الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٥

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل6%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 606

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 606 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 245247 / تحميل: 6211
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٥

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

الفصل الثاني

ضوابط الحوار وآدابه

١ ـ شروط الحوار

٢ ـ آداب الحوار

١٦١
١٦٢

لما كان الحوار في الواقع الإنساني من الوسائل التي تستخدم لنشر الأفكار والإقتناع بها ؛ كان الهدف منه تعاون أطراف الحوار على معرفة الحقيقة والتوصل إليها ، تبصير كل منهما صاحبه بالأمور التي خفيت عنه حينما أخذ بنظر باحثاً عن الحقيقة ، وذلك باستخدام الحوار البريء من التعصب ؛ الخالي من العنف والإنفصال ، المتمشي وفق الأصول العامة للحوار الهادف البنّاء.

ولا يتحقق هذا الحوار إلا بعد تطبيق ما ذكره العلماء من الضوابط والآداب كما يلي :

١ ـ شروط الحوار :

ذكر العلماء والباحثون أنّ للحوار المّذون به شروطاً ينبغي إتباعها ، خشية أن يتحول إلى مماراة بعيدة عن الوصول إلى الحقيقة ، أو إلى مشاحنات أنانية ، ونحو ذلك مما يفسد القلوب ، ويهيج النفوس ، ويورث التعصب ولا يوصل إلى الحق ، نذكر منها التالي :

١ ـ أن يكون أطراف الحوار على معرفة بقوانين وقواعد الحوار ، متبعين المعايير العقلية والمنطقية ، باسلوب علمي رصين.

٢ ـ أن يكونوا على معرفة بالموضوع الذي يراد التحاور فيه ، بحيث يمكن التكلم بما يتناسب مع طبية المضوع المتحاور فيه ، بحيث لو تكلم أحد الأطراف لم يخبط خبط عشواء ، ولم يناقش في البديهيات بغير علم ، وإذا لُزم بالحق إلتزم به دون مكابرة.

٣ ـ أن يكون الموضوع مهماً ، أو مما يجوز أن تجري فيه المحاورة ضمن قواعد هذا الفن وضوابطه ، فالمفردات والبديهيات الجلية مثلاً ، لا تجري فيها المحاورة أصلا.

١٦٣

٤ ـ أن يكون المحاور متمكناً من الحوار ، بحيث يتمتع بوجهة علمية ومقدرة بيانية ، ومطلعاً على أفكار وآراء خصمه ، مستخدماً الألفاظ المناسبة الجزلة الفخمة ، متجنباً العبارات والألفاظ الركيكة.

وإلى هذا يشير إمامنا الصادق عليه السلام في الحديث التالي :

عن أبي خالد الكابلي ، قال : (رأيت أبا جعفر ـ صاحب الطاق ـ وهو قاعد في الروضة قد قطع أهل المدينة أزراره ، وهو دائب يجيبهم ويسألونه ، فدنوت منه فقلت : إنّ أبا عبد الله نهانا عن الكلام فقال : أمرك أن تقول لي؟ فقلت : لا ، ولكنه أمرني ألا أكَلِّم أحداً.

قال : فاذهب فأطعه فيما أمرك. فدخلت على أبي عبد الله عليه السلام فأخبرته بقصة صاحب الطاق ، وما قلت له ، وقوله لي : إذهب وأطعه فيما أمرك ، فتبسم أبو عبد الله عليه السلام وقال : يا أبا خالد ، إّ صاحب الطاق يكلّم الناس فيطير وينقض ، وأنت إو قصوك لن تطير)(٢١٢) .

٢ ـ آداب الحوار :

وضع العلماء لفَن آداب البحث والمحاورة جملة من الآداب ، وألزموا المتحاورين بها ، محافظة على سلامة المحاورة ، وتحقيقاً للغرض منها ، نذكر فيما يلي أهمها :

١ ـ أن يجتنب المحاور محاورة ذي هيبة يخشاه ، لئلا يؤثر ذلك عليه ، فيضعفه عن القيام بحجته كما ينبغي.

٢ ـ ألا يظن خصمه أقوى منه بكثير ، حتى لا يتخاذل ويضعف عن تقديم حجته على الوجه المطلوب.

__________________

(٢١٢) ـ الطوسي ، الشيخ محمد بن الحسن : رجال الكشي ، ج ٢ / ٤٢٤.

١٦٤

٣ ـ ألا يظن خصمه حقيراً ضعيفاً قليل الشأن ، فذلك يقلل من إهتمامه ، فيمكن خصمه الضعيف منه.

٤ ـ ألا يكون في حالة قلق نفسي وإضطراب ؛ أو في حالة نفسد عليه مزاجه الفكري والنفسي ، كأن يكون جائعاً ، أو ظامئاً ، أو نحو ذلك.

٥ ـ أن يتقابل المتحاوران في المجلس ، ويبصر أحدهما الآخر إن أمكن ، ويكونا متماثلين أو متقاربين علماً ومقداراً.

٦ ـ أن يجتنب كلا المتحاورين الهزء والسخرية ، وكل ما يشعر بإحتقار وإزدراء لصاحبه ، أو وسمه بالجهل أو قلة الفهم ، كالتبسم والضحك والغمز واللمز ونحو ذلك ، مما يثير عواطف الغير ، ويؤدي إلى إفساد المحاورة التي ينبغي أن تكون بالتي أحسن.

٧ ـ ألا يرفع صوته فوق المتعارف المألوف ، فإنّ هذا يدل على الشعور بالضعف والشعور بالمغلوبية ، بل ينبغي إلقاء الكلام قوي الأداء ، وإن كان بصوت منخفض هادئ ، فإنّ تأثيره أقوى بكثير من اسلوب الصياح والصراخ.

٨ ـ أن يتجنب ـ حد الإمكان ـ مجادلة طلب الرياء والسمعة ومُؤثر الغلبة والعناد ، فإنّ هذا من جهة يُعديه بمرضه فينساق بالأخير مقهوراً إلى أن يكون شبيهاً به في هذا المرض ، ومن جهة أخرى لا يستطيع الوصول مع مثل هذا الشخص إلى نتيجة مرْضِيّة.

٩ ـ ألا يكون المحاور متسرعاً يقصد إسكات خصمه في زمن يسير ؛ لأنّ ذلك يفسد عليه رويته الفكرية ، ويبعده عن منهج المنطق السديد ، والتفكير في الوصول إلى الحق.

١٦٥

١٠ ـ أن يحترز المحاور عن الإختصار المخل في الكلام ، وعن إطالة الكلام بلا فائدة ترجى من ذلك.

١١ ـ أن يأتي كل من المتحاورين بالكلام الملائم للموضوع ؛ فلا يخرج عما هما بصدده.

١٢ ـ ألا يتعرض أحدهما لكلام خصمه قبل أن يفهم مراده تماماً.

١٣ ـ أن ينتظر كل واحد منهما صاحبه حتى يفرغ من كلامه ، ولا يقطع عليه كلامه قبل أن يتمه.

١٤ ـ الإستعانة بالله عَزّ وجَلّ ، للتوفيق والوصول إلى الحقيقة ، فقد ورد عن إمامنا زين العابدين عليه السلام في الصحيفة السجادية ، من دعائه في مكارم الأخلاق : (اللهُمّ صل على محمد وآله ، واجعل لي يداً على من ظلمني ، ولساناً على من خاصمني ، وظفراً بمن عاندني)(٢١٣) .

وعنه عليه السلام ـ كما في المناجاة (المعروفة بالإنجيلية الطويلة) ـ : وأعوذ بك من دعاءٍ محجوبٍ ، ورجاء مكذوب ، وحياء مسلوب ، وإخاء مَعْبُوب ، وإحتجاج مغلوب ، ورأي غير مصيب)(٢١٤) .

__________________

(٢١٣) ـ زين العابدين ، الإمام علي بن الحسين : الصحيفة السجادية / ١١١ (جمع السيد محمد باقر الأبطحي).

(٢١٤) ـ نفس المصدر / ٤٣٩ ـ ٤٤٠.

١٦٦

الفصل الثالث

الحوار المتعلق بتربة الحسين (عليه السلام)

بحوث تمهيدية :

١ ـ الوحدة الإسلامية.

٢ ـ التقريب بين المذاهب الإسلامية.

٣ ـ دعوة إلى الحوار.

