الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٥

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل9%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 606

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 606 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 245113 / تحميل: 6208
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٥

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

تحديد التربة الحسينية :

س / قال الفاضل المقداد السيوري ( قده ) : « ورد متواتراً ، أنّ الشفاء في تربته ، وكثرة الثواب بالتسبيح بها ، والسجود عليها ، ووجوب تعظيمها ، وكونها دافعة للعذاب عن الميت ، وأماناً من المخاوف ، وأنّ الإستنجاء بها حرام ، فهل هي مختصة بمحل أم لا ؟ » (٢٢٣)

جـ / يمكن تلخيص رأي الأعلام فيما ذكره الفقيه السبزواري : « القدر المتيقن من محل أخذ التربة هو القبر الشريف وما يقرب منه على وجه يلحق به عرفاً ، ولعله كذلك الحائر المقدس بأجمعه ، لكن في بعض الأخبار ، يؤخذ طين قبر الحسين عليه السلام من عند القبر على سبعين ذراعاً ، وفي بعضها طين قبر الحسين فيه شفاء وإنْ أخذ على رأس ميل ، بل وفي بعضها أنه يستشفى فيما بينه وبين القبر على رأس أربعة أميال ، بل وفي بعضها على عشرة أميال ، وفي بعضها فرسخ في فرسخ ، بل وروي إلى أربعة فراسخ ، ولعلّ الإختلاف من جهة تفاوت مراتبها في الفضل فكل ما قرب إلى القبر الشريف ؛ كان أفضل ، والأحوط الإقتصار عل ی ما حول القبر إل ی سبعين ذراعاً ، وفيما زاد على ذلك أنْ يستعمل ممزوجاً بماء أو شربة على نحو لا يصدق عليه الطين ويستشفى به رجاء »(٢٢٤)

ومن أراد التوسع ، فعليه بمراجعة ( جواهر الكلام ج ٣٦ / ٣٦٤ ـ ٣٦٧ ) وغيره من الكتب الفقهية

______________________

(٢٢٣) ـ السيوري ، الشيخ جمال الدين مقداد بن عبدالله : التنقيح الرائع ، ج ٤ / ٥١

(٢٢٤) ـ السبزواري ، السيد عبدالأعلى : مهذب الأحكام ، ج ٢٣ / ١٨٥

١٤١

س / في حالة الشك في أن هذه تربة الحسينعليه‌السلام أم لا ، ماذا يصنع ؟

جـ / يقول الفقيه السبزواري ( قده ) : « إنْ أخذ التربة بنفسه أو علم من الخارج بأنّ هذا الطين من تلك التربة المقدسة فلا إشكال ، وكذا إذا قامت على ذلك البينة ، بل الظاهر كفاية قول عدل واحد بل شخص ثقة ، وهل يكفي إخبار ذي اليد بكونه منها أو بذله على أنه منها ؟ لا يعد ذلك وإنْ كان الأحوط في غير صورة العلم ، وقيام البينة تناولها بالإمتزاج بماء أو شربة »(٢٢٥)

وقال الشيخ المامقاني ( قده ) : « ويثبت كون الطين طين قبره الشريف بالبينة الشرعية ، وهل يثبت بقول ذي اليد الشيعي ؟ وجهان ، أظهرهما ذلك »(٢٢٦)

طريقة الإستشفاء :

س / هل توجد طريقة للإستشفاء بالتربة الحسينية ؟

جـ / نعم ، وقد ذكر الفقهاء ذلك وهذه كلماتهم كالتالي :

قال المحقق الأردبيلي ( قده ) : « الأخبار في جواز أكلها الإستشفاء كثيرة ، والأصحاب مطبقين عليه ، وهل يشترط أخذه بالدعاء وقراءة( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ ) ؟ ظاهر بعض الروايات في كتب المزار ذلك ، بل مع شرائط أخرى ، حتى ورد أنه قال شخص : إني أكلت وما شفيت ، فقالعليه‌السلام له : إفعل كذا وكذا وورد أيضاً أنّ له غسلاً وصلاة خاصة والأخذ على وجه خاص وربطه وختمه بخاتم يكون نقشه كذا ، ويكون أخذه مقداراً خاصاً ، ويحتمل أنْ يكون ذلك لزيادة

______________________

(٢٢٥) ـ المصدر السابق / ١٨٨ ـ ١٨٩

(٢٢٦) ـ المامقاني ، الشيخ عبد الله : مرآة الكمال ، ج ٣ / ٢٤٠

١٤٢

الشفاء وسرعته وتبقيته لا مطلقاً ، فيكون مطلقاً جائزاً كما هو مشهور ، وفي كتب الفقه مسطور »(٢٢٧)

وقال الفقيه السبزواري ( قده ) : « لأخذ التربة المقدسة وتناولها عند الحاجة آداب وأدعية مذكورة في محالها خصوصاً في كتب المزار ، ولاسيما مزار بحار الأنوار ، لكن الظاهر أنها كلها شروط كمال لسرعة تأثيرها لا أنها شرط لجواز تناولها »(٢٢٨)

وقال الشيخ الأعسم في إرجوزته :

وللحسين تربة فيها الشفا

تشفي الذي على الحِمام أشرفا(٢٢٩)

المقدار المحدد للإستشفاء :

س / هل يوجد قدر محدد للإستشفاء بتربة الحسين عليه‌السلام ؟

ج / المعروف من كلمات الأعلام أنّ القدر المحدد للإستشفاء هو بقدر الحمصة ، بل نسب الفقيه السبزواري ذلك إلى الإجماع والنصوص(٢٣٠)

وقال الشيخ الأعسم :

حَدّ له الشارع حداً خَصّصَهْ

تحريم ما قد زاد فوق الحِمَّصة(٢٣١)

وقال الفاضل المقداد ( قده ) : « قيد الشيخ في( النهاية ) المتناول باليسير ، وهو حسن وإختاره ابن إدريس والعلامة : لحصول الغرض والشفاء في ذلك ، فما زاد يكون حراماً ولما كان اليسير أمراً إضافياً ؛ لأنه رب يسير كثير بالإضافة

______________________

(٢٢٧) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٥٧ / ١٦٠

(٢٢٨) ـ السبزواري ، السيد عبدالأعلى : مهذب الأحكام ، ج ٢٣ / ١٨٤

(٢٢٩) ـ الأعسم ، الشيخ عبدالرزاق : النفحات الذكية ، في شرح الأرجوزة الأعسمية / ١٣٢ ـ ١٣٣

(٢٣٠) ـ السبزواري ، السيد عبدالأعلى : مهذب الأحكام ج ٢٣ / ١٨٣

(٢٣١) ـ الأعسم ـ الشيخ عبدالرزاق : النفحات الذكية في شرح الأرجوزة الأعسمية / ١٣٣

١٤٣

إلى ما هو أقل منه ، ورب كثير يسير بالإضافة إلى ما هو أكثر منه ؛ قيّده المصنف بقدر الحمصة لينضبط ، وهل يجوز الإكثار منه ؟ الأصح لا ، لما ورد عنهمعليهم‌السلام : من أكل زائداً عن ذلك فكأنما أكل من لحومنا »(٢٣٢)

وقال الشيخ المجلسي ( قده ) : « وقد مر التصريح بهذا المقدار في الأخبار ، وكان الأحوط(٢٣٣) عدم التجاوز عن مقدار عدسة لما رواه الكليني عن علي ابن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمّار قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : إنّ الناس يروون أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :إنّ العدس بارك عليه سبعون نبياً فقال : هو الذي تسمونه عندكم الحمص ونحن نسميه العدس » (٢٣٤)

إيضاح واستنتاج :

«الحِمّصة : واحدة الحمص بكسر الحاء وفتح الميم المشددة ؛ هي القيراط الصيرفي والحمصة في كلام علماء العراق هي : الحبة المتعارفة عند العراقيين ، وهي القيراط الصيرفي الذي وزنه أربع حبات قمح »(٢٣٥)

القيراط الصيرفي : « هو أربع حبات أو أربع قمحات كما نص عليه السيد الأمين في ( الدرة البهية / ٨ ) وكما نص عليه في ( حلية الطلاب / ٥٣ ) ، وفي ( كشف الحجاب / ٥٨ ) ، حيث قالا : أربع قمحات قيراط »(٢٣٦)

والقيراط : « هو عشرون جزءاً من الغرام كما في ( حلية الطلاب / ١١٣ ) وقد إختبرناه ؛ فوجدناه صحيحاً فهو : ( ١ / ٥ غرام ) ، فالخمسة قراريط ـ

______________________

(٢٣٢) ـ السيوري ، الشيخ جمال الدين مقداد بن عبدالله : التنقيح الرائع ، ج ٤ / ٥٠

(٢٣٣) ـ ظاهر العبارة ( وان كان الأحوط ) ـ المؤلف

(٢٣٤) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر ، بحار الأنوار ، ج ٥٧ / ١٦١

(٢٣٥) ـ العاملي ، الشيخ إبراهيم سليمان : الأوزان والمقادير / ٢١

(٢٣٦) ـ نفس المصدر / ٢٤

١٤٤

أعني العشرين قمحة ـ هي غرام كما هو واضح »(٢٣٧) فالنتيجة أن الحمصة تساوي ( ١ / ٥ غرام ) ، وهي تعادل العدسة المذكورة في الرواية تقريباً

الدعاء عند الإستشفاء بتربة الحسين (عليه‌السلام ) :

وردت عدة أدعية عند إستعمال التربة الحسينية مذكورة في كتب المزار(٢٣٨) نذكر منها التالي :

عند تناول التربة وأخذها :

قال الشيخ الأعسم في ارجوزته :

لها دعاءانِ فيدعو الداعي

في وقتَّي الأخذ و الإبتلاعِ(٢٣٩)

