الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٥

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل12%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 606

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 606 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 245112 / تحميل: 6208
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٥

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

تحديد التربة الحسينية :

س / قال الفاضل المقداد السيوري ( قده ) : « ورد متواتراً ، أنّ الشفاء في تربته ، وكثرة الثواب بالتسبيح بها ، والسجود عليها ، ووجوب تعظيمها ، وكونها دافعة للعذاب عن الميت ، وأماناً من المخاوف ، وأنّ الإستنجاء بها حرام ، فهل هي مختصة بمحل أم لا ؟ » (٢٢٣)

جـ / يمكن تلخيص رأي الأعلام فيما ذكره الفقيه السبزواري : « القدر المتيقن من محل أخذ التربة هو القبر الشريف وما يقرب منه على وجه يلحق به عرفاً ، ولعله كذلك الحائر المقدس بأجمعه ، لكن في بعض الأخبار ، يؤخذ طين قبر الحسين عليه السلام من عند القبر على سبعين ذراعاً ، وفي بعضها طين قبر الحسين فيه شفاء وإنْ أخذ على رأس ميل ، بل وفي بعضها أنه يستشفى فيما بينه وبين القبر على رأس أربعة أميال ، بل وفي بعضها على عشرة أميال ، وفي بعضها فرسخ في فرسخ ، بل وروي إلى أربعة فراسخ ، ولعلّ الإختلاف من جهة تفاوت مراتبها في الفضل فكل ما قرب إلى القبر الشريف ؛ كان أفضل ، والأحوط الإقتصار عل ی ما حول القبر إل ی سبعين ذراعاً ، وفيما زاد على ذلك أنْ يستعمل ممزوجاً بماء أو شربة على نحو لا يصدق عليه الطين ويستشفى به رجاء »(٢٢٤)

ومن أراد التوسع ، فعليه بمراجعة ( جواهر الكلام ج ٣٦ / ٣٦٤ ـ ٣٦٧ ) وغيره من الكتب الفقهية

______________________

(٢٢٣) ـ السيوري ، الشيخ جمال الدين مقداد بن عبدالله : التنقيح الرائع ، ج ٤ / ٥١

(٢٢٤) ـ السبزواري ، السيد عبدالأعلى : مهذب الأحكام ، ج ٢٣ / ١٨٥

١٤١

س / في حالة الشك في أن هذه تربة الحسينعليه‌السلام أم لا ، ماذا يصنع ؟

جـ / يقول الفقيه السبزواري ( قده ) : « إنْ أخذ التربة بنفسه أو علم من الخارج بأنّ هذا الطين من تلك التربة المقدسة فلا إشكال ، وكذا إذا قامت على ذلك البينة ، بل الظاهر كفاية قول عدل واحد بل شخص ثقة ، وهل يكفي إخبار ذي اليد بكونه منها أو بذله على أنه منها ؟ لا يعد ذلك وإنْ كان الأحوط في غير صورة العلم ، وقيام البينة تناولها بالإمتزاج بماء أو شربة »(٢٢٥)

وقال الشيخ المامقاني ( قده ) : « ويثبت كون الطين طين قبره الشريف بالبينة الشرعية ، وهل يثبت بقول ذي اليد الشيعي ؟ وجهان ، أظهرهما ذلك »(٢٢٦)

طريقة الإستشفاء :

س / هل توجد طريقة للإستشفاء بالتربة الحسينية ؟

جـ / نعم ، وقد ذكر الفقهاء ذلك وهذه كلماتهم كالتالي :

قال المحقق الأردبيلي ( قده ) : « الأخبار في جواز أكلها الإستشفاء كثيرة ، والأصحاب مطبقين عليه ، وهل يشترط أخذه بالدعاء وقراءة( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ ) ؟ ظاهر بعض الروايات في كتب المزار ذلك ، بل مع شرائط أخرى ، حتى ورد أنه قال شخص : إني أكلت وما شفيت ، فقالعليه‌السلام له : إفعل كذا وكذا وورد أيضاً أنّ له غسلاً وصلاة خاصة والأخذ على وجه خاص وربطه وختمه بخاتم يكون نقشه كذا ، ويكون أخذه مقداراً خاصاً ، ويحتمل أنْ يكون ذلك لزيادة

______________________

(٢٢٥) ـ المصدر السابق / ١٨٨ ـ ١٨٩

(٢٢٦) ـ المامقاني ، الشيخ عبد الله : مرآة الكمال ، ج ٣ / ٢٤٠

١٤٢

الشفاء وسرعته وتبقيته لا مطلقاً ، فيكون مطلقاً جائزاً كما هو مشهور ، وفي كتب الفقه مسطور »(٢٢٧)

وقال الفقيه السبزواري ( قده ) : « لأخذ التربة المقدسة وتناولها عند الحاجة آداب وأدعية مذكورة في محالها خصوصاً في كتب المزار ، ولاسيما مزار بحار الأنوار ، لكن الظاهر أنها كلها شروط كمال لسرعة تأثيرها لا أنها شرط لجواز تناولها »(٢٢٨)

وقال الشيخ الأعسم في إرجوزته :

وللحسين تربة فيها الشفا

تشفي الذي على الحِمام أشرفا(٢٢٩)

المقدار المحدد للإستشفاء :

س / هل يوجد قدر محدد للإستشفاء بتربة الحسين عليه‌السلام ؟

ج / المعروف من كلمات الأعلام أنّ القدر المحدد للإستشفاء هو بقدر الحمصة ، بل نسب الفقيه السبزواري ذلك إلى الإجماع والنصوص(٢٣٠)

وقال الشيخ الأعسم :

حَدّ له الشارع حداً خَصّصَهْ

تحريم ما قد زاد فوق الحِمَّصة(٢٣١)

وقال الفاضل المقداد ( قده ) : « قيد الشيخ في( النهاية ) المتناول باليسير ، وهو حسن وإختاره ابن إدريس والعلامة : لحصول الغرض والشفاء في ذلك ، فما زاد يكون حراماً ولما كان اليسير أمراً إضافياً ؛ لأنه رب يسير كثير بالإضافة

______________________

(٢٢٧) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٥٧ / ١٦٠

(٢٢٨) ـ السبزواري ، السيد عبدالأعلى : مهذب الأحكام ، ج ٢٣ / ١٨٤

(٢٢٩) ـ الأعسم ، الشيخ عبدالرزاق : النفحات الذكية ، في شرح الأرجوزة الأعسمية / ١٣٢ ـ ١٣٣

(٢٣٠) ـ السبزواري ، السيد عبدالأعلى : مهذب الأحكام ج ٢٣ / ١٨٣

(٢٣١) ـ الأعسم ـ الشيخ عبدالرزاق : النفحات الذكية في شرح الأرجوزة الأعسمية / ١٣٣

١٤٣

إلى ما هو أقل منه ، ورب كثير يسير بالإضافة إلى ما هو أكثر منه ؛ قيّده المصنف بقدر الحمصة لينضبط ، وهل يجوز الإكثار منه ؟ الأصح لا ، لما ورد عنهمعليهم‌السلام : من أكل زائداً عن ذلك فكأنما أكل من لحومنا »(٢٣٢)

وقال الشيخ المجلسي ( قده ) : « وقد مر التصريح بهذا المقدار في الأخبار ، وكان الأحوط(٢٣٣) عدم التجاوز عن مقدار عدسة لما رواه الكليني عن علي ابن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمّار قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : إنّ الناس يروون أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :إنّ العدس بارك عليه سبعون نبياً فقال : هو الذي تسمونه عندكم الحمص ونحن نسميه العدس » (٢٣٤)

إيضاح واستنتاج :

«الحِمّصة : واحدة الحمص بكسر الحاء وفتح الميم المشددة ؛ هي القيراط الصيرفي والحمصة في كلام علماء العراق هي : الحبة المتعارفة عند العراقيين ، وهي القيراط الصيرفي الذي وزنه أربع حبات قمح »(٢٣٥)

القيراط الصيرفي : « هو أربع حبات أو أربع قمحات كما نص عليه السيد الأمين في ( الدرة البهية / ٨ ) وكما نص عليه في ( حلية الطلاب / ٥٣ ) ، وفي ( كشف الحجاب / ٥٨ ) ، حيث قالا : أربع قمحات قيراط »(٢٣٦)

والقيراط : « هو عشرون جزءاً من الغرام كما في ( حلية الطلاب / ١١٣ ) وقد إختبرناه ؛ فوجدناه صحيحاً فهو : ( ١ / ٥ غرام ) ، فالخمسة قراريط ـ

______________________

(٢٣٢) ـ السيوري ، الشيخ جمال الدين مقداد بن عبدالله : التنقيح الرائع ، ج ٤ / ٥٠

(٢٣٣) ـ ظاهر العبارة ( وان كان الأحوط ) ـ المؤلف

(٢٣٤) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر ، بحار الأنوار ، ج ٥٧ / ١٦١

(٢٣٥) ـ العاملي ، الشيخ إبراهيم سليمان : الأوزان والمقادير / ٢١

(٢٣٦) ـ نفس المصدر / ٢٤

١٤٤

أعني العشرين قمحة ـ هي غرام كما هو واضح »(٢٣٧) فالنتيجة أن الحمصة تساوي ( ١ / ٥ غرام ) ، وهي تعادل العدسة المذكورة في الرواية تقريباً

الدعاء عند الإستشفاء بتربة الحسين (عليه‌السلام ) :

وردت عدة أدعية عند إستعمال التربة الحسينية مذكورة في كتب المزار(٢٣٨) نذكر منها التالي :

عند تناول التربة وأخذها :

قال الشيخ الأعسم في ارجوزته :

لها دعاءانِ فيدعو الداعي

في وقتَّي الأخذ و الإبتلاعِ(٢٣٩)

