الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٤

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل9%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 611

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 611 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 134974 / تحميل: 6376
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

١ ـ إنّهم يحبّون الله ولا يفكرون بغير رضاه ، فالله يحبّهم وهم يحبّونه ، كما تقول الآية :( يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) .

٢ ـ و ٣ ـ يبدون التواضع والخضوع والرأفة أمام المؤمنين ، بينما هم أشداء أقوياء أمام الأعداء الظالمين ـ حيث تقول الآية :( أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ ) .

٤ ـ إنّ شغلهم الشاغل هو الجهاد في سبيل الله ، إذ تقول الآية :( يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ ) .

٥ ـ وآخر صفة تذكرها الآية لهؤلاء العظام ، هي أنّهم لا يخافون لوم اللائمين في طريقهم لتنفيذ أوامر الله والدفاع عن الحق ، حيث تقول الآية :( وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِم ) فهؤلاء بالإضافة إلى امتلاكهم القدرة الجسمانية ، يمتلكون الجرأة والشّجاعة لمواجهة التقاليد الخاطئة ، والوقوف بوجه الأغلبية المنحرفة التي اعتمدت على كثرتها في الاستهزاء بالمؤمنين.

وهناك الكثير من الأفراد المعروفين بصفاتهم الطيبة ، لكنّهم يبدون الكثير من التحفظ أمام الفوضى السائدة في المجتمع وهجوم الأفكار الخاطئة لدى سواد الناس أو من الأغلبية المنحرفة ، ويتملكهم الخوف والجبن ، وسرعان ما يتركون الساحة ويخلونها للمنحرفين ، في حين أنّ القائد المصلح ومن معه من الأفراد بحاجة إلى الجرأة والشهامة لتطبيق أفكارهم واصلاحاتهم. وعلى عكس هؤلاء فالذين لا يمتلكون هذه الصفات الروحية الرفيعة ، يقفون سدّا وحائلا دون حصول الإصلاحات المطلوبة.

وتؤكّد الآية في الختام ـ على أنّ اكتساب أو نيل مثل هذه الامتيازات السامية (بالإضافة إلى الحاجة لسعي الإنسان نفسه) مرهون بفضل الله الذي يهبها لمن يشاء ، ولمن يراه كفؤا لها من عباده ، حيث تقول الآية في هذا المجال :( ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ ) .

٤١

وفي النهاية تبيّن الآية أنّ مجال فضل الله وكرمه واسع ، وهو يعرف الأفكاء والمؤهلين من عباده ، وكما تقول الآية :( وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ ) .

لقد نقلت الرّوايات الإسلامية التي أوردها المفسّرون أقوالا كثيرة حول هوية الأشخاص المعنيين بهذه الآية ، فمن هم أنصار الإسلام هؤلاء الذين مدحهم الله بهذه الصفات؟

في الكثير من الرّوايات الواردة عن طرق الشيعة والسنة نقرأ أن هذه الآية نزلت في حقّ (علي بن أبي طالبعليه‌السلام ) وقتاله للناكثين والقاسطين والمارقين (مثيري حرب الجمل ، وجيش معاوية ، والخوارج) ، وممّا يدل على ذلك قول النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين رأى عجز قادة جيش الإسلام عن فتح حصن خيبر ، حيث وجهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهم الخطاب في إحدى الليالي وفي مقر جيش الإسلام قائلا : لأعطين الراية غدا رجلا يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله ، كرارا غير فرار ، لا يرجع حتى يفتح الله على يده»(١) .

ونقرأ في رواية أخرى أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سئل عن هذه الآية فوضعصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يده الشريفة على كتف «سلمان» وقال ما مضمونه : «هذا وأنصاره وبني قومه ...» وبذلك تنبّأ النّبي عن إسلام الإيرانيين وجهودهم ومساعيهم المثمرة في خدمة هذا الدين في المجالات المختلفة ، ثمّ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لو كان الدين (وفي رواية أخرى ـ لو كان العلم ـ) معلقا بالثريا لتناوله رجال من أبناء فارس»(٢) .

وذكرت روايات أخرى أن هذه الآية نزلت في شأن أنصار المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف الذين سيواجهون الارتداد والمرتدين بكل قوّة

__________________

(١) وقد ورد في تفسير (البرهان) و (نور الثقلين) العديد من الرّوايات ، منقولة عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام في هذا المجال ، كما نقل (الثعلبي) وهو أحد علماء السنة هذه الرّوايات (راجع كتاب إحقاق الحق ، ج ٣ ، ص ٢٠٠).

(٢) مجمع البيان ، ج ٣ ، ص ٢٠٨ ـ نور الثقلين ، ج ١ ، ص ٦٤٢ ـ أبو نعيم الأصفهاني في الحلية ، ج ٦ ، ص ٦٤ نقلوا هذا الحديث على الوجه التالي : «لو كان العلم منوطا بالثريا لتناوله رجال من أبناء فارس»

أمّاابن عبد البر فقد نقل الحديث على الصورة التّالية : «لو كان الدين عند الثريا لناله سلمان ...» وذلك في الإستيعاب ، ج ٢ ، ص ٥٧٧.

٤٢

وحزم ، ويملؤون العالم قسطا وعدلا وإيمانا.

وممّا لا شك فيه أنّه لا تناقض بين هذه الرّوايات الواردة في تفسير الآية الأخيرة ، لأنّ الآية ـ جريا على أسلوب القرآن الكريم ـ تبيّن مفهوما كليا عاما ، بحيث تعتبر «علي بن أبي طالبعليه‌السلام » أو «سلمان الفارسي» مصداقين مهمين ضمن هذا المفهوم الذي يشمل أفرادا آخرين يسيرون على نفس النهج ، حتى لو لم تتطرق الرّوايات إلى أسمائهم.

إنّ الأمر الذي يثير الأسف في هذا المجال ، هو تدخل العصبيات الطائفية والقومية في تفسير هذه الآية ، والتي أدخلت أفرادا لا يمتلكون أي كفاءة ولا يتمتعون بأي من الصفات المذكورة ضمن مصاديق هذه الآية واعتبرتهم ممّن نزلت الآية في شأنهم ، ومن هؤلاء الأفراد «أبو موسى الأشعري» الذي ارتكب تلك الحماقة التّأريخية المعروفة التي دفعت بالإسلام نحو هاوية السقوط ، ووضعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام في أحرج موقف(١) .

والغريب في هذا الأمر هو انتقال آثار التطرف الذي نلاحظه في الكتب العلمية ـ بشكل رهيب ـ إلى سواد الناس ، بل إلى متعلميهم ، وكأن هناك يدا خفية تسعى الى تشتيت صفوف المسلمين ، وتحول دون اتحاد كلمتهم ، وقد سرى هذا التطرف ليشمل تاريخ ما قبل الإسلام ، بحيث نرى هؤلاء المتطرفين وقد سمّوا شارعا فخما يقع بجوار بيت الله الحرام باسم «أبي سفيان» وهذا الشارع هو أكبر وأفخم بكثير من شارع «إبراهيم الخليلعليه‌السلام » مؤسس الكعبة الشريفة.

وأخذ أمثال هؤلاء المتطرفين يصمون كثيرا من المسلمين وبكل بساطة بالشرك ، لا لشيء إلّا لأنّ تحرك هؤلاء المسلمين لا يتفق مع أهوائهم وطريقتهم

__________________

(١) تفسير الطبري ، ج ٦ ، ص ١٨٤ ـ إلّا أنّ بعض الرّوايات ذكرت فقط «قوم أبي موسى» للإشارة إلى أهل اليمن الذين هبوا لنصرة الإسلام في أحرج اللحظات ، واستثنى أبو موسى تلميحا إلى قومه ، بينما تصرح الرّوايات الأخرى بأن (سلمان الفارسي) وقومه هم المشمولون بهذه الآية.

٤٣

الخاصة ، وكأن الإسلام ينحصر في هذه الطريقة ، أو كأنّهم ـ وحدهم ـ سدنة القرآن وحفظته دون غيرهم ، أو كأنّهم هم المكلفون ـ دون غيرهم ـ ببيان من هو المسلم ومن هو الكافر ، فيشيرون بكلمة واحدة إلى هذا بأنّه مشرك وإلى ذاك بأنّه مسلم ، وفق ما تشتهيه أهواؤهم ورغباتهم.

في حين أنّنا نقرأ في الرّوايات الواردة في تفسير الآيات الأخيرة ، أنّ الإسلام حين يصبح غريبا بين أهله يبرز أشخاص كسلمان الفارسي لإعادة مجد الإسلام وعظمته ، وهذه بشارة وردت على لسان النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقوم سلمان.

والمثير للدهشة والحيرة أن كلمة التوحيد التي هي رمز لوحدة المسلمين ، أصبحت اليوم تستخدم من قبل جهات معلومة للتفريق بين المسلمين واتهامهم بالشرك والوثنية ، وقد خاطب أحد العلماء هؤلاء المتطرفين بقوله : إنّكم قد وصلت بكم الحالة إلى درجة أن إسرائيل إذا تسلطت على جماعة منكم فرحت جماعة أخرى بهذا التسلط ، وإذا ضربت إسرائيل الجماعة الأخرى فرحت الجماعة الاولى بهذا العمل ، أو ليس هذا هو ما يبتغيه ويهدف إليه أعداء الإسلام؟

ومن الإنصاف القول بأن اللقاءات المتكررة التي حصلت بيننا وبين عدد من علماء هؤلاء المتعصبين المتطرفين ، كشفت القناع عن أنّ الواعين منهم كثيرا ما لا يرضون بهذا الوضع ، وقد التقيت بأحد علماء اليمن في المسجد الحرام فقال أمام جمع من كبار مدرسي الحرم المكي : إنّ اتهام أهل القبلة بالشرك يعتبر ذنبا كبيرا ، استقبحه السلف الصالح كثيرا ، وقد صدر هذا القول منه حين كان الحديث يدور حول مسألة حدود الشرك ، وقد أعرب هذا العالم عن استيائه لما يقوم به بعض الجهلاء من اتهام الناس بالشرك مشيرا إلى أن هؤلاء يتحملون بعملهم هذا مسئولية عظيمة.