١ ـ عن أبي أسامة قال : ( كنت في جماعة من عصابتنا بحضرة سيدنا الصادقعليه‌السلام ؛ فأقبل علينا أبو عبد اللهعليه‌السلام فقال : إنّ الله جعل تربة جدي الحسينعليه‌السلام شفاء من كل داء ، وأماناً من كل خوف ، فإذا تناولها أحدكم ؛ فليقبلها ويضعها على عينيه ، وليمرّها على ساير جسده وليقل :اللهم بحق هذه التربة ، وبحق من حَلّ بها وثوى فيها ، وبحق أبيه وأمه وأخيه والأئمة من ولده ، وبحق الملائكة الحافّين به ، إلا جعلتها شفاءً من كل داء ، وبرءاً من كل مرض ، ونجاة من كل آفة ، وحرزاً مما أخاف وأحذر ، ثم ليستعملها ) (٢٤٠)

٢ ـ عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال : ( إذا تناول أحدكم من طين قبر الحسينعليه‌السلام فليقل :اللّهُمَّ إنّي أسألُك بِحقِّ المَلَكِ الّذي تَنَاوَله ، والرّسُولِ الّذي بَوّأهُ ،

______________________

(٢٣٧) ـ المصدر السابق / ٩٢

(٢٣٨) ـ راجع : بحار الأنوار ، ج ٩٨ / ١١٨ ـ ١٤٠ وكامل الزيارات ( باب ٩٣ ، ٩٤ )

(٢٣٩) ـ الأعسم ، الشيخ عبدالرزاق : النفحات الذكية في شرح الارجوزة الاعسمية / ١٣٣

(٢٤٠) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٩٨ / ١١٩

١٤٥

والوَصِيَّ الّذي ضُمِّنَ فيه ، أنْ تَجعَلَه شِفَاءً مِنْ كُلِّ داءٍ كذا وكذا ، وتُسمِّي ذلك الداء ) (٢٤١)

٣ ـ عن أبي جعفر الموصلي ، أن أبا جعفرعليه‌السلام قال : إذا أخذت طين قبر الحسينعليه‌السلام فقل :( اللّهُمّ بِحَقِّ هذه التُّربَة ، وبحَقِّ المَلَكِ المُوَكَّل بِهَا ، وبحَقِّ المَلَكِ الذّي كرّبهَا ، وبِحَقِّ الوّصيِّ الّذي هُوَ فيها ، صَلِّ على مُحَمّد وآلِ محمدٍ ، واجْعَلْ هذا الطّينَ شِفَاءً لي منْ كُلِّ داءٍ ، وأَمَاناً منْ كُلِّ خَوْفٍ ) (٢٤٢)

٤ ـ وروي : إذا أخذته فقل :( بِسْم الله ، اللّهُمّ بِحَقِّ هذه التُّرْبَة الطّاهرَة ، وبِحَقِّ البُقْعَةِ الطَّيَّبةِ ، وبِحقَّ الوَصِيِّ الّذِي تُوارِيه ، وبِحَقِّ جَدِه وأبيه وأمه وأخيه والمَلائِكةِ الّذين يَحُفُّونَ به ، والمَلَائِكةِ العُكُوف على قَبْر وَليِّك ، ينتظرون نَصْرَه صَلّى اللهُ عَلَيْهِم أجمعين ، إجْعَل لي فيه شِفَاءً من كُلّ دَاء ، وأماناً من كُلّ خَوْفٍ ، وغِنىً من كُلّ فَقْرٍ ، وعِزّاً من كُلّ ذُلّ ، وأوسِعْ به عَلَيّ في رِزْقي ، وأصِحّ به جِسْمِي ) (٢٤٣)

٥ ـ وروي أن رجلاً سأل الصادقعليه‌السلام فقال : ( إني سمعتك تقول : إن تربة الحسينعليه‌السلام من الأدوية المفردة ، وإنها لا تمر بداء إلا هضمته ، فقال : قد كان ذلك ( أو قد قلت ذلك ) فما بالك ؟ فقال : إني تناولتها فما إنتفعت بها ، قال : أما إن لها دعاء فمن تناولها ولم يدعُ به واستعملها لم يكن ينتفع بها ، قال : فقال له : ما يقول إذا تناولها ؟ قال : تقبلها قبل كل شيء وتضعها على عينيك ، ولا تناول منها أكثر من حِمّصَه ، فإن من تناول منها ______________________

(٢٤١) ـ ابن قولويه ، الشيخ جعفر بن محمد : كامل الزيارات / ٤٦٩ ـ ٤٧٢

(٢٤٢) ـ نفس المصدر

(٢٤٣) ـ نفس المصدر

١٤٦

أكثر فكأنما أكل من لحومنا ودمائنا ، فإذا تناولت ؛ فقل :اللّهم إني أسْأَلُك بِحَقِّ المَلَكِ الذي قبضها ، وبِحَقِّ المَلَكِ الذي خَزَنَها ، وأسْأَلُك بِحَقِّ الوَصِيِّ الذي حَلَّ فيها ، أن تُصَلِّي على محمد وآل محمد ، وأن تَجعَلَهُ شِفَاءً من كُلِّ دَاءٍ ، وأمَاناً من كُلِّ خَوْفٍ ، وحِفْظَاً من كُلِّ سُوءٍ . فإذا قلت ذلك فاشددها في شيء وأقرأ عليها إنا أنزلناه في ليلة القدر ، فإن الدعاء الذي تقدم لأخذها ؛ هو الإستئذان عليها ، واقرأ إنا أنزلناه ختمها )(٢٤٤)

عند أكلها للإستشفاء :

١ ـ روى الشيخ في المصباح ، عن الصادقعليه‌السلام : ( طين قبر الحسينعليه‌السلام شفاء من كل داء ؛ فإذا أكلت منه ؛فقل : بسم الله و بالله ، اللهم إجعله رزقاً واسعاً ، وعلماً نافعاً ، وشفاء من كل داء ، إنك على كل شئ قدير ، اللهم رب التربة المباركة ، ورب الوصي الذي وارته ، صلِّ على محمد وآل محمد ، واجعل هذا الطين شفاءً من كل داء ، وأماناً من كل خوف ) (٢٤٥)

٢ ـ وروي حنان بن سدير ، عن أبيه ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام أنه قال :( مَنْ أكَلَ مِنْ طِينِ قَبْرِ الحسين عليه‌السلام غير مستشفٍ به فكأنما أكل من لحومنا ، فإذا إحتاج أحدكم للأكل منه ليستشفي به ، فليقل : بِسْمِ الله وبالله ، اللّهُمّ رَبَّ هذه التُّربَةِ المُبَارَكَةِ الطّاهِرَةِ ، ورَبّ النُّور الّذي أُنزل فيه ، ورَبّ الجَسَدِ الذي سَكَن فيه ، ورَبّ الملائكة المُوكِّلين به ، إجْعَلْهُ لي شِفاءً من دَاءِ كذا وكذا ، وأجرع من الماء جرعه خلفه ، وقل : اللّهُمَّ إجْعَلْه رِزْقَاً وَاسعاً ،

______________________

(٢٤٤) ـ الطوسي ، الشيخ محمد بن الحسن : مصباح المتهجد / ٥١٠ ـ ٥١١

(٢٤٥) ـ الأمين ، السيد محسن : مفاتيح الجنات ، ج ١ / ٤٥٥

١٤٧

وعِلْماً نَافِعاً ، وشِفَاءً من كل دَاءٍ وسُقْمٍ فإن الله تعالى يدفع عنك بها كل ما تجد من السقم والغم إن شاء الله تعالى ) (٢٤٦)

٣ ـ عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال :( طين قبر الحسين عليه‌السلام شفاء من كل داء ، وإذا أكلته فقل : بسم الله وبالله ، اللّهُمّ أجْعَلْهُ رِزْقَاً واسِعاً ، وعِلْماً نافِعاً ، وشِفاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ إنّكَ على كُلِّ شيء قدير ) (٢٤٧)

٤ ـ وروي عنهعليه‌السلام قال :( إذا أكلته تقول : اللّهُمّ رَبِّ هذه التُّربَة المباركة ، ورَبّ هذا الوَصِيّ الذي وَارَتْهُ ، صَلِّ على محمد وآل محمد ، واجْعَلْهُ عِلْماً نافِعَاً ، ورِزْقَاً واسعاً ، وشِفَاءً من كُلِّ داء ) (٢٤٨)

٥ ـ وروي عنهعليه‌السلام قال :( إذا أخذت من تربة المظلوم ووضعتها في فيك فقل : اللّهُمّ إنّي أسْأَلُك بِحَقِّ هذه التُّربَة ، وبِحَقّ المَلَكِ الذي قَبَضَها ، والنّبيِّ الذي حَضَنَها ، والإمام الذي حَلّ فيها ، أن تُصلِّي على محمدٍ وآل محمدٍ ، وأن تَجْعَل لي فيها شِفَاء نافِعَاً ، ورِزْقَاً واسِعَاً ، وأمَانَاً من كُلّ خَوْف ودَاءِ فإذا قال ذلك ؛ وهب الله له العافية ) (٢٤٩)

عند حملها للإحتراز :

ذكر ابن طاووس : « إنه لما ورد الصادقعليه‌السلام إلى العراق إجتمع إليه الناس فقالوا : يا مولانا تربة قبر مولانا الحسين شفاء من كل داء ، وهل هي أمان من كل خوف ؟ فقال : نعم إذا أراد أن تكون أماناً من كل خوف ؛ فليأخذ السبحة من تربته ويدعو دعاء ليلة المبيت على الفراش ثلاث مرات وهو :( أمسيت اللهم

