الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٥

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل9%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 606

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 606 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 245246 / تحميل: 6211
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٥

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

الفصل الثاني

ضوابط الحوار وآدابه

١ ـ شروط الحوار

٢ ـ آداب الحوار

١٦١
١٦٢

لما كان الحوار في الواقع الإنساني من الوسائل التي تستخدم لنشر الأفكار والإقتناع بها ؛ كان الهدف منه تعاون أطراف الحوار على معرفة الحقيقة والتوصل إليها ، تبصير كل منهما صاحبه بالأمور التي خفيت عنه حينما أخذ بنظر باحثاً عن الحقيقة ، وذلك باستخدام الحوار البريء من التعصب ؛ الخالي من العنف والإنفصال ، المتمشي وفق الأصول العامة للحوار الهادف البنّاء.

ولا يتحقق هذا الحوار إلا بعد تطبيق ما ذكره العلماء من الضوابط والآداب كما يلي :

١ ـ شروط الحوار :

ذكر العلماء والباحثون أنّ للحوار المّذون به شروطاً ينبغي إتباعها ، خشية أن يتحول إلى مماراة بعيدة عن الوصول إلى الحقيقة ، أو إلى مشاحنات أنانية ، ونحو ذلك مما يفسد القلوب ، ويهيج النفوس ، ويورث التعصب ولا يوصل إلى الحق ، نذكر منها التالي :

١ ـ أن يكون أطراف الحوار على معرفة بقوانين وقواعد الحوار ، متبعين المعايير العقلية والمنطقية ، باسلوب علمي رصين.

٢ ـ أن يكونوا على معرفة بالموضوع الذي يراد التحاور فيه ، بحيث يمكن التكلم بما يتناسب مع طبية المضوع المتحاور فيه ، بحيث لو تكلم أحد الأطراف لم يخبط خبط عشواء ، ولم يناقش في البديهيات بغير علم ، وإذا لُزم بالحق إلتزم به دون مكابرة.

٣ ـ أن يكون الموضوع مهماً ، أو مما يجوز أن تجري فيه المحاورة ضمن قواعد هذا الفن وضوابطه ، فالمفردات والبديهيات الجلية مثلاً ، لا تجري فيها المحاورة أصلا.

١٦٣

٤ ـ أن يكون المحاور متمكناً من الحوار ، بحيث يتمتع بوجهة علمية ومقدرة بيانية ، ومطلعاً على أفكار وآراء خصمه ، مستخدماً الألفاظ المناسبة الجزلة الفخمة ، متجنباً العبارات والألفاظ الركيكة.

وإلى هذا يشير إمامنا الصادق عليه السلام في الحديث التالي :

عن أبي خالد الكابلي ، قال : (رأيت أبا جعفر ـ صاحب الطاق ـ وهو قاعد في الروضة قد قطع أهل المدينة أزراره ، وهو دائب يجيبهم ويسألونه ، فدنوت منه فقلت : إنّ أبا عبد الله نهانا عن الكلام فقال : أمرك أن تقول لي؟ فقلت : لا ، ولكنه أمرني ألا أكَلِّم أحداً.

قال : فاذهب فأطعه فيما أمرك. فدخلت على أبي عبد الله عليه السلام فأخبرته بقصة صاحب الطاق ، وما قلت له ، وقوله لي : إذهب وأطعه فيما أمرك ، فتبسم أبو عبد الله عليه السلام وقال : يا أبا خالد ، إّ صاحب الطاق يكلّم الناس فيطير وينقض ، وأنت إو قصوك لن تطير)(٢١٢) .

٢ ـ آداب الحوار :

وضع العلماء لفَن آداب البحث والمحاورة جملة من الآداب ، وألزموا المتحاورين بها ، محافظة على سلامة المحاورة ، وتحقيقاً للغرض منها ، نذكر فيما يلي أهمها :

١ ـ أن يجتنب المحاور محاورة ذي هيبة يخشاه ، لئلا يؤثر ذلك عليه ، فيضعفه عن القيام بحجته كما ينبغي.

٢ ـ ألا يظن خصمه أقوى منه بكثير ، حتى لا يتخاذل ويضعف عن تقديم حجته على الوجه المطلوب.

__________________

(٢١٢) ـ الطوسي ، الشيخ محمد بن الحسن : رجال الكشي ، ج ٢ / ٤٢٤.

١٦٤

٣ ـ ألا يظن خصمه حقيراً ضعيفاً قليل الشأن ، فذلك يقلل من إهتمامه ، فيمكن خصمه الضعيف منه.

٤ ـ ألا يكون في حالة قلق نفسي وإضطراب ؛ أو في حالة نفسد عليه مزاجه الفكري والنفسي ، كأن يكون جائعاً ، أو ظامئاً ، أو نحو ذلك.

٥ ـ أن يتقابل المتحاوران في المجلس ، ويبصر أحدهما الآخر إن أمكن ، ويكونا متماثلين أو متقاربين علماً ومقداراً.

٦ ـ أن يجتنب كلا المتحاورين الهزء والسخرية ، وكل ما يشعر بإحتقار وإزدراء لصاحبه ، أو وسمه بالجهل أو قلة الفهم ، كالتبسم والضحك والغمز واللمز ونحو ذلك ، مما يثير عواطف الغير ، ويؤدي إلى إفساد المحاورة التي ينبغي أن تكون بالتي أحسن.

٧ ـ ألا يرفع صوته فوق المتعارف المألوف ، فإنّ هذا يدل على الشعور بالضعف والشعور بالمغلوبية ، بل ينبغي إلقاء الكلام قوي الأداء ، وإن كان بصوت منخفض هادئ ، فإنّ تأثيره أقوى بكثير من اسلوب الصياح والصراخ.

٨ ـ أن يتجنب ـ حد الإمكان ـ مجادلة طلب الرياء والسمعة ومُؤثر الغلبة والعناد ، فإنّ هذا من جهة يُعديه بمرضه فينساق بالأخير مقهوراً إلى أن يكون شبيهاً به في هذا المرض ، ومن جهة أخرى لا يستطيع الوصول مع مثل هذا الشخص إلى نتيجة مرْضِيّة.

٩ ـ ألا يكون المحاور متسرعاً يقصد إسكات خصمه في زمن يسير ؛ لأنّ ذلك يفسد عليه رويته الفكرية ، ويبعده عن منهج المنطق السديد ، والتفكير في الوصول إلى الحق.

١٦٥

١٠ ـ أن يحترز المحاور عن الإختصار المخل في الكلام ، وعن إطالة الكلام بلا فائدة ترجى من ذلك.

١١ ـ أن يأتي كل من المتحاورين بالكلام الملائم للموضوع ؛ فلا يخرج عما هما بصدده.

١٢ ـ ألا يتعرض أحدهما لكلام خصمه قبل أن يفهم مراده تماماً.

١٣ ـ أن ينتظر كل واحد منهما صاحبه حتى يفرغ من كلامه ، ولا يقطع عليه كلامه قبل أن يتمه.

١٤ ـ الإستعانة بالله عَزّ وجَلّ ، للتوفيق والوصول إلى الحقيقة ، فقد ورد عن إمامنا زين العابدين عليه السلام في الصحيفة السجادية ، من دعائه في مكارم الأخلاق : (اللهُمّ صل على محمد وآله ، واجعل لي يداً على من ظلمني ، ولساناً على من خاصمني ، وظفراً بمن عاندني)(٢١٣) .

وعنه عليه السلام ـ كما في المناجاة (المعروفة بالإنجيلية الطويلة) ـ : وأعوذ بك من دعاءٍ محجوبٍ ، ورجاء مكذوب ، وحياء مسلوب ، وإخاء مَعْبُوب ، وإحتجاج مغلوب ، ورأي غير مصيب)(٢١٤) .

__________________

(٢١٣) ـ زين العابدين ، الإمام علي بن الحسين : الصحيفة السجادية / ١١١ (جمع السيد محمد باقر الأبطحي).

(٢١٤) ـ نفس المصدر / ٤٣٩ ـ ٤٤٠.

١٦٦

الفصل الثالث

الحوار المتعلق بتربة الحسين (عليه السلام)

بحوث تمهيدية :

١ ـ الوحدة الإسلامية.