١ ـ عن أبي أسامة قال : ( كنت في جماعة من عصابتنا بحضرة سيدنا الصادقعليه‌السلام ؛ فأقبل علينا أبو عبد اللهعليه‌السلام فقال : إنّ الله جعل تربة جدي الحسينعليه‌السلام شفاء من كل داء ، وأماناً من كل خوف ، فإذا تناولها أحدكم ؛ فليقبلها ويضعها على عينيه ، وليمرّها على ساير جسده وليقل :اللهم بحق هذه التربة ، وبحق من حَلّ بها وثوى فيها ، وبحق أبيه وأمه وأخيه والأئمة من ولده ، وبحق الملائكة الحافّين به ، إلا جعلتها شفاءً من كل داء ، وبرءاً من كل مرض ، ونجاة من كل آفة ، وحرزاً مما أخاف وأحذر ، ثم ليستعملها ) (٢٤٠)

٢ ـ عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال : ( إذا تناول أحدكم من طين قبر الحسينعليه‌السلام فليقل :اللّهُمَّ إنّي أسألُك بِحقِّ المَلَكِ الّذي تَنَاوَله ، والرّسُولِ الّذي بَوّأهُ ،

______________________

(٢٣٧) ـ المصدر السابق / ٩٢

(٢٣٨) ـ راجع : بحار الأنوار ، ج ٩٨ / ١١٨ ـ ١٤٠ وكامل الزيارات ( باب ٩٣ ، ٩٤ )

(٢٣٩) ـ الأعسم ، الشيخ عبدالرزاق : النفحات الذكية في شرح الارجوزة الاعسمية / ١٣٣

(٢٤٠) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٩٨ / ١١٩

١٤٥

والوَصِيَّ الّذي ضُمِّنَ فيه ، أنْ تَجعَلَه شِفَاءً مِنْ كُلِّ داءٍ كذا وكذا ، وتُسمِّي ذلك الداء ) (٢٤١)

٣ ـ عن أبي جعفر الموصلي ، أن أبا جعفرعليه‌السلام قال : إذا أخذت طين قبر الحسينعليه‌السلام فقل :( اللّهُمّ بِحَقِّ هذه التُّربَة ، وبحَقِّ المَلَكِ المُوَكَّل بِهَا ، وبحَقِّ المَلَكِ الذّي كرّبهَا ، وبِحَقِّ الوّصيِّ الّذي هُوَ فيها ، صَلِّ على مُحَمّد وآلِ محمدٍ ، واجْعَلْ هذا الطّينَ شِفَاءً لي منْ كُلِّ داءٍ ، وأَمَاناً منْ كُلِّ خَوْفٍ ) (٢٤٢)

٤ ـ وروي : إذا أخذته فقل :( بِسْم الله ، اللّهُمّ بِحَقِّ هذه التُّرْبَة الطّاهرَة ، وبِحَقِّ البُقْعَةِ الطَّيَّبةِ ، وبِحقَّ الوَصِيِّ الّذِي تُوارِيه ، وبِحَقِّ جَدِه وأبيه وأمه وأخيه والمَلائِكةِ الّذين يَحُفُّونَ به ، والمَلَائِكةِ العُكُوف على قَبْر وَليِّك ، ينتظرون نَصْرَه صَلّى اللهُ عَلَيْهِم أجمعين ، إجْعَل لي فيه شِفَاءً من كُلّ دَاء ، وأماناً من كُلّ خَوْفٍ ، وغِنىً من كُلّ فَقْرٍ ، وعِزّاً من كُلّ ذُلّ ، وأوسِعْ به عَلَيّ في رِزْقي ، وأصِحّ به جِسْمِي ) (٢٤٣)

٥ ـ وروي أن رجلاً سأل الصادقعليه‌السلام فقال : ( إني سمعتك تقول : إن تربة الحسينعليه‌السلام من الأدوية المفردة ، وإنها لا تمر بداء إلا هضمته ، فقال : قد كان ذلك ( أو قد قلت ذلك ) فما بالك ؟ فقال : إني تناولتها فما إنتفعت بها ، قال : أما إن لها دعاء فمن تناولها ولم يدعُ به واستعملها لم يكن ينتفع بها ، قال : فقال له : ما يقول إذا تناولها ؟ قال : تقبلها قبل كل شيء وتضعها على عينيك ، ولا تناول منها أكثر من حِمّصَه ، فإن من تناول منها ______________________

(٢٤١) ـ ابن قولويه ، الشيخ جعفر بن محمد : كامل الزيارات / ٤٦٩ ـ ٤٧٢

(٢٤٢) ـ نفس المصدر

(٢٤٣) ـ نفس المصدر

١٤٦

أكثر فكأنما أكل من لحومنا ودمائنا ، فإذا تناولت ؛ فقل :اللّهم إني أسْأَلُك بِحَقِّ المَلَكِ الذي قبضها ، وبِحَقِّ المَلَكِ الذي خَزَنَها ، وأسْأَلُك بِحَقِّ الوَصِيِّ الذي حَلَّ فيها ، أن تُصَلِّي على محمد وآل محمد ، وأن تَجعَلَهُ شِفَاءً من كُلِّ دَاءٍ ، وأمَاناً من كُلِّ خَوْفٍ ، وحِفْظَاً من كُلِّ سُوءٍ . فإذا قلت ذلك فاشددها في شيء وأقرأ عليها إنا أنزلناه في ليلة القدر ، فإن الدعاء الذي تقدم لأخذها ؛ هو الإستئذان عليها ، واقرأ إنا أنزلناه ختمها )(٢٤٤)

عند أكلها للإستشفاء :

١ ـ روى الشيخ في المصباح ، عن الصادقعليه‌السلام : ( طين قبر الحسينعليه‌السلام شفاء من كل داء ؛ فإذا أكلت منه ؛فقل : بسم الله و بالله ، اللهم إجعله رزقاً واسعاً ، وعلماً نافعاً ، وشفاء من كل داء ، إنك على كل شئ قدير ، اللهم رب التربة المباركة ، ورب الوصي الذي وارته ، صلِّ على محمد وآل محمد ، واجعل هذا الطين شفاءً من كل داء ، وأماناً من كل خوف ) (٢٤٥)

٢ ـ وروي حنان بن سدير ، عن أبيه ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام أنه قال :( مَنْ أكَلَ مِنْ طِينِ قَبْرِ الحسين عليه‌السلام غير مستشفٍ به فكأنما أكل من لحومنا ، فإذا إحتاج أحدكم للأكل منه ليستشفي به ، فليقل : بِسْمِ الله وبالله ، اللّهُمّ رَبَّ هذه التُّربَةِ المُبَارَكَةِ الطّاهِرَةِ ، ورَبّ النُّور الّذي أُنزل فيه ، ورَبّ الجَسَدِ الذي سَكَن فيه ، ورَبّ الملائكة المُوكِّلين به ، إجْعَلْهُ لي شِفاءً من دَاءِ كذا وكذا ، وأجرع من الماء جرعه خلفه ، وقل : اللّهُمَّ إجْعَلْه رِزْقَاً وَاسعاً ،

______________________

(٢٤٤) ـ الطوسي ، الشيخ محمد بن الحسن : مصباح المتهجد / ٥١٠ ـ ٥١١

(٢٤٥) ـ الأمين ، السيد محسن : مفاتيح الجنات ، ج ١ / ٤٥٥

١٤٧

وعِلْماً نَافِعاً ، وشِفَاءً من كل دَاءٍ وسُقْمٍ فإن الله تعالى يدفع عنك بها كل ما تجد من السقم والغم إن شاء الله تعالى ) (٢٤٦)

٣ ـ عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال :( طين قبر الحسين عليه‌السلام شفاء من كل داء ، وإذا أكلته فقل : بسم الله وبالله ، اللّهُمّ أجْعَلْهُ رِزْقَاً واسِعاً ، وعِلْماً نافِعاً ، وشِفاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ إنّكَ على كُلِّ شيء قدير ) (٢٤٧)

٤ ـ وروي عنهعليه‌السلام قال :( إذا أكلته تقول : اللّهُمّ رَبِّ هذه التُّربَة المباركة ، ورَبّ هذا الوَصِيّ الذي وَارَتْهُ ، صَلِّ على محمد وآل محمد ، واجْعَلْهُ عِلْماً نافِعَاً ، ورِزْقَاً واسعاً ، وشِفَاءً من كُلِّ داء ) (٢٤٨)

٥ ـ وروي عنهعليه‌السلام قال :( إذا أخذت من تربة المظلوم ووضعتها في فيك فقل : اللّهُمّ إنّي أسْأَلُك بِحَقِّ هذه التُّربَة ، وبِحَقّ المَلَكِ الذي قَبَضَها ، والنّبيِّ الذي حَضَنَها ، والإمام الذي حَلّ فيها ، أن تُصلِّي على محمدٍ وآل محمدٍ ، وأن تَجْعَل لي فيها شِفَاء نافِعَاً ، ورِزْقَاً واسِعَاً ، وأمَانَاً من كُلّ خَوْف ودَاءِ فإذا قال ذلك ؛ وهب الله له العافية ) (٢٤٩)

عند حملها للإحتراز :

ذكر ابن طاووس : « إنه لما ورد الصادقعليه‌السلام إلى العراق إجتمع إليه الناس فقالوا : يا مولانا تربة قبر مولانا الحسين شفاء من كل داء ، وهل هي أمان من كل خوف ؟ فقال : نعم إذا أراد أن تكون أماناً من كل خوف ؛ فليأخذ السبحة من تربته ويدعو دعاء ليلة المبيت على الفراش ثلاث مرات وهو :( أمسيت اللهم