* * *

٤٤

الآية

( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ (٥٥) )

سبب النّزول

جاء في تفسير مجمع البيان ـ وتفاسير وكتب أخرى ـ نقلا عن عبد الله بن عباس قوله : أنّه كان في أحد الأيّام جالسا إلى جوار بئر زمزم ، ويروي للناس أحاديث النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فتقرب إليهم ـ فجأة ـ رجل كان يرتدي عمامة ، ويضع على وجهه نقابا ، وكان كلما تلا ابن عباس حديثا عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تلا هو حديثا عن النّبي مستهلا قوله بعبارة : «قال رسول الله ...» فأقسم عليه ابن عباس أن يعرف نفسه ، فرفع هذا الشخص النقاب عن وجهه وصاح أيّها الناس من عرفني فقد عرفني ولم يعرفني فأنا جندب بن جنادة البدري أبو ذر الغفاري ، سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهاتين وإلّا صمتا ، ورأيته بهاتين وإلّا فعميتا ، يقول : «علي قائد البررة ، وقاتل الكفرة منصور من نصره ، مخذول من خذله».

وأضاف أبو ذر : أمّا إنّي صليت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوما من الأيّام صلاة الظهر فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد فرفع السائل يده الى السماء وقال : اللهم أشهد بأنّي سألت في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم يعطني أحد شيئا ، وكان عليعليه‌السلام

٤٥

راكعا فأومى إليه بخنصره اليمنى وكان يختتم فيها فاقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره وذلك بعين النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلمّا فرغ من صلاته رفع رأسه إلى السماء وقال : «اللهم موسى سألك فقال :( رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) ، فأنزلت عليه قرآنا ناطقا :( سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما ) اللهم وأنا محمّد نبيّك وصفيك اللهمّ فاشرح لي صدري ويسّر لي أمري واجعل لي وزيرا عليّا أشدد به ظهري».

قال أبو ذررحمه‌الله : فما استتم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلامه حتى نزل جبرائيل من عند اللهعزوجل فقالعليه‌السلام : يا محمّد اقرأ ، قال : وما اقرأ؟ قال : اقرأ :( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) (١) .

وطبيعي أنّ سبب النّزول هذا قد نقل عن طرق مختلفة (كما سيأتي تفصيله) بحيث تختلف الرّوايات أحيانا بعضها عن البعض الآخر في جزئيات وخصوصيات الموضوع ، لكنها جميعا متفقة من حيث الأساس والمبدأ.

التّفسير

ابتدأت هذه الآية بكلمة «إنّما» التي تفيد الحصر ، وبذلك حصرت ولاية أمر المسلمين في ثلاث هم : الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والذين آمنوا وأقاموا الصّلاة وأدوا الزّكاة وهم في حالة الركوع في الصّلاة كما تقول الآية :( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) .

ولا شك أنّ الرّكوع المقصود في هذه الآية هو ركوع الصّلاة ولا يعني الخضوع ، لأنّ الشارع المقدس اصطلح في القرآن على كلمة الرّكوع للدلالة على الركن الرّابع للصلاة.

__________________

(١) تفسير مجمع البيان : ج ٢ ، ص ٢١٠ ، في ذيل الآية البحوثة.

٤٦

وبالإضافة إلى الرّوايات الواردة في شأن نزول الآية ، والتي تتحدث عن تصدق علي بن أبي طالبعليه‌السلام بخاتمه في الصّلاة ـ وسنتطرق إليها بالتفصيل ـ فإنّ جملة( يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ) تعتبر دليلا على هذا الأمر ، وليس في القرآن أثر عن ضرورة أداء الزّكاة مقرونة بالخضوع ، بل ورد التأكيد على دفع الزّكاة بنيّة خالصة وبدون منة.

كما لا شك في أنّ كلمة «الولي» الواردة في هذه الآية ، لا تعني الناصر والمحب ، لأنّ الولاية التي هي بمعنى الحب أو النصرة لا تنحصر في من يؤدون الصّلاة ويؤتون الزّكاة وهم راكعون ، بل تشمل كل المسلمين الذين يجب أن يتحابوا فيما بينهم وينصر بعضهم البعض ، حتى أولئك الذين لا زكاة عليهم ، أو لا يمتلكون ـ أساسا ـ شيئا ليؤدوا زكاته ، فكيف يدفعون الزّكاة وهم في حالة الركوع؟! هؤلاء كلهم يجب أن يكونوا أحباء فيما بينهم وينصر بعضهم البعض الآخر.

ومن هنا يتّضح لنا أنّ المراد من كلمة «ولي» في هذه الآية ، هو ولاية الأمر والإشراف وحق التصرف والزعامة المادية والمعنوية ، خاصّة وقد جاءت مقترنة مع ولاية النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وولاية الله حيث جاءت الولايات الثلاث في جملة واحدة.

وبهذه الصورة فإن الآية تعتبر نصّا قرآنيا يدل على ولاية وإمامة علي بن أبي طالبعليه‌السلام للمسلمين.

شهادة الأحاديث والمفسّرين والمؤرخين :

لقد قلنا أنّ الكثير من الكتب الإسلامية ومصادر أهل السنّة تشتمل على العديد من الرّوايات القائلة بنزول هذه الآية في شأن الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وقد ذكرت بعض هذه الرّوايات قضية تصدق الإمام عليعليه‌السلام بخاتمه على السائل وهو في حالة الركوع ، كما لم تذكر روايات أخرى مسألة التصدق

٤٧

هذه ، بل اكتفت بتأييد نزول هذه الآية في حق عليعليه‌السلام .

وقد نقل هذه الرّوايات كل من ابن عباس ، وعمار بن ياسر ، وعبد الله بن سلام ، وسلمة بن كهيل ، وأنس بن مالك ، وعتبة بن حكيم ، وعبد الله بن أبي ، وعبد الله بن غالب ، وجابر بن عبد الله الأنصاري ، وأبي ذر الغفاري(١) .

وبالإضافة إلى الرواة العشرة المذكورين ، فقد نقلت كتب الجمهور (أهل السنة) هذه الرواية عن علي بن أبي طالبعليه‌السلام نفسه(٢) .

والطّريف أنّ كتاب (غاية المرام) ، قد نقل ٢٤ حديثا عن طرق أهل السنة و ١٩ حديثا عن طرق الشّيعة(٣) .

وقد تجاوز عدد الكتب التي أوردت هذه الرّوايات الثلاثين كتابا ، كلها من تأليف علماء أهل السنة ، منهم : محب الدين الطبري في ذخائر العقبى ص ٨٨ ، والعلامة القاضي الشوكاني في تفسير فتح القدير ج ٢ ، ص ٥٠ ، ومن هذه المصادر المعتمدة أيضا : جامع الأصول ، ج ٩ ، ص ٤٧٨ ، وفي أسباب النّزول للواحدي ص ١٤٨ ، وفي لباب النقول للسيوطي ص ٩٠ ، وفي تذكرة سبط ابن الجوزي ص ١٨ ، وفي نور الأبصار للشبلنجي ص ١٠٥ ، وفي تفسير الطبري ص ١٦٥ ، وفي كتاب الكافي الشافي لابن حجر العسقلاني ص ٥٦ ، وفي مفاتيح الغيب للرازي ج ٣ ، ص ٤٣١ ، وفي تفسير الدرّ المنثور ج ٢ ، ص ٣٩٣ ، وفي كتاب كنز العمال ج ٦ ، ص ٣٩١ ، وفي مسند ابن مردويه ومسند ابن الشيخ ، بالاضافة إلى صحيح النسائي ، وكتاب الجمع بين الصحاح الستة ، وكتب عديدة أخرى نقلت حديث الولاية(٤) .

اذن كيف يمكن ـ والحالة هذه ـ انكار هذه الأحاديث والمصادر التي نقلتها ،

__________________

(١) راجع كتاب إحقاق الحق ، ج ٢ ، ص ٣٠٩ ـ ٤١٠.

(٢) راجع كتاب (المراجعات) للسيد عبد الحسين شرف الدين ، ص ١٥٥.

(٣) منهاج البراعة ، ج ٢ ، ص ٣٥٠.

(٤) راجع كتاب إحقاق الحق ، ج ٢ ، وكتاب (الغدير) ج ٢ ، وكتاب المراجعات للاطلاع على تفاصيل أكثر بهذا الشأن.

٤٨

في حين أنّها اكتفت في مجال أسباب نزول آيات أخرى بحديث واحد أو حديثين؟! لعل التطرف الطائفي هو سبب تجاهل كل هذه الأحاديث والشهادات التي أدلى بها العلماء في مجال سبب نزول هذه الآية.

فلو أمكن التغاضي عن كل الرّوايات التي وردت في تفسير هذه الآية ، وهي روايات كثيرة للزم أن لا نعتمد على أي رواية في تفسير النصوص القرآنية ، لأنّنا قلما نجد أسبابا لنزول آية أو آيات قرآنية جاءت مدعومة بهذا العدد الكبير من الرّوايات ، كما ورد في هذه الآية الكريمة.

إنّ هذه القضية كانت بدرجة من الوضوح بحيث أنّ حسان بن ثابت الشاعر المعروف الذي عاصر واصطحب النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ جاء بمضمون آية الولاية في قالب شعري من نظمه الذي قاله في حق علي بن أبي طالبعليه‌السلام حيث يقول :

فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعا

زكاة فدتك النفس يا خير راكع

فأنزل فيك الله خير ولاية

وبيّنها في محكمات الشرائع

وقد وردت هذه الأشعار باختلافات طفيفة في كتب كثيرة ، منها كتاب تفسير (روح المعاني) للآلوسي ، وكتاب (كفاية الطالب) للكنجي الشافعي ، وكتب كثيرة أخرى.