١٦٧
١٦٨

تلعب الشائعات وحجب الحقائق دوراً كبيراً في محاربة الأفكار والمعتقدات ، ولعل مرجع هذه الشائعات ، هي عوامل سياسية ومصلحة نفعية ، ومن بين تلك المعتقدات التي حوربت بهذه الطريقة عقيدة الشيعة الإمامية ، الذين يمثلون فئة كبيرة من المسلمين ، فقد بالغ المغرضون والوضاعون النفعيون ، في تصوير معتقداتهم ، وتحريفها عن واقعها ومدلولها الصحيح. وقد أشار إلى هذه الحقيقة الناصعة ، الدكتور حامد حنفي داود(٢١٥) بقوله : «يخطئ كثيراً من يدّعي أنّه يستطيع أن يقف على عقائد الشيعة الإمامية وعلومهم وآدابهم مما كتبه عنهم الخصوم من العلم والإحاطة ، ومهما أحرزوا من الأمانة العلمية في نقل النصوص والتعليق عليها بأسلوب نزيه بعيد عن التعصب الأعمى. أقول ذلك جازماً بصحة ما أدعي بعد أن قضيت ردحاً طويلاً من الزمن ، أدرس فيه عقائد الأئمة الإثني عشرة بخاصة وعقائد الشيعة بعامة. فما خرجت من هذه الدراسة الطويلة التي قضيتها متصفحاً في كتب المؤرخين والنقاد من علماء أهل السنة بشيء ذي بال. وما زادني إشتياقي إلى هذه الدراسة وميلي الشديد في الوقوف على دقائقها إلا بعداً عنها وخروجاً عما أردت من الوصول إلى حقائقها ذلك لأنّها كانت دراسة بتراء أحلت نفسي فيها على كتب الخصوم لهذا المذهب وهو المذهب الذي يمثل شطر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، ومن ثم اضطررت بحكم ميلي الشديد إلى طلب الحقيقة حيث كانت ، والحكمة حيث وجدت ، والحكمة ضالة المؤمن ، أن أدير دفة دراستي العلمية لمذهب الأئمة الإثني عشر إلى الناحية الأخرى ، تلك هي دراسة المذهب

__________________

(٢١٥) ـ أستاذ الأدب العربي بكلية الألسن العليا ، ورئيس قسم الأدب العربي بجامعة عين شمس ، من رواد الإصلاح ، ودعاة التقريب بين المذاهب الإسلامية.

١٦٩

في كتب أربابه ، وأن أتعرف عقائد القوم مما كتبه شيوخهم والباحثون المحققون من علمائهم وجهابذتهم. ومن البديهي أنّ رجال ال مذهب أشدّ معرفة لمذهبهم من معرفة الخصوم به ، مهما بلغ أولئك الخصوم من الفصاحة والبلاغة ، أو أوتوا حظاً من اللسن والإبانة عما في الشمس»(٢١٦) .

وقال الدكتور مصطفى الرافعي(٢١٧) : «... أجل ، عن مثل هؤلاء المستشرقين أو أولئك الجهلة والمغرضين أخذ خصوم الشيعة معلوماتهم عن الشيعة ، وأثاروا الكثير من الشبهات حول بعض المعتقدات التي يدينون بها ؛ أو الأحكام الفرعية التي يمارسونها ، فشوهوها وألبسوها لباس العداوة للإسلام حتى ظن معها قصار النظر ومن ليس لديه معلومات واسعة عن فقه الشيعة أنّ أتباع هذا المذهب بسبب إيمانهم بتلك المعتقدات أو ممارستهم لهذه الأحكام ، قد نؤوا عن الحق وجانبوا الصواب وربما بالغوا في التشنيع عليهم فقالوا : أنهم فرقة مرقت من الدين وخرججت من ربقة الإسلام»(٢١٨) .

هذه بعض كلمات الكتاب والباحثين من السنة ، الذين أنصفوا الشيعة الإمامية ، فيما حصل لهم من مظلومية وتشويه لسمعتهم أمام المسلم وغيره؟! والسؤال الذي ينبغي طرحه : ما هو الحل لعلاج هذه المشكلة الخطيرة؟

__________________

(٢١٦) ـ المظفر ، الشيخ محمد رضا : عقائد الإمامية / ٤١ ـ ٤٢ (تقديم).

(٢١٧) ـ كاتب وباحث لبناني ، ولد في طرابلس عام ١٩٢٣ م ، جمع بين الدراسة في الأزهر ـ حيث نال إجازة تخصص في القضاء عام ١٩٤٧ م ـ ، والدراسة في جامعة السوربون بفرنسا ، حيث نال شهادة الدكتوراه في الحقوق عام ١٩٤٨ م ، مثّل لبنان في كثير من المؤتمرات الإسلامية والثقافية ، وله مجموعة من المؤلفات.

(٢١٨) ـ الرافعي ، الدكتور مصطفى : إسلامنا / ١٣١.

١٧٠

لعلّ أهم الحلول التي طرحت لحلّ هذه المشكلة ، هي كالتالي :

١ ـ الوحدة الإسلامية :

والمراد بها إدماج مذهب في مذهب ، أو تغليب مذهب على مذهب ، وممن يرى هذه الفكرة الأستاذ أمين خولي(٢١٩) ، حيث قال : «أنا في العام الماضي تكلمت مع الشيخ محمد تقي الحكيم(٢٢٠) ، وقلت : فلنتنازل نحن السنة وأنتم الشيعة عن بعض الأشياء ، ونتفق على أشياء ونكون يداً واحدة»(٢٢١) .

وهذه الفكرة يصعب تطبيقها ، وقد أجاب عنها السيد مرتضى الرضوي بقوله ـ مخاطباً الأستاذ أمين الخولي ـ : «يا أستاذ ؛ لا يمكن التفاهم والإتفاق على شيء قبل أن نضع رجال الصدر الأول في ميزان الحساب ؛ لأنّهم خَلّفُوا أموراً خلافية كثيرة لا يمكن التغاضي عنها ، وتركها من دون علاج ، وبعد ذلك ، فمن السهل أن نتحد ونتفق على كل شيء. فسكت الأستاذ الخولي»(٢٢٢) .

٢ ـ التقريب بين المذاهب الإسلامية :

قامت مجموعة من أعلام المسلمين ـ ويأتي في طليعتهم الشيخ عبد المجيد سليم ، والشيخ محمود شلتوت ، والشيخ محمد تقي القمي ، والشيخ محمد محمد المدني ـ ، بتأسيس (دار التقريب بين المذاهب الإسلامية) وذلك سنة (١٣٦٦ هـ

__________________

(٢١٩) ـ من كبار الأساتذة وعمالقة الفكر في مصر ، ولد عام ١٩٠٤ م ، من أوائل أساتذة كلية الآداب بجامعة القاهرة ، وصل إلى منصب كرسي الأدب العربي بكلية الآداب بجامعة القاهرة ، كان من أبرز أعضاء المجلس الأعلى لدار الكتب المصرية ، الذي يضم جهابذة رجال الفكر والقلم في مصر.

(٢٢٠) ـ المراد به ، هو سماحة السيد محمد تقي الحكيم ، أحد علماء النجف ، عميد كلية الفقه في النجف الأشرف ، وأستاذ الفقه المقارن في جامعة بغداد ، وعضو المجمع العلمي في العراق ، وعضو مراسل المجمع اللغوي بمصر ، له بعض المؤلفات القيمة. ولد عام ١٣٤١ هـ ، وتوفي عام ١٤٢٣ هـ.

(٢٢١) ـ الرضوي ، السيد مرتضى : مع رجال الفكر في القاهرة / ٥١.

(٢٢٢) ـ نفس المصدر.

١٧١

ـ ١٩٤٧ م) ، في القاهرة ، وكان هدف هذه المجموعة ، عدم إستغلال الفوارق المذهبية ، وما يترتب على ذلك من شق صف المسلمين ، وإضعاف وحدتهم. كما كانت دعوتهم إلى تقريب وجهات النظر ، من خلال إلقاء الضوء على المشتركات بينهم ، وعدم السعي إلى إلغاء بعضها على حساب بعض ، وبعبارة أخرى ، تسعى إلى بقاء المسلمين كل على مذهبه ، وعدم دمجهم في مذهب واحد. وكان من ثمارها ، إصدار مجلة (رسالة الإسلام) صدر العدد الأول منها سنة ١٣٦٨ هـ ، وتوقفت في شهر رمضان سنة ١٣٩٢ هـ ، بعد ما صدر منها ستون عدداً ، إهتمت بأدب التقريب بين المذاهب. وإدخال الفقه الشيعي إلى مواد التدريس في الأزهر الشريف ، كما أصدر شيخ الأزهر محمود شلتوت فتواه بجواز التعبد بالمذهب الجعفري ، ونشرتها مجلة (رسالة الإسلام ـ في العدد الثالث ، من السنة الحادية عشر ، ص ٢٢٨ ـ عام ١٩٥٩).