______________________

(٢٤٦) ـ الطوسي ، الشيخ محمد بن الحسن : مصباح النهجد / ٥١٠ ـ ٥١١

(٢٤٧) ـ ابن قولويه ، الشيخ جعفر بن محمد : كامل الزيارات / ٤٧٩

(٢٤٨) ـ نفس المصدر / ٤٧٧

(٢٤٩) ـ نفس المصدر

١٤٨

معتصماً بذمامك المنيع الذي لا يطاول إلخ ) ، ثم يقبل السبحة ويضعها على عينيه ويقول :( اللّهُمّ إنّي أسْألُك بِحَقّ هذه التُّربَة ، وبِحَقّ صَاحِبها ، وبِحَقّ جَدّه وأبيه ، وبحق أمه وأخيه ، وبِحَقِّ ولده الطاهرين ، إجْعَلْها شِفَاءً من كُلِّ دَاءٍ ، وأمَاناً من كُلِّ خَوْفٍ ، وحِفْظَاً من كُلِّ سُوء ، ثم يضعها في جيبه فإن فعل ذلك في الغدوة ؛ فلا يزال في أمان حتى العشاء ؛ وإن فعل ذلك في العشاء ، فلا يزال في أمان الله حتى الغدوة » (٢٥٠)

ـ عن أبي حمزة الثمالي قال : قال الصادقعليه‌السلام :( إذا أردت حمل الطين ـ طين قبر الحسين عليه‌السلام ) ـ ، فأقرأ فاتحة الكتاب ، والمعوذتين ، و( قُلْ هُوَ
اللَّـهُ أَحَدٌ
) ، و( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) ، و( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ،ويس ، وآية الكرسي ، وتقول :( اللّهُمّ بِحَقِّ مُحَمدٍ عَبْدِك وحَبيبكَ ونَبِيِّك ورَسُولِكَ وأمِينكَ ، وبِحَقِّ أميرِ المُؤمِنين عَليِّ بن أبي طالب عَبْدِكَ وأخي رسُولِك ، وبِحَقِّ فَاطِمةَ بِنْتِ نَبِيِّكَ وزوْجَة وَليِّكَ ، وبِحَقِّ الحَسَنِ والحُسَيْنِ ، وبِحَقِّ الأئمَّة الرّاشِدَينَ ، وبِحَقِّ هذه التُّرْبَةِ ، وبِحَقِّ المَلَكِ المُوَكِّل بها ، وبِحَقِّ الوَصيّ الّذي حَلّ فيها ، وبِحَقِّ الجَسَدِ الّذي تضمّنَتْ ، وبِحَقِّ السِّبْطِ الّذي ضمنت ، وبِحَقِّ جَميعِ مَلائِكتِكَ وانْبِيَائِك ورُسُلِكَ ، صَلّ على مُحَمّدٍ وآل محمدٍ ، واجعَلْ هذا الطِّين شِفَاءً لي وَلَمن يَسْتَشْفِي به من كُلِّ دَاءٍ وسُقْمَ ومَرَضٍ ، وأمَاناً مِنْ كُلِّ خَوْفٍ اللّهُمّ بِحَقِّ محمد وأهلِ بيته إجْعَله عِلْماً نافِعَاً ، ورِزْقَاً واسعاً ، وشِفَاء من كُلِّ دَاءٍ وسُقْم ، وآفة وعَاهةٍ ، وجميع الأوجاع كلها ، إنك على كل شيء قدير )

______________________

(٢٥٠) ـ ابن طاووس ، السيد رضي الدين علي بن موسى : فلاح السائل / ٢٢٤ ـ ٢٢٥

١٤٩

وتقول :( اللّهُمّ رَبَّ هذه التُّربَة المباركَة الميمونَةِ ، والمَلَكِ الذي هَبَط بَها ، والوَصّي الذي هو فيها ، صلِّ على محمد وآل محمد وسلّم وأنفعني بها ، إنّك على كلِّ شيء قدير ) (٢٥١)

ـ وروي عن الإمام الصادقعليه‌السلام :( اللّهُمّ إنَّي أخَذْتُه مِنْ قَبْرِ وَليِّكَ وابن وَليِّكَ ، فَاجْعَلْهُ لي أمْنَاً وحِرْزَاً لما أخَافُ ومَالَا أخَافُ ) (٢٥٢)

______________________

(٢٥١) ـ ابن قولويه ، الشيخ جعفر بن محمد : كامل الزيارات / ٤٧٥ ـ ٤٧٦

(٢٥٢) ـ آل طعان ، الشيخ احمد بن الشيخ صالح : الصحيفة الصادقية / ٢٩٤

١٥٠

١٥١
١٥٢

توطئة :

س / عرفنا مما سبق المقصود بالتربة الحسينية ، وطريقة الإستشفاء بها ، وبقي شئ وهو ما هي الأدلة التي يمكن أنْ تعتمدها الشيعة الإمامية في الإستشفاء بهذه التربة الزكية ؟

ج / من أهم الأدلة التي يمكن عرضها هي التالي :

الدليل النقلي :

وهو يتكون من عنصرين هما :

الأول : حث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الإستشفاء بتربة المدينة ، ويمكن ذكر ذلك في طائفتين :

الأولى ـ الإستشفاء بغبار المدينة :

١ ـ ( غبار المدينة شفاء من الجذام )(٢٥٣)

٢ ـ ( غبار المدينة يبرئ الجذام )(٢٥٤)

٣ ـ ( إنّ في غبارها شفاء من كل داء )(٢٥٥)

الثانية ـ الإستشفاء بتراب المدينة :

أ ـ ( والذي نفسي بيده إنّ تربتها لمؤمنة ، وأنها شفاء من الجذام )(٢٥٦)

ب ـ ( مالكم يا بني الحارث رَوْبَى ؟ قالوا : أصابتنا يا رسول الله هذه الحمى ، قال فأين أنتم عن صُعَيْب )(٢٥٧)

______________________

(٢٥٣ ـ ٢٥٦) ـ المتقي الهندي ، علاء الدين علي بن حسام الدين : كنز العمال ، ج ١٣ / ٢٠٥

ـ السمهودي ، السيد نور الدين ، علي : وفاء الوفاء ، ج ١ / ( ٦٧ ـ ٦٨ )

(٢٥٧) ـ قال أبو القاسم ، طاهر بن يحيى العلوي : صعيب : وادي بطحان دون الماجشونية ، وفيه حفرة مما يأخذ الناس منه ، وهو اليوم إذا وبأ إنسان أخذ منه وقال ابن النجار عقبه : وقد رأيت أنا هذه الحفرة اليوم ، والناس يأخذون منها ، وذكروا أنهم قد جربوه ، فوجدوه صحيحاً ) وفاء الوفاء ، ١ / ٦٨

١٥٣

قالوا : يا رسول الله ما نصنع به ؟ قال : تأخذون من ترابه فتجعلونه في ماء ، ثم يتفل عليه أحدكم ويقول : بسم الله ، تُرابُ أرضنا ، بريق بعضنا ، شفاء لمريضنا ، بإذن ربنا ففعلوا فتركتهم الحمى )(٢٥٨)

ج ـ وروى ابن زَبَالة : ( أنّ رجلاً أتى به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبرجله قرحة ، فرفع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طرف الحصيرة ، ثم وضع إصبعه التي تلي الإبهام على التراب بعدما مسّها بريقه ، بسم الله ، ريق بعضنا ، بتربة أرضنا يشفي سقيمنا ، بإذن ربنا ، ثم وضع إصبعه على القرحة فكأنما حُلّ من عِقَال )(٢٥٩)

تعقيب وإستدراك :

« قال الزركشي : ينبغي أنْ يستثنى من منع نقل تراب الحرم تربة حمزة رضي الله عنه ، لإطباق الناس على نقلها للتداوي بها »(٢٦٠)

« وحكى البرهان بن فرحون ، عن الإمام العالم أبي محمد عبد السلام بن إبراهيم بن ومصال الحاحاني قال : نقلت من كتاب الشيخ العالم أبي محمد صالح الهزميري قال : قال صالح بن عبد الحليم : سمعت أبا محمد عبد السلام بن يزيد الصنهاجي يقول : سألت أحمد ابن بكوت عن تراب المقابر الذي كان الناس يحملونه للتبرك هل يجوز أو يمنع ؟ فقال : هو جائز ومازال الناس يتبركون بقبور العلماء والشهداء والصالحين ، وكان الناس يحملون تراب قبر سيدنا حمزة بن عبد المطلب في القديم من الزمان قال ابن فرحون عَقِبَهُ : والناسُ اليوم يأخذون من تربة قريبة من مشهد سيدنا حمزة ، ويعملون خرزاً يشبه

______________________

(٢٥٨) ـ السمهودي ، السيد نور الدين ، علي بن حسام الدين : وفاء الوفاء ، ج ١ / ٦٨

(٢٥٩) ـ نفس المصدر / ٦٩

(٢٦٠) ـ نفس المصدر

١٥٤

السبح وإستدل ابن فرحون بذلك على جواز نقل تراب المدينة ، وقد علمت مما تقدم أن نقل تراب حمزة ـ رضی الله عنه ـ إنما للتداوي ؛ ولهذا لا يأخذونها من القبر بل من المسيل الذي عندْ المسجد ) ؟ »(٢٦١)

أقول : إنّ التبرك والإستشفاء بتراب المدينة وغبارها ، وما ذكرته الروايات من فعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكذلك سيرة المسلمين من الأصحاب والتابعين ، هي سيرة الشيعة الإمامية في التبرك و الإستشفاء بتربة الحسينعليه‌السلام ، فكيف ينكر عليها بالخصوص دون غيرها ؟!!