٢ ـ التقريب بين المذاهب الإسلامية.

٣ ـ دعوة إلى الحوار.

١٦٧
١٦٨

تلعب الشائعات وحجب الحقائق دوراً كبيراً في محاربة الأفكار والمعتقدات ، ولعل مرجع هذه الشائعات ، هي عوامل سياسية ومصلحة نفعية ، ومن بين تلك المعتقدات التي حوربت بهذه الطريقة عقيدة الشيعة الإمامية ، الذين يمثلون فئة كبيرة من المسلمين ، فقد بالغ المغرضون والوضاعون النفعيون ، في تصوير معتقداتهم ، وتحريفها عن واقعها ومدلولها الصحيح. وقد أشار إلى هذه الحقيقة الناصعة ، الدكتور حامد حنفي داود(٢١٥) بقوله : «يخطئ كثيراً من يدّعي أنّه يستطيع أن يقف على عقائد الشيعة الإمامية وعلومهم وآدابهم مما كتبه عنهم الخصوم من العلم والإحاطة ، ومهما أحرزوا من الأمانة العلمية في نقل النصوص والتعليق عليها بأسلوب نزيه بعيد عن التعصب الأعمى. أقول ذلك جازماً بصحة ما أدعي بعد أن قضيت ردحاً طويلاً من الزمن ، أدرس فيه عقائد الأئمة الإثني عشرة بخاصة وعقائد الشيعة بعامة. فما خرجت من هذه الدراسة الطويلة التي قضيتها متصفحاً في كتب المؤرخين والنقاد من علماء أهل السنة بشيء ذي بال. وما زادني إشتياقي إلى هذه الدراسة وميلي الشديد في الوقوف على دقائقها إلا بعداً عنها وخروجاً عما أردت من الوصول إلى حقائقها ذلك لأنّها كانت دراسة بتراء أحلت نفسي فيها على كتب الخصوم لهذا المذهب وهو المذهب الذي يمثل شطر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، ومن ثم اضطررت بحكم ميلي الشديد إلى طلب الحقيقة حيث كانت ، والحكمة حيث وجدت ، والحكمة ضالة المؤمن ، أن أدير دفة دراستي العلمية لمذهب الأئمة الإثني عشر إلى الناحية الأخرى ، تلك هي دراسة المذهب

__________________

(٢١٥) ـ أستاذ الأدب العربي بكلية الألسن العليا ، ورئيس قسم الأدب العربي بجامعة عين شمس ، من رواد الإصلاح ، ودعاة التقريب بين المذاهب الإسلامية.

١٦٩

في كتب أربابه ، وأن أتعرف عقائد القوم مما كتبه شيوخهم والباحثون المحققون من علمائهم وجهابذتهم. ومن البديهي أنّ رجال ال مذهب أشدّ معرفة لمذهبهم من معرفة الخصوم به ، مهما بلغ أولئك الخصوم من الفصاحة والبلاغة ، أو أوتوا حظاً من اللسن والإبانة عما في الشمس»(٢١٦) .

وقال الدكتور مصطفى الرافعي(٢١٧) : «... أجل ، عن مثل هؤلاء المستشرقين أو أولئك الجهلة والمغرضين أخذ خصوم الشيعة معلوماتهم عن الشيعة ، وأثاروا الكثير من الشبهات حول بعض المعتقدات التي يدينون بها ؛ أو الأحكام الفرعية التي يمارسونها ، فشوهوها وألبسوها لباس العداوة للإسلام حتى ظن معها قصار النظر ومن ليس لديه معلومات واسعة عن فقه الشيعة أنّ أتباع هذا المذهب بسبب إيمانهم بتلك المعتقدات أو ممارستهم لهذه الأحكام ، قد نؤوا عن الحق وجانبوا الصواب وربما بالغوا في التشنيع عليهم فقالوا : أنهم فرقة مرقت من الدين وخرججت من ربقة الإسلام»(٢١٨) .

هذه بعض كلمات الكتاب والباحثين من السنة ، الذين أنصفوا الشيعة الإمامية ، فيما حصل لهم من مظلومية وتشويه لسمعتهم أمام المسلم وغيره؟! والسؤال الذي ينبغي طرحه : ما هو الحل لعلاج هذه المشكلة الخطيرة؟

__________________

(٢١٦) ـ المظفر ، الشيخ محمد رضا : عقائد الإمامية / ٤١ ـ ٤٢ (تقديم).

(٢١٧) ـ كاتب وباحث لبناني ، ولد في طرابلس عام ١٩٢٣ م ، جمع بين الدراسة في الأزهر ـ حيث نال إجازة تخصص في القضاء عام ١٩٤٧ م ـ ، والدراسة في جامعة السوربون بفرنسا ، حيث نال شهادة الدكتوراه في الحقوق عام ١٩٤٨ م ، مثّل لبنان في كثير من المؤتمرات الإسلامية والثقافية ، وله مجموعة من المؤلفات.

(٢١٨) ـ الرافعي ، الدكتور مصطفى : إسلامنا / ١٣١.

١٧٠

لعلّ أهم الحلول التي طرحت لحلّ هذه المشكلة ، هي كالتالي :

١ ـ الوحدة الإسلامية :

والمراد بها إدماج مذهب في مذهب ، أو تغليب مذهب على مذهب ، وممن يرى هذه الفكرة الأستاذ أمين خولي(٢١٩) ، حيث قال : «أنا في العام الماضي تكلمت مع الشيخ محمد تقي الحكيم(٢٢٠) ، وقلت : فلنتنازل نحن السنة وأنتم الشيعة عن بعض الأشياء ، ونتفق على أشياء ونكون يداً واحدة»(٢٢١) .

وهذه الفكرة يصعب تطبيقها ، وقد أجاب عنها السيد مرتضى الرضوي بقوله ـ مخاطباً الأستاذ أمين الخولي ـ : «يا أستاذ ؛ لا يمكن التفاهم والإتفاق على شيء قبل أن نضع رجال الصدر الأول في ميزان الحساب ؛ لأنّهم خَلّفُوا أموراً خلافية كثيرة لا يمكن التغاضي عنها ، وتركها من دون علاج ، وبعد ذلك ، فمن السهل أن نتحد ونتفق على كل شيء. فسكت الأستاذ الخولي»(٢٢٢) .

٢ ـ التقريب بين المذاهب الإسلامية :

قامت مجموعة من أعلام المسلمين ـ ويأتي في طليعتهم الشيخ عبد المجيد سليم ، والشيخ محمود شلتوت ، والشيخ محمد تقي القمي ، والشيخ محمد محمد المدني ـ ، بتأسيس (دار التقريب بين المذاهب الإسلامية) وذلك سنة (١٣٦٦ هـ

__________________

(٢١٩) ـ من كبار الأساتذة وعمالقة الفكر في مصر ، ولد عام ١٩٠٤ م ، من أوائل أساتذة كلية الآداب بجامعة القاهرة ، وصل إلى منصب كرسي الأدب العربي بكلية الآداب بجامعة القاهرة ، كان من أبرز أعضاء المجلس الأعلى لدار الكتب المصرية ، الذي يضم جهابذة رجال الفكر والقلم في مصر.

(٢٢٠) ـ المراد به ، هو سماحة السيد محمد تقي الحكيم ، أحد علماء النجف ، عميد كلية الفقه في النجف الأشرف ، وأستاذ الفقه المقارن في جامعة بغداد ، وعضو المجمع العلمي في العراق ، وعضو مراسل المجمع اللغوي بمصر ، له بعض المؤلفات القيمة. ولد عام ١٣٤١ هـ ، وتوفي عام ١٤٢٣ هـ.

(٢٢١) ـ الرضوي ، السيد مرتضى : مع رجال الفكر في القاهرة / ٥١.

(٢٢٢) ـ نفس المصدر.

