الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٥

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل9%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 606

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 606 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 245238 / تحميل: 6211
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٥

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

بحوث

١ ـ الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأمي

صحيح أن القراءة والكتابة تعدّان ـ لكل إنسان ـ كمالا إلّا أنّه يتفق أحيانا ـ وفي ظروف معينة ـ أن يكون من الكمال في عدم القراءة والكتابة ويصدق هذا الموضوع في شأن الأنبياء ، وخاصة في نبوّة خاتم الأنبياء «محمّد»صلى‌الله‌عليه‌وآله .

إذ يمكن أن يوجد عالم قدير وفيلسوف مطّلع ، فيدّعي النبوّة ويظهر كتابا عنده على أنّه من السماء ، ففي مثل هذه الظروف قد تثار الشكوك والاحتمالات أو الوساوس في أنّ هذا الكتاب ـ أو هذا الدين ـ هو من عنده لا من السماء!.

إلّا أنّنا إذا رأينا إنسانا ينهض من بين أمّة متخلفة ، ولم يتعلم على يد أي أستاذ ، ولم يقرأ كتابا ولم يكتب ورقة ـ فيأتي بكتاب عظيم عظمة عالم الوجود ، بمحتوى عال جدا فهنا يمكن معرفة أن هذا الكتاب ليس من نسج فكره وعقله ، بل هو وحي السماء وتعليم إلهي ، ويدرك هذا بصورة جيدة!.

كما أنّ هناك تأكيدا على أمية النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في آيات القرآن الأخرى ، وكما أشرنا آنفا في الآية (١٥٧) من سورة الأعراف إلى أن هناك ثلاثة تفاسير لمعنى «الأميّ» ، وأوضحها وأحسنها هو أنّه من لا يقرأ ولا يكتب.

ولم يكن في محيط الحجاز وبيئته ـ أساسا ـ درس ليقرأ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا معلم ليحضر عنده ويستفيد منه ، وقلنا : إنّ عدد المثقفين الذين كانوا يقرءون ويكتبون في مكّة لم يتجاوز سبعة عشر نفرا فحسب ، ويقال أن من النساء كانت امرأة واحدة تجيد القراءة والكتابة(١) .

وطبيعي في مثل هذا المحيط الذي تندر فيه أدنى مرحلة للعلم وهي القراءة والكتابة ، لا يوجد شخص يعرف القراءة والكتابة ولا يعرف عنه الناس شيئا وإذا ظهر مدع وقال ـ بضرس قاطع ـ إنّني لم أقرأ ولم أكتب ، لم ينكر عليه أحد

__________________

(١) فتوح البلدان للبلاذري طبع مصر ، ص ٤٥٩.

٤٢١

دعاءه ، فيكون عدم الإنكار دليلا جليّا على صدق مدّعاه ، وعلى كل حال فإنّ هذه الكيفية الخاصة للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله التي نوهت عنها الآيات المتقدمة ، إنّما هي لإكمال إعجاز القرآن ، ولقطع السبيل أمام حجج المتذرعين بالأباطيل الواهية ، وفيها تأثير بالغ ونافع جدّا.

أجل ، إنّه عالم منقطع النظير ، لكنّه لم يدرس في مدرسة ، بل تعلّم من وحي السماء!.

تبقى هناك ذريعة واحدة يحتج بها المتذرعون ، وهي أنّ النّبي سافر إلى الشام مرّة أو مرتين «لفترة وجيزة ولغرض التجارة» قبل نبوته ، فيقولون : ربّما اتصل في بعض هاتين السفرتين بعلماء أهل الكتاب وتعلّم منهم هذه المسائل!.

والدليل على ضعف هذا الادّعاء منطو في نفسه ، فكيف يمكن أن يسمع إنسان جميع هذه الدروس وتواريخ الأنبياء والأحكام والمعارف الجليلة ، وهو لم يمض إلى مدرسة ولم يقرأ شيئا ، فيحفظ كل ذلك بهذه السرعة ، ويودعه في ذهنه ، ثمّ يبيّنه ويفصله خلال مدّة ثلاث وعشرين سنة؟! وأن يبدي موقفا مناسبا للحوادث غير المتوقعة والتي لم يسبق لها مثيل.

وهذا يشبه تماما أن نقول مثلا : إنّ فلانا تعلم قائمة العلوم والفنون الطبية كلّها في عدّة أيّام ، وأنّه كان مشرفا على معالجة المرضى في المستشفى الفلاني ، ومستشارا للأطباء ، هذا كلام أقرب إلى المزاح والهزل منه إلى الجد.

وينبغي الالتفات إلى هذه المسألة ، هي أن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد أن بلغ مرحلة النبوّة ، يحتمل أن يكون قادرا على القراءة والكتابة ، حينئذ وذلك بواسطة التعليم الالهي وإن لم يرد في التواريخ أنّه استفاد من هذه الطريقة! ولم يقرأ شيئا بنفسه أو يكتب شيئا بيده ، ولعل النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تجنب كل ذلك في طول عمره لئلا يتذرع المتذرعون فيثيروا الشكوك بنبوّته! الشيء الوحيد الذي جاء في كتب التأريخ أن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كتبه بنفسه ، هو صلح الحديبية الذي جاء في مسند أحمد أن «النّبي أمسك القلم

٤٢٢

بيده وكتب معاهدة الصلح»(١) .

إلّا أنّ جماعة من علماء الإسلام أنكروا هذا الحديث ، وقالوا : إنّ هذا مخالف لصريح الآيات ، وإن اعتقد البعض بأنّه ليس في الآيات صراحة ، لأنّ الآيات ناظرة لحال النّبي قبل بعثته ، فما يمنع أن يكتب النّبي على وجه الاستثناء بعد أن نال مقام النبوّة في مورد واحد ويكون ذلك بنفسه معجزة أخرى من معاجزه!.

إلّا أن الاعتماد في مثل هذه المسألة على خبر الواحد مجانب للحزم والاحتياط ، ومخالف لما ثبتت في علم الأصول حتى لو قلنا أنّ هذا الخبر لا اشكال فيه.(٢)

٢ ـ طريق النفوذ في الآخرين

لا يكفي الاستدلال القوي المتين للنفوذ إلى قلوب الآخرين واكتسابهم بالكلام الحق ، فانّ أسلوب التعامل مع الطرف الآخر وطريقة البحث والمناظرة تترك أعمق الأثر في هذه المرحلة فكثيرا ما يتفق أن يوجد أناس مطّلعون ولهم يد طولى في البحوث العلمية الدقيقة ، إلّا أنّهم قلّما يوفقون للنفوذ إلى قلوب الآخرين ، بسبب عدم معرفتهم بكيفية المجادلة بالتي هي أحسن ، وعدم معرفتهم بالبحوث البنّاءة!.

وبتعبير آخر فإنّ النفوذ الى مرحلة الوعي ـ في المخاطب ـ غير كاف وحده ، بل ينبغي الدخول إلى مرحلة عدم الوعي الذي يمثل القسم الأكبر لروح الإنسان أيضا.

ويستفاد من مطالعة أحوال الأنبياء ، ولا سيما حال النّبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وأئمّة الهدىعليهم‌السلام ـ بصورة جيدة أن هؤلاء العظام سلكوا أحسن سبل الأخلاق

__________________

(١) مسند أحمد ، ج ٤ ، ص ٢٩٨.

(٢) ورد في صدد «النّبي الأمي» شرح مفصل آخر ذيل الآية (١٥٧) من سورة الأعراف.

٤٢٣

الاجتماعية وأسس المعارف النفسية والإنسانية ، لأجل تحقيق أهدافهم التبليغية والتربوية!.

وكانت طريقة تعاملهم مع الناس أن يكتسبوهم إليهم بشكل سريع فينجذبوا إليهم ، وإن كان بعض الناس يميل إلى أن يضفي على مثل هذه الأمور ثوب الإعجاز دائما ، إلّا أنّه ليس كذلك ، فلو اتبعنا سنتهم وطريقتهم لاستطعنا بسرعة أن نترك في الناس عظيم الأثر ، وأن ننفذ إلى أعماق قلوبهم.

والقرآن يخاطب نبيّ الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله بصراحة فيقول :( وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) (١) أو كثيرا ما يرى أنّ بعضهم بعد ساعات من الجدال والمناظرة ، لا أنه لا يحصل على تقدم في مناقشاته فحسب ، بل على العكس يجعل الطرف الآخر متعصبا ومتشددا في عقيدته الباطلة بصورة أكثر وذلك دليل على أنّه لم يتبع أسلوب المجادلة بالتي هي أحسن.

فالخشونة في البحث ، وطلب الاستعلاء ، وتحقير الطرف المقابل ، وإظهار التكبر والغرور ، وعدم احترام أفكار الآخرين ، وعدم الجدية في المناقشات والبحوث ، كلها من الأمور التي تبعث على انهزام الإنسان في بحثه ، وعدم انتصاره على الطرف الآخر. لذلك فإنّنا نرى في مباحث الأخلاق الإسلامية بحثا تحت عنوان «تحريم الجدال والمراء» والمراد منه الأبحاث التي لا يطلب من ورائها الحق ، بل المراد منها الاستعلاء وإبراز العضلات لا غير!.

وتحريم الجدال والمراء ـ بالإضافة إلى الجوانب المعنوية والأخلاقية ـ إنّما هو لأنّه لا يحصل من ورائهما على نتيجة فكرية ملحوظة.

