الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٥

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل9%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 606

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 606 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 245225 / تحميل: 6211
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٥

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

الثّاني من أصحاب الأعراف ، وهم السادة والأنبياء والأئمّة والصلحاء.

ونرى في بعض الرّوايات ـ أيضا ـ شاهدا واضحا وجليا على هذا الجمع مثل الحديث المنقول عن الإمام الصّادقعليه‌السلام الذي قال فيه : «الأعراف كثبان بين الجنّة والنّار ، والرجال الأئمّة يقفون على الأعراف مع شيعتهم وقد سبق المؤمنون إلى الجنّة بلا حساب». ويقصد من الشيعة الذي يقفون مع الأئمّة على الأعراف العصاة منهم.

ثمّ يضيف قائلا : «فيقول الأئمّة لشيعتهم من أصحاب الذنوب : انظروا إلى إخوانكم في الجنّة قد سبقوا إليها بلا حساب ، وهو قوله تبارك وتعالى :( سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ ) ثمّ يقال : انظروا إلى أعدائكم في النّار ، وهو قوله تعالى :( وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) ثمّ يقولون لمن في النّار من أعدائهم : هؤلاء شيعتي وإخواني الذين كنتم أنتم تختلفون (تحلفون) في الدنيا أن لا ينالهم الله برحمة ، ثمّ تقول الأئمّة لشيعتهم : ادخلوا الجنّة لا خوف عليكم وأنتم تحزنون(١) .

ونظير هذا المضمون روي في تفاسير أهل السنة عن حذيفة عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) .

ونكرر مرّة أخرى هنا أنّ الحديث حول تفاصيل وجزئيات القيامة وخصوصيات الحياة في العالم الآخر أشبه بما لو أننا أردنا أن نصف شبحا من بعيد ، في حين أنّ بين ذلك الشبح وبين حياتنا تفاوتا واسعا واختلافا كبيرا ، فما نفعله في هذه الصورة هو أنّنا نستطيع بألفاظنا المحدودة والقاصرة أن نشير إليه إشارة ناقصة قصيرة.

هذا ، والنقطة الجديرة بالالتفات هي أنّ الحياة في العالم الآخر مبتنية على

__________________

(١) تفسير البرهان ، المجلد الثّاني ، الصفحة ١٩ و ٢٠.

(٢) تفسير الطبري ، ج ٨ الصفحة ، ١٤٢ و ١٤٣.

٦١

أساس النماذج والعيّنات الموجودة في هذه الدنيا ، فهكذا الحال بالنسبة إلى الأعراف ، لأنّ الناس في هذه الدنيا ثلاث فرق : المؤمنون الصادقون الذين وصلوا إلى الطمأنينة الكاملة في ضوء الإيمان ، ولم يدخروا وسعا في طريق المجاهدة.

والمعاندون وأعداء الحق المتصلبون المتمادون في لجاجهم الذين لا يهتدون بأية وسيلة. والفريق الثّالث هم الذين يقفون في هذا الممر الصّعب عبوره ـ في الوسط بين الفريقين ، وأكثر عناية القادة الصادقين وأئمّة الحق موجهة إلى هؤلاء ، فهم يبقون إلى جانب هؤلاء ، ويأخذون بأيديهم لإنقاذهم وتخليصهم من مرحلة الأعراف ليستقروا في صف المؤمنين الحقيقيين.

ومن هنا يتّضح أن تدخّل الأنبياء والأئمّة في انقاذ هذا الفريق في الآخرة كتدخلهم لذلك في الدنيا لا ينافي أبدا قدرة الله وحاكميته على كل شيء ، بل كل ما يفعلونه إنّما هو بإذن الله تعالى وأمره.

* * *

٦٢

الآيتان

( وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قالُوا إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ (٥٠) الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (٥١) )

التّفسير

نعم الجنّة حرام على أهل النّار :

بعد أن استقر كل من أهل الجنّة وأهل النّار في أماكنهم ومنازلهم ، تدور بينهم حوارات نتيجتها العقوبة الروحية والمعنوية لأهل النّار.

وفي البداية يبدأ الكلام من جانب أهل النّار :( وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ ) . فهم يطلبون أن يجودوا عليهم بشيء من الماء أو من نعم الجنّة.

ولكن أهل الجنّة يبادرون إلى رفض هذا المطلب( قالُوا إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ ) .

٦٣

بحوث

هنا عدّة نقاط يجب أن نتوقف عندها ونلتفت إليها :

١ ـ يبدأ القرآن الكريم بأحاديث أهل النّار مع أهل الجنّة بلفظة (ونادى) التي تستعمل عادة للتخاطب من مكان بعيد ، وهذا يفيد بأنّ بين الفريقين فاصلة كبيرة ومع ذلك يتمّ هذا الحوار ويسمع كل منهما حديث الآخر ، وهذا ليس بعجيب ، فلو أن المسافه بلغت ملايين الفراسخ لأمكن أن يسمع كل واحد منهما كلام الآخر ، بل ويرى ـ في بعض الأحيان ـ الطرف الآخر.

ولو كان القبول بهذا أمرا متعذرا أو متعسرا في الماضي ، وكانت تشكل مشكلة بالنسبة إلى السامعين ، فإنّه مع انتقال الصوت والصورة في عصرنا الحاضر من مسافات بعيدة جدا انحلّت هذه المشكلة ، ولم تعد الآية موضع تعجب وغرابة.

٢ ـ إنّ أوّل طلب يطلبه أهل النّار هو الماء ، وهذا أمر طبيعي ، لأنّ الشخص الذي يحترق في النّار المستعرة يطلب الماء قبل أي شيء حتى يبرد غليلة ويرفع به عطشه.

٣ ـ إنّ عبارة( مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ ) التي هي عبارة مجملة ، وتتسم بالإبهام ، تفيد أنّه حتى أهل النّار لا يمكنهم أن يعرفوا بشيء من حقيقة النعم الموجودة في الجنّة وأنواعها. وهذا الموضوع يتفق وينسجم مع بعض الأحاديث التي تقول : (إنّ في الجنّة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر).

ثمّ إنّ عطف الجملة بـ «أو» يشير الى أنّ النعم الاخروية الأخرى وخاصّة الفواكه يمكنها أن تحلّ محل الماء وتطفئ عطش الإنسان.

٤ ـ إنّ عبارة( إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ ) إشارة إلى أهل الجنّة بأنفسهم ، ليسوا هم الذين يمتنعون عن إعطاء شيء من هذه النعم لأهل النّار ، لأنّه لا يقلّ منها شيء بسبب الإعطاء ، ولا أنّهم يحملون حقدا أو ضغينة على أحد في

٦٤

صدورهم ، حتى بالنسبة إلى أعدائهم ، ولكن وضع أهل النّار بشكل لا يسمح لهم أن يستفيدوا من نعم الجنّة.

إنّ هذا الحرمان ـ في الحقيقة ـ نوع من «الحرمان التكويني» مثل حرمان كثير من المرضى من الأطعمة اللذيذة المتنوعة.

في الآية اللاحقة يبيّن سبب حرمانهم ، ويوضح بذكر صفات أهل النّار أهل هذا المصير الأسود قد هيّئوه هم لأنفسهم ، فيقول أوّلا : إنّ هؤلاء هم الذين اتخذوا دينهم لعبا( الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً ) .

وهذا إلى جانب أنّهم خدعتهم الدنيا واغتروا بها( وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا ) .

إنّ هذه الأمور سببت في أن يغرقوا في وحل الشهوات ، وينسوا كل شيء حتى الآخرة ، وينكروا أقوال الأنبياء ، ويكذبوا بالآيات الإلهية ، ولهذا أضاف قائلا :( فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا ، وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ ) .

ومن البديهي أنّ المراد من «النسيان» الذي نسب هنا إلى الله هو بمعنى أنّنا نعاملهم معاملة الناسي تماما ، مثل أن يقول شخص لصديقه : (كما أنّك نسيتني فسوف أنساك أن أيضا) أي أنني سوف أعاملك معاملة المتناسي لشيء.