الرّد على اعتراضات ثمانية :

لقد أصرت جماعة من المتطرفين من أهل السنّة على تكرار الاعتراضات حول نزول هذه الآية في حق علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وكذلك على تفسير (الولاية) الواردة في الآية الكريمة بمعنى الإشراف والتصرف والإمامة ، وفيما يلي نعرض أهم هذه الاعتراضات للبحث والنقد ، وهي :

١ ـ قالوا : أنّ عبارة «الذين» المقترنة بكلمة «آمنوا» الواردة في الآية : لا يمكن أن تطبق على المفرد ، وذلك ضمن اعتراضهم على الرّوايات التي تقول

٤٩

بنزول هذه الآية في حق علي بن أبي طالبعليه‌السلام وقالوا : أنّ الآية أشارت بصيغة الجمع قائلة( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) فكيف يمكن أن تكون هذه الآية في حق شخص واحد كعليعليه‌السلام ؟

الجواب :

لقد زخرت كتب الأدب العربي بجمل تمّ التعبير فيها عن المفرد بصيغة الجمع ، وقد اشتمل القرآن الكريم على مثل هذه الجمل ، كما في آية المباهلة ، حيث وردت كلمة «نساءنا» بصيغة الجمع مع أنّ الرّوايات التي ذكرت سبب نزول هذه الآية أكّدت أن المراد من هذه الكلمة هي فاطمة الزهراءعليها‌السلام وحدها ، وكذلك في كلمة (أنفسنا) في نفس الآية وهي صيغة جمع ، في حين لم يحضر من الرجال في واقعة المباهلة مع النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير عليعليه‌السلام .

وكذلك نقرأ في الآية (١٧٢) من سورة آل عمران في واقعة أحد قوله تعالى :( الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً ) .

وقد بيّنا في الجزء الثّالث من تفسيرنا هذا عند تفسير هذه الآية ، أن بعض المفسّرين ذكروا أنّها نزلت بشأن (نعيم بن مسعود) الذي لم يكن إلّا واحدا.

ونقرأ في الآية (٥٢) من هذه السّورة ـ أيضا ـ قوله تعالى :( ... يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ ) في حين أن هذا الجزء من الآية نزل في شخص واحد ، كما جاء في سبب النّزول ، وهو (عبد الله بن أبي) وقد مضى تفسير ذلك.

وكذلك في الآية الاولى من سورة الممتحنة ، والآية الثامنة من سورة (المنافقون) والآيتين (٢١٥ و ٢٧٤) من سورة البقرة ، نقرأ فيها كلها عبارات جاءت بصيغة الجمع ، بينما الذي ذكر في أسباب نزول هذه الآيات هو أنّ المراد في كل منها شخص واحد.

والتعبير بصيغة الجمع عن شخص واحد في القرآن الكريم إمّا أن يكون بسبب أهمية موقع هذا الشخص ولتوضيح دوره الفعال ، أو لأجل عرض الحكم القرآني

٥٠

بصيغة كلية عامّة حتى إذا كان مصداقه منحصرا في شخص واحد ، وقد ورد في كثير من آي القرآن ضمير الجمع للدلالة على الله الواحد الأحد ، وذلك تعظيما له جلّ شأنه.

وبديهي أنّ استخدام صيغة الجمع للدلالة على الواحد يعتبر خلافا للظاهر ، ولا يجوز بدون قرينة ولكن مع وجود الرّوايات الكثيرة الواردة في شأن نزول الآية تكون لدينا قرينة واضحة على هذا التّفسير وقد اكتفى في موارد أخرى بأقل من هذه القرينة؟!

٢ ـ وقال الفخر الرّازي ومتطرفون آخرون : أنّ عليّاعليه‌السلام بما عرف عنه من خشوع وخضوع إلى الله ، بالأخص في حالة الصّلاة (إلى درجة ، أنّهم استلوا أثناء صلاته سهما كان مغروزا في رجله ، دون أن يحس بالألم كما في (الرواية المعروفة) فكيف يمكن القول بأنّه سمع أثناء صلاته كلام السائل والتفت إليه؟!

الجواب :

إنّ الذين جاؤوا بهذا الاعتراض قد غفلوا عن أن سماع صوت السائل والسعي لمساعدته لا يعتبر دليلا على الانصراف والتوجه إلى النفس ، بل هو عين التوجه إلى الله ، وعليعليه‌السلام كان أثناء صلاته يتجرد عن ذاته وينصرف بكله إلى الله ، ومعروف أن التنصل عن خلق الله يعتبر تنصلا أيضا عن الله ، وبعبارة أوضح : أن أداء الزّكاة أثناء الصّلاة يعد عبادة ضمن عبادة أخرى ، وليس معناه القيام مباح ضمن العبادة ، بعبارة ثالثة : إنّ ما يلائم روح العبادة هو الانشغال والانصراف أثناءها إلى الأمور الخاصّة بالحياة والشخصية ، بينما التوجه إلى ما فيه رضى الله تعالى يتلائم بصورة تامّة مع روح العبادة ويؤكّدها.

ومن الضروري أن تؤكّد هنا أن الذوبان في التوجه إلى الله ، ليس معناه أن يفقد الإنسان الإحساس بنفسه ، ولا أن يكون بدون إرادة ، بل الإنسان بإرادته يصرف عن نفسه التفكير في أي شيء لا صلة له بالله.

٥١

والطّريف في الأمر أنّ الفخر الرازي قد أوصله تطرّفه إلى الحدّ الذي اعتبر فيه ايماءة الإمام عليعليه‌السلام إلى السائل بأصبعه ـ لكي يأخذ الخاتم ـ مصداقا للفعل الكثير المنافي للصلاة ، في حين أن هناك أفعالا يمكن القيام بها أثناء الصّلاة أكثر بكثير من تلك الإيماءة التي قام بها الإمامعليه‌السلام ، وفي نفس الوقت لا تضر ولا تمس الصّلاة بشيء ، ومن هذه الأفعال قتل الحشرات الضارة كالحية والعقرب ، ورفع الطفل من محله ووضعه فيه ، وإرضاع الطفل الرضيع ، وكل هذه الأفعال لا تعتبر من الفعل الكثير في نظر الفقهاء ، فكيف يمكن القول بأن تلك الإيماءة تعتبر من الفعل الكثير؟!

وقد لا يكون هذا الخطأ غريبا عن عالم استولى عليه التطرف!

٣ ـ أمّا الاعتراض الآخر في هذا المجال ، فهو أنّ كلمة (ولي) الواردة في الآية تعني الصديق والناصر وأمثالهما ، وليست بمعنى المتصرف أو المشرف أو ولي الأمر.

الجواب : لقد بيّنا في تفسير هذه الآية أن كلمة (ولي) ـ الواردة فيها ـ لا يمكن أن تكون بمعنى الصديق أو الناصر ، لأنّ هاتين الصفتين قد ثبتت شموليتهما لكل المسلمين المؤمنين ، وليستا منحصرتين بالمؤمنين المذكورين في الآية والذين يقيمون الصّلاة ويؤتون الزّكاة أثناء الركوع ، وبعبارة أخرى : إنّ الصداقة والنصرة حكمان عامان ، بينما الآية ـ موضوع البحث ـ تهدف إلى بيان حكم خاص بشخص واحد.

٤ ـ وقالوا ـ أيضا ـ أنّ عليّا عليه‌السلام لم يكن يمتلك شيئا من حطام الدنيا حتى تجب عليه الزّكاة ، ولو قلنا بأنّ المراد في الآية هو الصداقة المستحبة فهي لا تسمى زكاة؟!

الجواب :

أوّلا : إنّ التّأريخ ليشهد على امتلاك عليعليه‌السلام المال الوفير الذي حصل عليه

٥٢

من كدّ يمينه وعرق جبينه وتصدق به في سبيل الله ، وقد نقلوا في هذا المجال أنّ عليّاعليه‌السلام أعتق وحرر ألف رقبة من الرقيق ، كان قد اشتراهم من ماله الخاص الذي كان حصيلة كدّه ومعاناته ، أضف إلى ذلك فقد كانعليه‌السلام يحصل ـ أيضا ـ على حصته من غنائم الحرب ، وعلى هذا الأساس فقد كان عليعليه‌السلام يمتلك ذخيرة بسيطة من المال ، أو من نخلات التمر ممّا يتعين فيهما الزّكاة.

ونحن نعلم ـ أيضا ـ ان الفورية الواجبة في أداء الزّكاة هي «فورية عرفية» لا تتنافى مع أداء الصّلاة ، أي لا فرق في أداء الزّكاة سواء كان وقت الأداء قبل وقت الصّلاة أو أثناءها.

ثانيا : لقد أطلق القرآن الكريم في كثير من الحالات كلمة الزّكاة على الصدقة المستحبة ، وبالأخص في السور المكية ، حيث وردت هذه الكلمة للدلالة على الصدقة المستحبة ، لأنّ وجوب الزّكاة كان قد شرع بعد هجرة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المدينة ، كما في (الآية ٣ من سورة النمل ، والآية ٣٩ من سورة الروم ، والآية ٤ من سورة لقمان ، والآية ٧ من سورة فصلت وغيرها).

٥ ـ ويقولون : إنّهم حتى لو أذعنوا بأن علياعليه‌السلام هو الخليفة بعد النّبي مباشرة ، فهذا لا يعني أن يكون عليعليه‌السلام وليا في زمن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنّ ولايته في زمن النّبي لم تكن ولاية فعلية ، بل كانت ولاية بالقوة ، وأن ظاهر الآية ـ موضوع البحث ـ يدل على الولاية الفعلية.

الجواب :

نلاحظ كثيرا في كلامنا اليومي ـ وكذلك في النصوص الأدبية ـ اطلاق اسم معين أو صفة خاصّة على أفراد لا يتمتعون بمزاياها الفعلية ، بل يمتلكون المزية أو المزايا بالقوة ، وهذا مثل أن يوصي انسان في حياته ويعين لنفسه وصيا وقيما على أطفاله فيكون الشخص الثّاني فور اقرار الوصية من قبل الشخص الأوّل وصيا وقيما ، ويدعي بهذين العنوانين حتى لو كان الإنسان الموصي باقيا على قيد

٥٣

الحياة.