والجدال والمراء في حرمتهما متقاربان ، إلّا أن العلماء من المسلمين جعلوا فرقا بين كلّ منهما «فالمراء» معناه إظهار الفضل والكمال ، «والجدال» يراد منه تحقير الطرف المقابل!.

__________________

(١) آل عمران ـ الآية ١٥٩.

٤٢٤

وقالوا : إنّ الجدال هي المراحل الهجومية الأولى في البحث وأمّا المراء فيراد منه الصدّ الدفاعي في الكلام.

كما أنّ هناك قولا بأن الجدال في المسائل العلمية ، أمّا المراء فهو في الأعم منها «وبالطبع فإنه لا تضادّ بين هذه التفاسير جميعا».

وعلى كل حال ، فإنّ الجدال أو البحث مع الآخرين ، تارة يقع بالتي هي أحسن ، وذلك ما بيّناه بالشرائط المتقدمة آنفا ، وينبغي رعايتها بدقّة. وتارة يكون بغير الأحسن ، وذلك في ما لو أهملت الأمور التي ذكرناها في مستهل كلامنا على الجدال ، وجعلت في طيّ النسيان.

ونختتم هذا الكلام بعدة روايات بليغة ونافعة لنتعلم منها :

ففي حديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «لا يستكمل عبد حقيقة الإيمان حتى يدع المراء وإن كان محقا»(١) .

ونقرأ في حديث آخر أن سليمان النّبيعليه‌السلام قال لولده «يا بني إيّاك والمراء ، فإنّه ليست فيه منفعة ، وهو يهيج بين الأخوان العداوة»(٢) .

٣ ـ الكافرون والظالمون

نواجه في الآيات المتقدمة آنفا هذا التعبير( وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الْكافِرُونَ ) ومرّة أخرى نواجه المضمون ذاته مع شيء من التفاوت فبدلا من كلمة «الكافرون» جاءت كلمة «الظالمون»( وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ ) .

والموازنة بين التعبيرين تدلّ على أن المسألة ليست من قبيل التكرار ، بل هي لبيان موضوعين ، أحدهما يشير إلى جانب عقائدي «الكافرون» والآخر يشير إلى جانب عملي «الظالمون».

__________________

(١) سفينة البحار مادة مرأ.

(٢) إحياء العلوم.

٤٢٥

فالآية الأولى تقول : إنّ الذين اختاروا الشرك والكفر بأحكامهم المسبّقة الباطلة وتقليدهم الأعمى لأسلافهم ، لا يرون آية من آيات الله إلّا أنكروها وإن تقبلتها عقولهم»!

أمّا التعبير الثّاني فيقول : إنّ الذين اختاروا بظلمهم أنفسهم ومجتمعهم طريقا يرون فيه منافعهم الشخصية ، وعزموا على الاستمرار في هذه الطريق ، لا يذعنون لآياتنا. لأنّ آياتنا كما أنّها لا تنسجم مع خطهم الفكري ، فهي لا تنسجم مع خطهم العملي أيضا.

* * *

٤٢٦

الآيات

( وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥١) قُلْ كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٥٢) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٥٣) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (٥٤) يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٥٥) )

التّفسير

أليس القرآن كافيا في إعجازه؟!

الأشخاص الذين لم يذعنوا ويسلّموا للبيان الاستدلالي والمنطقي الذي جاء به القرآن بسبب عنادهم وإصرارهم على الباطل ، ولم يقبلوا بكتاب كالقرآن

٤٢٧

الذي جاء به إنسان أمي كالنّبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله دليلا جليّا على حقانية دعوته تذرعوا بحجّة أخرى على سبيل الاستهزاء والسخرية ، وهي أنّه لم لا تأت ـ يا محمّد ـ بمعجزة من المعاجز التي جاء بها موسى وعيسى( وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ ) .

ولم لم يكن لديه مثل عصى موسى ويده البيضاء ونفخة المسيح؟!

ولم لا يهلك أعداءه بمعاجزه ، كما فعل موسى وشعيب وهود ونوح بأممهم المعاندين؟!.

أو كما يعبر على لسانهم القرآن في الآيات ٩٠ ـ ٩٣ من سورة الإسراء( وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً ، أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً ، أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً ، أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً ) .

ومن دون شك فإنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كانت لديه معاجز غير القرآن الكريم ، كما أن التواريخ تصرح بذلك أيضا إلّا أن أولئك لم يكن قصدهم من وراء كلامهم الحصول على معجزة ، بل كان قصدهم ـ من جهة ـ أن لا يعتبروا القرآن شيئا مهما وكتابا إعجازيا ، ومن جهة أخرى كانوا يريدون معجزات مقترحة «والمراد من المعجزات المقترحة هو أن يأتي النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله طبقا لرغبات هذا وذاك بمعاجز خارقة للعادة يقترحونها عليه ، فمثلا يريد منه بعضهم أن يفجّر له الأرض ينابيع من الماء الزلال ، ويريد الآخر منه أن يقلب له الجبال التي في مكّة ذهبا ، ويتذرع الثّالث بأن هذا لا يكفي أيضا بل ينبغي أن يصعد إلى السماء ، وهكذا يجعلون المعجزة على شكل ألعوبة لا قيمة لها ، وآخر الأمر وبعد رؤية كل هذه الأمور يتهمونه بأنه ساحر».

٤٢٨

لذلك فإن القرآن يقول في الآية (١١١) من سورة الأنعام( وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا ) .

وعلى كل حال فإنّ القرآن ، للرد على ذرائع هؤلاء المحتالين ذوي الحجج الواهية ، يدخل من طريقين :

فيقول أوّلا في خطابه لنبيه( قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ ) أي قل لأولئك المعاندين أن الله يدري أية معجزة تناسب أي زمان وأي قوم ، وهو يعلم أي الأفراد هم أتباع الحق ، وينبغي أن يريهم المعاجز الخارقة للعادة ، وأي الأفراد المتذرعون وأتباع هوى النفس؟!

ثمّ يضيف القرآن معقبا أن قل( وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ ) فمسؤوليتي الإنذار ـ فحسب ـ والإبلاغ وبيان كلام الله ، أمّا المعاجز والأمور الخارقة للعادة فهي بأمر الله.

والجواب الآخر هو قوله تعالى :( أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ ) .

فهم يطلبون معاجز مادية «جسمانية» ، والقرآن بحد ذاته أعظم معجزة معنوية

وهم يريدون معجزة عابرة لا تمكث طويلا ، في حين أن القرآن معجزة خالدة تتلى آياته ليل نهار عليهم وعلى الأجيال من بعدهم.

ترى هل يعقل أن يأتي إنسان أمي وحتى لو كان يقرأ ويكتب فرضا بكتاب بهذا المحتوى العظيم والجاذبية العجيبة ، التي هي فوق قدرة الإنسان والبشر ، ثمّ يدعوا أهل العلم متحديا لهم للإتيان بمثله فيعجزون عن الإتيان بمثله؟!

فلو كانوا حقا طلاب معجزة ، فقد آتيناهم بنزول القرآن أكثر ممّا طلبوه إلّا أنّهم لم يكونوا طلاب معجزة ، بل هم متذرعون بالأباطيل!.

وينبغي الالتفات إلى أن التعبير( أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ ) إنّما يستعمل ـ غالبا ـ في

٤٢٩

موارد يكون الإنسان قد أدّى عملا فوق ما ينتظره الطرف الآخر ، وهو غافل عنه أو يتغافل عنه ، كأن يقول مثلا : لم أحصل على الخدمة الفلانيّة ، في حين أن الخدمة التي قدمت إليه ـ كما في هذه الحال ـ أكبر خدمة ، إلّا أنّه لا يعتبرها شيئا ، ونقول له : أو لم يكفك ما قدمناه؟!

ثمّ بعد هذا كله ينبغي أن تكون المعجزة منسجمة مع ظروف «الزمان والمكان وكيفية دعوة النّبي» فالنّبي الذي يدعوا إلى مبدأ خالد ، ينبغي أن تكون معجزته خالدة أيضا.

والنّبي الذي تستوعب دعوته العالم وتستوعب القرون والأعصار المقبلة ، لا بدّ له من أن يأتي بمعجزة نيّرة «روحية وعقلانية» ليجلب إليه أفكار جميع العلماء والمفكرين ، ومن المسلّم به أن مثل هذا الهدف يتناسب مع القرآن ، لا عصى موسى ولا يده البيضاء.

وفي نهاية الآية يضيف القرآن للتأكيد والتوضيح بصورة أجلى ، فيقول :( إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) .

«ذلك» هنا إشارة إلى الكتاب المنزل من السماء ، وهو القرآن.

أجل ، إن القرآن رحمة «وسيلة» للذكرى والتذكر أيضا ، فهو للمؤمنين الذين فتحوا قلوبهم بوجه الحقيقة ، والذين يبتغون النور والطريق السويّ هو لهم رحمة إلهية يحسونها بكل وجودهم ، ويشعرون بالاطمئنان والدعة عنده وكلّما قرءوا آياته تذكروا ، فهي لهم ذكرى وأية ذكرى؟!

ولعل الفرق بين «الرحمة» و «الذكرى» أنّ القرآن ليس معجزة وذكرى فحسب ، بل هو إضافة إلى كل ذلك يحتوي على القوانين التي تمنح الرحمة والمناهج التربوية والإنسانية.