يقول الشيخ الشعراوي ـ بعد هذه الفتوى : «الشيعة الإمامية الإثني عشرية ، وإمامهم جعفر الصادق ؛ بن محمد ، بن علي زين العابدين ، بن الحسين ، بن علي بن أبي طالب ، وهو أحد أساتذة الإمام ابي حنيفة ، رضي الله عنهم جميعاً ، وهؤلاء الإمامية الجعفرية ؛ الذين نوضح أنهم من أرباب ال مذاهب النقيّة ؛ هم الذين أصدر شيخنا المرحوم شيخ الأزهر محمود شلتوت ، فتواه المشهورة في صحة التعبد على مذهبهم ؛ معلّلاً ذلك بأنّه من المذاهب الإسلامية ، الثابتة الأصول المعروفة المصادر ، المتبعة لسبيل المؤمنين. نعم : لقد أخذنا في مصر طائفة من الأحكام في قوانين الأحوال الشخصية عن الشيعة الإمامية الإثني عشريّة ، ومنها بعض أحكام الطلاق ، والقول بالوصيّة الواجبة

١٧٢

في الميراث»(٢٢٣) . وخلاصة هذه الفكرة ـ على حد تعبير الشيخ كاشف الغطاء (قده)(٢٢٤) . «وليس معنى الوحدة في الأمة أن يهضم أحد الفريقين حقوق الآخر فيصمت ، ويتغلب عليه فيسكت ، ولا من العدل أن يقال للمهضوم إذا طالب بحق ، أو دعا إلى عدل إنك مفرق أو مشاغب ، بل ينظر الآخرون إلى طلبه ، فإن كان حقاً نصروه ، وإذا كان حيفاً أرشدوه وأقنعوه ، وإلا جادلوه بالتي هي أحسن مجادلة الحميم لحميه ، والشقيق لشقيقه ، لا بالشتائم والسباب ، والمنابزة بالألقاب ، فتحتدم نار البغضاء بينهما حتى يكونا لها معغاً حطباً ، ويصبحا معاً للأجنبي لقمة سائغة ، وغنيمة باردة»(٢٢٥) .

وبعد هذا البيان المستفاد من كلمات العلماء والباحثين ، نقول : أنّ الهدف من التقريب بين المذاهب الإسلامية هو الحد من تضييق شقة الخلاف ، وبعض الظروف في عهود غابرة ، ولو قدر لها أن تبحث بحثاً موضوعياً ؛ لوصل الفريقان إلى الوحدة والتعاون المشترك ، في المنافع والفوائد في النهاية.

٣ ـ الدعوة إلى الحوار :

إذا أراد المسلمون تشكيل قوة متحدة متماسكة ، تستطيع أن تفرض إرادتها وإحترامها ، وترفع راية الإسلام فوق ربوع الأرض ؛ فعليهم أن ينبذوا الخلاف بالحوار الهادف المخلص ، وهذه المهمة يتحمل عِبْأَها العلماء ورواد الفكر السلامي ، فقد قام جماعة منهم بالدعوة إلى الحوار ونبذ الخلاف ،

__________________

(٢٢٣) ـ الأهرام ـ السنة ١٠٣ ـ العدد ٣٢٩٣٢.

(٢٢٤) ـ الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء (١٢٩٤ هـ ـ ١٣٧٣ هـ) ، من أعلام الشيعة الإمامية ، ومنابع العلم والأدب ودعاة الاصلاح والتقريب بين المذاهب الاسلامية ، من فقهاء العراق.

(٢٢٥) ـ كاشف الغطاء ، الشيخ محمد حسين : أصل الشيعة وأصولها / ٦٦.

١٧٣

وعلى رأسهم العلمان البارزان : السيد عبد الحسين شرف الدين(٢٢٦) ، والشيخ سليم البشري(٢٢٧) .

وقد طَبّق هذا الحوار العلمان المذكوران بروح إتصفت بالنزاهة والطهر ، عَبّر عنها السيد شرف الدين (قده) بقوله : «وما أحسن ما يتعارف به العلماء من الورح النقي ، والقول الرضي ، والخلق النبوي ، ومتى كان العالم بهذا اللباس الأنيق المترف ، كان على خير ونعمة ، وكان ال ناس منه في أمان ورحمة ، لا يأبى أحد أن يفضي إليه بدخيلة رأيه ، أو يبثه ذات نفسه ، ذلك كان علم مصر وإمامها ، وهكذا كانت مجالسنا التي شكرناها شكراً لا إنقضاء له ولا حد»(٢٢٨) .

وقد إستغرق هذا الحوار مائة وإثنتي عشر حلقة ، وكان ذلك في الفترة ما بين ذي القعدة عام ١٣٢٩ هـ ، وجمادي الأولى عام ١٣٣٣ هـ ، وكانت حصيلة هذا الحوار كتب (المراجعات) ، الذي دَوّنه العالم الشيعي السيد عبد الحسين شرف الدين (قده) ، مما جعل لهذا الحوار أثره في العصر الذي جرى فيه والعصور المتأخرة ، بل يعتبر نموذجاً لكل من أراد الحوار الهادف ، وصرخة مدوية في أذن كل سني وشيعي ، أراد الوصول إلى الحقيقة ، أو على الأقل يعرف المذهب الجعفري بحقيقته الناصعة ، ولا يأخذها من كتب وأفواه خصومهم ، الذين لَفّقَوا فيهم التهم والأكاذيب. ومن بين تلك الأكاذيب ، عبادة التربة الحسينية الشريفة ، التي هي موضوع بحثنا.

__________________

(٢٢٦) ـ الشيخ عبد الحسين شرف الدين (١٢٩٠ هـ ـ ١٣٧٧ هـ) من أعلام الشيعة الإمامية ، ومنابع العلم والأدب ودعاة الإصلاح ، والتقريب بين المذاهب الإسلامية ، من فقهاء جبل عامل في لبنان.

(٢٢٧) ـ الشيخ سليم البشري (المالكي) ، ولد في محلة بشر ، بمحافظة البحيرة عام (١٢٤٨ هـ وتوفي عام ١٣٣٥ هـ) تولى مشيخة الأزهر مرتين : الأولى ـ من عام ١٣١٧ هـ إلى عام ١٣٢٠ هـ ، والثانية ـ من عام ١٣٢٧ هـ إلى عام ١٣٣٥ هـ. وفي عهده طبق نظام إمتحان الراغبين في التدريس بالأزهر.

(٢٢٨) ـ شرف الدين ، السيد عبد السحين : المراجعات / ٣٢.

١٧٤

نماذج للحوار في التربة الحسينية

١ ـ السيد الشيرازي مع رجل دين مصري.

٢ ـ السيد سلطان الواعظين مع الشيخ عبد السلام الأفغاني.

٣ ـ الشيخ الأنطاكي مع بعض أعلام السنة.

٤ ـ الدكتور التيجاني مع الشهيد الصدر.

٥ ـ المستر رايلي مع سكرتير وزارة المعارف العراقية.

٦ ـ الأستاذ محمد خير مع خصوم الشيعة.

١٧٥
١٧٦

١ ـ السيد الشيرازي(٢٢٩) مع رجل علم مصري :

قال السيد عبد الله الشيرازي (قده) : «كنت يوماً جالساً في الروضة النبوية المطهرة بعد الفراغ من فريضة الصبح ، قرب المنبر مشغولاً بقراءة القرآن وكان المصحف بيدي ، فجاء رجل شيعي ووقف على يساري وكَبّر للصلاة ، وكان على يميني رجلان من أهل العلم مصريان ـ على الظاهر ـ متكئان على الإسطوانة ، فأدخل المصلي يده في جيبه بعد تكبير الإحرام لإخراج التربة أو الحجر للسجود عليه ، فقال أحدهما للآخر : إنظر إلى هذا العجمي يريد أن يسجد على الحجر. فلما هوى المصلي للسجود بعد ركوعه ، حمل عليه أحدها ليختطف ما في يده ، لكني أمسكت على يده قبل وصولها إلى المصلي ، وقلت : لماذا تبطل صلاة الرجل المسلم ، وهو يصلي مقابل قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟

قال : يريد أن يسجد على الحجر. قلت : وأيّ بأس في ذلك؟ وأنا أيضاً أسجد على الحجر.