ونحن نقرأ في الرّوايات التي نقلت في أسانيد الشّيعة والسنّة عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحقّ عليعليه‌السلام أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا عليا : وصيه وخليفته ، في حين أن هذين العنوانين لم يكونا ليتحققا في زمن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

والقرآن المجيد ـ أيضا ـ يشتمل على مثل هذه التعابير ، ومن ذلك ما ورد عن (زكريا) الذي توسل إلى الله بقوله :( .. فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) (١) والمعروف أنّ المراد ـ هنا ـ من كلمة (ولي) المشرف الذي يتولى شؤون الإشراف بعد الموت كما يعيّن الكثير من الناس في حياتهم من يقوم مقامهم بعد الموت ، ويسمّى الشخص المعين منذ لحظة تعيينه بالنائب أو الخليفة مع كون هذه الصفات بالقوة ، وليست بالفعل.

٦ ـ واحتجّوا ـ أيضا ـ بقولهم : لماذا لم يعتمد عليعليه‌السلام على هذا الدليل الواضح للدفاع عن حقّه؟

الجواب :

لقد لاحظنا ـ من خلال البحث الذي تناول الرّوايات في سبب نزول هذه الآية ـ أن هذا الحديث قد نقل في كتب عديدة عن الإمام عليعليه‌السلام نفسه ، ومن ذلك ما جاء في مسند «ابن مردويه» و «ابن الشّيخ» و «كنز العمال» وهذا بذاته دليل على استدلال الامام عليعليه‌السلام بهذه الآية الشريفة.

ونقل في كتاب (الغدير) القيم عن كتاب (سليم بن قيس الهلالي) حديث مفصل مفاده أنّ عليّاعليه‌السلام حين كان منشغلا بحرب صفين ، تحدث في ميدان الحرب امام جمع من الناس مستدلا بدلائل عديدة في إثبات حقّه ، وكان من جملة ما استدل به الإمامعليه‌السلام هذه الآية الكريمة(٢) .

__________________

(١) مريم ، ٥.

(٢) الغدير ، ج ١ ، ص ١٩٦.

٥٤

وجاء في كتاب (غاية المرام) نقلا عن أبي ذر رضى الله عنه أنّ عليّاعليه‌السلام استدل في يوم الشورى بهذه الآية(١) .

٧ ـ وقد ادعوا ـ أيضا ـ أنّ هذا التّفسير الذي أوردناه موضوع البحث لا يتناسب أو لا يتلاءم مع الآيات الواردة قبل وبعد هذه الآية ، لأن تلك الآيات جاءت فيها كلمة «الولاية» بمعنى الصداقة.

الجواب :

لقد قلنا مرارا ـ أنّ الآيات القرآنية بسبب نزولها بصورة تدريجية ، وبحسب الوقائع المختلفة تكون دائما ذات صلة بالأحداث التي نزلت الآيات في شأنها ، أي أنّ الآيات الواردة في سورة واحدة أو الآيات المتعاقبة ، ليست دائما ذات مفهوم مترابط ، كما لا تشير دائما إلى معنى واحد ، ولذلك يحصل كثيرا أن تروى لآيتين متعاقبتين حادثتان مختلفتان أو سببان للنزول ، وتكون النتيجة أن ينفصل مسير واتجاه كل آية ـ لصلتها بحادثة خاصّة ـ عن مسير الآية التّالية لها لاختلاف الحادثة التي نزلت بشأنها ، وبما أنّ آية( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ ) بدلالة سبب نزولها جاءت في شأن تصدق الإمام عليعليه‌السلام أثناء الركوع ، أمّا الآيات السابقة واللاحقة لها ـ كما رأينا وسنرى ـ فقد نزلت في أحداث أخرى ، لذلك لا يمكن الاعتماد ـ هنا كثيرا على مسألة ترابط المفاهيم في الآيات.

وهناك نوع من التناسب بين الآية ـ موضوع البحث ـ والآيات السابقة واللاحقة لها ، لأنّ الآيات الأخرى تضمنت الحديث عن الولاية بمعنى النصرة والإعانة ، بينما الآية ـ موضوع البحث ـ تحدثت عن الولاية بمعنى القيادة والتصرف ، وبديهي أنّ القائد والزعيم والمتصرف في أمور جماعة معينة ، يكون في نفس الوقت حاميا وناصرا وصديقا ومحبا لجماعته ، أي أن مسألة النصرة والحماية تعتبر من مستلزمات وشؤون الولاية المطلقة.

__________________

(١) عن كتاب (منهاج البراعة) ، ج ٢ ، ص ٣٦٣.

٥٥

٨ ـ وأخيرا قالوا : من أين أتي عليعليه‌السلام بذلك الخاتم النفيس؟

وسألوا أيضا : ألا يعتبر ارتداء خاتم بتلك القيمة العالية نوعا من الإسراف؟

ألا تعتبر هذه الأمور دليلا على عدم صحة التّفسير المذكور.

الجواب :

إنّ المبالغات الواردة بشأن قيمة الخاتم الذي تصدق به عليعليه‌السلام أثناء الركوع لا أساس لها مطلقا ، ولا يقوم عليها أي دليل مقبول ـ وما جاء في قيمة ذلك الخاتم من أنّه كان يعادل خراج الشام مبالغة أقرب إلى الأسطورة منه إلى الحقيقة ، وقد جاء ذلك في رواية ضعيفة(١) ولعل هذه الرواية وضعت لتشويه حقيقة القضية الأصلية وإظهارها بمظهر الأمر التافه ، وقد خلت الرّوايات الصحيحة ـ التي وردت حول سبب نزول هذه الآية ـ من أي أثر لمثل هذه الأسطورة.

وعلى هذا الإساس لم يتمكن أحد من تهميش هذه الواقعة التّأريخية التي أشارت إليها الآية الكريمة ـ بمثل هذه الحكاية التافهة.

* * *

__________________

(١) جاءت هذه الرواية مرسلة في تفسير البرهان ، ج ١ ، ص ٤٨٥.

٥٦

الآية

( وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ (٥٦) )

التّفسير

جاءت هذه الآية مكملة لمضمون الآية السابقة ، وهي تؤكّد وتتابع الهدف المقصود في تلك الآية ، وتعلن للمسلمين أنّ النصر سيكون حليف أولئك الذين يقبلون القيادة المتمثلة في الله ورسوله والذين آمنوا ، الذين أشارت إليهم الآية السابقة.

وتصف الآية الذين قبلوا بهذه القيادة بأنّهم من حزب الله المنصورون دائما ، حيث تقول( وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ ) .

وتشتمل هذه الآية ـ أيضا ـ على قرينة أخرى تؤكّد المعنى المذكور في تفسير الآية السابقة لكلمة (الولاية) وهو الإشراف والتصرف والزعامة ، لأنّ عبارة (حزب الله) والتأكيد على أنّ الغلبة تكون لهذا الحزب ـ في الآية ـ لهما صلة بالحكومة الإسلامية ، ولا علاقة لهما بقضية الصداقة التي هي أمر بسيط وعادي ، وهذا يؤكّد بنفسه أنّ الولاية ـ الواردة في الآية ـ تعني الأشرف والحكم القيادة بالإسلام والمسلمين ، لأنّ معنى الحزب يتضمن التنظيم والتضامن

٥٧

والاجتماع لتحقيق أهداف مشتركة.

ويجب الانتباه إلى نقطة مهمّة وهي أنّ المراد بعبارة( الَّذِينَ آمَنُوا ) الواردة في هذه الآية ليسوا جميع الأفراد المؤمنين ، بل ذلك الشخص الذي ذكر في الآية السابقة وأشير إليه بأوصاف معينة.

أمّا قضية الغلبة أو الإنتصار كفلته الآية لحزب الله فهل هو الإنتصار المعنوي وحده ، أم يشمل الإنتصار على كل الأصعدة وفي جميع المجالات المادية والمعنوية؟

لا شك أنّ الإطلاق في الآية الكريمة يدل على الإنتصار الشامل في جميع الجبهات ، وبديهي أنّ أي جماعة تنضوي تحت لواء حزب الله ، أي تتحلى بالإيمان القوي وتلتزم التقوى وتدأب على العمل الصالح وتسعى إلى الاتحاد والتكافل والتضامن وتتمتع بالوعي الكافي ، فهي لا شك ستنال النصر في كل المجالات وعلى جميع الأصعدة ، والعجز الذي نشهده اليوم بين المسلمين عن نيل مثل هذا الإنتصار إنّما هو بسبب افتقارهم ـ في الغالب ـ إلى الصفات التي ذكرناها أعلاه ، والتي هي صفات الأفراد المنضوين تحت لواء حزب الله ، ولذلك فهم بدلا من أن يستخدموا قواهم وطاقاتهم في طرد الأعداء وحل مشاكلهم الاجتماعية يصرفون هذه القوى في إضعاف بعضهم البعض.

وقد ذكرت الآية (٢٢) من سورة المجادلة ـ أيضا ـ قسما من صفات حزب الله ، سنأتي على شرحها بإذن الله عند تفسير هذه السورة.

* * *

٥٨

الآيتان

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٥٧) وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (٥٨) )

سبب النّزول

جاء في تفاسير (مجمع البيان) و (أبو الفتوح الرازي) و (الفخر الرازي) أن اثنين من المشركين يدعيان (رفاعة) و (سويد) تظاهرا بإعلان الإسلام ثمّ انضما إلى المنافقين ، وكان لبعض المسلمين صحبة مع هذين الشخصين ويظهرون لهما التودد ، فنزلت الآيتان الأخيرتان ونهت هؤلاء المسلمين من عملهما ذلك (ويتّضح هنا أنّه حين تتحدث هاتان الآيتان عن الولاية فالمقصود هو الصّحبة والصداقة والمودّة لأنّ سبب نزولهما يختلف عن سبب نزول الآيتين السابقتين ، ولا يمكن اعتبار إحداهما قرينة للأخرى).