١٧١

ـ ١٩٤٧ م) ، في القاهرة ، وكان هدف هذه المجموعة ، عدم إستغلال الفوارق المذهبية ، وما يترتب على ذلك من شق صف المسلمين ، وإضعاف وحدتهم. كما كانت دعوتهم إلى تقريب وجهات النظر ، من خلال إلقاء الضوء على المشتركات بينهم ، وعدم السعي إلى إلغاء بعضها على حساب بعض ، وبعبارة أخرى ، تسعى إلى بقاء المسلمين كل على مذهبه ، وعدم دمجهم في مذهب واحد. وكان من ثمارها ، إصدار مجلة (رسالة الإسلام) صدر العدد الأول منها سنة ١٣٦٨ هـ ، وتوقفت في شهر رمضان سنة ١٣٩٢ هـ ، بعد ما صدر منها ستون عدداً ، إهتمت بأدب التقريب بين المذاهب. وإدخال الفقه الشيعي إلى مواد التدريس في الأزهر الشريف ، كما أصدر شيخ الأزهر محمود شلتوت فتواه بجواز التعبد بالمذهب الجعفري ، ونشرتها مجلة (رسالة الإسلام ـ في العدد الثالث ، من السنة الحادية عشر ، ص ٢٢٨ ـ عام ١٩٥٩).

يقول الشيخ الشعراوي ـ بعد هذه الفتوى : «الشيعة الإمامية الإثني عشرية ، وإمامهم جعفر الصادق ؛ بن محمد ، بن علي زين العابدين ، بن الحسين ، بن علي بن أبي طالب ، وهو أحد أساتذة الإمام ابي حنيفة ، رضي الله عنهم جميعاً ، وهؤلاء الإمامية الجعفرية ؛ الذين نوضح أنهم من أرباب ال مذاهب النقيّة ؛ هم الذين أصدر شيخنا المرحوم شيخ الأزهر محمود شلتوت ، فتواه المشهورة في صحة التعبد على مذهبهم ؛ معلّلاً ذلك بأنّه من المذاهب الإسلامية ، الثابتة الأصول المعروفة المصادر ، المتبعة لسبيل المؤمنين. نعم : لقد أخذنا في مصر طائفة من الأحكام في قوانين الأحوال الشخصية عن الشيعة الإمامية الإثني عشريّة ، ومنها بعض أحكام الطلاق ، والقول بالوصيّة الواجبة

١٧٢

في الميراث»(٢٢٣) . وخلاصة هذه الفكرة ـ على حد تعبير الشيخ كاشف الغطاء (قده)(٢٢٤) . «وليس معنى الوحدة في الأمة أن يهضم أحد الفريقين حقوق الآخر فيصمت ، ويتغلب عليه فيسكت ، ولا من العدل أن يقال للمهضوم إذا طالب بحق ، أو دعا إلى عدل إنك مفرق أو مشاغب ، بل ينظر الآخرون إلى طلبه ، فإن كان حقاً نصروه ، وإذا كان حيفاً أرشدوه وأقنعوه ، وإلا جادلوه بالتي هي أحسن مجادلة الحميم لحميه ، والشقيق لشقيقه ، لا بالشتائم والسباب ، والمنابزة بالألقاب ، فتحتدم نار البغضاء بينهما حتى يكونا لها معغاً حطباً ، ويصبحا معاً للأجنبي لقمة سائغة ، وغنيمة باردة»(٢٢٥) .

وبعد هذا البيان المستفاد من كلمات العلماء والباحثين ، نقول : أنّ الهدف من التقريب بين المذاهب الإسلامية هو الحد من تضييق شقة الخلاف ، وبعض الظروف في عهود غابرة ، ولو قدر لها أن تبحث بحثاً موضوعياً ؛ لوصل الفريقان إلى الوحدة والتعاون المشترك ، في المنافع والفوائد في النهاية.

٣ ـ الدعوة إلى الحوار :

إذا أراد المسلمون تشكيل قوة متحدة متماسكة ، تستطيع أن تفرض إرادتها وإحترامها ، وترفع راية الإسلام فوق ربوع الأرض ؛ فعليهم أن ينبذوا الخلاف بالحوار الهادف المخلص ، وهذه المهمة يتحمل عِبْأَها العلماء ورواد الفكر السلامي ، فقد قام جماعة منهم بالدعوة إلى الحوار ونبذ الخلاف ،

__________________

(٢٢٣) ـ الأهرام ـ السنة ١٠٣ ـ العدد ٣٢٩٣٢.

(٢٢٤) ـ الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء (١٢٩٤ هـ ـ ١٣٧٣ هـ) ، من أعلام الشيعة الإمامية ، ومنابع العلم والأدب ودعاة الاصلاح والتقريب بين المذاهب الاسلامية ، من فقهاء العراق.

(٢٢٥) ـ كاشف الغطاء ، الشيخ محمد حسين : أصل الشيعة وأصولها / ٦٦.

١٧٣

وعلى رأسهم العلمان البارزان : السيد عبد الحسين شرف الدين(٢٢٦) ، والشيخ سليم البشري(٢٢٧) .

وقد طَبّق هذا الحوار العلمان المذكوران بروح إتصفت بالنزاهة والطهر ، عَبّر عنها السيد شرف الدين (قده) بقوله : «وما أحسن ما يتعارف به العلماء من الورح النقي ، والقول الرضي ، والخلق النبوي ، ومتى كان العالم بهذا اللباس الأنيق المترف ، كان على خير ونعمة ، وكان ال ناس منه في أمان ورحمة ، لا يأبى أحد أن يفضي إليه بدخيلة رأيه ، أو يبثه ذات نفسه ، ذلك كان علم مصر وإمامها ، وهكذا كانت مجالسنا التي شكرناها شكراً لا إنقضاء له ولا حد»(٢٢٨) .

وقد إستغرق هذا الحوار مائة وإثنتي عشر حلقة ، وكان ذلك في الفترة ما بين ذي القعدة عام ١٣٢٩ هـ ، وجمادي الأولى عام ١٣٣٣ هـ ، وكانت حصيلة هذا الحوار كتب (المراجعات) ، الذي دَوّنه العالم الشيعي السيد عبد الحسين شرف الدين (قده) ، مما جعل لهذا الحوار أثره في العصر الذي جرى فيه والعصور المتأخرة ، بل يعتبر نموذجاً لكل من أراد الحوار الهادف ، وصرخة مدوية في أذن كل سني وشيعي ، أراد الوصول إلى الحقيقة ، أو على الأقل يعرف المذهب الجعفري بحقيقته الناصعة ، ولا يأخذها من كتب وأفواه خصومهم ، الذين لَفّقَوا فيهم التهم والأكاذيب. ومن بين تلك الأكاذيب ، عبادة التربة الحسينية الشريفة ، التي هي موضوع بحثنا.

__________________

(٢٢٦) ـ الشيخ عبد الحسين شرف الدين (١٢٩٠ هـ ـ ١٣٧٧ هـ) من أعلام الشيعة الإمامية ، ومنابع العلم والأدب ودعاة الإصلاح ، والتقريب بين المذاهب الإسلامية ، من فقهاء جبل عامل في لبنان.

(٢٢٧) ـ الشيخ سليم البشري (المالكي) ، ولد في محلة بشر ، بمحافظة البحيرة عام (١٢٤٨ هـ وتوفي عام ١٣٣٥ هـ) تولى مشيخة الأزهر مرتين : الأولى ـ من عام ١٣١٧ هـ إلى عام ١٣٢٠ هـ ، والثانية ـ من عام ١٣٢٧ هـ إلى عام ١٣٣٥ هـ. وفي عهده طبق نظام إمتحان الراغبين في التدريس بالأزهر.

(٢٢٨) ـ شرف الدين ، السيد عبد السحين : المراجعات / ٣٢.

١٧٤

نماذج للحوار في التربة الحسينية

١ ـ السيد الشيرازي مع رجل دين مصري.

٢ ـ السيد سلطان الواعظين مع الشيخ عبد السلام الأفغاني.

٣ ـ الشيخ الأنطاكي مع بعض أعلام السنة.

٤ ـ الدكتور التيجاني مع الشهيد الصدر.

٥ ـ المستر رايلي مع سكرتير وزارة المعارف العراقية.

٦ ـ الأستاذ محمد خير مع خصوم الشيعة.

