الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٦

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل12%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 608

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 608 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 252598 / تحميل: 6017
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٦

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

والعلامة(١) .

وقال الشيخ في النهاية: يزاحم الزوج من اسلم منهم(٢) وليس بمعتمد.

ولو قلنا بالرد على الزوجة مطلقا كانت كالزوج لا يقاسمها من اسلم بعد الموت، لعدم تصور القسمة.

وتحقيق البحث هنا ان نقول: لا شك ان مسمى الزوج النصف والزوجة الربع مع عدم الولد، ومعه نصف التقديرين.

ولو لم يكن وارث سوى الزوج أو الزوجة، فهل يرد الفاضل على احدهما ام لا؟ فهنا قسمان: (الاول) الزوج: والمشهور الذي عليه الجمهور من الاصحاب رد النصف الباقي عليه دون الامام، حتى ادعى الثلاثة عليه الاجماع(٣) (٤) (٥) .

ورواه الشيخ (في الصحيح) عن أبي بصير قال: كنت عند أبي عبداللهعليه‌السلام فدعا بالجامعة فنظر فيها فاذا امرأة ماتت وتركت زوجها، لا وارث لها غيره، المال كله له(٦) .

____________________

(١)التحرير: ج ٢ كتاب المواريث (المقصد الرابع في موانع الارث) ص ١٧١ س ٢٦ قال: ولو كان الوارث زوجا او زوجة إلى قوله: ويحتمل المشاركة مع الزوجة دون الزوج الخ.

(٢)النهاية: باب توارث اهل الملتين ص ٦٦٤ س ١٤ قال: فان أسلموا رد عليهم ما يفضل من سهم الزوج.

(٣)الانتصار (المسائل المشتركة في الارث) ص ٣٠٠ س ١٦ قال: ومما انفردت به الامامية ان الزوج يرث المال كله إلى قوله: والحجة لنا في ذلك اجماع الطائفة عليه.

(٤)المبسوط: ج ٤ (فصل في ذكر سهام المواريث) ص ٧٤ س ١١ قال: ان الزوج وحده يرد عليه الباقي، لاجماع الفرقة عليه.

(٥)عدة رسائل (ط ايران مكتبة المفيد) رسالة الاعلام فيما اتفقت عليه الامامية من الاحكام (ميراث الازواج) ص ٣٣٦ س ٨ قال: واتفقت الامامية في المرأة اذا توفيت إلى قوله: ان المال كله للزوج، النصف بالتسمية، والنصف الآخر مردود عليه بالسنة.

(٦)التهذيب: ج ٩(٢٧) باب ميراث الازواج ص ٢٩٤ الحديث ١٣.

٣٠١

وفي الصحيح عن أبي بصير أيضا قال: قرأ علي أبوعبداللهعليه‌السلام فرائض عليعليه‌السلام فاذا فيها: الزوج يحوز الارث اذا لم يكن غيره(١) وغيرهما من الاحاديث في معناهما(٢) .

وقال الشيخ في الايجاز: فذووا الاسباب الزوج والزوجة، فاذا انفردوا كان لهم نصيبهم المسمى، ان كان زوجا النصف، والربع ان كانت زوجة، والباقي لبيت المال.

وقال أصحابنا: ان الزوج وحده يرد عليه الباقي باجماع الفرقة(٣) وهو ظاهر سلار(٤) .

(الثاني) الزوجة: وفيها ثلاثة أقوال:

(أ) الرد عليها مطلقا، اي مع ظهور الامام وسيرته، وهو ظاهر المفيد في آخر باب ميراث الاخوة من المقنعة، حيث قال: اذا لم يوحد مع الازواج قريب ولا نسيب رد باقي التركة على الازواج(٥) .

(ب) عدم الرد مطلقا، وهو اختيار القاضي(٦) وابن ادريس(٧) والصدوقين

____________________

(١)التهذيب: ج ٩(٢٧) باب ميراث الازواج ص ٢٩٤ الحديث ١٢.

(٢)لاحظ المصدر، الحديث ١٤ و ١٥.

(٣)الرسائل العشر (ط مؤسسة النشر الاسلامي - قم - ايران) (الايجاز في الفرائض والمواريث) ص ٢٧٠ فصل في ذكر ذوي السهام عند الانفراد وعند الاجتماع ص ٢٤.

قال: فذووا الاسباب هم الزوج او الزوجة، إلى قوله: وقال اصحابنا، ان الزوج وحده يرد عليه الباقي باجماع الفرقة.

(٤)المراسم: ذكر ميراث الازواج ص ٢٢٢ س ٥ قال: وفي اصحابنا من قال: اذا ماتت امرأة ولم تخلف غير زوجها فالمال كله له بالنسبة والرد.

(٥)المقنعة: باب ميراث الاخوة والاخوات ص ١٠٥ س ١٤ قال: واذا لم يوجد مع الازواج قريب إلى قوله: رد باقي التركة على الازواج.

(٦)المهذب: ج ٢ باب ميراث الازواج والزوجات ص ١٤١ س ٨ قال: فان مات رجل وخلف زوجته إلى قوله: كان لها الربع والباقي للامام.

(٧)السرائر: (فصل واما ترتيب الوارث) ص ٣٩٧ س ٢٥ قال: فاما مع الزوجة فانه يستحق (اي الامام) ما بقي بعد سهمها وفرضها بغير خلاف.

٣٠٢

في الرسالة(١) والمقنع(٢) .

(ج) التفصيل: وهو الرد مع غيبة الامام وعدمه مع ظهوره، وهو قول الصدوق في كتابه(٣) واستقربه الشيخ في النهاية(٤) واختاره العلامة في التحرير(٥) ويحيى بن سعيد(٦) .

احتج الاولون: برواية أبي بصير عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: قلت له: رجل مات وترك امرأته قال: المال لها، قال: قلت: امرأة ماتت وتركت زوجها قال: المال له(٧) .

وحملها الشيخ على كونها قريبة منه(٨) فيأخذ الباقي بالقرابة.

____________________

(١)المختلف: ج ٢ كتاب الفرائض واحكامه ص ١٨٥ س ٦ قال بعد نقل قول الصدوق: وكذلك قال ابوه في رسالته اليه.

(٢)المقنع: باب المواريث ص ١٧٠ س ١٦ قال: واذا ترك الرجل امرأة فللمرأة الربع إلى قوله: جعل ما بقي لامام المسلمين، وان تركت المرأة زوجها فللزوج النصف إلى قوله: فالنصف يرد إلى الزوج.

(٣)من لا يحضره الفقيه: ج ٤(١٣٣) باب ميراث الزوج والزوجة ص ١٩٢ قال بعد نقل الحديث الاول: قال مصنف هذا الكتاب: هذا في حال ظهور الامامعليه‌السلام فاما في حال غيبته إلى قوله: فالمال لها.

(٤)النهاية: باب ميراث الازواج ص ٦٤٢ س ١٧ قال بعد نقل التفصيل: وهذا وجه قريب من الصواب.

(٥)التحرير: ج ٢ (في ميراث الازواج) ص ١٦٨ س ١٠ قال: اما لو كانت زوجة إلى قوله: يرد عليها حال غيبة الامام وهو الاقوى عندي.

(٦)الجامع للشرائع: كتاب الميراث ص ٥٠٢ س ٢ قال: وان لم يخلف غيرها إلى قوله: واذ لم يتمكن من سلطان العدل رد عليها.

(٧)و(٨) التهذيب: ج ٩(٢٧) باب ميراث الازواج ص ٢٩٥ الحديث ١٦ ثم قال بعد نقل الخبر: هذا الخبر يحتمل شيئين إلى قوله: والآخر، وهو الاولى عندي، وهو انه اذا كات المرأة قريبة ولا قريب له اقرب منها، فتاخذ الربع بسبب الزوجية والباقي من جهة القرابة.