كما أنّه يستفاد من هذه الآية أنّ أوّل مرحلة من مراحل الانحراف والضلال ، هو أن لا يأخذ الإنسان قضاياه المصيرية بمأخذ الجدّ ، بل يتعامل معها معاملة المتسلّي والهازل ، فتؤدي به هذه الحالة إلى الكفر المطلق ، وإنكار جميع الحقائق.

* * *

٦٥

الآيتان

( وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥٢) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٥٣) )

التّفسير

هذه الآية إشارة ـ في الدرجة الأولى ـ إلى أنّ حرمان الكفار ومصيرهم المشؤوم إنّما هو نتيجة تقصيراتهم أنفسهم ، وإلّا فليس هناك من جانب الله أي تقصير في هدايتهم وقيادتهم وإبلاغ الآيات إليهم وبيان الدروس التربوية لهم ، لهذا يقول تعالى : إنّنا لم نال جهدا ولم ندخر شيئا في مجال الهداية والإرشاد ، بل أرسلنا لهم كتابا شرحنا فيه كل شيء بحكمة ودراية( وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ ) .

وهو كتاب فيه رحمة وهداية ، لا للمعاندين الأنانيين ، بل للمؤمنين( هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) .

٦٦

الآية اللاحقة تشير إلى الطريقة الخاطئة في تفكير العصاة والمنحرفين في صعيد الهداية الإلهية فيقول :( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ ) أي كأنّ هؤلاء يتوقعون أن يروا نتيجة الوعد والوعيد الإلهي بعيونهم (أي يروا أهل الجنّة وهم فيها ، وأهل النّار وهم فيها) حتى يؤمنوا.

ولكنّه توقّع سخيف ، لأنّه عند ما تترجم الوعود الإلهية على صعيد الواقع ينتهي الأمر ، ولم يعد هناك مجال للرجوع ولا طريق للعودة ، وهناك سيعترفون بأنّهم قد تناسوا كتاب الله وتجاهلوا التعاليم الإلهية التي أنزلها على رسله بالحق ، وكان قولهم حقّا أيضا :( يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِ ) .

سيغرقون في هذا الوقت في قلق واضطراب ، ويفكرون في مخلص ينقذهم من هذه المشكلة ويقولون( فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا ) .

وإذا لم يكن هناك شفعاء لنا ، أو إنّنا لا نصلح أساسا للشّفاعة ، أفلا يمكن أن نرجع إلى الدنيا ونقوم بأعمال غير ما عملناه سابقا ، ونسلّم للحق والحقيقة( أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ) .

ولكن هذا التنبيه جاء ـ وللأسف ـ متأخرا جدا ، فلا طريق للعودة ولا صلاحية لهم للشفاعة ، لأنّهم قد خسروا كلّ رؤوس أموالهم ، وتورطوا في خسران جميع وجودهم( قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ ) .

وسوف يثبت لهم أنّ أصنامهم ومعبوداتهم ليس لها أي دور هناك ، وفي الحقيقة ضاعت ـ في نظرهم ـ جميعا( وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ ) .

وكأنّ الجملتين الأخيرتين ردّ على طلبهم ، يعني إذا كانوا يريدون شفعاء يشفعون فإنّ عليهم حتما أن يتوسّلوا بأصنامهم التي كانوا يسجدون لها ، في حين أنّ تلك الأصنام ولأوثان لا تكون مؤثرة هناك مطلقا.

وأمّا عودتهم إلى الدنيا فإنّها ممكنة في ما لو بقي لديهم رأس مال ، ولكنّهم

٦٧

قد خسروا كل رؤوس أموالهم وفقدوا كل وجودهم.

من هذه الآية يستفاد أوّلا أنّ الإنسان حرّ مختار في أعماله ، وإلّا لما طلب العودة والرجوع إلى الدنيا لملافاة ما فات ، وثانيا : إنّ العالم الآخر ليس مكان العمل واكتساب الفضائل والنجاة.

* * *

٦٨

الآية

( إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٥٤) )

التّفسير

في الآيات السابقة قرأنا أنّ المشركين يقفون يوم القيامة على خطأهم الكبير في صعيد انتخاب المعبود ، والآية الحاضرة تصف المعبود الحقيقي مع ذكر صفاته الخاصّة حتى يستطيع الذين يطلبون الحقيقة وينشدونها أن يعرفوه بوضوح في هذا العالم وقبل حلول يوم القيامة ، ويبدأ حديثه هذا بقوله :( إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ) أي أنّ المعبود لا يمكن أن يكون إلّا من كان خالقا.

هل خلق العالم في ستّة أيّام؟

لقد ورد البحث عن خلق العالم وتكوينه في ستّة أيّام ، في سبعة موارد من

٦٩

آيات القرآن الكريم(١) ، ولكنّه في ثلاثة موارد أضيف إلى السماوات والأرض لفظة «وما بينهما» أيضا. والتي هي في الحقيقة توضيح للجملة السابقة ، لأنّ جميع هذه الأشياء تدخل في معنى السماوات والأرض ، لأنّنا نعلم أنّ السماء تشمل جميع الأشياء التي توجد في الأعلى ، والأرض هي النقطة المقابلة للسماء.

وهنا يتبادر هذا السؤال فورا وهو : قبل أن تخلق السماوات والأرض لم يكن ليل ولا نهار ليقال : خلقت السماوات والأرض فيهما ، لأنّ الليل والنهار ناشئان من دوران الأرض حول نفسها في مقابل الشمس.

هذا مضافا إلى أنّ ظهور المجموعة الكونية في ستّة أيام ـ يعني أقل من أسبوع ـ يخالف العلم ، لأنّ العلم يقول : لقد استغرق تكوّن الأرض والسماء حتى وصل الى الواضع الحالي ملياردات من السنوات والأعوام.

ولكن نظرا إلى المفهوم الواسع للفظة «يوم» وما يعادلها في مختلف اللغات ، يكون جواب هذا السؤال واضحا ، لأنّه كثيرا ما يستعمل اليوم بمعنى الدورة ، سواء استغرقت مدة سنة ، أو مائة سنة ، أو مليون سنة أو ملياردات السنين ، والشواهد التي تثبت هذه الحقيقة ، وتفيد أنّ أحد معاني اليوم هو الدورة ، كثيرة :

١ ـ لقد استعملت لفظة اليوم والأيّام في القرآن الكريم مئات المرات ، وفي كثير من الموارد لم تكن بمعنى الليل والنهار ، مثلا يعبر عن عالم البعث بيوم القيامة ، وهذا يشهد بأنّ مجموع عملية القيامة التي هي دورة طويلة الأمد والمدّة ، تسمى يوم القيامة.

ويستفاد من بعض الآيات القرآنية أنّ يوم القيامة ومحاسبة أعمال الناس يستغرق خمسين ألف سنة (سورة المعارج الآية ٤).

__________________

(١) وهي : الآية المبحوثة هنا ، و ٣ يونس ، و ٧ هود ، و ٥٩ الفرقان و ٤ السجدة و ٣٨ ق ، و ٤ الحديد.

٧٠

٢ ـ نقرأ في كتب اللغة أيضا أنّ اليوم ربّما يطلق على الزمن بين طلوع الشمس وغروبها ، وربّما على مقدار من الزمان مهما كان قدره ، قال الراغب في المفردات : «اليوم يعبّر به عن وقت طلوع الشمس إلى غروبها ، وقد يعبّر عن مدة من الزمان أي مدّة كانت».

٣ ـ جاء في روايات أئمّة الدين وأحاديثهم ـ كذلك ـ استعمال اليوم بمعنى الدهر ، كما روي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام في نهج البلاغة أنّه قال : «الدّهر يومان : يوم لك ، ويوم عليك».

ونقرأ في تفسير البرهان في تفسير هذه الآية ، عن تفسير علي بن إبراهيم الإمامعليه‌السلام قال : «في ستة أيّام ، أي في ستة أوقات» ، أي في ست دورات.

٤ ـ كثيرا ما نشاهد في المحاورات اليومية ، وأشعار الشعراء في اللغات المختلفة ، أنّ كلمة اليوم وما يعادلها قد استعملت بمعنى الدورة والعهد ، مثلا نقول يوم كانت الكرة الأرضية حارة ومشتعلة ، ويوم صارت باردة وظهرت فيها آثار الحياة ، في حين أنّ فترة سخونة الأرض واشتعالها استغرقت ملياردات من الأعوام.