فمثلا كانت عصى موسى معجزة فحسب ، إلّا أنّها لم يكن لها أثر في حياة الناس اليومية ، غير أن القرآن معجزة ، هو في الوقت ذاته منهج كامل الحياة ورحمة أيضا.

٤٣٠

أيضا.

ولمّا كان كل مدع بحاجة إلى الشاهد ، فالقرآن يبيّن في الآية الأخرى أن خير شاهد هو الله( قُلْ كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً ) .

وبديهي أنّه كلّما كان اطلاع الشاهد وشهادته أكثر ، فإنّ قيمة الشهادة تكون أهم ، لذلك يضيف القرآن بعدئذ قائلا :( يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) .

والآن لنعرف كيف شهد الله على حقانية نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟!

يحتمل أن تكون هذه الشهادة شهادة عملية ، لأنّه حين يؤتي الله نبيّه معجزة كبرى كالقرآن ، فقد وقع على سند حقانيته وأمضاه.

ترى هل يمكن أن يأتي الله الحكيم العادل بمعجزة على يد كذّاب ، والعياذ بالله! فعلى هذا كانت طريقة إعطاء المعجزة لشخص النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ بنفسها ـ أعظم شهادة على نبوته من قبل الله.

وإضافة للشهادة العملية المتقدمة ، نقرأ في آيات كثيرة من القرآن شهادة قولية في نبوة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما في الآية (٤٠) من سورة الأحزاب( ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ ) ، وفي الآية (٢٩) من سورة الفتح أيضا( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ )

قال بعض المفسّرين : إنّ هذه الآية كانت جوابا على ما قاله بعض رؤوساء اليهود من أهل المدينة ، أمثال «كعب بن الأشرف» وأتباعه ، إذ قالوا : يا محمّد ، من يشهد على أنّك مرسل من قبل الله ، فنزلت هذه الآية( قُلْ كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً ) !

كما يمكن أن تفسّر الآية المتقدمة بتفسير آخر وبيان ثان ، وذلك أنّ المراد من شهادة الله في الآية هي ما سبق من الوعد والذكر في كتب الله السابقة «كالتّوراة والإنجيل» ويعلم بذلك علماء أهل الكتاب بصورة جيدة!.

وفي الوقت ذاته لا منافاة بين التّفسيرات الثلاثة الآنفة الذكر ، ومن الممكن

٤٣١

أن تجتمع هذه التفاسير في معنى الآية أيضا.

وتختتم الآية بنحو من الوعيد والتهديد لأولئك الكفار بالله ، فيقول :( وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ ) .

وأي خسران أعظم من أن يعطي الإنسان جميع وجوده في سبيل لا شيء؟! كما فعله المشركون ، فقد أعطوا قلوبهم وأرواحهم للأوثان والأصنام ووظّفوا جميع قواهم الجسمانية والإمكانات الاجتماعية والفردية في سبيل الإعلام والتبليغ لمذهبهم الوثني وأهملوا ذكر الله ، فلم يعد عليهم هذا إلّا بالضرر والخسران!.

وغالبا ما يشير القرآن إلى هذا الخسران في آياته ، وفي بعض الآيات يرد التعبير بكلمة «أخسر» وهي إشارة إلى أنّه ليس فوق هذا الخسران من خسارة ولا أعظم منه! (راجع آيات السور «هود ٢٢ والنمل ٥ والكهف ١٠٣»).

والمثل الأهمّ هو أنّه قد يتفق للإنسان أحيانا أن يتضرر في معاملته ويخسر رأس ماله ويغلب على أمره ، وقد تتسع هذه الدائرة أحيانا فيقل كاهله بالديون ، وهذه الحالة أسوأ الحالات والمشركون هم في مثل هذه الحالة ، بل قد يكونون سببا لضلال الآخرين وخسرانهم ، وكما يصطلح عليه : «الفشل سلسلة متصلة»(١) .

في الآيات المتقدمة عرض قسمان من ذرائع الكفار قبال دعوة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد أجيب عنهما :

الأوّل : كان قولهم : لم لا يأتي بمعجزة؟!

فأجاب القرآن : إن هذا الكتاب المنزل من السماء هو أعظم معجزة.

والثّاني : سؤالهم : من الشاهد على صدق دعواك وحقانية النبوة عندك؟

فأجاب القرآن : كفى بالله شهيدا بيني وبينكم يعلم ما في السماوات

__________________

(١) لنا في هذا الصدد بحث مفصل بيناه في ذيل الآية (١٠٣) من سورة الكهف.

٤٣٢

والأرض.

أمّا في الآية التالية فإشارة إلى الذريعة الثّالثة إذ تقول :( وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ ) إذ يقولون : لو كان عذاب الله حقا على الكافرين فلم لا يأتينا!؟

فيجيب القرآن على هذه الذريعة بثلاثة أجوبة.

الأوّل :( وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ ) .

وهذا الزمان المعين «الأجل» إنّما هو لهدف أصلي ، للارعواء عن باطلهم وتيقظهم ، أو إتمام الحجة عليهم ، فالله لا يستعجل أبدا في أمره ، لأنّ العجلة خلاف حكمته.

والثّاني : إن أولئك الذين يتذرعون بهذا القول ما يدريهم لعل العذاب يأخذهم على حين غرة من أنفسهم( وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) (١) .

وبالرغم من أن موعد العذاب ـ في الواقع ـ معين ومقرّر إلّا أن المصلحة تقتضي ألّا يطّلعوا عليه ، وأن يأتيهم دون مقدمات ، لأنّه لو عرف وقته لكان باعثا على تجرؤ الكفار والمذنبين وجسارتهم وكانوا يواصلون الذنب والكفر إلى آخر لحظة وحين يأزف الوعد بالعذاب فإنهم سيتجهون بالتوبة ـ جميعا ـ الى الله وينيبون إليه.

والحكمة التربوية لمثل هذا العقاب تقتضي أن يكتم موعده ، لتكون كل لحظة ذات أثر بنفسها ، ويكون الخوف والاستيحاش منها عاملا على الردع ، ويتّضح ممّا قلناه ـ ضمنا ـ أنّ المراد من جملة( وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) لا تعني أنّهم لا يدركون أصل وجود العذاب. وإلّا فإنّ فلسفة العذاب والحكمة منه لا يكون لها أثر ، بل المراد أنّهم لا يعرفون اللحظة التي ينزل فيها العذاب ولا مقدماته ، وبتعبير آخر : إنّ العذاب ينزل عليهم كالصاعقة وهم غافلون.

ويظهر من آيات متعددة من القرآن أن التذرع بالحجج الواهية لم يكن

__________________

(١) «البغتة» مشتقة من «البغت» على زنة «وقت» ومعناه التحقق المفاجئ وغير المنتظر لأمر.

٤٣٣

منحصرا بأهل مكّة ، بل كثير من الأمم السابقين يلتجئون إلى مثل هذه الذريعة ، ويصرون على تعجيل العقوبة والعذاب!.

وأخيرا فإنّ الجواب القرآني الثّالث يتبيّن في الآية إذ يقول :( يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ ) .

فإذا تأخر عنهم عذاب الدنيا ، فإن عذاب الآخرة واقع لا محالة ، ومحيط بهم تماما وسيصيبهم حتما بحيث أنّ القرآن يذكره بصورة أمر فعليّ (وكأن جهنّم الآن محيطة بهم).

ويوجد تفسير آخر أكثر دقّة لهذه الآية ، وهو أنّ جهنم محيطة ، الآن فعلا بالكافرين ، من جهتين ـ بالمعنى الواقعي للكلمة.

الجهة الأولى : إنّها جهنم الدنيا ، إذ هم على أثر شركهم وتلوثهم بالذنب يحترقون بجهنم التي أعدّوها لأنفسهم ، جهنم الحرب وسفك الدماء ، جهنم النزاع والشقاق والاختلافات ، جهنم القلق والفزع ، جهنم الظلم ، وجهنم الهوى والهوس والعناد.

والجهة الثّانية : طبقا لظاهر الآيات في القرآن فإنّ جهنم موجودة فعلا ، وكما تقدم سابقا فإنّ جهنّم موجودة في باطن الدنيا ، وبهذا فهي محيطة بهم على نحو الحقيقة وفي سورة التكاثر إشارة لها أيضا( كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ ) الآيات ٥ ـ ٧ من سورة التكاثر(١) .

ثمّ يضيف القرآن( يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) (٢) .

يمكن أن تكون هذه الآية توضيحا لإحاطة عذاب جهنّم في يوم القيامة بالكفار ، ويمكن أن تكون بيانا مستقلا لذلك العذاب الأليم لهم الذي يحيط بهم

__________________

(١) لمزيد الإيضاح يراجع ـ في هذا الصدد تفسير الآية (١٢٣) من سورة آل عمران.

(٢) يرى بعض المفسّرين أن كلمة «يوم» متعلقة بفعل محذوف مقدر ، وقال بعضهم : هو متعلق بـ «محيطة».

٤٣٤

اليوم على أثر أعمالهم ، وفي غد يتجلى هذا العذاب بوضوح ويكون محسوسا ظاهرا.

وعلى كل حال فذكره لإحاطة العذاب( مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ) وعدم ذكره لبقية الجهات ـ في الحقيقة ـ هو لوضوح المطلب ، وإضافة إلى ذلك فإن نار العذاب إذا امتدت ألسنتها من تحت الأرجل ونزلت على الرؤوس ، فإنها تحيط بجميع البدن أيضا وتغشى جميع أطرافه وجوانبه.