٣٠٣

(الثانية) روى مالك بن اعين عن أبي جعفرعليه‌السلام في نصراني مات وله ابن أخ وابن اخت مسلمان، واولاد صغار: لابن الاخ الثلثان، ولابن الاخت الثلث، وينفقان على الاولاد بالنسبة، فان اسلم الصغار دفع المال إلى الامام، فان بلغوا على الاسلام دفعه الامام اليهم، فان لم يبقوا دفع إلى ابن الاخ الثلثين والى ابن الاخت الثلث.

واحتج ابن ادريس: بموثقة جميل بن دراج عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: لا يكون الرد على زوج ولا زوجة(١) . وهي معارضة بكثير من الصحاح.

وبرواية أبي بصير عن الباقرعليه‌السلام قال: سألته عن امرأة ماتت وتركت زوجها لا وارث لها غيره، قال: اذا لم يكن غيره فله المال، والمرأة لها الربع، وما بقي فللامام(٢) وترك الاستفصال دليل العموم.

قال ابن ادريس: ولان اموال بني آدم ومستحقاتهم لا تحل بغيبتهم، لان التصرف في مال الغير بغير اذنه قبيح سمعا وعقلا(٣) .

احتجت الفرقة الثالثة: بان ما قالوه هو وجه الجمع بين الاخبار.

قال طاب ثراه: روى مالك بن اعين إلى آخره.

أقول: ما حكاه في الكتاب مختار الشيخين في النهاية(٤) والمقنعة(٥) وهو اختيار

____________________

(١)التهذيب: ج ٩(٢٧) باب ميراث الازواج ص ٢٩٦ الحديث ٢١.

(٢)التهذيب: ج ٩(٢٧) باب ميراث الازواج ص ٢٩٤ الحديث ١٥.

(٣)السرائر: (فصل واما ترتيب الوارث) ص ٣٩٧ س ٣١ قال: لان أموال بني آدم الخ.

(٤)النهاية: باب توارث اهل الملتين ص ٦٦٥ س ٧ قال: واذا خلف الكافر اولادا صغارا إلى آخره.

(٥)المقنعة: باب توارث اهل الملل المختلفة ص ١٠٧ س ١٣ قال: واذا ترك الذمي اولادا أصاغر واخوة لابيه واخوة لامه مسلمين الخ.

٣٠٤

القاضي(١) وابن زهرة عمم الحكم فقال: اذا كان للكافر اولاد صغار وقرابة مسلم انفق عليهم من التركة حتى يسلموا، فان اسلموا فالميراث لهم، وان لم يسلموا كان لقرابته المسلم(٢) وبه قال التقي(٣) وقال ابن ادريس: لا شئ للاولاد لكونهم بحكم آبائهم، ولا يرث الكافر المسلم، ولا مسلم هنا الا ابن الاخ وابن الاخت، فيختصون بملك التركة، ولولا ذلك لما جاز لهم قسمة التركة، ولا يجب عليهم الانفاق(٤) وهو مذهب المصنف(٥) والعلامة(٦) .

احتج الشيخ بما رواه (في الصحيح) عن مالك بن اعين عن الباقرعليه‌السلام قال: سألته عن نصراني مات وله ابن اخ مسلم وابن اخت مسلم، وللنصراني اولاد وزوجة نصارى قال: فقال: ارى ان يعطى ابن اخيه المسلم ثلثى ما ترك ويعطى ابن اخته ثلث ما ترك ان لم يكن له ولد صغار، فان كان له ولد صغار، كان على

____________________

(١)المهذب: ج ٢ باب توارث اهل ملتين ص ١٥٩ س ٤ قال: اذا مات كافر وترك اولادا واخوة واخوات الخ.

(٢)الغنية (في الجوامع الفقهية) ص ٦٠٨ س ٩ قال: واذا كان للكافر اولاد صغار وقرابة مسلم انفق عليهم من التركة حتى يبلغوا، فان اسلموا فالميراث لهم الخ.

(٣)الكافي: (الباب الخامس) ص ٣٧٥ س ٦ قال: وان كان للكافر اولاد اصاغر وقرابة مسلم انفق عليهم من التركة حتى يبلغوا فان اسلمو فلهم الميراث الخ.

(٤)السرائر: كتاب المواريث (فصل قد بينا فيما مضى ان الكافر لا يرث المسلم) ص ٤٠٤ س ١٦ قال بعد قول النهاية: والذي يقتضيه اصل مذهبنا: ان الميراث بين الاخوة من الاب والاخوة من الام إلى قوله: فعلى هذا التحرير: اذا بلغوا الاولاد واختاروا الاسلام لا يجب على الاخوة رد شئ من الميراث اليهم.

(٥)الشرائع: المقدمة الثانية في موانع الارث (اما الكفر) قال: ولو مات كافر وله ورثة كفار ووارث مسلم كان ميراثه للمسلم دون الكافر وان قرب.

(٦)المختلف: ج ٢ كتاب الفرائض ص ١٨٩ س ٣ قال بعد نقل قول ابن ادريس في السرائر: والوجه ماقاله ابن ادريس.

٣٠٥

الوارثين ان ينفقا على الصغار مما ورثا من ابيهم حتى يدركوا، قيل له: كيف ينفقان؟ قال: فقال: يخرج وارث الثلثين ثلثي النفقة، ويخرج وارث الثلث ثلث النفقة، فاذا ادركوا قطعا النفقة عنهم قيل له: فان اسلم الاولاد وهم صغار قال: فقال: يدفع ماترك ابوهم إلى الامام حتى يدركوا، فان بقوا على الاسلام دفع الامام ميراثهم اليهم، وان لم يتموا على الاسلام اذا ادركوا دفع الامام ميراثة إلى ابن اخيه وابن اخته المسلمين، يدفع إلى ابن اخيه ثلثى ما ترك، والى ابن اخته ثلث ما ترك(١) وحملها العلامة على الاستحباب(٢) . فالحاصل ان في المسألة ثلاثة أقوال:

(الاول) عدم استحقاق الصغار واستقرار الملك لغيرهم من الطبقات، لاجرائهم مجرى المعدوم، وهو اختيار ابن ادريس.

(الثاني) التربص لاسلام الاولاد بعد بلوغهم مع كل وارث، وهو قول الشريف ابن زهرة والتقي.

(الثالث) التربص لبلوغ الاولاد مع ابن الاخ وابن الاخت خاصة، اقتصارا على مورد النص، وهو قول الشيخين والصدوق والقاضي.

(تحقيق)

الرواية من الصحاح وبمضونها عمل كثير من الاصحاب. واختلفوا في تنزيلها على أربعة انحاء:

(أ) البناء على ان المانع من الارث هو الكفر، وهو مفقود في الاولاد الصغار حقيقة.

____________________

(١)التهذيب: ج ٩(٣٨) باب ميراث اهل الملل المختلفة والاعتقادات المتباينة ص ٣٦٨ الحديث ١٤.

(٢)المختلف: ج ٢ كتاب الفرائض ص ١٨٩ س ٣ فانه بعد اختياره ما اختاره ابن ادريس في السرائر قال: وحمل هذه الرواية على الاستحباب دون الوجوب.

٣٠٦

ورد بمنع حصر المانع في الكفر، بل عدم الاسلام أيضا مانع، وهو موجود في حق الاطفال.

أما أولا: فلانهم بحكم آبائهم.

وأما ثانيا: فلعدم اعتبار اسلام الصغير، لرفع القلم عنه. وبتقدير انحصار المانع في الكفر نقول: الكفر هنا صادق، اذ حكم الطفل حكم ابويه.

