة أسمى من مراحل الرقي والكمال الإنساني ، وتشتمل على خطط وبرامج أكثر شمولا وتطورا ، والإتيان بعبارة :( مُهَيْمِناً عَلَيْهِ ) بعد جملة( مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ ) يدل على هذه الحقيقة ، أي أنّ القرآن في الوقت الذي يصدّق الكتب السابقة ، يأتي في نفس الوقت ببرامج وخطط أكثر شمولا للحياة.

ثمّ تؤكّد على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انطلاقا من الحقيقة المذكورة ـ ضرورة الحكم بتعاليم وقوانين القرآن بين الناس ، حيث تقول( فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ ) .

وقد اقترنت هذه الجملة بالفاء التفريعية ، فتدلّ على شمولية أحكام الإسلام بالنسبة لأحكام الشرائع السماوية الأخرى ، ولا تعارض هنا بين هذا الأمر وبين ما سبق من أمر في أية سابقة والتي خيرت النّبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين الحكم بين اليهود أو تركهم لحالهم ، لأنّ هذه الآية ترشد النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ إن هو أراد أن يحكم بين أهل الكتاب ـ إلى أنّ عليه أن يحكم بتعاليم وقوانين القرآن بينهم.

ثمّ تؤكّد عليه أن يبتعد عن أهواء وميول أهل الكتاب ، الذين يريدون أن يطوعوا الأحكام الإلهية لميولهم ورغباتهم ، وأن ينفذ ما نزل عليه بالحق ، حيث تقول الآية :( وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ) .

ولأجل إكمال البحث تشير الآية إلى أن كل ملّة قد أفردت لها شرعة ونظام

٢٦

للحياة يهديها إلى السبيل الواضح ، حيث تقول :( لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً ) .

وكلمة «شرع» أو «الشريعة» تعني الطريق الذي يؤدي إلى الماء وينتهي به ، واطلاق كلمة «الشريعة» على الدين لأن الدين ينتهي بحقائق وتعاليم هدفها تطهير النفس الإنسانية وضمان الحياة السليمة للبشرية ، أمّا كلمة «النهج» أو «المنهاج» فتطلقان على الطريق الواضح.

نقل (الراغب) في كتابه (المفردات) عن ابن عباس قوله بأنّ الفرق بين كلمتي «الشرعة» و «المنهاج» هو أنّ الاولى تطلق على كل ما ورد في القرآن ، وأن المنهاج يطلق على ما ورد في سنّة النّبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وهذا الفرق مع كونه جميلا ، إلّا أنّنا لا نملك دليلا جازما لتأييده)(١) .

ثمّ تبيّن الآية أنّ الله لو أراد أن يجعل من جميع أبناء البشر أمّة واحدة ، تتبع دينا وشرعة واحدة لقدر على ذلك ، لكن هذا الأمر يتنافى مع قانون التكامل التدريجي ، وحركة مراحل التربية المختلفة ، فتقول :( وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ ) .

وجملة( لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ ) إشارة إلى ما قلناه سابقا من أنّ الله قد أودع لدى أفراد البشر استعدادات وكفاءات تنمو في ظل الاختبارات وفي ضوء تعاليم الأنبياء ، فعند ما يطوي بنو الإنسان مرحلة معينة ، يجعلهم الله في مرحلة أسمى وحين تنتهي مرحلة تربوية يأتي الله بمرحلة تربوية أخرى على يد نبي آخر ، كما يحصل بالضبط للمراحل التعليمية التي يمرّ بها الشاب في مدرسته.

__________________

(١) يعتقد البعض من كبار المفسّرين بوجود فرق بين «الدّين» و «الشريعة» ويقولون بأنّ الدين هو مبدأ التوحيد والمبادئ الأخرى المشتركة بين جميع الديانات ، لذلك يكون الدين واحدا في كل الأحوال والأزمنة ، والشريعة هي القوانين والأحكام والتعاليم التي تختلف أحيانا بين ديانة وأخرى لكنّنا لا نمتلك ـ أيضا ـ دليلا واضحا يؤيد هذا القول ، لأن هاتين الكلمتين استخدمتا في الكثير من الموارد للدلالة على معنى واحد.

٢٧

بعد ذلك تخاطب الآية ـ في الختام ـ جميع الأقوام والملل ، وتدعوهم إلى التسابق في فعل الخيرات بدل تبذير الطاقات في الاختلاف والتناحر ، حيث تقول :( فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ ) مؤكدة أنّ الجميع يكون مرجعهم وعودتهم إلى الله الذي يخبرهم في يوم القيامة بما كانوا فيه يختلفون :( إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) .

* * *

٢٨

الآيتان

( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ (٤٩) أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٥٠) )

سبب النّزول

نقل بعض المفسّرين في سبب نزول هذه الآية عن ابن عباس قوله : أنّ رهطا من وجهاء اليهود تآمروا واتفقوا على الذهاب إلى النّبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغية حرفه عن الإسلام ، فذهبوا إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذكروا له أنّهم قوم من مفكري وعلماء اليهود ، وأنّهم إن اتبعوهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اقتدى بهم بالتأكيد بقية اليهود ، وزعموا أنّ بينهم وبين جماعة أخرى نزاع (في قضية قتل أو أمر آخر) وطلبوا من النّبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يحكم في النزاع المزعوم لمصلحتهم ، ووعدوه أنّه إن استجاب لأمرهم يؤمنوا به ، فامتنع النّبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن إصدار حكم غير عادل ، فنزلت الآية المذكورة(١) .

__________________

(١) تفسير المنار ، ج ٦ ، ص ٤٢١.

٢٩

التّفسير

تكرر هذه الآية تأكيد الباريعزوجل على نبيّه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أن يحكم بين أهل الكتاب طبقا لأحكام الله ، وأن لا يستسلم لأهوائهم ونزواتهم ، فتقول :( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ ) .

والتكرار للأمر هنا إمّا أن يكون بسبب المواضيع التي اشتملت عليها الآية ، وإمّا لأنّ موضوع الحكم في هذه الآية يختلف عن موضوع الحكم في الآيات السابقة ، حيث كان موضوع الحكم في الآيات السابقة هو الزنا مع المحصنة ، وموضوع الحكم في هذه الآية هو القتل أو شيء آخر.

ثمّ تحذر الآية النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من مؤامرة هؤلاء الذين أرادوا عدول النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن شرعة الحقّ والعدل ، وطالبته بأن يراقب تحركاتهم ، حيث تقول :( وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ ) .

وأكّدت هذه الآية استمرارا لخطابها لنبي الإسلام محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ هؤلاء الكتابيين إن لم يذعنوا لحكمه العادل فإنّ ذلك يكون دلالة على أن ذنوبهم وآثامهم قد طوقتهم فحرمتهم من التوفيق ، وأنّ الله يريد أن يعاقبهم ويعذبهم بسبب بعض ذنوبهم ، حيث تقول الآية :( فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ) .