وأساسا فإنّ هذا التعبير مستعمل في اللغة العربية ، إذ يقال مثلا : إن فلانا غارق من قرنه إلى قدمه في مستنقع الفسق وعدم العفة ، أى إن جميع وجوده غارق في هذا الذنب ، وبهذا يرتفع الإشكال عند المفسّرين في ذكر القرآن للجهة العليا «من فوقهم» والجهة السفلى «من تحتهم» والسكوت عن الجهات الأربع الأخرى ، ويتّضح المراد منه بالتقرير الذي بيّناه!

أمّا جملة( ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) التي يظهر أن قائلها هو الله تعالى ، فهي بالإضافة إلى أنّها نوع من العقوبة النفسية لمثل هؤلاء الأشخاص ، فهي كاشفة عن هذه الحقيقة ، وهي أن عذاب الله ليس إلّا انعكاسا للأعمال التي يقوم بها الإنسان نفسه في النشأة الآخرة!.

* * *

ملاحظات

١ ـ دلائل إعجاز القرآن :

لا شك أنّ القرآن أعظم معجزة للإسلام معجزة بليغة ، خالدة وباقية ، مناسبة لكل عصر وزمان ولجميع الطبقات الاجتماعية ، وقد ذكرنا بحثا مفصلا عن إعجاز القرآن في ذيل الآية ٢٣ من سورة البقرة ، ولا حاجة إلى إعادته هنا.

٤٣٥

٢ ـ التشبث بالحيل لإنكار المعجزات :

يصرّ بعض العلماء المتأثرين بالغرب ـ الذين يميلون إلى أن لا يعتدّوا بظواهر الأنبياء الخارقة للعادة ـ أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ليس له معجزة غير القرآن ، وربّما يرون القرآن ليس معجزا ، في حين أنّ مثل هذا الكلام مخالف لآيات القرآن ، وللرّوايات المتواترة ، وللتأريخ الإسلامي أيضا.

«وقد بيّنا تفصيل هذا الكلام في ذيل الآيات ٩٠ ـ ٩٣ من سورة الإسراء».

٣ ـ المعجزات الاقتراحيّة :

كانت أساليب المخالفين للأنبياء دائما هي اقتراحهم المعجزات التي يرتؤونها ، وكانوا بعملهم هذا يحاولون أن يحطّوا من قيمة المعجزات وعظمتها ويجروها إلى الابتذال من جهة ، وأن تكون في أيديهم ذريعة إلى عدم قبول دعوة الأنبياء من جهة أخرى ، لكن الأنبياء لم يستسلموا لهذه المؤامرات أبدا وكما رأينا في إجابتهم آنفا ، فإن المعجزة ليست باختيارهم لتكون مطابقة «لميلكم وهوسكم» كل يوم وكل ساعة نأتي بمعجزة كما تريدون بل المعاجز هي بأمر الله فحسب ، وهي خارجة عن أمرنا.

«وقد ذكرنا شرحا حول المعجزة الاقتراحية في ذيل الآية ٢٠ من سورة يونس».

* * *

٤٣٦

الآيات

( يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (٥٦) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (٥٨) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٥٩) وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦٠) )

سبب النّزول

يعتقد كثير من المفسّرين أنّ الآية ـ من هذا المقطع ـ نزلت في شأن المؤمنين الذين كانوا تحت ضغط الكفار الشديد ، حتى أنّهم لم يستطيعوا أن يؤدوا وظائفهم الإسلامية ، فجاءت هذه الآية لتأمرهم بالهجرة من هذه الأرض.

كما يعتقد بعض المفسّرين أيضا أنّ الآية( وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا ) وهي الآية الأخيرة ـ من المقطع محل البحث نزلت في شأن بعض المؤمنين الذين كانوا يتعرضون لأذى أعدائهم في مكّة! وكانوا يقولون لو هاجرنا إلى المدينة فليست لدينا دار ولا أرض ، من يطعمنا ويسقينا هناك؟ فنزلت الآية( وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ ).

٤٣٧

التّفسير

لا بدّ من الهجرة :

حيث أنّ الآيات السابقة كانت تتحدث عن مواقف المشركين المختلفة من الإسلام والمسلمين ، ففي الآيات محل البحث يقع الكلام عن حال المسلمين ومسئولياتهم قبال المشاكل المختلفة ، أي مشاكل أذى الكفار وضغوطهم وقلّة عدد المسلمين وما إلى ذلك ، فتقول الآية الأولى :( يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ ) .

وبديهي أنّ هذا ليس قانونا خاصا بمؤمني أهل مكّة ، ولا يحدد سبب النّزول مفهوم الآية الواسع المنسجم مع الآيات الأخرى فعلى هذا لو سلب الإنسان حريته في أي عصر أو زمان ومكان بشكل كامل ، فإنّ بقاءه هناك لا يجلب عليه إلّا الذل «والخسران والضرر» والابتعاد عن أداء المناسك الإلهية ، فوظيفة الإنسان المسلم عندئذ الهجرة إلى منطقة «حرّة» يستطيع أن يؤدي فيها وظائفه الإسلامية بحرية تامّة أو حرية نسبية.

وبتعبير آخر : إنّ الهدف من خلق الإنسان أن يكون عبدا لله ، عبودية هي في الواقع سبب للحرية والكرامة والإنتصار في جميع الجهات وجملة( فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ ) إشارة إلى هذا المعنى ، كما ورد هذا التعبير في الآية (٥٦) من سورة الذاريات( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) .

فمتى ما أصبح هذا الهدف الأساسي والنهائي مستحيلا ، فلا سبيل عندئذ إلّا الهجرة ، فأرض الله واسعة ، وينبغي أن يهاجر الفرد نحو منطقة أخرى ، ولا يكون أسيرا لمفاهيم «القبلية والقومية والوطنية والبيت والأهل» في مثل هذه الموارد ، ولا يذل الإنسان نفسه من أجلها ، فإنّ احترام هذه الأمور هو فيما لو كان الهدف الأصلي قائما غير مخاطر به ، أمّا إذا أصبح الهدف الأصلي «عبادة الله» مخاطرا به فلا سبيل إلّا الهجرة!

٤٣٨

وفي مثل هذه الموارد يقول الإمام أمير المؤمنين عليعليه‌السلام : «ليس بلد بأحق بك من بلدك ، خير البلاد ما حملك»(١) .

صحيح أنّ حب الوطن والعلاقة بمسقط الرأس جزء من طبيعة كل إنسان ، ولكن قد يتفق أن تحدث في حياة الإنسان مسائل أهم من تلك الأمور ، فتجعلها تحت شعاعها وتكون أولى منها.

وفي مجال موقف الإسلام ونظرته من مسألة الهجرة والرّوايات الواردة في هذا الصدد ، كان لنا بحث مفصل في ذيل الآية (١٠٠) من سورة النساء.

والتعبير بـ( يا عِبادِيَ ) هو أكثر التعابير رأفة وحبّا للناس من قبل خالقهم.

وتاج للفخر أعلى حتى من مقام الرسالة والخلافة ، كما نذكر ذلك في التشهد حيث نقدم العبودية على الرسالة دائما «أشهد أن محمّدا عبده ورسوله».

من الطريف أنّه حين خلق الله آدم لقبه بـ «خليفة الله» ، وهو فخر لآدم ، إلّا أن الشيطان لم ييأس من التسويل والوسوسة له ، فكان ما كان ، ولكن حين بوأه مقام العبودية أذعن الشيطان له ويئس من إغوائه وقال :( فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) .(٢)

والله سبحانه ضمن هذا الأمر فقال :( إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ ) .(٣)

ويتّضح ممّا ذكرناه ـ بصورة جيدة ـ أنّ المراد بالعباد ليس جميع الناس ـ في الآية محل البحث ـ بل هم المؤمنون منهم فحسب ، وجملة( الَّذِينَ آمَنُوا ) جاءت للتأكيد والتوضيح(٤) .

وحيث أنّ البعض بقوا في ديار الشرك ، ولم يرغبوا بالهجرة بذريعة أنّهم

__________________

(١) الكلمات القصار ، رقم ٤٤٢.

(٢) سورة ص الآيتان ٨٢ ، ٨٣.

(٣) سورة الحجر ، الآية ٤٢.

(٤) جملة «فإياي فاعبدون» عطف على جزاء جملة الشرط المحذوف والتقدير «إن ضاقت بكم الأرض فهاجروا منها إلى غيرها وإيّاي فاعبدون».

٤٣٩

يخشون الخروج من ديارهم ويخافون أن يحدق بهم الموت بسبب الأعداء أو الجوع أو العوامل الأخرى التي تهددهم إضافة إلى فراق الأحبّة والمتعلقين والأبناء والأصدقاء ، فإنّ القرآن يردّهم بجواب جامع قائلا :( كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ ) .

فهذه الدنيا ليست بدار بقاء لأي أحد ، فبعض يمضي عاجلا ، وبعض يتأخر ، ولا بدّ أن يذهبوا جميعا ، وعلى كل حال ففراق الأحبة والأبناء والأقارب لا بدّ أن يقع ويتحقق ، فعلام يبقى الإنسان في ديار الشرك من أجل المسائل العابرة وأن يحمل عبء الذل والأسر على كاهله ، أكلّ ذلك من أجل أن يبقى بضعة أيّام أو أكثر؟!

ثمّ بعد هذا كلّه ينبغي أن تخافوا أن يدرككم الموت في ديار الكفر والشرك قبل أن تبلغوا دار الإسلام ، فما أشد ألم مثل هذا الموت وما أتعسه!