(ب) تنزيلها على ان اسلام الصغير معد للاسلام الحقيقي، فان حقيقة الكفر والاسلام لما انتفت عن الصغير، وكان من شأن الكافر استحقاقه باسلامه قبل القسمة، وجهل الصغير اسلامه حيث يمكنه، فاذا كانت الحالة حالة الصغر كان اسلامه حينئذ قائما مقام اسلام الكبير، اذ المقدور للصغير هو ذلك، وليس القيام في استحقاق الارث في الحال، بل المراعاة والمنع من القسمة إلى البلوغ، لينكشف الامر، ويضعف بان الاسلام المجازي، اعني اسلام الطفل لا يعاض الاسلام الحقيقي، اعني اسلام الكبير، وهو هنا موجود وسابق فيستقر الارث به.

(ج) التنزيل على ان المال لم يقسم حتى بلغوا، سواء سبق منهم الاسلام حال الطفولية، أولا.

وقوله في الرواية (يعطي ابن اخيه وابن اخته) لا يدل على حصول القسمة، بل هو اخبار عن قدر المستحق والنفقة من المال، وذلك لا يستلزم القسمة. وهذا تنزيل حسن، لكن يبقى الاشكال في شئ آخر، وهو قوله: (فان اسلموا وهم صغار دفع ما ترك ابوهم إلى الامام حتى يدركوا) والاصل بقاء استحقاق الوارث المسلم حتى يحصل المزاحم، ولا يصلح الاسلام المجازي معارضا للاسلام الحقيقي، خصوصا مع سبق الحقيقي، لاصالة البقاء وقوة الاستصحاب واستغناء الباقي عن المؤثر واحتياج الحادث اليه، اللهم الا ان يقول: اسلامه حال الطفولية معد لاستحقاقة، فيحجر الحاكم على التركة رعاية لمصلحته، لوجود ما يصلح ان بكون

٣٠٧

(الثالثة) اذا كان احد ابوي الصغير مسلما، الخق به، فلو بلغ اجبر على الاسلام، ولو أبى كان كالمرتد.

(الرابعة) المسلمون يتوارثون وان اختلفت آرائهم، وكذا الكفار وان اختلفت مللهم.

(الخامسة) المرتد عن فطرة يقتل ولا يستتاب، وتعتد امرأته عدة الوفاة، وتقسم امواله، ومن ليس عن فطرة يستتاب، فان تاب والا يقتل وتعتد زوجته عدة الطلاق مع الحياة، وعدة الوفاة لا معها. والمرأة لا تقتل بل تحبس وتضرب اوقات الصلاة حتى تتوب ولو كانت عن فطرة. سببا لاستحقاقه.

(د) التنزيل على الاستحباب.

قال طاب ثراه: المرتد عن فطرة يقتل ولا يستتاب، وتعتد امرأته عدة الوفاة، وتقسم امواله إلى آخره.

أقول: المرتد اما عن فطرة، ويعني به من علق به بعد اسلام احد ابويه.

او عن ملة، ونعني به من كان اسلامه بعد كفر، وان كان بالتبعية، كما لو اسلم احد ابويه وهو حمل.

فهنا قسمان:

(الاول) المرتد عن ملة، وفيه مسائل:

(أ) لا يجب قتل هذا المرتد، بل يجب استتابته، ومعنى الاستتابة المعاقبة بالحبس والضرب حتى يتوب، فان آيس من توبته قتل، فلابد حينئذ من مدة التربص من قدر مضبوط يعرفه الحداد كيلا يتجاوزه، والمكلف بحيث يعرف عدم الفسحة له والصبر عليه بعدها.

فقيل ذلك منوط بنظر الحاكم، فيستتيبه مدة يرجوا رجوعه فيها،

٣٠٨

وهو الذي قواه الشيخ في المبسوط(١) واختاره فخر المحققين(٢) وقيل: ثلاثة ايام،(٣) واستحوطه الشيخ في المبسوط(٤) واستحسنه المصنف في الشرائع(٥) لما فيه من التأني لازالة عذره.

ومستنده مارواه الشيخ عن مسمع بن عبدالملك عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : المرتد تعزل عنه امرأته، ولا تؤكل ذبيحته، ويستتاب ثلاثة ايام، فان تاب، والا قتل يوم الرابع(٦) .

(ب) لا تزول املاك هذا المرتد، بل تكون باقية على ملكه، فيلزمه جريان الحول للزكاة ووجوب الفطرة والحج

(ج) يحجر الحاكم على أمواله لئلا يتصرف فيها بالاتلاف، ارفاقا به، لتكون محفوظة عليه ينتفع بها اذا تاب.

(د) هذا الحجر غير مانع من وجوب الزكاة عليه، وان منع من التصرف في امواله، لتمكنه من ازالته فهو كالسفيه.

(ه‍) تزول ولايته عن اطفاله وامواله، فلا يملك تزويج الصغير ولا الرقيق مطلقا.

____________________

(١)المبسوط: ج ٧ كتاب المرتد ص ٢٨٣ س ١ قال: وقال آخرون: يستتاب القدر الذي يمكنه فيه الرجوع وهو الاقوى.

(٢)الايضاح: ج ٤ (في احكام المرتد) ص ٥٥٠ س ١٧ قال: والاقوى عندي أنه يستتاب القدر الذي يمكنه منه ان يرجع فيه إلى الاسلام.

(٣)و(٤) الخلاف: كتاب المرتد مسألة ٦ قال: يستتاب ثلاثا.

وفي المبسوط: ج ٧ كتاب المرتد ص ٢٨٢ س ٢٣ قال: قال قوم: يستتاب ثلاثا إلى قوله: والاول (اي الثلاث) احوط لانه ربما دخلت عليه شبهة فيتأملها وينبه عليها.

(٥)الشرائع (الباب الاول في المرتد) قال: وكم يستتاب؟ قيل: ثلاثة ايام إلى قوله: والاول مروي، وهو حسن لما فيه من التأنى لازالة عذره.

(٦)الكافي: ج ٧ باب حد المرتد ص ٢٥٨ الحديث ١٧.

٣٠٩

(و) يصح تملكه للاموال المستجدة بالاكتساب كالاحتطاب والاتهاب والارث من الحربي.

(ز) تعتد زوجته عدة الطلاق، فان خرجت ولما يتب، بانت منه، ولو قتل في اثناء مدة الانتظار أو مات استأنفت عدة الوفاة. وكذا لو قتل بعد مدة التربص مادامت في العدة، لكونها بمنزلة الرجعية ولقبول توبته بعد المدة.

(ح) يجرى عليه نفقة زوجته وان منع من وطئها، لحصول المنع منه وتمكنه من ازالته.

(ط) لو آلى منها او ظاهر صح، ويحتسب زمان الردة من المدة.

(ى) لو طلق هل يصح ام لا؟ يحتمل العدم لانها جارية إلى بينونة. ويحتمل الصحة لبقاء العصمة، وحينئذ يستأنف العدة.

(يا) يمنع من ابتداء العقد على المسلمة، لانه كافر. وعلى الكافرة لتحرمه بالاسلام.

(يب) لو مات ورثه المسلم خاصة، ومع عدمه الامام، لا الكافر وان قرب.

(يج) نماء امواله له لبقائها على ملكه.

(يد) لو التحق بدار الحرب اعتدت زوجته عدة الطلاق، وبانت بانقضائها، وهل تقسم امواله بين وراثه؟ قال في النهاية: نعم(١) ومنع ابن ادريس(٢) وهو قوله

____________________

(١)النهاية: باب توارث اهل الملتين ص ٦٦٦ س ١٥ قال: ومن كان كافرا فاسلم ثم ارتد إلى قوله: فان لحق بدار الحرب ولم يقدر عليه اعتدت منه امرأته عدة المطلقة ثم يقسم ميراثه بين اهله.

(٢)السرائر: كتاب المواريث (فصل قد بينا فيما مضى الخ) ص ٤٠٥ س ٥ قال: وهذا المرتد الذي قد ارتد لا عن فطرة الاسلام لا يقسم امواله بين ورثته إلى ان يموت او يقتل وان لحق بدار الحرب الخ.

٣١٠

في المبسوط(١) والخلاف(٢) واختاره العلامة(٣) .

