الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٥

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل9%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 606

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 606 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 245251 / تحميل: 6211
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٥

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

الفصل الثاني

ضوابط الحوار وآدابه

١ ـ شروط الحوار

٢ ـ آداب الحوار

١٦١
١٦٢

لما كان الحوار في الواقع الإنساني من الوسائل التي تستخدم لنشر الأفكار والإقتناع بها ؛ كان الهدف منه تعاون أطراف الحوار على معرفة الحقيقة والتوصل إليها ، تبصير كل منهما صاحبه بالأمور التي خفيت عنه حينما أخذ بنظر باحثاً عن الحقيقة ، وذلك باستخدام الحوار البريء من التعصب ؛ الخالي من العنف والإنفصال ، المتمشي وفق الأصول العامة للحوار الهادف البنّاء.

ولا يتحقق هذا الحوار إلا بعد تطبيق ما ذكره العلماء من الضوابط والآداب كما يلي :

١ ـ شروط الحوار :

ذكر العلماء والباحثون أنّ للحوار المّذون به شروطاً ينبغي إتباعها ، خشية أن يتحول إلى مماراة بعيدة عن الوصول إلى الحقيقة ، أو إلى مشاحنات أنانية ، ونحو ذلك مما يفسد القلوب ، ويهيج النفوس ، ويورث التعصب ولا يوصل إلى الحق ، نذكر منها التالي :

١ ـ أن يكون أطراف الحوار على معرفة بقوانين وقواعد الحوار ، متبعين المعايير العقلية والمنطقية ، باسلوب علمي رصين.

٢ ـ أن يكونوا على معرفة بالموضوع الذي يراد التحاور فيه ، بحيث يمكن التكلم بما يتناسب مع طبية المضوع المتحاور فيه ، بحيث لو تكلم أحد الأطراف لم يخبط خبط عشواء ، ولم يناقش في البديهيات بغير علم ، وإذا لُزم بالحق إلتزم به دون مكابرة.

٣ ـ أن يكون الموضوع مهماً ، أو مما يجوز أن تجري فيه المحاورة ضمن قواعد هذا الفن وضوابطه ، فالمفردات والبديهيات الجلية مثلاً ، لا تجري فيها المحاورة أصلا.

١٦٣

٤ ـ أن يكون المحاور متمكناً من الحوار ، بحيث يتمتع بوجهة علمية ومقدرة بيانية ، ومطلعاً على أفكار وآراء خصمه ، مستخدماً الألفاظ المناسبة الجزلة الفخمة ، متجنباً العبارات والألفاظ الركيكة.

وإلى هذا يشير إمامنا الصادق عليه السلام في الحديث التالي :

عن أبي خالد الكابلي ، قال : (رأيت أبا جعفر ـ صاحب الطاق ـ وهو قاعد في الروضة قد قطع أهل المدينة أزراره ، وهو دائب يجيبهم ويسألونه ، فدنوت منه فقلت : إنّ أبا عبد الله نهانا عن الكلام فقال : أمرك أن تقول لي؟ فقلت : لا ، ولكنه أمرني ألا أكَلِّم أحداً.

قال : فاذهب فأطعه فيما أمرك. فدخلت على أبي عبد الله عليه السلام فأخبرته بقصة صاحب الطاق ، وما قلت له ، وقوله لي : إذهب وأطعه فيما أمرك ، فتبسم أبو عبد الله عليه السلام وقال : يا أبا خالد ، إّ صاحب الطاق يكلّم الناس فيطير وينقض ، وأنت إو قصوك لن تطير)(٢١٢) .

٢ ـ آداب الحوار :

وضع العلماء لفَن آداب البحث والمحاورة جملة من الآداب ، وألزموا المتحاورين بها ، محافظة على سلامة المحاورة ، وتحقيقاً للغرض منها ، نذكر فيما يلي أهمها :

١ ـ أن يجتنب المحاور محاورة ذي هيبة يخشاه ، لئلا يؤثر ذلك عليه ، فيضعفه عن القيام بحجته كما ينبغي.

٢ ـ ألا يظن خصمه أقوى منه بكثير ، حتى لا يتخاذل ويضعف عن تقديم حجته على الوجه المطلوب.

__________________

(٢١٢) ـ الطوسي ، الشيخ محمد بن الحسن : رجال الكشي ، ج ٢ / ٤٢٤.

١٦٤

٣ ـ ألا يظن خصمه حقيراً ضعيفاً قليل الشأن ، فذلك يقلل من إهتمامه ، فيمكن خصمه الضعيف منه.

٤ ـ ألا يكون في حالة قلق نفسي وإضطراب ؛ أو في حالة نفسد عليه مزاجه الفكري والنفسي ، كأن يكون جائعاً ، أو ظامئاً ، أو نحو ذلك.

٥ ـ أن يتقابل المتحاوران في المجلس ، ويبصر أحدهما الآخر إن أمكن ، ويكونا متماثلين أو متقاربين علماً ومقداراً.

٦ ـ أن يجتنب كلا المتحاورين الهزء والسخرية ، وكل ما يشعر بإحتقار وإزدراء لصاحبه ، أو وسمه بالجهل أو قلة الفهم ، كالتبسم والضحك والغمز واللمز ونحو ذلك ، مما يثير عواطف الغير ، ويؤدي إلى إفساد المحاورة التي ينبغي أن تكون بالتي أحسن.

٧ ـ ألا يرفع صوته فوق المتعارف المألوف ، فإنّ هذا يدل على الشعور بالضعف والشعور بالمغلوبية ، بل ينبغي إلقاء الكلام قوي الأداء ، وإن كان بصوت منخفض هادئ ، فإنّ تأثيره أقوى بكثير من اسلوب الصياح والصراخ.

٨ ـ أن يتجنب ـ حد الإمكان ـ مجادلة طلب الرياء والسمعة ومُؤثر الغلبة والعناد ، فإنّ هذا من جهة يُعديه بمرضه فينساق بالأخير مقهوراً إلى أن يكون شبيهاً به في هذا المرض ، ومن جهة أخرى لا يستطيع الوصول مع مثل هذا الشخص إلى نتيجة مرْضِيّة.

٩ ـ ألا يكون المحاور متسرعاً يقصد إسكات خصمه في زمن يسير ؛ لأنّ ذلك يفسد عليه رويته الفكرية ، ويبعده عن منهج المنطق السديد ، والتفكير في الوصول إلى الحق.

١٦٥

١٠ ـ أن يحترز المحاور عن الإختصار المخل في الكلام ، وعن إطالة الكلام بلا فائدة ترجى من ذلك.

١١ ـ أن يأتي كل من المتحاورين بالكلام الملائم للموضوع ؛ فلا يخرج عما هما بصدده.

١٢ ـ ألا يتعرض أحدهما لكلام خصمه قبل أن يفهم مراده تماماً.

١٣ ـ أن ينتظر كل واحد منهما صاحبه حتى يفرغ من كلامه ، ولا يقطع عليه كلامه قبل أن يتمه.

١٤ ـ الإستعانة بالله عَزّ وجَلّ ، للتوفيق والوصول إلى الحقيقة ، فقد ورد عن إمامنا زين العابدين عليه السلام في الصحيفة السجادية ، من دعائه في مكارم الأخلاق : (اللهُمّ صل على محمد وآله ، واجعل لي يداً على من ظلمني ، ولساناً على من خاصمني ، وظفراً بمن عاندني)(٢١٣) .

وعنه عليه السلام ـ كما في المناجاة (المعروفة بالإنجيلية الطويلة) ـ : وأعوذ بك من دعاءٍ محجوبٍ ، ورجاء مكذوب ، وحياء مسلوب ، وإخاء مَعْبُوب ، وإحتجاج مغلوب ، ورأي غير مصيب)(٢١٤) .

__________________

(٢١٣) ـ زين العابدين ، الإمام علي بن الحسين : الصحيفة السجادية / ١١١ (جمع السيد محمد باقر الأبطحي).

(٢١٤) ـ نفس المصدر / ٤٣٩ ـ ٤٤٠.

١٦٦

الفصل الثالث

الحوار المتعلق بتربة الحسين (عليه السلام)

بحوث تمهيدية :

١ ـ الوحدة الإسلامية.

٢ ـ التقريب بين المذاهب الإسلامية.

٣ ـ دعوة إلى الحوار.

