الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٤

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل9%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 611

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 611 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 135042 / تحميل: 6382
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

قال المصنّف ١(١) :

التاسع : الضرورة قاضية بالفرق بين من أحسن إلينا دائما ، ومن أساء إلينا دائما ، وحسن مدح الأوّل وذمّ الثاني ، وقبح ذمّ الأوّل ومدح الثاني ، ومن شكّ في ذلك فقد كابر مقتضى عقله.

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٨٥.

٤٤١

وقال الفضل(١) :

هذا الحسن وهذا القبح ممّا لا نزاع فيه بأنّهما عقليّان ؛ لأنّهما يرجعان إلى الملاءمة والمنافرة ، أو الكمال والنقص.

على إنّه قد يقال : جاز أن يكون هناك عرف عامّ هو مبدأ لذلك الجزم المشترك ، وبالجملة : هو من إقامة الدليل في غير محلّ النزاع ، والله تعالى أعلم.

هذه جملة ما أورده من الدلائل على رأيه العاطل ، وقد وفّقنا الله لأجوبتها كما يرتضيه أولو الآراء الصائبة.

ولنا في هذا المبحث تحقيق نريد أن نذكره في هذا المقام ، فنقول :

اتّفقت كلمة الفريقين من الأشاعرة والمعتزلة على إنّ من أفعال العباد ما يشتمل على المصالح والمفاسد ، وما يشتمل على الصفات الكمالية والنقصانية ، وهذا ممّا لا نزاع فيه.

وبقي النزاع في أنّ الأفعال التي تقتضي الثواب أو العقاب ، هل في ذواتها جهة محسّنة ، صارت تلك الجهة سبب المدح والثواب ، أو جهة مقبّحة ، صارت سببا للذمّ والعقاب ، أو لا؟

فمن نفى وجود هاتين الجهتين في الفعل ، ماذا يريد من هذا النفي؟!

إن أراد عدم هاتين الجهتين في ذوات الأفعال ، فيرد عليه أنّك

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٣٧٧.

٤٤٢

سلّمت وجود الكمال والنقص والمصلحة والمفسدة في الأفعال ، وهذا عين التسليم بأنّ الأفعال في ذواتها جهة الحسن والقبح ؛ لأنّ المصلحة والكمال حسن ، والمفسدة والنقص قبح.

وإن أراد نفي كون هاتين الجهتين مقتضيتان للمدح والثواب بلا حكم الشرع بأحدهما ؛ لأنّ تعيين الثواب والعقاب للشارع والمصالح والمفاسد في الأفعال التي تدركهما العقول ، لا يقتضي تعيين الثواب والعقاب بحسب العقل ؛ لأنّ العقل عاجز عن إدراك أقسام المصالح والمفاسد في الأفعال ، ومزج بعضها ببعض ، حتّى يعرف الترجيح ويحكم بأنّ هذا الفعل حسن لاشتماله على المصلحة ، أو قبيح لاشتماله على المفسدة ، فهذا الحكم خارج عن طوق العقل فتعيّن تعيّنه للشرع.

فهذا كلام صالح صحيح لا ينبغي أن يردّه المعتزلي.

مثلا : شرب الخمر كان مباحا في بعض الشرائع ، فلو كان شرابه حسنا في ذاته بالحسن العقلي ، كيف صار حراما في بعض الشرائع الأخر؟! هل انقلب حسنه الذاتي قبحا؟!

وهذا ممّا لا يجوز ، فبقي أنّه كان مشتملا على مصلحة ومفسدة ، كلّ واحد منهما بوجه ، والعقل كان عاجزا عن إدراك المصالح والمفاسد بالوجوه المختلفة.

فالشرع صار حاكما بترجيح جهة المصلحة في زمان ، وترجيح جهة المفسدة في زمان آخر ، فصار حلالا في بعض الأزمنة حراما في البعض الآخر.

فعلى الأشعري أن يوافق المعتزلي ؛ لاشتمال ذوات الأفعال على جهة المصالح والمفاسد ، وهذا يدركه العقل ولا يحتاج في إدراكه إلى الشرع.

٤٤٣

وهذا في الحقيقة هو الجهة المحسّنة والمقبّحة في ذوات الأفعال.

وعلى المعتزلي أن يوافق الأشعري أنّ هاتين الجهتين في العقل لا تقتضي حكم الثواب والعقاب والمدح والذمّ باستقلال العقل ؛ لعجزه عن مزج جهات المصالح والمفاسد في الأفعال.

وقد سلّم المعتزلي هذا في ما لا يستقلّ العقل به ، فليسلّم في جميع الأفعال ، فإنّ العقل في الواقع لا يستقلّ في شيء من الأشياء بإدراك تعلّق الثواب.

فإذا كان النزاع بين الفريقين مرتفعا ، تحفّظ بهذا التحقيق ، وبالله التوفيق.

* * *

٤٤٤

وأقول :

قد عرفت في أوّل المطلب أنّ الملاءمة والمنافرة جهتان تقتضيان الحبّ والبغض ، والرضا والسخط ، لا الحسن والقبح العقليّين ، فلا معنى لعدّهما من معاني الحسن والقبح.

وعرفت أنّ كثيرا من صفات الكمال والنقص ، كالإحسان والإساءة أفعال حقيقية ، والحسن والقبح فيها لا يناطان بلحاظ الوصفية ، فإذا أقرّ الخصم بحسن الإحسان وقبح الإساءة فقد تمّ المطلوب.

على إنّه لا ريب بصحّة مدح المحسن وذمّ المسيء ، فيكون الإحسان حسنا والإساءة قبيحة بالمعنى الثالث الذي فيه النزاع ، فلا معنى لإرجاعه إلى أحد المعنيين الأوّلين.

وأمّا ما ذكره في العلاوة المأخوذة من « شرح المواقف »(١)

ففيه : إنّه إذا أريد من العرف العامّ اتّفاق آراء العقلاء على حسن شيء أو قبحه ، فهو الذي تذهب إليه العدلية ، ولكن لا معنى لتسميته بالعرف العامّ ، ولا يتصوّر تحقّق العرف العامّ من دون أن يكون هناك حسن وقبح عقليّان ، فإنّه ليس أمرا اصطلاحيا.

وأمّا ما بيّنه في تحقيقه فهو رجوع إلى قول العدلية بثبوت الحسن والقبح العقليّين ، بسبب جهات محسّنة أو مقبّحة ، ولا نزاع لأهل العدل معهم إلّا بهذا كما سبق.

__________________

(١) شرح المواقف ٨ / ١٩٢.