(الثاني) المرتد عن فطرة الاسلام وفيه مسائل:

(أ) يجب قتل هذا في الحال ولا تقبل توبته.

(ب) المتولي لقتله الامام او نائبه، ولو قتله غيرهما اثم وكان هدرا.

(ج) تعتد زوجته عدة الوفاة، سواء قتل أو بقي، من حين ارتداده، ثم تحل للازواج.

(د) تخرج امواله عن ملكه، فيقضى منها الديون، ويحل مؤجلها كالموت، ويقسم بين وراثه.

(ه‍) لما خرجت عنه الاموال المملوكة له بالفعل ونزل منزلة الميت في اباحة زوجته، خرج عن اهلية التملك، فلو مات له قريب لم يرثه ونزل معدوما. وكذا لو احتطب او احتش، او حاز مباحا كان ذلك باقيا على اصل الاباحة، فلو اخذه منه انسان ملكه. ولو اثبت يده على ما ليس اصله الاباحة كما لو عامل، كانت المعاملة فاسدة وما في يده باق على ملك دافعه. ولو اخذه عوضا عن عمل عمله بنفسه كان باقيا على ملك دافعه، اذ لا يجب عليه اجرة عما استعمله. وكذا لو كان عوضا عما اصله مباح كالصيد. ولو اخذه منه آخذ رده على المالك لا على المرتد، وقال بعض: يملكه ويكون لوارثه.

____________________

(١)المبسوط: ج ٧ كتاب المرتد ص ٢٨٣ س ٨ قال: وان كان (اي الارتداد) عن اسلام كان قبله كافرا إلى قوله: والاصل بقاء الملك.

(٢)كتاب الخلاف: كتاب المرتد مسألة ١٠ قال: المرتد الذي يستتاب اذا لحق بدار الحرب لم يجر ذلك مجرى موته، ولا يتصرف في ماله الخ.

(٣)القواعد: ج ٢ (الفصل الثاني في احكام المرتد) ص ٢٧٦ س ١٢ قال: وان التحق بدار الحرب حفظت (اي امواله) وبيع ما يكون الغبطة في بيعه كالحيوان فان مات او قتل انتقل إلى ورثته المسلمين الخ.

٣١١

(و) لو كان لهذا المرتد مدبر لم ينعتق بمجرد ارتداده، لانه لم يمت وان كان بمنزلة الميت، لاصالة بقاء الملك وعدم حصول شرط التدبير عرفا. وهل ينعتق لو قتل بعد ذلك؟ التحقيق ان نقول: من حين ارتداده حكم بخروج ملكه عنه وانتقاله إلى وارثه. واذا خرج المدبر عن ملك مدبره، هل يبطل التدبير، او يكون باقيا والنقل انما هو للمنافع خاصة؟ كمذهب الشيخ، وقد مر في باب البيع والرهن والصداق، فعلى الاول: لا عتق، وعلى الثاني ينعتق، وقد حققناه في باب التدبير.

(ز) لو لم يقتل حل لزوجته التزويج بعد العدة، وحلت امواله لوارثه وان كان باقيا.

(ح) لو ظاهر او آلى في العدة لم يصح لكونها بائنة.

(ط) لا نفقة لها في العدة وان كانت حاملا وقلنا النفقة للحمل.

(ى) ينقطع الحول عن امواله الزكوية لخروجها عن ملكه.

(يا) لو تاب لم يقبل بالنسبة إلى اسقاط الحد، وملك المال، وبقاء النكاح، وابتداء النكاح مطلقا، وتقبل بالنسبة إلى الطهارة، وصحة العبادات، واسقاط عقوبة الآخرة، واستحقاق الثواب، ولا ينافي ذلك وجوب قتله كما لو تاب المحصن بعد قيام البينة.

(يب) يحل لوارثه او زوجته الاستيلاء على قدر النصيب من الارث وقضاء العدة والتزويج بعدها وان لم يثبت ذلك عند الحاكم ان كان سبب الارتداد أمرا قطعيا، وان كان اجتهاديا وقف ذلك على حكم الحاكم.

(يج) لو كان عاجزا هل يجب نفقته على قريبه؟ يحتمل ذلك لوجود السبب وهو القرابة، ولا يشترط في مستحق الانفاق الاسلام، ويحتمل عدمه لوجوب قتله والانفاق يوجب بقائه، فلا يجتمعان والاول أقوى تجنبا للتعذيب خصوصا مع التوبة.

٣١٢

(يد) لو ارتد عن غير مدخول بها، هل يجب عليها عدة الوفاة من حين الارتداد أو لا عدة عليها، يحتمل قويا الاول للعموم، ولان حكمه حكم الميت. ويحتمل الثاني ضعيفا لانه نكاح انفسخ بغير الموت قبل الدخول.

(يه) هل يدخل في ملكه ما يكتسبه بالاحتطاب وشبهه؟ يحتمل ذلك لانالكفر لاينافي ابتداء تملك المباحات. فتملك في آن ثم يبنقل إلى الورثة في الآن الثاني. ويحتمل قويا العدم، لان الردة تنافي الملك المستدام وهو اقوى من الحادث. فلئن يمنع الحادث اولى وهو اختيار العلامة(١) وفخر المحققين(٢) .

(تتمة)

المرأة لا تقتل بالردة وان كانت عن فطرة، بل تحبس وتضرب اوقات الصلاة دائما حتى تتوب، فتخلى سبيلها حينئذ، ولا يحكم بزوال اموالها عنها بالردة، بل يحجر عليها. وبالجملة حكمها حكم المرتد عن ملة. وذهب بعضهم إلى أنها تحبس دائما مع التوبة: وهو وهم.

وقد صرح الشيخ بما قلناه في كتاب الاستبصار، وقال بعد ما روى حديث علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسنعليه‌السلام قال: سألته عن مسلم ارتد قال: يقتل ولا يستتاب، قلت: فنصراني اسلم ثم ارتد عن الاسلام، قال: يستتاب، فان رجع، والا قتل(٣) .

__________________________________

(١)القواعد: ج ٢ (الفصل الثاني في احكام المرتد) ص ٢٧٦ س ١٩ قال: واما المرتد عن فطرة فالاقرب عدم دخول ذلك كله (اي ما يتجدد له من الاموال بالاحتطاب والاتهاب) في ملكه.

(٢)الايضاح: ج ٤ (المطلب الثالث في امواله وتصرفاته) ص ٥٥٤ س ١٨ قال: الاقرب عند المصنف وعندي: لا.

(٣)الاستبصار: ج ٤(١٤٩) باب حد المرتد والمرتدة ٢٥٤ الحديث ٨.

٣١٣

فاما المرأة فاذا ارتدت فانها لا تقتل على كل حال، بل تخلد في السجن ان لم ترجع إلى الاسلام(١) .

وقد تضمن ذلك رواية الحسن بن محبوب عن غير واحد من اصحابنا عن أبي جعفر وأبي عبداللهعليهما‌السلام في المرتد يستتاب، فان تاب والا قتل، والمرأة اذا ارتدت استتيبت فان تابت ورجعت والا خلدت السجن وضيق عليها في حبسها(٢) .

ومثلها رواية عباد بن صهيب عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: المرتد يستتاب، فان تاب والا قتل، والمرأة تستتاب فان تابت والا حبست في السجن وأضر بها(٣) .

فرع

لو ارتدت ذات البعل تربص زوجها العدة، فان تابت فالنكاح باق، ان اصرت بانت، ويحل له العقد على الخامسة، وعلى اختها. ولو كان ذلك قبل الدخول بانت في الحال وسقط مهرها.

تذنيب

المسلمون يتوارثون وان اختلفوا في الآراء والمذاهب، فالتوارث يجري على الشهادتين وكذلك القصاص والديات، وفي النكاح قولان: واما استحقاق الثواب

____________________

(١)الاستبصار: ج ٤(١٤٩) باب حد المرتد والمرتدة ص ٢٥٤ ذيل حديث ٩.