ثمّ لا تظنوا أن الموت نهاية كل شيء ، فالموت بداية لحياة الإنسان الأصلية ، لأنّكم جميعا( إِلَيْنا تُرْجَعُونَ ) إلى الله العظيم ، وإلى نعمه التي لا حدّ لها ولا انتهاء لأمدها.

والآية التالية تبيّن جانبا من هذه النعم فتقول :( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ) (١) .

فهم في قصور تحيط بها أشجار الجنّة من كلّ جانب ، الأنهار المختلفة التي لكلّ منها طعمه ولونه ، طبقا لآيات القرآن الاخر ، وهي ما بين الأشجار وتحت تلك القصور جارية أبدا (لاحظوا أن «غرف» جمع غرفة ، ومعناها البناء المرتفع المشرف على أطرافه).

والامتياز الآخر لغرف الجنّة أنّها ليست كغرف الدنيا وقصورها ومنازلها التي ما أن يضع الإنسان فيها قدمه حتى يسمع نداء «الرحيل» ، فغرف الجنّة دائمة

__________________

(١) «لنبوئنهم» من مادة «تبوئة» على زنة «تذكرة» معناها إعطاء السكنى للإقامة والبقاء الدائم.

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

وحشية وإجراما ، والأمر الوحيد الذي أمكن بسببه قلع تلك الجذور الفاسدة من أصولها ، هو إحداث ثورة عارمة وتغيير شامل في الأفكار والأرواح والعقائد ، ثورة تصنع تحوّلا في شخصياتهم وتبدل أساليب تفكيرهم ، وترفعهم عن الحضيض الذي كانوا فيه ، لتتجلى لهم أعمالهم السابقة في وجهها الكالح القبيح ، فيطهروا بذلك أنفسهم ، ويدرءوا عنها الأحقاد والأوساخ والعصبية القبلية العمياء وهذه أمور لا يمكن إيجادها بالثروة ولا بالمال ، بل في ظلال الإيمان والتوحيد الخالص فحسب.

وتضيف الآية معقبة في الختام( إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) .

فعزته تقتضي عجز الآخرين من الوقوف في مواجهته ، وحكمته تقتضي أن تكون كل أموره جارية وفق حساب دقيق ونظام صحيح ، ولهذا فإنّ الخطة الدقيقة وحدت القلوب المتنافرة المتفرقة وجعلتها تنصاع للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لينشروا أنوار الهداية في كل أرجاء العالم.

* * *

ملاحظتان

١ ـ قال بعض المفسّرين : إنّ الآية محل البحث تشير إلى الخلافات بين الأوس والخزرج ، الذين هم من الأنصار فحسب ، ولكن نظرا إلى أنّ المهاجرين والأنصار نهضوا جميعا لنصرة النّبيّ فيتّضح اتساع مفهوم الآية.

ولعل أولئك كانوا يتصورون أنّ الخلافات كانت قائمة بين الأوس والخزرج دون غيرهم ، مع أنّه كانت اختلافات كثيرة في المستويات الطبقية والاجتماعية بين الفقراء والأغنياء ، والكبار والصغار ، بين هذه القبيلة وتلك ، تلك الخلافات و «الانشقاقات» أذهبها الإسلام ومحا آثارها ، كما يقول القرآن الكريم في مكان

٤٨١

آخر :( وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً ) (١) .

٢ ـ إنّ هذا القانون لا يختص بالمسلمين الأوائل فحسب ، فاليوم حيث يبسط الإسلام ظلاله على ثمانمائة مليون مسلم في أنحاء العالم ، وهم من مختلف العناصر والأقوام المتباعدة والمجتمعات المتنوعة. إذ لا يمكن إيجاد أية حلقة اتصال بين كل هؤلاء سوى حلقة الإيمان والتوحيد ، فإنّ الأموال والثروات والمؤتمرات لا يمكنها أن تفعل شيئا مهما في هذا المجال ، بل ما يمكن أن يوحدهم هو إيقاد شعلة الإيمان أكثر في قلوب هؤلاء كما حصل عند المسلمين الأوائل ، لأنّ النصر لا يتحقق إلّا عن هذا الطريق ، وهو طريق الأخوة الإسلامية بين جميع الناس.

وتخاطب الآية الأخيرة من الآيات محل البحث النّبي بالقول :( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) .

ونقل بعض المفسّرين أنّ هذه الآية الكريمة نزلت عند ما قال جماعة من يهود بني قريظة وبني النضير لما قالوا للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : نحن نسلم ونتبعك ، يعني إنّنا مستعدون لاتباعك ونصرتك ، فنزلت هذه الآية محذرة النّبي لئلا يعتمد على هؤلاء ، بل المعول عليه هو الله والمؤمنون(٢) .

وقد أورد الحافظ أبو نعيم ـ وهو من أكابر علماء السنة ـ في كتابه فضائل الصحابة ، بسنده ، أنّ هذه الآية نزلت في حق علي أمير المؤمنين ، فالمقصود بالمؤمنين هو عليعليه‌السلام (٣) .

__________________

(١) آل عمران ، ١٠٣.

(٢) تفسير التبيان ، ج ٥ ، ص ١٥٢.

(٣) موسوعة الغدير ، ج ٢ ، ص ٥١.

٤٨٢

وقد قلنا مرارا : إنّ مثل هذه التفاسير وأسباب النّزول لا تجعل الآيات محدودة ومنحصرة ، بل المقصود فيها هو أنّ شخصا كعلي بن أبي طالبعليه‌السلام الذي كان في أوّل صفوف المؤمنين هو السند الأوّل للنبي بعد الله من بين المسلمين ، مع أنّ بقية المؤمنين هم أنصار النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأعوانه.

* * *

٤٨٣

الآيتان

( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (٦٥) الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٦٦) )

التّفسير

لا ترتقبوا تساوي القوى :

في هاتين الآيتين تتوالى التعاليم العسكرية وأحكام الجهاد أيضا.

فالآية الأولى منهما تخاطب الرّسول فتقول :( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ ) .

إنّ الجنود والمقاتلين مهما كانوا عليه من استعداد ينبغي قبل بدء الحرب أن ترفع معنوياتهم وتشحذ هممهم ، وهذا الأمر معروف في جميع النظم العسكرية في العالم ، إذ يقوم قادة الجيوش وأمراؤهم قبل التحرك نحو سوح القتال أو عند

٤٨٤

ساحة القتال ، فيلقون خطبا تثيرهم وتقوّي من معنوياتهم وتحذرهم من الهزيمة والجبن.

غاية ما في الأمر أنّ مثل مسألة الترغيب والتشويق إلى القتال محدودة في المدارس الماديّة ، ولكنّها واسعة في الأديان السماوية ، نظرا للتعاليم الربانية ، وتأثير الإيمان بالله ، والتذكير بمنزلة الشهداء عند ربّهم ومقامهم عنده ، وما ينتظرهم من الثواب الجزيل البعيد المدى ، وما سينالونه من العزة والفخر عند انتصارهم ، فكل ذلك يحرك روح البطولة والثبات في نفوس الجنود ، فتلاوة بعض آيات القرآن في الحروب الإسلاميّة تشحذ الجندي عزما وقوّة وإقداما لا حدود له ، ويتقد فيه الشوق والعشق للتضحية والفداء.

وعلى كل حال ، فإنّ الآية توضح أهمية الإعلام والتبليغ وشحذ همم المقاتلين والجنود ومعنوياتهم باعتبار ذلك تعليما إسلاميا مهما.

وتعقب الآية بالتعليم الثّاني فتقول :( إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) .

وبالرغم من أنّ الآية في صورة إخبار عن غلبة الرجل على عشرة ، لكن بقرينة الآية بعدها( الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ ) يتّضح أنّ المراد من ذلك هو تعيين الحكم أو الوظيفة والخطة والمنهج ، لا أنّه مجرّد خبر وهكذا فينبغي للمسلمين أن لا ينتظروا حتى يبلغ عددهم مقدارا يكافئ قوة العدو وأفراده ، ليتحركوا إلى ساحة القتال والجهاد ، بل يجب عليهم القيام بواجباتهم حتى إذا كان عدوّهم عشرة أضعافهم.

ثمّ تشير الآية إلى علّة هذا الحكم فتقول :( ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ ) وهذا التعليل يبدو عجيبا لأوّل وهلة ، إذ ما هي العلاقة بين المعرفة والفقاهة وبين النصر أو بين عدم المعرفة والهزيمة؟! لكن الواقع هو أنّ العلاقة بينهما قريبة ومتينة ، لأنّ المؤمنين يعرفون نهجهم الذي سلكوه ويدركون الهدف من خلقهم وإيجادهم ،

٤٨٥

ويؤمنون بنتائجه الإيجابية في هذا العالم ، والثواب الجزيل الذي ينتظرهم في العالم الآخر ، فهم يعلمون ، لم يقاتلون؟ ومن أجل من يجاهدون؟ وفي سبيل أي هدف مقدس يضحون؟ وعلى من سيكون حسابهم إذا ما ضحوا واستشهدوا في هذا المضمار؟

فهذا السير الواضح المشفوع بالمعرفة يمنحهم الثبات والصبر والاستقامة.