أو عند ما نقول غصب آل أمية الخلافة الإسلامية يوما ، وغصبها بنو العباس يوما آخر. في حين أنّ فترة اغتصاب الأمويين للخلافة استغرقت عشرات السنين وفترة اغتصاب العباسيين لها استغرقت المئات.

من مجموع الحديث السابق نستنتج أنّ الله سبحانه وتعالى خلق السماوات والأرض في ست دورات متوالية ، وإن استغرقت كل دورة من هذه الدورات ملايين أو ملياردات السنين ، والعلم الحديث لم يبيّن أي أمر يخالف هذا الموضوع.

وهذه الدورات ـ احتمالا ـ هي على الترتيب :

١ ـ يوم كان الكون في شكل كتلة غازية الشكل ، فانفصلت منها أجزاء

٧١

بسبب دورانها حول نفسها ، وتشكلت من المواد المنفصلة الكرات والأنجم.

٢ ـ هذه الكرات قد تحولت تدريجا إلى هيئة كتلة من المواد الذائبة المشعة أم الباردة القابلة للسكنى.

٣ ـ في دورة أخرى تألفت المنظومة الشمسية وانفصلت الأرض عن الشمس.

٤ ـ في الدورة الرّابعة بردت الأرض وأصبحت قابلة للحياة.

٥ ـ ثمّ ظهرت النباتات والأشجار على الأرض.

٦ ـ وبالتالي ظهرت الحيوانات والإنسان فوق سطح الأرض.

وكل ما ذكرناه أعلاه من الأدوار الستة لعملية خلق وتكوين السماوات والأرض تنطبق على الآيات (٨) إلى (١١) من سورة فصلت التي سيأتي تفسيرها في المستقبل إن شاء الله.

لماذا لم يخلق الله العالم في لحظة واحدة؟

وهنا يطرح سؤال آخر نفسه وهو : لماذا خلق الله السماوات والأرض في دورات عديدة وطويلة ، وهو القادر على خلقها في لحظة واحدة؟

إنّ جواب هذا السؤال يمكن الوقوف عليه بالالتفات إلى نقطة واحدة ، وهي أنّ الخلق لو تمّ في لحظة واحدة ، لكان ذلك أقل دلالة على عظمة الخالق وقدرته وعلمه ، ولكن لما تمّت عملية الخلق والتكوين في مراحل مختلفة وأشكال متنوعة ، وفق برنامج منظم محسوب ، كان لذلك دلالة أوضح على معرفة الخالق.

ففي المثل لو كانت النّطفة البشرية تتبدل في لحظة واحدة إلى وليد كامل ، لمّا كان ذلك يحكي عظمة الخلق والتكوين ، ولكن عند ما ظهر الوليد خلال ٩ أشهر ، وضمن برنامج دقيق واتخذ في كل يوم وشهر شكلا خاصا وصورة خاصّة ، استطاعت كل واحدة من هذه المراحل أن تقدّم آية جديدة من آيات العظمة

٧٢

الإلهية ، وتكون دليلا جديدا على قدرة الخالق.

ثمّ يقول القرآن الكريم : إنّ الله تعالى بعد خلق السماوات والأرض أخذ زمام إدارتها بيده (أي ليس الخلق منه فقط ، بل منه الإدارة والتدبير أيضا) فقال تعالى :( ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ) .

وهذا جواب لمن يعتقد أنّ الكون محتاج إلى الله تعالى في الخلق والإيجاد دون البقاء.

ما هو العرش؟

«العرش» في اللغة هو ما له سقف ، وقد يطلق العرش على نفس السقف ، مثل قوله تعالى :( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها ) (١) .

وربّما يأتي بمعنى الأسرة الكبيرة المرتفعة ، مثل أسرة الملوك والسلاطين ، كما جاء في قصة سليمان :( أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها ) (٢) .

وهكذا يطلق لفظ العرش على الأسقف التي يقيمها المزارعون لحفظ بعض الأشجار ، وبخاصّة المتسلقة منها ، كما نقرأ في القرآن الكريم :( وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ ) (٣) .

ولكن عند ما ينسب الى الله سبحانه وتعالى ويقال : عرش الله ، يراد منه مجموعة عالم الوجود ، الذي يعدّ في الحقيقة سرير حكومة الله تعالى.

وأساسا فإنّ عبارة( اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ) كناية عن سيطرة حاكم من الحكام على أمور بلده ، كما أنّ المراد من جملة «ثلّ عرشه» هو خروج زمام الأمر من يده وفقدان السيطرة عليه ، وقد استعملت هذه الكناية في اللغة بكثرة إذ

__________________

(١) البقرة ، ٢٥٩.

(٢) النمل ، ٢٨

(٣) الأنعام ، ١٤١.

٧٣

يقال : إنّ جماعة من الناس ثارت في البلد الفلاني ، وأنزلت حاكمه من سريره وعرشه ، في حين من الممكن أن لا يكون لذلك الزعيم والحاكم تخت أصلا.

أو يقال : إنّ جماعة من الناس أيدوا فلانا ، وأجلسوه على العرش ، فكل هذه كناية عن امتلاك السلطة أو فقدانها.

وعلى هذا تكون عبارة( اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ) كناية عن الإحاطة الكاملة لله تعالى وسيطرته على تدبير أمور الكون ـ سماء وأرضا ـ بعد خلقها.

ومن هنا يتّضح أنّ الذين أخذوا هذه الجملة دليلا على «جسمانيّة الله» كأنّهم لم يلتفتوا إلى موارد استعمال هذه الجملة العديدة في هذا المعنى الكنائي.

وهناك معنى آخر للعرش ، وهو أنّه قد ورد أحيانا في قبال «الكرسي» وفي مثل هذه الموارد يمكن أن يكون الكرسي (الذي يطلق عادة على المقعد القصير القوائم) كناية عن العالم المادي ، والعرش كناية عن عالم ما فوق المادة (أي عالم الأرواح والملائكة) كما جاء في تفسير آية( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) التي مرّت في سورة البقرة.

ثمّ يقول بأنّه تعالى هو الذي يلقي بالليل ـ كغشاء ـ على النهار ، ويستر ضوء النهار بالأستار المظلمة( يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ ) .

والملفت للنظر أنّ العبارة المذكورة ذكرت في مجال الليل فقط ، ولم يقل (ويغشي النهار الليل) لأنّ الغطاء والغشاء يناسب الظلمة فقط ولا يناسب النور والضوء.

ثمّ يضيف بعد ذلك قائلا : إنّ الليل يطلب النهار طلبا حثيثا (يطلبه حثيثا).

إنّ هذا التعبير ـ نظرا لوضع الليل والنهار في الكرة الأرضية ـ تعبير في غاية الروعة والجمال ، لأنّه لو نظر أحد إلى كيفية حركة الكرة الأرضية من الخارج ، وكيفية دورانها حول نفسها ووقوع ظلها المخروطي الشكل على نفسها ، مع العلم أنّ الكرة الأرضية تدور بسرعة فائقة حول نفسها (أي في حدود ٣٠ كيلومترا في

٧٤

الدقيقة) لأحس أنّ غول الظلّ المخروطي الأسود يجري بسرعة كبيرة على هذه الكرة خلف ضوء النهار.

ولكن هذا الأمر غير صادق بالنسبة إلى ضوء النهار ، لأنّ ضوء الشمس منتشر في نصف الكرة الأرضية وفي جميع الفضاء المحيط بأطراف الأرض ، ولا يتخذ لنفسه شكلا خاصا ، وإنّما ظلمة الليل فقط هي التي تدور مثل شبح غامض الأسرار حول الأرض.

ثمّ يضيف تعالى أنّه هو الذي خلق الشمس والقمر والنجوم ، وهي خاضعة لأمره بعد خلقها :( وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ ) وهي( مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ ) .

(وسوف نبحث حول تسخير الشمس والقمر والنجوم ومعاني ذلك في ذيل الآيات المناسبة بإذن الله تعالى).