(٢)الاستبصار: ج ٤(١٤٩) باب حد المرتد والمرتدة ص ٢٥٣ الحديث ٤.

(٣)الاستبصار: ج ٤(١٤٩) باب حد المرتد والمرتدة ص ٢٥٥ الحديث ١٢.

٣١٤

(السادسة) لو مات المرتد كان ميراثه لوارثه المسلم. ولو لم يكن وارث الا كافر كان ميراثه للامام على الاظهر. فعلى الايمان، وهو اختيار الشيخ في النهاية(١) وابن حمزة(٣) وابن ادريس(٤) .

وقال المفيد: يرث المؤمنون اهل البدع: من المعتزلة والمرجئة والخوارج والحشوية دون العكس(٥) وبه قال التقي، وعبارته: من كان كافرا يهودية او نصرانية او تشبيه او جحود نبوة او امامة لا يرث المؤمن(٦) .

قال طاب ثراه: ولو لم يكن وارث الا كافر كان ميراث المرتد للامام على الاظهر.

أقول: هذا هو المشهور بين الاصحاب لتحرمه بالاسلام، فلا يرثه الكافر لقولهعليه‌السلام : الاسلام يعلو ولا يعلى عليه(٧) . نحن نرثهم ولا يرثونا(٨) .

____________________

(١)النهاية: باب توارث اهل الملتين ص ٦٦٦ س ٢ قال: والمسلمون يتوارث بعضهم من بعض وان اختلفوا في الآراء إلى قوله: دون فعل الايمان الذي يستحق به الثواب.

(٢)المهذب: ج ٢ باب توارث اهل ملتين ص ١٦٠ س ١١ قال: والمسلمون يرث بعضهم بعضا وان اختلفوا في الآراء إلى قوله: دون الايمان الخ.

(٣)الوسيلة: فصل في بيان توارث أهل ملتين ص ٣٩٤ س ١٠ قال: والاسلام على اختلاف المذاهب والآراء ملة واحدة.

(٤)السرائر: كتاب المواريث (فصل قد بينا فيما مضى الخ) ص ٤٠٤ س ٢٧ قال: والمسلمون يرث بعضهم بعضا وان اختلفوا في الآراء والمذاهب إلى قوله: دون فعل الايمان الذي يستحق به الثواب وبتركه العقاب.

(٥)المقنعة: باب مواريث اهل الملل المختلفة ص ١٠٧ س ١٧ قال: ويرث المؤمنون اهل البدع إلى قوله: ولا يرث هذه الفرق احدا من اهل الايمان.

(٦)الكافي: (الباب الخامس) ص ٣٧٤ س ٢٢ قال: او كافر له ولد كافر إلى قوله: ميراثه لابن خاله المسلم دون ولده الكافر.

(٧)عوالي اللئالي: ج ١ ص ٢٢٦ الحديث ١١٨ ولاحظ ما علق عليه فانه ينفعك ورواه في الفقيه: ج ٤(١٧١) باب ميراث اهل الملل ص ٢٤٣ الحديث ٣.

(٨)من لا يحضره الفقيه: ج ٤(١٧١) باب ميراث اهل الملل ص ٢٤٣ قطعة من حديث ٥.

٣١٥

واما القتل: فيمنع الوارث من الارث اذا كان عمدا ظلما، ولا يمنع لو كان خطأ.

وقال الشيخان: يمنع من الدية حسب. ولو اجتمع القاتل وغيره، فالميراث لغير القاتل وان بعد، سواء تقرب بالقاتل او بغيره، ولو لم يكن وارث سوى القاتل فالارث للامام.

وقال الشيخ في الاستبصار: ميراثه لولده الكفار، لما رواه ابراهيم بن عبدالحميد عن رجل قال: قلت لابي عبداللهعليه‌السلام : نصراني اسلم ورجع إلى النصرانية ثم مات قال: ميراثه لولده النصراني ومسلم تنصر ثم مات قال: ميراثه لولده المسلمين(١) .

وحملها في النهاية على التقية(٢) وافتى بها الصدوق في المقنع(٣) .

وهي مرسلة، وعلى خلاف الاصل، وحملها على التقية حسن.

قال طاب ثراه: وقال الشيخان: يمنع من الدية حسب.

أقول: القتل إما عمد أو خطأ أو شبهة، فالاقسام ثلاثة:

(الاول) العمد: ولا يرث من الدية ولا من التركة اجماعا، مقابلة له بنقيض مطلوبه، وعقوبة على فعله، واحتياطا في عصمة الدم كيلا يقتل اهل المواريث بعضهم بعضا طمعا في الميراث.

(الثاني) الخطاء: وفيه ثلاثة أقوال:

(أ) منعه مطلقا وهو قول الحسن(٤) .

____________________

(١)الاستبصار: ج ٤(١١٠) باب انه يرث المسلم الكافر ولا يرثه الكافر ص ١٩٣ الحديث ١٩.

(٢)النهاية: باب توارث اهل الملتين ص ٦٦٧ س ١ قال: وقد روي انه يكون ميراثه لورثته الكفار، وذلك محمول على ضرب من التقية لانه مذهب العامة.

(٣)المقنع: باب المواريث ص ١٧٩ س ١٠ قال: والنصراني اذا اسلم ثم رجع إلى النصرانية ثم مات فميراثه لولده النصراني.

(٤)المختلف: ج ٢ في ميراث القاتل ص ١٩١ س ١٠ قال: فابن عقيل منع من ارثه مطلقا.

٣١٦

(ب) التوريث مطلقا وهو قول المفيد(١) وتلميذه(٢) .

(ج) المنع من الدية دون باقي التركة، وهو قول الشيخ(٣) وأبي علي(٤) والقاضي(٥) والتقي(٦) وابن حمزة(٧) وابن زهرة(٨) وابن إدريس(٩) واختاره العلامة(١٠) واستحسنه المنصف واختار التوريث مطلقا(١١) .

احتج الحسن: بان في منعه احتياطا في عصمة الدماء. وبانه يؤخذ منه الدية فكيف يرث.

وبما رواه فضيل بن يسار عن الصادقعليه‌السلام قال: لا يقتل الرجل بولده، ويقتل الولد بوالده اذا قتل والده، ولا يرث الرجل الرجل اذا قتله وان كان

____________________

(١)المقنعة: باب ميراث القاتل ص ١٠٧ س ٢٨ قال: ويرثه اذا قتله خطأ.

(٢)المراسم: كتاب المواريث ص ٢١٨ س ١٧ قال: ولا يمنع الارث الا العمد خاصة.

(٣)النهاية: باب ميراث القاتل ومن يستحق الدية ص ٦٧٢ س ١٨ فبعد نقل الحديث والحمل على عدم الارث من الدية قال: وعلى هذا اعمل لانه احوط.

(٤)المختلف: ج ٢ في ميراث القاتل ص ١٩١ س ١٠ قال: والشيخ وابن الجنيد إلى قوله: منعوه من الدية.

(٥)المهذب: ج ٢ باب ميراث القاتل ص ١٦٢ س ١٤ قال: واما القاتل خطأ إلى قوله: ولا يرث من ديته.

(٦)الكافي: الباب الخامس ص ٣٧٥ س ١١ قال: ويرثة ان كان القتل خفا ما خرج عن الدية..

(٧)الوسيلة: (فصل في بيان حكم ميراث القاتل) ص ٣٩٦ س ٥ قال: والثالث: يرثه من التركة دون الدية.

(٨)الغنية (في الجوامع الفقهية) ص ٦٠٨ س ١٤ قال: ويرثه خطأ ماعدا الدية.

(٩)السرائر: كتاب المواريث ص ٤٠٥ س ٢٩ قال: ويرثه اذا كان قتله خطأ ما عدى الدية.

(١٠)المختلف: ج ٢ في ميراث القاتل ص ١٩١ س ١٢ قال: والمعتمد ما قاله الشيخ في الخطأ.