وسبب ذكر «بعض الذنوب» لا كلّها ، قد يكون لأنّ عقاب كل الذنوب لا يتم في الحياة الدنيا بل يذوق وبال بعضها ، والباقي منها يوكّل أمرها إلى العالم الثّاني ، أي بعد الموت.

ولم تصرّح هذه الآية بنوع الذنوب التي طوقت وأحاطت بهؤلاء ، ويحتمل أن تكون إشارة إلى المصير الذي أحاط بيهود المدينة ، بسبب الخيانات المتوالية التي مارسوها ، ممّا اضطرهم إلى ترك بيوتهم ومغادرة المدينة المنورة ، أو أن يكون فشل هؤلاء وحرمانهم من التوفيق نوعا من العقاب لهم على ذنوبهم السابقة ، لأنّ

٣٠

الحرمان من التوفيق يعتبر ـ بحد ذاته ـ نوعا من العقاب ، أي أن الذنوب المتتالية والعناد والإصرار على الذنب ، جزاؤهما الحرمان من الأحكام العادلة ، والتورط بالضّلال والحيرة متاهات الحياة.

وتشير الآية في النهاية إلى أنّ إصرار هؤلاء القوم من أهل الكتاب على باطلهم يجب أن لا يكون باعثا للقلق عند النّبي ، لأنّ الكثير من الناس منحرفون عن طريق الحق ، أي أنّهم فاسقون ، حيث تقول الآية :( وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ ) .

سؤال :

يمكن أن يعترض البعض بأنّ هذه الآية توحي باحتمال صدور الانحراف عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والعياذ بالله ، وأن الله يحذره من ذلك ، فهل أنّ هذا الأمر يتلائم ومنزلة العصمة التي يتمتع بها النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

الجواب :

إنّ العصمة لا تعني مطلقا استحالة صدور الخطأ من المعصوم ، ولو كان كذلك لما بقيت لهم مكرمة أو فضل ، ومعنى العصمة هو أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّةعليهم‌السلام مع وجود احتمال صدور الذنب أو الخطأ منهم إلّا أنّهم لا يرتكبون الذنب أبدا وإن كان عدم ارتكاب الذنب من قبل المعصوم ناشئ عن التنبيه والتحذير والتذكير الإلهي للمعصوم ، أي أن التنبيه الإلهي يعتبر جزءا من عامل العصمة لدى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والذي يحول دون ارتكاب الخطأ ، وسنبادر إلى توضيح موضوع العصمة لدي الأنبياء ـ بتفصيل أكثر ـ عند تفسير آية التطهير (الآية ٣٣ من سورة الأحزاب بإذن الله).

أمّا الآية الأخرى فتساءلت بصيغة استفهام استنكاري ، هل أنّ هؤلاء الذين يدّعون أنّهم اتباع الكتب السماوية يتوقعون أن تحكم بينهم (الخطاب للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) بأحكام الجاهلية التي فيها أنواع التمايز المقيت؟ حيث تقول الآية :( أفَحُكْمَ

٣١

الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ) .

لكنّ أهل الإيمان لا يرون أي حكم أرفع وأفضل من حكم الله ، حيث تتابع الآية قولها :( وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) .

ولقد بيّنا ـ عند تفسير الآيات السابقة ـ أن نوعا من التمايز الغريب كان يسود الأوساط اليهودية بحيث لو أن فردا من يهود بني قريظة قتل فردا من يهود بني النضير لتعرض للقصاص ، بينما لو حصل العكس لم يكن ليطبق حكم القصاص في القاتل ، وقد شمل هذا التمايز المقيت ـ أيضا ـ حكم الغرامة والدية عند هؤلاء ، فكانوا يأخذون ضعف الدية من جماعة ، ولا يأخذونها من جماعة أخرى ، أو يأخذون أقل من الحدّ المقرر ، ولذلك استنكر القرآن هذا النوع من التمايز واعتبره من أحكام الجاهلية ، في حين أنّ الأحكام الإلهية تشمل البشر أجمعين وتطبق دون أي تمايز.

وجاء في كتاب «الكافي» عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام أنّه قال : «الحكم حكمان : حكم الله ، وحكم الجاهلية ، فمن أخطأ حكم الله حكم بحكم الجاهلية»(١) .

وهكذا يتّضح أنّ أي مسلم يتبع الأحكام الوضعية ولا يلتزم بالأحكام والقوانين الإلهية السماوية إنّما يسير في الحقيقة في طريق الجاهلية.

* * *

__________________

(١) نور الثقلين ، ج ١ ، ص ٦٤٠.

٣٢

الآيات

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥١) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ (٥٢) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ (٥٣) )

سبب النّزول

نقل الكثير من المفسّرين أنّ (عبادة بن صامت الخزرجي) قدم إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد غزوة بدر وذكر له أن له حلفاء من اليهود ذوي عدة وعدد ، وأكّد للنبي أنّه يريد البراءة من صداقتهم ومن عهده معهم ما داموا يهددون المسلمين بالحرب ، وقال بأنّه يريد أن يكون حليفا لله ولنبيه دون سواهما ، أمّا عبد الله بن أبي فرفض التنصل من عهده مع اليهود ، واعتذر بأنّه يخشى المشاكل وادعى أنّه يحتاج إلى اليهود.

٣٣

وأظهر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خشيته على عبادة وعبد الله من صداقة اليهود مشيرا إلى أنّ خطر صداقة اليهود على عبد الله أكبر من خطرها على عبادة بن صامت ، فقال عبد الله بأنّه ما دام الأمر كذلك فإنّه سيتخلى عن صداقته وعهده مع اليهود ، فنزلت الآيات الأخيرة وهي تحذر المسلمين من التحالف مع اليهود والنصارى.

التّفسير

لقد حذرت الآيات الثلاث الأخيرة المسلمين ـ بشدّة ـ من الدخول في أحلاف مع اليهود والنصارى ، فالآية الاولى منها تمنع المسلمين من التحالف مع اليهود والنصارى أو الاعتماد عليهم (أي أنّ الإيمان بالله يوجب عدم التحالف مع هؤلاء إن كان ذلك لأغراض ومصالح مادية) حيث تقول الآية :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياء ) .

وكلمة «أولياء» صيغة جمع من «ولي» وهي مشتقة من مصدر «الولاية» وهي بمعنى التقارب الوثيق بين شيئين ، وقد وردت بمعنى «الصداقة» و «التحالف» و «الإشراف».

لكن بالنظر إلى سبب النّزول والقرائن الأخرى الموجودة ، فإنّ المراد ليس منع المسلمين من اقامة أي علاقات تجارية واجتماعية مع اليهود والنصارى ، بل المقصود هو منع المسلمين من التحالف مع هؤلاء أو الاعتماد عليهم في مواجهة الأعداء.

وكانت قضية التحالف رائجة في ذلك العصر بين العرب ، وكان يطلق على ذلك «الولاء».