الثاني ـ حق أهل البيت على الإستشفاء بتربة الحسين :

وردت أحاديث كثيرة في التبرك والإستشفاء بتربة الحسينعليه‌السلام ، وهذه بعضها كالتالي :

١ ـ عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال :( عند رأس الحسين عليه‌السلام لتربة حمراء فيها شفاء من كل داء ) (٢٦٢)

٢ ـ عن ابن أبي يعفور قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام :( يأخذ الإنسان من طين قبر الحسين عليه‌السلام فينتفع به ويأخذ غيره فلا ينتفع ، فقال : لا والله لا يأخذه أحد وهو يرى أن الله ينفعه به إلا نفعه به ) (٢٦٣)

٣ ـ عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال :( من أصابة عِلّة ؛ فبدأ بطين قبر الحسين عليه‌السلام شفاه الله من تلك العلة ؛ إلا أن تكون علّة السام ) (٢٦٤)

______________________

(٢٦١) ـ المصدر السابق / ١١٦

(٢٦٢) ـ الحر العاملي ، الشيخ محمد بن الحسن : وسائل الشيعة ، ج ١٠ / ٤٠٩ ( باب (٧٠) من المزار وما يناسبه ، حديث ـ ٢ ، ١ )

(٢٦٣) ـ نفس المصدر

(٢٦٤) ـ نفس المصدر / ٤١٢ (باب ـ ٧٠ ـ ، حديث ١٣)

١٥٥

٤ ـ عن الكاظمعليه‌السلام في حديث( ولا تأخذوا من تربتي شيئاً لتتبركوا به ، فإنّ كل تربة لنا مُحرّمة إلا تربة جدي الحسين بن علي عليه‌السلام ، فإن الله عَزّ وجَلّ جعلها شفاء لشيعتنا وأوليائنا ) (٢٦٥)

٥ ـ عن سعد بن سعد الأشعري ، عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال سألته عن الطين الذي يؤكل فقال :( كل طين حرام كالميتة والدم وما أُهِلّ لغير الله به ما خلا طين قبر الحسين عليه‌السلام ، فإنه شفاء من كل داء ) (٢٦٦)

٦ ـ عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال :( أكل الطين حرام على بني آدم ما خلا طين قبر الحسين عليه‌السلام ، من أكله من وجع ؛ شفاه الله ) (٢٦٧)

وبعد ذكر هذه الأحاديث المروية عن أهل بيت العصمة والطهارة ، فهل يشك مسلم في التبرك والإستشفاء بتربة سيد الشهداء أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ؟ بل هو وأخوه سيدا شباب أهل الجنة ، وأحد سبطي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن تحدث عن فضله القرآن الكريم والأحاديث النبوية ، ومن ثبت في حقه أنّ تربته الطاهرة الزكيه قبضها جبريل وأعطاها لجده المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكل ذلك من المسَلّمات بين الصحابة والتابعين ، فلماذا النبذ والعتاب الشديد اللهجة على عمل الشيعة الإمامية من التبرك والإستشفاء بتربته الطاهرة ؟!

ألا يكفي كل ذلك على صحة عمل الشيعة الإمامية وبرائتهم من كل ما اُتهموا به من أباطيل ؟

______________________

(٢٦٥) ـ المصدر السابق / ٤١٤ ( باب ـ ٧٢ ـ ، حديث ، ٢ )

(٢٦٦) ـ نفس المصدر / ٤١٥ ـ حديث (٣)

(٢٦٧) ـ نفس المصدر ، ج ١٦ / ٣٩٧ ، ( باب ٥٩ ـ باب عدم تحريم أكل طين قبر الحسين (ع) بقصد الشفاء ، حديث ٤ )

١٥٦

الدليل العلمي :

يتضح هذا الدليل بعد ذكر السؤال التالي والإجابة عليه

س / هل الإستشفاء بتربة الحسين عليه‌السلام ونحوها من الإستشفاء بماء زمزم وماء الميزاب ، من التبرك فقط ، أو لوجود أثر طبي وكيميائي زيادة على ذلك ؟

ج / إختلف العلماء في ذلك على رأيين هما :

الأول ـ التبرك والإيحاء :

قال الشيخ المجلسي ( قده ) : « وقد يكون بعض الأدوية التي لا مناسبة لها بمرض على سبيل الإفتتان والإمتحان ، ليمتاز المؤمن المخلص القوي الإيمان من المنتحل أو ضعيف الإيمان ، فإذا إستعمله الأول إنتفع به لا لخاصيته وطبعه ، بل لتوسله بمن صدر عنه ويقينه وخلوص متابعته ، كالإنتفاع بتربة الحسين عليه السلام ، وبالمعوذات ، والأدعية »(٢٦٨) وعلى هذا بعض علماء الأمامية

وإستنتج الدكتور النسيمي الآتي :

« يتفق علماء المسلمين مع الأطباء في شأن الإيحاء وأثره في المعالجة »(٢٦٩)

وقال أيضاً : « يقصد بالمعالجة الروحية منذ القديم ، تطمين المريض ورفع معنوياته ، والإيحاء اليه بأنّ مرضه سيسير عاجلاً في طريق الشفاء وفي الغالب في وسائلها أنْ تكون غير عقارات ، وقد تكون عقارات يراد بها الإيحاء بأنها دواء لِعِلّة المريض عندما يكون علاجها الناجح مفقوداً أو غير مكتشف »(٢٧٠)

______________________

(٢٦٨) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ج ٥٩ / ٧٦

(٢٦٩) ـ النسيمي ، الدكتور محمود ناظم : الطب النبوي والعلم الحديث ، ج ٣ / ١٨٧

(٢٧٠) ـ نفس المصدر / ١٣٥

١٥٧

وقال أيضاً : « يعتقد المسلمون في النتائج الحسنة للرقي المشروعة بأمر زائد على الإيحاء ، هو معونة الله القادر على كل شيء يُقدِّمها حتى في غير الأمراض النفسية والوظيفية ، إجابة لدعوة المضطر الصادرة من أعماق نفسه أو معونة أو إكراماً لعبده الصالح والراقي والمرقي الذي رجاه »(٢٧١)

الثاني ـ التبرك ووجود خصائص طبية وكيميائية :

قال الشيخ كاشف الغطاء ( قده ) : « أفلا يجوز أنْ تكون لتلك الطينة عناصر تكون بلسماً شافياً من جملة من الأسقام ، قاتلة للميكروبات ولا نكران ولا غرابة ، فتلك وصفة روحية من طبيب رباني يرى بنور الوحي والإلهام ما في طبائع الأشياء ، وبعرف أسرار الطبيعة وكنوزها الدفينة التي لم تصل إليها عقول البشر بعد ، ولعلّ البحث والتحري والمثابرة سوف يوصل اليها ، ويكشف سِرّها ، ويَحلُّ طَلْسَمَها ، كما إكتشف سِرّ كثير من العناصر ذات الأثر العظيم مما لم تصل إليه معارف الأقدمين ، ولم يكن ليخطر على باب واحد منهم مع نقدهم وسمو أفكارهم وعظم آثارهم ، وكم من سِرّ دفين ومنفعة جليلة في موجودات حقيرة وضئيلة لم تزل مجهولة لا تخطر على بال ولا تمر على خيال ، وكفي ( بالبنسلين ) وأشباهه شاهداً على ذلك ، نعم لا تزال أسرار الطبيعة مجهولة إلى أن يأذن الله للباحثين بحِلِّ رموزها وإستخراج كنوزها ، والأمور مرهونة بأوقاتها ولكل أجل كتاب ، ولا يزال العلم في تجدد فلا تبادر إلى الإنكار إذا بلغك أن بعض المرضى عجز الأطباء عن علاجهم ، وحصل

______________________

(٢٧١) ـ المصدر السابق / ١٨٧

١٥٨

لهم الشفاء بقوة روحية ، وأصابع خفية من إستعمال التربة الحسينية ، أو من الدعاء والإلتجاء إلى القدرة الأزلية ، أو ببركة دعاء بعض الصالحين »(٢٧٢)

ويؤيد هذا الرأي الشواهد التالية :

١ ـ ما ذكره المهندس يحي حمزة كوشك في كتابه ( زمزم طعام طعم وشفاء سقم ) ، الذي صدر عام ١٤٠٣ هـ : « وتؤكد التحاليل الكيميائية ومقارنتها بالمواصفات العالمية ، على أنّ ماء زمزم صالح تماماً للشرب ، وأنّ أثره الصحي جيد ، وقد وجد أنّ تركيز عنصر الصوديوم يُعدُّ مرتفعاً لكن لا يوجد ضمن المواصفات العالمية المنشورة جداً لأعلى تركيز للصوديوم ، كما وجد أنّ الأربعة عناصر السامة الموجودة : وهي الزرنيخ ، والكاذميوم ، والرصاص ، والسيلينيوم ، هي أقل من مستوى الضرر بكثير بالنسبة للإستخدام البشري ، لذلك فإنّ مياه زمزم خالية من أي أضرار صحية ، بل هي مفيدة جداً بقدرة الله تعالى »(٢٧٣)

٢ ـ « وبرهن العالم واكسمان ، والدكتور إلبرت ، أنّ التراب جراثيم نافعة يمكن إستخراجها ومعالجة الأمراض السارية بها وفعلاً اُستخرج دواء من التراب بإسم ( استربتوماسين ) الذي يعالج بها السل ، والتايفوئيد ، والجراحات المزمنة ، والإسهال القوي ، وذات الرئة وإلتهاب الحلق »(٢٧٤)

٣ ـ «والعلاج بالطين طريقة أثبتت التجارب نجاحها في إحداث الشفاء من كثير من الأمراض التي إستعصت على العقاقير المسكنة والمهدئة والمنشطة وغيرها

______________________

(٢٧٢) ـ كاشف الغطاء ، الشيخ محمد حسين : الأرض والتربة الحسينية / ٢٨ ـ ٢٩

(٢٧٣) ـ عبد القادر ، د / أحمد المهندس ( ماء زمزم الأمن المائي وصحة الحجيج ) ، القافلة ـ م / ٤٢ محرم / لعام ١٤١٤ هـ ص / ٤٤