أمّا بخصوص سبب نزول الآية الثّانية من الآيتين الأخيرتين ، فنقل أنّ جماعة من اليهود وبعضا من النصارى حين كانوا يسمعون صوت الأذان ، أو

٥٩

حينما يرون المسلمين وهم يقيمون الصّلاة يبادرون إلى الاستهزاء بهم ، لذلك حذر القرآن المجيد المسلمين عن التودد إلى هؤلاء وأمثالهم.

التّفسير

يحذر القرآن في الآية المؤمنين من اتّخاذ أصدقاء لهم من بين المنافقين والأعداء ، إلّا أنّه لأجل استثارة عواطف المؤمنين واستقطاب انتباههم إلى فلسفة هذا الحكم خاطبهم بهذا الأسلوب ، كما تقول الآية :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ ) .

ولتأكيد التحذير تقول الآية في الختام :( وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) بمعني أنّ التودد مع الأعداء والمنافقين لا يتناسب والتقوى والإيمان أبدا.

«الهزو» هو الكلام المصحوب بحركات تصور السخرية ، ويستخدم للاستخفاف والاستهانة بشيء أو شخص معين ، وفسّر «الراغب» في كتابه (المفردات) الهزو بأنّه يقال لفعل المزاح والاستخفاف الذي يصدر بشأن شخص في غيابه ، كما يطلق في حالات نادرة على المزاح أو الاستخفاف الذي يحصل بشخص معين في حضوره.

أمّا «اللعب» فهو الذي يصدر عبثا وبدون هدف صحيح ، أو خاليا من أي هدف وسمّيت بعض أفعال الصبيان لعبا لنفس السبب.

والآية الثّانية من الآيتين الأخيرتين تتابع البحث في النهي عن التودد إلى المنافقين وجماعة من أهل الكتاب الذين كانوا يستهزئون بأحكام الإسلام ، وتشير إلى واحد من ممارساتهم الاستهزائية دليلا وشاهدا على هذا الأمر ، فتقول :( إِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً ) (١) .

__________________

(١) اختلف المفّسرون في الضمير الوارد في كلمة (اتّخذوها) هل يعود إلى الصّلاة أو إلى النداء وتفيد أسباب النّزول ـ التي

٦٠

وكذا السدر والكافور والماء وقيمة الأرض التي يدفن فيها ، وأجرة حمل الميت وأجرة حفر القبر إلى غير ذلك مما يصرف في أي عمل من واجبات الميت ، فان كل ذلك يخرج من أصل التركة وان كان الميت مديوناً أو كانت له وصية ، هذا فيما إذا لم يوجد من يتبرع بشيء من ذلك وإلاّ لم يخرج من التركة ، وأما ما يصرف فيما زاد على القدر الواجب وما يلحق به فلا يجوز اخراجه من الأصل ، وكذا الحال في قيمة المقدار الواجب وما يلحقه فانه لا يجوز ان يخرج من الأصل الا ما هو المتعارف بحسب القيمة ، فلو كان الدفن في بعض المواضع اللائقة بحال الميت لا يحتاج إلى بذل مال ، وفي البعض الآخر يحتاج اليه قدم الأوّل ، نعم يجوز اخراج الزائد على القدر المذكور من الثلث مع وصية الميت به ، أو وصيته بالثلث من دون تعيين مصرف له كلاً أو بعضاً ، كما يجوز اخراجه من حصص الورثة الكبار منهم برضاهم دون القاصرين ، الا مع اذن الولي على تقدير وجود مصلحة تسوغ له ذلك.

( مسألة 109 ) : كفن الزوجة على زوجها حتى مع يسارها أو كونها منقطعة او ناشزة ، هذا إذا لم يتبرع غير الزوج بالكفن والا سقط عنه ، وكذلك إذا اوصت به من مالها وعمل بالوصية ، أو تقارن موتها مع موته ، أو كان البذل حرجياً على الزوج ، فلو توقف على الاستقراض ، أو فك ماله من الرهن ولم يكن فيه حرج عليه تعين ذلك ، والا لم يجب.

( مسألة 110 ) : يجوز التكفين بما كتب عليه القرآن الكريم أو بعض الأدعية المباركة كالجوشن الكبير أو الصغير ، ولكن يلزم ان يكون ذلك بنحو لا يتنجس موضع الكتابة بالدم ، أو غيره من النجاسات كان يكتب في حاشية الازار من طرف رأس الميت ، ويجوز ان يكتب على قطعة من القماش وتوضع على رأسه أو صدره.

٦١

( شروط الكفن )

يعتبر في الكفن أمور :

(1) الاباحة.

(2) الطهارة بان لا يكون نجساً ولا متنجساً.

(3) ان لا يكون من الحرير الخالص ، ولا بأس بما يكون ممزوجاً به بشرط ان يكون حريره أقل من خليطه ـ والأحوط وجوباً ـ ان لا يكون الكفن مُذهَّباً ، ولا من أجزاء ما لا يؤكل لحمه ، ولا من جلد الميتة وان كان طاهراً ، ولا بأس ان يكون مصنوعاً من وبر أو شعر مأكول اللحم ، بل لا بأس ان يكون من جلده مع صدق الثوب عليه عرفاً ، وكل هذه الشروط ـ غير الاباحة ـ يختص بحال الإختيار ويسقط في حال الضرورة ، فلو انحصر الكفن في الحرام دفن عارياً ، ولو انحصر في غيره من الانواع التي لا يجوز التكفين بها اختياراً كفن به ، فاذا انحصر في واحد منها تعين ، واذا تعدد ودار الأمر بين تكفينه بالمتنجس وتكفينه بالنجس قدم الأوّل ، وإذا دار الأمر بين النجس أو المتنجس ، وبين الحرير قدم الثاني ، ولو دار الأمر بين أحد الثلاثة وبين غيرها قدم الغير ، ومع دوران الأمر بين التكفين بالمُذهَّب والتكفين بأجزاء مالا يؤكل لحمه تخيّر بينهما ، وان كان الاحتياط بالجمع حسناً.

( مسألة 111 ) : الشهيد لا يكفّن بل يدفن بثيابه الا إذا كان بدنه عارياً فيجب تكفينه.

( مسألة 112 ) : يستحب وضع جريدتين خضراوين مع الميت ، وينبغي ان تكونا من النخل ، فان لم يتيسر فمن السدر ، أو الرمان وان

٦٢

لم يتيسرا فمن الخلاف ( الصفصاف ) ، والأولى في كيفيته جعل احداهما من الجانب الأيمن من عند الترقوة ملصقة بالبدن ، والأخرى من الجانب الأيسر من عند الترقوة بين القميص والازار.

( الحنوط )

يجب تحنيط الميت المسلم وهو ( إمساس مواضع السجود السبعة بالكافور المسحوق غير الزائلة رائحته ) ويكفي فيه وضع المسمى ، ويشترط فيه اباحته فيسقط وجوب التحنيط عند عدم التمكن من الكافور المباح ، كما يعتبر طهارته وإن لم يوجب تنجس بدن الميت على ـ الأحوط وجوباً ـ والأفضل ان يكون الكافور المستخدم في التحنيط بمقدار سبعة مثاقيل ويستحب خلطه بقليل من التربة الحسينية ، ولكن لا يمسح به المواضع المنافية للاحترام.

( مسألة 113 ) : ـ الأحوط الأولى ـ ان يكون الامساس بالكف وان يبتدأ من الجبهة ، ولا ترتيب في سائر الأعضاء ، ويجوز ان يباشر التحنيط الصبي المميز بل وغيره أيضاً.

( مسألة 114 ) : يسقط التحنيط فيما إذا مات الميت في احرام العمرة أو الحج فَيُجنَّب من الكافور بل من مطلق الطيب ، نعم اذا مات الحاج بعد الفراغ من المناسك التي يحل له الطيب بعدها وجب تحنيطه كغيره من الأموات.

( مسألة 115 ) : وجوب التحنيط كوجوب التغسيل ، وقد مضى تفصيله في المسألة (91).

٦٣

( الصلاة على الميت )

تجب الصلاة على كل مسلم ميت وان كان فاسقاً ، ووجوبها كوجوب التغسيل ، وقد مر في المسألة (91).

( مسألة 116 ) : لا تجب الصلاة على اطفال المسلمين الا من عقل منهم الصلاة ، ومع الشك في ذلك فالعبرة ببلوغه ست سنين ، وفي استحباب الصلاة على من لم يعقل الصلاة اشكال ـ والأحوط وجوباً ـ عدم الاتيان بها الا رجاءً.

( مسألة 117 ) : تصح الصلاة على الميت من الصبي المميز ، ويجزي عن البالغين.

( مسألة 118 ) : يجب تقديم الصلاة على الدفن ، الا انه إذا دفن قبل ان يصلى عليه عصياناً أو لعذر فلا يجوز ان ينبش قبره للصلاة عليه ، ولم تثبت مشروعية الصلاة عليه وهو في القبر ـ فالأحوط وجوباً ـ الاتيان بها رجاءً.

( كيفية صلاة الميت )

يجب في الصلاة على الميت خمس تكبيرات والدعاء للميت عقيب احدى التكبيرات الأربع الأوّل ، وأما الثلاثة الباقية فيتخير فيها بين الصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والشهادتين ، والدعاء للمؤمنين والتمجيد لله تعالى ، ولكن ـ الأحوط استحباباً ـ ان يكبّر أولاً ويقول ( أشْهَدُ اَنْ لا إلهَ إلاّ اللهُ وَأنَّ مُحمّداً رَسولُ الله ) ثم يكبر ثانياً ، ويصلي على النبي وآله ، ثم يكبر ثالثاً ، ويدعو للمؤمنين والمؤمنات ، ثم يكبر رابعاً ، ويدعو للميت ، ثم يكبّر خامساً

٦٤

وينصرف.

والأفضل أن يقول بعد التكبيرة الأولى : ( أشهدُ أنْ لا إلهَ إلاّ الله وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة ).