ثمّ بعد ذكر خلق العالم ونظام الليل والنهار ، وخلق الشمس والقمر والنجوم ، قال مؤكّدا : اعلموا أنّ خلق الكون وتدبير أموره كلّه بيده سبحانه دون سواه ،( أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ) .

ما هو «الخلق» و «الأمر»؟

هناك كلام كثير بين المفسّرين حول المراد من «الخلق» و «الأمر» أنّه ما هو؟

ولكن بالنظر إلى القرائن الموجودة في هذه الآية ـ والآيات القرآنية الأخرى يستفاد أنّ المراد من «الخلق» هو الخلق والإيجاد الأوّل. والمراد من «الأمر» هو السنن والقوانين الحاكمة على عالم الوجود بأسره بأمر الله تعالى ، والتي تقود الكون في مسيره المرسوم له.

إن هذا التعبير ـ في الحقيقة ـ ردّ على الذين يتصورون أنّ الله خلق الكون ثمّ تركه لحاله وأهله ، وجلس جانبا. أي إنّ العالم بحاجة إلى الله في وجوده

٧٥

وحدوثه ، دون بقائه واستمراره.

إنّ هذه الجملة تقول : كلّا ، بل إنّ العالم كما يحتاج إلى حدوثه إلى الله ، كذلك يحتاج إليه في تدبيره واستمرار حياته وإدارة شؤونه إلى الله ، ولو أنّ الله صرف عنايته ولطفه عن الكون لحظة واحدة لتبدد النظام وانهار وانهدم بصورة كاملة.

وقد مال بعض الفلاسفة إلى أن يفسّر عالم «الخلق» بعالم «المادة» وعالم «الأمر» بعالم «ما وراء المادة» لأنّ لعالم الخلق جانبا تدريجيا ، وهذه هي خاصية المادة. ولعالم الأمر جانبا دفعيا وفوريا ، وهذه هي خاصية عالم ما وراء المادة ، كما نقرأ في قوله تعالى :( إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (١) .

ولكن بالنظر إلى موارد استعمال لفظة الأمر في آيات القرآن ، وحتى عبارة( وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ ) الواردة في الآية المبحوثة يستفاد الأمر يعني كل أمر إلهي سواء في عالم المادة أو في عالم ما وراء المادة (تأملوا رجاء).

ثمّ في ختام الآية يقول :( تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ ) .

في الحقيقة إنّ هذه الجملة ـ بعد ذكر خلق السماوات والأرض والليل والنهار والشمس والقمر والنجوم وتدبير عالم الوجود ـ نوع من الثناء على الذات الربوبية المقدسة ، وقد سيق لتعليم العباد.

و «تبارك» من مادة البركة وأصلها «برك» ومعناها صدر البعير ، حيث أنّ الإبل عند ما تستقر في مكان ما تلصق صدورها على الأرض ، لهذا اتخذت هذه الكلمة تدريجيا معنى الثبوت والاستقرار والاستتباب ، ثمّ وصفت وسمّيت كل نعمة مستقرة ودائمة ، وكل كائن طويل العمر ، ومستمر الآثار والخيرات ، بأنّه موجود مبارك ، ويقال أيضا للمكان الذي يتجمع فيه الماء «بركة» لبقائه في ذلك

__________________

(١) سورة يس ، ٨٢.

٧٦

المكان مدة طويلة.

من هنا يتّضح أنّ رأس المال «المبارك» هو الذي يتصف بالدوام ، والكائن «المبارك» هو الموجود المستديم الآثار ، ومن البديهي أنّ أليق وجود لهذه الصفة هو وجود الله تعالى ، فهو وجود مبارك أزلي أبدي ، وهو بالتالي منشأ جميع البركات والخيرات ، ومنبع الخير المستمر( تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ ) (وسوف نتحدث في هذا المجال في تفسير الآية (٩٢) من سورة الأنعام أيضا).

* * *

٧٧

الآيتان

( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٥٥) وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦) )

التّفسير

شروط استجابة الدعاء :

لقد أثبتت الآية السابقة ـ في ضوء ما أقيم من برهان واضح ـ هذه الحقيقة ، وهي أنّ الذي يستحق للعبادة فقط هو الله ، وفي عقيب ذلك ورد الأمر هنا بالدعاء ، الذي هو مخ العبادة وروحها ، يقول أوّلا :( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً ) .

و «التضرع» في الأصل من مادة «ضرع» بمعنى الثدي ، وعلى هذا يكون فعل التضرع بمعنى حلب اللبن من الضرع ، وحيث إنّه عند حلب اللبن تتحرك الأصابع على حلمة الثدي من جهاتها المختلفة استدارا للحليب ، لهذا استعملت هذه الكلمة في من يظهر حركات خاصّة إظهارا للخضوع والتواضع.

وعلى هذا فإنّ الآية المبحوثة ، وعبارة( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً ) تحثّنا على أن نقبل على الله بمنتهى الخضوع والخشوع والتواضع ، بل يجب أن تنعكس روح

٧٨

الدعاء في أعماق روحه ، وعلى جميع أبعاد وجوده ، ويكون اللسان مجرّد ترجمانها ، ويتحدث نيابة عن جميع أعضائه.

وأمره تعالى ـ في الآية الحاضرة ـ بأن يدعى الله «خفية» وفي السّر ، لأنّه أبعد عن الرياء ، وأقرب إلى الإخلاص ، ولأجل أن يكون الدعاء مقرونا بتمركز الفكر وحضور القلب.

ونحن نقرأ في حديث أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما كان في إحدى غزواته ، ووصل جنود الإسلام إلى واد رفعوا أصواتهم بالتهليل والتكبير قائلين : «لا إله إلّا الله» و «الله أكبر» فقال النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا أيّها الناس اربعوا على أنفسكم ، أمّا إنّكم لا تدعون أصمّ ولا غائبا ، إنّكم تدعون سميعا قريبا ، إنّه معكم»(١) .

كما ويحتمل في هذه الآية أيضا أن يكون المراد من «التضرع» هو الدعاء الظاهر العلني ، والمراد من «الخفية» الدعاء الخفي السّري ، لأنّ لكل مقام اقتضاء خاصا ، فقد يقتضي أن يكون الدعاء علنا ، وربّما يقتضي خفية وسرا ، وهناك رواية وردت في ذيل هذه الآية تؤيد هذا الموضوع.

ثمّ قال تعالى في ختام الآية :( إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) أي أنّ الله لا يحب المعتدين.

ولهذه العبارة معنى وسيع يشمل كل نوع من أنواع العدوان والتجاوز ، سواء الصراخ ورفع الصوت عاليا جدا حين الدعاء ، أو التظاهر وممارسة الرياء ، أو التوجه إلى غير الله حين الدعاء.

وفي الآية اللاحقة يشير تعالى إلى حكم هو في الحقيقة شرط من شروط تأثير الدعاء ، إذ قال :( وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ) .

ومن المسلم أنّ الأدعية إنّما تكون عند الله أقرب إلى الإجابة إذا تحققت فيها

__________________

(١) مجمع البيان ، المجلد الرابع ، الصفحة ٤٢٩.

٧٩

الشرائط اللازمة ، ومن جملة ذلك أن يكون الدعاء مقترنا بالجوانب البناءة والعملية في حدود المستطاع ، وأن تراعى حقوق الناس ، وأن تلقي حقيقة الدعاء بأنوارها وظلالها على وجود الإنسان الداعي بأسره ، ولهذا فلا تستجاب أدعية المفسدين والعصاة ، ولا تنتهي إلى أية نتيجة مرجوّة.

والمراد من «الفساد بعد الإصلاح» يمكن أن يكون الإصلاح من الكفر أو الظلم أو كليهما ، جاء في رواية عن الإمام الباقرعليه‌السلام : (إنّ الأرض كانت فاسدة فأصلحها نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(١) .

ومرّة أخرى يعود إلى مسألة الدعاء ويذكر شرطا آخر من شرائطه فيقول :( وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً ) .