١٧٥
١٧٦

١ ـ السيد الشيرازي(٢٢٩) مع رجل علم مصري :

قال السيد عبد الله الشيرازي (قده) : «كنت يوماً جالساً في الروضة النبوية المطهرة بعد الفراغ من فريضة الصبح ، قرب المنبر مشغولاً بقراءة القرآن وكان المصحف بيدي ، فجاء رجل شيعي ووقف على يساري وكَبّر للصلاة ، وكان على يميني رجلان من أهل العلم مصريان ـ على الظاهر ـ متكئان على الإسطوانة ، فأدخل المصلي يده في جيبه بعد تكبير الإحرام لإخراج التربة أو الحجر للسجود عليه ، فقال أحدهما للآخر : إنظر إلى هذا العجمي يريد أن يسجد على الحجر. فلما هوى المصلي للسجود بعد ركوعه ، حمل عليه أحدها ليختطف ما في يده ، لكني أمسكت على يده قبل وصولها إلى المصلي ، وقلت : لماذا تبطل صلاة الرجل المسلم ، وهو يصلي مقابل قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟

قال : يريد أن يسجد على الحجر. قلت : وأيّ بأس في ذلك؟ وأنا أيضاً أسجد على الحجر.

قال : كيف؟ قلت : هو جعفري ، وهذا هو الصحيح على مذهبنا ، ثم قلت : هل تعرف جعفر بن محمد عليهما السلام؟

قال : نعم. قلت : هو من أهل البيت؟ قال : نعم. قلت : هو رئيس مذهبنا ، ويقول لا يجوز السجود على الفراش أو السجاد ، ويقول : لابد أن يكون السجود على أجزاء الأرض. فسكت قليلاً ، ثم قال : الدين واحد ، والصلاة واحدة. قلت : إذا كان واحداً ، والصلاة واحدة ، فكيف تُصلون

__________________

(٢٢٩) ـ أحد الفقهاء الكبار ، والمراجع العظام ، ولد في شيراز عام ١٣٠٩ هـ ، وهاجر الى النجف الأشرف عام ١٣٣٣ هـ ، حتى أصبح أحد أعلامها ، وفي عام ١٣٩٥ هـ إستقر في مشهد المقدسة ، قائماً بأعباء المرجعية وإدارة حوزتها العلمية ، وتوفي بها عام ١٤٥ هـ ، ودفن بجوار الإمام الرضا (ع).

١٧٧

أنتم السنة في حال القيام على أربعة أشكال من جهة التكتف : فالمالكية يصلون مرسلين الأيدي ، والحنفية يتكتفون ، والشافعية نحو ثالثاً ، والحنبلية نحواً رابعاً ، مع أنّ الدين واحد ، والصلاة التي صلاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت نحواً واحداً؟!

ولقنته الجواب ، وقلت : غير أنكم تقولون إنّ أبا حنفية هكذا قال : والشافعي هكذا ، والمالكي هكذا ، والحنبلي هكذا ، وصوّرت له بيدي صور الحالات الأربع. قال : نعم.

قلت : جعفر بن محمد الصادق عليه السلام رئيس مذهبنا الذي إعترفت بأنّه من أهل البيت أدرى بما في البيت ، لم يكن أقل من أبي حنفية ، ومن هؤلاء علمنا أنّه لابدّ أن يكون السجود على أجزاء الأرض ، ولا يجوز السجود على الصوف والقطن ، وهذا الإختلاف بيننا وبينكم لا يكون إلا مثل الإختلاف بين أنفسكم في كيفية الصلاة من جهة التكتف وغيرها من سائر الإختلاف بينكم في الفروع ولا يرتبط بالأصول ، ولا يكون مربوطاً بالشرك أصلاً. فصدقني الجالسون من أهل السنة ، حتى صاحب هذا الشخص الذي كان جالساً إلى جانبه ، ولما وجدت الجو مناسباً بعد تصديقه كلامي حملت عليه بالكلام الحاد ، وقلت : أما تستحي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تبطل صلاة رجل مسلم يصلي عند قبره ـ صلوات الله عليه وآله ـ بمقتضى مذهبه ، وهو مذهب أهل البيت صاحب هذا القبر ، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تهيراً ، ولا يكون قولهم ومذهبهم إلا قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومذهبه.

فحمل الجالسون عليه أيضاً بالكلام الخشن ، واعتذروا مني من إعتقادهم بأنّ السجود على التربة أو الحجر شرك من الشيعة. أقول : لا يكاد ينقضي تعجبي من أنّ علماءهم كيف أشربوا في قلوب عوامهم أنّ الجسود على التربة

١٧٨

الحسنية ، أو الحجر ، أو الخشب من سائر أجزاء الأرض شرك بالله ، مع أنّه في حال السجود يذكرون الله تعالى بالتحميد والعلو ، وكثيراً في حال السجود عليها ، يقولون : لا إله إلا الله ، أليس السجود على الحجر الذي هو جزء ـ من ـ الأرض مثل السجدة على نفس الأرض ، أو السجدة على الفراش ، أو الحصير أو السجاد؟ فإذا سجد على الأرض أو الحصير أو السجاد ، هل يكون ذلك بمعنى أنّه عبدها؟ فليكن السجود على الحجر مثل السجود عليها!

وأعجب من أصل الموضوع أنّ لسان أكثرهم عربي ، وهم أعرف بمعاني اللغة وخصوصيات معاني الألفاظ ، فكيف غفلوا أو تجاهلوا عن الفرق بين السجود عليه ، والسجود له؟ والسجدة على شيء سواء كان أرضاً أو حجراً أو فراشاً يحتاج تحقق العبادة معه إلى شيء آخر يكون هو المعبود ، ولا يكون نفس السجود عليه معبوداً وهل رأى أحد وثنياً أو صنمياً في مقام العبادة يضع الصنم على الأرض ويسجد عليه؟

لا والله ، بل يجعلون الأصنام في مقابلهم ويسجدون على الأرض ويخرّون عليها تخضعاً وتخشعاً لها ، فحينئذ المعبود هل الصنم أو ما سجد عليه من الأرض أو الحجر أو الشيء الذي سجد عليه ووقع تحت جبهته بلا إختيار ولا إلتفات أو معهما؟

فيا ليت كان في البين ثالث عارف باللغة يحكم بين الفريقين ، هل السجود لله على أجزاء الأرض عبادة لها وشرك بالله ، أو يكون مثل السجدة على نفس الأرض والمعبود في كليهما هو الله الواحد؟

وإن كان بحمد الله الحاكم موجوداً وهو اللغة. فنرجو ـ من الله ـ أن يتنبّه العلماء والفضلاء منهم إلى هذه النقطة ، وإن لم يكن تجااهلاً ، وينبّهوا عوامهم

١٧٩

إلى عدم نسبة الشرك إلى الشيعة ، لسجودهم على أجزاء الأرض من التربة الحسينية أو الحجر أو الخشب»(٢٣٠) .

٢ ـ السيد سلطان الواعظين(٢١٣) ، مع الشيخ عبد السلام الأفغاني :

قال السيد سلطان الواعظين (طاب ثراه) : «ولكنا إذا خالفنا العامة في صلاتنا ، بأن سجدنا على طينة يابسة فبدل أن يسألونا عن الدليل والسبب ، يتهمونا بعبادة الأصنام ويسمون تلك الطينة التي نسجد عليها بالصنم ، فلماذا هذا الجهل والجفاء؟! ولماذا هذا التفريق بين المسلمين؟!

قال الشيخ عبد السلام : كما قلتم بأنّ مجلسنا هذا إنما إنعقد للتعارف والتفاهم ، وأنا أشهد الله سبحانه بأنّي لم أقصد الإساءة إليكم والتجاسر عليكم ، فإذا صدر مني ما يسوء فسببه عدم إطلاعنا على مذهبكم وعدم مطالعتنا لكتبكم ، فما كنا نعرفكم حق المعرفة ، لأنّا ما عاشرناكم ولا جالسناكم ، وانما سمعنا وصفكم من لسان غيركم وتلقيناها بالقبول من دون تحقيق ، فإلتبست علينا كثير من الحقائق ، ومع تكرار الإعتذار أرجوكم أن تُبينوا لنا سبب سجودكم على الطينة اليابسة؟

قلت : أشكر شعوركم الطيب ، وبيانكم الحلو العذب ، وأشكركم على هذا الإستفهام ؛ لأنّ السؤال والإستفهام أجمل طريقة وأعقل وسيلة لإزاحة أي شبهة وابهام.