٤٤٥

كما إنّ ظاهره تسليم اقتضائهما للمدح والذمّ عقلا ، لكنّه قال : « إنّ العقل عاجز عن إدراك أقسام المصالح والمفاسد ، وعاجز عن إدراك استحقاق الثواب والعقاب على الأفعال من حيث هي » وهو مسلّم في الجملة عند العدليّين ، فإنّهم لا يقولون : إنّ جميع الأفعال يدرك العقل حسنها أو قبحها ، بل منها ما هو علّة للحكم بالحسن والقبح ، كالعدل والظلم

ومنها ما هو مقتض للحكم كالصدق أو الكذب

ومنها ما هو يختلف بالوجوه والاعتبارات ، والعقل قد يعجز عن إدراك الوجوه.

وأمّا تمثيله بشرب الخمر ، فغير صحيح عند الإمامية ؛ لما أخبرهم به أهل البيت من أنّ الخمر لم يحلّ في شرع من الشرائع(١) ، وأهل البيت أدرى بما فيه.

* * *

__________________

(١) الكافي ٦ / ٣٩٥ ح ١ ، تهذيب الأحكام ٩ / ١٠٢ ح ٤٤٥.

٤٤٦

فهرس المحتويات

من هم الفرة الناجية؟من هم الفرقة الناجية؟ ٥

من هم الفرقة الناجية؟ ٧

وبعد ، ٧

وقال الفضل(١) : ١١

أقول : ٢٥

المحسوسات أصل الاعتقادات ٤١

المسألة الأولى ٤١

في الإدراك ٤١

[ المبحث ] الأوّل ٤١

[ الإدراك أعرف الأشياء ] ٤١

وقال الفضل : ٤٤

وأقول : ٤٧

المبحث الثاني ٥١

في شرائط الرؤية ٥١

وقال الفضل : ٥٣

وأقول : ٥٥

المبحث الثالث ٦١

في وجوب الرؤية عند حصول هذه الشرائط ٦١

وقال الفضل : ٦٣

وأقول : ٦٦

المبحث الرابع ٧١

في امتناع الإدراك مع فقد الشرائط ٧١

٤٤٧

وقال الفضل : ٧٥

وأقول : ٧٨

المبحث الخامس ٨١

في أنّ الوجود ليس علّة تامّة في الرؤية ٨١

وقال الفضل : ٨٣

وأقول : ٨٦

المبحث السادس ٩٣

في أنّ الإدراك ليس لمعنى ٩٣

وقال الفضل : ٩٥

وأقول : ٩٧

المبحث السابع ١٠١

في أنّه تعالى يستحيل أن يرى ١٠١

وقال الفضل : ١٠٥

وأقول : ١١٠

المسألة الثانية ١٣٣

في النظر وفيه مباحث : ١٣٣

[ المبحث ] الأوّل ١٣٣

إنّ النظر الصحيح يستلزم العلم ١٣٣

وقال الفضل : ١٣٥

وأقول : ١٣٧

المبحث الثاني ١٤١

في أنّ النظر واجب بالعقل ١٤١

وقال الفضل : ١٤٣

وأقول : ١٤٨

٤٤٨

المبحث الثالث ١٥٣

في أنّ معرفة الله تعالى واجبة بالعقل ١٥٣

وقال الفضل : ١٥٥

وأقول : ١٥٨

المسألة الثالثة ١٦٥

في صفاته تعالى ١٦٥

[ المبحث ] الأوّل ١٦٥

إنّه تعالى قادر على كلّ مقدور ١٦٥

وقال الفضل : ١٦٧

وأقول : ١٦٩

المبحث الثاني ١٧٣

في أنّه تعالى مخالف لغيره ١٧٣

وقال الفضل : ١٧٥

وأقول : ١٧٦

المبحث الثالث ١٧٩

في أنّه تعالى ليس بجسم ١٧٩

وقال الفضل : ١٨٢

وأقول : ١٨٣

المبحث الرابع ١٨٩

في أنّه تعالى ليس في جهة ١٨٩

وقال الفضل : ١٩٠

وأقول : ١٩٢

المبحث الخامس ١٩٥

في أنّه تعالى لا يتّحد بغيره ١٩٥

٤٤٩

وقال الفضل : ١٩٦

وأقول : ٢٠٠

المبحث السادس ٢٠٣

في أنّه تعالى لا يحلّ في غيره ٢٠٣

وقال الفضل : ٢٠٥

وأقول : ٢١٠

في حقيقة الكلام ٢٢٣

المبحث السابع ٢٢٣

في أنّه تعالى متكلّم ٢٢٣

[ المطلب ] الأوّل ٢٢٣

في حقيقة الكلام ٢٢٣

وقال الفضل : ٢٢٥

وأقول : ٢٢٩

كلامه تعالى متعدّد ٢٣٥

[ المطلب ] الثاني ٢٣٥

في أنّ كلامه تعالى متعدّد ٢٣٥

وقال الفضل : ٢٣٧

وأقول : ٢٣٨

حدوث الكلام ٢٤١

المطلب الثالث ٢٤١

في حدوثه ٢٤١

وقال الفضل : ٢٤٤

وأقول : ٢٤٦

٤٥٠

استلزام الأمر للإرادة والنهي للكراهة ٢٥١

المطلب الرابع ٢٥١

في استلزام الأمر والنهي : الإرادة والكراهة ٢٥١

وقال الفضل : ٢٥٢

وأقول : ٢٥٤

كلامه تعالى صدق ٢٥٧

المطلب الخامس ٢٥٧

في أنّ كلامه تعالى صدق ٢٥٧

وقال الفضل : ٢٥٩

وأقول : ٢٦١

صفاته عين ذاته ٢٦٧

المبحث الثامن ٢٦٧

في أنّه تعالى لا يشاركه شيء في القدم ٢٦٧

وقال الفضل : ٢٧٠

وأقول : ٢٧٤

البقاء ليس زائدا على الذات ٢٨٥

المبحث التاسع ٢٨٥

في البقاء ٢٨٥

المطلب الأوّل ٢٨٥

إنّه ليس زائدا على الذات ٢٨٥

وقال الفضل : ٢٨٨

وأقول : ٢٩١

إنّه تعالى باق لذاته ٢٩٥

المطلب الثاني ٢٩٥

٤٥١

في أنّ الله تعالى باق لذاته ٢٩٥

وقال الفضل : ٢٩٧

وأقول : ٢٩٩

البقاء يصحّ على الأجسام ٣٠٣

خاتمة ٣٠٣

[ الحكم ] الأوّل ٣٠٣

البقاء يصحّ على الأجسام [ بأسرها ] ٣٠٣

وقال الفضل : ٣٠٥

وأقول : ٣٠٦

البقاء يصحّ على الأعراض ٣٠٧