قال : كيف؟ قلت : هو جعفري ، وهذا هو الصحيح على مذهبنا ، ثم قلت : هل تعرف جعفر بن محمد عليهما السلام؟

قال : نعم. قلت : هو من أهل البيت؟ قال : نعم. قلت : هو رئيس مذهبنا ، ويقول لا يجوز السجود على الفراش أو السجاد ، ويقول : لابد أن يكون السجود على أجزاء الأرض. فسكت قليلاً ، ثم قال : الدين واحد ، والصلاة واحدة. قلت : إذا كان واحداً ، والصلاة واحدة ، فكيف تُصلون

__________________

(٢٢٩) ـ أحد الفقهاء الكبار ، والمراجع العظام ، ولد في شيراز عام ١٣٠٩ هـ ، وهاجر الى النجف الأشرف عام ١٣٣٣ هـ ، حتى أصبح أحد أعلامها ، وفي عام ١٣٩٥ هـ إستقر في مشهد المقدسة ، قائماً بأعباء المرجعية وإدارة حوزتها العلمية ، وتوفي بها عام ١٤٥ هـ ، ودفن بجوار الإمام الرضا (ع).

١٧٧

أنتم السنة في حال القيام على أربعة أشكال من جهة التكتف : فالمالكية يصلون مرسلين الأيدي ، والحنفية يتكتفون ، والشافعية نحو ثالثاً ، والحنبلية نحواً رابعاً ، مع أنّ الدين واحد ، والصلاة التي صلاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت نحواً واحداً؟!

ولقنته الجواب ، وقلت : غير أنكم تقولون إنّ أبا حنفية هكذا قال : والشافعي هكذا ، والمالكي هكذا ، والحنبلي هكذا ، وصوّرت له بيدي صور الحالات الأربع. قال : نعم.

قلت : جعفر بن محمد الصادق عليه السلام رئيس مذهبنا الذي إعترفت بأنّه من أهل البيت أدرى بما في البيت ، لم يكن أقل من أبي حنفية ، ومن هؤلاء علمنا أنّه لابدّ أن يكون السجود على أجزاء الأرض ، ولا يجوز السجود على الصوف والقطن ، وهذا الإختلاف بيننا وبينكم لا يكون إلا مثل الإختلاف بين أنفسكم في كيفية الصلاة من جهة التكتف وغيرها من سائر الإختلاف بينكم في الفروع ولا يرتبط بالأصول ، ولا يكون مربوطاً بالشرك أصلاً. فصدقني الجالسون من أهل السنة ، حتى صاحب هذا الشخص الذي كان جالساً إلى جانبه ، ولما وجدت الجو مناسباً بعد تصديقه كلامي حملت عليه بالكلام الحاد ، وقلت : أما تستحي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تبطل صلاة رجل مسلم يصلي عند قبره ـ صلوات الله عليه وآله ـ بمقتضى مذهبه ، وهو مذهب أهل البيت صاحب هذا القبر ، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تهيراً ، ولا يكون قولهم ومذهبهم إلا قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومذهبه.

فحمل الجالسون عليه أيضاً بالكلام الخشن ، واعتذروا مني من إعتقادهم بأنّ السجود على التربة أو الحجر شرك من الشيعة. أقول : لا يكاد ينقضي تعجبي من أنّ علماءهم كيف أشربوا في قلوب عوامهم أنّ الجسود على التربة

١٧٨

الحسنية ، أو الحجر ، أو الخشب من سائر أجزاء الأرض شرك بالله ، مع أنّه في حال السجود يذكرون الله تعالى بالتحميد والعلو ، وكثيراً في حال السجود عليها ، يقولون : لا إله إلا الله ، أليس السجود على الحجر الذي هو جزء ـ من ـ الأرض مثل السجدة على نفس الأرض ، أو السجدة على الفراش ، أو الحصير أو السجاد؟ فإذا سجد على الأرض أو الحصير أو السجاد ، هل يكون ذلك بمعنى أنّه عبدها؟ فليكن السجود على الحجر مثل السجود عليها!

وأعجب من أصل الموضوع أنّ لسان أكثرهم عربي ، وهم أعرف بمعاني اللغة وخصوصيات معاني الألفاظ ، فكيف غفلوا أو تجاهلوا عن الفرق بين السجود عليه ، والسجود له؟ والسجدة على شيء سواء كان أرضاً أو حجراً أو فراشاً يحتاج تحقق العبادة معه إلى شيء آخر يكون هو المعبود ، ولا يكون نفس السجود عليه معبوداً وهل رأى أحد وثنياً أو صنمياً في مقام العبادة يضع الصنم على الأرض ويسجد عليه؟

لا والله ، بل يجعلون الأصنام في مقابلهم ويسجدون على الأرض ويخرّون عليها تخضعاً وتخشعاً لها ، فحينئذ المعبود هل الصنم أو ما سجد عليه من الأرض أو الحجر أو الشيء الذي سجد عليه ووقع تحت جبهته بلا إختيار ولا إلتفات أو معهما؟

فيا ليت كان في البين ثالث عارف باللغة يحكم بين الفريقين ، هل السجود لله على أجزاء الأرض عبادة لها وشرك بالله ، أو يكون مثل السجدة على نفس الأرض والمعبود في كليهما هو الله الواحد؟

وإن كان بحمد الله الحاكم موجوداً وهو اللغة. فنرجو ـ من الله ـ أن يتنبّه العلماء والفضلاء منهم إلى هذه النقطة ، وإن لم يكن تجااهلاً ، وينبّهوا عوامهم

١٧٩

إلى عدم نسبة الشرك إلى الشيعة ، لسجودهم على أجزاء الأرض من التربة الحسينية أو الحجر أو الخشب»(٢٣٠) .

٢ ـ السيد سلطان الواعظين(٢١٣) ، مع الشيخ عبد السلام الأفغاني :

قال السيد سلطان الواعظين (طاب ثراه) : «ولكنا إذا خالفنا العامة في صلاتنا ، بأن سجدنا على طينة يابسة فبدل أن يسألونا عن الدليل والسبب ، يتهمونا بعبادة الأصنام ويسمون تلك الطينة التي نسجد عليها بالصنم ، فلماذا هذا الجهل والجفاء؟! ولماذا هذا التفريق بين المسلمين؟!

قال الشيخ عبد السلام : كما قلتم بأنّ مجلسنا هذا إنما إنعقد للتعارف والتفاهم ، وأنا أشهد الله سبحانه بأنّي لم أقصد الإساءة إليكم والتجاسر عليكم ، فإذا صدر مني ما يسوء فسببه عدم إطلاعنا على مذهبكم وعدم مطالعتنا لكتبكم ، فما كنا نعرفكم حق المعرفة ، لأنّا ما عاشرناكم ولا جالسناكم ، وانما سمعنا وصفكم من لسان غيركم وتلقيناها بالقبول من دون تحقيق ، فإلتبست علينا كثير من الحقائق ، ومع تكرار الإعتذار أرجوكم أن تُبينوا لنا سبب سجودكم على الطينة اليابسة؟

قلت : أشكر شعوركم الطيب ، وبيانكم الحلو العذب ، وأشكركم على هذا الإستفهام ؛ لأنّ السؤال والإستفهام أجمل طريقة وأعقل وسيلة لإزاحة أي شبهة وابهام.

__________________

(٢٣٠) ـ الشيرازي ، السيد عبد الله : الإحتجاجات العشرة / ٥٥ ـ ٥٩.

(٢٣١) ـ السيد محمد الموسوي الشيرازي ، المعروف بسلطان الواعظين ، كان من العلماء العاملين ، والخطباء البارعين ، ولد في طهران عام ١٣١٤ هـ. وأخذ المقدمات والأوليات على أساتذتها ، وفي عام ١٣٢٦ هـ. هاجر إلى كربلاء مع والده وحضر على أعلام حوزتها ، حتى برع وكمل في كربلاء ، ثم إتصل بالزعيم الشيخ عبد الكريم الحائري في قم وحضر دروسه ، وتوفي يوم الإثنين ٢٠ شعبان عام ١٣٩١ هـ.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

الآية

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٢٨) )

التّفسير

لا يحقّ للمشركين أن يدخلوا المسجد الحرام :

قلنا : إن واحدا من الأمور الأربعة التي بلّغها الإمام عليعليه‌السلام في موسم الحج في السنة التاسعة للهجرة ، هو أنّه لا يحق لأحد من المشركين دخول المسجد الحرام ، أو الطواف حول البيت ، فالآية محل البحث تشير إلى هذا الموضوع وحكمته ، فتقول أوّلا :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا ) .