أي لا تكونوا راضيين معجبين بأفعالكم بحيث تظنون أنّه لا توجد في حياتكم أية نقطة سوداء ، إذ أنّ هذا الظن هو أحد عوامل التقهقر والسقوط ، كما لا تكونوا يائسين إلى درجة أنّكم لا ترون أنفسكم لائقين للعفو الإلهي ، ولإجابة الدعاء ، إذ أنّ هذا اليأس والقنوط هو الآخر سبب لانطفاء شعلة السعي والاجتهاد ، بل لا بد أن تعرجوا نحوه تعالى بجناحي (الخوف) و (الأمل) الخوف من المسؤوليات والعثرات ، والأمل برحمته ولطفه.

وفي خاتمة الآية يقول تعالى للمزيد من التأكيد على أسباب الأمل بالرحمة الإلهية( إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) .

ويمكن أن تكون هذه العبارة إحدى شرائط إجابة الدعاء ، يعني إذا كنتم تريدون أن لا تكون أدعيتكم خاوية ، ومجرّد لقلقة لسان ، فيجب أن تقرنوها بعمل الخير والإحسان ، لتشملكم الرحمة الإلهية بمعونة ذلك وتثمر دعواتكم ، وبهذا تكون الآية قد تضمنت الإشارة إلى خمسة من شرائط قبول الدعاء

__________________

(١) مجمع البيان ، المجلد الرابع ، الصفحة ٤٢٩.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

البروجردي ».

كانت هذهِ خلاصة ما نشر من لقاء الدكتور چهرازي مع السيد البروجردي.

٤٠١

القمار واضراره

الدكتور : ايها العمّ ، لا ننسىٰ ان القتل الذي حدث في القطار لم يكن سببه الوحيد المشروب ، بل كان للقمار ايضاً دوراً فيه. لذلك سنكون ممتنين لك لو حدثتنا عن القمار ومفاسده ايضاً.

الشيخ : القمار من المواضيع الواضح ضررها ومفاسدها علىٰ جميع الناس ، وقد قامت بعض الدول بمنعها تماماً. اما تلك الاضرار فهي كالتالي :

1 ـ الاضرار الاقتصادية :

يمكن ان يوجه القمار اكبر ضربة اقتصادية للشخص ، لانه كثيراً ما يحدث ان شخصاً يقوم بجمع ثروة علىٰ مدىٰ العمر من خلال النشاط والتعب. لكنه يفقدها خلال ليلة او ليالي متوالية في لعب القمار ، ويعود الىٰ بيته بيد خاوية إلّا من الندم.

فالمقامر المسكين وبعد اول لعبه يتصور انه سيربح في الدور الآخر وهكذا يلقي بنفسه في التهلكة ويبدأ باللعب. فلو ربح يسوقه طمعه الىٰ لعب اكثر وإذا خسر يحاول جبران ما فقده في الادوار التالية ، وهكذا يتورط في اللعبة للحد الذي يصبح من روادها الدائمين ، فأما ان يفقد ثروته ويتحول الىٰ فقير في ليلة واحدة او ليالي قليلة ، او انه يصبح من اولئك الذين يفرغون

٤٠٢

جيوب الآخرين ويحولون حياتهم الىٰ شقاء وتعاسة.

2 ـ الاضرار الاخلاقية ؟

يُعد القمار من آفات الاخلاق والفضائل النفسانية ، والقمار يسبب لصاحبه ( المقامر ) السهر وعدم النوم ( خاصة اذا كان المقامر خاسراً ) ، وتسلب الراحة من حياته ، ويكون عصبياً علىٰ الدواء وسيء الخلق ، وبشكل دائم يفكر بحلّ يعوض فيه ما فقده ، لذلك يصبح حساساً ، ولا يستطيع السيطرة علىٰ اعصابه ، يثور لأبسط شيء ، لهذا يشاهد المقامرون في حالة تفكير وقلق علىٰ الدوام ، تخلو وجوههم من اي نشاط وبسمة ، كما ان المقامرين غالباً ما يصابون بأمراض من قبيل : البخل والحسد والعصبية والتشاؤم والانكسار النفسي.

3 ـ تأثيرات القمار السيئة علىٰ الاسرة :

طبيعي ان المقامر الذي يصاب بانحرافات اخلاقية وبسبب السهر وعدم النوم والتفكير سيصاب بضعف عصبي ، وسيثور مقابل اقل تحريك او حادث وسيكون سيء الظن بالجميع.

ويديهي جداً ان اول من سيواجه هذه الحالة في المقامر هم اعضاء اسرته المسكينة من الزوجة والابناء ، وتكون تلك الاسرة المنكوبة والشقية مضطرة لمعاشرة انسان سيء الخلق عبوس عصبي المزاج ، لذلك كثيراً ما يحدث ان

٤٠٣

تنتهي مشاجرات بسيطة في مثل تلك الاسر الىٰ الطلاق والتشتت.

4 ـ القمار سبب في الجريمة

كثيراً ما يحدث ان يفقد شخصاً كل اتعاب حياته في ساعات معدودات من لعب القمار ، خاصة اذا كان شخصاً محترماً ووجيهاً ، فانه سيفكر بعدم استطاعته دخول مجال النشاط الاقتصادي والكسب بيد خاوية ، لانه فقد بهذه الاعمال الاثيمة ثروته وحيثياته الاجتماعية ، وسوف لن يجد طريقاً امامه إلّا الانتحار. وبتصوره انه سينجو من جميع تلك الآلام والافكار بهذا العمل.

فأحد الارجنتينيين فقد في مدة 16 ساعة جميع ثروته البالغة اربعة ملايين دولار ، وبعد ان اغلقت ابواب النادي ، اتجه مباشرة الىٰ احدىٰ الغابات وافرغ في رأسه طلقة من مسدسه.(1)

وتذكر احدىٰ المجلات الاسبوعية : « ان معدلات الانتحار بسبب القمار في تزايد مستمر ، ومن خلال احصائية نشرتها مؤسسة غالوب ، يتّضح أنه في سنة 1961 سُجل اعلىٰ معدل لانتحار المقامرين ، ففي باريس انتحر اثنا عشر مقامراً في السنة الماضية(2) .

وكثيرة مثل هذه الجرائم التي تنتج بسبب القمار ، فضلاً عن التشاجر

__________________

(1) مجلة المثقف 3 / 1 / 1362.

(2) مجلة المثقف ، العدد 7 سنة 1363.

٤٠٤

والتقاتل بالسكاكين الذي يحدث خلال العب ، لان تقابل مقامرين سيئي الخلق وحساسين يجعلهما مثل المادة المتفجرة مهيئين في كل لحظة للانفجار ويكفي لذلك شرارة بسيطة تنطلق من احد الطرفين. وهذا الخبر هو نموذج لمثل تلك الجرائم :

احد المقامرين الذين وجه لمقامر آخر ثلاث طعنات بالسكين في خاصرته ، اردته قتيلاً ، قال عند استجوابه من قبل الشرطة : « لقد غلبني اموال كثيرة في اللعب ، ولم يكن مستعداً ان يستمر في اللعب معي ، ورغم اصراري لم يقبل واراد ان يهرب ، فتبعته و ».

وفي بعض الاحيان يكون القمار لوحده سبباً في موت المقامر ، للتبعات السيئة التي يتركها ، وفي هذا الصدد ، استمعوا الىٰ هذا الخبر.

« توصل احد الاطباء الامريكيين بعد سنوات من الابحاث الىٰ هذه النتيجة ، وهي انه في امريكا يموت سنوياً اكثر من الفي شخص بسبب القمار ، واثبت الطبيب ان ضربات قلب المقامر ترتفع بشدّة اثناء اللعب ، وان قلب مقامر ماهر تزيد ضرباته علىٰ المائة في الدقيقة ، وهذا النبض غير الطبيعي يجعل المقامرين يموتون وهم خلف منضدة اللعب ، او انهم يهرمون قبل سنّ الهرم بعشرة او خمسة عشر سنة ».

5 ـ الاضرار الاقتصادية للقمار

القمار يوقف العجلة الاقتصادية لملجتمع ، وتعلل في النشاطات الانتاجية ، لأن المقامر يصر كل فكره في كيفية قضاء الوقت بهذه اللعبة

٤٠٥

واكتساب المهارة التامة فيها. ولانه يتصور انه سيربح في غضون ساعة ما يكفيه كل العمر ! ولهذا فقليلاً ما يفكر بالانتاج والتجارة والعمل.