الحكم الثاني ٣٠٧

في صحّة بقاء الأعراض ٣٠٧

وقال الفضل : ٣١١

وأقول : ٣١٦

القدم والحدوث اعتباريّان ٣٢١

المبحث العاشر ٣٢١

في أنّ القدم والحدوث اعتباريّان ٣٢١

وقال الفضل : ٣٢٣

وأقول : ٣٢٤

نقل الخلاف في مسائل العدل ٣٢٥

المبحث الحادي عشر ٣٢٥

في العدل ٣٢٥

[ المطلب ] الأوّل ٣٢٥

في نقل الخلاف في مسائل هذا الباب ٣٢٥

٤٥٢

وقال الفضل : ٣٢٧

وأقول : ٣٢٨

قال المصنّف ٣٢٩

وقال الفضل : ٣٣٠

وأقول : ٣٣٢

قال المصنّف ٣٣٤

وقال الفضل : ٣٣٥

وأقول : ٣٣٦

قال المصنّف ٣٣٧

وقال الفضل : ٣٣٨

وأقول : ٣٣٩

قال المصنّف ٣٤٠

وقال الفضل : ٣٤١

وأقول : ٣٤٢

قال المصنّف ٣٤٥

وقال الفضل : ٣٤٦

وأقول : ٣٤٧

قال المصنّف ٣٤٨

وقال الفضل : ٣٤٩

وأقول : ٣٥٠

قال المصنّف ٣٥١

وقال الفضل : ٣٥٢

وأقول : ٣٥٣

قال المصنّف ٣٥٦

٤٥٣

وقال الفضل : ٣٥٧

وأقول : ٣٥٨

قال المصنّف ٣٦٢

وقال الفضل : ٣٦٣

وأقول : ٣٦٤

قال المصنّف ٣٦٥

وقال الفضل : ٣٦٦

وأقول : ٣٦٧

قال المصنّف ٣٦٨

وقال الفضل : ٣٦٩

وأقول : ٣٧٠

قال المصنّف ٣٧١

وقال الفضل : ٣٧٢

وأقول : ٣٧٣

قال المصنّف ٣٧٤

وقال الفضل : ٣٧٦

وأقول : ٣٧٧

قال المصنّف ١ : ٣٧٨

وقال الفضل : ٣٧٩

وأقول : ٣٨١

ترجيح أحد المذهبين ٣٨٥

وقال الفضل : ٣٨٩

وأقول : ٣٩٤

٤٥٤

إثبات الحسن والقبح العقليّين ٤٠٩

المطلب الثاني ٤٠٩

في إثبات الحسن والقبح العقليّين ٤٠٩

وقال الفضل : ٤١١

وأقول : ٤١٣

قال المصنّف ٤١٥

وقال الفضل : ٤١٦

وأقول : ٤١٧

قال المصنّف ٤١٨

وقال الفضل : ٤١٩

وأقول : ٤٢٠

قال المصنّف ٤٢١

وقال الفضل : ٤٢٢

وأقول : ٤٢٣

قال المصنّف ٤٢٤

وقال الفضل : ٤٢٥

وأقول : ٤٢٦

قال المصنّف ٤٢٧

وقال الفضل : ٤٢٨

وأقول : ٤٢٩

قال المصنّف ١ : ٤٣٠

وقال الفضل : ٤٣١

وأقول : ٤٣٢

قال المصنّف ٤٣٥

٤٥٥

وقال الفضل : ٤٣٦

وأقول : ٤٣٧

قال المصنّف ٤٣٨

وقال الفضل : ٤٣٩

وأقول : ٤٤٠

قال المصنّف ١ : ٤٤١

وقال الفضل : ٤٤٢

وأقول : ٤٤٥

فهرس المحتويات ٤٤٧

٤٥٦

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

من هنا نفهم ما قاله ابن عباس بشأن ضرورة قراءة سورة الأنعام لمن شاء أن يدرك مدى تخلف الأقوام الجاهليين.

ثمّ يذكر القرآن أنّ هؤلاء قد حرموا على أنفسهم ما رزقهم الله وأحله لهم وكذبوا على الله ونسبوا هذه الحرمة له سبحانه :( وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ افْتِراءً عَلَى اللهِ ) .

في هذه العبارة إدانة أخرى لأعمالهم ، فهم ـ أوّلا ـ حرموا على أنفسهم النعمة التي «رزقهم» إيّاها وأباحها لهم وكانت ضرورية لحياتهم ، فنقضوا بذلك قانون الله.

وهم ـ ثانيا ـ «افتروا» على الله قائلين إنّه هو الذي أمر بذلك.

في ختام الآية وفي جملتين قصيرتين إدانة أخرى لهم ، فهم :( قَدْ ضَلُّوا ) ، ثمّ إنّهم لم يسلكوا يوما الطريق المستقيم :( وَما كانُوا مُهْتَدِينَ ) .

* * *

٤٨١

الآية

( وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (١٤١) )

التّفسير

درس عظيم على درب التوحيد :

لقد جاءت الإشارة في هذه الآية إلى عدّة مواضيع ، كل واحد منها متفرع عن الآخر ، ونتيجة عنه.

فهو تعالى يقول أوّلا : إنّ الله تعالى هو الذي خلق أنواع البساتين والمزارع الحاوية على أنواع الأشجار والنباتات ، فمنها ما يعتمد في موقفه على الأعمدة والعروش حيث تحمل ما لذّ وطاب من الفواكه والثمار ، وتخلب بمنظرها الساحر العيون والألباب ، ومنها ما لا يحتاج إلى عريش ، بل هو قائم على سوقه يلقي بظلاله الوارفة على رؤوس الآدميّين ، ويسدّ بثماره المتنوعة حاجة الإنسان إلى الغذاء :( وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ ) .

٤٨٢

لقد ذهب المفسّرون في تفسير كلمة «معروش» و «غير معروش» إلى ثلاثة احتمالات :

١ ـ ما أشرنا إليه قبل قليل ، فالمعروش هو الأشجار والنباتات التي لا تقوم على سوقها بل تحتاج إلى عروش وسقف ، وغير المعروش هو الأشجار والنباتات التي تقوم على سوقها ولا تحتاج إلى عروش وسقف ، (لأنّ العرش يدلّ على ارتفاع في شيء ، ولهذا يقال لسقف البيت عرش ، ويقال للسرير المرتفع عرش).