__________________

(٢٣٠) ـ الشيرازي ، السيد عبد الله : الإحتجاجات العشرة / ٥٥ ـ ٥٩.

(٢٣١) ـ السيد محمد الموسوي الشيرازي ، المعروف بسلطان الواعظين ، كان من العلماء العاملين ، والخطباء البارعين ، ولد في طهران عام ١٣١٤ هـ. وأخذ المقدمات والأوليات على أساتذتها ، وفي عام ١٣٢٦ هـ. هاجر إلى كربلاء مع والده وحضر على أعلام حوزتها ، حتى برع وكمل في كربلاء ، ثم إتصل بالزعيم الشيخ عبد الكريم الحائري في قم وحضر دروسه ، وتوفي يوم الإثنين ٢٠ شعبان عام ١٣٩١ هـ.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

من بقاياها عالم جديد بثوب آخر!(١) ثمّ إنّ قيام الساعة يكون على حين غرّة ، وبدون مقدمات تدريجية ، بل على شكل مفاجئ وانقلاب سريع.

ثمّ تقول الآية مرّة أخرى :( يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها ) (٢) .

وتضيف الآية مخاطبة النّبي الكريم :( قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) .

وربّما يسأل ـ أو يتساءل ـ بعض الناس : لم كان علم الساعة خاصّا بالله وذاته المقدسة ، ولا يعلم بها حتى الأنبياء؟!

والجواب على ذلك : إن عدم معرفة الناس بوقوع يوم القيامة وزمانها «بضميمة كون القيامة لا تأتي إلّا بغتة» ومع الالتفات إلى هول يوم القيامة وعظمتها ، هذا الأمر يبعث على أن يتوقّع الناس وقوع يوم القيامة في أي وقت ويترقبوها باستمرار ، ويكونوا على أهبة الاستعداد والتهيؤ ، لكي ينجوا من أهوالها. فعدم المعرفة هذا له أثر مثبت جلي في تربية النفوس والالتفات إلى المسؤولية واتقاء الذنوب.

* * *

__________________

(١) قال بعض المفسّرين أنّ المراد من هذه الجملة هو أن معرفة القيامة أو علمها ثقيل على أهل الأرض والسماوات ، إلّا أنّ الحقّ هو التّفسير المذكور آنفا «في المتن» لأنّ القول بحذف كلمتي العلم والأهل خلاف ظاهر الآية.

(٢) الحفي في الأصل هو من يسأل عن الشيء بتتابع وإصرار ، ولما كان الإصرار في السؤال باعثا على زيادة العلم ، فقد تستعمل هذه اللفظة على العالم كما هي هنا أيضا.

٣٢١

الآية

( قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلاَّ ما شاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١٨٨) )

سبب النّزول

روى بعض المفسّرين «كالعلّامة الطبرسي في مجمع البيان» أن أهل مكّة قالوا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا كان لك ارتباط بالله ، أفلا يطلعك الله على غلاء السلع أو زهادتها في المستقبل ، لتهيئ عن هذا الطريق ما فيه النفع والخير وتدفع عنك ما فيه الضرر والسوء ، أو يطلعك الله على السّنة الممحلة «القحط» أو العام المخصب العشب ، فينتقل إلى الأرض الخصيبة؟ فنزلت عندئذ الآية ـ محل البحث ـ وكانت جواب سؤالهم.

التّفسير

لا يعلم الغيب إلّا الله :

بالرّغم من أنّ هذه الآية لها شأن خاص في نزولها ، إلّا أنّ ارتباطها بالآية

٣٢٢

السابقة واضح ، لأنّ الكلام كان في الآية السابقة على عدم علم أحد بقيام الساعة إلّا الله ، والكلام في هذه الآية على نفي علم الغيب عن العباد بصورة كلية.

ففي الجملة الأولى من هذه الآية خطاب للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :( قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللهُ ) .

ولا شك أنّ كل إنسان يستطيع أن ينفع نفسه ، أو يدفع عنها الشر ، ولكن على الرغم من هذه الحال فإنّ الآية ـ محل البحث ، كما نلاحظ ـ تنفي هذه القدرة عن البشر نفيا مطلقا. وذلك لأنّ الإنسان في أعماله ليس له قوّة من نفسه ، بل القوّة والقدرة والاستطاعة كلّها من الله ، وهو سبحانه الذي أودع فيه كل تلك القوّة والقدرة وما شاكلهما.

وبتعبير آخر : إنّ مالك جميع القوى والقدرات وذو الإختيار المستقل ـ وبالذات ـ في عالم الوجود هو اللهعزوجل فحسب ، والآخرون حتى الأنبياء والملائكة يكتسبون منه القدرة ويستمدون منه القوّة ، وملكهم وقدرتهم هي بالغير لا بالذات وجملة «إلّا ما يشاء الله» شاهد على هذا الموضوع أيضا.

وفي كثير من آيات القرآن الأخرى نرى نفي المالكية والنفع والضرر عن غير الله ، ولذلك فقد نهت الآيات عن عبادة الأصنام وما سوى الله سبحانه ونقرأ في الآيتين (٣) و (٤) من سورة الفرقان( وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً ) فكيف يملكون لغيرهم؟!

وهذه هي عقيدة المسلم ، إذ لا يرى أحدا «بالذات» رازقا ومالكا وخالقا وذا نفع أو ضرر إلّا الله ، ولذا فحين يتوجه المسلم إلى أحد طالبا منه شيئا فهو يطلبه مع التفاته إلى هذه الحقيقة ، وهي أنّ ما عند ذلك الشخص فهو من الله (فتأمل بدقّة).

٣٢٣

ويتّضح من هذا إنّ الذين يتذرعون بمثل هذه الآيات لنفي كل توسل بالأنبياء والأئمّة ، ويعدون ذلك شركا ، في خطأ فاضح ، حيث تصوروا بأنّ التوسل بالنّبي أو الإمام مفهومه أن نعدّ النّبي أو الإمام مستقلا بنفسه في قبال الله ـ والعياذ بالله ـ وأنّه يملك النفع والضرر أيضا.

ولكن من يتوسل بالنّبي أو الإمام مع الإعتقاد بأنّه لا يملك شيئا من نفسه ، بل يطلبه من الله ، أو أنّه يستشفع به إلى الله ، فهذا الإعتقاد هو التوحيد عينه والإخلاص ذاته. وهو ما أشار إليه القرآن في الآية محل البحث بقوله :( إِلَّا ما شاءَ اللهُ ) أو بقوله :( إِلَّا بِإِذْنِهِ ) في الآية( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ) .

فبناء على ذلك فإنّ فريقين من الناس على خطأ في مسألة التوسل بالنّبي والأئمّة الطاهرين الفريق الأوّل : من يزعم أنّ النّبي أو الإمام له قدرة وقوة مستقلة بالذات في قبال الله ، فهذا الإعتقاد شرك بالله.

والفريق الآخر : من ينفي القدرة ـ بالغير ـ عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة الطاهرينعليهم‌السلام ، فهذا الإعتقاد انحراف عن مفاد آيات القرآن الصريحة.

إذن : الحق هو أنّ النّبي والأئمّة يشفعون للمتوسل بهم بإذن الله وأمره ، ويطلبون حل معضلته من الله.

وبعد بيان هذا الموضوع تشير الآية إلى مسألة مهمّة أخرى ردّا على سؤال جماعة منهم فتقول :( وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ ) (١) .

لأنّ الذي يعرف أسرار الغيب يستطيع أن يختار ما هو في صالحه ، وأن يجتنب عمّا يضرّه.

__________________

(١) في الحقيقة أن هناك حذفا في الآية تقديره «لا أعلم الغيب» والجملة التي بعدها شاهدة على ذلك.