١٦٧
١٦٨

تلعب الشائعات وحجب الحقائق دوراً كبيراً في محاربة الأفكار والمعتقدات ، ولعل مرجع هذه الشائعات ، هي عوامل سياسية ومصلحة نفعية ، ومن بين تلك المعتقدات التي حوربت بهذه الطريقة عقيدة الشيعة الإمامية ، الذين يمثلون فئة كبيرة من المسلمين ، فقد بالغ المغرضون والوضاعون النفعيون ، في تصوير معتقداتهم ، وتحريفها عن واقعها ومدلولها الصحيح. وقد أشار إلى هذه الحقيقة الناصعة ، الدكتور حامد حنفي داود(٢١٥) بقوله : «يخطئ كثيراً من يدّعي أنّه يستطيع أن يقف على عقائد الشيعة الإمامية وعلومهم وآدابهم مما كتبه عنهم الخصوم من العلم والإحاطة ، ومهما أحرزوا من الأمانة العلمية في نقل النصوص والتعليق عليها بأسلوب نزيه بعيد عن التعصب الأعمى. أقول ذلك جازماً بصحة ما أدعي بعد أن قضيت ردحاً طويلاً من الزمن ، أدرس فيه عقائد الأئمة الإثني عشرة بخاصة وعقائد الشيعة بعامة. فما خرجت من هذه الدراسة الطويلة التي قضيتها متصفحاً في كتب المؤرخين والنقاد من علماء أهل السنة بشيء ذي بال. وما زادني إشتياقي إلى هذه الدراسة وميلي الشديد في الوقوف على دقائقها إلا بعداً عنها وخروجاً عما أردت من الوصول إلى حقائقها ذلك لأنّها كانت دراسة بتراء أحلت نفسي فيها على كتب الخصوم لهذا المذهب وهو المذهب الذي يمثل شطر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، ومن ثم اضطررت بحكم ميلي الشديد إلى طلب الحقيقة حيث كانت ، والحكمة حيث وجدت ، والحكمة ضالة المؤمن ، أن أدير دفة دراستي العلمية لمذهب الأئمة الإثني عشر إلى الناحية الأخرى ، تلك هي دراسة المذهب

__________________

(٢١٥) ـ أستاذ الأدب العربي بكلية الألسن العليا ، ورئيس قسم الأدب العربي بجامعة عين شمس ، من رواد الإصلاح ، ودعاة التقريب بين المذاهب الإسلامية.

١٦٩

في كتب أربابه ، وأن أتعرف عقائد القوم مما كتبه شيوخهم والباحثون المحققون من علمائهم وجهابذتهم. ومن البديهي أنّ رجال ال مذهب أشدّ معرفة لمذهبهم من معرفة الخصوم به ، مهما بلغ أولئك الخصوم من الفصاحة والبلاغة ، أو أوتوا حظاً من اللسن والإبانة عما في الشمس»(٢١٦) .

وقال الدكتور مصطفى الرافعي(٢١٧) : «... أجل ، عن مثل هؤلاء المستشرقين أو أولئك الجهلة والمغرضين أخذ خصوم الشيعة معلوماتهم عن الشيعة ، وأثاروا الكثير من الشبهات حول بعض المعتقدات التي يدينون بها ؛ أو الأحكام الفرعية التي يمارسونها ، فشوهوها وألبسوها لباس العداوة للإسلام حتى ظن معها قصار النظر ومن ليس لديه معلومات واسعة عن فقه الشيعة أنّ أتباع هذا المذهب بسبب إيمانهم بتلك المعتقدات أو ممارستهم لهذه الأحكام ، قد نؤوا عن الحق وجانبوا الصواب وربما بالغوا في التشنيع عليهم فقالوا : أنهم فرقة مرقت من الدين وخرججت من ربقة الإسلام»(٢١٨) .

هذه بعض كلمات الكتاب والباحثين من السنة ، الذين أنصفوا الشيعة الإمامية ، فيما حصل لهم من مظلومية وتشويه لسمعتهم أمام المسلم وغيره؟! والسؤال الذي ينبغي طرحه : ما هو الحل لعلاج هذه المشكلة الخطيرة؟

__________________

(٢١٦) ـ المظفر ، الشيخ محمد رضا : عقائد الإمامية / ٤١ ـ ٤٢ (تقديم).

(٢١٧) ـ كاتب وباحث لبناني ، ولد في طرابلس عام ١٩٢٣ م ، جمع بين الدراسة في الأزهر ـ حيث نال إجازة تخصص في القضاء عام ١٩٤٧ م ـ ، والدراسة في جامعة السوربون بفرنسا ، حيث نال شهادة الدكتوراه في الحقوق عام ١٩٤٨ م ، مثّل لبنان في كثير من المؤتمرات الإسلامية والثقافية ، وله مجموعة من المؤلفات.

(٢١٨) ـ الرافعي ، الدكتور مصطفى : إسلامنا / ١٣١.

١٧٠

لعلّ أهم الحلول التي طرحت لحلّ هذه المشكلة ، هي كالتالي :

١ ـ الوحدة الإسلامية :

والمراد بها إدماج مذهب في مذهب ، أو تغليب مذهب على مذهب ، وممن يرى هذه الفكرة الأستاذ أمين خولي(٢١٩) ، حيث قال : «أنا في العام الماضي تكلمت مع الشيخ محمد تقي الحكيم(٢٢٠) ، وقلت : فلنتنازل نحن السنة وأنتم الشيعة عن بعض الأشياء ، ونتفق على أشياء ونكون يداً واحدة»(٢٢١) .

وهذه الفكرة يصعب تطبيقها ، وقد أجاب عنها السيد مرتضى الرضوي بقوله ـ مخاطباً الأستاذ أمين الخولي ـ : «يا أستاذ ؛ لا يمكن التفاهم والإتفاق على شيء قبل أن نضع رجال الصدر الأول في ميزان الحساب ؛ لأنّهم خَلّفُوا أموراً خلافية كثيرة لا يمكن التغاضي عنها ، وتركها من دون علاج ، وبعد ذلك ، فمن السهل أن نتحد ونتفق على كل شيء. فسكت الأستاذ الخولي»(٢٢٢) .

٢ ـ التقريب بين المذاهب الإسلامية :

قامت مجموعة من أعلام المسلمين ـ ويأتي في طليعتهم الشيخ عبد المجيد سليم ، والشيخ محمود شلتوت ، والشيخ محمد تقي القمي ، والشيخ محمد محمد المدني ـ ، بتأسيس (دار التقريب بين المذاهب الإسلامية) وذلك سنة (١٣٦٦ هـ

__________________

(٢١٩) ـ من كبار الأساتذة وعمالقة الفكر في مصر ، ولد عام ١٩٠٤ م ، من أوائل أساتذة كلية الآداب بجامعة القاهرة ، وصل إلى منصب كرسي الأدب العربي بكلية الآداب بجامعة القاهرة ، كان من أبرز أعضاء المجلس الأعلى لدار الكتب المصرية ، الذي يضم جهابذة رجال الفكر والقلم في مصر.

(٢٢٠) ـ المراد به ، هو سماحة السيد محمد تقي الحكيم ، أحد علماء النجف ، عميد كلية الفقه في النجف الأشرف ، وأستاذ الفقه المقارن في جامعة بغداد ، وعضو المجمع العلمي في العراق ، وعضو مراسل المجمع اللغوي بمصر ، له بعض المؤلفات القيمة. ولد عام ١٣٤١ هـ ، وتوفي عام ١٤٢٣ هـ.

(٢٢١) ـ الرضوي ، السيد مرتضى : مع رجال الفكر في القاهرة / ٥١.

(٢٢٢) ـ نفس المصدر.

١٧١

ـ ١٩٤٧ م) ، في القاهرة ، وكان هدف هذه المجموعة ، عدم إستغلال الفوارق المذهبية ، وما يترتب على ذلك من شق صف المسلمين ، وإضعاف وحدتهم. كما كانت دعوتهم إلى تقريب وجهات النظر ، من خلال إلقاء الضوء على المشتركات بينهم ، وعدم السعي إلى إلغاء بعضها على حساب بعض ، وبعبارة أخرى ، تسعى إلى بقاء المسلمين كل على مذهبه ، وعدم دمجهم في مذهب واحد. وكان من ثمارها ، إصدار مجلة (رسالة الإسلام) صدر العدد الأول منها سنة ١٣٦٨ هـ ، وتوقفت في شهر رمضان سنة ١٣٩٢ هـ ، بعد ما صدر منها ستون عدداً ، إهتمت بأدب التقريب بين المذاهب. وإدخال الفقه الشيعي إلى مواد التدريس في الأزهر الشريف ، كما أصدر شيخ الأزهر محمود شلتوت فتواه بجواز التعبد بالمذهب الجعفري ، ونشرتها مجلة (رسالة الإسلام ـ في العدد الثالث ، من السنة الحادية عشر ، ص ٢٢٨ ـ عام ١٩٥٩).