٢ ـ إنّ المراد من «المعروش» هو الأشجار المنزلية وما يزرعه الناس ويحفظ بواسطة الحيطان في البساتين ، ومن «غير المعروش» الأشجار البرّية والنباتات الصحراوية والجبلية وما ينبت في الغابات.

٣ ـ «المعروش» هو ما يقوم على ساقه من الأشجار أو يرتفع على الأرض ، و «غير المعروش» هو الأشجار التي تمتد على الأرض.

ولكن يبدو أنّ المعنى الأوّل أنسب ، هنا ، ولعلّ ذكر «المعروشات» في مطلع الحديث إنّما هو لأجل بنيان هذا النوع من الأشجار وتركيبها العجيب ، فإنّ نظرة عابرة إلى شجرة الكرم وقضبان العنب وسيقانها الملتوية العجيبة ، والمزوّدة بكلاليب ومقابض خاصّة ، وكيفية التفافها بكل شيء حتى تستطيع أن تنمو ، وتثمر ، خير شاهد على هذا الزعم.

ثمّ إنّ الآية تشير إلى نوعين من البساتين والمزارع إذ تقول :( وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ ) .

وذكر هذين النوعين بالخصوص إنّما هو لأهميتهما الخاصّة في حياة البشر ، ودورهما في نظامه الغذائي (ولا بدّ أن تعرف أن الجنّة كما تطلق على البستان ، كذلك تطلق على الأرض التي غطّاها الزرع).

ثمّ إنّه تعالى يضيف قائلا : إنّ هذه الأشجار مختلفة ومتنوعة من حيث الثمر

٤٨٣

والطعم. فمع أنّ جميعها ينبت من أرض واحدة ويسقى بماء واحد فإن لكل واحدة منها رائحة خاصّة ، ونكهة معينة ، وخاصية تختص بها ، ولا توجد في غيرها :( مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ ) (١) .

ثمّ يشير سبحانه إلى قسمين آخرين من الثمار عظيمي الفائدة ، جليلي النفع في مجال التغذية البشرية إذ يقول :( وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ ) .

إن إختيار هاتين بالذكر من بين أشجار كثيرة إنّما هو لأجل أن هاتين الشجرتين : (شجرة الزيتون وشجرة الرمان) رغم تشابههما من حيث الظاهر والمظهر تختلفان اختلافا شاسعا من حيث الثمرة ، ومن حيث الخاصية الغذائية ، ولهذا عقّب على قوله ذلك بهاتين الكلمتين :( مُتَشابِهاً ، وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ ) (٢) .

وبعد ذكر كلّ هذه النعم المتنوّعة يقول سبحانه :( كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ ، وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ ) .

ثمّ ينهى في نهاية المطاف عن الإسراف إذ يقول تعالى :( وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ) .

«الإسراف» تجاوز حدّ الاعتدال في كل فعل يفعله الإنسان. وهذه الجملة يمكن أن تكون إشارة إلى عدم الإسراف في الأكل ، أو عدم الإسراف في الإنفاق والبذل ، لأنّ البعض قد يسرف في البذل والإنفاق إلى درجة أنّه يهب كل ما عنده إلى هذا وذاك ، فيقع هو وأبناؤه وأهله في عسر وفقر وحرمان!!

بحوث

١ ـ ارتباط هذه الآية بالآيات السابقة

في الآيات السابقة من هذه السورة جرى حديث عن الأحكام الخرافية التي

__________________

(١) الأكل : بضم الألف وضم أو سكون الكاف يعني ما يؤكل.

(٢) تقدم لنا توضيح في هذا المجال عند تفسير الآية (٩٩) من نفس هذه السورة.

٤٨٤

كانت سائدة بين الوثنيين ، الذين كانوا يجعلون نصيبا من الزرع والأنعام لله ، وكانوا يعتقدون بأنّ ذلك النصيب يجب أن يصرف على نحو خاص ، كانوا يحرّمون ركوب بعض الأنعام ، ويقدّمون أولادهم قرابين إلى بعض الأصنام والأوثان!!

إنّ الآية الحاضرة ، والآية اللاحقة تحملان ردّا على جميع هذه الأحكام والمقررات الخرافيّة الجاهلية إذ تقولان بصراحة ، إنّ الله تعالى هو خالق جميع هذه النعم ، فهو الذي أنشأ جميع هذه الأشجار والأنعام والزروع ، كما أنّه هو الذي أمر بالانتفاع بها ، وعدم الإسراف فيها ، وعلى هذا الأساس فليس لغيره أي حق لا في «التحريم» ، ولا في «التحليل».

٢ ـ ماذا تعني جملة

( إِذا أَثْمَرَ ) مع ذكر «ثمره» قبل ذلك؟ فقد وقع فيه كلام بين المفسّرين ، ولكن الظاهر أن هذه الجملة تهدف إلى تقرير وبيان أنّ بمجرد ظهور الثمار على هذه الأشجار ، وظهور سنابل القمح ، والحبوب في الزرع يجوز الانتفاع بها حتى إذا لم يعط منها حقوق الفقراء بعد ، وإنما يجب إيتاء هذا الحق لأهله حين حصاد الزرع ، وقطاف الثمر(يوم الحصاد) كما يقول تعالى :( وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ ) .

٣ ـ ما هو المراد من الحقّ الذي يجب إعطاؤه؟

يرى البعض أنّها هي الزّكاة الواجبة المفروضة ، أي عشر أو نصف عشر المحصول البالغ حدّ النصاب الشرعي.

بيد أنه مع الالتفات إلى أنّ هذه السورة قد نزلت في مكّة ، وأن حكم الزّكاة نزل في السنة الثانية من الهجرة أو بعد ذلك في المدينة المنورة ، يبدو مثل هذا الاحتمال بعيدا.

٤٨٥

وقد عرّف هذا الحق في روايات عديدة وصلتنا من أهل البيتعليهم‌السلام ، وكذا في روايات عديدة وردت في مصادر أهل السنة بغير الزّكاة.

وجاء فيها أنّ المراد منه هو يعطى من المحصول إلى الفقير عند حضوره عملية الحصاد أو القطاف ، وليس له حدّ معين ثابت(١) .

وفي هذه الحالة ، هل هذا الحكم وجوبي أم استحبابي؟

يرى البعض أنه حكم وجوبي ، أي أنّ إعطاء هذا الحق كان واجبا على المسلمين قبل تشريع حكم «الزّكاة» ولكنّه نسخ بعد نزول آية الزّكاة ، فحلّت الزّكاة بحدودها الخاصّة محل ذلك الحق.