والملفت للنظر في هذه الآية أنّها لم تعتمد تسمية «أهل الكتاب» لدى تحدثها عن اتباع الديانتين السماويتين المعروفتين ، بل استخدمت كلمتي «اليهود والنّصارى» وربّما يكون هذا إشارة إلى أنّ اليهود والنصارى لو كانوا يعملون

٣٤

بكتابيهم السماويين ، لكان اتباع هذين الدينين خير حليفين للمسلمين ، لكنّهم اتّحدوا معا ـ لا بأمر من كتابيهم ـ بل لأغراض سياسية وتكتلات عنصرية وأمثال ذلك.

بعد ذلك تبيّن الآية سبب هذا النهي في جملة قصيرة ، وتقول بأن هاتين الطائفتين إنّما هما أصدقاء وحلفاء أشباههما من اليهود والنصارى حيث تقول :( بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ) أي أنّهما يهتمان بمصالحهما ومصالح أصدقائهما فقط ، ولا يعيران اهتماما لمصالح المسلمين ، ولذلك فإن أي مسلم يقيم صداقة أو حلفا مع هؤلاء فإنّه سيصبح من حيث التقسيم الاجتماعي والديني جزءا منهم ، حيث تؤكّد الآية في هذا المجال بقولها :( وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ) .

وبديهي أنّ الله لا يهدي الأفراد الظالمين الذين يرتكبون الخيانة بحق أنفسهم وإخوانهم وأخواتهم المسلمين والمسلمات ، ويعتمدون على أعداء الإسلام تقول الآية :( إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) .

وتشير الآية التّالية إلى الأعذار التي كان يتشبث بها أفراد ذوي نفوس مريضة لتبرير علاقاتهم اللاشرعية مع الغرباء ، واعتمادهم عليهم وتحالفهم معهم ، مبررين ذلك بخوفهم من الوقوع في مشاكل إن أصبحت القدرة يوما في يد حلفائهم الغرباء ، فتقول الآية :( فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ ) (١) .

ويذكر القرآن الكريم هؤلاء الضعفاء ذوي النفوس المريضة ردا على تعللهم في التخلي عن حلفهم مع الغرباء ، فيبيّن لهم أنّهم حين يحتملون أن يمسك اليهود والنصارى يوما بزمام القدرة والسلطة يجب أن يحتملوا ـ أيضا ـ أن ينصر الله

__________________

(١) إنّ كلمة (دائرة) مشتقة من المصدر (دور) أي الشيء الذي يكون في حالة دوران ، وبما أن القدرات المادية والحكومات هي في حالة دوران دائم على طول التّأريخ ، لذلك يقال لها (دائرة) كما تطلق هذه الكلمة ـ أيضا ـ على أحداث الحياة المختلفة التي تدور حول الأشخاص.

٣٥

المسلمين فتقع القدرة بأيديهم ، حيث يندم هؤلاء على ما أضمروه في أنفسهم ، كما تقول الآية :( فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ ) .

ويشتمل هذا الجواب القرآني ـ في الحقيقة على جانبين :

أوّلهما : أنّ أفكارا كهذه إنما تخرج من قلوب مريضة لأفراد تزلزل ايمانهم وأصبحوا يسيئون الظن بالله ، ولو لم يكونوا كذلك لما سمحوا لهذه الأفكار بأن تداخل نفوسهم.

أمّا الجانب الثّاني في هذا الجواب فهو مواجهتهم بنفس الحجة التي أوردوها لتعللهم ذلك ، إذ أنّ احتمالهم لوقوع السلطة بيد اليهود والنصارى يقابله ـ بالضرورة ـ احتمال آخر وهو انتصار المسلمين واستلامهم لمقاليد الأمور ، وبهذا لا يكون هناك أي مجال لتشبث هؤلاء بحلفهم مع أولئك أو الاعتماد عليهم.

وعلى أساس هذا التّفسير فإنّ كلمة (عسى) التي لها مفهوم الاحتمال والأمل ، تبقى في هذه الآية محتفظة بمعناها الأصلي لكن بعض المفسّرين قالوا بأنّها تعني هنا الوعد الجازم من قبل الله للمسلمين ، وهذا ما لا يتلائم وظاهر كلمة (عسى) البتة.

أمّا المراد من جملة( أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ ) التي جاءت بعد كلمة (الفتح) في هذه الآية فيحتمل أنّها تعني أنّ المسلمين ـ في المستقبل ـ إمّا أن يتغلبوا وينتصروا على أعدائهم عن طريق الحرب أو بدونها كأن تتوسع قدرتهم إلى درجة يضطر بعدها الأعداء إلى الخضوع والاستسلام للمسلمين دون الحاجة إلى الدخول في حرب.

وبتعبير آخر : كلمة (الفتح) تشير إلى الإنتصار العسكري للمسلمين ، وأنّ جملة( أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ ) إشارة إلى الانتصارات الاجتماعية والاقتصادية وما شابه ذلك.

٣٦

إنّ بيان هذا الاحتمال من قبل الله سبحانه وتعالى ، مع كونه ـعزوجل ـ عالما بجميع ما سيحصل في المستقبل ، يدل على أنّ الآية تشير إلى الانتصارات العسكرية والاجتماعية والاقتصادية التي سيحرمها المسلمون في المستقبل.

وتشير الآية في الختام إلى مصير عمل المنافقين ، وتبيّن أنّه حين يتحقق الفتح للمسلمين المؤمنين وتنكشف حقيقة عمل المنافقين يقول المؤمنون ـ بدهشة ـ : هل أنّ هؤلاء المنافقين هم أولئك الذين كانوا يتشدقون بتلك الدعاوى ويجلفون بالايمان المغلظة بأنّهم معنا ، فكيف وصل الأمر بهم إلى هذا الحدّ؟ حيث تقول الآية :( وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ ) (١) .

إنّ هؤلاء لنفاقهم هذا ذهبت أعمالهم أدراج الرياح ، لأنّها لم تكن نابعة من نيّة خالصة صادقة ، ولهذا فقد أصبحوا من الخاسرين ـ سواء في هذه الدنيا أو الآخرة معا ـ حيث تؤكّد الآية هذا الأمر بقولها :( حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ ) .

والجملة الأخيرة تشبه ـ في الحقيقة ـ جوابا لسؤال مقدر ، وكأن شخصا يسأل : ماذا سيكون مصير هؤلاء؟

فيجاب بأنّ أعمالهم أدراج الرياح ، وستطوقهم الخسارة من كل جانب ، أي أنّ هؤلاء ـ حتى لو كانت لهم أعمال صدرت عنهم بإخلاص ونية صادقة ـ فهم لا يحصلون على أي نتيجة حسنة من تلك الأعمال الصالحة لانحرافهم صوب النفاق والشّرك بعد ذلك : وقد شرحنا هذا الأمر في الجزء الثّاني من تفسيرنا هذا عند تفسير الآية (٢١٧) من سورة البقرة.

__________________

(١) في هذه الآية تكون كلمة «هؤلاء» مبتدأ وخبرها جملة «الذين أقسموا بالله» أمّا جملة «جهد إيمانهم» فهي مفعول مطلق.