(٢٧٤) ـ الدهان ، سعيد ناصر : القرآن والعلوم / ١٦٨

١٥٩

.. وأفادت في الوقاية من آفات أخرى أي أن لها إتجاهين : إتجاهاً وقائياً وعلاجياً

ويتم إستخدام العلاج بالطين للمرضى القادمين من أمريكا والمجر ويوغسلافيا وجميع أنحاء أوروبا ، للوقاية من السمنة ، والسكر ، وإضطرابات النمو عند الأطفال ، وإلتهابات الجهاز التنفسي ، ونوبات الربو ، والأعصاب ، كما أفادت النساء في الوقاية من الإختلافات في العظم الهورموني وحالات الدوالي كما ينصح به لمن لم تمارس أعمالاً فيزيائية متعبة ، أو لديه ميول نحو السمنة كما أظهر العلاج بالطين نتائج مذهلة في معالجة كثير من الأمراض الجلدية الإكزمائية التي إستعصت على المراهم والأدوية »(٢٧٥)

هذه بعض الشواهد المؤيدة لرأي الشيخ كاشف الغطاء ( قده ) في دليله المتقدم

وبعد هذا ، فأي مانع أنْ تكون في التربة الحسينية تلك الخصوصية الطبية والكيميائية كما كانت في ماء زمزم ؟ والخلاصة التي توصلنا إليها في الدليل العلمي ، إنّ التربة الحسينية بما تحمله من خصائص البركة إنما هي كرامة إلهية للحسينعليه‌السلام كما أنّ مقتضى البركة والكرامة أنْ توجد فيها خصائص طبية وكيميائية تفوق وجودها في التراب والطين الآخر الموجود في بقاع الأرض وكذلك المياه ، وقد حصل لماء زمزم ، ومقتضى هذه الكرامة الإلهية أنْ تكون على مدى العصور ، يحظى بها من إعتقد بها ، ويحرم منها من جهلها وتهاون بها وقد أشار إلى هذا إمامنا الصادقعليه‌السلام بقوله : ( وإنما يفسدها ما يخالطها من أوعيتها وقلة اليقين لمن يعالج بها ، فأما من أيقن أنها له شفاء إذا تعالج بها ؛ كفته بإذن الله من غيرها مما يتعالج به ، ويفسدها الشياطين والجن من أهل الكفر

______________________

(٢٧٥) ـ عبد الصمد ، محمد كامل : ثبت علمياً ، ج ١ / ( ٣٨ ـ ٣٩ )

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

إلّا أنّه حين يجد أنّ بعض الخشب لا ينفعه شيئا ، فسيكون مضطرا إلى نبذه ليكون حطبا للحرق والإشعال ، فهذا الهدف «تبعيّ» لا أصلي.

والفرق الوحيد بين هذا المثال وما نحن فيه ، أنّ الاختلاف بين أجزاء الخشب ليس اختيارا ، واختلاف الناس له صلة وثيقة بأعمالهم أنفسهم ، وهم مختارون وإرادتهم حرّة بإزاء أعمالهم.

وخير شاهد على هذا الكلام ما جاء من صفات لأهل النّار وصفات لأهل الجنّة في الآيات محل البحث ، التي تدل على أنّ الأعمال هي نفسها أساس هذا التقسيم ، إذ كان فريق منهم في الجنّة ، وفريق في السعير.

وتعبير آخر فإنّ الله سبحانه ـ ووفقا لصريح آيات القرآن المختلفة ـ خلق الناس جميعهم على نسق واحد طاهرين ، ووفّر لهم أسباب السعادة والتكامل ، إلّا أنّ قسما منهم اختاروا بأعمالهم جهنم فكانوا من أهلها فكان عاقبة أمرهم خسرا وأن قسما منهم اختاروا بأعمالهم الجنّة وكان عاقبة أمرهم السعادة ثمّ يلخّص القرآن صفات أهل النّار في ثلاث جمل ، إذ تقول الآية :( لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها ) .

وقد قلنا مرارا : إنّ التعبير بـ «القلب» في مصطلح القرآن يعني الفكر والروح وقوّة العقل ، أي أنّهم بالرّغم ممّا لديهم من استعداد للتفكير ، وأنّهم ليسوا كالبهائم فاقدي الشعور والإدراك ، إلّا أنّهم في الوقت ذاته لا يفكرون في عاقبتهم ولا يستغلون تفكيرهم ليبلغوا السعادة.

والصفة الثّانية التي ذكرتها الآية لأهل النّار( وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها ) والصفة الثّالثة الواردة في حقهم( وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُ ) .

لأنّ البهائم والأنعام لا تملك هذه الاستعدادات والإمكانات ، إلّا أنّهم بما لديهم من عقل سالم وعين باصرة وأذن سامعة ، بإمكانهم أن يبلغوا كل مراتب

٣٠١

الرقي والتكامل ، إلّا أنّهم نتيجة لاتباعهم هواهم ورغبتهم ـ بكل هذه التوافه من الأمور تركوا هذه الاستعدادات جانبا وكان شقاؤهم كبيرا لهذا السبب :( أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ ) .

فالمعين الذي يحييهم ويروي ظمأهم موجود إلى جانبهم وهم على مقربة منه ، إلّا أنّهم يتصارخون من الظمأ. وأبواب السعادة مفتحة أمامهم لكنّهم لا يلتفتون إليها.

ويتّضح ممّا ذكرناه أنفا أنّهم اختاروا بأنفسهم سبل شقائهم وهدروا النعم الكبرى «العقل والعين والأذن ...» لا أنّ الله أجبرهم على أن يكونوا من أهل النّار.

لماذا هم كالأنعام؟

لقد شبّه القرآن الكريم الجاهلين الغافلين عديمي الشعور بالأنعام والبهائم مرارا ، إلّا أن تشبيه القرآن هؤلاء بالأنعام لعلّه بسبب انهماكهم باللذائذ والشهوات الجنسية والنوم فحسب ، فهم كالأمم التي تحلم في الوصول إلى حياة مادية مرفهة تحت شعارات برّاقة تخدع الإنسان بأنّ آخر هدف للعدالة الاجتماعية والقوانين البشرية هو الحصول على الخبز والماء وكما يشبهها الإمام عليعليه‌السلام في نهج البلاغة قائلا : «كالبهيمة المربوطة همّها علفها ، أو المرسلة شغلها تقممها»(١) .

وبتعبير آخر : إنّ جماعة منهم تنعم بالرفاه كالأغنام المربوطة التي تدجن لتسمن ، وجماعة آخرين كالغنم السائمة الباحثة عن العلف والماء في الصحراء ، إلّا أن هدف كل منهما هو ما يشبع البطن ليس إلّا!.

وهذا الذي ذكرناه أنفا قد يصدق على شخص معين كما قد يصدق أمّة كاملة

__________________

(١) نهج البلاغة ، من كتاب له و ٢٤ رقم ٤٥.

٣٠٢

برمّتها ، فالأمم التي لا تفكر بنفسها وتتلهى بالأمور التافهة غير الصائبة ، ولا تعالج جذور شقائها ولا تطمح لأسباب الرقّي ، ليس لها آذان سامعة ولا أعين باصرة ، فهي من أهل النّار أيضا ، لا نار القيامة فحسب ، بل هي مبتلاة بنار الدنيا وشقائها كذلك.

وفي الآية التّالية إشارة إلى حال أهل الجنّة وبيان لصفاتهم ، فتبدأ الآية بدعوة الناس إلى التدبّر والتوجّه إلى أسماء الله الحسنى كمقدمة للخروج من صف أهل النّار ، فتقول :( وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها ) .

والمرد من «أسماء الله الحسنى» هي صفات الله المختلفة التي هي حسنى جميعا ، فنحن نعرف أنّ الله عالم قادر رازق عادل جواد كريم رحيم ، كما أنّ له صفات أخرى حسنى من هذا القبيل أيضا.

فالمراد من دعاء الله بأسمائه الحسنى ، ليس هو ذكر هذه الألفاظ وجريانها على اللسان فحسب ، كأن نقول مثلا : يا عالم يا قادر يا أرحم الراحمين. بل ينبغي أن نتمثّل هذه الصفات في وجودنا ما استطعنا إلى ذلك سبيلا ، وأن يشع إشراق من علمه وشعاع من قدرته وجانب من رحمته الواسعة فينا وفي مجتمعنا.

وبتعبير آخر : ينبغي أن نتّصف بصفاته ونتخلّق بأخلاقه ، لنستطيع بهذا الشعاع ، شعاع العلم والقدرة والرحمة والعدل أن نخرج أنفسنا ومجتمعنا الذي نعيش فيه من سلك أهل النّار ثمّ تحذر الآية من هذا الأمر ، وهو أن لا تحرّف أسماؤه فتقول :( وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ) .

والإلحاد ـ في الأصل ـ مأخوذ من مادة «اللّحد» على زنة «المهد» التي تعني الحفرة التي تقع في طرف واحد ، وعلى هذا الأساس فقد سمّيت الحفرة التي تكون في جانب القبر «لحدا».

ثمّ أطلق هذا الاستعمال «الإلحاد» على كل عمل ينحرف عن الحدّ الوسط

٣٠٣

نحو الإفراط أو التفريط ، ولذلك فقد سمّي الشرك وعبادة الأوثان إلحادا أيضا.

والمقصود من الإلحاد في أسماء الله هو أن نحرف ألفاظها أو مفاهيمها.

بحيث نصفه بصفات لا تليق بساحته المقدسة ، كما يصفه المسيحيون بالتثليث «الله والابن وروح القدس» أو أن نطبّق صفاته على المخلوقين كما فعل ذلك المشركون وعبدة الأوثان إذ اشتقوا لأصنامهم أسماء من أسماء الله فسمّوها اللات والعزّى ومناة ...(وغيرها) فهذه الأسماء مشتقّة من الله والعزيز والمنان «على التوالي».

أو أنّهم حرفوا صفاته حتى شبّهوه بالمخلوقات ، أو عطلوا صفاته ، وما إلى ذلك.

أو أنّهم اكتفوا بذكر الاسم فحسب دون أن يتمثلوه ويعرفوا آثاره في أنفسهم وفي مجتمعاتهم.