ولكن يستفاد من أحاديث أهل البيتعليهم‌السلام أن هذا الحكم لم ينسخ ، بل هو باق في صورة الحكم الاستحبابي ، وهذا يعني أنه يستحبّ الآن إعطاء شيء من المحاصيل الزراعية إلى من يحضر عند حصادها وقطافها من الفقراء.

٤ ـ يمكن أن يكون التعبير بكلمة «يوم» إشارة إلى أنه يحبّذ أن يوقع حصاد الزرع ، وقطاف الثمر في النهار حتى إذا حضر الفقراء يعطي إليهم شيء منها ، لا في الليل كما يفعل بعض البخلاء لكيلا يعرف أحد بهم.

وقد أكّدت الرّوايات الواصلة إلينا من أهل البيتعليهم‌السلام على هذا الأمر أيضا(٢) .

* * *

__________________

(١) الأحاديث المذكورة ذكرها صاحب الوسائل في كتاب الزّكاة في أبواب زكاة الغلات في الباب ١٣ ، والبيهقي في كتاب السنن ، ج ٤ ، ص ١٣٢.

(٢) راجع بهذا الصدد كتاب وسائل الشيعة كتاب الزّكاة ، أبواب زكاة الغلات ، باب كراهة الحصاد والجذاذ بالليل ، ج ٦ ، ص ١٣٦.

٤٨٦

الآيات

( وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (١٤٢) ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٤٣) وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ بِهذا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٤٤) )

التّفسير

إنّ هذه الآيات ـ كما أشرنا إلى ذلك ـ بصدد إبطال أحكام خرافيّة جاهليّة كان المشركون يدينون بها في مجال الزراعة والأنعام.

ففي الآية المتقدمة جرى الحديث حول أنواع المزروعات والثمار التي

٤٨٧

أنشأها الله ، وفي هذه الآيات يدور الحديث حول الحيوانات المحلّلة اللحم ، وما تؤديه من خدمات ، وما يأتي منها من منافع.

يقول أوّلا : إنّ الله هو الذي خلق لكم حيوانات كبيرة للحمل والنقل ، وأخرى صغيرة :( وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً ) (١) .

و «حمولة» جمع وليس لها مفرد ـ كما قال علماء اللغة ـ وتعني الحيوانات الكبيرة التي تستخدم للحمل والنقل كالإبل والفرس ونظائرها.

و «فرش» هو بنفس المعنى المتعارف ، ولكن فسّر هنا بالغنم وما يشابهه من الحيوانات الصغيرة ، والظاهر أنّ العلة في ذلك هو أنّ هذا النوع من الأنعام لصغرها واقترابها من الأرض كالفراش في مقابل الأنعام والحيوانات الكبيرة الجثة ـ التي تقوم بعملية الحمل والنقل ، كالإبل ـ فعند ما نشاهد قطعيا من الأغنام وهي مشغولة بالرعي في الصحاري والمراعي بدت لنا وكأنّها فرش ممدودة على الأرض ، في حين أن قطيع الإبل لا يكون له مثل هذا المنظر.

ثمّ إنّ تقابل «الحمولة» «الفرش» أيضا يؤيد هذا المعنى.

وقد ذهب بعض المفسّرين إلى احتمال آخر أيضا ، وهو أن المراد من هذه الكلمة هي الفرش التي يتخذها الناس من هذه الأنعام والحيوانات ، يعني أن الكثير من هذه الحيوانات تستخدم للحمل والنقل ، كما يستفاد منها في صنع الفرش. ولكن الاحتمال الأوّل أقرب إلى معنى الآية.

ثمّ إنّ الآية الشريفة تخلص إلى القول بأنه لمّا كانت جميع هذه الانعام قد خلقها الله تعالى وحكمها بيده ، فإنّه يأمركم قائلا :( كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ ) .

أمّا أنّه لماذا لا يقول : كلوا من هذه الأنعام والحيوانات ، بل يقول :( كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ ) ؟ فلأن الحيوانات المحلّلة اللحم لا تنحصر في ما ذكر في هذه الآيات ، بل هناك حيوانات أخرى محلّلة اللحم أيضا ولكنّها لم تذكر في الآيات

__________________

(١) الواو في صدر الآية هي واو العاطفة وما بعدها عطف على الجنات في الآية السابقة.

٤٨٨

السابقة.

ولتأكيد هذا الكلام وإبطال أحكام المشركين الخرافية يقول :( وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) فهو الذي أعلن الحرب على آدم منذ بداية الخلق.

وهذه العبارة إشارة إلى أن هذه الأحكام والمقررات العارية عن الدليل ، والتي تنبع فقط من الهوى والجهل ، ما هي إلّا وساوس شيطانية من شأنها أن تبعدكم عن الحق خطوة فخطوة ، وتؤدي بكم إلى متاهات الحيرة والضلالة.

هذا وقد مرّ توضيح أكثر لهذه العبارة عند تفسير الآية (١٦٨) من سورة البقرة.

الآية الثانية تبيّن قسما من الحيوانات المحلّلة اللحم ، وبعض الأنعام التي يستفاد منها في النقل ، كما يستفاد منها في تغذية البشر وطعامهم أيضا فيقول : إنّ الله خلق لكم ثمانية أزواج من الأنعام : زوجين من الغنم (ذكر وأنثى) ، وزوجين من المعز :( ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ (١) مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ ) .

وبعد ذكر هذه الأزواج الأربعة يأمر تعالى نبيّه فورا بأن يسألهم بصراحة : هل أن الله حرّم الذكور منها أم الإناث :( قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ ) ؟! أم أنّه حرّم عليهم ما في بطون الإناث من الأغنام ، أم ما في بطون الإناث من المعز؟ :( أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ ) ؟!

ثمّ يضيف قائلا : إذا كنتم صادقين في أنّ الله حرّم شيئا ممّا تدعونه ، وكان لديكم ما يدلّ على تحريم أي واحد من هذه الأنعام فهاتوا دليلكم على ذلك :

__________________

(١) أزواج جمع «زوج» تعني في اللغة ما يقابل الفرد ، ولكن يجب الانتباه إلى أنّه ربّما يراد منه مجموع الذكر والأنثى ، وربّما يطلق على كل واحد من الزوجين ، ولهذا يطلق على الذكر والأنثى معا : زوجين ، واستعمال لفظ الأزواج الثمانية في الآية إشارة إلى الذكور الأربعة من الأصناف الأربعة ، والإناث الأربع من تلك الأصناف.