٣٧

الاعتماد على الغرباء :

على الرّغم من أنّ الواقعة ـ التي ذكرت سببا لنزول الآيات الأخيرة ـ تحدثت عن شخصين هما «عبادة بن الصامت» و «عبد الله بن أبي» إلّا أنّ ممّا لا شك فيه أنّ هذين الشخصين لا يشار إليهما باعتبارهما شخصيتين تاريختين ـ فحسب ـ بل لأنّهما يمثلان مذهبين فكريين واجتماعيين. يدعو أحدهما إلى التخلي عن التعاون والتحالف مع الغرباء ، وعدم تسليم زمام المسلمين بأيديهم ، وعدم الثقة بتعاونهم.

والمذهب الآخر يرى أنّ كل انسان أو شعب في هذه الدنيا المليئة بالمشاكل والأهوال يحتاج إلى من يتكئ ويعتمد عليه ، وأن الحاجة تدعو أحيانا إلى انتخاب الدّعم والسند من بين الغرباء بحجة أن الصداقة معهم لا تخلو من قيمة وفائدة ، ولا بدّ أن تظهر ثمارها في يوم من الأيّام.

وقد دحض القرآن الكريم رأي المذهب الثّاني بشدّة ، وحذر المسلمين بصراحة من مغبة الوقوع والتورط في نتائج مثل هذا النوع من التفكير ، لكن البعض من المسلمين ـ ومع الأسف ـ قد نسوا وتجاهلوا هذا الأمر القرآني العظيم ، فانتخبوا من بين الغرباء والأجانب من يعتمدون عليهم ، وقد أثبت التّأريخ أن كثيرا من النكبات التي أصابت المسلمين تنبع من هذا الاتجاه الخاطئ!

وبلاد الأندلس تعتبر دليلا حيّا وبارزا على هذا الأمر ، وتظهر كيف أن المسلمين بالاعتماد على قواهم الذاتية ـ استطاعوا أن يبنوا أكثر الحضارات ازدهارا في الأندلس ـ أسبانيا اليوم ـ لكنّهم نتيجة لاعتمادهم على قوى غريبة أجنبية فقدوا تلك المكتسبات العظيمة بكل سهولة.

والإمبراطورية العثمانية التي سرعان ما ذابت كذوبان الجليد في الصيف ، تعتبر دليلا آخر على هذه الدعوى.

كما أنّ التّأريخ المعاصر يشهد على ما أصاب المسلمين من خسائر ومصائب

٣٨

كبيرة بسبب انحرافهم عن رسالتهم واعتمادهم في كثير من الأمور على الأجانب الغرباء ، والعجب كل العجب من أن هذا السبات ما زال يلف العالم الإسلامي ، ولم توقظه بعد الكوارث والنكبات التي أصابته بسبب اعتماده على القوى الأجنبية.

على أي حال فإن الأجنبي أجنبي ، ومهما اشترك معنا في المصالح وتعاون معنا في مجالات محدودة فهو في النهاية يعتزل عنّا في اللحظات الحساسة ، وكثيرا ما تنالنا منه ـ أيضا ـ ضربات مؤثرة.

وما على المسلمين اليوم إلّا أن ينتبهوا أكثر من أي وقت مضى إلى هذا النداء القرآني ولا يعتمدوا على أحد سوى الله وقواهم الذاتية التي وهبها الله لهم.

لقد اهتمّ نبيّ الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كثيرا بهذا الأمر ، حتى أنّه رفض مساعدة اليهود في واقعة «أحد» حين أعلن ثلاثمائة منهم استعدادهم للوقوف بجانب المسلمين ضد المشركين ، فأعادهم النّبي إلى حيث كانوا ولما يصلوا إلى منتصف الطريق ، وامتنع عن قبول عرضهم في حين أن مثل هذا العدد من الناس كان يمكن له أن يلعب دورا مؤثرا في واقعة أحد ، فلما ذا رفضهم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

لقد رفضهم لأنّه لم يستبعد منهم أن يخذلوه ويخذلوا المسلمين في أحرج اللحظات وأكثرها خطورة أثناء الحرب ، ويتحولوا إلى التعاون مع العدوّ ويقضوا على ما تبقى من جيش المسلمين في ذلك الوقت.

* * *

٣٩

الآية

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٥٤) )

التّفسير

بعد الانتهاء من موضوع المنافقين ، يأتي الكلام ـ في هذه الآية الكريمة ـ عن المرتدين الذين تنبّأ القرآن بارتدادهم عن الدين الإسلامي الحنيف ، وهذه الآية أتت بقانون عام يحمل إنذارا لجميع المسلمين ، فأكّدت أنّ من يرتد عن دينه فهو لن يضر الله بارتداده هذا أبدا ، ولن يضر الدين ولا المجتمع الإسلامي أو تقدمه السريع ، لأنّ الله كفيل بإرسال من لديهم الاستعداد في حماية هذا الدين ، حيث تقول الآية الكريمة :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ ) .

ثمّ تتطرق الآية إلى صفات هؤلاء الحماة الذين يتحملون مسئولية الدفاع العظيمة ، وتبيّنها على الوجه التّالي :

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

الحركات الرجعيّة

1

7

الجهميّة

قد عرفت أنّ المتّهمين بالقدرية كانوا دعاة الحرّية، لا نُفاة القضاء والقدر، بل كانوا قائلين بأنّه سبحانه تبارك وتعالى قدّر وقضى، ومع ذلك، لم يسلب الاختيار عن الإنسان، فخيّره بين الإيمان والكفر، بين الخير والشّر، فلو قدّر الخير فلعلم منه بأنّه يختار الخير عن اختيار، أو قدّر الشر فلعلم منه أنّ الفاعل يختار الشر كذلك، وهو نفس صميم الإسلام ولبّه، قال سبحانه: ( فَمَن شَاءَ فَلْيُوْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكُفُرْ ) (1) .

لكن ظهرت في القرن الثاني والثالث حركات رجعيّة استهدفت أركان الإسلام والعودة بالأُمّة إلى الأفكار الجاهلية الّتي سادت قبل الإسلام، من القول بالجبر والتجسيم، وإليك أبرز ممثّلي هذه الحركات الرجعية.

____________________

(1) الكهف: 29.

٨١

الجهميّة:

إنّ سمات الجهميّة، هي: القول بالجبر والتعطيل، أسّسها جهم بن صفوان السمرقندي (المتوفّى 128هـ).

قال الذهبي: جهم بن صفوان أبو محرز السمرقندي الضال المبتدع، رأس الجهميّة في زمان صغار التابعين، وما علِمْته روى شيئاً، لكنّه زرع شرّاً عظيماً.

وقال المقريزي: الجهميّة،أتباع جهم بن صفوان الترمذي، مولى راسب، وقُتل في آخر دولة بني أُميّة، وتتلخّص عقائده في الأُمور التالية:

1 - ينفي الصفات الإلهيّة كلّها، ويقول: لا يجوز أن يوصف الباري بصفة يوصف بها خَلْقه.

2 - إنّ الإنسان لا يقدر على شيء، ولا يوصف بالقدرة ولا بالاستطاعة.

3 - إنّ الجنّة والنّار يفنيان، وتنقطع حركات أهلهما.