أمّا الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ، كعبدة الأصنام ، فلا يعرفون لأي أمر يقاتلون؟ ولأجل من يجاهدون؟ وإذا قتلوا فمن يؤدّي دية دمهم؟ فهم لتقليدهم الأعمى ولعاداتهم الجاهلية ساروا رواء هذه الأفكار ، وهكذا تبعث ظلمات الطريق وعدم معرفتهم الهدف ونتائج أعمالهم على انهيار أعصابهم وتفت في عضدهم وثباتهم ، وتجعل منهم كائنات ضعيفة.

وبعد ذلك الحكم الثقيل بجهاد الأعداء وان كانوا عشرة اضعاف يخفف الله عن المؤمنين ويتنزل في الحكم الذي يرهقهم فيقول :( الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً ) .

ثمّ يقول :( فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ ) .

ولكن على كل حال ينبغي أن لا تنسوا تسديد الله( وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ) .

* * *

بحوث

وهنا لا بدّ من الالتفات الى عدّة أمور :

١ ـ هل نسخت الآية الأولى

كما لا حظنا فإنّ الآية الأولى تأمر المسلمين أن لا يتقاعسوا عن مواجهة الأعداء حتى إذا كانوا عشرة أضعافهم ، غير أنّ الآية الثّانية تخفض هذا العدد إلى

٤٨٦

ضعفين فحسب.

وهذا الاختلاف الظاهر بين الآيتين جعل بعضهم يقول : إن الآية الأولى ـ من الآيتين محل البحث ـ نسختها الآية الثّانية ، أو أنّه حمل الآية الأولى على الاستحباب والثّانية على الوجوب ، أي إذا كان عدد الأعداء ضعف عدد المسلمين فيجب عليهم عدم التراجع عن ساحة الجهاد والقتال ، أمّا إذا زاد عددهم عن الضعف حتى بلغ عشرة أضعافهم فلهم عندئذ أن لا يقاتلوهم ، وإن كان الأفضل لهم أن لا ينسحبوا عن جهادهم العدوّ.

إلّا أنّ بعض المفسّرين يرون أن الاختلاف الظاهري الموجود بين الآيتين لا يدل على النسخ ، ولا يدل على الاستحباب ، بل إن لكل واحدة من الآيتين حكما معينا ، فعند ما يبتلى المسلمون بالضعف والخور ويكثر فيهم المقاتلون غير المحنّكين أو غير المدرّبين ولا المتهيئين للقتال ، فعندئذ يكون معيار العدد هو نسبة الضعف. أمّا إذا كان المقاتلون على استعداد تام ، أشداء في إيمانهم وعزائمهم كالكثير من أبطال بدر ، فالنسبة عندئذ ترتقي إلى عشرة أضعاف.

فبناء على ذلك فإنّ الحكمين في الآيتين محل البحث يرتبطان بالطائفتين المختلفتين وفي ظرفين متفاوتين.

وبهذا لا يوجد نسخ في الآي هنا ، وإذا وجد في الرّوايات التعبير بالنسخ فينبغي الالتفات إلى أن النسخ ذو معنى واسع ويشمل التخصيص في بعض الموارد.

٢ ـ أسطورة توازن القوى

إنّ الآيتين ـ محل البحث ـ تتضمنان هذا الحكم المسلّم به ، وهو أنّ على المسلمين ألّا ينتظروا موازنة القوى الظاهرية بينهم وبين العدو ، بل عليهم أن ينهضوا لمواجهته وإن كان ضعف عددهم ، بل حتى لو كان عشرة أضعاف عددهم

٤٨٧

أحيانا ، وأن لا يفروا من العدوّ بسبب قلّة العدد أبدا.

وممّا يستجلب النظر أنّ أغلب المعارك التي كانت تجري بين المسلمين وأعدائهم كان فيها ميزان القوى لصالح العدو ، وكان المسلمون قلّة غالبا ، ولم يكن هذا الأمر قد وقع في حروب الإسلام في عصر النّبي فحسب ـ كبدر وأحد والأحزاب أو كمعركة مؤتة التي رووا أن جيش المسلمين كان لا يتجاوز ثلاثة آلاف مقاتل ، أمّا جيش العدو فأقل ما ذكروا عنه أنّه كان حوالي مائة وخمسين ألفا ، بل حتى الحروب بعد عصر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد ذكروا أن فرقا مذهلا كان بين جيش الإسلام الذي حرر فارس وجيش الساسانيين ، فقد قيل مثلا : إنّ الجيش الإسلامي كان لا يتجاوز خمسين ألف مقاتل ، بينما كان جيش خسرو پرويز خمسمائة ألف مقاتل!

وأمّا في معركة اليرموك التي وقعت بين المسلمين والروم ، فقد ذكر المؤرخون أن الجيش الذي جمعه هرقل كان حوالي مائتي ألف مقاتل ، بينما كان جيش الإسلام لا يتجاوز أربعة وعشرين ألفا! والأعجب من ذلك أن المؤرخين يذكرون أنّ قتلى جيش الروم في معركة اليرموك كانوا يزيدون على سبعين ألفا!!

وما من شك أن الموازنة بين القوى أو التفوق العسكري أحد أسباب النصر بحسب الظاهر ، ولكن ما هو السبب الذي كان وراء انتصار المسلمين القلة في مثل هذه المعارك؟

والإجابة على هذا السؤال المهم ذكرها القرآن في الآيتين محل البحث في ثلاثة تعابير :

التّعبير الأوّل : يقول فيه :( عِشْرُونَ صابِرُونَ ) ثمّ قوله في الآية بعدها :( مِائَةٌ صابِرَةٌ ) أي ذوو استقامة وثبات.

والمراد هنا أنّ روح الاستقامة والثبات ، التي هي ثمرة شجرة الإيمان ، كانت

٤٨٨

سببا في أن يغلب الرجل المسلم عشرة أمثاله من الكفار.

التّعبير الثّاني : وفي مكان آخر يقول :( ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ ) أي أنّ عدم معرفة العدو هدفه ، ومعرفتكم هدفكم المقدس ، يستعاض عن موضوع قلتكم إزاء كثرة العدو.

التّعبير الثّالث : هو قوله سبحانه في الآي محل البحث :( بِإِذْنِ اللهِ ) أي أن الإمدادات الغيبية ولطف الله ورحمته تشمل مثل هؤلاء المجاهدين الصابرين فتنصرهم على عدوّهم.

وفي عصرنا يواجه المسلمون أعداء ألدّاء أقوياء أيضا ، لكن العجيب أن جيش المسلمين في كثير من المعارك أكثر من جيش العدوّ ، ولكن مع ذلك لا أثر لانتصار المسلمين ، وكأنّهم يسيرون باتجاه مخالف عمّا كان يسير عليه المسلمون الأوائل.

والسّبب هو أنّ المسلمين اليوم لا يتمتعون بمعرفة كافية ويا للأسف ، وقد فقدوا روح الصبر والاستقامة بسبب ركونهم إلى عوامل الفساد وزخرف الحياة المادية وزبرجها ، كما أنّ الإمداد الغيبي ورعاية الله قد سلبا منهم بسبب تلوّثهم بالذنوب ، فابتلوا بمثل هذه العاقبة!

إلّا أنّ طريق العدوة ما يزال مفتوحا ، وتأمل أن يأتي اليوم الذي يعي المسلمون مرّة أخرى مفهوم هاتين الآيتين وأمثالهما ليخلعوا عن أنفسهم حالة الذل والتقهقر.

٣ ـ ما هو المراد من الآيتين؟

ممّا يستجلب النظر أنّ الكلام في الآية الأولى ـ من الآيتين محل البحث ـ كان على نسبة الواحد إلى العشرة ، فمثلت الآية ب( إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ) .

٤٨٩

إلّا أن الكلام في الآية الثّانية كان عن نسبة الضعف مثل المائة في قبال المائتين ، والألف في قبال الألفين :( فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ ) إلخ.

وكأن هذا المثال البليغ يريد أن يبيّن هذا الحقيقة ، وهي أنّ الرجال الأشداء من ذوي العزيمة والإيمان يمكنهم أن يشكّلوا جيشا مقتدرا حتى لو كانوا عشرين رجلا ، إلّا أنّهم لو كانوا ضعفاء ، فليس بإمكانهم أن يصنعوا جيشا من عشرين ، بل لا بدّ أن يكونوا أضعاف هذا العدد لتشكيل جيش ، «فلاحظوا بدقة».

* * *

٤٩٠

الآيات

( ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧) لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٦٨) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٦٩) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٠) وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٧١) )

التّفسير

أسرى الحرب :

بيّنت الآيات السابقة بعض أحكام الجهاد المهمّة ومواجهة الأعداء ، وفي هذه الآيات استكمال لما سبق في عرض قسم من أحكام أسرى الحرب ، لأنّ أغلب الحروب تقترن بتأسير جماعة من المتقاتلين من قبل الطرف الآخر ، وقد

٤٩١

أولى الإسلام أهمية قصوى لمسألة أسرى الحرب ، من حيث أسلوب التعامل معهم ، ومن حيث بعض النواحي الإنسانية وأهداف الجهاد أيضا.

وأوّل موضوع مهم يثار في هذا الشأن ، هو ما قالته الآية الكريمة من أن كل نبي ليس له الحق في أسرار افراد العدو الّا بعد أن يثبت اقدامه في الأرض ويكيل الضربات القاضية للأعداء :( ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ) .

والفعل «يثخن» مأخوذ من «الثخن» على زنة «المحن» ومعناه في الأصل الضخامة والغلظة والثقل ، ثمّ استعمل هذا اللفظ بمعنى الفوز والقوّة والنصر والقدرة ، للسبب المذكور آنفا.