وهل الآية هذه دليل على نجاسة المشرك بالمفهوم الفقهي ، أو لا؟!

هناك كلام بين الفقهاء والمفسّرين ، ومن أجل تحقيق معنى الآية يلزمنا التحقيق في كلمة «نجس» قبل كل شيء «النجس» على زنة «الهوس» كلمة ذات معنى مصدري ، وتأتي للتأكيد والمبالغة والوصف.

يقول الراغب في مفرداته : إنّ النجاسة والنجس يطلقان على كل قذارة ، وهي

٥٨١

على نوعين : قذارة حسية ، وقذارة باطنية.

ويقول الطبرسي في مجمع البيان : كل ما ينفر منه الإنسان يقال عنه : إنّه نجس.

فلذلك فإنّ كلمة نجس تستعمل في موارد كثيرة ـ حتى في ما لا مفهوم للنجاسة الظاهرية فيه ـ فمثلا يسمّي العرب الأمراض الصعبة المزمنة أو التي لا علاج لها بـ «النجس» كما يطلق على الشخص الشّرير ، أو الساقط خلقيا ، أو الشيخ الهرم ، أنّه نجس.

ومن هنا يتّضح أنّه مع ملاحظة ما جاء في الآية ـ محل البحث ـ لا يمكن الحكم بأنّ إطلاق كلمة نجس على المشركين تعني أن أجسامهم قذرة كقذارة البول والدم والخمر وما إلى ذلك أو لعقيدتهم «الوثنية» فهي قذارة باطنية ، ومن هنا لا يمكن الاستدلال بهذه الآية على نجاسة الكفار ، بل ينبغي البحث عن أدلة أخرى.

ثمّ تعقب الآية على ذوي النظرة السطحية الذين كانوا يزعمون بأن المشركين إذا انقطعوا عن المسجد الحرام ذهبت تجارتهم وغدوا فقراء معوزين فتقول( وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ ) .

كما فعل ذلك سبحانه على خير وجه ، فباتساع رقعة الإسلام في عصر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذ سيل الزائرين يتجه نحو بيت الله في مكّة ، وما زال هذا الأمر مستمرا حتى عصرنا الحاضر حيث أصبحت مكّة في أحسن الظروف فهي بين سلسلة جبال صخرية لا ماء فيها ولا زرع ، لكنّها مدينة عامرة ، وقد صارت بإذن الله مركزا مهما للبيع والشراء التجارة.

ويضيف القرآن في نهاية الآية قائلا :( إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) فكل ما يأمركم به الله فهو وفق حكمته ، وهو عليم بما سيؤول إليه أمره من نتائج مستقبلية ، وهو خبير بذلك.

* * *

٥٨٢

الآية

( قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ (٢٩) )

التّفسير

مسئوليتنا إزاء أهل الكتاب :

كان الكلام في الآيات السابقة عن وظيفة المسلمين إزاء المشركين ، أمّا الآية ـ محل البحث (وما يليها من الآي) ـ فتبيّن تكليف المسلمين ووظيفتهم إزاء أهل الكتاب.

وفي هذه الآيات جعل الإسلام لأهل الكتاب سلسلة من الأحكام تعدّ حدّا وسطا بين المسلمين والكفار ، لأنّ أهل الكتاب من حيث اتّباعهم لدينهم السماوي لهم شبه بالمسلمين ، إلّا أنّهم من جهة أخرى لهم شبه بالمشركين أيضا.

ولهذا فإنّ الإسلام لا يجيز قتلهم ، مع أنّه يجيز قتل المشركين الذين يقفون بوجه المسلمين ، لأنّ الخطة تقضي بقلع جذور الشرك والوثنية من لكرة الأرضية ، غير أنّ الإسلام يسمح بالعيش مع أهل الكتاب في صورة ما لو احترم

٥٨٣

أهل الكتاب الإسلام ، ولم يتآمروا ضده ، أو يكون لهم إعلام مضاد.

والعلامة الأخرى لموافقتهم على الحياة المشتركة السلمية مع المسلمين هي أن يوافقوا على دفع الجزية للمسلمين ، بأن يعطوا كل عام إلى الحكومة الاسلامية مبلغا قليلا من المال بحدود وشروط معينة سنتناولها في البحوث المقبلة إن شاء الله.

وفي غير هذه الحال فإنّ الإسلام يصدر أمره بمقاتلتهم ، ويوضح القرآن دليل شدة هذا الحكم في جمل ثلاث في الآية محل البحث : إذ تقول الآية أوّلا :( قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ) .

لكن كيف لا يؤمن أهل الكتاب ـ كاليهود والنصارى ـ بالله وباليوم الآخر ، مع أننا نراهم في الظاهر يؤمنون بالله ويقرون بالمعاد أيضا؟

والجواب : لأنّ إيمانهم مزيج بالخرافات والأوهام ، أمّا في مسألة الإيمان بالمبدأ وحقيقة التوحيد ، فلأنّه :

أوّلا : يعتقد طائفة من اليهود ـ كما سنرى ذلك في الآيات المقبلة ـ أن عزيرا ابن الله ، كما يتعقد المسيحيون عامّة بألوهية المسيح والتثليث [الله والابن وروح القدس].

وثانيا : كما يشار إليه في الآيات المقبلة ، فانّ كلّا من اليهود والنصارى مشركون في عبادتهم ، ويعبدون أحبارهم ـ عمليّا ـ ويطلبون منهم العفو والصفح عن الذنب ، وهذا ممّا يختصّ به الله ، مضافا إلى تحريف الأحكام الإلهية بصورة رسمية.

وأمّا إيمانهم بالمعاد فإيمان محرّف ، لأنّ المعاد كما يستفاد من كلامهم منحصر بالمعاد الروحاني ، فبناء على ذلك فإنّ إيمانهم بالمبدأ مخدوش ، وإيمانهم بالمعاد كذلك.

ثمّ تشير الآية إلى الصفة الثّانية لأهل الكتاب ، فتقول :( وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ

٥٨٤

اللهُ وَرَسُولُهُ ) .

ومن الممكن أن يكون المراد من كلمة «رسوله» نبيّهم موسى أو عيسىعليهما‌السلام ، لأنّهم لم يكونوا أوفياء لأحكام دينهم ، وكانوا يرتكبون كثيرا من المحرمات الموجودة في دين موسى أو عيسى ، ولا يقتصرون على ذلك فحسب ، بل كانوا يحكمون بحليتها أحيانا.

ويمكن أن يكون المراد من «رسوله» نبيّ الإسلام محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أي إنّما أمرالمسلمون بمقاتلة اليهود والنصاري وجهادهم إيّاهم ، لأنّهم لم يذعنوا لما حرّمه الله على يد نبيّه ، وارتكبوا جميع أنواع الذنوب.

وهذا الاحتمال يبدو أقرب للنظر ، والشاهد عليه الآية (٣٣) من هذه السورة ذاتها ، وسنقف على تفسيرها قريبا ، إذ تقول :( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِ ) .

أضف إلى ذلك حين ترد كلمة (رسوله) في القرآن مطلقة فالمراد منها النّبي (محمّد)صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ولو سلّمنا بأنّ المراد من (رسوله) هنا نبيّهم ، فكان ينبغي أن تكون الكلمة (تثنية) أو جمعا ، كما جاء في الآية (١٣) من سورة يونس( وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ ) ونظير هذا التعبير في القرآن ملحوظ ويمكن أن يقال : إنّ الآية في هذه الصورة ستكون من باب تحصيل الحاصل أو توضيح الواضح ، لأن من البديهي أن غير المسلمين لا يحرمون ما حرمه الإسلام.

لكن ينبغي الالتفات إلى أنّ المراد من هذه الصفات هو بيان علة جواز جهاد المسلمين اليهود ومقاتلتهم إيّاهم. أي يجوز أن تجاهدوا اليهود والنصارى ـ لأنّهم لا يحرمون ما حرم الإسلام ارتكبوا كثيرا من الآثام ـ إذا واجهوكم وخرجوا عن كونهم أقلية مسالمة.