4 - إنّ من عرف الله ولم ينطق بالإيمان لم يكفر؛ لأنّ العلم لا يزول بالصمت، وهو مؤمن مع ذلك.

وقد كفّره المعتزلة في نفي الاستطاعة، وكفّره أهل السنّة بنفي الصفات وخلق القرآن ونفي الرؤية.

5 - وانفرد بجواز الخروج على السلطان الجائر.

6 - وزعم أنّ علم الله حادث لا بصفة يوصف بها غيره. (1)

____________________

(1). الخطط المقريزيّة: 3/349، ولاحظ: ص351.

٨٢

أقول: الظاهر أنّ قاعدة مذهبه أمران:

الأوّل: الجبر ونفي الاستطاعة، فجهم بن صفوان رأس الجبر وأساسه، ويُطْلق على أتباعه الجبريّة الخالصة، في مقابل غير الخالص منها.

الثاني: تعطيل ذاته سبحانه، عن التوصيف بصفات الجلال والجمال، ومن هنا نجمت المعطّلة.

وأمّا غير هذين الأمرين فمشكوك جداً.

التطورات الّتي مرّ بها مفهوم الجهمي:

لمّا كان نفي الصفات عن الله والقول بخلق القرآن ونفي الرؤية ممّا نسب إلى منهج الجهم، صار لفظ الجهمي رمزاً لكلِّ من قال بأحد هذه الأُمور، وإن كان غير قائل بالجبر ونفي القدر؛ ولأجل ذلك ربّما تطلق الجهميّة ويراد بها المعتزلة أو القدريّة، يقول أحد بن حنبل:

والقرآن كلام الله ليس بمخلوق، فمن زعم أنّ القرآن مخلوق فهو جهمي كافر، ومن زعم أنّ القرآن كلام الله ووقف، ولم يقل مخلوق ولا غير مخلوق، فهو أخبث من الأوّل، ومن زعم أنّ ألفاظنا بالقرآن وتلاوتنا له مخلوقة، والقرآن كلام الله، فهو جهمي، ومن لم يكفّر هؤلاء القوم كلّهم فهو مثلهم. (1)

____________________

(1) السنّة: 49.

٨٣

الحركات الرجعيّة

2

8

المجسّمة

إنّ إقصاء العقل عن ساحة العقائد، والبرهان عن التفكير، ألحق أضراراً جسيمة بالمجتمع الإسلامي، حيث ظهرت فيه حركات هدّامة ترمي إلى تقويض الأُسس الدينية والأخلاقيّة.

ومن تلك الحركات المجسّمة؛ الّتي رفع لواءها مقاتل بن سليمان المجسم (1) (المتوفّى عام 150هـ)، ونشر أقاصيص الأحبار والرهبان في القرن الثالث، فهو وجهم بن صفوان، مع تشاطرهما في دفع الأُمّة الإسلامية إلى حافة الجاهلية،على طرفي نقيض في مسألة التنزيه والتشبيه.

____________________

(1) مقاتل بن سليمان بن بشر الأزدي بالولاء، البلخي، أبو الحسن، من المفسرين، أصله من بلخ، انتقل إلى البصرة ودخل بغداد وحدّث بها، وتوفّي بالبصرة، كان متروك الحديث، من كتبه (التفسير الكبير)، و(نوادر التفسير)، و(الرّد على القدريّة)، و(متشابه القرآن)، و(الناسخ والمنسوخ)، و(القراءات)، و(الوجوه والنظائر)، [الأعلام: 7/281].

٨٤

أمّا صفوان، فقد بالغ في التنزيه حتّى عطّل وصف ذاته بالصفات.

وأمّا مقاتل، فقد أفرط في التشبيه فصار مجسّماً، وقد نقل المفسرون آراء مقاتل في كتب التفاسير.

فليعرف القارئ مكانه في الوثاقة وتنزيه الربّ عن صفات الخلق.

قال ابن حبّان: كان يأخذ من اليهود والنصارى - في علم القرآن - الّذي يوافق كتبهم، وكان يشبّه الربّ بالمخلوقات، وكان يكذب في الحديث.

وقال أبو حنيفة: أفرط جهم في نفي التشبيه، حتّى قال إنّه تعالى ليس بشيء، وأفرط مقاتل في الإثبات حتى جعله مثل خلقه. (1)

____________________

(1) لاحظ: ميزان الاعتدال، 4/173. وراجع تاريخ بغداد، 13/166.

٨٥

الحركات الرجعية

3

9

الكرّاميّة

وهذه الفرقة منسوبة إلى محمد بن كرام السجستاني (المتوفّى عام 255هـ) شيخ الكرامية.

قال الذهبي: ساقط الحديث على بدعته، أكَثَر عن أحمد الجويباري، ومحمد بن تميم السعدي؛ وكانا كذّابين.

وقال ابن حبّان: خذل، حتّى التقط من المذاهب أردأها، ومن الأحاديث أوهاها... وجعل الإيمان قولاً بلا معرفة.

وقال ابن حزم: قال ابن كرام: الإيمان قول باللسان، وإن اعتقد الكفر بقلبه، فهو مؤمن. ومن بِدَع الكرّاميّة قولهم في المعبود تعالى إنّه جسم لا كالأجسام، وقد سقت أخبار ابن كرّام في تاريخي الكبير، وله أتباع ومؤيّدون، وقد سجن في نيسابور لأجل بدعته ثمانية أعوام، ثُمَّ أُخرج وسار

٨٦

إلى بيت المقدس، ومات بالشام سنة 255هـ. (1)

إنّ للكرّامية نظريات في موضوعات أُخر، ذكرها البغدادي، وقد بلغت جُرأتهم في باب النبوّة حتّى قال بعضهم: إنّ النبي أخطأ في تبليغ قوله[ تعالى]: ( وَمَنَاةَ الثّالِثَةَ الْأُخْرَى ) ، حتّى قال بعده: (تلك الغرانيق العلى، وان شفاعتها لترتجى). (2)

مع أنّ قصة الغرانيق أُقصوصة ابتدعها قوم من أهل الضلالة، وقد أوضحنا حالها في كتابنا (سيد المرسلين (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم».

ونكتفي بهذا النزر في بيان عقائدهم، وكلّها وليد إقصاء العقل والمنطق عن ساحة العقائد، والاكتفاء بالروايات مع ما فيها من أباطيل وترّهات وضعها الأعداء واختلقتها الأهواء، فهي من أسوأ الحركات الرجعيّة الظاهرة في أواسط القرن الثالث.

____________________

(1) ميزان الاعتدال: 4/21.

(2) الفرق بين الفِرق: 222.

٨٧

الحركات الرّجعيّة

4

10

الظاهرية

وهذا المذهب منسوب إلى داود بن علي الأصفهاني الظاهري (200 - 270هـ).

وقد أسّس مذهباً في الفروع، فالمصدر الأصلي في الفقه عنده هو النصوص، بلا رأي في حكم من أحكام الشرع، فهم يأخذون بالنصوص وحدها، فإذا لم يكن بالنص، أخذوا بالإباحة الأصليّة.