وقال بعض المفسّرين : إنّ معنى( حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ) يدل على المبالغة والشدّة في قتل الأعداء ، وقالوا : إنّ معنى ذلك أن أخذ الأسرى ينبغي أن يكون بعد مقتلة عظيمة في الأعداء ولكن مع ملاحظة كلمة «في الأرض» والالتفات إلى جذر هذه الكلمة الذي يعني الشدّة والغلظة ، يتّضح أن معنى الآية ليس هو ما ذكروه ، بل القصد هو التفوق على العدو تماما وإظهار القوّة والقدرة وإحكام السيطرة على المنطقة.

إلّا أنّه لمّا كان في قتل الأعداء وإبادتهم دليل على السيطرة وإحكام مواقع المسلمين أحيانا ، فإنّ من مصاديق هذه الجملة في بعض الشروط قتل الأعداء ، وليس هو مفهوم الجملة الأصيل.

على أية حال ، فإنّ الآية تنبه المسلمين إلى نقطة مهمّة في الحرب ، وهي أنّ عليهم عدم التفكير والانشغال بأخذ الأسرى قبل اندحار العدوّ بالكامل ، لأنّ بعض المسلمين المقاتلين ـ كما يستفاد من بعض الرّوايات ـ كان جلّ سعيهم هو الحصول على أكبر عدد من الأسرى في ساحة بدر مهما أمكنهم ، لأنّ العادة كانت أن يدفع عن الأسير مبلغ من المال على شكل فدية ليتم الإفراج عنه بعد نهاية

٤٩٢

الحرب.

ويعدّ هذا الأمر عملا حسنا في بعض المواقع ، إلّا أنّه عمل خطير قبل أن يطمأن من اندحار العدو كاملا ، لأنّ الانشغال بأسر العدو وشدّ وثاقهم ونقلهم إلى مكان آمن ، كل ذلك يبعد المقاتلين غالبا عن أصل الهدف الذي من أجله كانت الحرب ، وربّما يمنح العدو الجريح فرصة لجمع قواه وإعادة هجومه ، كما حدث في غزوة أحد ، حيث شغل بعض المسلمين أنفسهم بجمع الغنائم ، فاستغل العدوّ هذه الفرصة فأنزل ضربته الأخيرة بالمسلمين.

وبناء على ذلك فإنّ تأسير الأعداء يجوز في صورة ما لو حصل اليقين بالنصر الساحق عليه ، أمّا في غير هذه الصورة فيجب توجيه الضربات الشديدة والمتتالية لهدم قوات العدو وشلّها فإذا حصل الاطمئنان بذلك فإنّ الأهداف الإنسانية توجب إيقاف القتل والاكتفاء بأسرهم.

وقد أوضحت الآية هاتين النقطتين المهمتين : العسكرية ، والإنسانية ، في عبارة موجزة : ثمّ ألقت باللوم على أولئك الذين خالفوا هذا الأمر فتقول :( تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ) .

«والعرض» يعني الأمور غير الثابتة ، ولما كانت الذخائر المادية غير ثابتة في هذه الدنيا فقد عبّر عنها بالعرض.

وكما قلنا آنفا فإن الاهتمام بالجانب المادي فيما يتعلق بالأسرى والغفلة عن الهدف النهائي ، أي الإنتصار على العدو ، لا أنّه يحبط الثواب الأخروي فحسب ، بل يسيء إلى الإنسان في حياته الدنيا وإلى عزّته ورفعته واستقراره ، ففي الحقيقة ، هذه الأهداف المذكورة للفرد في الحياة الدنيا تعدّ من أمور الدنيا الثابتة ، فلا ينبغي أن نترك المنافع الطويلة الأمد والمستقبلية رهن الخطر من أجل أن نحصل على منافع مادية عابرة!

٤٩٣

وتختتم الآية بالقول أن التعليم آنف الذكر ـ في الواقع ـ مزيج من العزة والنصر والحكمة والتدبير ، لأنّه صادر من قبل الله تعالى( وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) .

الآية التالية توجّه اللوم والتعنيف ثانية لأولئك الذين يعرضون المنفعة العامّة والمصلحة الاجتماعية للخطر من أجل الحصول على المنافع المادية العابرة ، فتقول الآية :( لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ) .

وقد أورد المفسّرون في شأن قوله تعالى :( لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ ) احتمالات مختلفة كثيرة ، إلّا أنّ أقربها وأكثرها ملاءمة ومناسبة هو «إذا لم يكن الله قد قرر من قبل أن لا يعذب عباده ما لم يبيّن نبيّه حكمه لهم ، لأخذكم أخذا شديدا بسبب تأسيركم عدوكم رغبة في المنافع المادية وإيقاعكم جيش الإسلام وانتصاره النهائي في الخطر ، إلّا أنّه ـ كما صرحت الآيات الكريمة في القرآن ـ فإنّ سنة الله اقتضت أن تبين أحكامه ثمّ يجازي الذي يخالفون عن أمره» ، إذ قال سبحانه :( وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) (١) .

* * *

ملاحظات

١ ـ إنّ ظاهر الآيات ـ كما قلنا آنفا ـ يعالج موضوع أخذ الأسري في الحرب لا أخذ «الفدية» بعدها ، وبذلك ينحل كثير من الإشكالات التي أثارها جماعة من المفسّرون بشأن مفهوم الآية.

كما أنّ اللوم والتعنيف يختص بجماعة انشغلت ـ قبل أن يتمّ النصر النهائي ـ بأسر العدو لأهداف دنيوية ، ولا علاقة لها بشخص النّبي وأصحابه المؤمنين الذين كان هدفهم الجهاد في سبيل الله.

__________________

(١) الإسراء ، ١٥.

٤٩٤

وبذلك تنتفي جميع البحوث التي أوردوها ، كالقول بأنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد ارتكب ذنبا! وكيف ينسجم هذا العمل وعصمتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فهذا الأمر غير صحيح.

كما يثبت بطلان الأحاديث المختلفة التي نقلتها بعض مصادر أهل السنة وكذبها في تفسير هذه الآية ، والتي تزعم أن الآية(١) نزلت في شأن أخذ النّبي وبعض المسلمين الفدية مقابل أسرى الحرب بعد معركة بدر ، وقبل أن يأذن الله بذلك. وأنّ الذي خالف هذا الأمر وطالب بقتل الأسرى هو عمر فحسب ـ أو سعد بن معاذ ـ وأنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في حق عمر : لو نزل العذاب علينا لما نجا منه إلّا عمر ـ أو سعد بن معاذ ـ فإنّ جميع ذلك عار من الصحة ولا أساس له ، وإنّ تلك الرّوايات بعيدة كل البعد عن تفسير الآية ، وخاصّة أن أمارات الوضع ظاهرة على هذه الأحاديث تماما.

٢ ـ إنّ الآيات محل البحث لا تخالف أخذ الفداء وإطلاق سراح الأسرى إذا اقتضت مصلحة المجتمع الإسلامي ذلك ، بل تقول هذه الآيات : إنّه لا ينبغي على المجاهدين أن يكون همهم الأسر من أجل الفداء ، فبناء على ذلك فهي تنسجم وتتفق والآية (٤) من سورة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من جميع الوجوه ، إذ تقول تلك الآية( فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً ) .

إلّا أنّه يجب الالتفات إلى مسألة مهمّة هنا ، وهي : إذا كان بين الأسرى من يثير إطلاق سراحهم فتنة نشوب نار الحرب ، ويعرض انتصار المسلمين للخطر ، فيحق للمسلمين أن يقتلوا مثل هؤلاء الأشخاص ، ودليل هذا الموضوع كامن في الآية محل البحث ذاتها ، بقرينة «يثخن» والتعبير في الآية (٤) من سورة

__________________

(١) تفسير المنار ، ج ١٠ ، ص ٩٠ ـ تفسير روح المعاني ، ج ١٠ ، ص ٣٢ ـ وتفسير الفخر الرازي ، ج ١٥ ، ص ١٩٨.

٤٩٥

محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بـ «أثخنتموهم».

ولهذا فقد جاء في بعض الرّوايات الإسلاميّة أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر بقتل اثنين من أسرى معركة بدر ، وهما «عقبة بن أبي معيط» و «النضر بن الحارث» ولم يرض بأن يفتديا أنفسهما أبدا(١) .

٣ ـ وفي الآيات محل البحث تأكيد على موضوع حرية إرادة الإنسان مرّة أخرى ، ونفي مذهب الجبر ، لأنّها تقول : إنّ الله يريد لكم الآخرة ، ولكن بعضكم أغرته المنافع الماديّة العابرة وركن إليها.

وفي الآية التالية إشارة إلى حكم آخر من أحكام أسرى الحرب ، وهو حكم أخذ الفداء.

وقد جاء في بعض الرّوايات(٢) الواردة في شأن نزول هذه الآيات أنّه بعد انتهاء معركة بدر وأخذ الأسرى ، وبعد ما أمر النّبي أن تضرب عنقا الأسيرين الخطرين «عقبة بن أبي معيط» و «النضر بن الحارث» خافت الأنصار أن ينفذ هذا الحكم في بقية الأسرى فيحرموا من أخذ الفداء ، فقالوا : يا رسول الله إنّا قتلنا سبعين رجلا وأسرنا سبعين ، وكلّهم من قبيلتك فهدب لنا هؤلاء الأسرى لنأخذ الفداء منهم. وكان النّبي يترقب نزول الوحي ، فنزلت هذه الآيات فأجازت أخذ الفداء في قبال إطلاق سراح الأسرى.