يقول الشيخ الشعراوي ـ بعد هذه الفتوى : «الشيعة الإمامية الإثني عشرية ، وإمامهم جعفر الصادق ؛ بن محمد ، بن علي زين العابدين ، بن الحسين ، بن علي بن أبي طالب ، وهو أحد أساتذة الإمام ابي حنيفة ، رضي الله عنهم جميعاً ، وهؤلاء الإمامية الجعفرية ؛ الذين نوضح أنهم من أرباب ال مذاهب النقيّة ؛ هم الذين أصدر شيخنا المرحوم شيخ الأزهر محمود شلتوت ، فتواه المشهورة في صحة التعبد على مذهبهم ؛ معلّلاً ذلك بأنّه من المذاهب الإسلامية ، الثابتة الأصول المعروفة المصادر ، المتبعة لسبيل المؤمنين. نعم : لقد أخذنا في مصر طائفة من الأحكام في قوانين الأحوال الشخصية عن الشيعة الإمامية الإثني عشريّة ، ومنها بعض أحكام الطلاق ، والقول بالوصيّة الواجبة

١٧٢

في الميراث»(٢٢٣) . وخلاصة هذه الفكرة ـ على حد تعبير الشيخ كاشف الغطاء (قده)(٢٢٤) . «وليس معنى الوحدة في الأمة أن يهضم أحد الفريقين حقوق الآخر فيصمت ، ويتغلب عليه فيسكت ، ولا من العدل أن يقال للمهضوم إذا طالب بحق ، أو دعا إلى عدل إنك مفرق أو مشاغب ، بل ينظر الآخرون إلى طلبه ، فإن كان حقاً نصروه ، وإذا كان حيفاً أرشدوه وأقنعوه ، وإلا جادلوه بالتي هي أحسن مجادلة الحميم لحميه ، والشقيق لشقيقه ، لا بالشتائم والسباب ، والمنابزة بالألقاب ، فتحتدم نار البغضاء بينهما حتى يكونا لها معغاً حطباً ، ويصبحا معاً للأجنبي لقمة سائغة ، وغنيمة باردة»(٢٢٥) .

وبعد هذا البيان المستفاد من كلمات العلماء والباحثين ، نقول : أنّ الهدف من التقريب بين المذاهب الإسلامية هو الحد من تضييق شقة الخلاف ، وبعض الظروف في عهود غابرة ، ولو قدر لها أن تبحث بحثاً موضوعياً ؛ لوصل الفريقان إلى الوحدة والتعاون المشترك ، في المنافع والفوائد في النهاية.

٣ ـ الدعوة إلى الحوار :

إذا أراد المسلمون تشكيل قوة متحدة متماسكة ، تستطيع أن تفرض إرادتها وإحترامها ، وترفع راية الإسلام فوق ربوع الأرض ؛ فعليهم أن ينبذوا الخلاف بالحوار الهادف المخلص ، وهذه المهمة يتحمل عِبْأَها العلماء ورواد الفكر السلامي ، فقد قام جماعة منهم بالدعوة إلى الحوار ونبذ الخلاف ،

__________________

(٢٢٣) ـ الأهرام ـ السنة ١٠٣ ـ العدد ٣٢٩٣٢.

(٢٢٤) ـ الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء (١٢٩٤ هـ ـ ١٣٧٣ هـ) ، من أعلام الشيعة الإمامية ، ومنابع العلم والأدب ودعاة الاصلاح والتقريب بين المذاهب الاسلامية ، من فقهاء العراق.

(٢٢٥) ـ كاشف الغطاء ، الشيخ محمد حسين : أصل الشيعة وأصولها / ٦٦.

١٧٣

وعلى رأسهم العلمان البارزان : السيد عبد الحسين شرف الدين(٢٢٦) ، والشيخ سليم البشري(٢٢٧) .

وقد طَبّق هذا الحوار العلمان المذكوران بروح إتصفت بالنزاهة والطهر ، عَبّر عنها السيد شرف الدين (قده) بقوله : «وما أحسن ما يتعارف به العلماء من الورح النقي ، والقول الرضي ، والخلق النبوي ، ومتى كان العالم بهذا اللباس الأنيق المترف ، كان على خير ونعمة ، وكان ال ناس منه في أمان ورحمة ، لا يأبى أحد أن يفضي إليه بدخيلة رأيه ، أو يبثه ذات نفسه ، ذلك كان علم مصر وإمامها ، وهكذا كانت مجالسنا التي شكرناها شكراً لا إنقضاء له ولا حد»(٢٢٨) .

وقد إستغرق هذا الحوار مائة وإثنتي عشر حلقة ، وكان ذلك في الفترة ما بين ذي القعدة عام ١٣٢٩ هـ ، وجمادي الأولى عام ١٣٣٣ هـ ، وكانت حصيلة هذا الحوار كتب (المراجعات) ، الذي دَوّنه العالم الشيعي السيد عبد الحسين شرف الدين (قده) ، مما جعل لهذا الحوار أثره في العصر الذي جرى فيه والعصور المتأخرة ، بل يعتبر نموذجاً لكل من أراد الحوار الهادف ، وصرخة مدوية في أذن كل سني وشيعي ، أراد الوصول إلى الحقيقة ، أو على الأقل يعرف المذهب الجعفري بحقيقته الناصعة ، ولا يأخذها من كتب وأفواه خصومهم ، الذين لَفّقَوا فيهم التهم والأكاذيب. ومن بين تلك الأكاذيب ، عبادة التربة الحسينية الشريفة ، التي هي موضوع بحثنا.

__________________

(٢٢٦) ـ الشيخ عبد الحسين شرف الدين (١٢٩٠ هـ ـ ١٣٧٧ هـ) من أعلام الشيعة الإمامية ، ومنابع العلم والأدب ودعاة الإصلاح ، والتقريب بين المذاهب الإسلامية ، من فقهاء جبل عامل في لبنان.

(٢٢٧) ـ الشيخ سليم البشري (المالكي) ، ولد في محلة بشر ، بمحافظة البحيرة عام (١٢٤٨ هـ وتوفي عام ١٣٣٥ هـ) تولى مشيخة الأزهر مرتين : الأولى ـ من عام ١٣١٧ هـ إلى عام ١٣٢٠ هـ ، والثانية ـ من عام ١٣٢٧ هـ إلى عام ١٣٣٥ هـ. وفي عهده طبق نظام إمتحان الراغبين في التدريس بالأزهر.

(٢٢٨) ـ شرف الدين ، السيد عبد السحين : المراجعات / ٣٢.

١٧٤

نماذج للحوار في التربة الحسينية

١ ـ السيد الشيرازي مع رجل دين مصري.

٢ ـ السيد سلطان الواعظين مع الشيخ عبد السلام الأفغاني.

٣ ـ الشيخ الأنطاكي مع بعض أعلام السنة.

٤ ـ الدكتور التيجاني مع الشهيد الصدر.

٥ ـ المستر رايلي مع سكرتير وزارة المعارف العراقية.

٦ ـ الأستاذ محمد خير مع خصوم الشيعة.

١٧٥
١٧٦

١ ـ السيد الشيرازي(٢٢٩) مع رجل علم مصري :

قال السيد عبد الله الشيرازي (قده) : «كنت يوماً جالساً في الروضة النبوية المطهرة بعد الفراغ من فريضة الصبح ، قرب المنبر مشغولاً بقراءة القرآن وكان المصحف بيدي ، فجاء رجل شيعي ووقف على يساري وكَبّر للصلاة ، وكان على يميني رجلان من أهل العلم مصريان ـ على الظاهر ـ متكئان على الإسطوانة ، فأدخل المصلي يده في جيبه بعد تكبير الإحرام لإخراج التربة أو الحجر للسجود عليه ، فقال أحدهما للآخر : إنظر إلى هذا العجمي يريد أن يسجد على الحجر. فلما هوى المصلي للسجود بعد ركوعه ، حمل عليه أحدها ليختطف ما في يده ، لكني أمسكت على يده قبل وصولها إلى المصلي ، وقلت : لماذا تبطل صلاة الرجل المسلم ، وهو يصلي مقابل قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟

قال : يريد أن يسجد على الحجر. قلت : وأيّ بأس في ذلك؟ وأنا أيضاً أسجد على الحجر.