٥٨٥

وتذكر الآية الصفة الثّالثة التي كانوا يتصفون بها فتقول :( وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِ ) .

ويوجد احتمالان في هذه الجملة أيضا ، إلّا أنّ الظاهر أنّ المراد من دين الحق هو دين الإسلام المشار إليه بعد بضع آيات.

وذكر هذه الجملة بعد عدم اعتقادهم بالمحرمات الإسلامية ، هو من قبيل ذكر العام بعد الخاص ، أي أن الآية أشارت أوّلا إلى ارتكابهم لمحرمات كثيرة ، وهي محرّمات تلفت النظر كشرب الخمر والربا وأكل لحم الخنزير ، وارتكاب كثير من الكبائر التي كانت تتسع يوما بعد يوم.

ثمّ تقول الآية : إن هؤلاء لا يدينون بدين الحق أساسا ، أي أن أديانهم منحرفة عن مسيرها الأصيل ، فنسوا كثيرا من الحقائق والتزموا بكثير من الخرافات مكانها ، فعليهم أن يتقبلوا الإسلام ، وأن يعيدوا بناء أفكارهم من جديد على ضوء الإسلام وهداه ، أو يكونوا مسالمين ـ على الأقل ـ فيعيشوا مع المسلمين ، وأن يقبلوا شروط الحياة السلمية مع المسلمين.

وبعد ذكر هذه الأوصاف الثلاثة ، التي هي في الحقيقة المسوغ لجهاد المسلمين لأهل الكتاب ، تقول الآية( مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ) .

وكلمة «من» في الآية بيانية لا تبعيضية ، وبتعبير آخر : إنّ القرآن يريد أن يقول : إن أهل الكتاب السابقين ـ وللأسف ـ لا يدينون بدين الحق وانحرفوا عن المعتقدات الصحيحة ، وهذا الحكم يشملهم جميعا.

ثمّ تبيّن الآية الفرق بين أهل الكتاب والمشركين في مقاتلتهم ، بالجملة التالية( حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ ) .

«والجزية» مأخوذة من مادة الجزاء ، ومعناها المال المأخوذة من غير المسلمين الذين يعيشون في ظلّ الحكومة الإسلامية ، وهذه التسمية لأنّها جزاء حفظ أموالهم وأرواحهم (هذا ما يستفاد من كلام الراغب في مفرداته فلا بأس

٥٨٦

بمراجعتها).

«والصاغر» مأخوذ من «الصغر» على زنة «الكبر» وخلاف معناه ، ومعناه الراضي بالذلة. والمراد من الآية أن الجزية ينبغي أن تدفع في حال من الخضوع للإسلام والقرآن.

وبتعبير آخر : هي علامة الحياة السلمية ، وقبول كون الدافع للجزية من الأقلية المحفوظة والمحترمة بين الأكثرية الحاكمة.

وما ذهب إليه بعض المفسّرين من أنّ المراد من الجزية في الآية هو تحقير أهل الكتاب وإهانتهم والسخر منهم ، فلا يستفاد ذلك من المفهوم اللغوي لكلمة الآية ، ولا ينسجم وروح تعاليم الإسلام السمحة ، ولا ينطبق مع سائر التعاليم أو الدستور الذي وصلنا في شأن معاملة الأقليات.

وما ينبغي التنويه به هنا هو أنّ الآية وإن ذكرت شرط «الجزية» من بين شروط الذمة فحسب ، إلّا أن التعبير ب( هُمْ صاغِرُونَ ) إشارة إجمالية إلى سائر شروط الذمّة ، لأنّه يستفاد من هذه الجملة بأنّهم ـ مثلا ـ يعيشون في محيط إسلامي ، فليس لهم أن يظاهروا أعداء الإسلام ، ولا يكون لهم إعلام مضاد للإسلام ، ولا يقفوا حجر عثرة في رقيه وتقدمه ، وما إلى ذلك ، لأنّ هذه الأمور تتنافى وروح الخضوع والتسليم للإسلام والتعاون مع المسلمين.

ما هي الجزية؟!

تعدّ الجزية ضريبة مالية «إسلامية» وهي تتعلق بالأفراد لا بالأموال ولا بالأراضي ، أو بتعبير آخر : هي ضريبة مالية سنوية على الرؤوس.

ويعتقد بعضهم أنّها ليست من أصل عربي ، بل هي فارسية قديمة وأصلها «كزيت» ومعناها الأموال التي تؤخذ للدعم العسكري ، أو ما يصطلح عليه في عصرنا بـ «المجهود الحربي». لكن الكثير يعتقدون أن هذه الكلمة «الجزية»

٥٨٧

عربية خالصة.

وكما ذكرنا آنفا فهي مأخوذة من الجزاء ، لأنّ الضريبة التي تدفع ، إنّما هي جزاء الأمن الذي توفره الحكومة الإسلامية للأقليات المذهبية.

والجزية ، كانت قبل الإسلام ، ويعتقد بعضهم أن أوّل من أخذ الجزية هو كسرى أنوشروان الملك الساساني ، ولو لم نسلّم بأنّه الأوّل فلا أقل من أن أنوشروان كان يأخذ من أبناء وطنه الجزية ، وكان يأخذ ممن لم يكن موظفا في الدولة وعمره أكثر من عشرين عاما وأقل من خميس عاما ، مبلغا سنويا يتراوح بين ١٢ و ٨ و ٦ و ٤ درهم ، على أنّه ضريبة سنوية على كل فرد.

وذكروا أن فلسفة هذه الضرائب أو حكمتها هي الدفاع عن موجودية الوطن واستقلاله وأمنه ، وهي وظيفة عامّة على جميع الناس ، فبناء على ذلك متى ما قام جماعة فعلا بالمحافظة على الوطن ولم يستطع الآخرون أن يجندوا أنفسهم للدفاع عن الوطن ، لأنّهم يكتسبون ويتّجرون ـ مثلا ـ فإن على الجماعة الثّانية أن تقوم بمصارف المقاتلين فتدفع ضرائب سنوية للدولة.

وما لدينا من القرائن يؤيد فلسفة الجزية سواء قبل الإسلام أو بعده.

فمسألة السنّ في من يعطي الجزية في عصر أنوشروان الذي ذكرناه آنفا «وهي أنّ الجزية تقع على من عمره عشرون عاما إلى خميس عاما» دليل واضح على هذا المطلب ، لأنّ أصحاب هذه المرحلة ، من العمر كانوا قادرين على حمل السلاح والمساهمة في الحفاظ على أمن البلاد ، إلّا أنّهم كانوا يدفعون الجزية لأعمالهم وكسبهم.

والشاهد الآخر على ذلك أنّه لا تجب الجزية «في الإسلام» على المسلمين ، لأنّ الجهاد واجب عليهم جميعا ، وعند الضرورة يجب على الجميع أن يتجهوا نحو ساحات القتال ليقفوا بوجه العدوّ ، إلّا أنّه لما كانت الأقليات المذهبية في حلّ من أمر الجهاد ، فعليها أن تدفع المال مكان الجهاد ، ليكون لهم نصيب في

٥٨٨

الحفاظ على أمن الوطن الذي يتمتعون بالحياة فيه.

ثمّ إن سقوط الجزية عن الأطفال والشيوخ والمقعدين والنساء والعمي ، دليل آخر على هذا الموضوع.

ممّا ذكرناه يتّضح أن الجزية إعانة مالية فحسب ، يقدمها أهل الكتاب إزاء ما يتحمله المسلمون من مسئولية في الحفاظ عليهم وعلى أموالهم.

فبناء على ذلك فإنّ من يزعم أنّ الجزية نوع من أنواع حق التسخير ، لم يلتفت إلى روحها وحكمتها وفلسفتها ، وهي أن أهل الكتاب متى دخلوا في أهل الذمة فإنّ الحكومة الإسلامية يجب عليها أن ترعاهم وتحافظ عليهم وتمنعهم من كل أذى أو سوء. وهكذا فإنّ أهل الذمة عند دفعهم الجزية ، بالإضافة إلى التمتع بالحياة مع المسلمين في راحة وأمان فليس عليهم أي تعهد من المساهمة في القتال مع المسلمين وفي جميع الأمور الدفاعية ـ ويتّضح أن مسئوليتهم إزاء الحكومة الإسلامية أقل من المسلمين بمراتب.