______________________

(٢٤٦) ـ الطوسي ، الشيخ محمد بن الحسن : مصباح النهجد / ٥١٠ ـ ٥١١

(٢٤٧) ـ ابن قولويه ، الشيخ جعفر بن محمد : كامل الزيارات / ٤٧٩

(٢٤٨) ـ نفس المصدر / ٤٧٧

(٢٤٩) ـ نفس المصدر

١٤٨

معتصماً بذمامك المنيع الذي لا يطاول إلخ ) ، ثم يقبل السبحة ويضعها على عينيه ويقول :( اللّهُمّ إنّي أسْألُك بِحَقّ هذه التُّربَة ، وبِحَقّ صَاحِبها ، وبِحَقّ جَدّه وأبيه ، وبحق أمه وأخيه ، وبِحَقِّ ولده الطاهرين ، إجْعَلْها شِفَاءً من كُلِّ دَاءٍ ، وأمَاناً من كُلِّ خَوْفٍ ، وحِفْظَاً من كُلِّ سُوء ، ثم يضعها في جيبه فإن فعل ذلك في الغدوة ؛ فلا يزال في أمان حتى العشاء ؛ وإن فعل ذلك في العشاء ، فلا يزال في أمان الله حتى الغدوة » (٢٥٠)

ـ عن أبي حمزة الثمالي قال : قال الصادقعليه‌السلام :( إذا أردت حمل الطين ـ طين قبر الحسين عليه‌السلام ) ـ ، فأقرأ فاتحة الكتاب ، والمعوذتين ، و( قُلْ هُوَ
اللَّـهُ أَحَدٌ
) ، و( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) ، و( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ،ويس ، وآية الكرسي ، وتقول :( اللّهُمّ بِحَقِّ مُحَمدٍ عَبْدِك وحَبيبكَ ونَبِيِّك ورَسُولِكَ وأمِينكَ ، وبِحَقِّ أميرِ المُؤمِنين عَليِّ بن أبي طالب عَبْدِكَ وأخي رسُولِك ، وبِحَقِّ فَاطِمةَ بِنْتِ نَبِيِّكَ وزوْجَة وَليِّكَ ، وبِحَقِّ الحَسَنِ والحُسَيْنِ ، وبِحَقِّ الأئمَّة الرّاشِدَينَ ، وبِحَقِّ هذه التُّرْبَةِ ، وبِحَقِّ المَلَكِ المُوَكِّل بها ، وبِحَقِّ الوَصيّ الّذي حَلّ فيها ، وبِحَقِّ الجَسَدِ الّذي تضمّنَتْ ، وبِحَقِّ السِّبْطِ الّذي ضمنت ، وبِحَقِّ جَميعِ مَلائِكتِكَ وانْبِيَائِك ورُسُلِكَ ، صَلّ على مُحَمّدٍ وآل محمدٍ ، واجعَلْ هذا الطِّين شِفَاءً لي وَلَمن يَسْتَشْفِي به من كُلِّ دَاءٍ وسُقْمَ ومَرَضٍ ، وأمَاناً مِنْ كُلِّ خَوْفٍ اللّهُمّ بِحَقِّ محمد وأهلِ بيته إجْعَله عِلْماً نافِعَاً ، ورِزْقَاً واسعاً ، وشِفَاء من كُلِّ دَاءٍ وسُقْم ، وآفة وعَاهةٍ ، وجميع الأوجاع كلها ، إنك على كل شيء قدير )

______________________

(٢٥٠) ـ ابن طاووس ، السيد رضي الدين علي بن موسى : فلاح السائل / ٢٢٤ ـ ٢٢٥

١٤٩

وتقول :( اللّهُمّ رَبَّ هذه التُّربَة المباركَة الميمونَةِ ، والمَلَكِ الذي هَبَط بَها ، والوَصّي الذي هو فيها ، صلِّ على محمد وآل محمد وسلّم وأنفعني بها ، إنّك على كلِّ شيء قدير ) (٢٥١)

ـ وروي عن الإمام الصادقعليه‌السلام :( اللّهُمّ إنَّي أخَذْتُه مِنْ قَبْرِ وَليِّكَ وابن وَليِّكَ ، فَاجْعَلْهُ لي أمْنَاً وحِرْزَاً لما أخَافُ ومَالَا أخَافُ ) (٢٥٢)

______________________

(٢٥١) ـ ابن قولويه ، الشيخ جعفر بن محمد : كامل الزيارات / ٤٧٥ ـ ٤٧٦

(٢٥٢) ـ آل طعان ، الشيخ احمد بن الشيخ صالح : الصحيفة الصادقية / ٢٩٤

١٥٠

١٥١
١٥٢

توطئة :

س / عرفنا مما سبق المقصود بالتربة الحسينية ، وطريقة الإستشفاء بها ، وبقي شئ وهو ما هي الأدلة التي يمكن أنْ تعتمدها الشيعة الإمامية في الإستشفاء بهذه التربة الزكية ؟

ج / من أهم الأدلة التي يمكن عرضها هي التالي :

الدليل النقلي :

وهو يتكون من عنصرين هما :

الأول : حث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الإستشفاء بتربة المدينة ، ويمكن ذكر ذلك في طائفتين :

الأولى ـ الإستشفاء بغبار المدينة :

١ ـ ( غبار المدينة شفاء من الجذام )(٢٥٣)

٢ ـ ( غبار المدينة يبرئ الجذام )(٢٥٤)

٣ ـ ( إنّ في غبارها شفاء من كل داء )(٢٥٥)

الثانية ـ الإستشفاء بتراب المدينة :

أ ـ ( والذي نفسي بيده إنّ تربتها لمؤمنة ، وأنها شفاء من الجذام )(٢٥٦)

ب ـ ( مالكم يا بني الحارث رَوْبَى ؟ قالوا : أصابتنا يا رسول الله هذه الحمى ، قال فأين أنتم عن صُعَيْب )(٢٥٧)

______________________

(٢٥٣ ـ ٢٥٦) ـ المتقي الهندي ، علاء الدين علي بن حسام الدين : كنز العمال ، ج ١٣ / ٢٠٥

ـ السمهودي ، السيد نور الدين ، علي : وفاء الوفاء ، ج ١ / ( ٦٧ ـ ٦٨ )

(٢٥٧) ـ قال أبو القاسم ، طاهر بن يحيى العلوي : صعيب : وادي بطحان دون الماجشونية ، وفيه حفرة مما يأخذ الناس منه ، وهو اليوم إذا وبأ إنسان أخذ منه وقال ابن النجار عقبه : وقد رأيت أنا هذه الحفرة اليوم ، والناس يأخذون منها ، وذكروا أنهم قد جربوه ، فوجدوه صحيحاً ) وفاء الوفاء ، ١ / ٦٨

١٥٣

قالوا : يا رسول الله ما نصنع به ؟ قال : تأخذون من ترابه فتجعلونه في ماء ، ثم يتفل عليه أحدكم ويقول : بسم الله ، تُرابُ أرضنا ، بريق بعضنا ، شفاء لمريضنا ، بإذن ربنا ففعلوا فتركتهم الحمى )(٢٥٨)

ج ـ وروى ابن زَبَالة : ( أنّ رجلاً أتى به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبرجله قرحة ، فرفع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طرف الحصيرة ، ثم وضع إصبعه التي تلي الإبهام على التراب بعدما مسّها بريقه ، بسم الله ، ريق بعضنا ، بتربة أرضنا يشفي سقيمنا ، بإذن ربنا ، ثم وضع إصبعه على القرحة فكأنما حُلّ من عِقَال )(٢٥٩)

تعقيب وإستدراك :

« قال الزركشي : ينبغي أنْ يستثنى من منع نقل تراب الحرم تربة حمزة رضي الله عنه ، لإطباق الناس على نقلها للتداوي بها »(٢٦٠)

« وحكى البرهان بن فرحون ، عن الإمام العالم أبي محمد عبد السلام بن إبراهيم بن ومصال الحاحاني قال : نقلت من كتاب الشيخ العالم أبي محمد صالح الهزميري قال : قال صالح بن عبد الحليم : سمعت أبا محمد عبد السلام بن يزيد الصنهاجي يقول : سألت أحمد ابن بكوت عن تراب المقابر الذي كان الناس يحملونه للتبرك هل يجوز أو يمنع ؟ فقال : هو جائز ومازال الناس يتبركون بقبور العلماء والشهداء والصالحين ، وكان الناس يحملون تراب قبر سيدنا حمزة بن عبد المطلب في القديم من الزمان قال ابن فرحون عَقِبَهُ : والناسُ اليوم يأخذون من تربة قريبة من مشهد سيدنا حمزة ، ويعملون خرزاً يشبه

______________________

(٢٥٨) ـ السمهودي ، السيد نور الدين ، علي بن حسام الدين : وفاء الوفاء ، ج ١ / ٦٨

(٢٥٩) ـ نفس المصدر / ٦٩

(٢٦٠) ـ نفس المصدر

١٥٤

السبح وإستدل ابن فرحون بذلك على جواز نقل تراب المدينة ، وقد علمت مما تقدم أن نقل تراب حمزة ـ رضی الله عنه ـ إنما للتداوي ؛ ولهذا لا يأخذونها من القبر بل من المسيل الذي عندْ المسجد ) ؟ »(٢٦١)

أقول : إنّ التبرك والإستشفاء بتراب المدينة وغبارها ، وما ذكرته الروايات من فعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكذلك سيرة المسلمين من الأصحاب والتابعين ، هي سيرة الشيعة الإمامية في التبرك و الإستشفاء بتربة الحسينعليه‌السلام ، فكيف ينكر عليها بالخصوص دون غيرها ؟!!