وحتىٰ لو فكر بتلك الامور فلن يستطيع العمل كأي انسان عادي وذلك بسبب تأثير تلك الحالة السيئة التي تسيطر علىٰ كل عقله. وهذا من اكبر الاضرار التي يأتي بها القمار للمجتمع.

6 ـ تأثير القمار علىٰ شرف الانسان وناموسه

لربما يصل الامر بالمقامر ، بعد ان يفقد جميع ثروته ، ان يراهن علىٰ زوجته وابناءه وبناته.

اعتراض من قبل الجميع : ايّها الشيخ ! ما الذي تقوله. اي انسان عاقل وغيور يراهن علىٰ زوجته وابنائه وبناته ويغامر بهم ؟! فهذا العمل لم يحدث حتىٰ في القرون الوسطىٰ وبين المتوحشين.

الشيخ : لا تجهدوا انفسكم وتذهبوا بعيداً الىٰ القرون الوسطىٰ ، لان هذا الامر يحدث في عالمنا المتحضر ، العصر الذهبي ! وفي اكثر البلدان تحضراً علىٰ الكرة الارضية ، التي ما ان يسمع بها بعض مغفّلينا حتىٰ يسيل لعابهم عليها.

نعم في امريكا ، حدث ذلك وقد نقلته احدىٰ الصحف المهمة في اخبارها الخارجية ، واليكم خلاصة ما ذكرته الصحيفة : « في المكسيك كان احد الاثرياء يلعب القمار مع صديق له لكنه كان يخسر علىٰ الدوام ، حتىٰ

٤٠٦

خسر ثروته وبيته وسيارته ، وكل ما يملك دفعة واحدة.

ومع ذلك لم ييأس فبقي يلعب ولكن هذه المرّة كان الرهان زوجته ، لكنه هذه المرّة ايضاً خسر. فألتفت وبدون اي خجل الىٰ زوجته وقال لها : اصبحت الآن ملك هذا الرجل لانني فقدتك في القمار معه. لكن المرأة المسكينة امتنعت عن ذلك ، لكن زوجها كان مصرّاً علىٰ دفعها الىٰ الرجل ، وكلما زاد اصراره زادت مقاومة المرأة ايضاً ، الىٰ ان هجم عليها واخذ في ضربها بقسوة. مما اضطرت الشرطة الىٰ التدخل ونقل المرأة الىٰ المستشفىٰ لعلاج الجراحات التي اصابتها علىٰ يد زوجها »(1) .

وتقول احدىٰ المجلات الاسبوعية : من اقبح اعمال المقامرين في النوادي الخاصة ـ حيث يشاهد فيها رجال ونساء اوروبا المتحضرين ـ هو انهم يقامرون علىٰ نسائهم ، وقد شوهدت نماذج عديدة من ذلك بين المقامرين من الداخل والخارج ، كما ان اغلب هذه الرهانات تنتهي بالانتحار(2) .

سعادة الدكتور ! هذه نماذج من السلوكيات الوحشية والمنحطة لعصر الذرة ودنيا الحضارة الجديدة ، ولم يشاهد لها مثل إلّا في عصر الجاهلية اي قبل الف واربعمائة عام وفي مورد واحد فقط ، لان التاريخ ينقل لنا : قبل اشراقة شمس الاسلام ، كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يمشي يوماً في سوق مكة ، فرأىٰ رجلين يلعبان القمار ، وشاهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ان احدهما فقد جميع ثروته ، فراهن علىٰ غلمان وجواريه ، وخسرها ايضاً ، حتىٰ وصل الامر به أن يراهن علىٰ ان

________________

(1) مجلة اطلاعات الاسبوعية ، العدد 1060.

(2) المصدر نفسه.

٤٠٧

يستعبد لفترة عشر سنوات ، وخسر ايضاً !

فتأثر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لذلك كثيراً وخرج مباشرة الىٰ خارج مكة ، فتوجه بالدعاء الىٰ الله : اللّهمَّ عجّل بعثتي وأمرني بهداية هذه الاُمة ، حتىٰ اخرجهم واخلصهم من هذه الحياة المهينة ، وهذا الوضع المنحط ، وهذه الرذائل الاخلاقية.

هذه القصة حدثت قبل خمسة عشر قرناً ، وبعد اهل الجاهلية ، كررها علىٰ ابشع صورها اهل عصرنا ، عصر الحضارة والمدنية الاوروبية والامريكية ، وتبعهم في ذلك بعض ممن يُسمون بالمسلمين والاسوء من كل ذلك ، هو ان الكثير من الاعمال التي كانت تعتبر قبيحة وسيئة حتىٰ في العصر الجاهلي المظلم آنذاك ، اصبحت اليوم من علامات الحضارة والمدنية الغربية الحالية !!

الىٰ هنا ، اوضحت لكم جوانب عديدة من مضار القمار ، لكن الذي يؤسف له هو شيوع هذا العمل السيء في بلادنا بكامل الحرية ، فالعديد من ابناء شعبنا يمارسون هذه اللعبة في النوادي الليلة واماكن القمار ، خاصة طبقة الكبار والاشراف الاثرياء ، ولا يعلم إلّا الله حجم الخسائر الارباح التي يفقدها او يكسبها رجال الطراز الاول في الدول والاثرياء في النوادي والفنادق الكبرىٰ والخاصة ، واتصور انني قرأت في احدىٰ المجلات قبل ثمان سنوات ، انه في مصيف آب علي لوحده يتداول مبلغ 14 مليون تومان سنوياً بين الخاسرين والرابحين ، وجاء أيضاً في تلك المجلة انه في ليلة واحدة خسرت احدىٰ النساء الثريّات مبلغ 16 الف تومان من مالها الحلال !

٤٠٨

وجاء في احصائية نشرت قبل ثمان سنوات أيضاً وجود خمسمائة محل قمار في طهران وحدها يرتادها الاشراف والاثرياء ورجال الدولة في الغالب.

القمار من منظار قوانين العالم والبلاد

اغلب دول العالم منعت لعب القمار نظراً لمضاره ومفاسده العديدة ، علىٰ الرغم من ان تلك القوانين لها طابع رسمي وتشريفاتي ، ففي بريطانيا منع القمار منذ سنة 1853 ، وفي امريكا سنة 1855 ، وفي روسيا سنة 1854 ، وفي المانيا سنة 1852 ، والقوانين الايرانية ايضاً تمنع ادارة دور القمار بشكل او بآخر ، وبعض الاحيان أيضاً يتم القاء القبض علىٰ بعض المقامرين ، ولكن يجب الاعتراف وللأسف الشديد انه يتم القاء القبض علىٰ مقامري الارصفة الذين يتراهنون علىٰ خمسة وعشرة ريالات ! فهؤلاء يجب ان تلقي عليهم الشرطة القبض ، في حين ان كبار المقامرين الذين يمارسون اللعبة بمبالغ طائلة وفي افخم الفنادق والنوادي الليلية لا احد يستطيع مطاردتهم او مجرد التعرض لهم والاستفسار منهم.

٤٠٩

الصحافة

وعندما وصل الحديث الىٰ هنا ، فتح باب الغرفة فجأة ودخل بائع الصحف وهو يحمل مجموعة من الصحف والمجلات ، وينادي بصوته الجهوري وبلحن خاص : صحف مجلّات اسبوعية شهرية

التفت الدكتور الىٰ الشيخ وقال له : تسمح بشراء مجلة ؟ فأجابه الشيخ بحزم : لا.

فأنصرف الدكتور من شراء مجلة لمعارضة الشيخ ، اما بائع الصحف فقد ترك الغرفة هو غير راضٍ.

حسن الطالب الجامعي : ايّها الشيخ تعتبر الصحافة الدعامة الرابعة للديمقراطية ، وهدفها مستوىٰ الوعي عند الشعب ، فلماذا تعارضها ؟!