وفي آخر آية من الآيات محل البحث إشارة إلى صفتين من أبرز صفات أهل الجنّة ، إذ تقول الآية :( وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ) .

وفي الواقع ، إنّ لأهل الجنّة منهجين ممتازين فأفكارهم وأهدافهم ودعواتهم وثقافاتهم حقّة ، وهي في اتجاه الحق أيضا ، كما أنّ أعمالهم وخططهم وحكوماتهم قائمة على أساس الحق والحقيقة.

* * *

بحوث

١ ـ ما هي الأسماء الحسنى؟

في كتب الأحاديث «لأهل السنة والشيعة» أبحاث كثيرة عن أسماء الله الحسنى ، نورد خلاصتها في هذا المجال مضافا إليها ما نعتقده نحن في هذا الصدد.

٣٠٤

لا شك أنّ الأسماء الحسنى تعني الأسماء الكريمة ، ونحن نعرف أن أسماء الله كلّها تحمل مفاهيم حسنى ، ولذلك فجميع أسمائه أسماء حسنى ، سواء كانت صفات لذاته المقدّسة الثبوتية كالعلم والقادر ، أم كانت صفات سلبية كالقدّوس مثلا ، أو صفات تحكي فعلا من أفعاله كالخالق أو الغفور أو الرحمان أو الرحيم إلخ

ومن ناحية أخرى ، لا شك أنّ صفات الله لا يمكن إحصاؤها ، لأنّ كمالاته غير متناهية ، ويمكن أن يذكر لكل صفة من صفاته أو كمال من كمالاته اسم إلّا أن ما نستفيده من الأحاديث أنّ لبعض صفاته أهمية أكثر من سواها ، ولعل «الأسماء الحسنى» الواردة من الآية في الآية محل البحث إشارة إلى هذه الطائفة من الأسماء المتميّزة ، إذ ورد عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّةعليهم‌السلام من أهل بيته روايات كثيرة بهذا المعنى كالرواية الواردة في كتاب التوحيد «للصّدوق» عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد الصادق ، عن آبائهعليهم‌السلام ، عن أمير المؤمنين عليعليه‌السلام أنّه قال : «قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ لله تبارك وتعالى تسعة وتسعين اسما ـ مائة إلّا واحدة ـ من أحصاها دخل الجنّة»(١) .

كما ورد في كتاب التوحيد عن الإمام علي بن موسى الرّضاعليه‌السلام عن آبائه عن عليعليه‌السلام أنّه قال : «إنّ للهعزوجل تسعة وتسعين اسما من دعا الله بها استجاب له ومن أحصاها دخل الجنّة»(٢) .

وقد جاء في كتب أحاديث (أهل السنّة) «كما في كتاب صحيح البخاري وصحيح مسلم والترمذي وكتب أخرى» هذا المضمون ذاته : إنّ لله تسعة وتسعين اسما فمن دعاء بها استجاب دعاءه ، ومن أحصاها فهو من أهل الجنّة(٣) .

__________________

(١) تفسير الميزان ، ومجمع البيان ، ونور الثقلين ، ذيل الآية.

(٢) تفسير الميزان ، ومجمع البيان ، ونور الثقلين.

(٣) المصدر السابق.

٣٠٥

ويستفاد من بعض الأحاديث أن هذه الأسماء التسعة والتسعين كلها في القرآن ، كالرّواية الواردة عن ابن عباس أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «لله تسعة وتسعون اسما من أحصاها دخل الجنّة ، وهي في القرآن»(١) .

ولذلك فقد سعى جماعة من العلماء إلى أن يستخرجوا أسماء الله الحسنى من القرآن ، إلّا أن ما جاء في القرآن من أسماء وصفات لله سبحانه تزيد على تسعة وتسعين اسما ، فبناء على ذلك لعل الأسماء الحسنى من بين تلك الأسماء ، لا أنّه لا يوجد في القرآن غير تسعة وتسعين اسما لله المشار إليها آنفا (في بعض الأحاديث) وقد صرّحت بعض هذه الرّوايات بالأسماء الحسنى «التسعة والتسعين» ونحن نوردها هنا ، إلّا أنّه ينبغي الالتفات إلى أن بعض هذه الأسماء الواردة في هذه الرواية لم ترد في القرآن بالصيغة الواردة في الرواية ذاتها وإنّما ورد مضمونها أو مفهومها في القرآن.

فقد جاء في الرّواية المنقولة في كتاب «التوحيد» للصّدوق عن الإمام الصادق عن آبائه عن علي عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فبعد أن أشارعليه‌السلام إلى أنّ لله تسعة وتسعين اسما قال وهي : «الله ، الإله ، الواحد ، الأحد ، الصمد ، الأول ، الآخر ، السميع ، البصير ، القدير ، القادر ، العلي ، الأعلى ، الباقي ، البديع ، الباري ، الأكرم ، الباطن ، الحي ، الحكيم ، العليم ، الحليم ، الحفيظ ، الحق ، الحسيب ، الحميد ، الحفي ، الرب ، الرحمن ، الرحيم ، الذارئ ، الرازق ، الرقيب ، الرؤوف ، الرائي ، السّلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبار ، المتكبر ، السيد ، السبّوح ، الشهيد ، الصادق ، الصانع ، الظاهر ، العدل ، العفو ، الغفور ، الغني ، الغياث ، الفاطر ، الفرد ، الفتاح ، الفالق ، القديم ، الملك ، القدوس ، القوي ، القريب ، القيّوم ، القابض ، الباسط ، قاضي الحاجات ،

__________________

(١) المصدر السابق.

٣٠٦

المجيد ، المولى ، المنان ، المحيط ، المبين ، المغيث ، المصوّر ، الكريم ، الكبير ، الكافي ، كاشف الضر ، الوتر ، النور ، الوهّاب ، الناصر ، الواسع ، الودود ، الهادي ، الوفي ، الوكيل ، الوارث ، البرّ ، الباعث ، التواب ، الجليل ، الجواد ، الخبير ، الخالق ، خير الناصرين ، الديان ، الشكور ، العظيم ، اللطيف ، الشافي»(١) .

لكن الأهم ـ هنا ـ وينبغي ملاحظته والالتفات إليه ، هو أنّ المراد من دعاء الله بأسمائه الحسنى هل يعني أن نعدّ هذه الأسماء أو أن نجريها على الألسنة فحسب ، بحيث أن من ذكر هذه التسعة والتسعين اسما دون أن يتمثل محتواها ويفهمها كان من السعداء ، أو أنّه ستجاب دعوته. بل الهدف هو أن يؤمن الإنسان بهذه الأسماء والصفات ، ثمّ يسعى ـ ما استطاع إلى ذلك سبيلا ـ لأنّ يعكس في وجوده إشراقا من مفاهيم تلك الأسماء ، أي للعالم ، القادر ، الرحمان ، الرحيم ، الغفور ، القوي ، الغني ، الرازق ، وأمثالها. فإنّ كان كذلك كان من أهل الجنّة ، وكان دعاؤه مستجابا ونال كل خير قطعا.

ويستفاد ضمنا ممّا ذكرناه آنفا أنّه لو وردت في بعض الرّوايات الأخرى والأدعية أسماء غير هذه الأسماء لله سبحانه ، حتى لو وصلت إلى الألف ـ مثلا ـ فلا منافاة بينها وبين ما نقلناه هنا أبدا ، لأنّ أسماء الله لا حد لها ولا حصر ، وهي ـ كذاته وكمالاته ـ لا نهاية لها. وإن كان لبعض هذه الأسماء أو الصفات ميزات خاصّة.

من ذلك الرواية الواردة في أصول الكافي عن الإمام الصادقعليه‌السلام في تفسير هذه الآية ، إذ يقول : «نحن والله الأسماء الحسنى»(٢) فهي إشار إلى أن إشعاعا من صفاته قد انعكس فينا ، فمن عرفنا فقد عرف ذاته المقدسة أو أنّه لو ورد مثلا في بعض الأحاديث أنّ جميع الأسماء الحسنى تتلخص في

__________________

(١) الميزان ، ج ٨ ، ص ٣٧٦ ، نقلا عن التوحيد للصدوق.

(٢) نور الثقلين ، ج ٢ ، ص ١٠٣.

٣٠٧

التوحيد الخالص ، فإنّما هو لأن جميع صفاته ترجع إلى ذاته المقدسة.

ويشير الفخر الرازي في تفسيره إلى أمر قابل للملاحظة ، وهو أنّ جميع صفات الله تعالى يعود إلى إحدى حقيقتين «استغناء ذاته عن كل شيء» أو «احتياج الآخرين إلى ذاته المقدسة ...»(١) .

٢ ـ الأمّة الهداة!

قرأنا في الآيات محل البحث أنّ طائفة من عباد الله يدعون نحو الحق ويحكمون به( وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ) .

هناك تعبيرات مختلفة في الرّوايات الواردة في كتب الأحاديث الإسلامية ، في المراد من هذه الأمّة. ومن جملة هذه الرّوايات ما ورد عن أمير المؤمنين أنّه قالعليه‌السلام . المراد من الآية هو «أمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(٢) .

ويعني الإمام بهم أتباع النّبي الصادقين المنزّهين عن كل بدعة وانحراف وتغيير أو حياد من تعاليمه الكريمة ولهذا فقد ورد في حديث آخر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «والذي نفسي بيده لتفرقن هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلّها في النّار إلّا فرقة( وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ) ، وهذه التي تنجو من هذه الأمّة».

ولعل العدد ـ ٧٣ ـ للكثرة ، وهو إشارة إلى الطوائف المختلفة التي ظهرت في طول تاريخ الإسلام في عقائد عجيبة غريبة ، ولحسن الحظ قد انقرض أغلبها فلم يبق منها إلّا أسماؤها في كتب «تاريخ العقائد».

وفي حديث آخر ورد في كتب أهل السنة عن الإمام عليعليه‌السلام ضمن إشارته لاختلاف الأمم التي تظهر بعدئذ في الأمّة الإسلامية ، أن قالعليه‌السلام «الفرقة الناجية

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ، ج ١٥ ، ص ٦٦.