قال : كيف؟ قلت : هو جعفري ، وهذا هو الصحيح على مذهبنا ، ثم قلت : هل تعرف جعفر بن محمد عليهما السلام؟

قال : نعم. قلت : هو من أهل البيت؟ قال : نعم. قلت : هو رئيس مذهبنا ، ويقول لا يجوز السجود على الفراش أو السجاد ، ويقول : لابد أن يكون السجود على أجزاء الأرض. فسكت قليلاً ، ثم قال : الدين واحد ، والصلاة واحدة. قلت : إذا كان واحداً ، والصلاة واحدة ، فكيف تُصلون

__________________

(٢٢٩) ـ أحد الفقهاء الكبار ، والمراجع العظام ، ولد في شيراز عام ١٣٠٩ هـ ، وهاجر الى النجف الأشرف عام ١٣٣٣ هـ ، حتى أصبح أحد أعلامها ، وفي عام ١٣٩٥ هـ إستقر في مشهد المقدسة ، قائماً بأعباء المرجعية وإدارة حوزتها العلمية ، وتوفي بها عام ١٤٥ هـ ، ودفن بجوار الإمام الرضا (ع).

١٧٧

أنتم السنة في حال القيام على أربعة أشكال من جهة التكتف : فالمالكية يصلون مرسلين الأيدي ، والحنفية يتكتفون ، والشافعية نحو ثالثاً ، والحنبلية نحواً رابعاً ، مع أنّ الدين واحد ، والصلاة التي صلاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت نحواً واحداً؟!

ولقنته الجواب ، وقلت : غير أنكم تقولون إنّ أبا حنفية هكذا قال : والشافعي هكذا ، والمالكي هكذا ، والحنبلي هكذا ، وصوّرت له بيدي صور الحالات الأربع. قال : نعم.

قلت : جعفر بن محمد الصادق عليه السلام رئيس مذهبنا الذي إعترفت بأنّه من أهل البيت أدرى بما في البيت ، لم يكن أقل من أبي حنفية ، ومن هؤلاء علمنا أنّه لابدّ أن يكون السجود على أجزاء الأرض ، ولا يجوز السجود على الصوف والقطن ، وهذا الإختلاف بيننا وبينكم لا يكون إلا مثل الإختلاف بين أنفسكم في كيفية الصلاة من جهة التكتف وغيرها من سائر الإختلاف بينكم في الفروع ولا يرتبط بالأصول ، ولا يكون مربوطاً بالشرك أصلاً. فصدقني الجالسون من أهل السنة ، حتى صاحب هذا الشخص الذي كان جالساً إلى جانبه ، ولما وجدت الجو مناسباً بعد تصديقه كلامي حملت عليه بالكلام الحاد ، وقلت : أما تستحي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تبطل صلاة رجل مسلم يصلي عند قبره ـ صلوات الله عليه وآله ـ بمقتضى مذهبه ، وهو مذهب أهل البيت صاحب هذا القبر ، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تهيراً ، ولا يكون قولهم ومذهبهم إلا قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومذهبه.

فحمل الجالسون عليه أيضاً بالكلام الخشن ، واعتذروا مني من إعتقادهم بأنّ السجود على التربة أو الحجر شرك من الشيعة. أقول : لا يكاد ينقضي تعجبي من أنّ علماءهم كيف أشربوا في قلوب عوامهم أنّ الجسود على التربة

١٧٨

الحسنية ، أو الحجر ، أو الخشب من سائر أجزاء الأرض شرك بالله ، مع أنّه في حال السجود يذكرون الله تعالى بالتحميد والعلو ، وكثيراً في حال السجود عليها ، يقولون : لا إله إلا الله ، أليس السجود على الحجر الذي هو جزء ـ من ـ الأرض مثل السجدة على نفس الأرض ، أو السجدة على الفراش ، أو الحصير أو السجاد؟ فإذا سجد على الأرض أو الحصير أو السجاد ، هل يكون ذلك بمعنى أنّه عبدها؟ فليكن السجود على الحجر مثل السجود عليها!

وأعجب من أصل الموضوع أنّ لسان أكثرهم عربي ، وهم أعرف بمعاني اللغة وخصوصيات معاني الألفاظ ، فكيف غفلوا أو تجاهلوا عن الفرق بين السجود عليه ، والسجود له؟ والسجدة على شيء سواء كان أرضاً أو حجراً أو فراشاً يحتاج تحقق العبادة معه إلى شيء آخر يكون هو المعبود ، ولا يكون نفس السجود عليه معبوداً وهل رأى أحد وثنياً أو صنمياً في مقام العبادة يضع الصنم على الأرض ويسجد عليه؟

لا والله ، بل يجعلون الأصنام في مقابلهم ويسجدون على الأرض ويخرّون عليها تخضعاً وتخشعاً لها ، فحينئذ المعبود هل الصنم أو ما سجد عليه من الأرض أو الحجر أو الشيء الذي سجد عليه ووقع تحت جبهته بلا إختيار ولا إلتفات أو معهما؟

فيا ليت كان في البين ثالث عارف باللغة يحكم بين الفريقين ، هل السجود لله على أجزاء الأرض عبادة لها وشرك بالله ، أو يكون مثل السجدة على نفس الأرض والمعبود في كليهما هو الله الواحد؟

وإن كان بحمد الله الحاكم موجوداً وهو اللغة. فنرجو ـ من الله ـ أن يتنبّه العلماء والفضلاء منهم إلى هذه النقطة ، وإن لم يكن تجااهلاً ، وينبّهوا عوامهم

١٧٩

إلى عدم نسبة الشرك إلى الشيعة ، لسجودهم على أجزاء الأرض من التربة الحسينية أو الحجر أو الخشب»(٢٣٠) .

٢ ـ السيد سلطان الواعظين(٢١٣) ، مع الشيخ عبد السلام الأفغاني :

قال السيد سلطان الواعظين (طاب ثراه) : «ولكنا إذا خالفنا العامة في صلاتنا ، بأن سجدنا على طينة يابسة فبدل أن يسألونا عن الدليل والسبب ، يتهمونا بعبادة الأصنام ويسمون تلك الطينة التي نسجد عليها بالصنم ، فلماذا هذا الجهل والجفاء؟! ولماذا هذا التفريق بين المسلمين؟!

قال الشيخ عبد السلام : كما قلتم بأنّ مجلسنا هذا إنما إنعقد للتعارف والتفاهم ، وأنا أشهد الله سبحانه بأنّي لم أقصد الإساءة إليكم والتجاسر عليكم ، فإذا صدر مني ما يسوء فسببه عدم إطلاعنا على مذهبكم وعدم مطالعتنا لكتبكم ، فما كنا نعرفكم حق المعرفة ، لأنّا ما عاشرناكم ولا جالسناكم ، وانما سمعنا وصفكم من لسان غيركم وتلقيناها بالقبول من دون تحقيق ، فإلتبست علينا كثير من الحقائق ، ومع تكرار الإعتذار أرجوكم أن تُبينوا لنا سبب سجودكم على الطينة اليابسة؟

قلت : أشكر شعوركم الطيب ، وبيانكم الحلو العذب ، وأشكركم على هذا الإستفهام ؛ لأنّ السؤال والإستفهام أجمل طريقة وأعقل وسيلة لإزاحة أي شبهة وابهام.

__________________

(٢٣٠) ـ الشيرازي ، السيد عبد الله : الإحتجاجات العشرة / ٥٥ ـ ٥٩.

(٢٣١) ـ السيد محمد الموسوي الشيرازي ، المعروف بسلطان الواعظين ، كان من العلماء العاملين ، والخطباء البارعين ، ولد في طهران عام ١٣١٤ هـ. وأخذ المقدمات والأوليات على أساتذتها ، وفي عام ١٣٢٦ هـ. هاجر إلى كربلاء مع والده وحضر على أعلام حوزتها ، حتى برع وكمل في كربلاء ، ثم إتصل بالزعيم الشيخ عبد الكريم الحائري في قم وحضر دروسه ، وتوفي يوم الإثنين ٢٠ شعبان عام ١٣٩١ هـ.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

مطلقة ، بل جاء ذلك في ختام الآية مشروطا بشروط ، إذ يقول :( قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ ) وكان مستحقا.