(١١)الشرائع: كتاب الفرائض (اما القتل) قال: ولو كان القتل خطأ ورث على الاشهر.

وخرج المفيدرحمه‌الله وجها آخر: هو المنع من الدية، وهو حسن، والاول أشبه.

٣١٧

خطاء(١) .

وبصحيحة هشام بن سالم عن الصادقعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا ميراث للقاتل(٢) وهو عام.

احتج المفيد بان المنع لمكان العقوبة، وقاتل الخطاء غير مذنب.

وبصحيحة عبدالله بن سنان عن الصادقعليه‌السلام قال: سألته عن رجل قتل امه أيرثها؟ قال: ان كان خطاء ورثها، وان كان عمدا لم يرثها(٣) .

احتج الشيخ: بالجمع بين الروايات، فحمل ماورد منها بالمنع على الدية، وبالارث على بقية التركة(٤) لمناسة الاصل فلا يمنعه من التركة، لعموم آية.

الارث(٥) ولكونه غير مذنب، ولا يعطيه من الدية حقنا للدم واحتياطا في عصمته، (الثالث) شبيه العمد، وفيه قولان: فابن الجنيد الحقه بالعمد في المنع من الجميع(٦) واختاره العلامة في القواعد(٧)

____________________

(١)التهذيب: ج ٩(٤١) باب ميراث القاتل ص ٣٧٩ الحديث ١٢.

(٢)التهذيب: ج ٩(٤١) باب ميراث القاتل ص ٣٧٨) الحديث ٥.

(٣)التهذيب: ج ٩(٤١) باب ميراث القاتل ص ٣٧٩ الحديث ١١.

(٤)التهذيب: ج ٩(٤١) باب ميراث القاتل ص ٣٨٠ س ٥ قال في مقام الجامع: ومع ذلك يحتمل ان يكون الوجه فيه ما كان يقوله شيخنا ابوعبدالله محمد بن محمد بن النعمان من انه لا يرث الرجل الرجل اذا قتله خطاء من ديته ويرثه مما عدى الدية.

(٥)النساء: ١٢ قال تعالى: (ولكم نصف ماترك ازواجكم إلى آخره).

(٦)المختلف: ج ٢ في ميراث القاتل ص ١٩٠ س ١٦ قال: وقال ابن الجنيد: القاتل عمد لا يرث إلى قوله: وكذا شبيه العمد الخ.

(٧)القواعد: ج ٢ (المطلب الثاني القتل) ص ١٦٣ س ١٩ قال: وهل يلحق شبيه العمد بالعمد او بالخطاء؟ الاقرب الاول.

٣١٨

وفخر المحققين في ايضاحه(١) وسلار الحقه بالخطاء(٢) وكذا ابن حمزة(٣) .

لكن افترقا، فسلار يورثه مطلقا وابن حمزة بما عدى الدية كمذهب الشيخ، وقد ذكرناه، فيما تقدم.

قال العلامة في المختلف: واما شبيه العمد فالاولى الحاقة بالخطاء ولان المقتضي للمنع في العمد، وهو المؤاخذة له بنقيض مقصوده منتف هنا كالخطاء(٤) .

وقول المصنف: " وقال الشيخان: يمنع من الدية حسب "(٥) وقال في الشرائع: وخرج المفيد وجها آخر: وهو المنع من الدية، فنسب التفصيل إلى المفيد، ونحن حكينا عنه التوريث مطلقا، فما ذكره المصنف عنه اشارة إلى حمله للرواية المانعة من توريثه، على الدية(٦) .

قال الشيخ في النهاية: القاتل ضربان: قاتل عمد، ولا يرث المقتول لا من التركة، ولا من الدية، وقاتل خطاء ويرث المقتول على كل حال ولدا كان او والدا، زوجا او زوجة من نفس التركة ومن الدية.

وقد رويت رواية: بان القاتل لا يرث وان كان خطاء، وهذه رواية شاذة لا عمل عليها، لان اكثر الروايات على

____________________

(١)الايضاح: ج ٤ (في موانع الارث) ص ١٨٢ س ١٣ قال: والاصح عندي وعند والدي وجدي قول ابن الجنيد.

(٢)المراسم: كتاب المواريث ص ٢١٨ س ١٧ قال: ولا يمنع الارث الا العمد خاصة.

(٣)الوسيلة: (فصل في بيان حكم ميراث القاتل): ص ٣٩٦ س ٥ قال: والثالث (اي شبيها بالخطأ) يرثه من التركة دون الدية، وقيل: يرث الدية أيضا وقيل: لم يرث من التركة أيضا.

(٤)المختلف: ج ٢ (في ميراث القاتل) ص ١٩١ س ١٦ قال: واما شبيه العمد، فالاولى الحاقه بالخطأ الخ.

(٥)لاحظ عبارة النافع.

(٦)الشرائع (في موانع الارث) واما القتل قال: ولو كان القتل خطاء ورث على الاشهر، وخرج المفيدرحمه‌الله وجها آخر الخ.

٣١٩

وهنا مسائل:

(الاولى) الدية كاموال الميت تقضى منها ديونه، وتنفذ وصاياه، وان قتل عمدا اذا اخذت الدية، وهل للديان منع الوارث من القصاص؟ الوجه، لا، وفي رواية لهم المنع حتى يضمن الوارث الدين. ما قدمناه، وكان شيخنارحمه‌الله حمل هذه الرواية على انه اذا كان القاتل خطاء فانه لا يرث من الدية ويرث من التركة للجمع بن الاخيار، وعلى هذا اعمل لانه احوط(١) .

فنسب المصنف التفصيل إلى المفيد، لانه السابق إلى هذا الجمع.

وأما فتواه فظاهرها التوريث مطلقا، حيث قال: وقاتل العمد لا يرث نسيبه، ويرثه اذا قتله خطاء، وانما منع قاتل العمد من الميراث عقوبة على جرمه، وعظم ذنبه، وقال: الخطاء غير مذنب لانه لم يتعمد لله خلافا، ولا أوقع بقتله معصية(٢) ، واطلق.

قال طاب ثراه: الدية كاموال الميت تقضى منها ديونه، وتنفذ وصاياه، وان قتل عمدا اذا اخذت الدية، وهل للديان منع الوارث من القصاص؟ الوجه: لا، وفي رواية لهم المنع حتى يضمن الوارث الدين(٣) .

أقول: الدية كاموال الميت، يخرج منها مؤنة تجهيزه، ثم ديونه، ثم وصاياه،

____________________

(١)النهاية: باب ميراث القاتل ومن يستحق الدية ص ٦٧١ س ١٨ قال: القاتل على ضربين إلى قوله: وعلى هذا اعمل لانه احوط.

(٢)المقنعة: (باب ميراث القاتل) ص ١٠٧ س ٢٨ قال: وقاتل العمد لا يرث المقتول اذا كان نسيبه إلى قوله ولا اوقع بقتله معصية.

(٣)في النسخ المخطوطة التي بايدينا (حتى يضمن الدية) والصواب ما اثبتناه كما في المطبوع من المختصر النافع.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

لا تفهم ممّا نقول شيئا!(١) .

وفي الآية التالية إشارة إلى واحدة من العلل الأساسية لمخالفة المشركين ، فتقول : إنّ هؤلاء لم ينكروا القرآن بسبب الإشكالات والإيرادات ، بل إن تكذيبهم وإنكارهم إنّما كان بسبب عدم اطلاعهم وعلمهم به :( بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ ) .

في الواقع ، إنّ سبب إنكارهم هو جهلهم وعدم اطلاعهم ، لكن المفسّرين احتملوا احتمالات متعددة فيما هو المقصود من هذه الجملة وأن الجهل بأي الأمور كان ، وكان تلك الاحتمالات يمكن أن تكون مقصودة من الجملة : الجهل بالمعارف الدينية والمبدإ والمعاد ، كما ينقل القرآن قول المشركين في شأن المعبود الحقيقي (الله) ، حيث كانوا يقولون :( أجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ ) (٢) . أو أنّهم كانوا يقولون في مسألة المعاد:( أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً ) (٣) ،( هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ ) (٤) .