الشيخ : كان من الافضل للديمقراطية(1) ان لا يكون لها اكثر من ثلاثة دعامات ( نظراً للحالة التي عليها بلدنا ). لانه وعلىٰ الرغم من جيمع هذه الصحف والمجلات التي تصدر في بلادنا ـ بأستثناء عدد قليل منها ـ لم تأتي بنتيجة سوىٰ فساد الاخلاق ، وتعليم شبابنا وشاباتنا الرذيلة ، فأغلب صحفنا

________________

(1) ذكر المؤلف في النص بدل كلمة الديمقراطية ، كلمة المشروطة وهو تعبير عن الملكية الدستورية ، وقد انتشر هذا المصطلح بعد ثورة الدستور التي قامت في ايران سنة 1906 م. ( المترجم )

٤١٠

ومجلاتنا اليوم خصّصت أفضل صفحاتها لراقصات وفنانات هوليود(1) ، واكثر مسؤولي الصحف والمجلات في البلاد يرتزقون من عرض سيقان وعيون وصدور ، وبشكل عام مفاتن النساء الساقطات ونجوم السينما ، ممّا قلّل الحياء والعفّة والفضيلة في المجتمع.

ان صفحات الصحف والمجلات مليئة بمقالات تدعو للأباحية وقصص شهوانية وتعليمات جنسية للشباب والشابات ، والتعريف بملكات الجمال ، وصور عارية او نصف عارية ودعوات للشباب بالحرية المطلقة ونبذ ما يسمىٰ بالحياء والعفّة !

لقد نشرت احدىٰ الصحف الكبرىٰ في البلاد(2) مسابقة وطلبت من القراء المشاركة في الحلّ ، وكان موضوع المسابقة ، ان امرأة متزوجة ولها اطفال عشقت شاباً آخراً ، فما هو الحلّ المقترح لمشكلتها ؟!

ومن بين الاجوبة التي وصلت من قراء الصحيفة ، كتب احدهم حلّا بعنوان « حافظي علىٰ كلاهما » ، ويقترح عليها البقاء مع زوجها من جهة والحفاظ علىٰ علاقة غير شرعية مع عشيقها ! وبمنتهىٰ الوقاحة نشرت الصحيفة ذلك الجواب بين الاجوبة التي وصلتها.

اجل هذا هو معنى توجيه الرأي العام الذي تتبناه صحافتنا.

________________

(1) Hollywood مدينة صغيرة في ولاية كاليفورنيا في جنوب غربي امريكا ، وهي من اهم مراكز الانتاج السينمائي في العالم.

(2) صحيفة كيهان.

٤١١

اصدقائي الاعزاء !

للأسف الشديد ليس في هذا البلد يد قوية تنتقم من اصحاب الاقلام الخونة والعملاء علىٰ ما يقومون به من افساد لأفكار واخلاق المجتمع.

والصحف والمجلات التي اغلبها ترتزق من خزانة الحكومة وجيوب المسؤولين والناشرين تقوم بنشر سياستهم ومقاصدهم ، وهذه الصور الفاضحة التي تنشر في صحافتنا ما هي إلّا افيون لتخدير الناس واغفالهم عما يقوم به اصحاب السلطة والمال من جرائم ومفاسد.

الصحافة وقوانين الدولة

العقيد : من اجل الحيلولة دون حدوث مثل تلك المفاسد وضعت الدولة وضمن قانون الصحافة عقوبات شديدة علىٰ انحرافات المجلات والصحف الاخلاقية.

الشيخ : لا يوجد في قانون الصحافة سوىٰ مادتين لمعاقبة المقالات المنافية للعفة والاخلاق العامة ، وهاتان المادتان ، هما :

الاُولى : المادة 19 من قانون الصحافة ، تقول : « يحكم بغرامة من الف ريال الىٰ عشرة آلاف ريال علىٰ الجرائم التالية :

أ ـ نشر مقالات مضرّة بالعفّة العامة والاخلاق الحسنة.

ب ـ نشر صور سيئة.

ج ـ نشر اعلانات او صور تخالف الاخلاق الحسنة والآداب والتقاليد

٤١٢

القومية.(1)

الثانية : المادة الثانية من قانون عقوبات الصحافة : « المادة 38 من قانون الصحافة » : يمكن ايقاف الصحيفة التي تنش مقالات تضر بالعفّة العامة او صور سيئة منافية للعفّة ، قبل صدور حكم من قبل المحكمة(2) .

كما ان هناك مادة ثالثة ، هي ضمن قانون العقوبات العام والخاصة بالاخلاق والعفّة العامة ، لكنه يمكن الاستفادة منها في الصحافة ، وقد جاء فيها ـ وهي المادة 211 من قانون العقوبات :

« يحكم علىٰ الاشخاص التالين بالسجن التأديبي من ستّة اشهر الىٰ ثلاث سنوات وبدفع غرامة من 250 ريال الىٰ5000 ريال :

الاشخاص الذين يسهلون افساد الاخلاق الشباب الذين يقل عمرهم عن 18 سنة سواءً كانوا ذكوراً أم اناث(3) .

سيادة العقيد ! هذه المواد القانونية الثلاث هي قمّة الضغط الذي توجهه الدولة علىٰ مديري الصحف والمجلات فيما لو نشروا مقالات او صور منافية للعفّة والاخلاق ، لكنه ليس هناك من يسأل هؤلاء المشرعين المهمتين جداً بالعفّة والاخلاق ! هل ان اخلاق وعفة شعب هذا البلد لا تساوي قيمتها عندكم اكثر من مئة تومان ؟! وهل ان جزاء من يعتدي علىٰ عفّة شباب وشابات هذا البلد ، هو دفع مئة تومان فقط ؟! ومن هنا يمكن معرفة قيمة العفّة والاخلاق

________________

(1) كتاب قوانين العقوبات.

(2) م. ن.

(3) م. ن.

٤١٣

العامة عند مشرعي قوانين هذا البلد.

نعم ، لو كانت العفّة والاخلاق تساوي عند حكام هذه البلاد اكثر من مئة تومان ، لما بلغت الصحافة هذه الدرجة من الحرية والوقاحة التهتّك ، ولما اصبحت بعض الصحف والمجلات دور نشر للفساد والرذيلة بين شبابنا وشاباتنا ، ولما تطاوت في ترغيب النساء والمتزوجات علىٰ اقامة علاقات غير شرعية مع الشباب المستهتر.

ان الاساليب المنحطة التي تتبعها صحافتنا تذكرنا بقول الدكتور الكسيس كارل ، حيث يقول في بحث له :

« لقد جعل انتشار الصحف ودور السينما والاذاعات المستوىٰ الفكري في ادنىٰ مراتبه »(1) .

سيادة العقيد ! وبغض النظر عن كل ذلك ، نقول : لماذا لا تطبق الدولة هذه المواد القانونية الناقصة التي ذكرناها ايضاً بحق بعض مديري ورؤساء تحرير الصحف الخونة ، والجواب واضح فإنَّ الدولة تتصور أنه في حال تطبيق هذه القوانين الناقصة ، فإنَّ عليها اغلاق جميع الصحف والمجلات ، باستثناء عدد قليل منها ، ( مع ان المسبب الرئيس في ايجاد مثل هذا الوضع هو الدولة نفسها ).

لانه ، أية مجلة او صحيفة تنشر مقالاً او قصة منافية للأخلاق والعفّة ؟! واية نشرة تصدر في هذا البلد ولا تجد علىٰ صفحاتها صور قبيحة ( علىٰ حد

________________

(1) الانسان ذلك المجهول.

٤١٤

قولهم ) او صور خلاعية فاضحة ؟ واية صحيفة او مجلة تخلو من دعوات مجون او تعليمات جنسية للشباب ( ذكوراً واناث ) ؟!

هل يلام الشعب علىٰ ما تفعله الصحافة

الدكتور : ارىٰ ان الناس يتحمّلون لحدّ ما ما تقوم به الصحافة من تصرفات.

الشيخ : صحيح ، فهذا شيء لا يمكن انكاره ، لان صحافة كل بلد هي المعبّر عن افكار شعبه ، فلو كان الناس غير راغبين بتلك المقالات الفاضحة والصور الخليعة والمهيّجة ، لما عملت الصحافة بهذا الانفلات غير المحدود.

ففي بلدنا تجد المجلة او الصحيفة التي تتفنن في عرض اجساد ومفاتن النساء الفاحشات ، والراقصات ونجوم السينما ، هي المجلة او الصحيفة الاكثر مبيعاً من غيرها ، علىٰ العكس من الصحف والمجلات الدينية التي ينحصر قراءها بأقلية من الناس.