ويحتمل أيضا أن يكون المراد من الأزواج الثمانية في الآية : الأليف من تلك الأصناف الأربعة وما يقابلها من الوحشي ، أي الذكر والأنثى من الغنم الأليف ، والذكر والأنثى من الغنم الوحشي ، وهكذا فتكون الأزواج حينئذ الأزواج حينئذ ثمانية.

٤٨٩

نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) .

ثمّ في الآية اللاحقة يبيّن الأزواج الأربعة الأخرى من الأنعام التي خلقها الله للبشر ، إذ يقول : وخلق من الإبل ذكرا وأنثى ، ومن البقر ذكرا وأنثى ، فأي واحد من هذه الأزواج حرّم الله عليكم : الذكور منها أم الإناث؟ أم ما في بطون الإناث من الإبل والبقر :( وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ ، أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ ) ؟!

وحيث أن الحكم بتحليل هذه الأنعام وتحريمها إنّما هو بيد الله خالقها وخالق البشر وخالق العالم كله ، من هنا يتوجّب على كلّ من يدّعي تحليل أو تحريم شيء منها ، إمّا أن يثبت ذلك عن طريق شهادة العقل ، وإمّا أن يكون قد أوحي له بذلك ، أو يكون حاضرا عند النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند صدور هذا الحكم منه.

ولقد صرّح في الآية السابقة بأنّه لم يكن لدى المشركين أي دليل علميّ أو عقليّ على تحريم هذه الأنعام ، وحيث أنّهم لو يدّعوا أيضا نزول الوحي عليهم ، أو النبوة ، فعلى هذا يبقى الاحتمال الثالث فقط ، وهو أن يدّعوا أنّهم حضروا عند أنبياء الله ورسله يوم أصدروا هذه الأحكام ، ولهذا يقوم الله لهم في مقام الإحتجاج عليهم : هل حضرتم عند الأنبياء وشهدتم أمر الله لهم بتحليل أو تحريم شيء من هذه الأنعام :( أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ بها ) ؟!

وحيث إنّ الجواب على هذا السؤال هو الآخر بالنفي والسلب ، يثبت أنّهم ما كانوا يمتلكون في هذا المجال إلّا الافتراء ، ولا يستندون إلّا إلى الكذب.

ولهذا يضيف في نهاية الآية قائلا :( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً ، لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ ، إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) (١) .

فيستفاد من هذه الآية أن الافتراء على الله من أكبر الذنوب والآثام ، إنّه ظلم

__________________

(١) ثمّة احتمالات عديدة حول ما هو متعلق بالجار والمجرور في قوله : «بغير علم» ، ولكن لا يبعد أن يكون هذا الظرف متعلقا بفعل : «يضل» يعني أنّهم بسبب جهلهم يضلون الناس.

٤٩٠

لله تعالى ولمقامه الربويّ العظيم ، وظلم لعباد الله ، وظلم النفس ، وللتعبير بـ «أظلم» في مثل هذه الموارد كما قلنا سابقا ، جانب نسبيّ ، وعلى هذا فلا مانع من استعمال نفس هذا التعبير بالنسبة إلى بعض الذنوب الكبيرة الأخرى.

كما ويستفاد من هذه الآية أيضا أن الهداية والإضلال الإلهيين لا يكونان بالجبر ، بل إن لهما مقدمات وعللا تبدأ من الإنسان نفسه وتتحقق بفعله هو ، فعند ما يعمد أحد باختياره إلى ممارسة الظلم والجور يحرمه الله حينئذ من عنايته وحمايته ، ويتركه يضيع في متاهات الحيرة والضلالة.

* * *

٤٩١

الآية

( قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤٥) )

التّفسير

بعض الحيوانات المحرّمة :

ثمّ إنّه تعالى ـ بهدف تمييز المحرمات الإلهية عن البدع التي أحدثها المشركون وأدخلوها في الدين الحق ـ أمر نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذه الآية بأن يقول لهم بكل صراحة ، ومن دون إجمال أو إبهام :( لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَ ) من الشريعة أي شيء من الأطعمة يكون( مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ ) من ذكر أو أنثى ، وصغير أو كبير.

اللهم( إِلَّا ) عدّة أشياء ، الأوّل :( أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً ) .

أو يكون( دَماً مَسْفُوحاً ) وهو ما خرج من الذبيحة عند التزكية بالقدر المتعارف (لا الدّماء التي تبقى في جسم الذبيحة في عروقها الشعرية الدقيقة ، بعد

٤٩٢

خروج قدر كبير منها بعد الذبح).

( أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ ) .

لأنّ جميع هذه الأشياء رجس ومنشأ لمختلف الأضرار( فَإِنَّهُ رِجْسٌ ) .

إنّ الضمير في «فإنّه» وإن كان ضمير الإفراد ، إلّا أنّه يرجع ـ حسب ما يذهب إليه أكثر المفسّرين ـ إلى الأقسام الثلاثة المذكورة في الآية (الميتة ، الدم ، لحم الخنزير) فيكون معنى الجملة الأخيرة هي : فإنّ كل ما ذكر رجس(١) . وهذا هو المناسب لظاهر الآية وهو عودة الضمير إلى جميع تلك الأقسام ، إذ لا شك في أن الميتة والدم هما أيضا رجس كلحم الخنزير.

ثمّ أشار تعالى إلى نوع رابع فقال :( أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ ) (٢) أي التي لم يذكر اسم الله عليها عند ذبحها.

والجدير بالتأمل أنّه ذكرت لفظة «فسقا» بدلا عن كلمة «الحيوان».

و «الفسق» كما أسلفنا يعني الخروج عن طاعة الله وعن رسم العبودية ، ولهذا يطلق على كل معصية عنوان الفسق.

وأمّا ذكر هذه اللفظة في هذا المورد في مقابل الرجس الذي أطلق على الموارد الثلاثة المذكورة سابقا ، فيمكن أن يكون إشارة إلى أنّ اللحوم المحرمة على نوعين :

اللحوم المحرّمة لخباثتها بحيث تنفر منها الطباع ، وتوجب أضرارا جسدية ، ويطلق عليها وصف الرجس (أي النجس).

اللحوم التي لا تعدّ من الخبائث ، ولا تستتبع أضرارا جسميّة وصحيّة ، ولكنّها ـ من الناحية الأخلاقية والمعنوية ـ تدلّ على الابتعاد عن الله وعن جادة التوحيد ،

__________________

(١) وفي الحقيقة يكون معنى كلمة «فإنّه» هو «فإن ما ذكر».