في الحقيقة لم يكن لهؤلاء أي دليل على نفي المبدأ والمعاد ، وكان الجهل والتخلف الناشئ من الخرافات والتعود على مذهب الأجداد هو السد الوحيد في طريقهم.

أو الجهل بأسرار الأحكام.

أو الجهل بمفهوم بعض الآيات المتشابهة.

أو الجهل بمعنى الحروف المقطعة.

__________________

(١) تفسير في ظلال القرآن ، ج ٤ ، ص ٤٢٢.

(٢) سورة ص ، ٥.

(٣) الإسراء ، ٩٧.

(٤) سورة سبأ ، ٨.

٣٦١

أو الجهل بالدروس والعبر التي هي الهدف النهائي من ذكر تاريخ الماضين.

إن مجموع هذه الجهالات والضلالات كانت تحملهم على الإنكار والتكذيب ، في حين أن تأويل وتفسير وتحقق المسائل المجهولة بالنسبة لهؤلاء لم يبيّن بعد( وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ) .

«التأويل» في أصل اللغة بمعنى إرجاع الشيء وعلى هذا فإنّ كل عمل أو قول يصل إلى هدفه النهائي نقول عنه : إن تأويله قد حان وقته ، ولهذا يطلق على بيان الهدف الأصلي من إقدام معين ، أو التّفسير الواقعي لكلمة ما ، أو تفسير وإعطاء نتيجة الرؤيا ، أو تحقق فرضية في ارض الواقع ، اسم التأويل. وقد تحدثنا بصورة مفصلة حول هذا الموضوع في المجلد الثّاني ذيل الآية (٧) من سورة آل عمران.

ثمّ يضيف القرآن مبينا أن هذا المنهج الزائف لا ينحصر بمشركي عصر الجاهلية ، بل إنّ الأقوام السابقين كانوا مبتلين أيضا بهذه المسألة ، فإنّهم كانوا يكذبون الحقائق وينكرونها دون السعي لمعرفة الواقع ، أو انتظار تحققه :( كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) . وقد مرت الإشارة أيضا في الآيات (١١٣) و (١١٨) من سورة البقرة إلى وضع الأمم السابقة من هذه الناحية.

الواقع ، إنّ عذر هؤلاء جميعا كان جهلهم ورغبتهم عن التحقيق والبحث في الحقائق الواقعية ، في حين أن العقل والمنطق يحكمان بأنّه لا ينبغي للإنسان انكار ما يجهله مطلقا ، بل يبدأ بالبحث والتحقيق.

وفي النهاية وجهت الآية الخطاب إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقالت :( فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ) أي إنّ هؤلاء سيلاقون أيضا نفس المصير.

وأشارت الآية الأخيرة من آيات البحث إلى فئتين عظيمتين من المشركين ، فتقول : إنّ هؤلاء لا يبقون جميعا على هذا الحال ، بل إنّ جماعة منهم لم تخمد فيهم روح البحث عن الحق وطلبه وسيؤمنون بالقرآن في النهاية. في حين أن الفئة الأخرى ستبقى في عنادها وإصرارها وجهلها ، وسوف لا تؤمن أبدا :( وَمِنْهُمْ مَنْ

٣٦٢

يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ ) .

ومن الواضح أنّ أفراد الفئة الثّانية فاسدون ومفسدون ، ولذلك قالت الآية في النهاية :( وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ ) وهي إشارة إلى أن الذين لا يذعنون للحق ، هم أفراد يسعون لحل عرى المجتمع ، ولهم دور مهم في إفساده.

الجهل والإنكار :

كما يستفاد من الآيات أعلاه أنّ قسما مهمّا من مخالفة الحق ومحاربته تنبع عادة من الجهل ، ولهذا السبب قالوا : عاقبة الجهل الكفر!

إنّ أوّل مهمّة تقع على عاتق كل إنسان يطلب الحق أن يتريت في مقابل ما يجهل ، يتحرك صوب البحث ثمّ وتحقيق كل جوانب المطلب الذي يجهله ، وما لم يحصل على الدليل القاطع على بطلانه فلا ينبغي له رفضه ، كما أنّه لا ينبغي له قبوله والاعتقاد به إذا لم يحصل لديه دليل قاطع على صحته نقل العلّامة الطبرسي في مجمع البيان حديثا رائعا عن الإمام الصادقعليه‌السلام في هذا الباب ، حيث يقول «إنّ الله خص هذه الأمّة بآيتين من كتابه : أن لا يقولوا إلّا ما يعلمون ، وأن لا يردوا ما لا يعلمون ، ثمّ قرأ :( أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ ) ، وقرأ :( بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ ) .

* * *

٣٦٣

الآيات

( وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٤١) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ (٤٢) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ (٤٣) إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٤) )

التّفسير

العمي والصمّ :

تتابع هذه الآيات البحث الذي مرّ في الآيات السابقة حول إنكار وتكذيب المشركين، وإصرارهم على ذلك ، فقد علّمت الآية الأولى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طريقة جديدة في المواجهة ، فقالت :( وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ ) .

إنّ لإعلان الترفع وعدم الاهتمام هذا ، والمقترن بالاعتماد والإيمان القاطع بالمذهب ، أثرا نفسيا خاصا ، وبالذات على المنكرين المعاندين ، فهو يفهمهم بعدم وجود أي إجبار وإصرار على قبولهم الدعوة الإسلامية. بل إنّهم بعدم تسليمهم

٣٦٤

أمام الحق سيحرمون أنفسهم ، ولا يضرون إلّا أنفسهم.

وقد ورد نظير هذا التعبير في آيات أخرى من القرآن ، كما نقرأ في سورة الكافرون :( لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ) .

ومن هذا البيان يتّضح أن محتوى مثل هذه الآيات لا ينافي مطلقا الأمر بالتبليغ أو الجهاد في مقابل المشركين كيما تعتبر مثل هذه الآيات منسوخة. بل إنّ هذا نوع من المواجهة المنطقية عن طريق عدم الاكتراث لهؤلاء الأشخاص المعاندين.

وتشير الآيتان التاليتان إلى سبب انحراف هؤلاء وعدم إذعانهم للحق ، وتبيّن أنّ التعليمات الصحيحة ، والآيات المعجزة التي تهزّ الوجدان والدلالات الأخرى الواضحة لا تكفي بمفردها لهداية الإنسان ، بل إنّ استعداد التقبل ولياقة قبول الحق لازمة أيضا ، كما أنّ البذر لوحده ليس كافيا لإنبات النبات والأوراد ، بل إنّ الأرض بدورها يجب أن تكون مستعدة. ولهذا قالت الآية :( وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ (١) أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ ) .

وهناك فئة ثانية يشخصون بأبصارهم إليك ، وينظرون إلى أعمالك المتضمنة أحقيتك وصدق قولك ، إلّا أنّهم عمي لا يبصرون :( وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ (٢) أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ ) .

ولكن اعلم وليعلم هؤلاء أنّ قصور الفكر هذا ، وعدم البصيرة والعمى عن رؤية وجه الحق ، والصمم عن سماع كلام الله ليس شيئا ذاتيا لهم نشؤوا عليه منذ ولادتهم ، وإنّ الله تعالى قد ظلمهم ، بل إنّهم هم الذين ظلموا أنفسهم بأعمالهم السيئة وعدائهم وعصيانهم للحق ، وعطلوا بذلك عين بصيرتهم وأذن أفئدتهم عن

__________________

(١) في الحقيقة هناك جملة مقدرة في هذه الآية تقديرها : «كأنّهم صم لا يستمعون».

(٢) هنا أيضا جمله مقدرة هي : كأنّهم عمي لا يبصرون.