وبعد التكبيرة الثانية : ( اللهم صلِّ على محمّد وآل محمد ، وارحم محمداً وآل محمّد ، كأفضل ما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم ، انك حميد مجيد وصل على جميع الأنبياء والمرسلين والشهداء والصديقين وجميع عباد الله الصالحين ).

وبعد التكبيرة الثالثة : ( اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات ، والمسلمين والمسلمات ، الأحياء منهم والأموات ، تابع اللّهم بيننا وبينهم بالخيرات انك مجيب الدعوات انك على كل شيء قدير ).

وبعد الرابعة : ( اللّهم ان هذا المسجّى قدامنا عبدك وابن عبدك وابن امتك نزل بك وانت خير منزول به ، اللّهم إنا لا نعلم منه إلاّ خيراً وانت اعلم به منا ، اللّهم ان كان محسناً فزد في احسانه ، وان كان مسيئاً فتجاوز عن سيئاته واغفر له ، اللّهم اجعله عندك في أعلى عليين واخلف على اهله في الغابرين وارحمه برحمتك يا ارحم الراحمين ) ثم يكبّر ، وبها تتم الصلاة.

ولابُدّ من رعاية تذكير الضمائر وتأنيثها حسب اختلاف جنس الميت ، وتختص هذه الكيفية بما إذا كان الميت مؤمناً بالغاً ، وفي الصلاة على اطفال المؤمنين يقول بعد التكبيرة الرابعة : اللّهم اجعله لأبويه ولنا سلفاً وفرطاً وأجراً.

( مسألة 119 ) : يعتبر في صلاة الميت أمور :

٦٥

(1) ان تكون بعد الغسل والتحنيط والتكفين ، والا بطلت ولابُدّ من اعادتها ، واذا تعذر غسل الميت أو التيمم بدلاً عنه ، وكذلك التكفين والتحنيط لم تسقط الصلاة عليه.

(2) النية بان يقصد بها القربة ، مع تعيين الميت على نحو يرفع الابهام.

(3) القيام مع القدرة عليه.

(4) أن يكون رأس الميت على يمين المصلي.

(5) أن يوضع على قفاه عند الصلاة عليه.

(6) استقبال المصلي للقبلة حال الاختيار.

(7) أن يكون الميت أمام المصلي.

(8) أن لا يكون حائل بينهما من ستر أو جدار على نحو لا يصدق الوقوف عليه ، ولا يضر الستر بمثل النعش أو ميت آخر.

(9) الموالاة بين التكبيرات والأذكار ، بان لا يفصل بينها بمقدار تنمحي به صورة الصلاة.

(10) أن لا يكون بين الميت والمصلي بعد مفرط الا مع اتصال الصفوف في الصلاة جماعة ، أو مع تعدد الجنائز في الصلاة عليها دفعة واحدة.

(11) أن لا يكون احدهما اعلى من الآخر علواً مفرطاً.

(12) أن يكون الميت مستور العورة ـ اذا تعذر الكفن ـ ولو بحجر أو لبنة.

٦٦

( دفن الميت )

يجب دفن الميت المسلم ومن بحكمه ووجوبه كوجوب التغسيل وقد مر في المسألة (91) ، وكيفية الدفن ان يوارى في حفيرة في الارض ، فلا يجزي البناء عليه ولا وضعه في بناء أو تابوت مع القدرة على المواراة في الأرض ، وتكفي مواراته في الحفيرة بحيث يؤمّن على جسده من السباع وايذاء رائحته للناس ولو لعدم وجود السباع أو من تؤذيه رائحته من الناس أو بسبب البناء على قبره بعد مواراته ، ولكن ـ الأحوط استحباباً ـ ان تكون الحفيرة بنفسها على كيفية تمنع من انتشار رائحة الميت ووصول السباع إلى جسده ، ويجب ان يوضع في قبره على طرفه الأيمن موجهاً وجهه الى القبلة.

( مسألة 120 ) : يجب دفن الجزء المبان من الميت ، وإن كان شعراً أو سناً أو ظفراً على ـ الأحوط وجوباً ـ نعم لو عثر عليها قبل دفنه يجب جعلها في كفنه.

( مسألة 121 ) : من مات في السفينة ، ولم يمكن دفنه في البر ، ولو بتأخيره لخوف فساده أو غير ذلك يغسّل ويكفن ويحنط ويُصلى عليه ثم يوضع في خابية ونحوها ويشد رأسها باستحكام ، أو يشد برجله ما يثقله من حجر ، أو حديد ثم يلقى في البحر ـ والأحوط استحباباً ـ اختيار الوجه الأوّل مع الإمكان ، وكذلك الحال في ميت خيف عليه من ان يخرجه العدو من قبره ويحرقه أو يمثّل به.

( مسألة 122 ) : لا يجوز دفن الميت في مكان يستلزم هتك حرمته كالبالوعة والمواضع القذرة ، كما لا يجوز دفنه في مقابر الكفار ، ولا يجوز

٦٧

دفن الكافر في مقبرة المسلمين.

( مسألة 123 ) : يعتبر في موضع الدفن الاباحة ، فلا يجوز الدفن في مكان مغصوب ، أو فيما وقف لجهة خاصة كالمدارس والحسينيات ونحوهما وان لم يكن مضراً بالوقف أو مزاحماً لجهته على ـ الأحوط وجوباً ـ.

( مسألة 124 ) : إذا دفن الميت في مكان لا يجوز دفنه فيه وجب نبش قبره واخراجه ودفنه في موضع يجوز دفنه فيه ، إلاّ في بعض الموارد المذكورة في ( العروة الوثقى ) وتعليقتنا عليها.

( مسألة 125 ) : إذا دفن الميت بلا غسل أو كفن ، أو حنوط مع التمكن منها وجب اخراجه مع القدرة لإجراء الواجب عليه ودفنه ثانياً بشرط ان لا يستلزم ذلك هتكاً لحرمته ، والا ففيه اشكال.

( مسألة 126 ) : لا يجوز نبش قبر المسلم إلاّ في موارد خاصة تقدم بعضها ، ومنها ما لو اوصى الميت بنقله الى المشاهد المشرفة فدفن عصياناً أو جهلاً أو نسياناً في غيرها ، فانه يجب النبش والنقل ما لم يفسد بدنه ولم يوجب النقل أيضاً فساد بدنه ولا محذوراً آخر ، وأما لو اوصى بنبش قبره ونقله بعد مدة الى الأماكن المشرفة ففي صحة وصيته اشكال.

( مسألة 127 ) : إذا كان الموجود من الميت يصدق عليه عرفاً انه ( بدن الميت ) كما لو كان مقطوع الأطراف ـ الرأس واليدين والرجلين ـ كلاً أو بعضاً ، أو كان الموجود جميع عظامه مجردة عن اللحم ، أو معظمها بشرط ان تكون من ضمنها عظام صدره ، ففي مثل ذلك تجب الصلاة عليه وكذا ما يتقدمها من التغسيل والتحنيط ـ ان وجد بعض مساجده ـ والتكفين بالازار والقميص بل وبالمئزر أيضاً ان وجد بعض ما يجب ستره به.

واذا كان الموجود من الميت لا يصدق عليه انه بدنه بل بعض بدنه ،

٦٨

فلو كان هو القسم الفوقاني من البدن أي الصدر وما يوازيه من الظهر سواء كان معه غيره أم لا وجبت الصلاة عليه ، وكذا التغسيل والتكفين بالازار والقميص وبالمئزر ان كان محله موجوداً ـ ولو بعضاً ـ على ـ الأحوط وجوباً ـ ولو كان معه بعض مساجده وجب تحنيطه على ـ الأحوط وجوباً ـ ويلحق بهذا في الحكم ما إذا وجد جميع عظام هذا القسم أو معظمها على ـ الأحوط وجوباً ـ وإذا لم يوجد القسم الفوقاني من بدن الميت كأن وجدت اطرافه كلاً أو بعضاً مجردة عن اللحم أو معه ، أو وجد بعض عظامه ولو كان فيها بعض عظام الصدر فلا يجب الصلاة عليه ، بل ولا تغسيله ولا تكفينه ولا تحنيطه ، وان وجد منه شيء لا يشتمل على العظم ولو كان فيه القلب فالظاهر انه لا يجب فيه أيضاً شيء مما تقدم عدا الدفن ـ والأحوط وجوباً ـ ان يكون ذلك بعد اللف بخرقة.

( صلاة ليلة الدفن )

روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال : لا يأتي على الميت أشدّ من أول ليلة فارحموا موتاكم بالصدقة ، فان لم تجدوا فليصّل احدكم ركعتين له ، يقرأ في الأولى بعد الحمد آية الكرسي ، وفي الثانية بعد الحمد سورة القدر عشر مرات ، فيقول بعد السلام : اللّهم صل على محمّد وآل محمّد وابعث ثوابها الى قبر فلان ، ويسمي الميت ورويت لهذه الصلاة كيفية اخرى أيضاً.

( غسل مسِّ الميت )

يجب الغسل على من مسّ الميت بعد برده وقبل اتمام غسله ، ولا فرق بين ان يكون المسّ مع الرطوبة أو بدونها ، كما لا فرق في الممسوس والماس بين ان يكون مما تحله الحياة وما لا تحله كالسن

٦٩

والظفر ، نعم لا يبعد عدم العبرة بالشعر ، سواء كان ماساً أم ممسوساً ، ولا يختص الوجوب بما إذا كان الميت مسلماً ، فيجب في مسّ الميت الكافر أيضاً ، بل ولا فرق في المسلم بين من يجب تغسيله ومن لا يجب كالمقتول في المعركة في جهاد ، أو دفاع عن الاسلام أو المقتول بقصاص أو رجم بعد الاغتسال على ـ الأحوط وجوباً ـ فيهما.

( مسألة 128 ) : يجوز لمن عليه غسل المس دخول المساجد والمشاهد والمكث فيها وقراءة العزائم ، نعم لا يجوز له مسّ كتابة القرآن ونحوها مما لا يجوز للمحدث ، ولا يصح له كل عمل مشروط بالطهارة كالصلاة الا بالغسل ـ والأحوط استحباباً ـ ضم الوضوء اليه إذا كان محدثاً بالأصغر.