أي أنّهم يتمتعون بجميع المزايا في الحكومة الإسلامية بدفعهم مبلغا ضئيلا ، ويكونون سواء هم والمسلمون. في حين أنّهم لا يواجهون الأخطار ومشاكل الحرب.

ومن الادلة التي تؤيد فلسفة هذا الموضوع ، أنّه في المعاهدات التي كانت ـ في صدر الإسلام بين المسلمين وأهل الكتاب في شأن الجزية ، تصريح بأنّ على أهل الكتاب أن يدفعوا الجزية ، وفي قبال ذلك على المسلمين أن يمنعوهم (أي يحفظوهم) وأن يدافعوا عنهم إذا داهمهم العدو الخارجي.

وهذه المعاهدات كثيرة ، ونورد مثلا منها ، وهي المعاهدة التي تمت بين خالد بن الوليد مع المسيحيين الذين كانوا يقطنون حول «الفرات» :

٥٨٩

نص كتاب المعاهدة :

«هذا كتاب من خالد بن الوليد لصلوبا بن نسطونا وقومه ، إني عاهدتكم على الجزية والمنعة ، فلك الذّمة والمنعة ، وما منعناكم فلنا الجزية وإلّا فلا ، كتب سنة اثنتى عشرة في صفر»(١) .

والذي يسترعي النظر هو أننا نقرأ في هذه المعاهدة وأمثالها أنّه متى ما قصّر المسلمون في الحفاظ على أهل الذمة أو لم يمنعوهم ، فالجزية تعاد إليهم أو لا تؤخذ منهم عندئذ أصلا.

وينبغي الالتفات إلى أنّ الجزية ليس لها مقدار معين وميزانها بحسب استطاعة من تجب عليهم ، غير أنّ المستفاد من التواريخ أنّها عبارة عن مبلغ ضئل قد لا يتجاوز الدينار(٢) في السنة ، وربّما قيد في المعاهدة أن على دافعي الجزية أن يدفعوا بمقدار استطاعتهم جزية.

ومن جميع ما تقدم ذكره يتّضح أنّ جميع ما أثير من شبهات أو إشكالات في هذا الصدد ، باطل لا اعتبار له ، ويثبت أن هذا الحكم الإسلامي حكم عادل ومنصف.

* * *

__________________

(١) نقلا عن تفسير المنار ، ج ١٠ ، ص ٢٩٤.

(٢) من المناسب أن أشير إلى أن المقصود بالدينار ليس هو الدينار المتعارف بينا كالدينار العراقي أو الدينار الأردني أو الدينار الكويتي وهلّم جرا ، بل هو الدينار الذهبي الذي يعادل مثقالا ونصف أو أدنى من ذلك بقليل.