٣٢٤

ثمّ تحكي الآية عن مقام النّبي الواقعي ورسالته ، في جملة موجزة صريحة ، فتقول على لسانه :( إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) .

* * *

ملاحظة

ألم يكن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعلم الغيب؟!

يحكم بعض السطحيين لدى قراءتهم لهذه الآية ـ وبدون الأخذ بنظر الإعتبار الآيات القرآنية الأخرى ، بل حتى القرائن الموجودة في هذه الآية أيضا ـ أنّ الآية آنفة الذكر دليل على نفي علم الغيب عن الأنبياء نفيا مطلقا مع أنّ الآية ـ محل البحث ـ تنفي علم الغيب المستقل وبالذات عن النّبي ، كما أنّها تنفي القدرة على كل نفع وضرّ بصورة مستقلة. ونعرف أنّ كل إنسان يملك لنفسه وللآخرين النفع أو الضر.

فبناء على ذلك فإنّ هذه الجملة المتقدمة شاهد واضح على أنّ الهدف ليس هو نفي مالكية النفع والضر أو نفي علم الغيب بصورة مطلقة ، بل الهدف نفي الاستقلال ، وبتعبير آخر : إنّ النّبي لا يعرف شيئا من نفسه ، بل يعرف ما أطلعه الله عليه من أسرار غيبه ، كما تقول الآيتان (٢٦) و (٢٧) من سورة الجن( عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً ) .

وأساسا ، فإنّ كمال مقام القيادة لا سيما إذا كان الهدف قيادة العالم بأسره ، وفي جميع المجالات الماديّة والمعنوية ، هو الاحاطة الواسعة بالكثير من المسائل الخفية عن سائر الناس ، لا المعرفة بأحكام الله وقوانينه فحسب ، بل المعرفة بأسرار عالم الوجود ، والبناء البشري ، وقسم من حوادث المستقبل والماضي ، فهذا القسم من العلم يطلعه الله على رسله ، وإذا لم يطلعهم عليه لم

٣٢٥

تكمل قيادتهم!

وبتعبير آخر : إنّ أحاديث الأنبياء والرسل وسيرتهم ستكون محدودة بظروف عصرهم ومحيطهم ، لكن عند ما يكونون عارفين بهذا القسم من أسرار الغيب فسيقومون ببناء حضارة على مستوى الأجيال القادمة ، فتكون مناهجهم صالحة لمختلف الظروف والمتغيّرات

* * *

٣٢٦

الآيات

( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٨٩) فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٩٠) أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (١٩١) وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (١٩٢) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ (١٩٣) )

التّفسير

جحد نعمة عظمى :

في هذه الآيات إشارة إلى جانب آخر من حالات المشركين وأسلوب تفكيرهم ، والردّ على تصوّراتهم الخاطئة. لما كانت الآية السابقة تجعل جميع ألوان النفع والضرّ وعلم الغيب منحصرا بالله ، وكانت في الحقيقة إشارة إلى توحيد

٣٢٧

أفعال الله. فالآيات محل البحث تعدّ مكملة لها لأنّ هذه الآيات تشير إلى توحيد أفعال الله أيضا.

تقول الآية الأولى من هذه الآيات( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها ) فجعل الحياة والسكن جنبا إلى جنب( فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ ) (١) .

وبمرور الأيّام والليالي ثقل الحمل( فَلَمَّا أَثْقَلَتْ ) كان كل من الزوجين ينتظر الطفل ، ويتمنّى أن يهبه الله ولدا صالحا ، فلذلك( دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ) وعند ما استجاب الله دعاءهما ، ورزقهما الولد الصالح أشركا بالله( فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) .

الجواب على سؤال مهم!

هناك بين المفسّرين كلام في المراد من الزوجين الذين تكلمت عنهما الآيتان الأوليان من الآيات محل البحث هل أنّ المراد من «النفس الواحدة» وزوجها آدم وحواء؟ مع أنّ آدم من الأنبياء وحواء امرأة مؤمنة كريمة ، فكيف ينحرفان عن مسير التوحيد ويسلكان مسير الشرك؟!

وإذا كان المراد من النفس الواحدة غير آدم وتشمل الآية جميع أفراد البشر ، فكيف ينسجم التعبير إذا وقوله تعالى( خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ) ؟!

ثمّ بعد هذا ما المراد من الشرك ، وأي عمل أو تفكير قام به الزوجان فجعلا لله شركاء؟!

__________________

(١) تغشاها فعل يليه ضمير التأنيث وهو غشي ، ومعناه غطّى ، وهذه الجملة كناية لطيفة عن المقاربة الجنسية والمضاجعة.

٣٢٨

وفي الجواب على مثل هذه الأسئلة نقول : يوجد طريقان لتفسير الآيتين هاتين «وما بعدهما» ، ولعل جميع ما قاله المفسّرون على اختلاف آرائهم يرجع إلى هذين الطريقين الأوّل : إنّ المراد من نفس «واحدة». هو الواحد الشخصي كما ورد هذا المعنى في آيات أخرى من القرآن أيضا ، ومنها أوّل آية من سورة النساء.

والتعبير بالنفس الواحدة ـ أساسا ـ جاء في خمسة مواطن في القرآن المجيد ، واحدة منها في الآية ـ محل البحث ـ والأربعة الأخرى هي في سورة النساء (الآية الأولى) وسورة الأنعام ، الآية (٩٨) ، وسورة لقمان ، الآية (٢٨) ، وسورة الزمر ، الآية (٦) ، وبعض هذه الآيات لا علاقة لها ببحثنا هذا ، وبعضها يشبه الآية محل البحث. فبناء على ذلك فالآيات ـ محل البحث ـ تشير إلى آدم وزوجه حوّاء فحسب!

وعلى هذا فالمراد بالشرك ليس هو عبادة غير الله أو الإعتقاد بألوهية غيره ، بل لعل المراد شي آخر من قبيل ميل الإنسان لطفله ، الميل الذي ربّما يجعله غافلا عن الله أحيانا.

والتّفسير الثاني : هو أنّ المراد من النفس الواحدة هو الواحد النوعي ، أي أن الله خلقكم جميعا من نوع واحد كما خلق أزواجكم من جنسكم أيضا.

وبذلك فإنّ الآيتين وما بعدهما من الآيات ـ محل البحث ـ تشير إلى نوع الناس ، فهم يدعون الله وينتظرون الوالد الصالح في كمال الإخلاص لله والانقطاع إليه ، كمن يحدق بهم الخطر فيلتجئوا إلى الله ، ويعاهدون الله على شكره بعد حلّ معضلاتهم. ولكن عند ما يرزقهم الله الولد الصالح ، أو يحلّ مشاكلهم ينسون جميع عهودهم فإنّ كان الولد جميلا قالوا : إنّه اكتسب جماله من أبيه أو أمّه ، وهذا هو قانون الوارثة. وتارة يقولون : إنّ غذاؤه والظروف الصحية تسببت في نموّه وسلامته. وتارة يعتقدون بتأثير الأصنام ويقولون : إنّ ولدنا كان من بركة الأصنام

٣٢٩

وعطائها! وأمثال هذا الكلام وهكذا يهملون التأثير الرّباني بشكل عام ، ويرون العلّة الأصلية هي العوامل الطبيعية أو المعبودات الخرافية(١) .

والقرائن في الآيات ـ محل البحث ـ تدل على أن التّفسير الثّاني أكثر انسجاما وأكثر تفهما لغرض الآية ، لأنّه : أوّلا : إن تعبيرات الآي تحكي عن حال زوجين كانا يعيشان في مجتمع ما من قبل ، ورأيا الأبناء الصالحين وغير الصالحين فيه ، ولهذا طلبا من الله وسألاه أن يرزقهما الولد الصالح. ولو كانت الآيات تتكلم على آدم وحواء فهو خلاف الواقع ، لأنّه لم يكن يؤمئذ ولد صالح وغير صالح حتى يسألا الله الولد الصالح.

ثانيا : الضمائر الواردة في آخر الآية الثّانية والآيات التي تليها ، كلها ضمائر «جمع» ويستفاد من هذا أنّ المراد من ضمير التثنية هو إشارة إلى الفريقين لا إلى الشخصين.