الثاني ـ حق أهل البيت على الإستشفاء بتربة الحسين :

وردت أحاديث كثيرة في التبرك والإستشفاء بتربة الحسينعليه‌السلام ، وهذه بعضها كالتالي :

١ ـ عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال :( عند رأس الحسين عليه‌السلام لتربة حمراء فيها شفاء من كل داء ) (٢٦٢)

٢ ـ عن ابن أبي يعفور قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام :( يأخذ الإنسان من طين قبر الحسين عليه‌السلام فينتفع به ويأخذ غيره فلا ينتفع ، فقال : لا والله لا يأخذه أحد وهو يرى أن الله ينفعه به إلا نفعه به ) (٢٦٣)

٣ ـ عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال :( من أصابة عِلّة ؛ فبدأ بطين قبر الحسين عليه‌السلام شفاه الله من تلك العلة ؛ إلا أن تكون علّة السام ) (٢٦٤)

______________________

(٢٦١) ـ المصدر السابق / ١١٦

(٢٦٢) ـ الحر العاملي ، الشيخ محمد بن الحسن : وسائل الشيعة ، ج ١٠ / ٤٠٩ ( باب (٧٠) من المزار وما يناسبه ، حديث ـ ٢ ، ١ )

(٢٦٣) ـ نفس المصدر

(٢٦٤) ـ نفس المصدر / ٤١٢ (باب ـ ٧٠ ـ ، حديث ١٣)

١٥٥

٤ ـ عن الكاظمعليه‌السلام في حديث( ولا تأخذوا من تربتي شيئاً لتتبركوا به ، فإنّ كل تربة لنا مُحرّمة إلا تربة جدي الحسين بن علي عليه‌السلام ، فإن الله عَزّ وجَلّ جعلها شفاء لشيعتنا وأوليائنا ) (٢٦٥)

٥ ـ عن سعد بن سعد الأشعري ، عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال سألته عن الطين الذي يؤكل فقال :( كل طين حرام كالميتة والدم وما أُهِلّ لغير الله به ما خلا طين قبر الحسين عليه‌السلام ، فإنه شفاء من كل داء ) (٢٦٦)

٦ ـ عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال :( أكل الطين حرام على بني آدم ما خلا طين قبر الحسين عليه‌السلام ، من أكله من وجع ؛ شفاه الله ) (٢٦٧)

وبعد ذكر هذه الأحاديث المروية عن أهل بيت العصمة والطهارة ، فهل يشك مسلم في التبرك والإستشفاء بتربة سيد الشهداء أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ؟ بل هو وأخوه سيدا شباب أهل الجنة ، وأحد سبطي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن تحدث عن فضله القرآن الكريم والأحاديث النبوية ، ومن ثبت في حقه أنّ تربته الطاهرة الزكيه قبضها جبريل وأعطاها لجده المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكل ذلك من المسَلّمات بين الصحابة والتابعين ، فلماذا النبذ والعتاب الشديد اللهجة على عمل الشيعة الإمامية من التبرك والإستشفاء بتربته الطاهرة ؟!

ألا يكفي كل ذلك على صحة عمل الشيعة الإمامية وبرائتهم من كل ما اُتهموا به من أباطيل ؟

______________________

(٢٦٥) ـ المصدر السابق / ٤١٤ ( باب ـ ٧٢ ـ ، حديث ، ٢ )

(٢٦٦) ـ نفس المصدر / ٤١٥ ـ حديث (٣)

(٢٦٧) ـ نفس المصدر ، ج ١٦ / ٣٩٧ ، ( باب ٥٩ ـ باب عدم تحريم أكل طين قبر الحسين (ع) بقصد الشفاء ، حديث ٤ )

١٥٦

الدليل العلمي :

يتضح هذا الدليل بعد ذكر السؤال التالي والإجابة عليه

س / هل الإستشفاء بتربة الحسين عليه‌السلام ونحوها من الإستشفاء بماء زمزم وماء الميزاب ، من التبرك فقط ، أو لوجود أثر طبي وكيميائي زيادة على ذلك ؟

ج / إختلف العلماء في ذلك على رأيين هما :

الأول ـ التبرك والإيحاء :

قال الشيخ المجلسي ( قده ) : « وقد يكون بعض الأدوية التي لا مناسبة لها بمرض على سبيل الإفتتان والإمتحان ، ليمتاز المؤمن المخلص القوي الإيمان من المنتحل أو ضعيف الإيمان ، فإذا إستعمله الأول إنتفع به لا لخاصيته وطبعه ، بل لتوسله بمن صدر عنه ويقينه وخلوص متابعته ، كالإنتفاع بتربة الحسين عليه السلام ، وبالمعوذات ، والأدعية »(٢٦٨) وعلى هذا بعض علماء الأمامية

وإستنتج الدكتور النسيمي الآتي :

« يتفق علماء المسلمين مع الأطباء في شأن الإيحاء وأثره في المعالجة »(٢٦٩)

وقال أيضاً : « يقصد بالمعالجة الروحية منذ القديم ، تطمين المريض ورفع معنوياته ، والإيحاء اليه بأنّ مرضه سيسير عاجلاً في طريق الشفاء وفي الغالب في وسائلها أنْ تكون غير عقارات ، وقد تكون عقارات يراد بها الإيحاء بأنها دواء لِعِلّة المريض عندما يكون علاجها الناجح مفقوداً أو غير مكتشف »(٢٧٠)

______________________

(٢٦٨) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ج ٥٩ / ٧٦

(٢٦٩) ـ النسيمي ، الدكتور محمود ناظم : الطب النبوي والعلم الحديث ، ج ٣ / ١٨٧

(٢٧٠) ـ نفس المصدر / ١٣٥

١٥٧

وقال أيضاً : « يعتقد المسلمون في النتائج الحسنة للرقي المشروعة بأمر زائد على الإيحاء ، هو معونة الله القادر على كل شيء يُقدِّمها حتى في غير الأمراض النفسية والوظيفية ، إجابة لدعوة المضطر الصادرة من أعماق نفسه أو معونة أو إكراماً لعبده الصالح والراقي والمرقي الذي رجاه »(٢٧١)

الثاني ـ التبرك ووجود خصائص طبية وكيميائية :

قال الشيخ كاشف الغطاء ( قده ) : « أفلا يجوز أنْ تكون لتلك الطينة عناصر تكون بلسماً شافياً من جملة من الأسقام ، قاتلة للميكروبات ولا نكران ولا غرابة ، فتلك وصفة روحية من طبيب رباني يرى بنور الوحي والإلهام ما في طبائع الأشياء ، وبعرف أسرار الطبيعة وكنوزها الدفينة التي لم تصل إليها عقول البشر بعد ، ولعلّ البحث والتحري والمثابرة سوف يوصل اليها ، ويكشف سِرّها ، ويَحلُّ طَلْسَمَها ، كما إكتشف سِرّ كثير من العناصر ذات الأثر العظيم مما لم تصل إليه معارف الأقدمين ، ولم يكن ليخطر على باب واحد منهم مع نقدهم وسمو أفكارهم وعظم آثارهم ، وكم من سِرّ دفين ومنفعة جليلة في موجودات حقيرة وضئيلة لم تزل مجهولة لا تخطر على بال ولا تمر على خيال ، وكفي ( بالبنسلين ) وأشباهه شاهداً على ذلك ، نعم لا تزال أسرار الطبيعة مجهولة إلى أن يأذن الله للباحثين بحِلِّ رموزها وإستخراج كنوزها ، والأمور مرهونة بأوقاتها ولكل أجل كتاب ، ولا يزال العلم في تجدد فلا تبادر إلى الإنكار إذا بلغك أن بعض المرضى عجز الأطباء عن علاجهم ، وحصل

______________________

(٢٧١) ـ المصدر السابق / ١٨٧

١٥٨

لهم الشفاء بقوة روحية ، وأصابع خفية من إستعمال التربة الحسينية ، أو من الدعاء والإلتجاء إلى القدرة الأزلية ، أو ببركة دعاء بعض الصالحين »(٢٧٢)

ويؤيد هذا الرأي الشواهد التالية :

١ ـ ما ذكره المهندس يحي حمزة كوشك في كتابه ( زمزم طعام طعم وشفاء سقم ) ، الذي صدر عام ١٤٠٣ هـ : « وتؤكد التحاليل الكيميائية ومقارنتها بالمواصفات العالمية ، على أنّ ماء زمزم صالح تماماً للشرب ، وأنّ أثره الصحي جيد ، وقد وجد أنّ تركيز عنصر الصوديوم يُعدُّ مرتفعاً لكن لا يوجد ضمن المواصفات العالمية المنشورة جداً لأعلى تركيز للصوديوم ، كما وجد أنّ الأربعة عناصر السامة الموجودة : وهي الزرنيخ ، والكاذميوم ، والرصاص ، والسيلينيوم ، هي أقل من مستوى الضرر بكثير بالنسبة للإستخدام البشري ، لذلك فإنّ مياه زمزم خالية من أي أضرار صحية ، بل هي مفيدة جداً بقدرة الله تعالى »(٢٧٣)

٢ ـ « وبرهن العالم واكسمان ، والدكتور إلبرت ، أنّ التراب جراثيم نافعة يمكن إستخراجها ومعالجة الأمراض السارية بها وفعلاً اُستخرج دواء من التراب بإسم ( استربتوماسين ) الذي يعالج بها السل ، والتايفوئيد ، والجراحات المزمنة ، والإسهال القوي ، وذات الرئة وإلتهاب الحلق »(٢٧٤)

٣ ـ «والعلاج بالطين طريقة أثبتت التجارب نجاحها في إحداث الشفاء من كثير من الأمراض التي إستعصت على العقاقير المسكنة والمهدئة والمنشطة وغيرها

______________________

(٢٧٢) ـ كاشف الغطاء ، الشيخ محمد حسين : الأرض والتربة الحسينية / ٢٨ ـ ٢٩

(٢٧٣) ـ عبد القادر ، د / أحمد المهندس ( ماء زمزم الأمن المائي وصحة الحجيج ) ، القافلة ـ م / ٤٢ محرم / لعام ١٤١٤ هـ ص / ٤٤