وقد قلنا مرارا ، إنّ «المشيئة» في هذه الموارد ، بل في جميع الموارد ، ليس بمعنى الإرادة المطلقة ومن غير قيد أو شرط ، بل هي إرادة مقترنة بالحكمة والصلاحيات واللياقات ، وبهذا يتّضح الجواب على كل إشكال في هذا الصعيد.

ثمّ يضيف تعالى قائلا( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ) .

إنّ هذه الرحمة الواسعة يمكن أن تكون إشارة إلى النعم والمواهب الدنيوية التي تشمل الجميع ويستفيد منها الكل ، برا وفاجرا ، صالحا وطالحا.

كما يمكن أن تكون إشارة إلى أنواع الرحمة المادية والمعنوية ، لأنّ النعم المعنوية لا تختص بقوم دون قوم ، وإن كان لها شرائط تتوفر لدى الجميع.

وبعبارة أخرى : إن أبواب الرحمة الإلهية مفتوحة للجميع ، وإنّ الناس هم الذين عليهم أن يقرروا دخول هذه الأبواب فلو لم تتوفر شرائط الورود في بعض الناس فإنّ ذلك دليل على تقصيرهم هم ، لا محدودية الرحمة الإلهية (والتّفسير الثّاني أنسب مع مفهوم الآية والجملة التي ستأتي).

ولكن حتى لا يظن أحد أنّ قبول التوبة ، أو سعة الرحمة الإلهية وشموليتها ، غير مقيدة وغير مشروطة ، ومن دون حساب أو كتاب ، يضيف في ختام الآية : سرعان ما أكتب رحمتي للّذين تتوفر فيهم ثلاثة أمور : اتقوا ، وآتوا الزكاة ، وآمنوا بآياتي( فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ ) و «التقوى» إشارة إلى اجتناب كل معصية وإثم.

و «الزكاة» مرادة هنا بمعناها الواسع ، وحسب الحديث المعروف «لكل شيء زكاة» يشمل جميع الأعمال الصالحة والطيبة.

وجملة( وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ ) تشمل الإيمان بالمقدسات.

٢٤١

وبهذه الطريقة تتضمّن الآية برنامجا كاملا وجامعا.

وإذا فسرنا الزكاة بمعنى خاص (أي المعنى المتعارف والمصطلح للزكاة) كان ذكرها من بين سائر الوظائف الإلهية ، لأجل أهميتها في صعيد العدالة الاجتماعية.

وقد روي في حديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قام في الصلاة فقال أعرابي وهو في الصلاة : اللهم ارحمني ومحمّدا ولا ترحم معنا أحدا ، فلمّا سلّم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال للأعرابي : لقد تحجرت واسعا ، أي جعلت شيئا واسعا ، أمرا ضيقا محدودا فالرحمة الإلهية لا تنحصر في أحد من الناس(١) .

* * *

__________________

(١) مجمع البيان في تفسير هذه الآية.

٢٤٢

الآية

( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٥٧) )

التّفسير

اتبعوا هذا النّبي :

هذه الآية في الحقيقة تكمل الآية السابقة التي تحدثت عن صفات الذين تشملهم الرحمة الإلهية الواسعة ، أي من تتوفر فيهم الصفات الثلاث : التقوى ، وأداء الزكاة ، والإيمان بآيات الله. وفي هذه الآية يذكر صفات أخرى لهم من باب التوضيح ، وهي اتّباع الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنّ الإيمان بالله غير قابل للفصل عن الإيمان بالنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واتباع دينه ، وهكذا التقوى والزكاة لا يتمان ولا يكملان من دون اتباع القيادة.

٢٤٣

لهذا يقول تعالى :( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ ) .

ثمّ يبيّن ست صفات لهذا الرّسول مضافا إلى مقام الرسالة :

١ ـ أنّه نبيّ الله( النَّبِيَ ) .

والنّبي يطلق على كل من يبيّن رسالة الله إلى الناس ، ويوحى إليه وإن لم يكن مكلّفا بالدعوة والتبليغ ، ولكن الرّسول مضافا إلى كونه نبيّا ـ مكلّف بالدعوة إلى دين الله ، وتبليغه والاستقامة في هذا السبيل.

وعلى هذا يكون مقام الرسالة أعلى من مقام النّبوة ، وبناء على هذا يكون معنى النّبوة مأخوذا في مفهوم الرسالة أيضا ، ولكن حيث أنّ الآية بصدد توضيح وتفصيل خصوصيات النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهذا ذكرهما على نحو الاستقلال ، وفي الحقيقة إنّ ما أخذ في مفهوم الرّسول مجملا ، ذكر في الآية بصورة مستقلة من باب توضيح وتحليل صفاته.

٢ ـ أنّه نبيّ أمّي لم يتعلم القراءة والكتابة ، وقد نهض من بين جماهير الناس من أرض مكّة أم القرى قاعدة التوحيد الأصلية : (الأمي).

وحول مفهوم «الأميّ» المشتقة من مادة «أمّ» بمعنى الوالدة ، أو من «الأمّة» بمعنى الجماعة ، دار كلام كثير بين المفسّرين ، فبعض فسّره بأنّه لم يتعلم ولم يدرس ، يعني أنّه باق على الحالة التي ولد بها من أمّه أوّل يوم ، ولم يتتلمذ على أحد ، وبعض فسّره بمن نهض من بين جماهير الأمّة ، لا من بين طبقة الأعيان والمترفين والجبارين ، وفسّرته جماعة ثالثة بأنّه ظهر من مكّة «أمّ القرى» لأنّ هذه الكلمة مرادفة لـ «المكي».

والأحاديث الإسلامية الواردة في مصادر مختلفة هي أيضا تفسّر هذه الكلمة تارة بأنّه : لم يدرس وأخرى : بأنّه مكّي(١) .

__________________

(١) للاطلاع على هذه الرّوايات راجع تفسير نور الثقلين ، المجلد الثّاني ، الصفحة ٧٨ و ٧٩ ، وتفسير روح المعاني ، المجلد التّاسع ، الصفحة ٧٠ ، في تفسير الآية الحاضرة.

٢٤٤

ولكن لا مانع أبدا من أن تكون كلمة «الأمّي» إشارة إلى كل المفاهيم والمعاني الثلاثة ، وقد قلنا مرارا : إنّه لا مانع من استعمال لفظة واحدة في عدة معان ، ولهذا الموضوع شواهد كثيرة في الأدب العربي. (وسنبحث بتفصيل حول أميّة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد الفراغ من تفسير هذه الآية).

٣ ـ ثمّ إنّ هذا النّبي هو( الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ ) .

وفي صعيد وجود البشارات المختلفة في كتب العهدين (التوراة والإنجيل) حتى التوراة والإنجيل المحرفين الحاضرين أيضا ، سيكون لنا بحث تفصيلي بعد الفراغ من تفسير هذه الآية.

٤ ـ ومن سمات هذا النّبي أنّ دعوته تتطابق لنداء العقل مطابقة كاملة ، فهو يدعو إلى كل الخيرات وينهي عن كل الشرور والممنوعات العقلية :( يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ ) .

٥ ـ كما أنّ محتوى دعوته منسجم مع الفطرة الإنسانية السليمة ، فهو يحل ما ترغب فيه الطباع السليمة ويحرم ما تنفر منه( وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ ) .

٦ ـ أنّه ليس كأدعياء النّبوة والرسالة الذين يهدفون إلى توثيق الناس بأغلال الاستعمار والاستثمار والاستغلال ، بل هو على العكس من ذلك ، إنّه يرفع عنهم إصرهم والأغلال التي تكبّل عقولهم وأفكارهم وتثقل كاهلهم( وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ ) (١) .

وحيث أنّ هذه الصفات الست بالإضافة إلى الصفة السابعة وهي مقام الرسالة تشكّل من حيث المجموع علامة واضحة ودليل قاطع على صدق دعواه ،

__________________

(١) «الإصر» يعني في الأصل عقد الشيء وحبسه ، ويطلق على كل عمل يمنع الإنسان من الفعالية والحركة ، ويطلق على العهد والميثاق أو العقوبات ، لفظ الإصر ، لأنّ هذه الأمور تحدّ من حركة الإنسان.

٢٤٥

فيضيف القرآن الكريم :( فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ ، وَنَصَرُوهُ ، وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) .