(٢) نور الثقلين ، ج ٢ ، ص ١٠٥.

٣٠٨

أنا وشيعتي وأتباع مذهبي»(١)

وجاء في بعض الرّوايات الأخرى أنّ المراد من قول تعالى :( وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِ ) ، هم الأئمّة من أهل البيتعليهم‌السلام »(٢) .

وواضح أنّ الرّوايات المذكورة أنفا كلّها تعالج حقيقة واحدة ، وهي بيان للمصاديق المختلفة لهذه الحقيقة ، وهي أن الآية تشير إلى أمّة تدعو إلى الحق وتعمل بالحق وتحكم به ، وتسير في مسير الإسلام الصحيح. غاية ما في الأمر أنّ بعضهم في قمة هذه الأمّة ورأسها وبعضهم في مراحل أخر وممّا يسترعي النظر أنّ هؤلاء الذين عبّرت عنهم الآية بقولها( وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ ) على اختلاف لغاتهم وقوميّاتهم ومراحلهم العلمية وأمثالها ، هم أمّة واحدة لا غير ، ولذلك فإنّ القرآن قال عنهم :( أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ) ولم يعبر عنهم بـ «أمم يهدون إلخ ...».

٣ ـ اسم الله الأعظم

جاء في بعض الرّوايات عن قصة بلعم بن باعورا الذي ورد ذكره ـ آنفا ـ أنّه كان يعرف الاسم الأعظم ، ولا بأس أن نشير إلى هذا الموضوع لمناسبة ورود الأسماء الحسنى في الآيات محل البحث فقد وردت روايات مختلفة في شأن الاسم الأعظم ، ويستفاد منها أن من يعرف الاسم الأعظم لا يكون مستجاب الدعاء فحسب ، بل تكون له القدرة على أن يتصرف في عالم الطبيعة وأن يقوم بأعمال مهمّة والاسم الأعظم ، أيّ اسم هو من أسماء الله؟!

بحث علماء الإسلام كثيرا في هذا الشأن ، وأغلب أبحاثهم تدور في أن

__________________

(١) تفسير البرهان ، ج ٢ ، ص ٥٣.

(٢) نور الثقلين ، ج ٢ ، ص ١٠٤ ـ ١٠٥.

٣٠٩

يعثروا على اسم من بين أسماء الله له هذه الخصوصيّة العجيبة والأثر الكبير.

إلّا أن الأهم في البحث أن نعثر على اسم أو صفة من صفاته تعالى بتطبيقها على وجودنا نحصل على تكامل روحي تترتب عليه تلك الآثار.

وبتعبير آخر : إنّ المسألة المهمّة هي التخلق بصفات الله والاتصاف بها ووجودها في الإنسان ، وإلّا كيف يمكن أن يكون الشخص الرديء الوضيع مستجاب الدعوة بمجرّد معرفته الاسم الأعظم؟! وإذا ما سمعنا أنّ بلعم بن باعوراء كان لديه هذا الاسم الأعظم إلّا أنّه فقده ، فمفهوم هذا الكلام أنّه كان قد بلغ ـ بسبب بناء شخصيته وإيمانه وعلمه وتقواه ـ إلى مثل هذه المرحلة من التكامل المعنوي ، بحيث كان مستجاب الدعوة عند الله ، إلّا أنّه سقط أخيرا في الوحل ، فقد تلك الروحية بسبب اتباعه لهوى النفس وانقياده لفراعنة زمانه ، ولعل المراد من نسيان الاسم الأعظم هو هذه الحالة أو هذا المعنى.

كما أنّنا لو قرأنا ـ أيضا ـ أن الأنبياء والأئمّة الكرام كانوا يعرفون الاسم الأعظم ، فمفهوم هذا الكلام هو أنّهم جسّدوا اسم الله الأعظم في وجودهم ، واستضاءوا بشعاعه ، فأولاهم الله ـ بهذه الحال ـ مثل هذه المقام العظيم.

* * *

٣١٠

الآيتان

( وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (١٨٢) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (١٨٣) )

التّفسير

الاستدراج!

تعقيبا على البحث السابق الذي عالجته الآيات المتقدمة ـ والذي يبيّن حال أهل النّار ، تبيّن هاتان الآيتان واحدة من سنن الله في شأن كثير من عباده المجرمين المعاندين ، وهي ما عبّر عنها القرآن «بعذاب الاستدراج».

والاستدراج جاء في موطنين من القرآن : أحدهما في الآيتين محل البحث ، والآخر في الآية (٤٤) من سورة القلم ، وكلا الموطنين يتعلقان بمكذّبي آيات الله ومنكر بها.

وكما يقول أهل اللغة ، فإنّ للاستدراج معنيين :

أحدهما : أخذ الشيء تدريجا ، لأنّ أصل الاستدراج مشتق من (الدرجة) فكما أنّ الإنسان ينزل من أعلى العمارة إلى أسفلها بالسلالم درجة درجة ، أو يصعد من الأسفل إلى الأعلى درجة درجة ومرحلة مرحلة ، فقد سمي هذا الأمر

٣١١

استدراجا.

والمعنى الثّاني للاستدراج هو ، اللّف والطّي ، كطّي السّجل أو «الطومار» ولفّه. وهذان المعنيان أوردهما الراغب في مفرداته ، إلّا أنّ التأمل بدقّة في المعنيين يكشف أنّهما يرجعان إلى مفهوم كلي جامع واحد : وهو العمل التدريجي.

وبعد أن عرفنا معنى الاستدراج نعود إلى تفسير الآية محل البحث.

يقول سبحانه في الآية الأولى :( وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ ) .

أي سنعذبهم بالاستدراج شيئا فشيئا ، ونطوي حياتهم.

والآية الثّانية تؤكّد الموضوع ذاته ، وتشير بأنّ الله لا يتعجل بالعذاب عليهم ، بل يمهلهم لعلهم يحذرون ويتعظون ، فإذا لم ينتبهوا من نومتهم ابتلوا بعذاب الله ، فتقول الآية( وَأُمْلِي لَهُمْ ) .

لأنّ الاستعجال يتذرع به من يخاف الفوت ، والله قوي ولا يفلت من قبضته أحد( إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ) .

و «المتين» معناه القوي المحكم الشديد ، وأصله مأخوذ من المتن ، وهو العضلة المحكمة التي تقع في جانب الكتف (في الظهر).

و «الكيد» والمكر متساويان في المعنى ، وكما ذكرنا في ذيل الآية (٥٤) من سورة آل عمران ، أنّ المكر يعني في أصل اللغة الاحتيال ومنع الآخر من الوصول إلى قصده.

ويستفاد من الآية ـ آنفة الذكر وآيات أخرى وبعض الأحاديث الشريفة الواردة ـ في شأن الاستدراج ، أو العذاب الاستدراجي ، أنّ الله لا يتعجل بالعذاب على الطغاة والعاصين المتجرئين وفقا لسنته في عباده ، بل يفتح عليهم أبواب النعم. فكلّما ازدادوا طغيانا زادهم نعما.

٣١٢

وهذا الأمر لا يخلو من إحدى حالتين ، فإمّا أن تكون هذه النعم مدعاة للتنبيه والإيقاظ فتكون الهداية الإلهية في هذه الحال عملية.

أو أنّ هذه النعم تزيدهم غرورا وجهلا ، فعندئذ يكون عقاب الله لهم في آخر مرحلة أوجع ، لأنّهم حين يغرقون في نعم الله وملذاتهم ويبطرون ، فإنّ الله سبحانه يسلب عندئذ هذه النعم منهم ، ويطوي سجل حياتهم ، فيكون هذا العقاب صارما وشديدا جدّا وهذا المعنى بجميع خصوصياته لا يحمله لفظ الاستدراج وحده ، بل يستفاد هذا المعنى يفيد( مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ ) أيضا.

وعلى كل حال ، فهذه الآية تنذر جميع المجرمين والمذنبين بأنّ تأخير الجزاء من قبل الله لا يعني صحة أعمالهم أو طهارتهم ، ولا عجزا وضعفا من الله ، وأن لا يحسبوا أنّ النعم التي غرقوا فيها هي دليل على قربهم من الله ، فما أقرب من أن تكون هذه النعم والانتصارات مقدمة لعقاب الاستدراج. فالله سبحانه يغشّيهم بالنعم ويمهلهم ويرفعهم عاليا ، إلّا أنّه يكبسهم على الأرض فجأة حتى لا يبقى منهم أثر ، ويطوي بذلك وجودهم وتأريخ حياتهم كله.

يقول الإمام عليعليه‌السلام في نهج البلاغة أنّه «من وسّع عليه في ذات يده فلم ير ذلك استدراجا فقد أمن مخوفا»(١) .

كما جاء عنهعليه‌السلام في روضة الكافي أنّه قال : «ثمّ إنّه سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس في ذلك الزمان شيء أخفى من الحق ، ولا أظهر من الباطل ، ولا أكثر من الكذب على الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ إلى أن قال ـ يدخل الداخل لما يسمع من حكم القرآن فلا يطمئن جالسا حتى يخرج من الدين ، ينتقل من دين ملك إلى دين ملك ، ومن ولاية إلى ولاية ملك ، ومن طاعة ملك إلى طاعة ملك ، ومن عهود ملك إلى

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٢ ، ص ١٠٦.

٣١٣

عهود ملك ، فاستدرجهم الله تعالى من حيث لا يعلمون»(١) .

ويقول الإمام الصادقعليه‌السلام : «كم من مغرور بما قد أنعم الله عليه ، وكم من مستدرج يستر الله عليه ، وكم من مفتون بثناء الناس عليه»(٢) .

وجاء عنهعليه‌السلام في تفسير الآية المشار إليها آنفا أنّه قال : «هو العبد يذنب الذنب فتجدد له النعمة معه ، تلهيه تلك النعمة عن الاستغفار عن ذلك الذنب»(٣) .