(٢٧٤) ـ الدهان ، سعيد ناصر : القرآن والعلوم / ١٦٨

١٥٩

.. وأفادت في الوقاية من آفات أخرى أي أن لها إتجاهين : إتجاهاً وقائياً وعلاجياً

ويتم إستخدام العلاج بالطين للمرضى القادمين من أمريكا والمجر ويوغسلافيا وجميع أنحاء أوروبا ، للوقاية من السمنة ، والسكر ، وإضطرابات النمو عند الأطفال ، وإلتهابات الجهاز التنفسي ، ونوبات الربو ، والأعصاب ، كما أفادت النساء في الوقاية من الإختلافات في العظم الهورموني وحالات الدوالي كما ينصح به لمن لم تمارس أعمالاً فيزيائية متعبة ، أو لديه ميول نحو السمنة كما أظهر العلاج بالطين نتائج مذهلة في معالجة كثير من الأمراض الجلدية الإكزمائية التي إستعصت على المراهم والأدوية »(٢٧٥)

هذه بعض الشواهد المؤيدة لرأي الشيخ كاشف الغطاء ( قده ) في دليله المتقدم

وبعد هذا ، فأي مانع أنْ تكون في التربة الحسينية تلك الخصوصية الطبية والكيميائية كما كانت في ماء زمزم ؟ والخلاصة التي توصلنا إليها في الدليل العلمي ، إنّ التربة الحسينية بما تحمله من خصائص البركة إنما هي كرامة إلهية للحسينعليه‌السلام كما أنّ مقتضى البركة والكرامة أنْ توجد فيها خصائص طبية وكيميائية تفوق وجودها في التراب والطين الآخر الموجود في بقاع الأرض وكذلك المياه ، وقد حصل لماء زمزم ، ومقتضى هذه الكرامة الإلهية أنْ تكون على مدى العصور ، يحظى بها من إعتقد بها ، ويحرم منها من جهلها وتهاون بها وقد أشار إلى هذا إمامنا الصادقعليه‌السلام بقوله : ( وإنما يفسدها ما يخالطها من أوعيتها وقلة اليقين لمن يعالج بها ، فأما من أيقن أنها له شفاء إذا تعالج بها ؛ كفته بإذن الله من غيرها مما يتعالج به ، ويفسدها الشياطين والجن من أهل الكفر

______________________

(٢٧٥) ـ عبد الصمد ، محمد كامل : ثبت علمياً ، ج ١ / ( ٣٨ ـ ٣٩ )

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

أمّا الآية التالية فتوضح ما أجملته الآية السابقة وتؤكّده بالقول :( الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ ) .

وأمّا الآية الثّالثة ـ من الآيات محل البحث ـ فتقول : إنّ الله أنعم على المؤمنين والمهاجرون والمجاهدين في سبيله ثلاث مواهب هي :

١ ـ( يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ ) .

٢ ـ( وَرِضْوانٍ ) .

٢٣ ـ( وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ ) .

وتعقب الآية الأخيرة لمزيد التوكيد بالقول( خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ) .

* * *

ملاحظتان

١ ـ تحريف التاريخ

كما قرأنا آنفا في شأن نزول الآيات محل البحث ، وطبقا لرواية وردت في كثير من كتب الآيات أهل السنة الشهيرة ، أنّها نزلت في عليعليه‌السلام وبيان فضائله ، على أنّ مفهوم الآيات عام واسع «وقد قلنا مرارا بأن أسباب النّزول لا تحدّد مفاهيم الآي».

إلّا أنّ بعض مفسّري أهل السنة لم يرغب في أن تثبت للإمام عليعليه‌السلام فضائل بارزة مع اعتقادهم بأنّه رابع خلفاء المسلمين! وكأنّهم خافوا إن أذعنوا لما يجدونه عند عليعليه‌السلام من الفضائل أن يقف الشيعة أمامهم متسائلين : لم قدّمتم على علي غيره؟

فلذلك أغمضوا النظر عن كثير من مناقبه وفضائله ، وسعوا جاهدين لأن

٥٦١

يقدحوا في سند الرواية التي تذكر فضل عليعليه‌السلام على غيره أو في دلالتها.

ويا للأسف ما زال هذا التعصب المقيت ممتدا إلى عصرنا الحاضر ، حتى أنّ بعض علمائهم المثقفين لم يسلموا من هذا الداء الوبيل والتعصب دون دليل!

ولا أنسى المحاورة التي جرت بيني وبين بعض علماء أهل السنة ، إذ أظهر كلاما عجيبا عند ذكرنا لمثل هذه الأحاديث ، فقال : في عقيدتي أنّ الشيعة يستطيعون أن يثبتوا جميع معتقدات مذهبهم «أصولها وفروعها» من مصادرنا وكتبنا ، لأنّ في كتبنا أحاديث كافية لصالح آراء الشيعة وصحة مذهبهم.

إلّا أنّه من أجل أن يريح نفسه من جميع هذه الكتب ، قال : أعتقد أن أسلافنا كانوا حسني الظن ، وقد أوردوا كل ما سمعوه في كتبهم ، فليس لنا أن نأخذ كل ما أوردوه ببساطة!! «طبعا كان حديثه يشمل الكتب الصحاح والمسانيد المعتبرة وما هو عندهم في المرتبة الأولى».

فقلت له : ليس هذا هو الأسلوب في التحقيق ، حيث يعتقد إنسان ما بمذهب معين ، لأنّ آباءه كانوا عليه وورثه عن سلفه ، فما وجده من حديث ينسجم ومذهبه قال : إنّه صحيح ، وما لم ينسجم حكم عليه بعدم الصحة ، لأنّ السلف الصالح كان حسن الظن ، حتى لو كان الحديث معتبرا.

فما أحسن أن نختار أسلوبا آخر للتحقيق بدل ذلك ، وهو أن نتجرّد من عقيدتنا الموروثة ثمّ ننتخب الأحاديث الصحيحة دون تعصب.

ونسأل الآن : لماذا سكتوا عن الأحاديث الشهيرة التي تذكر فضل علي وعلو مقامه ، بل نسوها وربّما طعنوا فيها ، فكأن مثل هذه الأحاديث لا وجود لها أصلا؟

ومع الالتفات إلى ما ذكرناه آنفا ، ننقل كلاما لصاحب تفسير «المنار» المعروف ، إذ أهمل شأن نزول الآيات محل البحث المذكور آنفا ، ونقل رواية لا تنطبق ومحتوى الآيات أصلا ، وينبغي أن نعدّها حديثا مخالفا للقرآن ، فقال عنها : إنّها معتبرة!

٥٦٢

وهي ما نقل عن النعمان بن بشير إذ يقول : كنت جالسا في عدة من أصحاب النّبي إلى جوار منبره ، فقال بعضهم : لا أرى عملا بعد الإسلام أفضل من سقاية الحاج وإروائهم ، وقال الآخر : إنّ عمارة المسجد الحرام أفضل من كل عمل ، فقال الثالث ، في سبيل الله أفضل ممّا قلتما.

فنهاهم عمر عن الكلام وقال : لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله ـ وكان ذلك اليوم يوم الجمعة ـ ولكنّي سأسأل رسول الله بعد الفراغ من الصلاة ـ صلاة الجمعة ـ في ما اختلفتم فيه.

وبعد أن أتمّ صلاته جاء إلى رسول الله فسأله عن ذلك ، فنزلت الآيات محل البحث(١) .

إلّا أنّ هذه الرّواية لا تنسجم والآيات محل البحث من عدّة جهات ، ونحن نعرف أن كلّ رواية مخالفة للقرآن ينبغي أن تطرح جانبا ويعرض عنها ؛ لأنّه :

أوّلا : لم يكن في الآيات محل البحث قياس ما بين الجهاد وسقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام ، بل القياس ما بين سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام من جهة ، والإيمان بالله واليوم الآخر والجهاد من جهة أخرى ، وهذا يدل على أن من كان يقوم بمثل السقاية والعمارة في زمان الجاهلية كان يقيس عمله بالإيمان والجهاد. فالقرآن يصرّح بأنّ سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام لا يستويان ـ كل منهما ـ مع الإيمان بالله والجهاد في سبيله وليس القياس بين الجهاد وعمران المسجد وسقاية الحاج (لاحظ بدقة).

ثانيا : إنّ جملة( وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) تدل على أن أعمال الطائفة الأولى كانت معروفة بالظلم ، وإنما يفهم ذلك فيما لو كانت هذه الأعمال صادرة في حال الشرك ، لإنّ القرآن يقول( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) (٢) .

__________________

(١) تفسير المنار ، ج ١٠ ، ص ٢١٥.

(٢) سورة لقمان : الآية ١٣.

٥٦٣

ولو كان القياس بين الإيمان وسقاية الحاج المقرونة بالإيمان والجهاد ، لكانت جملة( وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) لغوا ـ والعياذ بالله ـ لأنّها حينئذ لا مفهوم لها هنا.

ثالثا : إنّ الآية الثّانية ـ محل البحث ـ التي تقول( الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً ) مفهومها أن أولئك أفضل وأعظم درجة ممن لم يؤمنوا ولم يهاجروا ولم يجاهدوا في سبيل الله ، وهذا المعنى لا ينسجم وكلام النعمان ـ آنف الذكر ـ لأنّ المتكلمين وفقا لحديثه كلهم مؤمنون ولعلهم أسهموا في الهجرة والجهاد.

رابعا : كان الكلام في الآيات المتقدمة عن إقدام المشركين على عمارة المساجد وعدم جواز ذلك :( ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ ) والآيات محل البحث تعقب على الموضوع ذاته ، ويدل هذا الأمر على أن موضوع الآيات هو عمارة المسجد الحرام وسقاية الحاج حال الشرك ، وهذا لا ينسجم ورواية النعمان.

والشيء الوحيد الذي يمكن أن يستدل عليه هو التعبير ب( أَعْظَمُ دَرَجَةً ) حيث يدل على أن الطرفين المقيسين كل منهما حسن بنفسه ، وإن كان أحدهما أعظم من الآخر.