وروي أنّ أكثر ما عين فداء على الأسرى من المال هو أربعة آلاف درهم ، وأقلّة ألف درهم ، فلمّا سمعت قريش أرسلت فداء الواحد تلو الآخر حتى حررت أسراها.

والعجيب أن صهر النّبي على ابنته زينب «أبا العاص» كان من بين أسرى معركة بدر ، فأرسلت زوجته زينب قلادتها التي أهدتها أمّها خديجةعليهما‌السلام إليها في

__________________

(١) راجع تفسير نور الثقلين ، ج ٢ ، ص ١٣٥.

(٢) راجع تفسير علي بن إبراهيم وفقا لما جاء في نور الثقلين ، ج ٢ ، ص ١٣٦.

٤٩٦

زفافها ، لتفتدي بها زوجها ، فلمّا وقعت عينا النّبي على تلك القلادة وتذكر تضحية خديجة وجهادها ، وتجسّدت مواقفها أمام عينيه ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «رحم الله خديجة ، فهذه قلادة جعلتها خديجة في جهاز بنتي زينب.

ووفقا لبعض الرّوايات فإنّه امتنع عن قبول القلادة احتراما لخديجة وإكراما ، واستجاز المسلمين في إرجاع القلادة ، فأذنوا له أن يرجع القلادة إلى زينب ، ثمّ أطلق(١) النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سراح أبي العاص ، شريطة أن يرسل ابنته زينب ـ التي كانت قد تزوجت من أبي العاص قبل الإسلام ـ إلى المدينة ، فوافق أبو العاص على هذا الشرط ووفى به بعدئذ(٢) .

وعلى أية حال ، فإنّ الآية محل البحث أجازت للمسلمين التصرف في غنائم المعركة ، والمبلغ الذي يأخذونه فداء من الأسير ، فقالت :( فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً ) .

ويمكن أن تكون هذه الجملة ذات معنى واسع يشمل حتى الغنائم الأخرى غير الفداء.

ثمّ تأمرهم الآية بالتقوى فتقول :( وَاتَّقُوا اللهَ) . وهذا إشارة إلى أنّ جواز أخذ مثل هذه الغنائم لا ينبغي أن يجعل هدف المجاهدين في المعركة هو جميع الغنائم وأن يأسروا العدوّ حتى يأخذوا فداءه. وإذا كان في القلوب مثل هذه النيّات السيئة فعليهم أن يطهروا قلوبهم منها ، ويعدهم الله بالعفو عمّا مضى فتقول الآية :( إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .

__________________

(١) ورد في الكامل لابن الأثير ، ج ٢ ، ص ١٣٤ أنّه «فلمّا رآها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رقّ لها رقة شديدة وقال : «إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها؟ وتردوا عليها الذي لها فافعلوا» ، فأطلقوا لها أسيرها وردوا القلادة.

(٢) تفسير الميزان ، ج ٩ ، ص ١٤١.

٤٩٧

هل أن أخذ «الفداء» أمر منطقيّ عادل؟!

قد ينقدح هنا سؤال مهم وهو : كيف ينسجم الفداء قبال إطلاق سراح الأسير وأصول العدالة؟ أن ليس هذا نوعا من بيع الإنسان؟

والجواب على هذا السؤال يتجلى واضحا حين نعرف أنّ الفداء هو نوع من الضرائب العسكرية ، أو الغرامة الحربية ، إذ أن كل حرب سبب في إهدار كثير من الطاقات الاقتصادية والقوى الإنسانية ، فالجماعة التي تقاتل من أجل الحق يحق لها أنّ تعوض عن خسائرها بعد الحرب ، وأحد طرق التعويض هو «الفداء». ومع ملاحظة أن الفداء كان يومئذ يتراوح بين أربعة آلاف درهم عن الأسير الغني ، وألف درهم عن الأسير الفقير ، يتّضح أنّ الأموال التي أخذت من قريش في هذا الصدد لم تكن كثيرة ، بل لم تكن كافية لسد خسائر المسلمين المالية والإنسانية في تلك المعركة!

ثمّ بعد هذا كلّه ، فقد ترك المسلمون أموالا كثيرة ـ في مكّة ـ عند هجرتهم اضطرارا إلى المدينة ، فكانت هذه الأموال عند أعدائهم من قريش ، وكان للمسلمين الحق أن يعوضوا عن خسائرهم وأموالهم في يوم بدر بالفداء.

كما ينبغي الالتفات إلى هذه اللطيفة التي أشارت إليها الآية ٤ من سورة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهي أنّ مسألة الفداء ليست إلزامية ، فللحكومة الإسلامية أن تبادل الأسرى متى ما رأت في ذلك مصلحة ، أو أن تمن عليهم فتطلق سراحهم دون تعويض.

والمسألة المهمّة الأخرى في شأن أسرى الحرب هي موضوع إصلاحهم وتربيتهم وهدايتهم ، ولعل هذا الأمر غير موجود في المذاهب الماديّة ، لكنّه مثار عناية واهتمام أكيد في الجهاد من أجل تحرير الإنسان وإصلاحه وتعميم الحق والعدل.

٤٩٨

ولهذا فإنّ الآية الرّابعة من الآيات محل البحث تخاطب النّبي أن يدعو الأسرى إلى الإيمان بالله وإصلاح أنفسهم ، ويرغبهم في كل ذلك ، فتقول :( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ ) .

والمراد من كلمة «خيرا» في الجملة آنفة الذكر( إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً ) هو الإيمان وقبول الإسلام أمّا المراد من كلمة «خير» في الجملة الأخرى «يؤتكم خيرا» فهو الثواب أو الأجر المادي والمعنوي الذي ينالونه ببركة الإسلام ، وهو أعظم عند الله من الفداء بمراتب كثيرة!

ثمّ إضافة إلى ذلك فسيشملكم لطف الله ويعفو عن سيئاتكم( وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .

وحيث إنّ من الممكن أن يستغل بعض الأسرى إظهار الإسلام ليسيء إلى الإسلام ويخون النّبي وينتقم من المسلمين ، فإنّ الآية التالية تنذر النّبي والمسلمين وتنذر أولئك من الخيانة فتقول :( وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ ) .

وأي خيانة أعظم من عدم الاستجابة لنداء الفطرة والعزوف عن نداء الحق والعقل ، والشرك بالله وعبادة الأصنام بدلا من الإيمان بالله وتوحيده؟ ثمّ إنّ عليهم أن لا ينسوا نصرة الله لك( فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ ) .

وإذا أرادوا الخيانة في المستقبل فلن يفلحوا وسوف ينالون الخزي والخسران والهزيمة مرّة أخرى. لأنّ الله مطلع على نيّاتهم ، وجميع تعاليم الإسلام في شأن الأسرى وفق حكمته( وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) .

وقد جاء في كتب الفريقين ـ الشيعة وأهل السنة ـ في ذيل الآيتين محل البحث أن العباس عم النّبي كان بين أسرى بدر ، فطلبت جماعة من الأنصار أن لا

٤٩٩

يؤخذ عنه فداء إكراما لرسول الله ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «والله لا تذرون منه درهما» ،

(أي إذا كان الفداء قانونا إسلاميا عامّا ، فلا ينبغي أن يفرق بين عمي وبين أي أسير آخر).

وقال لعمّه العباس : «ادفع عنك وعن ابن أخيك ـ عقيل ـ الفداء».

فقال له العباس «وكان شغوفا بالمال». يا محمّد أتريد أن تجعلني فقيرا حتى أمد يدي إلى قريش؟!

فقال له النّبي : أعط فداءك من المال الذي أودعته عند أم الفضل ـ زوجتك ـ وقلت لها : إذا قتلت في ساحة المعركة فأنفقيه على نفسك وعلى أبنائك.

فتعجب العباس من هذا الإمر وقال : من أخبرك بهذا؟ «ولم يطلع عليه أحد أبدا» فقال رسول الله : أخبرني بذلك جبرائيل.

فقال العباس : أحلف بمن يحلف به محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يعلم بذلك إلّا أنا وزوجتي ، ثمّ قال : أشهد أنك رسول الله ، وأعلن إسلامه.

وعاد جميع أسرى بدر إلى مكّة إلّا العباس وعقيلا ونوفلا ، إذ أسلموا وبقوا في المدينة ، والآيات محل البحث تشير إلى حال أولئك(١) .

وجاء في شأن إسلام العباس في بعض التواريخ أنّه عاد إلى مكّة بعد إسلامه ، وكان يكتب إلى النّبي عن مؤامرات المشركين ثمّ هاجر إلى المدينة قبل السنة الثّامنة من الهجرة «عام فتح مكّة».

وفي كتاب قرب الإسناد عن الإمام الباقر عن أبيه الإمام زين العابدين ، أنّه جيء إلى رسول الله ذات يوم بأموال كثيرة ، فالتفت النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى العباس وقال له : ابسط عباءتك أو «رداءك» وخذ من هذا المال ، ففعل العباس وأخذ من ذلك المال ، فقال النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هذا ما قاله الله سبحانه وتلا قوله :( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي

__________________

(١) يراجع تفسير نور الثقلين ، وروضة الكافي ، وتفسير القرطبي ، وتفسير المنار ، ذيل الآية محل البحث.

٥٠٠

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606