ثالثا : أنّ الآيات التي تلت الآيتين الأوّليين تكشف عن أنّ المقصود بالشرك هو عبادة الأصنام ، لا محبّة الأولاد والغفلة عن الله ، وهذا الأمر لا ينسجم والنّبي آدم وزوجه!

فبملاحظة هذه القرائن يتّضح أنّ الآيات ـ محل البحث ـ تتكلم عن نوع الإنسان وزوجه ليس إلّا.

وكما ذكرنا في الجزء الثّاني من التّفسير الأمثل أن خلق زوج الإنسان من الإنسان ليس معناه أن جزءا من بدنه انفصل عنه وتبدل إلى زوج له يسكن إليه «كما ورد في رواية إسرائيلية أن حواء خلقت من ضلع آدم الأيسر!».

بل المراد أن زوج الإنسان من نوعه وجنسه ، كما نقرأ في الآية (٢١) من

__________________

(١) يرى بعض المفسّرين أن بداية الآية يتعلق بآدم وحواء ، وذيل الآية تتعلق بأبناء آدم وحواء ، وهذا تكلّف ، لأنّه يحتاج إلى حذف وتقدير ، وهو لا ينسجم وظاهر الآية.

٣٣٠

سورة مريم! قوله تعالى :( أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها ) .

رواية مجعولة :

جاء في بعض المصادر الحديثية لأهل السنّة ، وبعض كتب الحديث الشيعية غير المعتبرة ، في تفسير الآيات محل البحث ، حديث لا ينسجم مع العقائد الإسلامية ، ولا يليق بشأن الأنبياء أبدا. وهذا الحديث كما جاء في مسند أحمد هو : أنّ سمرة بن جندب روى عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : لمّا ولدت حواء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد فقال : سميّه : عبد الحارث ، فعاش وكان ذلك من وحي الشّيطان وأمره(١) «الحارث اسم من أسماء الشيطان».

وجاء في بعض الرّوايات الوارد فيها هذا المضمون ذاته أن آدم رضي بهذا الأمر!!

وسواء أكان راوي هذه الرواية سمرة بن جندب ـ الكذاب المشهور ـ أم غيره أمثال كعب الأحبار أو وهب بن منبه اللذين كانا من علماء اليهود ثمّ أسلما ، ويعتقد بعضهم أنّهما أدخلا في الثقافة الإسلامية خرافات التوراة وبني إسرائيل.

ومهما يكن الأمر فالرواية بنفسها خير دليل على فسادها وبطلائها ، لأنّ آدم الذي هو خليفة الله «في أرضه» ونبيّه الكبير ، وكان يعلم الأسماء ، بالرغم من كونه بترك الأولى هبط إلى الأرض ، إلّا أنّه لم يكن إنسانا يختار سبيل الشرك ويسمّي ولده عبد الشيطان ، فهذا الأمر يصدق في مشرك جاهل فحسب لا في آدم والأعجب من ذلك أنّ الحدى أنف الذكر يتضمن معجزة للشيطان أو كرامة له ، إذ بتسميته الولد باسمه عاش الولد خلافا للأبناء الآخرين. وإنّه لمدعاة

__________________

(١) مسند بن حنبل ، وفقا لما وراه تفسير المنار ، ج ٩ ، ص ٥٢٢.

٣٣١

للأسف الشديد أن ينساق كثير من المفسّرين تحت وطأة هذا الحديث المختلق وأضرابه ، فيجعلون مثل هذه الأباطيل تفسيرا للآي. وعلى كل حال ، فإنّ مثل هذا الكلام لما كان مخالفا للقرآن ، ومخالفا للعقل أيضا ، فينبغي أن ينبذ في سلة المهملات.

وتعقيبا على هذا الأمر يردّ القرآن ـ بأسلوب بيّن متين ـ عقيدة المشركين وأفكارهم مرة أخرى ، فيقول :( أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ ) .

وليس هذا فحسب ، فهم ضعاف( وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ ) .

والأوثان والأصنام في حالة لو ناديتموها لما استجابت لكم( وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ ) .

فمن كان بهذه المنزلة وبهذا المستوى أنّى له بهداية الآخرين!

ويحتمل بعض المفسّرين احتمالا آخر في تفسير الآية ، وهو أنّ الضمير «هم» يرجع إلى المشركين لا إلى الأصنام ، أي أنّهم إلى درجة من الإصرار والعناد بحيث لا يسمعونكم ولا يذعنون لكم ولا يسلمون.

كما ويحتمل أنّ المراد هو أنّكم لو طلبتم منهم الهداية ، فلن يتحقق دعاؤكم وطلبكم على كل حال( سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ ) .

وطبقا للاحتمال الثّاني يكون معنى الجملة على النحو التالي : سواء عليكم أطلبتم من الأصنام شيئا ، أو لم تطلبوا ففي الحالين لا أثر لها ، لأنّ لا تقدر على أداء أي شيء أو التأثير في شيء.

يقول الفخر الرازي في تفسيره : إذا المشركين إذا ابتلوا بمشكلة تضرعوا إلى الأصنام ودعوها ، وإذا لم يصبهم أذى أو سوء كانوا يسكتون عنها ، فالقرآن يخاطبهم بالقول( سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ ) .

* * *

٣٣٢

الآيتان

( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٩٤) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ (١٩٥) )

التّفسير

هاتان الآيتان ـ محل البحث ـ تواصلان الكلام على التوحيد ومكافحة الشرك ، وتكملان ما عالجته الآيات السابقة ، فتعدّان كل شرك في العبادة عملا سفيها وبعيدا عن المنطق والعقل!

والتدفيق في مضمون هاتين الآيتين يكشف أنّهما تبطلان منطق المشركين بأربعة أدلة ، والسرّ في كون القرآن يعالج إبطال الشرك باستدلالات مختلفة ، وكل حين يأتي ببرهان مبين ، لأن الشرك ألدّ أعداء الإيمان ، وأكبر عدوّ لسعادة الفرد والمجتمع.

ولما كانت للشرك جذور مختلفة وأفانين متعددة في أفكار البشر ، فإنّ

٣٣٣

القرآن يستغل كل فرصة لقطع جذوره الخبيثة وأفانينه التي تهدد المجتمع الإنساني.

فتقول الآية الأولى من هاتين الآيتين :( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ ) .

فبناء على ذلك لا معنى لأن يسجد الإنسان لشيء مثله ، وأن يمدّ يد الضراعة والحاجة إليه ، وأن يجعل مقدّراته ومصيره تحت يده!

وبتعبير آخر : إنّ مفهوم هذه الآية هو أنّكم ـ أيّها المشركون ـ لو أمعنتم النظر لرأيتم معبوداتكم ذات أجسام وأسيرة المكان والزمان ، وتحكمها قوانين الطبيعة ، وهي محدودة من حيث الحياة والعمر والإمكانات الأخرى. وخلاصة الأمر : ليس لها امتياز عليكم ، وإنّما جعلتم لها امتيازا عليكم بتصوراتكم وتخيلاتكم!

ثمّ إنّ كلمة «عباد» جمع «عبد» ويطلق هذا اللفظ على الموجود الحي ، مع أن الآية استعملته في الأصنام ، فكانت لذلك تفاسير متعددة التّفسير الأوّل : أنّه من المحتمل أن تشير الآية إلى المعبودين من جنس الإنسان أو المخلوقات الأخرى ، كالمسيح إذ عبده النصارى ، والملائكة إذ عبدتها جماعة من المشركين العرب.

والتّفسير الثاني : أنّ الآية تنزلت وحكت ما توهمه المشركين في الأصنام بأنّ لها القدرة ، فكانوا يكلمونها ويتضرعون إليها ، فالآية ـ محل البحث ـ تخاطبهم بأنّه على فرض أنّ للأصنام عقلا وشعورا ، فهي لا تعدو أن تكون عبادا أمثالكم.

التّفسير الثّالث : أنّ العبد في اللغة يطلق أحيانا على الموجود الذي يرزح تحت نيز الآخر ويخضع له ، حتى لو لم يكن له عقل وشعور ، ومن هذا القبيل أنّ العرب يطلقون على الطريق المطرّق بالذهاب والإياب أنّه «معبّد».