إلّا أنّ الجواب على ذلك واضح ، لأنّ أفعل التفضيل غالبا تستعمل في الموازنة بين أمرين ، أحدهما واجد للفضيلة والآخر غير واجد ، كأن يقال مثلا : الوصول متأخرا خير من عدم الوصول ، فمفهوم هذا الكلام لا يعني أن عدم الوصول شيء حسن ، لكن الوصول بتأخير أحسن.

أو أننا نقرأ في القرآن( وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ) أي من الحرب [سورة النساء الآية ٢٨] فهذا لا يعني أنّ الحرب شيء حسن.

أو نقرأ مثلا( وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ ) [سورة البقرة الآية ٢٢١] ترى

٥٦٤

هل المشرك حسن وفيه خير؟!

أو نقرأ في سورة التوبة ذاتها (الآية ١٠٨)( لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ ) أي أحق من مسجد ضرار الذي بناه المنافقون للعبادة ، مع أننا نعرف أن العبادة في مسجد ضرار ليست بحق أبدا ، فنظير هذه التعابير في القرآن واللغة العربية ، بل في سائر اللغات كثير.

من مجموع ما ذكرناه نستنتج أن رواية النعمان بن بشير لأنّها مخالفة لمحتوى القرآن ينبغي أن تطرح وتنبذ جانبا ، وأن نأخذ بما ينسجم وظاهر الآي ، وهو ما قدمناه بين يدي تفسير هذه الآيات ، على أنّه سبب لنزولها ، وأنّه لفضيلة كبرى لإمام الإسلام العظيم عليعليه‌السلام .

نسأل الله أن يثبت أقدامنا على متابعة الحق وأهله من الأئمّة الصالحين ، وأن يجنبنا التعصب ، ويفتح أبصارنا وأسماعنا وأفكارنا لقبول الحق.

٢ ـ ما هو مقام الرضوان؟

يستفاد من الآيات ـ محل البحث ـ أنّ مقام الرضوان الذي هو من أعظم المواهب التي يهبها الله المؤمنين والمجاهدين في سبيله ، هو شيء غير الجنات والنعيم المقيم وغير رحمته الواسعة.

وسنتناول بيان هذا الموضوع ذيل الآية (٧٢) من هذه السورة ، في تفسير جملة( وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ) إن شاء الله.

* * *

٥٦٥

الآيتان

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٣) قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٢٤) )

التّفسير

كلّ شيء فداء للهدف :

إنّ آخر وسوسة أو ذريعة يمكن أن يتذرع بها جماعة من المسلمين للامتناع عن جهاد المشركين (وفعلا فقد تذرع بعضهم وفقا لما ورد في قسم من التفاسير) بأن من بين المشركين وعبدة الأوثان أقارب لهم ، فقد يسلم الأب ويبقى ولده في الشرك على حاله ، وقد يقع العكس إذ يخطو الابن نحو توحيد الله ويبقى أبوه مشركا ، وهذه الحالة ربّما كانت موجودة بين الأخ وأحيه ، والزوج

٥٦٦

وزوجه ، والفرد وعشيرته أو قبيلته ، وهكذا.

فإذا كان القرار أن يجاهد الجميع المشركين فلا بدّ أن يغمضوا أعينهم عن أرحامهم وأقاربهم وعشيرتهم إلخ. هذا كلّه من جهة.

ثمّ ومن جهة أخرى كانت رؤوس الأموال والقدرة التجارية بيد المشركين تقريبا ، ولهذا يسبب تردد المشركين إلى مكّة ازدهار التجارة.

ومن جهة ثالثة كان للمسلمين في مكّة بيوت عامرّة نسبيا ، فإذا قاتلوا المشركين فمن المحتمل أن يهدمها المشركون ، أو تفقد قيمتها إذا عطل المشركون مراسم الحاج ومناسكه بمكّة.

فالآيتان ـ محل البحث ـ ناظرتان إلى مثل هؤلاء الأشخاص ، وتردّان عليهم ببيان صريح ، فتقول الآية الأولى منهما :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ ) .

ثمّ تعقب ـ على وجه التأكيد ـ مضيفة :( وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) .

وأي ظلم أسوأ من أن يظلم الإنسان نفسه بتعلقه بأعداء الحق والمشركين ، ويظلم مجتمعه ، ويظلم نبيّه أيضا؟!

أمّا الآية التالية فهي تتناول هذا الموضوع بنحو من التفصيل والتأكيد والتهديد والتقريع ، فتخاطب النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليعنف أولئك الذين لا يرغبون في جهاد المشركين لما ذكرناه آنفا ، فتقول( قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ ) .

ولما كان ترجيح مثل هذه الأمور على رضا الله والجهاد في سبيله ، يعدّ نوعا من العصيان والفسق البيّن ، وإن من تشبث قلبه بالدنيا وزخرفها وزبرجها غير جدير بهداية الله ، فإنّ الآية تعقب في الختام قائلة( وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ

٥٦٧

الْفاسِقِينَ ) .

وقد جاء في تفسير علي بن إبراهيم القمي في شأن الآيتين ما يلي : «لما أذّن أمير المؤمنين أن لا يدخل المسجد الحرام مشرك بعد ذلك ، جزعت قريش جزعا شديدا ، وقالوا : ذهبت تجارتنا وضاعت علينا وخربت دورنا ، فأنزل الله في ذلك قل (يا محمّد) إلخ والآيتان ـ محل البحث ـ ترسمان خطوط الإيمان الأصيل وتميزانها عن الإيمان المبطن بالشرك والنفاق.

كما أنّهما تضعان حدا فاصلا بين المؤمنين الواقعيين وبين ضعاف الإيمان ، وتقول إحداهما بصراحة : إن كانت هذه الأمور الثمانية «في الحياة المادية» التي يتعلق أربعة منها بالأرحام والأقارب( آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ ) .

ويتعلق قسم منها بالمجتمع و «العشيرة».

والقسم السّادس يرتبط بالمال.

والسابع بالتجارة والاكتساب.

وأمّا الثامن ـ وهو الأخير ـ فيتعلق بالمساكن ذات الأناقة «ومساكن ترضونها».

فإذا كانت هذه الأمور الثمانية ـ المذكورة آنفا ـ أغلى وأعزّ وأحب عند الإنسان من الله ورسوله ، والجهاد في سبيله وامتثال أوامره ، حتى أن الإنسان لا يكون مستعدا بالتضحية بتلك الأمور الثمانية من أجل الله والرّسول والجهاد ، فيتّضح أن إيمانه الواقعي لم يكمل بعد!

فحقيقة الإيمان وروحه وجوهره ، كل ذلك يتجلّى بالتضحية بمثل هذه الأمور من دون تردد.

أضف إلى ذلك ، فإن من لم يكن مستعدا للتضحية بمثل تلك الأمور ، فقد ظلم

٥٦٨

نفسه ومجتمعه في الواقع ، كما أنّه سيقع في ما كان يخاف من الوقوع فيه لأنّ الأمّة التي تتلكأ في اللحظات الحساسة من تأريخها المصيري ، وفي المآزق الحاسمة ، فلا يضحي أبناؤها بمثل ذلك ، فستواجه الهزيمة عاجلا أو آجلا ، وسيتعرض كلّ ما تعلقت القلوب به فلم تجاهد من أجله الى خطر الضياع والتلف بيد الأعداء.

* * *

ملاحظات

١ ـ ما قرأناه في الآيتين ـ محل البحث ـ ليس مفهومه قطع علائق المحبة بالأرحام ، وإهمال رؤوس الأموال الاقتصادية ، والانسياق إلى تجاوز العواطف الإنسانية وإلغائها ، بل المراد من ذلك أنّه ينبغي أن لا ننحرف عند مفترق الطرق إلى الأموال والأزواج والأولاد والدور والمقام الدنيوي ، بحيث لا نطبّق في تلك الحالة حكم الله ، أو لا نرغب في الجهاد ، ويحول عشقنا المادي دون تحقيق الهدف المقدس.

لهذا يلزم على الإنسان إذا لم يكن على مفترق الطرق أن يرعى الجانبين «العلاقة بالله والعلاقة بالرحم».

فنحن نقرأ في الآية (١٥) من سورة لقمان ، قوله تعالى في شأن الأبوين المشركين( وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً ) .

٢ ـ إنّ أحد تفاسير جملة( فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ ) ما أشرنا إليه آنفا ، وهو التهديد من قبل الله لأولئك الذين يقدّمون منافعهم المادية ويفضلونها على رضا الله ، ولما كان هذا التهديد مجملا كان أثره أشدّ وحشة وإشفاقا ، وهذا التعبير يشبه قول من يكلم صاحبه الذي دونه وتحت أمره ، فيقول له : إذا لم تفعل ما

٥٦٩

أمرتك ، فسأقوم بما ينبغي أيضا.

وهناك احتمال آخر لتفسير الجملة ـ محل البحث ـ وهو أنّ الله سبحانه يقول : إذا لم تكونوا مستعدين للتضحية ، فإنّ الله يفتح لنبيّه عن طريق آخر. وكيف شاء ، إذ ليس ذلك بعسير عليه. ونظير هذا المعنى ما جاء في الآية (٥٤) من سورة المائدة ، إذ نقرأ فيها( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) .

الماضي والحاضر مرهونان بهذا الأمر :

٣ ـ قد يتصور بعضهم بأنّ ما جاء في الآيتين يخص صدر الإسلام والتاريخ الماضي ، إلّا أنّ ذلك خطأ كبير ، فالآيتان تستوعبان حاضر المسلمين ومستقبلهم أيضا.

فإذا قدّر للمسلمين أن لا يضحوا بأموالهم وأنفسهم وأولادهم ودورهم إلخ في سبيل الله ، ولا يكون لهم إيمان متين ، ويفضلون الأمور المادية على رضا الله ، وتبقى قلوبهم متعلقة بالمال والأولاد وزبارج الدنيا ، فيكون مستقبلهم مظلما ، لا مستقبلهم فحسب ، بل حتى يومهم هذا ، ففي مثل هذا الحال سيحدق بهم الخطر وسيفقدون موروثهم الحضاري ، وتكون مصادر حياتهم بأيدي الأجانب ويفقدون معنى الحياة ، لأن الحياة هي حياة الإيمان والجهاد في ظل الإيمان.