و «عزروه» المشتقّة من مادة «تعزير» تعني الحماية والنصرة المقترنة بالاحترام والتبجيل ، ويقول البعض إن هذه اللفظة تعني ـ في الأصل ـ المنع ، فإذا كان المنع من العدوّ ، كان مفهومه النصرة ، وإذا كان المنع من الذنب كان مفهومه العقوبة والتنبيه ، ولهذا يقال للعقوبات الخفيفة «تعزير».

والجدير بالانتباه استعمال كلمة( أُنْزِلَ مَعَهُ ) بدل «أنزل إليه» في حين أننا نعلم أنّه لم يكن لشخص النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نزول من السماء ، ولكن حيث أن النبوة والرسالة نزلا مع القرآن من جانب الله ، لهذا عبر بـ «أنزل معه».

* * *

بحوث

وهنا لا بد من الوقوف عند نقاط هامة هي :

١ ـ خمسة أدلة على النّبوة في آية واحدة

لم ترد في آية من آيات القرآن أدلة عديدة على حقانية دعوة الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما جاء في هذه الآية فلو أننا أمعنا النظر بدقة في الصفات السبع التي ذكرها الله تعالى في هذه الآية لنبيه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لوجدنا أنّها تحتوي على سبعة أدلة واضحة لإثبات نبوته :

الأوّل : أنّه «أمّي» لم يدرس ، ولكنّه مع ذلك أتى بكتاب لم يغيّر مصير أهل الحجاز فقط ، بل كان نقطة تحول هام في التأريخ البشري ، حتى أنّ الذين لم يقبلوا بنبوته لم يشكوا في عظمة كتابه وتعاليمه.

فهل يتفق والحسابات الطبيعية أن يقوم بهذا العمل شخص نشأ في بيئة

٢٤٦

جاهلية ولم يتتلمذ على أحد؟

الثّاني : أنّ دلائل نبوته قد وردت بتعابير مختلفة في الكتب السماوية السابقة على نحو توجد علما لدى المرء بحقانيته فإنّ البشارات التي جاءت في تلك الكتب لا تنطبق إلّا عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقط.

الثّالث : أن محتويات دعوته تنسجم انسجاما كاملا مع العقل ، لأنّه يدعو إلى المعروف ، والنهي عن المنكر والقبائح ، وهذا الموضوع يتّضح بجلاء بمطالعة تعاليمه.

الرّابع : أنّ محتويات دعوته منسجمة مع الطبع السليم والفطرة السويّة.

الخامس : لو لم يكن من جانب الله لكان عليه أن يقوم بما يضمن مصالحه الخاصّة ، وفي هذه الصورة كان يتعين عليه أن لا يرفع الأغلال والسلاسل عن الناس ، بل عليه أن يبقيهم في حالة الجهل والغفلة لاستغلالهم بنحو أفضل ، في حين أنّنا نجده يحرر الناس من الأغلال الثقيلة.

أغلال الجهل والغفلة عن طريق الدعوة المستمرة إلى العلم والمعرفة.

أغلال الوثنية والخلافة عن طريق الدعوة إلى التوحيد.

أغلال التمييز بكل أنواعه ، والحياة الطبقية بجميع أصنافها ، عن طريق الدعوة إلى الأخوة الدينية والإسلامية ، والمساواة أمام القانون.

وهكذا سائر الأغلال الأخرى.

إنّ كل واحد من هذه الدلائل لوحده دليل على حقانية دعوته ، كما أنّ مجموعها دليل أوضح وأقوى.

٢ ـ كيف كان النّبي أميّا؟

هناك احتمالات ثلاثة معروفة حول مفهوم «الأمّي» كما قلنا سابقا :

أوّلها : أن معناه : الذي لم يدرس.

٢٤٧

الثّاني : أنّ معناه : المولود في أرض مكّة ، والناهض منها.

الثّالث : أنّ معناه الذي قام من بين صفوف الجماهير.

ولكن الرأي الأشهر هو التّفسير الأوّل ، وهو أكثر انسجاما مع موارد استعمال هذه اللفظة ، ويمكن أن تكون المعاني الثلاثة مرادة برمتها أيضا ، كما قلنا.

ثمّ إنّه لا نقاش بين المؤرخين بأنّ الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يدرس ، ولم يكتب شيئا ، وقد قال القرآن الكريم ـ أيضا ـ في الآية (٤٨) من سورة العنكبوت حول وضع النّبي قبل البعثة :( وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ ) .

وأساسا كان عدد العارفين بالكتابة والقراءة في المحيط الحجازي قليلا جدّا ، حيث كان الجهل هو الحالة السائدة على الناس بحيث أن هؤلاء العارفين بالكتابة والقراءة كانوا معروفين بأعيانهم وأشخاصهم ، فقد كان عددهم في مكّة من الرجال لا يتجاوز (١٧) شخصا ، ومن النساء امرأة واحدة(١) .

من المسلّم أن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو كان قد تعلّم القراءة والكتابة ـ في مثل هذه البيئة ـ لدى أستاذ لشاع ذلك وصار أمرا معروفا للجميع ، وعلى فرض أنّنا لم نقبل بنبوته ، ولكن كيف يمكنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن ينفي ـ في كتابه ـ بصراحة هذا الموضوع؟ ألا يعترض عليه الناس ويقولون : إن دراستك وتعلّمك للقراءة والكتابة أمر مسلّم معروف لنا ، فكيف تنفي ذلك؟

إنّ هذه قرينة واضحة على أميّة النّبي.

وعلى كل حال ، فإنّ وجود هذه الصفة في النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان تأكيدا على نبوته حتى ينتفي أي احتمال في ارتباطه إلّا بالله وبعالم ما وراء الطبيعة في صعيد دعوته.

__________________

(١) فتوح البلدان ، للبلاذري ، ط مصر ، الصفحة ٤٥٩.

٢٤٨

هذا بالنسبة إلى فترة ما قبل النّبوة ، وأمّا بعد البعثة فلم ينقل أحد المورّخين أنّه تلقى القراءة أو الكتابة من أحد ، وعلى هذا بقيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أميّته حتى نهاية عمره.

ولكن من الخطأ الكبير أن تتصوّر أنّ عدم التعلّم عند أحد يعني عدم المعرفة بالكتابة والقراءة ، والذين فسّروا «الأمّية» بعدم المعرفة بالكتابة والقراءة كأنّهم لم يلتفتوا إلى هذا التفاوت.

ولا مانع أبدا من أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان عارفا بالقراءة والكتابة بتعليم الله ، ومن دون أن يتتلمذ على يد أحد من البشر ، لأنّ مثل هذه المعرفة هي بلا شك من الكمالات الإنسانية ، ومكملة لمقام النّبوة.

ويشهد بذلك ما ورد في الأحاديث المروية عن أهل البيتعليهم‌السلام (١) أن نص الرواية ولكنّه لأجل أن لا يبقى أي مجال لأدنى تشكيك في دعوته لم يكنصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يستفيد من هذه المقدرة.

وقول البعض : إنّ القدرة على الكتابة والقراءة لا تعدّ كمالا ، فهما وسيلة للوصول إلى الكمالات العلميّة ، وليسا بحدّ ذاتها علما حقيقيا ولا كمالا واقعيا فإن جوابه كامن في نفسه ، لأنّ العلم بطريق الكمال كمال أيضا.

قد يقال : إنّه نفي في روايتين عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام بصراحة تفسير «الأمّي» بعدم القراءة والكتابة ، بل بالمنسوب إلى «أم القرى» (مكّة).

ونقول في الردّ : إنّ إحدى هاتين الروايتين «مرفوعة» حسب اصطلاح علم الحديث فلا قيمة لها من حيث السند ، والرواية الأخرى منقولة عن «جعفر بن محمّد الصوفي» وهو مجهول.

__________________

(١) تفسير البرهان المجلد الخامس ، الصفحة ٣٧٣ ذيل آيات سورة الجمعة.

٢٤٩

وأمّا ما تصوّره البعض من أن الآية الثّانية من سورة الجمعة( يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ ) وآيات أخرى دليل على أن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يتلو القرآن على الناس من شيء مكتوب ، فهو خطأ بالغ ، لأنّ التلاوة تطلق على التلاوة من مكتوب على شيء ، كما تطلق على القراءة حفظا ومن ظهر القلب ، واستعمال لفظة التلاوة في حق الذين يقرءون الأشعار أو الأدعية حفظا ومن على ظهر القلب كثير.