٣٣٤

ثمّ تضيف الآية : أنّكم لو تزعمون بأنّ لهم عقلا وشعورا( فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) .

وهذا هو الدليل الثّاني على إبطال منطق المشركين ، وهو كون الأصنام لا تستطيع أن تعمل شيئا ، وهي ساكتة عاجزة عن الإجابة والردّ وفي البيان الثّالث تبرهن الآية على أنّ الأصنام أضعف حتى من عبادها المشركين ، فتساءل مستنكرة :( أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ ) (١) ( بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها ) .

وهكذا فإنّ الأصنام من الضعة بمكان حتى أنّها بحاجة إلى من يدافع عنها ويحامي عنها ، فليس لها أعين تبصر بها ، ولا آذان تسمع بها ، ولا أرجل تمشي بها ، ولا أي إحساس آخر. وأخيرا فإنّ الآية تبيّن ضمن تعبير هو في حكم الدليل الرّابع مخاطبة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائلة :( قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ ) .

أي إذا كنت كاذبا ، وأنّ الأصنام مقربات عند الله ، وقد تجرأت عليها فلم لا تعضب عليّ؟ وليس لها ولا لكم ولمكائدكم أي تأثير علي. فبناء على ذلك فاعلموا أنّ هذه الأصنام موجودات غير مؤثرة ، وإنّما تصوراتكم هي التي أضفت عليها ذلك التوهّم!.

* * *

__________________

(١) يبطشون فعل مشتق من «البطش» على زنة «العرش» ومعناه الاستيلاء بالشدّة والصولة والقدرة!

٣٣٥

الآيات

( إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (١٩٦) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (١٩٧) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (١٩٨) )

التّفسير

المعبودات التي لا قيمة لها :

تعقيبا على الآية المتقدمة التي كانت تخاطب المشركين بالقول (على لسان النّبي) :( ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ ) منبهة إياهم أنّهم لا يستطيعون أن يصيبوا النّبي بأدنى ضرر ، فإنّ الآية الأولى ـ من الآيات ـ محل البحث ـ تذكر الدليل على ذلك فتقول :( إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ ) .

وليس وليي وحدي فحسب ، بل هو ولي جميع الصالحين( وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ) .

ثمّ يؤكّد القرآن بالآية التّالية على بطلان عبادة الأوثان مرّة أخرى فيقول :( وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ ) .

٣٣٦

بل أبعد من ذلك( وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا ) وبالغرم من العيون المصنوعة لهم التي يخيل إلى الرائي أنّها تنظر :( وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ ) .

وكما أشرنا سابقا أيضا ، فالآية ـ محل البحث ـ يحتمل أن تشير إلى الأصنام كما يحتمل أن تشير إلى المشركين. ففي الصورة الأولى مفهومها ـ كما قدمنا بيانه ـ أمّا في الصورة الثّانية فيكون مفهومها : أنّه لو دعا المسلمون هؤلاء المشركين المعاندين إلى طريق التوحيد الصحيح ما قبلوا ذلك منهم ، وهم ينظرون إليك ويرون دلائل الصدق والحق فيك ، إلّا أنّهم لا يبصرون الحقائق!

ومضمون الآيتين الأخيرتين ورد في الآيات السابقة أيضا ، وهذا التكرار إنّما هو لمزيد التأكيد على مكافحة الشرك وقلع جذوره التي نفذت في أفكار المشركين وأرواحهم عن طريق التلقين والتقرير المتكرر.

* * *

٣٣٧

الآيات

( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (١٩٩) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٠٠) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (٢٠١) وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ (٢٠٢) وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٢٠٣) )

التّفسير

وساوس الشّيطان :

في هذه الآيات يبيّن القرآن شروط التبليغ وقيادة الناس وإمامتهم بأسلوب أخّاذ رائق وجيز ، وهي في الوقت ذاته تتناسب والآيات المتقدمة التي كانت تشير إلى مسألة تبليغ المشركين أيضا.

ففي الآية الأولى ـ من الآيات محل البحث ـ إشارة إلى ثلاث من وظائف القادة والمبلغين ، فتوجه الخطاب للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتقول في البداية( خُذِ الْعَفْوَ ) .

٣٣٨

العفو : قد يأتي بمعنى الزيادة في الشيء أحيانا ، كما قد يأتي بمعنى الحدّ الوسط ، كما يأتي بمعنى قبول العذر والصفح عن المخطئين والمسيئين ، وتأتي أحيانا بمعنى استسهال الأمور.

والقرائن الموجودة في الآية تدلّ على أنّ الآية محل البحث لا علاقة لها بالمسائل المالية وأخذ المقدار الإضافي من أموال الناس ، كما ذهب إليه بعض المفسّرين ، بل مفهومها المناسب هو استسهال الأمور ، والصفح ، واختيار الحدّ الوسط(١) .

ومن البديهي أنّه لو كان القائد أو المبلغ شخصا فظا صعبا ، فإنّه سيفقد نفوذه في قلوب الناس ويتفرقون عنه ، كما قال القرآن الكريم :( وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) (٢) .

ثمّ تعقيب الآية بذكر الوظيفة الثّانية للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتأمره بأن يرشد الناس إلى حميد الأفعال التي يرتضيها العقل ويدعو إليها اللهعزوجل قائلة :( وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ ) .

وهي تشير إلى أنّ ترك الشدّة لا يعني المجاملة ، بل هو أن يقول القائد أو المبلغ الحق ، ويدعو الناس إلى الحق ولا يخفي شيئا.

أمّا الوظيفة الثّالثة للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهي أن يتحمل الجاهلين ، فتقول :( وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ ) .

فالقادة والمبلغون يواجهون في مسيرهم أفرادا متعصّبين جهلة يعانون من انحطاط فكري وثقافي وغير متخلقين بالأخلاق الكريمة ، فيرشقونهم بالتهم ، ويسيئون الظن بهم ويحاربونهم.

فطريق معالجة هذه المعضلة لا يكون بمواجهة المشركين بالمثل ، بل

__________________

(١) لمزيد من التوضيح يراجع الجزء الثّاني من التّفسير الأمثل في هذا الصدد.

(٢) آل عمران ، ١٥٩.

٣٣٩

الطريق السليم هو التحمل والجلد وعدم الاكثرات بمثل هذه الأمور. والتجربة خير دليل على أنّ هذا الأسلوب هو الأسلوب الأمثل لمعالجة الجهلة ، وإطفاء النائرة ، والقضاء على الحسد والتعصب ، وما إلى ذلك.

وفي الآية التّالية دستور آخر ، وهو في الحقيقة يمثل الوظيفة الرّابعة التي ينبغي على القادة والمبلغين أن يتحملوها ، وهي أن لا يدعوا سبيلا للشيطان إليهم ، سواء كان متمثلا بالمال أم الجاه أم المقام وما إلى ذلك ، وأن يردعوا الشياطين أو المتشيطنين ووساوسهم ، لئلا ينحرفوا عن أهدافهم.

فالقرآن يقول :( وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (١) .

أجمع آية أخلاقية :

روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : «لا آية في القرآن أجمع في «المسائل» الأخلاقية من هذه الآية»(٢) «أي الآية الأولى من الآيات محل البحث».

قال بعض الحكماء في تفسير هذا الحديث : إنّ أصول الفضائل الأخلاقية وفقا لأصول القوي الإنسانية «العقل» و «الغضب» و «الشّهوة» تتلخص في ثلاثة أقسام :

١ ـ الفضائل العقلية : وتدعى بالحكمة ، وتتلخص بقوله تعالى :( وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ ) .

٢ ـ والفضائل النّفسية في مواجهة الطغيان والشهوة ، وتدعى بالعفة ، وتتلخص بـ «خذ العفو».

٣ ـ والتسلط على القوة الغضبية ، وتدعى بالشجاعة ، وتتلخص في قوله

__________________

(١) ينزغ مأخوذ من مادة «النزغ» على زنة «النزع» ومعناه الدخول في الأمر لإفساده أو الإثارة ضده!

(٢) مجمع البيان ، ذيل الآية.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606