(٢) «أهلّ» أصله «الإهلال» ، وهو مأخوذ في الأصل من الهلال ، والإهلال يعني رفع الصوت عند رؤية الهلال ، ثمّ استعمل لكل صوت رفيع ، كما أنّه يطلق على بكاء الصبي عند الولادة الاستهلال ، وحيث أنّهم كانوا يذكرون أسماء أصنامهم بصوت عال عند ذبح الأنعام عبرّ عن فعلهم هذا بالإهلال.

٤٩٣

ولهذا حرّمت أيضا.

وعلى هذا الأساس لا يجب أن نتوقع أن تنطوي اللحوم المحرمة دائما على أضرار صحيّة ، بل ربّما حرّمت لأجل أضرارها المعنوية والأخلاقية ، ومن هنا يتضح أنّ الشروط الإسلامية المقرّرة في الذبح على نوعين أيضا :

بعضها ـ مثل قطع الأوداج الأربعة ، وخروج القدر المتعارف من دم الذبيحة ـ لها جانب صحّي.

وبعضها الآخر ـ مثل توجيه مقاديم الذبيحة نحو القبلة عند الذبح ، وذكر اسم الله عنده ، وكون الذابح مسلما ـ لها جانب معنويّ.

ثمّ إنّه سبحانه استثنى ـ في آخر الآية ـ من اضطر إلى تناول شيء ممّا ذكر من اللحوم المحرّمة ، كما لو لم يجد أيّ طعام آخر وتوقفت حياته على تناول شيء من تلك اللحوم ، إذ قال :( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (١) يعني أنّ من اضطرّ إلى أكل شيء ممّا ذكر من المنهيّات فلا إثم عليه ، بشرط أن يكون للحفاظ على حياته ، لا للذة ، ولا مستحلّا لما حرّمه الله ، أو متجاوزا حدّ الضرورة ، ففي هذه الصورة( فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .

وإنّما اشترط هذان الشرطان لكي لا يتذرع المضطرون بهذه الإباحة فيتعدّوا حدود ما قرّره الله بحجة الاضطرار ، ويتخذوا من ذلك ذريعة لتجاهل حمى القوانين الإلهية.

ولكنّنا نقرأ في بعض الأحاديث الواردة عن آل البيتعليهم‌السلام ، مثل الحديث المنقول عن الإمام الصادقعليه‌السلام : «الباغي : الظالم ، والعادي : الغاصب»(٢) .

كما نقرأ في حديث آخر منقول عن الإمامعليه‌السلام أنّه قال : «الباغي : الخارج على

__________________

(١) «الباغي» من «البغي» وهو يعني الطلب ، «والعادي» من «العدو» وهو يعني التجاوز.

(٢) بحار الأنوار ، ج ٦٥ ، ص ١٣٦ و ١٣٧.

٤٩٤

الإمام ، والعادي : اللص»(١) .

هذه الرّوايات ونظائرها تشير إلى أنّ الاضطرار إلى تناول اللحوم المحرمة يتفق عادة في الأسفار ، فإذا أقدم أحد على السفر في سبيل الظلم أو الغصب أو السرقة ثمّ فقد الطعام الحلال في خلال السفر لم يجز له تناول اللحوم المحرّمة ، وإن كانت وظيفته ـ للحفاظ على حياته من التلف ـ هو التناول من تلك اللحوم ، ولكنّه يعاقب على إثمه هذا ، لأنّه أوجد بنفسه المقدمات لمثل هذا السفر الحرام ، وعلى كل حال فإنّ هذه الرّوايات تنسجم مع المفهوم الكليّ للآية انسجاما كاملا.

جواب على سؤال :

وهنا ويطرح سؤال هو : كيف حصرت جميع المحرمات الإلهية ـ في مجال الأطعمة ـ في أربعة أشياء ، مع أنّنا نعلم بأنّ الأطعمة المحرمة لا تنحصر في هذه الأشياء ، مثل لحوم الحيوانات المفترسة ، ولحوم الحيوانات البحرية (إلّا ما كان له فلس من الأسماك) وما شابه ، فهذه كلّها حرام ، في حين لم يجيء في الآية أي ذكر عن تلك اللحوم ، بل حصرت المحرمات في هذه الأشياء الأربعة؟!

قال البعض في مقام الإجابة على هذا السؤال ، بأنّ هذه الآيات نزلت في مكّة وحكم الأطعمة المحرمة الأخرى لم ينزل بعد.

غير أنّ هذه الإجابة تبدو غير صحيحة ، والشاهد على ذلك أنّ نفس هذا التعبير أو نظيره قد ورد في السور المدنية مثل الآية (١٧٣) من سورة البقرة.

والظاهر أنّ هذه الآية ناظرة ـ فقط ـ إلى نفي الأحكام الخرافية التي كانت شائعة وسائدة في أوساط المشركين ، فالحصر «حصر إضافي» لا حقيقيّ.

وبعبارة أخرى : كأنّ الآية تقول : المحرمات الإلهية هذه ، وليس ما نسجته أوهامكم.

__________________

(١) بحار الأنوار ، ج ٦٥ ، ص ١٣٦ و ١٣٧.

٤٩٥

ولكي تتضح هذه الحقيقة لا بأس بأنّ نضرب لذلك مثلا.

يسألنا أحد : لها جاء الحسن والحسين كلاهما ، فنجيب : كلا بل جاء الحسن فقط ، لا شك أننا هنا نريد نفي مجيء الشخص الثاني (أي الحسين) ولكن لا مانع من أن يكون آخرون ـ ممن لم يكونوا محور حوارنا أصلا ـ قد جاؤوا أيضا ، وهذا هو ما يسمى بالحصر الإضافي (أو النسبيّ).

نعم ، لا بدّ من الانتباه إلى نقطة مهمّة ، وهي أنّ ظاهر الحصر عادة ـ الحصر الحقيقي إلّا في الموارد التي يوجد فيها قرائن صارفة عن مدلول الظاهر مثل ما نحن فيه الآن.

* * *

٤٩٦

الآيتان

( وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلاَّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا )

( اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (١٤٦) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١٤٧) )

التّفسير

ما حرّم على اليهود :

في الآيات السابقة حصرت المحرمات من الحيوان في أربعة ، غير أنّ هاتين الآيتين تشيران إلى بعض ما حرم على اليهود ليتبيّن أن أحكام الوثنيين الخرافية والمجهولة لا تنطبق لا على أحكام الإسلام ، ولا على دين اليهود (بل ولا على دين المسيح الذي يتبع في أكثر أحكامه الدين اليهودي).