من مجموع ما قلناه نستنتج :

١ ـ أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يتلق القراءة والكتابة من أحد حتما ، وبهذا تكون إحدى صفاته أنّه لم يدرس عند أستاذ.

٢ ـ أنّنا لا نملك أي دليل معتبر على أن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرأ أو كتب شيئا قبل النبوة ، أو بعدها.

٣ ـ إنّ هذا الموضوع لا يتنافى مع تعليم الله تعالى القراءة أو الكتابة لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٣ ـ البشارات بظهور النّبي في العهدين :

إنّ الشواهد التأريخية القطعية ، وكذا محتويات كتب اليهود والنصارى المقدسة (التوراة والإنجيل) تفيد أن هذه الكتب ليست هي الكتب السماوية التي نزلت على موسى وعيسىعليهما‌السلام وأن يد التحريف قد طالتهما ، بل إنّ بعضها اندرس واندثر ، وأن ما هو موجود الآن باسم الكتب المقدسة بينهم ما هي إلّا خليط من نسائج الأفكار والأدمغة البشرية وشيء من التعاليم التي نزلت على موسى وعيسىعليهما‌السلام ممّا بقي في أيدي تلامذتهم.

وعلى هذا الأساس لا غرور ولا عجب إذا لم نقف على عبارات صريحة حول البشارة بظهور النّبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٢٥٠

ولكن مع هذا فإنّه يلحظ في ثنايا هذه الكتب المحرفة عبارات تتضمّن إشارات معتدّ بها حول ظهور هذا النّبي العظيم ، وقد جمعها ثلّة من علمائنا في كتب ومؤلفات مستقلة ، أو مقالات تتحدث في هذا المجال. وحيث أن ذكر كل تلك البشائر وما حولها من حديث وكلام ممّا يطول به المقام ، فإنّنا نكتفي بذكر بعض منها على سبيل المثال لا الحصر.

١ ـ جاء في سفر التكوين الاصطلاح ١٧ العبارة ١٧ إلى ٢٠ : «وقال إبراهيم لله ليت إسماعيل يعيش أمامك ، فقال الله وأمّا إسماعيل فقد سمعت لك فيه (أي دعاءك في حقه) ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيرا جيدا. اثني عشر رئيسا يلد وأجعله أمّة كبيرة».

٢ ـ «لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجيله حتى يأتي شيلون وله يكون خضوع شعوب».

والجدير بالانتباه أن أحد معاني شيلون ـ حسب تصريح المستر هاكس في كتاب قاموس الكتاب المقدس ـ هو الإرسال ، وهو يوافق كلمة «رسول» أو «رسول الله».

٣ ـ وفي إنجيل يوحنا الباب ١٥ العبارة رقم ١٦ جاء ما يلي : «وأمّا المعزي الروح القدس الذي سيرسله الأب باسمي فهو يعلّمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم».

٤ ـ وكذا جاء في إنجيل يوحنا ذاته الاصطلاح ١٦ العبارة رقم ٧ : «لكنّي أقول لكم الحق : إنّه خير لكم أن أنطلق. لأنّه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزّي. ولكن إن ذهبت أرسله إليكم ، ومتى جاء ذاك هو يرشدكم إلى جميع الحق ، لأنّه لا يتكلم

٢٥١

من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية».(١) والنقطة الجديرة بالاهتمام أنّه جاءت الكلمة في إنجيل يوحنا باللغة الفارسية «المسلّي» ولكنّها في الإنجيل العربي طبعة لندن (مطبعة وليام وطس عام ١٨٥٧) جاء مكانها : «فارقليطا».

* * *

__________________

(١) كل النصوص المنقولة هنا مقتبسة من كتاب العهد القديم والجديد طباعة وإصدار دار الكتاب المقدس في العالم العربي عام ١٩٧٩.

٢٥٢

الآية

( قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥٨) )

التّفسير

دعوة النّبي العالميّة :

جاء في حديث عن الإمام الحسن المجتبىعليه‌السلام قال : جاء نفر من اليهود إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا : يا محمّد ، أنت الذي تزعم أنّك رسول الله ، وأنّك الذي يوحى إليك كما يوحى إلى موسى بن عمران؟ فسكت النّبي ساعة ثمّ قال : «نعم أنا سيد ولد آدم ولا فخر ، وأنا خاتم النّبيين ، وإمام المتقين ، ورسول ربّ العالمين.» قالوا : إلى من ، إلى العرب أم إلى العجم ، أم إلينا؟ فأنزل الله هذه الآية التي صرّحت بأنّ رسالة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رسالة عالمية(١) .

ولكن مع ذلك لا يمكن إنكار ارتباط هذه الآية بالآية السابقة المتعلقة

__________________

(١) عن المجالس حسب نقل تفسير الصافي ، ج ١ ، في ذيل هذه الآية.

٢٥٣

بصفات النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والدعوة إلى اتباع دينه وشريعته.

وفي البداية يأمر الله تعالى رسول الله قائلا :( قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ) .

إنّ هذه الآية مثل آيات كثيرة أخرى من القرآن الكريم دليل واضح على عالمية دعوة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وفي الآية (٢٨) من سورة «سبأ» أيضا نقرأ :( وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ ) .

وفي الآية (١٩) من سورة الأنعام أيضا نقرأ :( وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ) أي بلغه القرآن.

وفي مطلع سورة الفرقان نقرأ :( تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً ) فهو أرسل إلى الناس كافة ليحذرهم من المسؤوليات.

هذه نماذج من الآيات التي تشهد بعالمية دعوة الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسوف نبحث حول هذه المسألة أيضا في ذيل الآية (٧) من سورة الشورى ، وقد مر لنا في ذيل الآية (٩٢) من سورة الأنعام ـ أيضا ـ بحث مبسوط نوعا ما في هذا الصعيد.

ثمّ إنّه وصف الإله الذي يدعو إليه النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بثلاث صفات :

١ ـ( الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) فله الحاكمية المطلقة.

٢ ـ( لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ) فلا معبود يليق للعبادة سواه.

٣ ـ( يُحيِي وَيُمِيتُ ) بيده نظام الحياة والموت.

وبهذه الطريقة تنفي هذه الآية ألوهية غير خالق السماوات والأرض ، وألوهيّة كل صنم ، وكذا تنفي التثليث المسيحي ، كما وتؤكّد على رسالة النّبي العالمية وقدرة الله تعالى على أمر المعاد.

وفي الختام تدعو جميع أهل العالم إلى الإيمان بالله وبرسوله الذي لم يتعلّم

٢٥٤

القراءة والكتابة والقائم من بين الناس( فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِ ) .

النّبي الذي لا يكتفي بدعوة الآخرين إلى هذه الحقائق فحسب ، بل يؤمن هو في الدرجة الأولى ـ بما يقول ، يعني الإيمان بالله وكلماته( الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِماتِهِ ) .

إنّه لا يؤمن فقط بالآيات التي نزلت عليه ، بل يؤمن بجميع الكتب الحقيقة للأنبياء السابقين.

إنّ إيمانه بدينه والذي يتجلى من خلال أعماله وتصرّفاته دليل واضح على حقانيته ، لأن عمل الآمر بشيء يعكس مدى إيمانه بما يأمر به ويدعو إليه. وإيمانه بقوله أحد الأدلة على صدقه. إنّ تأريخ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برمّته يشهد بهذه الحقيقة وهي أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان أكثر من غيره التزاما بالتعاليم التي جاء بها.

أجل ، لا بدّ لكم من اتّباع مثل هذا النّبي حتى تسطع أنوار الهداية على قلوبكم ، لتهتدوا إلى طريق السعادة( وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) .

وهذا إشارة إلى أنّه لا يكفي مجرّد الإيمان ، وإنما يفيد الإيمان إذا اقترن بالاتباع العمليّ.

والجدير بالالتفات إلى أن الآية الحاضرة نزلت في مكّة يوم كان المسلمون يشكلون أقلية صغيرة جدّا بحيث إنّه قلّما كان هناك من يحتمل أن يسيطر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على مكّة فضلا عن جزيرة العرب ، أو قسم كبير من العالم.