يذكر احد علماء طهران : كانت هناك صحيفة اسبوعية تصدر في طهران ، وكان صحيفة وقورة وعلمية ومفيدة ، وفي احد الاسابيع رأيت علىٰ الصفحة الاولىٰ منها صورة لاحدىٰ نجمات هوليود ودون اية مناسبة ، فأتصلت هاتفياً برئيس تحريرها وقلت له ان صحيفتكم كانت لها حالة خاصة ومكانة علمية ، لكنها في هذا العدد غيّرت مسارها ، واصبحت تضع علىٰ صفحتها الاولىٰ صور الراقصات وفواحش اوروبا وامريكا ، فأجابني رئيس التحرير : ما العمل يا

٤١٥

سيدي ! لقد اجبرنا الناس علىٰ الانحراف ! لاننا بعنا من هذا العدد وبسبب الصورة التي نشرناها ، اضعاف الاسابيع الماضية ، وقد تلاقفها الناس من البائعين.

اجل يا سعادة الدكتور ! لا يمكن انكار هذه الحقيقة ، وهي ان قسم كبير من التقصير والذنب في هذا المجال يقع علىٰ عاتق فئة غير ملتزمة من الشعب ، ولكن يجب ان لا ننسىٰ ، ان المجلات والصحف ليست مسؤولة عن تنفيذ كل ما يريده القراء ، ذلك لان الصحافة وكما قلتم الدعامة الاساسية للديمقراطية ، وهي مسؤولة عن ارشاد الناس وتوجيه افكارهم ، فلو فرضنا حدوث انحراف اخلاقي عند الشعب ، فيجب علىٰ قادتهم الفكريين ان يصححوا هذا الاعوجاج ويقوّموا هذا الانحراف بكل طاقاتهم وقدراتهم.

والأهم من كل ذلك ، هو ان الذنب في ذلك يقع علىٰ الحكومة ، لانه لو كانت هناك متابعة ومحاسبة لما اجازت الدولة للصحافة العمل علىٰ هواها دون قيد او رادع ، لكن حقيقة الامر هو ان الدولة فسحت لهم المجال ( كما هو الحال في السينما وسائر وسائل الاعلام ) لنشر هدة الفضائح والصور والكلمات اللاخلاقية ، لان الهدف ، من جهة ، هو اغفال القوىٰ الشابة من خلال افسادها عما يحدث في البلد والمجتمع من نهب وفساد ، ولكي لا يشخصوا السبب والعامل الاساسي في ما يعانيه المجتمع من مشاكل ومآسي ، ولكي لا يفكروا بحلّ لذلك ، ومن جهة اخرىٰ ، اليست الصحافة هي مذياع للحكومة نوعاً ما ، وانها لاتتحدث إلّا بمطالبها وتوقعاتها ، اذن ففي هذه الحالة تكون المعاملة ذات طرفين ، وعلىٰ الدولة ايضاً ان تفسح لهم المجال تماماً ( إلّا في نشر الحقائق والدفاع عن المحرومين والمظلومين ) ؟!

٤١٦

اجل ، قبل اربعة عشر قرناً ، أقسم القرآن الكريم بـ « القلم » فقال :( ن ، وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ) ، لكن يجب ان نعرف ان قدسية القلم تكون ما دام في خدمة المستضعفين والمحرومين والكادحين ، لا في دفاعه عن الجبابرة والمستثمرين ومصالحهم.

٤١٧

علماء الدين وتأثيرهم في المجتمع

وفي تلك اللحظة مرّ بجانب الغرفة اثنان من علماء الدين ، فنهض الشيخ لرؤيتهم وفتح باب الغرفة وسلّم عليهم ، وما ان رآه الرجلان حتىٰ ابتسما وهم يردان عليه جواب سلامه ويقولان : السيد رستگار ! ما الذي يفعله هنا ! فقال الشيخ : كنت ذاهباً الىٰ بندر شاه لشراء القطن وها انا عائد الىٰ طهران ، ومن هناك الىٰ همدان ، ثم اخذ الثلاثة يتكلمون في امور مختلفة وبعد دقائق ودّع العالمان الشيخ وذهبا ، فعاد الشيخ الىٰ الغرفة وجلس في مكانه.

الدكتور : ايّه الشيخ ! هذان الرجلان من اقربائك ؟

الشيخ : لا ، لكنهم من اصدقائي وابناء مدينتي همدان وانا احبهم كثيراً.

العقيد : بالعكس ، اني لست فقط لا احب هؤلاء المعممين ، بل لا استطع ان اعرف الىٰ الآن ما هو عملهم في المجتمع وما هي مكانتهم فيه ؟

الشيخ : سيادة العقيد ، استمح لي بمزحة معك شرط ان لا تتأثر ؟

العقيد : تفضّل ايّها العم ، واطمئن انني لن اتأثر او انزعج.

الشيخ : قولك انني لا احب المعممين ، يذكرني بقول الدكتور علي شريعتي ، في احدىٰ خطاباته : كما ذكرت سابقاً ، سنة 1960 عقدنا جلسة في اتحاد الطلبة في فرنسا ، وكان هناك شخص بارز تعرفونه جميعكم ( وهو من اسرة مرموقة أيضاً ). كان يتكلّم ، فقال في بعض كلامه : « انا لا احب

٤١٨

الاسلام وكلما رأيت معمماً شعرت بحالة تقيء ! وهكذا كلما رأيت منبراً او مجلساً دينياً لان الدين من عوامل الاستعمار و الملالي كانوا علىٰ الدوام عملاء الاستعمار واساساً انا لا احب الدين ». وكلام آخر من هذا القبيل.

وفي تلك اللحظة نهضت وقلت : « صاحب الفخامة ! انت تتكلم مثل امرأة تتوحم بطفلها الاول ، فتدلّل علىٰ زوجها وتقول : احب الطرشي ، لا احب الحلويات احب ان آكل كذا ولو انني اتقيء من الاكل الفلاني لقد جعلت من الدين والأيديولوجية مجرد اكلة ! تحب بضها وتكره البعض الآخر فماذا تتصور الدين حتىٰ تحبه أو لا تحبه ؟ ان نفي او اثبات الدين يحتاج الىٰ دليل عقلي وعلمي لا شعور واحاسيس شخصية !(1)

والآن يا سيادة العقيد ، هل انك أيضاً تشعر بحالة من ( الوحم ) بالنسبة للمعممين ؟!

ـ هناك ضحك الجميع بصوت عالي.

العقيد : كانت مزحة لطيفة ، لكني اطمئنك انني لا اعيش حالة ( الوهم ) بالنسبة للمعممين ، لكني اود ـ حقيقة ـ ان احصل علىٰ معلومات عنهم وان اعرف لماذا تسمىٰ هذه الفئة بالروحانيين ؟

الشيخ : فلسفة ظهور فئة معيّنة في المجتمع الاسلامي بأسم « العلماء » او الروحانيون فواضحة من بعديها الاسلامي والاجتماعي. لكنه يمكن الحصول

________________

(1) كتاب « القاسطين والمارقين والناكثين » : 241.

٤١٩

علىٰ هذه الحقائق من منظار الاسلام ، ومنها :

أ ـ مايعبّر عنه القرآن الكريم بـ :

( فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) (1) ، ففي هذه الآية يأمر الله عزّ وجلّ أن تقوم فئة من كل قوم بتعلم المسائل الدينية والنفقة فيها ، وطبيعي ان يشكل هؤلاء فئة معيّنة في المجتمع تمتاز عن الباقين بوعيها وتخصصها في المسائل الاسلامية.

وفي موضع آخر ، يقول القرآن :

( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (2) .

ويقول أيضاً :

( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) (3) . وفي هذه الآية أيضاً يتحدّث القرآن عن فئة معيّنة وهم « اهل الذكر » الذين يجب رجوع الآخرين اليهم :

ب ـ هناك العديد من الآيات القرآنية. تحدثت في مناسبات مختلفة عن « العلماء » ، واعتبرتهم فئة خاصة تقع عليها مسؤوليات مهمة وحساسة في

________________

(1) سورة التوبة : 122.

(2) سورة آل عمران : 104.

(3) سورة النحل : 43.

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606