( مسألة 129 ) : لا يجب الغسل بمسّ القطعة المبانة من الميت أو الحي وإن كانت مشتملة على العظم واللحم معاً وان كان الغسل ـ أحوط استحباباً ـ.

( مسألة 130 ) : إذا يمّم الميت بدلاً عن تغسيله لعذر فالظاهر وجوب الغسل بمسّه.

٧٠

( الأغسال المستحبة )

قد ذكر الفقهاء ( قدس الله اسرارهم ) كثيراً من الأغسال المستحبة ولكنه لم يثبت استحباب جملة منها ، والثابت منها ما يلي :

(1) غسل الجمعة : وهو من المستحبات المؤكدة ، ووقته من طلوع الفجر إلى الغروب ، والأفضل الاتيان به قبل الزوال ـ والأحوط الأولى ـ ان يؤتى به فيما بين الزوال إلى الغروب من دون قصد الأداء والقضاء ، ويجوز قضاؤه إلى غروب يوم السبت ، ويجوز تقديمه يوم الخميس رجاءً إذا خيف اعواز الماء يوم الجمعة ، وتستحب اعادته إذا وجد الماء فيه.

(2 ـ 7) غسل الليلة الأولى ، والليلة السابعة عشرة ، والتاسعة عشرة والحادية والعشرين ، والثالثة والعشرين ، والرابعة والعشرين ، من شهر رمضان المبارك.

(8 ـ 9) غسل يوم العيدين الفطر والأضحى ، ووقته من طلوع الفجر إلى غروب الشمس على الأظهر ، والأفضل ان يؤتى به قبل صلاة العيد.

(10 ـ 11) غسل اليوم الثامن والتاسع من ذي الحجة الحرام ، والأفضل في اليوم التاسع ان يؤتى به عند الزوال.

(12) غسل الاحرام.

(13) غسل دخول الحرم المكي.

(14) غسل دخول مكة.

(15) غسل زيارة الكعبة المشرفة.

(16) غسل دخول الكعبة المشرفة.

(17) غسل النحر والذبح.

٧١

(18) غسل الحلق.

(19) غسل دخول حرم المدينة المنورة.

(20) غسل دخول المدينة المنورة.

(21) غسل دخول مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

(22) الغسل لوداع قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

(23) غسل المباهلة مع الخصم.

(24) غسل الاستخارة.

(25) غسل الاستسقاء.

(26) غسل من مسّ الميت بعد تغسيله.

والأظهر ان هذه الاغسال تجزي عن الوضوء ، وأما غيرها فيؤتى بها رجاءً ، ولابُدّ معها من الوضوء فنذكر جملة منها :

(1) الغسل في ليالي الافراد من شهر رمضان المبارك وتمام ليالي العشرة الأخيرة.

(2) غسل آخر في الليلة الثالثة والعشرين من شهر رمضان المبارك قريباً من الفجر.

(3) غسل الرابع والعشرين من ذي الحجة الحرام.

(4) غسل يوم النيروز ( اول أيام الربيع ).

(5) غسل يوم النصف من شعبان.

(6) الغسل في أول رجب وآخره ونصفه ، ويوم المبعث وهو السابع والعشرون منه.

(7) الغسل لزيارة كل واحد من المعصومينعليهم‌السلام من قريب أو بعيد.

(8) غسل اليوم الخامس والعشرين من ذي القعدة.

٧٢

( الجبائر )

الجبيرة هي : ( ما يوضع على العضو من الألواح أو الخرق ونحوها إذا حدث فيه كسر ، أو جرح ، أو قرح ) وفي ذلك صورتان :

(1) ان يكون شيء من ذلك في مواضع الغَسل كالوجه واليدين.

(2) ان يكون في مواضع المسح كالرأس والرجلين ، وعلى التقديرين فان لم يكن في غَسل الموضع أو مسحه ضرر أو حرج وجب غسل ما يجب غسله ومسح ما يجب مسحه ، واما إذا استلزم شيئاً من ذلك ففيه صور :

( الأولى ) : ان يكون الكسر أو الجرح أو القرح في احد مواضع الغسل ، ولم تكن في الموضع جبيرة بان كان مكشوفاً ، ففي هذه الصورة يجب غسل ما حول الجرح والقرح ـ والأحوط الأولى ـ مع ذلك ان يضع خرقة على الموضع ويمسح عليها وان يمسح على نفس الموضع أيضاً إذا تمكن من ذلك ، وأما الكسر المكشوف من غير أن تكون فيه جراحة فالمتعين فيه التيمم.

( الثانية ) : ان يكون الكسر أو الجرح أو القرح في احد مواضع الغسل ، وكانت عليه جبيرة ، ففي هذه الصورة يغسل ما حوله ـ والأحوط وجوباً ـ ان يمسح على الجبيرة ولا يجزي غسل الجبيرة عن مسحها.

( الثالثة ) : ان يكون شيء من ذلك في احد مواضع المسح وكانت

٧٣

عليه جبيرة ، ففي هذه الصورة يتعين المسح على الجبيرة.

( الرابعة ) : ان يكون شيء من ذلك في احد مواضع المسح ولم تكن عليه جبيرة ، وفي هذه الصورة يتعين التيمم.

( مسألة 131 ) : يعتبر في الجبيرة أمران :

(1) طهارة ظاهرها ، فإذا كانت الجبيرة نجسة لم يصلح ان يمسح عليها فان امكن تطهيرها أو تبديلها ولو بوضع خرقة طاهرة عليها بنحو تعد جزءاً منها وجب ذلك فيمسح عليها ويغسل اطرافها ، وان لم يمكن اكتفى بغسل أطرافها ، هذا إذا لم تزد الجبيرة على الجرح بأزيد من المقدار المتعارف ، وأما لو زادت عليه فإن أمكن رفعها رفعها وغسل المقدار الصحيح ثم وضع عليها الجبيرة الطاهرة ، أو طهّرها ومسح عليها ، وإن لم يمكن ذلك لايجابه ضرراً على الجرح مسح على الجبيرة ، وإن كان لأمر آخر كالاضرار بالمقدار الصحيح وجب عليه التيمم إن لم تكن الجبيرة في مواضع التيمم ، وإلاّ ـ فالأحوط لزوماً ـ الجمع بين الوضوء والتيمم.

(2) إباحتها ، فلا يجوز المسح عليها إذا لم تكن مباحة ، ولو مسح لم يصح وضوؤه على ـ الأحوط وجوباً ـ.

( مسألة 132 ) : يعتبر في جواز المسح على الجبيرة أمور :

( الأوّل ) : ان يكون في العضو كسر أو جرح أو قرح ، فإذا لم يتمكن من غسله أو مسحه لأمر آخر ، كنجاسته مع تعذر ازالتها ، أو لزوم الضرر من استعمال الماء أو لصوق شيء ـ كالقير ـ بالعضو ولم يتمكن من ازالته بغير حرج ففي جميع ذلك لا يجري حكم الجبيرة بل يجب التيمم ، نعم إذا كان اللاصق بالعضو دواءً يجري عليه حكم الجبيرة ، ولو كان اللاصق غيره وكان

٧٤

في مواضع التيمم تعين الجمع بينه وبين الوضوء.

( الثاني ) : ان لا تزيد الجبيرة على المقدار المتعارف ، والا وجب رفع المقدار الزائد وغسل الموضع السليم تحته إذا كان مما يغسل ومسحه إذا كان مما يمسح ، وان لم يتمكن من رفعه ، أو كان فيه حرج ، أو ضرر على الموضع السليم نفسه سقط الوضوء ووجب التيمم إذا لم تكن الجبيرة في مواضعه ، وإلاّ ـ فالأحوط وجوباً ـ الجمع بينه وبين الوضوء ، ولو كان رفعه وغسل الموضع السليم ، أو مسحه يستلزم ضرراً على نفس الموضع المصاب لم يسقط الوضوء فيمسح على الجبيرة.

( الثالث ) : ان يكون الجرح أو نحوه في نفس مواضع الوضوء فلو كان في غيرها وكان مما يضر به الوضوء تعين عليه التيمم ، وكذلك الحال فيما إذا كان الجرح أو نحوه في جزء من اعضاء الوضوء وكان مما يضر به غسل جزء آخر اتفاقاً ، كما إذا كان الجرح في اصبعه واتفق انه يتضرر بغسل الذراع ، فانه يتعين التيمم في مثل ذلك أيضاً.

( مسألة 133 ) : إذا كانت الجبيرة مستوعبة للعضو ، كما إذا كان تمام الوجه أو احدى اليدين أو الرجلين مجبَّراً جرى عليها حكم الجبيرة غير المستوعبة على الأظهر ، وأما مع استيعاب الجبيرة لتمام الأعضاء ، أو معظمها ـ فالأحوط وجوباً ـ الجمع بين الوضوء مع المسح على الجبيرة وبين التيمم.

( مسألة 134 ) : إذا كانت الجبيرة في الكف مستوعبة لها ومسح المتوضئ عليها بدلاً عن غسل العضو ، فاللازم ان يمسح رأسه ورجليه بهذه الرطوبة لا برطوبة خارجية ـ والأحوط الأولى ـ فيما إذا لم تكن مستوعبة لها ان يمسح بغير موضع الجبيرة.

٧٥

( مسألة 135 ) : إذا برئ ذو الجبيرة في ضيق الوقت اجزأه وضوؤه سواء برئ في اثناء الوضوء ام بعده ، قبل الصلاة أو في اثنائها أو بعدها ، ولاتجب عليه اعادته لغير ذات الوقت كالصلوات الآتية في الموارد التي كان تكليفه فيها الوضوء جبيرة واما في الموارد التي جمع فيها بين الجبيرة والتيمم فلابُدّ من اعادة الوضوء للاعمال الآتية ، وهكذا الحكم فيما لو برئ في سعة الوقت بعد اتمام الوضوء ، وأما إذا برئ في اثنائه فلابُدّ من استيناف الوضوء ، أو العود إلى غسل البشرة التي مسح على جبيرتها ان لم تفت الموالاة.