فعلينا أن نغرس مدلول هاتين الآيتين في قلوب أطفال المسلمين وشبابهم ونجعله شعارا لنا ، ونحيي في نفوس المسلمين روح التضحية والجهاد ، ليحافظوا على ثقافتهم وموروثهم المعرفي.

* * *

٥٧٠

الآيات

( لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (٢٥) ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (٢٦) ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٧) )

التّفسير

الكثرة وحدها لا تجدي نفعا :

في الآيات المتقدمة رأينا أنّ الله سبحانه يدعوا المسلمين إلى التضيحة والجهاد على جميع الصعد في سبيل الله وقلع جذور الشرك وعبادة الأوثان ، ويهدد بشدّة من يتقاعس منهم عن الجهاد والتضحية بسبب التعلق بالأزواج والأولاد والأرحام والعشيرة والمال والثروة.

أمّا الآيات محل البحث فتشير إلى مسألة مهمّة ، وهي أنّ على كل قائد أن ينّبه أتباعه في اللحظات الحساسة بأنّه إذا كان فيهم بعض الأشخاص من ضعاف

٥٧١

الايمان والذين يحجبهم التعلّق بالمال والولد والأزواج وما إلى ذلك عن الجهاد في سبيل الله ، فلا ينبغي أن يقلق المؤمنون المخلصون من هذا الأمر ، وعليهم أن يواصلوا طريقهم ، لأنّ الله لم يتخلّ عنهم يوم كانوا قلة ، كما هو الحال في معركة بدر ، ولا يوم كانوا كثرة ـ ملء العين (كما في معركة حنين) وقد أعجبتهم الكثرة فلم تغن عنهم شيئا ، لكن الله سبحانه أنزل جنودا لم تروها ، وعذب الذين كفروا ، فالله في الحالين ينصر المؤمنين ويرسل إليهم مدده لهذا فإن الآية الأولى من الآيات محل البحث تقول( لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ ) .

والمواطن جمع الموطن ، ومعناه المحل الذين يختاره الإنسان للسكن الدائم ، أو المؤّقت ، إلّا أن من معانيه أيضا ساحة الحرب والمعركة ، وذلك لأنّ المقاتلين يقيمون في مكان الحرب مدّة قصيرة أو طويلة أحيانا.

ثمّ تضيف الآية معقبة( وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ ) وكان جيش المسلمين يوم حنين زهاء اثني عشر ألفا ، وقال بعض المؤرخين : كانوا عشرة آلاف أو ثمانية آلاف ، غير أنّ الرّوايات المشهورة تؤيد ما ذكرناه آنفا ، إذ تقول : إنّهم كانوا اثني عشر ألفا ، وهذا الرقم لم يسبق له مثيل في الحروب الإسلامية قبل ذلك الحين ، حتى اغترّ بعض المسلمين وقالوا : «لن نغلب اليوم».

إلّا أنّه ـ كما سنبيّن الموضوع في الحديث على غزوة حنين ـ قد فرّ كثير من المسلمين ذلك اليوم ، لكونهم جديدي عهد بالإسلام ولم يتوغل الإيمان في قلوبهم فانكسر جيش المسلمين في البداية وكاد العدوّ أن يغلبهم لولا أن الله أنزل بلطفه مدده وجنوده فنجّاهم.

ويصور القرآن هذه الهزيمة بقوله( وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ) .

٥٧٢

وفي هذه اللحظات الحساسة حيث تفرق جيش الإسلام هنا وهناك ، ولم يبق مع النّبي إلّا القلة ، وكان النّبي مضطربا ومتألّما جدّا لهذه الحالة نزل التأييد الإلهي :( ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها ) .

وكما قلنا في حديثنا عن غزوة بدر في ذيل الآيات الخاصّة بها ، أن نزول هذه الجنود غير المرئية كان لشدّ أزر المسلمين وتقوية معنوياتهم ، وإيجاد روح الثبات والاستقامة في نفوسهم وقلوبهم ، ولا يعني ذلك اشتراك الملائكة والقوى الغيبية في المعركة(١) .

ويذكر القرآن النتيجة النهائية لمعركة حنين الحاسمة فيقول( وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ ) .

وكان هذا العذاب والجزاء أن قتل بعض الكافرين ، وأسر بعضهم ، وفرّ بعضهم إلى مناطق بعيدة عن متناول الجيش الاسلامي.

ومع هذا الحال فإنّ الله يفتح أبواب توبته للأسرى والفارين من الكفّار الذين يرغبون في قبول مبدأ الحق «الإسلام» لهذا فإنّ الآية الأخيرة من الآيات محل البحث تقول :( ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .

وجملة «يتوب» التي وردت بصيغة الفعل المضارع ، والتي تدل على الاستمرار ، مفهومها أن أبواب التوبة والرجوع نحو الله مفتوحة دائما بوجه التائبين.

* * *

__________________

(١) لمزيد من الإيضاح يراجع تفسير الآيات ٩ ـ ١٢ من هذا الجزء نفسه.

٥٧٣

ملاحظات

١ ـ غزوة حنين ذات العبرة

«حنين» منطقة قريبة من الطائف ، وبما أنّ الغزوة وقعت هناك فقد سميّت باسم المنطقة ذاتها ، وقد عبّر عنها في القرآن بـ «يوم حنين» ولها من الأسماء ـ غزوة أوطاس ، وغزوة هوازن أيضا.

أمّا تسميتها بأوطاس ، فلأن «أوطاس» أرض قريبة من مكان الغزوة ـ وأمّا تسميتها بهوازن ، فلأن إحدى القبائل التي شاركت في غزوة حنين تدعى بهوازن.

أمّا كيف حدثت هذه الغزوة ، فبناء على ما ذهب إليه ابن الأثير في الكامل ، أن هوازن لمّا علمت بفتح مكّة ، جمع القبيلة رئيسها مالك بن عوف وقال لمن حوله : من الممكن أن يغزونا محمّد بعد فتح مكّة ، فقالوا : من الأحسن أن نبدأه قبل أن يغزونا.

فلما بلغ ذلك النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر المسلمين أن يتوجهوا إلى أرض هوازن(١) .

وبالرغم من عدم الاختلاف بين المؤرخين في شأن هذه الغزوة والمسائل العامّة فيها ، إلّا أنّ في جزئياتها روايات متعددة لا يكاد بعضها ينسجم مع الآخر ، وما ننقله هنا فقد اقتضبناه عن مجمع البيان للعلامة الطبرسي ، بناء على روايته القائلة : إنّ رؤساء طائفة هوازن جاءوا إلى مالك بن عوف واجتمعوا عنده في أخريات شهر رمضان أو شوال في السنة الثامنة للهجرة ، وكانوا قد جاءوا بأموالهم وأبنائهم وأزواجهم لئلا يفكر أحدهم بالفرار حال المعركة ، وهكذا فقد وردوا منطقة أوطاس.

فعقد النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لواءه ، وسلمّه عليّاعليه‌السلام وأمر حملة الرايات الذين ساهموا في فتح مكّة أن يتوجهوا براياتهم ذاتها مع علي بن أبي طالب إلى حنين ، واطّلع

__________________

(١) راجع الكامل لابن الأثير ، ج ٢ ، ص ٢٦١ ، نقلنا القصة بشيء من الاختصار.

٥٧٤

النّبي أن صفوان بن أمية لديه دروع كثيرة ، فأرسل النّبي إليه أن أعرنا مائة درع ، فقال صفوان : أتريدونها عارية أم غصبا؟ فقال النّبي : بل عارية نضمنها ونعيدها سالمه إليك ، فأعطى صفوان النّبي مائة درع على أنّها عارية ، وتحرك مع النّبي بنفسه إلى حنين.

وكان ألفا شخص قد أسلم في فتح مكّة ، فأضيف عددهم إلى العشرة آلاف الذين ساهموا في فتح مكّة ، وصاروا حوالي اثني عشر ألفا ، وتحركوا نحو حنين.

فقال مالك بن عوف ـ وكان رجلا جريئا شهما ـ لقبيلته : اكسروا أغماد سيوفكم ، واختبئوا في كهوف الجبال والوديان وبين الأشجار ، واكمنوا لجيش الإسلام ، فإذا جاءوكم الغداة «عتمة» فاحملوا عليهم وأبيدوهم.

ثمّ أضاف مالك بن عوف قائلا : إن محمّدا لم يواجه حتى الآن رجال حرب شجعانا ، ليذوق مرارة الهزيمة!!

فلما صلّى النّبي صلاة الغداة «الصبح» بأصحابه أمر أن ينزلوا إلى حنين ، ففوجئوا بهجوم هوازن عليهم من كل جانب وصوب ، وأصبح المسلمون مرمى لسهامهم ، ففرّت طائفة من المقاتلين جديدي الإسلام (بمكّة) من مقدمة الجيش ، فكان أن ذهل المسلمون واضطروا وفرّ الكثير منهم.

فخلّى الله بين جيش المسلمين وجيش العدو ، وترك الجيشين على حالهما ، ولم يحم المسلمين لغرورهم ـ مؤقتا ـ حتى ظهرت آثار الهزيمة فيهم.

إلّا أنّ عليّا حامل لواء النّبي بقي يقاتل في عدّة قليلة معه ، وكان النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في (قلب) الجيش وحوله بنو هاشم ، وفيهم عمه العباس ، وكانوا لا يتجاوزون تسعة أشخاص عاشرهم أيمن ابن أم أيمن.