وعلى هذا الأساس ، فإنّ الذين يتصورون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ادعى في البداية تبليغ الرسالة لأهل مكّة فقط ، وعند ما انتشر دينه وعلا أمره فكر في السيطرة على الحجاز ، ثمّ فكر في البلاد الأخرى ، وراسل ملوك العالم وأمراءه وقادته ، وأعلن عن رسالته العالمية. تجيب الآية الحاضرة التي نزلت في مكّة على كل تصوراتهم هذه ، فهي تصرح في غير إبهام ولا غموض بأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعلن عن دعوته العالمية منذ البداية.

* * *

٢٥٥

الآيتان

( وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (١٥٩) وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (١٦٠) )

التّفسير

جانب من نعم الله على بني إسرائيل :

في الآيات الحاضرة إشارة إلى حقيقة رأينا نظيرها في القرآن الكريم ، وهذه الحقيقة هي تحري القرآن للحق ، واحترامه لمكانة الأقليات الدينية الصالحة ، يعني أنّه لم يكن ليصف جميع بني إسرائيل بأسرهم بالفساد والإفساد ، وبأنّ هذا العزق القومي برمته ضالّ متمرد من دون استثناء ، بل اعترف بأن منهم أقلية صالحة غير موافقة على أعمال الأكثرية ، وقد أولى القرآن الكريم اهتماما خاصا بهؤلاء فيقول :( وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ) .

٢٥٦

إنّ هذه الآية قد تشير إلى فريق صغير لم يسلّموا للسامريّ ودعوته ، وكانوا يدافعون عن دين موسى دائما وأبدا ، أو إلى الفرق والطوائف الصالحة الأخرى التي جاءت بعد موسىعليه‌السلام .

ولكن هذا المعنى يبدو غير منسجم مع ظاهر الآية ، لأن «يهدون» و «يعدلون» فعل مضارع ، وهو على الأقل يحكي عن زمان الحال ، يعني عصر نزول القرآن ، ويثبت وجود مثل هذا الفريق في ذلك الزمان ، إلّا أن نقدّر فعل «كان» فتكون الآية إشارة إلى الزمان الماضي ، ونعلم أن التقدير من دون قرينة خلاف الظاهر.

وكذلك يمكن أن يكون ناظرا إلى الأقلية اليهودية الذين كانوا يعيشون في عصر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والذين اعتنقوا الإسلام تدريجا وبعد مطالعة دعوة النّبي ومحتوى رسالته ، وانضموا إلى صفوف المسلمين الصادقين. وهذا التّفسير ينسجم أكثر مع ظاهر الفعلين المضارعين المستعملين فيها.

وما جاء في بعض روايات الشيعة والسنة من أنّ هذه الآية إشارة إلى فريق صغير من بني إسرائيل يعيشون فيما وراء الصين ، عيشة عدل وتقوى وتوحيد وعبودية الله تعالى فغير مقبول ، لأنّه مضافا إلى عدم موافقته لما نعلمه من جغرافيا العالم اليوم ، ومضافا إلى أن التواريخ الحاضرة الموجودة لا تؤيد هذا الموضوع ، فإنّ الأحاديث المذكورة غير معتبرة من حيث السند ، ولا يمكن أن يعتمد عليها كأحاديث صحيحة حسب قواعد علم الرجال.

وفي الآية اللاحقة يشير القرآن الكريم إلى عدّة أقسام من نعم الله على بني إسرائيل.

فيقول أوّلا :( وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً ) وهذا التقطيع والتقسيم إنّما هو لأجل أن يسودهم نظام عادل ، بعيد عن المصادمات الخشنة.

وواضح أنّه عند ما يكون في شعب من الشعوب تقسيمات إدارية صحيحة

٢٥٧

ومنظمة ، ويخضع كل قسم من تلك الأقسام لقيادة قائد قدير ، فإنّ إدارتهم ورعاية العدالة بينهم تكون أسهل ، ولنفس هذا السبب عمدت جميع الدول إلى مثل هذا العمل وأخذت بهذه القاعدة.

و «أسباط» جمع سبط (بفتح السين وبكسرها) تعني في الأصل الانبساط في سهولة ، ثمّ يطلق السبط والأسباط على الأولاد وبخاصّة الأحفاد لأنّهم امتداد العائلة.

والمراد من الأسباط ـ هنا ـ هو قبائل بني إسرائيل وفروعها ، الذين كان كل واحد منها منشعبا ومنحدرا من أحد أولاد يعقوبعليه‌السلام .

والنّعمة الأخرى هي : أنّه عند ما كان بنو إسرائيل متوجهين إلى بيت المقدس وأصابهم العطش الشديد الخطير في الصحراء ، وطلبوا من موسىعليه‌السلام الماء ، أوحي إليه أن اضرب بعصاك الحجر ففعل فنبع الماء فشربوا ونجوا من الهلاك( وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً ) .

وقد كانت الينابيع هذه مقسمة بين أسباط بني إسرائيل بحيث عرف كل سبط منهم نبعه الذي يشرب منه( قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ ) .

ويستفاد من هذه الجملة أنّ هذه الينابيع الاثنى عشر التي نبعت من تلك الصخرة العظيمة كانت معلّمة بعلامات ومتميز بعضها عن بعض بفوارق ، بحيث كان يعرف كل فريق من فرق بني إسرائيل نبعه المختص به والمقرّر له ، لا يقع بينهم أي خلاف ويسود النظم والانضباط في جماعتهم ، ويتمّ الشرب بصورة أسهل وأفضل.

والنّعمة الثالثة هي : أن الله تعالى أرسل لهم ـ في تلك الصحارى الملتهبة حيث لا سقف ولا ضلال ـ سحبا ظلّلتهم( وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ ) .

والنّعمة الرّابعة إنزال المنّ والسلوى عليهم كغذائين لذيذين ومقويين

٢٥٨

( وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى ) .

ثمّ إنّ المفسّرين أعطوا تفسيرات متنوعة لهذين الغذاءين «المنّ» و «السلوى» اللذين أنزلهما الله على بني إسرائيل في تلك الصحراء القاحلة (وقد ذكرنا هذه التفاسير عند دراسة الآية ٥٧ من سورة البقرة) وقلنا بأنّه لا يبعد أنّ «المن» كان نوعا من العسل الطبيعي الذي كان في بطون الجبال المجاورة ، أو عصارات وإفرازات نباتية كانت تظهر على أشجار كانت نابتة هنا وهناك في تلك الصحراء ، و «السلوى» نوع من الطير الحلال اللحم شبيه بالحمام.

ثمّ يقول الله تعالى : وقلنا( كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ ) .

ولكنّهم أكلوا وكفروا النعمة ولم يشكروها وبذلك ظلموا في الحقيقة أنفسهم( وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) .

ويجب الانتباه إلى أن مضمون هذه الآية جاء في الآيات (٥٧) و (٦٠) من سورة البقرة مع فارق بسيط ، غاية ما في الأمر أنّه عبر عن نبوع الماء من الصخر هنا بـ «انبجست» وهناك بـ «انفجرت» ، وحسب اعتقاد جماعة من المفسّرين أنّ التفاوت بين هاتين العبارتين هو أن «انفجرت» تعني «خروج الماء بدفع ، وكثرة» و «انبجست» تعني «خروج الماء بقلّة» ولعل هذا التفاوت لأجل الإشارة إلى أنّ عيون الماء المذكورة لم تنبع من الصخرة العظيمة دفعة حتى يصير ذلك سببا لاستيحاشهم وخوفهم وقلقهم ، ولا تكون لهم قدرة على تنظيم المياه المندفقة وحصرها ، بل خرجت ابتداء بهدوء وقلة ، ثمّ توسعت المجاري وكثرت المياه النابعة.

وذهب بعض المفسّرين إلى أنّ هاتين الكلمتين ترجعان إلى مفهوم واحد.

* * *

٢٥٩

الآيتان

( وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (١٦١) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ (١٦٢) )

التّفسير

في تعقيب الآيات السابقة تشير هاتان الآيتان إلى قسم آخر من المواهب الإلهية لبني إسرائيل وطغيانهم تجاه تلك النعم ، وكفرانهم بها.

يقول تعالى : (و) اذكروا( إِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ ) .

وقلنا لهم اطلبوا من الله حطّ الذنوب عنكم وعفوه عن خطاياكم ، وادخلوا من باب بيت المقدس بخضوع( وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً ) .

فإذا قمتم بهذه الأمور غفرنا لكم خطاياكم ، وأعطينا للمحسنين ثوابا أكبر و( نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ) .

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606