( مسألة 136 ) : إذا اعتقد الضرر من غسل العضو الذي فيه جرح أو نحوه فمسح على الجبيرة ثم تبين عدم الضرر فالظاهر صحة وضوئه ، وإذا اعتقد عدم الضرر فغسل ثم تبين انه كان مضراً وكانت وظيفته الجبيرة ـ فالأحوط وجوباً ـ الإعادة ، وكذا إذا اعتقد الضرر ولكن ترك الجبيرة وتوضأ ثم تبين عدم الضرر وان وظيفته غسل البشرة ، وأما إذا اعتقد الضرر في غسل العضو لاعتقاده ان فيه قرحاً أو جرحاً أو كسراً فعمل بالجبيرة ثم تبين سلامة العضو فالظاهر بطلان وضوئه.

( مسألة 137 ) : يجري حكم الجبيرة في الأغسال ـ غير غسل الميت ـ كما كان يجري في الوضوء ولكنه يختلف عنه في الجملة ، فان المانع عن الغسل إذا كان قرحاً أو جرحاً ـ سواء كان المحل مجبوراً أم مكشوفاً ـ تخير المكلف بين الغسل والتيمم ، واذا اختار الغسل وكان المحل مكشوفاً فله الاجتزاء بغسل اطرافه وان كان ـ الأحوط استحباباً ـ ان يضع خرقة على موضع القرح ، أو الجرح ويمسح عليها ، وأما إذا كان المانع كسراً فان كان محل الكسر مجبوراً تعين عليه الاغتسال مع المسح على الجبيرة ، وأما إذا كان مكشوفاً ، أو لم يتمكن من المسح على الجبيرة تعين عليه التيمم.

٧٦

( التيمم )

يصح التيمم بدلاً عن الغسل ، أو الوضوء في سبعة مواضع :

( الأوّل ) : ما إذا لم يجد من الماء مقدار ما يفي بوظيفته الأولية من غسل أو وضوء ولو لكون الموجود منه فاقداً لبعض الشرائط المعتبرة فيه ، ويجب الفحص عنه على الحاضر إلى حين حصول اليأس منه ، وكذلك السعي اليه ما لم يكن بعيداً عنه بحيث يصدق عرفاً انه غير واجد للماء ، ولا يسوغ للمسافر ان يتيمم بمجرد عدم علمه بوجود الماء لديه ، بل لابُدّ له من احراز عدمه بالفحص عنه في مظانه إلى ان يحصل له الاطمينان بالعدم ، فلو احتمل وجود الماء في رحله ، أو في القافلة ، أو عند بعض المارة وجب عليه الفحص عنه ، ولو كان في فلاة وجب عليه الفحص فيما يقرب من مكانه وفي الطريق ، ـ والأحوط وجوباً ـ الفحص في المساحة التي حوله على نحو الدائرة غلوة سهم في الأرض الحزنة ( الوعرة ) وغلوة سهمين في الأرض السهلة ، ولا يجب الفحص أكثر من ذلك الا اذا اطمأن بوجوده خارج الحد المذكور بحيث لا يبعد عنه بمقدار يصدق عرفاً انه غير واجد للماء ، ويسقط وجوب الفحص عند تضيق الوقت بمقدار ما يتضيق منه وكذا إذا خاف على نفسه ، أو ماله المعتد به من لصّ ونحوه ، أو كان في الفحص حرج لا يتحمل عادة.

( مسألة 138 ) : إذا تيمم من غير فحص ـ فيما يلزم فيه الفحص ـ ثم

٧٧

صلى في سعة الوقت برجاء المشروعية لم يصح تيممه وصلاته وان تبين عدم الماء على ـ الأحوط لزوماً ـ.

( مسألة 139 ) : إذا انحصر الماء الموجود عنده بما يحرم التصرف فيه كما إذا كان مغصوباً لم يجب الوضوء ووجب التيمم ، والماء الموجود حينئذٍ بحكم المعدوم.

( الثاني ) : عدم تيسر الوصول إلى الماء الموجود إما للعجز عنه تكويناً لكبر ونحوه ، أو لتوقفه على ارتكاب عمل محرم كالتصرف في الإناء المغصوب ، أو لخوفه على نفسه ، أو عرضه ، أو ماله المعتد به من سبع ، أو عدو أو لص ، أو ضياع أو غير ذلك ، ولو انحصر الماء المباح بما كان في أواني الذهب والفضة ـ حيث يحرم استعمالها في الطهارة عن الحدث والخبث على الأحوط كما تقدم في المسألة (30) ـ فان امكن تخليصه منها بما لا يعد استعمالاً في العرف وجب الوضوء ، وإلاّ ففي سقوط الوضوء ووجوب التيمم اشكال.

( الثالث ) : كون استعمال الماء مضراً به ، كما إذا خاف حدوث مرض أو امتداده أو شدته ، وانما يشرع التيمم في هذه الصورة إذا لم تكن وظيفته الطهارة المائية مع المسح على الجبيرة والا وجبت ، وقد مر تفصيل ذلك.

( الرابع ) : خوف العطش على نفسه ، أو على غيره ممن يرتبط به ويكون من شأنه التحفظ عليه والاهتمام بشأنه ولو من غير النفوس المحترمة انساناً كان أو حيواناً ، ولو خاف العطش على غيره ممن لا يهمه أمره ولكن يجب عليه حفظه شرعاً ، أو يقع في الحرج بهلاكه عطشاً اندرج ذلك في غيره من المسوّغات.

( الخامس ) : استلزام الحرج والمشقة إلى حد يصعب تحمله عليه ، سواء كان في تحصيل الماء ، كما إذا توقف على الاستيهاب الموجب لذلّه

٧٨

وهوانه ، أو على شرائه بثمن يضر بحاله ـ والا وجب الشراء وان كان باضعاف قيمته ـ أم في نفس استعماله لشدة برودته ، أو لتغيره بما يتنفر طبعه منه أم فيما يلازم استعماله كما لو كان قليلاً لا يكفي للجمع بين استعماله في الوضوء وبين تبليل الرأس به مع فرض حاجته اليه لشدة حرارة الجو مثلاً بحيث يقع لولاه في الحرج والمشقة.

( السادس ) : ما إذا استلزم تحصيل الماء أو استعماله وقوع الصلاة أو بعضها خارج الوقت.

( السابع ) : ان يكون مكلفاً بواجب أهم أو مساوٍ يستدعي صرف الماء الموجود فيه كازالة الخبث عن المسجد فانه يجب عليه التيمم وصرف الماء في تطهيره ، وكذا إذا كان بدنه أو لباسه متنجساً ولم يكف الماء الموجود عنده للطهارة الحدثية والخبثية معاً فانه يتعين صرفه في ازالة الخبث وان كان الأولى فيه ان يصرف الماء في ازالة الخبث أولاً ، ثم يتيمم بعد ذلك.

( ما يصح به التيمم )

يجوز عند تعذر الطهارة المائية التيمم بمطلق وجه الارض من تراب أو رمل ، أو حجر أو مدر ، ومن ذلك ارض الجص والنورة وهكذا الجص المطبوخ ، والآجر والخزف ، ـ والأحوط الأولى ـ تقديم التراب على غيره مع الإمكان ، ويجوز التيمم بالغبار المجتمع على الثوب ونحوه إذا عدّ تراباً دقيقاً بان كان له جرم بنظر العرف وان كان ـ الأحوط استحباباً ـ تقديم غيره عليه ، واذا تعذر التيمم بالأرض وما يلحق بها تيمم بالوحل وهو الطين الذي يلصق باليد ـ والأحوط وجوباً ـ عدم ازالة شيء منه الا ما يتوقف على ازالته صدق المسح باليد ، واذا تعذر التيمم بالوحل أيضاً تعين التيمم بالشيء المغبر ـ أي ما يكون الغبار كامناً فيه ـ أو لا يكون له جرم بحيث يصدق

٧٩

عليه التراب الدقيق ـ كما تقدم ـ واذا عجز عنه أيضاً كان فاقداً للطهور وحينئذٍ تسقط عنه الصلاة في الوقت ويلزمه القضاء خارجه.

( مسألة 140 ) : إذا كان طين وتمكن من تجفيفه وجب ذلك ولا تصل معه النوبة ، إلى التيمم بالطين أو الشيء المغبر ، ولا بأس بالتيمم بالأرض الندية وان كان الأولى ان يتيمم باليابسة مع التمكن.

( مسألة 141 ) : ـ الأحوط وجوباً ـ اعتبار علوق شيء مما يُتيمم به باليد فلا يجزي التيمم على مثل الحجر الاملس الذي لا غبار عليه.

( مسألة 142 ) : لا يجوز التيمم بما لا يصدق عليه اسم الأرض وان كان اصله منها كالنباتات ، وبعض المعادن كالذهب والفضة ، ورماد غير الأرض ونحوها ، واذا اشتبه ما يصح به التيمم بشيء من ذلك لزم تكرار التيمم ليتيقن معه الامتثال.

( كيفية التيمم وشرائطه )

( مسألة 143 ) : يجب في التيمم أمور :

(1) ضرب باطن اليدين على الأرض ، ويكفي وضعهما عليها أيضاً ، ـ والأحوط وجوباً ـ ان يفعل ذلك دفعة واحدة.

(2) مسح الجبهة ، وكذا الجبينين ـ على الأحوط وجوباً ـ باليدين من قصاص الشعر إلى طرف الأنف الأعلى والى الحاجبين ـ والأحوط الأولى ـ مسحهما أيضاً.

(3) المسح بباطن اليد اليسرى تمام ظاهر اليد اليمنى من الزند إلى اطراف الاصابع ، والمسح بباطن اليمنى تمام ظاهر اليسرى ـ والأحوط وجوباً ـ رعاية الترتيب بين مسح اليمنى واليسرى.

ويجتزئ في التيمم سواء كان بدلاً عن الوضوء ، أم الغسل بضرب

 

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611