وورد عنهعليه‌السلام في كتاب الكافي أيضا : «إنّ الله إذا أراد بعبد خيرا فأذنب ذنبا أتبعه بنقمة ويذكره الاستغفار ، وإذا أراد بعبد شرّا فأذنب ذنبا أتبعه بنعمة لينسيه الاستغفار ، ويتمادى بها ، وهو قولهعزوجل :( سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ ) بالنعم عند المعاصي»(٤) .

* * *

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) تفسير نور الثقلين ، ج ٢ ، ص ١٠٦.

(٣) المصدر السابق.

(٤) تفسير البرهان ، ج ٢ ، ص ٥٣.

٣١٤

الآيات

( أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (١٨٤) أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (١٨٥) مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٨٦) )

سبب النّزول

روى المفسّرون أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين كان بمكّة ، صعد ذات ليلة على جبل الصفا ودعا الناس إلى توحيد الله ، وخاصّة قبائل قريش ، وحذرهم من عذاب الله ، وقال : «إنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد ، قولوا ، لا إله إلّا الله تفلحوا» فقال المشركون : إنّ صاحبهم قد جنّ ، بات ليلا يصوت حتى الصباح ، فنزلت الآيات وألجمتهم وردت قولهم.

ورغم أنّ الآية لها شأن خاص ، إلّا أنّها في الوقت ذاته لمّا كانت تدعو إلى معرفة النّبي وهدف الخلق والتهيؤ للعالم الآخر ، ففيها ارتباط وثيق بالمواضيع التي سبق بيانها في شأن أهل الجنّة وأهل النّار.

٣١٥

التّفسير

التهم والأباطيل :

في الآية الأولى من الآيات ـ محل البحث ـ يردّ الله سبحانه على كلام المشركين الذي لا أساس له بزعمهم أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد جنّ ، فيقول سبحانه :( أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ ) (١) .

وهذا التعبير يشير إلى أن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن شخصا مجهولا بينهم ، وتعبيرهم بـ «الصاحب» يعني المحب والمسامر والصديق وما إلى ذلك. وكان النّبي معهم أكثر من أربعين عاما يرون ذهابه وإيابه وتفكيره وتدبيره دائما وآثار النبوغ كانت بادية عليه ، فمثل هذا الإنسان الذي كان يعدّ من أبرز الوجوه والعقلاء قبل الدعوة إلى الله ، كيف تلصق به مثل هذه التهمة بهذه السرعة؟! أمّا كان الأفضل أن يتفكروا ـ بدلا من إلصاق التهم به ـ أن يكون صادقا في دعواه وهو مرسل من قبل الله سبحانه؟! كما عقب القرآن الكريم وبيّن ذلك بعد قوله أو لم يتفكروا؟ فقال :( إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ ) .

وفي الآية التّالية ـ استكمالا للموضوع آنف الذكر ـ دعاهم القرآن إلى النظر في عالم الملكوت ، عالم السموات والأرض ، إذ تقول الآية :( أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ ) .

ليعلموا أنّ هذا العالم الواسع ، عالم الخلق ، عالم السموات والأرض ، بنظامه الدقيق المحيّر المذهل لم يخلق عبثا ، وإنّما هناك هدف وراء خلقه. ودعوة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحقيقة ، هي من أجل ذلك الهدف ، وهو تكامل الإنسان وتربيته وارتقاؤه.

و «الملكوت» في الأصل مأخوذ من «الملك» ويعني الحكومة والمالكية ،

__________________

(١) «الجنّة» كما يذهب إليه أصحاب اللغة معناها الجنون ، ومعناها في الأصل : الحائل والمانع فكأنما يلقى على العقل حائل عند الجنون.

٣١٦

والواو والتاء المزيدتان المردفتان به هما للتأكيد والمبالغة. ويطلق هذا الاستعمال على حكومة الله المطلقة التي لا حدّ لها ولا نهاية فالنظر إلى عالم الملكوت ونظامه الكبير الواسع المملوك لله سبحانه يقوّي الإيمان بالله والإيمان بالحق ، كما أنّه يكشف عن وجود هدف مهم في هذا العالم الكبير المنتظم أيضا. وفي الحالين يدعو الإنسان إلى البحث عن ممثل الله ورسول رحمته الذي يستطيع أن يطبق الهدف من الخلق في الأرض.

ثمّ تقول الآية معقبة لتنبّههم من نومة الغافلين( وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ) .

أي : أوّلا : ليس الأمر كما يتصورون ، فأعمارهم لا تخلد والفرص تمر مرّ السحاب ، ولا يدري أحد أهو باق إلى غد أم لا؟! فمع هذه الحال ليس من العقل التسويف وتأجيل عمل اليوم إلى غد.

ثانيا : إذ لم يكونوا ليؤمنوا بهذا القرآن العظيم الذي فيه ما فيه من الدلائل الواضحة والبراهين اللائحة الهادية إلى الإيمان بالله ، فأي كتاب ينتظرونه خير من القرآن ليؤمنوا به؟ وهل يمكن أن يؤمنوا بكلام آخر ودعوة أخرى غير هذه؟!

وكما نلاحظ فإنّ الآيات محل البحث توصد جميع سبل الفرار بوجه المشركين ، فمن ناحية تدعوهم إلى أن يتفكروا في شخصيّة النّبي وعقله وسابق أعماله فيهم لئلا يتملّصوا من دعوته باتهامهم إيّاه بالجنون.

ومن ناحية أخرى تدعوهم إلى أن ينظروا في ملكوت السماوات والأرض ، والهدف من خلقهما ، وأنّهما لم يخلقا عبثا.

ومن ناحية ثالثة تقول :( وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ ) لئلا يسوّفوا قائلين اليوم وغدا وبعد غد إلخ ومن ناحية رابعة تقول : إذا لم يؤمنوا بهذا القرآن فإنّهم لن يؤمنوا بأي حديث آخر وأي كتاب آخر ، إذ ليس فوق القرآن كتاب أبدا

٣١٧

وأخيرا فإنّ الآية التالية ، وهي آخر آية من الآيات محل البحث ، تختتم الكلام بالقول( مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) .

وكما ذكرنا مرارا فإن مثل هذه التعابير لا تشمل جميع الكفار والمجرمين ، بل تختص بأولئك الذين يقفون بوجه الحقائق معاندين ألدّاء ، حتى كأنّما على أبصارهم غشاوة وفي سمعهم صمم وعلى قلوبهم طبع ، فلا يجدون إلّا أسدالا من الظلمات تحجب طريقهم. وكل ذلك هو نتيجة أعمالهم أنفسهم ، وهو المقصود بالإضلال الإلهي( مَنْ يُضْلِلِ اللهُ ) .

* * *

٣١٨

الآية

( يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (١٨٧) )

سبب النّزول

أيّان يوم القيامة؟!

وفقا لمّا ورد في بعض الرّوايات(١) فإنّ قريشا أرسلت عدّة أنفار إلى نجران ليسألوا اليهود الساكنين فيها ـ إضافة إلى المسيحيين هناك ـ مسائل ملتوية ثمّ يلقوها على النّبي عند رجوعهم إليه ، ظنّا منهم أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيعجز عن إجابتهم ، ومن جملة هذه الأسئلة كان هذا السؤال : متى تقوم الساعة؟! فلما سألوا النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك السؤال نزلت الآية محل البحث وأفحمتهم!(٢)

* * *

__________________

(١) تفسير البرهان ، ج ٢ ، ص ٥٤.

(٢) يرى بعض المفسّرين كالمرحوم الطبرسي أن سبب النّزول هو في جماعة من اليهود الذين جاءوا النّبي وسألوه عن يوم القيامة ، إلّا أنّه لمّا كانت السورة نازلة في مكّة ، ولم يكن بين النّبي واليهود فيها خصام وجدال ، فهذا الموضوع مستبعد جدّا.

٣١٩

التّفسير

مع أنّ هذه الآية ذات سبب خاص في النّزول ـ كما ذكروا ـ إلّا أنّها في الوقت ذاته لها علاقة وثيقة بالآيات المتقدمة أيضا ، لأنّه قد وردت الإشارة إلى يوم القيامة ولزوم الاستعداد لمثل ذلك اليوم في الآيات السابقة. وبالطبع فإنّ موضوعا كهذا يستدعي السؤال عن موعده وقيامه ، ويستثير كثيرا من الناس أن يسألوه : أيّان يوم القيامة؟ لهذا فإنّ القرآن يقول :( يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها ) ؟!

وبالرغم من أنّ «الساعة» تعني زمان نهاية الدنيا ، إلّا أنّها في الغالب ـ أو دائما كما ذهب البعض ـ تأتي بمعنى القيامة في القرآن الكريم ، وخاصّة من بعض القرائن التي تكتنف الآية ـ محل البحث ـ إذ تؤكّد هذا الموضوع كجملة : متى تقوم الساعة؟ الواردة في شأن نزول الآية : وكلمة «أيّان» تساوي «متى» وهما للسّؤال عن الزمان ، والمرسى مصدر ميمي من الإرساء ، وهما بمعنى واحد ، وهو ثبات الشيء أو وقوعه ، لذلك يطلق على الحبل وصف «الراسي» فيقال : جبال راسيات ، فبناء على ذلك فإنّ «أيّان مرساها» تعني : في أي وقت تقع القيامة وتكون ثابتة؟!

ثمّ تضيف الآية مخاطبة النّبي أن يردهم بصراحة قائلة :( قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ ) .

إلّا أنّ الآية تذكر علامتين مجملتين ، فتقول أوّلا :( ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) .

أية حادثة يمكن أن تكون أثقل من هذه ، إذ تضطرب لهولها جميع الأجرام السماوية «قبيل القيامة» فتخمد الشمس ويظلم القمر وتندثر النجوم ، ويتكون

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606