ما هو السبب لظهور هذا المذهب؟

إنّ إقصاء العقل عن ساحة العقائد يستلزم طرده عن ساحة الفقه بوجه أولى، لأنّ أساسه هو التعبُّد بالنصوص، وعدم الإفتاء بشيء لا يوجد له أصل في الكتاب والسنّة، لكن الجمود على حرفيّة النصوص شيء، والتعبّد بالنصوص وعدم الإفتاء في مورد لا يوجد فيه أصل ودلالة في المصدرين الرئيسيّين شيء آخر،

٨٨

فالظاهرية على الأوّل، والفقهاء على الثاني، ولأجل إيضاح الحال نأتي بمثالين:

1 - إنّ الشكّل الأوّل من الأشكال الأربعة ضروري الإنتاج، من غير فرق بين الأُمور التكوينيّة أو الأحكام الشرعيّة؛ فكما أنّ الحكم بحدوث العالم نتيجة حتمية لقولنا: العالم متغيّر وكلّ متغيّر حادث، فهكذا الحكم بحرمة كلّ مسكر، نتيجة قطعيّة لقولنا: الفقاع مسكر، وكل مسكر حرام، فالفقاع حرام؛ لكنّ الظاهري يقبل المقدّمتين، ولكن لا يفتي بالنتيجة؛ بحجة أنّها غير مذكورة في النصوص.

2 - ما يسمّيه الفقهاء بلحن الخطاب، وإن كان شيئاً غير مذكور في نفس الخطاب، لكنّه من اللوازم البيّنة له، بحيث يتبادر إلى الذّهن من سماعه، فإذا خاطبنا سبحانه بقوله: ( فَلَا تَقُل لَهُمَا أُفٍ ) (1) ، يتوجّه الذهن إلى حرمة ضربهما وشتمهما بطريق أولى، ولكن الفقيه الظاهري يأبى عن الأخذ به بحجّة كونه غير منصوص.

قال سبحانه: ( قُل لِلّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِن يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنّتُ الْأَوّلِينَ ) (2) .

فالموضوع للحكم (مغفرة ما سلف عند الانتهاء)؛ وإن كان هو الكافر، لكن الذهن السليم يتبادر إلى فهم شيء آخر، لازم لهذا الحكم بالضرورة، وهو تعميم الحكم إلى المسلم أيضاً بوجه آكد، ولكنّ الظاهري يتركه؛ بحجة أنّه غير مذكور في النص.

____________________

(1) الإسراء: 23.

(2) الأنفال: 38.

٨٩

وهذا النوع من الجمود يجعل النصوص غير كافلة لاستخراج الفروع الكثيرة، وتصبح الشريعة ناقصة من حيث التشريع والتقنين، وغير صالحة لجميع الأجيال والعصور، وفاقدة للمرونة اللازمة الّتي عليها أساس خاتميّة نبوّة نبيّناً محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وكتابه وسنّته.

ثمَّ إنّ الاكتفاء بظاهر الشريعة؛ وأخذ الأحكام من ظواهر النصوص؛ له تفسيران: أحدهما صحيح جداً، والآخر باطل، فإن أُريد منه نفي الظنون؛ الّتي لم يدلّ على صحة الاحتجاج بها دليل، فهو نفس نص الكتاب العزيز، قال سبحانه: ( قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ ) (1) ، فالشيعة الإماميّة، وبفضل النصوص الوافرة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) المتّصلة اسنادها إلى الرسول الأكرم (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، استطاعت أن تستخرج أحكام الحوادث والموضوعات الكثيرة منها، وامتنعت عن العمل بالقياس والاستحسان وغيرهما من الأدلّة الظنية؛ الّتي لم يقم الدليل القطعي على صحّة الاحتجاج بها، بل قام الدليل على حرمة العمل على بعضها، كالقياس، وقد ورد في نصوص أئمتهم (عليهم السلام): «إنّ السنّة إذا قيست مُحق الدين» (2) .

وإن أُريد بها لوازم الخطاب؛ أي ما يكون في نظر العقلاء، كالمذكور أخذاً بقولهم: (الكناية أبلغ من التصريح)، ويكون التفكيك بينهما أمراً غير صحيح، فليس ذلك عملاً بغير المنصوص. نعم ليس عملاً بالظاهر الحرفي، ولكنّه عمل بها بما يفهمه المخاطبون بها.

____________________

(1) يونس: 59.

(2) الوسائل: 18، الباب 6 من أبواب صفات القاضي، الحديث 10.

٩٠

أُفول نجمه:

إنّ هذا المذهب لأجل حرفيته قد أفل نجمه بسرعة.

نعم قد تبعه فقيه آخر باسم ابن حزم (384 - 458هـ)، وأعاد هذا المذهب إلى الساحة، وألّف حوله كتباً ورسائل، وخدمه بالتآليف التالية:

1 - الإحكام في أُصول الأحكام: بيّن فيه أُصول المذهب الظاهري.

2 - النُّبَذ: وهو خلاصة ذلك الكتاب.

3 - المحلّى: وهو كتاب كبير نشر في عشرة أجزاء، جمع أحاديث الأحكام وفقه علماء الأمصار، طبع في بيروت بتحقيق أحمد محمد شاكر، وله آراء شاذة - كبطلان الاجتهاد في استخراج الأحكام الفقهية، وجواز مس المصحف للمجنب، وقاتل الإمام عليّ كان مجتهداً - ذكرناها في موسوعتنا. (1)

وقد ذكرنا هذا المذهب، مع أنّه فقهي؛ لأجل اشتراكه مع ما سبق في الرجعيّة، وإقصاء العقل عن ساحة الاجتهاد الفقهي.

____________________

(1) بحوث في الملل والنحل: 3/141 - 146.

٩١

11

المعتزلة

المعتزلة بين المدارس الكلاميّة المختلفة؛ مدرسة فكريّة عقليّة أعطت للعقل القسط الأوفر، ومن المؤسف أنّ هوى العصبية، بل يد الخيانة، لعبت بكثير من مخلّفاتهم الفكريّة، فأطاحت به فأضاعتها بالخرق والتمزيق، فلم يبق فيما بأيدينا من آثارهم إلاّ الشيء القليل، وأكثرها يرجع إلى كتب عبد الجبار المعتزلي (المتوفّى عام 415هـ)، ولأجل ذلك فقد اعتمد في تحرير هذا المذهب غير واحد من الباحثين على كتب خصومهم كالأشاعرة، ومن المعلوم أنّ الاعتماد على كتاب الخصم لا يُورث يقيناً.

وقد اهتمّ المستشرقون في العصور الأخيرة بدراسة مذهب الاعتزال، ولقد أُعجبوا بمنهج الاعتزال في حرّية الإنسان وأفعاله، وصار ذلك سبباً لرجوع المعتزلة إلى الساحة من قبل المفكّرين الإسلاميّين، ولذلك نُشرت في هذه الآونة الأخيرة كتباً حول المعتزلة.