فمرّت مقدمة الجيش في فرارها من المعركة على النّبي فأمر النّبي عمّه العباس ـ وكان جهير الصوت ـ أن يصعد على تل قريب وينادي فورا : يا معشر المهاجرين والأنصار ، يا أصحاب سورة البقرة ، يا أهل بيعة الشجرة ، إلى أين

٥٧٥

تفرّون؟ هذا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فلمّا سمع المسلمون صوت العباس رجعوا وقالوا : لبيّك لبيّك ، ولا سيما الأنصار إذ عادوا مسرعين وحملوا على العدوّ من كل جانب حملة شديدة ، وتقدّموا بأذن الله ونصره ، بحيث تفرقت هوازن شذر مذر مذعورة ، والمسلمون ما زالوا يحملون عليها. فقتل حوالي مائة شخص من هوازن ، وغنم المسلمون أموالهم كما أسروا عدّة منهم(١) .

ونقرأ في نهاية هذه الحادثة التأريخية أن ممثلي هوازن جاءوا النّبي وأعلنوا إسلامهم ، وأبدى لهم النّبي صفحه وحبّه ، كما أسلم مالك بن عوف رئيس القبيلة ، فردّ النّبي عليه أموال قبيلته وأسراه ، وصيره رئيس المسلمين في قبيلته أيضا.

والحقيقة أنّ السبب المهم في هزيمة المسلمين بادئ الأمر ـ بالإضافة إلى غرورهم لكثرتهم ـ هو وجود ألفي شخص ممن أسلم حديثا وكان فيهم جماعة من المنافقين طبعا ، وآخرون كانوا قد جاءوا مع النّبي لأخذ الغنائم ، وجماعة منهم كانوا بلا هدف ، فأثر فرار هؤلاء في بقية الجيش.

أمّا السرّ في انتصارهم النهائي فهو وقوف النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليعليه‌السلام وجماعة قليلة من الأصحاب ، وتذكرهم عهودهم السابقة وإيمانهم بالله والركون إلى لطفه الخاص ونصره.

٢ ـ من هم الفارّين

ممّا لا شك فيه أنّ الأكثرية الساحقة فرّب بادئ الأمر من ساحة المعركة ، وما تبقى منهم كانوا عشرة فحسب ، وقيل أربعة عشر شخصا ، وأقصى ما أوصل عددهم المؤرخون لم يتجاوزوا مائة شخص.

ولما كانت الرّوايات المشهورة تصّرح بأن من بين الفارين الخلفاء الثلاثة ،

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ٥ ، ص ١٧ ـ ١٩.

٥٧٦

فإنّ بعض المفسّرين سعى لأن يعدّ هذا الفرار أمرا طبيعيا.

يقول صاحب تفسير المنار ما ملخصه : لما رشق العدوّ المسلمين بسهامه ، كان جماعة قد التحقوا بالمسلمين من مكّة ، وفيهم المنافقون وضعاف الإيمان والطامعون «للغنائم» ففرّ هؤلاء جميعا وتقهقروا إلى الخلف ، فاضطرب باقي الجيش طبعا ، وحسب العادة ـ لا خوفا ـ فقد فرّوا أيضا ، وهذا أمر طبيعي عند فرار طائفة فإنّه يتزلزل الباقي منهم فيفر أيضا ـ ففرارهم لا يعني ترك النّبي وعدم نصرته أو تسليمه بيد عدوه ، حتى يستحقوا غضبالله!!(١)

ونحن لا نعلّق على هذا الكلام ، لكن نتركه للقراء ليحكموا فيه حكمهم.

كما ينبغي أن نذكر هذه المسألة وهي أنّ «صحيح البخاري» حين يتكلم عن الهزيمة وفرار المسلمين ينقل ما يلي :

فإذا عمر بن الخطاب في الناس ، وقلت : (الراوي) : ما شأن الناس؟ قال : أمر الله ، ثمّ تراجع الناس إلى رسول الله(٢) .

غير أننا تجرّدنا من الأحكام المسبقة ، والتفتنا إلى القرآن الكريم ، وجدناه لا يذم جماعة بعينها ، بل يذم جميع الفارين.

ولا ندري ما الفرق بين قوله تعالى( ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ) حيث قرأنا هذه العبارة في الآيات محل البحث ، وبين عبارة أخرى وردت في الآية (١٦) من سورة الأنفال إذ تقول( وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ) ؟!

فبناء على ذلك لو ضممنا الآيتين بعضهما إلى بعض لعرفنا أنّ المسلمين ارتكبوا خطأ كبيرا يومئذ إلّا القليل منهم ، غاية ما في الأمر أنّهم تابوا بعدئذ ورجعوا.

__________________

(١) راجع تفسير المنار ، وإقرار التفصيل فيه ، ج ١ ، الصفحات ٢٦٢ و ٢٦٣ و ٢٦٥.

(٢) المصدر السابق.

٥٧٧

٣ ـ الإيمان والسكينة

السكينة في الأصل مأخوذة من السكون ، وتعني نوعا من الهدوء أو الاطمئنان الذي يبعد كل نوع من أنواع الشك والخوف والقلق والاستيحاش عن الإنسان ، ويجعله راسخ القدم بوجه الحوادث الصعبة والملتوية. والسكينة لها علاقة قربى بالإيمان ، أي أنّ السكينة وليدة الإيمان ، فالمؤمنون حين يتذكرون قدرة الله التي لا غاية لها ، ويتصورون لطفه ورحمته يملأ قلوبهم موج الأمل ويغمرهم الرجاء.

وما نراه من تفسير السكينة بالإيمان في بعض الرّوايات(١) ، أو بنسيم الجنّة متمثلا في صورة إنسان(٢) كل ذلك ناظر إلى هذا المعنى.

ونقرأ في القرآن في الآية (٤) من سورة الفتح قوله تعالى :( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ ) .

وعلى كل حال فهذه الحالة نفسية خارقة للعادة ، وموهبة إلهية بحيث يستطيع الإنسان أن يهضم الحوادث الصعبة ، وأن يحس في نفسه عالما من الدعة والاطمئنان برغم كلّ ما يراه.

وممّا يسترعي النظر أن القرآن ـ في الآيات محل البحث ـ لا يقول : ثمّ أنزل الله سكينته على رسوله وعليكم ، مع أنّ جميع الجمل في الآية تحتوي على ضمير الخطاب (كم) ، بل تقول الآية( عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) وهي إشارة إلى أن المنافقين وأهل الدنيا والذين كانوا مع النّبي في المعركة لم ينالوا سهما من السكينة والاطمئنان ، بل كانت السكينة من نصيب المؤمنين فحسب.

ونقرأ في بعض الرّوايات أن نسيم الجنّة هذا كان مع أنبياء الله ورسله(٣) ،

__________________

(١) تفسير البرهان ، ج ٢ ، ص ١١٤.

(٢) تفسير نور الثقلين ، ج ٢ ، ص ٢٠١.

(٣) تفسير البرهان ، ج ٢ ، ص ١١٢.

٥٧٨

فلذلك كانوا ـ في الحوادث الصعبة التي يفقد فيها كل إنسان توازنه إزاءها ـ أصحاب عزم راسخ وسكينة واطمئنان ، وإرادة حديدية لا تقبل التزلزل.

وكان نزول السكينة على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في معركة حنين ـ كما ذكرنا آنفا ـ لرفع الاضطراب الناشئ من فرار أصحابه من المعركة ، وإلّا فهو كالجبل الشامخ الركين ، وكذلك ابن عمّه عليعليه‌السلام وقلة من أصحابه (المسلمين).

٤ ـ في الآيات محل البحث إشارة إلى أنّ الله نصر المسلمين في مواطن كثيرة!

هناك كلام كثير بين المؤرخين حول عدد مغازي النّبي وحروبه ، التي أسهم فيهاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شخصيّا ، وقاتل الأعداء ، أو حضرها دون أن يقاتل بنفسه ، أو الحروب التي وقف فيها المسلمون بوجه أعدائهم ولم يكن الرّسول حاضرا في المعركة.

إلّا أنّه يستفاد من بعض الرّوايات التي وصلتنا عن طرق أهل البيتعليهم‌السلام أنّها تبلغ الثمانين غزوة.

وقد ورد في كتاب (الكافي) أن أحد خلفاء بني العباس كان قد نذر مالا كثيرا إن هو عوفي من مرضه «ويقال أنّه قد سمّ» ، فلما عوفي جمع الفقهاء الذين كانوا عنده ، فسألهم عن المال الذي يجب أداؤه لإيفاء نذره ، فلم يعرفوا للمسألة جوابا. وأخيرا سأل الخليفة العباسي الإمام التاسع محمّد بن علي الجوادعليه‌السلام فقال : «الكثير ثمانون».

فلمّا سألوه عن دليله في ذلك استشهد الإمام بالآية( لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ ) ثمّ قال : عددنا حروب النّبي التي انتصر فيها المسلمون على أعدائهم فكانت ثمانين(١) .

٥ ـ إن ما ينبغي على المسلمين أن يعتبروا به ويلزمهم أن يأخذوا منه درسا

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٢ ، ص ١٩٧.

٥٧٩

بليغا ، هو أن ينظروا إلى الحوادث التي هي على شاكلة حادثة حنين ، فلا يغتروا بكثرة العدد أو العدد ، فالكثرة وحدها لا تغني شيئا ، بل المهم في الأمر وجود المؤمنين الراسخين في الإيمان ، ذوي الإرادة والتصميم ، حتى لو كانوا قلة.

كما أنّ طائفة قليلة استطاعت أن تغير هزيمة حنين إلى انتصار على العدو وكانت الكثيرة بادئ الأمر سبب الهزيمة ، لأنّها لم تنصهر بالإيمان تماما.

فالمهم أن يتوفر في مثل هذه الحوادث أناس مؤمنون ذوو استقامة وتضحية ، لتكون قلوبهم مركزا للسكينة الإلهية ، وليكونوا كالجبال الراسخة بوجه الأعاصير المدمرة.

* * *

٥٨٠

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606