ثمّ إنّه قد صرح في هذه الآيات أن هذا النوع من المحرمات على اليهود كان له طابع المعاقبة وصفة المجازاة ، ولو أنّ اليهود لم يرتكبوا الجنايات والمخالفات لما حرّم عليهم هذه الأمور ، وعلى هذا الأساس لسائل أن يسأل الوثنيين : من أين

٤٩٧

أتيتم بهذه الأحكام المصطنعة؟

ولهذا يقول سبحانه في البداية :( وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ ) .

و «الظفر» هو في الأصل المخلب ، ولكنّه يطلق أيضا على ظلف الحيوانات من ذوات الأظلاف (من الحيوانات التي لها أظلاف غير منفرجة الأصابع كالحصان لا كالغنم والبقر التي لها أظلاف منفرجة) لأنّ أظلافها تشبه الظفر ، كما أنّه يطلق على خف البعير الذي يكون منتهاه مثل الظفر ، ولا يكون فيه انشقاق وانفراج مثل انفراج الأصابع.

وعلى هذا الأساس فإنّ المستفاد من الآية المبحوثة هو أنّ جميع الحيوانات التي لا تكون ذات أظلاف ـ دوابا كانت أو طيورا ـ كانت محرّمة على اليهود.

ويستفاد هذا المعنى ـ على نحو الإجمال أيضا ـ من سفر اللاويين من التّوراة الحاضرة الإصحاح ١١ حيث يقول : «وأمر الربّ موسى وهارون : أوصيا بني إسرائيل : هذه هي الحيوانات التي تأكلونها من جميع بهائم الأرض : تأكلون كل حيوان مشقوق الظّلف ومجتر ، أمّا الحيوانات المجترة فقط ذو المشقوقة الظلف فقط ، فلا تأكلوا منها ، فالجمل غير طاهر لكم لأنّه مجتر ولكنّه غير مشقوق الظلف»(١) .

كما أنّه يمكن أن يستفاد من العبارة التّالية في الآية المبحوثة التي تحدثت عن خصوص البقر والغنم فقط حرمة لحم البعير على اليهود بصورة كلية أيضا.(تأمل بدقّة).

ثمّ يقول سبحانه :( وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما ) .

ثمّ يستثني بعد هذا ثلاثة موارد : أوّلها الشحوم الموجودة في موضوع الظهر من هذين الحيوانين إذ يقول :( إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما ) .

__________________

(١) الكتاب المقدس ، سفر اللّاويين ، الاصحاح ١١ ، ص ١٤٢.

٤٩٨

وثانيا : الشّحوم الموجودة على جنبيها ، أو بين أمعائها :( أَوِ الْحَوايا ) (١) .

وثالثا : الشحوم التي امتزجت بالعظم والتصقت به( أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ) .

ولكنّه صرّح في آخر الآية بأنّ هذه الأمور لم تكن محرّمة على اليهود ـ في الحقيقة ـ ولكنّهم بسبب ظلمهم وبغيهم حرموا ـ بحكم الله وأمره ـ من هذه اللحوم ولشحوم التي كانوا يحبّونها( ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ ) .

ويضيف ـ لتأكيد هذه الحقيقة ـ قوله :( وَإِنَّا لَصادِقُونَ ) وإن ما نقوله هو عين الحقيقة.

بحثان

١ ـ ماذا كان يقترف بنو إسرائيل؟

لا بدّ أن نرى هنا أي ظلم كان يقترفه بنو إسرائيل أوجب أن يحرّم الله تعالى عليهم هذه النعم التي كانوا يحبّونها؟!

هناك مذاهب متباينة للمفسّرين في هذا الصعيد ، ولكن ما يستفاد من الآية (١٦٠ و ١٦١) من سورة النساء ، هو أنّ علّة التحريم المذكور كان عدة أمور : ظلمهم للضعفاء ، ومعارضتهم للأنبياء ، ومنعهم من هداية الناس ، وأكل الربا ، وأكل أموال الناس بالباطل ، إذ يقول :( فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ ، وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا ، وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ ) .

٢ ـ ما معنى «إنّا لصادقون»؟

إنّ عبارة( وَإِنَّا لَصادِقُونَ ) التي جاءت في آخر الآية يمكن أن تكون إشارة إلى هذه النقطة وهي : أنّ الصدق والحق في مسألة تحريم هذه الأطعمة هو ما قلناه لا ما قاله اليهود في بعض كلامهم ، وهو أنّ تحريم هذه الأطعمة واللحوم إنّما

__________________

(١) «الحوايا» جمع «حاوية» وهي مجموعة ما يوجد في بطن الحيوان والتي تكون على هيئة كرة تتضمّن الأمعاء.

٤٩٩

كان من جانب إسرائيل (يعقوب) ، لأن يعقوب ـ كما جاء في الآية (٩٣) من سورة آل عمران ـ لم يحكم بحرمة هذه الأشياء أبدا ، وليس هذا سوى تهمة ألصقتها اليهود به.

* * *

ولما كان عناد اليهود المشركين أمرا بيّنا ، وكان من المحتمل أن يتصلّبوا ويتمادوا في تكذيب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أمر الله تعالى نبيّه في الآية الاخرى أنّهم إن كذّبوه يقول لهم : إنّ ربّكم ذو رحمة واسعة فهو لا يسارع إلى عقوبتكم ومجازاتكم ، بل يمهلكم لعلكم تؤوبون إليه ، وترجعون عن معصيتكم ، وتندمون من أفعالهم وتعودون إلى الله ،( فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ ) .

ولكن إذا أساؤوا فهم أو استخدام هذا الإمهال الإلهي ، واستمروا في كيل التهم فيجب أن يعلموا أنّ عقاب الله إيّاهم حتميّ لا مناص منه ، وسوف يصيبهم غضبه في المال :( وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ) .

إنّ هذه الآية تكشف ـ بوضوح ـ عن عظمة التعاليم القرآنية ، فإنّه بعد شرح وبيان كل هذه المخالفات التي ارتكبها اليهود والمشركون لا يعمد إلى التهديد بالعذاب فورا ، بل يترك طريق الرجعة مفتوحا ، وذلك بذكر عبارات تفيض بالحب مثل قوله : «ربّكم» «ذو رحمة» «واسعة» أوّلا. حتى إذا كان هناك أدنى استعداد للرجوع والإنابة في نفوسهم شوّقتهم هذه العبارات العاطفية على العودة إلى لطريق المستقيم.

ولكن حتى لا تبعث سعة الرحمة الإلهية هذه على التمادي في غيهم ، وتتسبّب في تزايد جرأتهم وطغيانهم ، وحتى يكفوا على العناد واللجاج هدّدهم في آخر جملة من الآية بالعقوبة الحتمية.

* * *

٥٠٠

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611