ومؤسّس المذهب هو واصل بن عطاء تلميذ الحسن البصري، نقل الشهرستاني أنّه دخل شخص على الحسن البصري، فقال: يا إمام الدين!، لقد ظهرت في زماننا جماعة يكفّرون أصحاب الكبائر، والكبيرة عندهم تُخرج به

٩٢

عن الملّة، وهم وعيديّة الخوارج، وجماعة يُرجئون أصحاب الكبائر، ويقولون لا تضر مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة، وهم مرجئة الأُمّة، فكيف تحكم لنا في ذلك اعتقاداً؟

فتفكّر الحسن في ذلك، وقبل أن يجيب، قال واصل بن عطاء: أنا لا أقول إنّ صاحب الكبيرة مؤمن مطلقاً، ولا كافر مطلقاً، بل هو في منزلة بين المنزلتين، لا مؤمن ولا كافر، ثُمّ قام واعتزل إلى اسطوانة المسجد؛ يقرّر ما أجاب به على جماعة من أصحاب الحسن، فقال الحسن: اعتزل عنّا واصل، فسمّي هو وأصحابه: معتزلة. (1)

سائر ألقاب المعتزلة:

إنّ للمعتزلة ألقاباً أُخر:

1 - العدليّة: لقولهم بعدل الله سبحانه وحكمته.

2 - الموحّدة: لقولهم لا قديم مع الله، وينفون قدم القرآن.

3 - أهل الحق: لأنّهم يعتبرون أنفسهم أهل الحق.

4 - القدريّة: يُعبَّر عن المعتزلة في الكتب الكلاميّة بالقدريّة، والمعتزلة يطلقونها على خصومهم، وذلك لما رُوي عن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «أنّ القدريّة مجوس هذه الأُمّة». فلو قلنا بأنّ القدريّة منسوبة إلى القدر؛ عِدْل القضاء، فتنطبق على

____________________

(1) الملل والنحل: 1/62.

٩٣

خُصَماء المعتزلة؛ القائلين بالقدر السالب للاختيار. ولو قلنا بأنّها منسوبة إلى القدرة؛ أي القائلين بتأثير قدرة الإنسان في فعله واختياره وتمكّنه في إيجاده، فتنطبق - على زعم الخُصَماء - على المعتزلة؛ لقولهم بتأثير قدرة الإنسان في فعله. وقد طال الكلام بين المتكلّمين في تفسير الحديث وذِكْر كلِّ طائفة وجهاً لانطباقه على خصمها. (1)

5 - الثنويّة: ولعلّ وجهه ما يتراءى من بعضهم من نسبة الخير إلى الله والشر إلى العبد.

6 - الوعيدية: لقولهم إنّ الله صادق في وعده، كما هو صادق في وعيده، وإنّه لا يغفر الذنوب إلاّ بعد التوبة، فلو مات بدونها يكون معذّباً قطعاً ويخلَّد في النار.

7 - المعطّلة: لتعطيل ذاته سبحانه عن الصفات الذاتية، ولكن هذا اللقب أُلصق بالجهميّة، وأمّا المعتزلة فلهم في الصفات مذهبان:

أ - القول بالنيابة، أي خلو الذات عن الصفات، ولكن تنوب الذّات مكان الصفات في الآثار المطلوبة منها، وقد اشتهر قولهم: (خُذ الغايات واترك المبادئ)، وهذا مخالف لكتاب الله والسنّة والعقل. فإنّ النقل يدلّ بوضوح على اتّصافه سبحانه بالصفات الكماليّة، وأمّا العقل، فحدِّث عنه ولا حرج؛ لأنّ الكمال يساوق الوجود، وكلّما كان الوجود أعلى وأشرف، تكون الكمالات فيه آكد.

____________________

(1) كشف المراد: 195، شرح المقاصد للتفتازاني: 2/143.

٩٤

ب - عينيّة الصفات مع الذّات واشتمالها على حقائقها، من دون أن يكون ذات وصفة، بل الذّات بلغت في الكمال إلى درجة صار نفس العلم قدرة.

8 - الجهميّة، وهذا اللّقب منحه أحمد بن حنبل لهم، فكل ما يقول: قالت الجهميّة، أو يصف القائل بأنّه جهميّ؛ يُريد به المعتزلة، لِمَا وجد من موافقتهم الجهميّة في بعض المسائل.

9 - المفنية.

10 - اللّفظيّة.

وهذان اللّقبان ذكرهما المقريزي وقال: إنّهم يوصفون بالمفنية، لما نسب إلى أبي الهذيل من فناء حركات أهل الجنة والنار؛ واللفظية لقولهم: ألفاظ القرآن مخلوقة. (1)

الأُصول الخمسة عند المعتزلة:

اشتهرت المعتزلة بأُصول خمسة، فمن دان بها فهو معتزلي، ومن نقص منها أو زاد عليها فليس منهم، وتلك الأُصول المرتبة حسب أهميتها عبارة عن: التوحيد، العدل، الوعد والوعيد، المنزلة بين المنزلتين، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

فمن دان بها، ثُمَّ خالف بقية المعتزلة في تفاصيلها، لم يخرج بذلك عنهم.

وإليك تفصيل هذه الأُصول بنحو موجز:

____________________

(1) الخطط المقريزيّة: 4/169.

٩٥

إيعاز إلى الأُصول الخمسة

وقبل كلّ شيء نطرح هذه الأُصول على وجه الإجمال، حتّى يُعلم ماذا يريد منها المعتزلة، ثُمَّ نأخذ بشرحها واحداً بعد احد؛ فنقول:

1 - التوحيد: ويراد منه العلم بأنّ الله واحد، لا يشاركه غيره فيما يستحقُّ من الصفات نفياً وإثباتاً على الحدّ الّذي يستحقّه. والتوحيد عندهم رمز لتنزيهه سبحانه عن شوائب الإمكان ووهم المثليّة وغيرهما ممّا يجب تنزيه ساحته عنه، كالتجسيم والتشبيه وإمكان الرؤية وطروء الحوادث عليه. غير أنّ المهمّ في هذا الأصل؛ هو الوقوف على كيفيّة جريان صفاته عليه سبحانه، ونفي الرؤية، وغيرهما يقع في الدّرجة الثانية من الأهمية في هذا الأصل؛ لأنّ كثيراً منها لم يختلف المسلمون فيه، إلاّ القليل منهم.

2 - العدل: إذا قيل إنّه تعالى عادل، فالمراد أنّ أفعاله كلّها حسنة، وأنّه لا يفعل القبيح، وأنّه لا يَخِلّ بما هو واجب عليه. وعلى ضوء هذا: لا يكذب في خبره، ولا يجور في حكمه، ولا يعذِّب أطفال المشركين بذنوب آبائهم، ولا يُظهر المعجزة على أيدي الكذّابين، ولا يكلِّف العباد وما لا يطيقون، وما لا يعلمون، بل يُقْدِرهم على ما كلّفهم، ويعلِّمهم صفة ما كلّفهم، ويدلّهم على ذلك، ويبيّن لهم ( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيّنَةٍ وَيَحْيَى‏ مَنْ حَيّ عَنْ بَيّنَةٍ ) (1) ، وأنّه إذا كلّف المكلّف وأتى بما كلّف على الوجه الّذي كُلِّف، فإنّه يثيبه لا محالة، وأنّه سبحانه إذا آلم وأسقم، فإنّما فعله لصلاحه ومنافعه، وإلاّ كان مخلاًّ بواجب...