٥٩٠

فهرس الموضوعات

تفسيرالآیات : ٢٦ ـ ٢٧ ٥

إنذار إلى كل أبناء آدم ٥

نزول اللباس ٧

اللباس في الماضي والحاضر ٨

ما هو المقصود من الفحشاء ١٥

تفسيرالآیتان : ٢٩ ـ ٣٠ ١٦

بحثان

١ ـ ما المقصود من «أقيموا وجوهكم» ١٧

٢ ـ أقصرالأدلة على المعاد ١٨

تفسيرالآیتان : ٣١ ـ ٣٢ ٢٠

الزّینة والتّجمل من وجهة نظرالإسلام ٢٣

توصية صحية هامّة ٢٥

تفسيرالآیة : ٣٣ ٢٧

المحرمات الإلهية ٢٧

تفسيرالآیة : ٣٤ ٣٠

لكل أمّة أجل ٣٠

٥٩١

الرّد على الخطأ ٣١

تفسيرال آیتان : ٣٥ ـ ٣٦ ٣٣

تعلیم آخرلأبنا ء آدم ٣٣

رد على سف ّسطة أخرى ٣٤

تفسيرال آی ة : ٣٧ ٣٥

تفسيرال آیتان : ٣٨ ـ ٣٩ ٣٨

تنازع القا دة والاتباع في جهنم ٣٨

تفسيرال آیتان : ٤٠ ـ ٤١ ٤٢

تفسیرال أيتان : ٤٢ ـ ٤٣ ٤٥

الطّمأنينة الكاملة والسّعادة الخالدة ٤٥

لماذا عبّربالإرث................................٠٠ ٤٨

تفسيرال آیتان : ٤٤ ـ ٤٥ ٥٠

من هوالمُؤذّن والمنادي ٥٢

تفسيرالآیات : ٤٦ ـ ٤٩ ٥٥

الآعراف معبر مهم إلى الجنّة ٥٥

من هم أصحاب الأعراب ٥٨

تفسيرال آیتان : ٥٠ ـ ٥١ ٦٣

ن ِعَم الجنّة حرام على أهل النّار ٦٣

بحوث

تفسيرال آیتان : ٥٢ ـ ٥٣ ٦٦

تفسیرالآی ة : ٥٤ ٦٩

هل خلق العالم في ستّة أيّام ٦٩

لماذا لم يخلق الله العالم في لحظة واحدة ٧٢

٥٩٢

ما هو العرش ٧٣

ما هو «الخلق» و «الأمر» ٧٥

تفسيرال آیتان : ٥٥ ـ ٥٦ ٧٨

شرو ط استجابة الدعاء ٧٨

تفسيرال آیتان : ٥٧ ـ ٥٨ ٨٢

لابد من المربی والقابلی ّة ٨٢

تفسيرال آیات : ٥٩ ـ ٦٤ ٨٥

رسال ة نوح أوّل الرّسل من أولي العزم ٨٥

تفسيرال آیات : ٦٥ ـ ٧٢ ٩١

لمح ة عن قصّة قوم هود ٩٢

تفسيرال آیات : ٧٣ ـ ٧٩ ٩٨

قص ة قوم صالح وما فيها من عبر ٩٩

بأيّ شيء أهلك قوم ثمود ١٠٣

تفسيرالآیات : ٨٠ ـ ٨٤ ١٠٥

مصیر قوم لوط المؤلم ١٠٥

تفسيرال آیات : ٨٥ ـ ٨٧ ١١٠

رسال ة شعيب في مدين ١١٠

تفسيرال آیات : ٨٨ ـ ٨٩ ١١٥

تفسیرالآیات : ٩٠ ـ ٩٣ ١١٨

تفسیرالآیات : ٩٤ ـ ٩٥ ١٢١

إذ لم تنفع المواعظ ١٢١

تفسيرال آیات : ٩٦ ـ ١٠٠ ١٢٤

التق ّ دم والعمران فی ظل الإيمان والتقوى ١٢٤

٥٩٣

بحوث

١ ـ بركات الأرض والسماء ١٢٥

٢ ـ معنى «البركات» ١٢٦

٣ ـ ماذا يعني «الأخذ» ١٢٦

٤ ـ المفهوم الواسع لل آی ة ١٢٧

جواب على سؤال ١٣١

تفسيرال آیتان : ١٠١ ـ ١٠٢ ١٣٤

تفسیرالآیات : ١٠٣ ـ ١٠٨ ١٣٧

المواجه ة بين موسى وفرعون ١٣٧

هل يمكن قلب العصا إلى حية عظيمة ١٤٢

تفسيرال آیات : ١٠٩ ـ ١١٢ ١٤٥

بد ء المواجهة ١٤٥

تفسيرال آیات : ١١٣ ـ ١٢٢ ١٤٨

کیف انتصرالحق فی النهای ة ١٤٨

بحوث

١ ـ المشهد العجيب لسحرالسّاحرين ١٥١

٢ ـ الإستفادة من السلاح المشابه ١٥٢

تفسيرال آیات : ١٢٣ ـ ١٢٦ ١٥٧

الت ّهديدات الفرعونية الجوفاء ١٥٧

الاستقامة الواعية ١٦٢

تفسيرال آیات : ١٢٧ ـ ١٢٩ ١٦٤

س ؤال ١٦٦

٥٩٤

جواب ١٦٦

تفسيرال آیتان : ١٣٠ ـ ١٣١ ١٧٠

العقوبات التنبیهی ة ١٧٠

التفاؤل والتشاؤم (الفأل والطيرة) ١٧٣

تفسيرال آیتان : ١٣٢ ـ ١٣٣ ١٧٦

النوائب المتنوعة ١٧٦

تفسيرال آیات : ١٣٤ ـ ١٣٦ ١٧٦

نقض العه د المتكرر ١٨٠

تفسيرال آی ة : ١٣٧ ١٨٤

قوم فرعون والمصيرالمؤلم ١٨٤

تفسيرال آیات : ١٣٨ ـ ١٤١ ١٨٧

الاقتراح عل ى موسى يصنع الوثن ١٨٧

بحوث

١ ـ الجهل منشأ الوثنية ١٨٨

٢ ـ أرضية الوثنية عند بني إسرائيل ١٩٠

٣ ـ الكفرة بالنعم في بني إسرائيل ١٩٠

تفسيرال آی ة : ١٤٢ ١٩٣

المعياد الكبير ١٩٣

بحوث

١ ـ لماذا التفكيك بين الثلاثين والعشر ١٩٤

٢ ـ كيف نصب موسى عليه السلام هارون قائداً وإماما ١٩٥

٣ ـ لماذا طلب موسى عليه السلام من أخيه الإصلاح وعدم اتّباع المفسدين ١٩٥

٤ ـ ميقات واحد أومواقيت متعددة ١٩٦

٥٩٥

٥ ـ حديث المنزلة ١٩٧

أسانيد حديث المنزلة ١٩٧

حديث المنزلة في سبعة مواضع ٢٠٠

محتوى حديث المنزلة ٢٠٢

أسئلة حول حديث المنزلة ٢٠٢

تفسيرال آی ة : ١٤٣ ٢٠٦

المطالبة برؤية الله ٢٠٦

بحوث

١ ـ لماذا طلب موسى رؤية الله ٢٠٧

٢ ـ هل يمكن رؤية الله أساساً ٢٠٨

٣ ـ ما هو المراد من تجلّي الله ٢٠٩

٤ ـ مم تاب موسى عليه السلام ٢١١

٥ ـ الله غيرقابل للرؤية مطلقاً ٢١١

تفسيرال آیتان : ١٤٤ ـ ١٤٥ ٢١٣

ألواح التوراة ٢١٣

بحوث

١ ـ نزول الألواح على موسى ٢١٤

٢ ـ كيف كلّم الله موسى ٢١٥

٣ ـ عدم وجوب جميع تعاليم الألواح ٢١٥

٤ ـ هل في الألواح تعاليم حسنة وأخرى غيرحسنة ٢١٦

تفسيرال آیتان : ١٤٦ ـ ١٤٧ ٢١٨

مصیرالمتکبرین ٢١٨

تفسیرالآیتان : ١٤٨ ـ ١٤٩ ٢٢١

٥٩٦

اليهود وعبادتهم للعجل ٢٢١

كيف كان للعجل الذهبي خوار ٢٢٣

تفسيرالآیتان : ١٥٠ ـ ١٥١ ٢٢٦

ر دة فعل شديدة تجاه عبادة العجل ٢٢٦

مقاربة بين تواريخ القر آن والتورا ة الحاضرة ٢٣٠

تفسيرال آیات : ١٥٢ ـ ١٥٤ ٢٢٣

جواب عل ى سؤالين ٢٣٤

تفسيرال آیتان : ١٥٥ ـ ١٥٦ ٢٣٦

من دوبو بني إسرائيل في الميقات ٢٣٦

تفسيرال آی ة : ١٥٧ ٢٤٣

اتبعوا هذا النّبي ٢٤٣

بحوث

١ ـ خمسة أدلة على النبّوة في آی ة واحدة ٢٤٦

٢ ـ كيف كان النبّي أميّا ٢٤٧

٣ ـ البشارات بظهورالنبّي في العهدين ٢٥٠

تفسيرال آی ة : ١٥٨ ٢٥٣

دعوة النّبي العالميّة ٢٥٣

تفسيرال آیتان : ١٥٩ ـ ١٦٠ ٢٥٦

جانب من نعم الله عل ى بني إسرائيل ٢٥٦

تفسيرال آیتان : ١٦١ ـ ١٦٢ ٢٦٠

ماهی «ح طّة» وماذا تعني ٢٦١

تفسيرال آیات : ١٦٣ ـ ١٦٦ ٢٦٣

قص ّة فيها عبرة ٢٦٣

٥٩٧

بحوث

١ ـ كيف ارتكبوا هذه المعصية ٢٦٧

٢ ـ من هم الذين نجوا ٢٦٨

٣ ـ هل أن كلا الفريقين عوقبوا بعقاب واحد ٢٦٩

٤ ـ هل المسخ كان جسمانياً أو روحانياً ٢٦٩

٥ ـ المخالفة تحت غطاء الحيلة الشّرعية ٢٧٢

٦ ـ أنواع الإبتلاء الإلهي المختلفة ٢٧٣

تفسيرال آیتان : ١٦٧ ـ ١٦٨ ٢٧٤

تفرق الیهود وتشتتهم ٢٧٤

تفسیرالآیتان : ١٦٩ ـ ١٧٠ ٢٧٤

تفسيرالآی ة : ١٧١ ٢٨٢

آخرکلام حول الیهو د ٢٨٢

أسئلة وأجوبة ٢٨٣

تفسيرال آیات : ١٧٢ ـ ١٧٤ ٢٨٦

العه د الأول وعالم الذّر ٢٨٦

عالم الذر في الرّوايات الإٍسلامية ٢٩١

تفسيرال آیات : ١٧٥ ـ ١٧٨ ٢٩٣

العالم المنحرف «بلعم بن باعورا ء» ٢٩٥

تفسيرال آیات : ١٧٩ ـ ١٨١ ٢٩٩

علا ئم أهل النّار ٢٩٩

لماذا هم كالأنعام ٣٠٢

بحوث

١ ـ ما هي الأسماء الحسنى ٣٠٤

٥٩٨

٢ ـ الأمة الهداة ٣٠٨

٣ ـ اسم الله الأعظم ٣٠٩

تفسيرال آیتان : ١٨٢ ـ ١٨٣ ٣١١

ال إستدراج ٣١١

تفسيرال آیات : ١٨٤ ـ ١٨٦ ٣١٥

سبب الن زول ٣١٥

التهم والأباطيل ٣١٦

تفسيرال آی ة : ١٨٧ ٣١٩

سبب النزول ٣١٩

أيّان يوم القيامة ٣١٩

تفسيرال آیة : ١٨٨ ٣٢٢

سبب النزول ٣٢٢

لايعلم الغيب إلا الله ٣٢٢

ملاحظة ٣٢٥

ألم يكن النّبي صلى الله عليه و آله یعلم الغیب ٣٢٥

تفسیرالآیات : ١٨٩ ـ ١٩٣ ٣٢٧

جحد نعم ة عظمى ٣٢٧

الجواب على سؤال مهم ٣٢٨

رواية مجمولة ٣٣١

تفسيرال آیتان : ١٩٤ ـ ١٩٥ ٣٣٣

تفسیرال أيات : ١٩٦ ـ ١٩٨ ٣٣٦

المعبودات التي لا قيمة لها ٣٣٦

تفسيرال آیات : ١٩٩ ـ ٢٠٣ ٣٣٨

٥٩٩

وساوس الشی طان ٣٣٨

أجمع آی ة أخلاقية ٣٤٠

تفسيرال آیات : ٢٠٤ ـ ٢٠٦ ٣٤٥

وا ذا قرىء القر آن فاستمعوا وانصتوا ٣٤٥

سور ة الأنفال

نظرة خاطفة إلى محتويات هذه السورة ٣٥٣

تفسيرال آی ة : ١ ٣٥٥

سبب النزول ٣٥٥

ماهي الأنفال ٣٥٦

ملاحظات

تفسيرال آیات : ٢ ـ ٤ ٣٦١

خمس صفات خاص ّة بالمؤمنين ٣٦١

تفسيرال آیتان : ٥ ـ ٦ ٣٦٤

تفسیرالآیتان : ٧ ـ ٨ ٣٦٦

غزو ة بدرأول مواجهة مسلحة بين الإسلام والكفر ٣٦٦

تفسيرال آیات : ٩ ـ ١٤ ٣٧٥

دروس مفيدة من ساحة المعركة ٣٧٦

هل قاتلت الملائكة ٣٧٧

تفسيرال آیات : ١٥ ـ ١٨ ٣٨١

الفرارمن الجهاد ممنوع ٣٨١

تفسیرال أية : ١٩ ٣٨٧

تفسيرال آیات : ٢٠ ـ ٢٣ ٣٨٩

٦٠٠

601

602

603

604

605

606