3 - الوعد والوعيد: والمراد منه أنّ الله وعد المطيعين بالثواب، وتوعّد

____________________

(1) الأنفال: 42.

٩٦

العصاة بالعقاب، وأنّه يفعل ما وعد به وتوعّد عليه لا محالة. ولا يجوز الخُلف، لأنّه يستلزم الكذب. فإذا أخبر عن الفعل، ثُمَّ تركه، يكون كذباً. ولو أخبر عن العزم، فبما أنّه محال عليه، كان معناه الإخبار عن نفس الفعل، فيكون الخُلف كذباً. وعلى ضوء هذا الأصل، حكموا بتخليد مرتكب الكبائر في النار؛ إذا مات بلا توبة.

4 - المنزلة بين المنزلتين: وتلقّب بمسألة الأسماء والأحكام؛ وهي أنّ صاحب الكبيرة ليس بكافر كما عليه الخوارج، ولا منافق كما عليه الحسن البصري، ولا مؤمن كما عليه بعضهم، بل فاسق لا يحكم عليه بالكفر ولا بالإيمان.

5 - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: والمعروف: كلّ فعل عرف فاعله حسنه أو دلّ عليه، والمنكر: كلّ فعل عرف فاعله قبحه أو دلّ عليه. ولا خلاف بين المسلمين في وجوبهما؛ إنّما الخلاف في أنّه هل يُعلم عقلاً أو لا يُعلم إلاّ سمعاً؟، ذهب أبو عليّ (المتوفّى 303هـ) إلى أنّه يُعلم عقلاً وسمعاً، وأبو هاشم (المتوفّى 321هـ) إلى أنّه يُعلم سمعاً، ولوجوبه شروط تُذكر في محلّها، ومنها أن لا يؤدّي إلى مضرّة في ماله أو نفسه، إلاّ أن يكون في تحمّله لتلك المذلّة إعزاز للدّين.

قال القاضي: وعلى هذا يحمل ما كان من الحسين بن عليّ (عليهما السّلام)؛ لِمَا كان في صبره على ما صبر، إعزاز لدين الله عزّ وجلّ، ولهذا نباهي به سائر الأُمم، فنقول: لم يبق من ولْد الرّسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) إلاّ سبط واحد، فلم يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتّى قتل دون ذلك. (1)

____________________

(1) الأُصول الخمسة: 142، نقلاً عن، بحوث في الملل والنحل: 3/254 - 255.

٩٧

سبب الاقتصار على هذه الأُصول الخمسة:

هناك سؤال يطرح نفسه، وهو:

لماذا اقتصروا على هذه الأُصول، مع أنّ أمر النبوّة والمعاد أولى بأن يُعدَّ من الأُصول؟

وقد ذكروا في وجه ذلك أُموراً لا يُعتمد عليها، والحق أن يقال: إنّ الأُصول الخمسة الّتي يتبنّاها المعتزلة، مؤلّفة من أُمور تعدُّ من أُصول الدين كالتوحيد والعدل على وجه، ومن أُصول كلاميّة أنتجوها من البحث والنقاش، وأقحموها في الأُصول لغاية ردِّ الفرق المخالفة؛ الّتي لا توافقهم في هذه المسائل الكلامية.

وعند ذلك يستنتج القارئ أنّ ما اتّخذته المعتزلة من الأُصول، وجعلته في صدر آرائها، ليست إلاّ آراء كلاميّة لهذه الفرقة، تظاهروا بها للردّ على المجبّرة والمشبّهة والمرجئة والإماميّة وغيرهم من الفرق، على نحو لو لا تلكم الفِرَق لما سمعت من هذه الأُصول ذكراً.

أئمة المعتزلة:

المراد بأئمتهم؛ مشايخهم الكبار؛ الّذين نضج المذهب بأفكارهم وآرائهم، ووصل إلى القمة في الكمال.

نعم، في مقابل أئمة المذهب، أعلامهم الّذين كان لهم دور في تبيين هذا المنهج من دون أن يتركوا أثراً يستحق الذكر في الأُصول الخمسة، وها نحن نذكر من الطائفيتن نماذج:

٩٨

1. واصل بن عطاء (80 - 131هـ):

أبو حذيفة واصل بن عطاء، مؤسّس الاعتزال، المعروف بالغزّال، يقول ابن خلّكان: كان واصل أحد الأعاجيب، وذلك أنّه كان ألثغ، قبيح اللثغة في الرّاء، فكان يُخلِّص كلامه من الرّاء ولا يُفطن لذلك، لاقتداره على الكلام وسهولة ألفاظه، ففي ذلك يقول أبو الطروق؛ يمدحه بإطالة الخطب واجتنابه الراء على كثرة تردّدها في الكلام، حتّى كأنّها ليست فيه.

عـليم بـإبدال الحروف وقامع

لـكلّ خطيب يغلب الحقَّ باطلُه

وقال الآخر:

ويـجعل البرّ قمحاً في تصرّفه

وخالف الرّاء حتّى احتال للشعر

ولـم يطق مطراً والقول يعجله

فـعاذ بالغيث اشفاقاً من المطر

من آرائه ومصنّفاته:

إنّ واصل هو أوّل من أظهر المنزلة بين المنزلتين؛ لأنّ الناس كانوا في أسماء أهل الكبائر من أهل الصلاة على أقوال: كانت الخوارج تسمّيهم بالكفر والشرك، والمرجئة تسمّيهم بالإيمان، وكان الحسن وأصحابه يسمّونهم بالنفاق.

مؤلّفاته:

ذكر ابن النديم في (الفهرست)، وتبعه ابن خلّكان: إنّ لواصل التصانيف التالية:

٩٩

1 - كتاب أصناف المرجئة.

2 - كتاب التوبة.

3 - كتاب المنزلة المنزلتين.

4 - كتاب خطبه الّتي أخرج منها الرّاء.

5 - كتاب معاني القرآن.

6 - كتاب الخُطب في التوحيد والعدل.

ومن المحتمل أنّه قام بجمع خطب الإمام عليّ (عليه السّلام) في التوحيد والعدل فأفرده تأليفاً.

7 - كتاب ما جرى بينه وبين عمرو بن عبيد.

8 - كتاب السبيل إلى معرفة الحق.

9 - كتاب في الدعوة.

10 - كتاب طبقات أهل العلم والجهل. (1)

2. عمرو بن عبيد (80 - 143هـ):

وهو الإمام الثاني للمعتزلة بعد واصل بن عطاء، وكان من أعضاء حلقة الحسن البصري، مثل واصل، لكن التحق به بعد مناظرة جرت بينهما في مرتكب الكبيرة.

روى ابن المرتضى، عن الجاحظ، أنّه قال: صلَّى عمرو أربعين عاماً صلاة

____________________

(1) فهرست ابن النديم: 203، الفن الأوّل من المقالة الخامسة.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611