٣٦٥

سماع الحق واتباعه ، فـ( إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) .

* * *

ملاحظتان

وهنا ينبغي الالتفات لملاحظتين :

١ ـ ما نقرؤه في الآية الثّانية من أنّهم يستمعون إليك ، وفي الآية الثّالثة من أنهم ينظرن إليك ، إشارة إلى أنّ جماعة من هؤلاء يسمعون هذا الكلام المعجز ، وجماعة أخرى ينظرون إلى معجزاتك التي تدل كلها بوضوح على صدق كلامك وأحقية دعوتك ، إلّا أنّ أحدا من هاتين الفئتين لم ينتفع من استماعه أو نظره ، لأنّ نظرهم لم يكن نظر فهم وإدراك ، بل نظر انتقاد وتتبع عثرات ومخالفة.

وكذلك لا يستفيدون من استماعهم ، لأنّهم لا يستمعون لإدراك محتوى الكلام ، بل للعثور على ثغرات فيه لتكذيبه وإنكاره ، ومن المعلوم أن نيّة الإنسان ترسم شكل العمل وتغيّر من آثاره.

٢ ـ جاءت في آخر الآية الثّانية جملة :( وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ ) وفي آخر الآية الثّالثة جملة :( وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ ) وهي إشارة إلى أنّ الاستماع ـ أي إدراك الألفاظ ـ ليس كافيا بمفرده ، بل إنّ التفكر والتدبر فيها لازم أيضا لينتفع الإنسان من محتواها. وكذلك لا أثر للنظر بمفرده ، بل إنّ البصيرة ـ وهي إدراك مفهوم ما يبصره الإنسان ـ لازمة أيضا ليصل إلى عمقها ويهتدي.

* * *

٣٦٦

الآيات

( وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (٤٥) وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ (٤٦) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٤٧) )

التّفسير

بعد بيان بعض صفات المشركين في الآيات السابقة ، أشير هنا إلى وضعهم المؤلم في القيامة. تقول الآية :( وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ ) .

الإحساس بقلة مقدار الإقامة في دار الدنيا وقصره ، إمّا لأنّه بالنسبة للحياة الاخروي لا يبلغ سوى ساعة واحدة. أو لأنّ هذه الدنيا الفانية انقضت بسرعة بحيث كأنّها لم تكن أكثر من ساعة ، أو لأنّهم لما لم يستفيدوا من عمرهم الاستفادة الصحيحة ، فيتصورون أنّها لا تساوي أكثر من قيمة ساعة!.

بناء على ما قلناه في التّفسير أعلاه ، فإنّ جملة( يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ ) إشارة إلى

٣٦٧

مقدار بقائهم في الدنيا ، أي إنّهم يحسون أنّ أعمارهم كانت قصيرة إلى الحد الذي يكفي لالتقاء شخصين وتعارفهما ثمّ تفرقهما!.

وقد احتمل أيضا ـ في تفسير هذه الآية ـ أنّ المقصود هو الإحساس بقصر الزمان بالنسبة لحياة البرزخ ، أي إنّ هؤلاء يعيشون في فترة البرزخ حالة شبيهة بالنوم بحيث لا يشعرون بمرور السنين والقرون والأعصار ، ويظنون في القيامة أن مرحلة برزخهم التي استغرقت آلاف أو عشرات الآلاف من السنين ، لم تكن إلّا ساعة. والشاهد على هذا التّفسير الآيتان (٥٥) ـ (٥٦) من سورة الروم ، اللتان تقولان :( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ. وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) .

يستفاد من هاتين الآيتين أنّ مجموعة من المجرمين يقسمون في القيامة أن فترة برزخهم لم تكن أكثر من ساعة ، إلّا أنّ المؤمنين يقولون لهم : إنّ المدّة كانت طويلة ، والآن قد قامت القيامة وأنتم لا تعلمون. ونحن نعلم أن البرزخ ليس متساويا بالنسبة للجميع ، وسنذكر تفصيل ذلك في ذيل الآيات المناسبة.

وبناء على هذا التّفسير ، فإنّ معنى جملة( يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ ) سيكون : إنّ هؤلاء يحسون بأنّ زمان البرزخ كان قصيرا بحيث أنّهم لم ينسوا أي أمر من أمور الدنيا ، ويعرف بعضهم البعض الآخر جيدا. أو أنّ كلا منهم يرى أعمال الآخرين القبيحة هناك ، ويطّلع كل منهم على باطن الآخر ، وهذا بحد ذاته فضيحة كبرى بالنسبة لهؤلاء.

ثمّ تضيف الآية أنّه سيثبت لكل هؤلاء في ذلك اليوم :( قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ ) وأنفقوا كل ملكاتهم وطاقاتهم الحيوية دون جدوى( وَما كانُوا مُهْتَدِينَ ) بسبب هذا التكذيب والإنكار والإصرار على الذنب ، ولأنّ قلوبهم وأرواحهم كانت مظلمة.

٣٦٨

وتقول الآية التالية تهديدا للكفار ، وتسلية لخاطر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ ) .

وتبيّن الآية الأخيرة من الآيات مورد البحث قانونا كليا في شأن كل الأنبياء ، ومن جملتهم نبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلّم ، وكل الأمم ومن جملتها الأمّة التي كانت تحيا في عصر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فتقول :( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ ) فإذا جاء رسولها وبلغ رسالته ، وآمن قسم منهم وكفر آخرون ، فإنّ الله سبحانه يقضي بينهم بعدله ، ولا يظلم ربّك أحدا ، فيبقى المؤمنون والصالحون يتمتعون بالحياة ، أمّا الكافرون فإنّهم فمصيرهم الفناء او الهزيمة :( فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) .

وهذا ما حصل لنبي الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمته المعاصرة له ، فإنّ أعداءه هلكوا في الحروب ، أو انهزموا في النهاية وطردوا من ساحة المجتمع وأخذ المؤمنون زمام الأمور بأيديهم. وبناء على هذا فإنّ القضاء والحكم الذي ورد في هذه الآية هو القضاء التكويني في هذه الدنيا ، وأمّا ما احتمله بعض المفسّرين من أنّه إشارة إلى حكم الله يوم القيامة. فهو خلاف الظاهر.

* * *

٣٦٩

الآيات

( وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٨) قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلاَّ ما شاءَ اللهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٤٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (٥٠) أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (٥١) ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٥٢) )

التّفسير

العذاب الإلهي واختيارات الرّسول :

بعد التهديدات التي ذكرت في الآيات السابقة المتعلقة بعذاب وعقاب منكري الحق ، فإنّ هذه الآيات تنقل أوّلا استهزاء هؤلاء بالعذاب الإلهي وسخريتهم وانكارهم. فتقول:( وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) .

هذا الكلام كان كلام مشركي عصر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتما ، لأنّ الآيات التالية التي

٣٧٠

تتضمن جواب النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شاهدة على هذا المطلب.

على كل حال ، فإنّ هؤلاء أرادوا بهذه الكلمات أن يظهروا عدم اهتمامهم بتهديدات النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من جهة ، وتقوية قلوب الذين خافوا من هذه التهديدات وتهدئة خواطرهم ليرجعوا إلى صفوفهم.

وفي مقابل هذا السؤال ، فإنّ الله سبحانه أمر نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يجيبهم بعدّة طرق:

فيقول أوّلا :( قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلَّا ما شاءَ اللهُ ) فإنّي لست إلّا رسوله ونبيّه ، وإنّ تعيين موعد نزول العذاب بيده فقط ، وإذا كنت لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا ، فمن باب الأولى أن لا أملكهما لكم.

إنّ هذه الجملة في الحقيقة إشارة إلى توحيد الأفعال حيث يرتبط كل شيء في هذا العالم بالله سبحانه ، وكل الحركات والأفعال معلولة لإرادته ومشيئته ، فهو الذي ينصر المؤمنين بحكمته ، وهو الذي يجازي المنحرفين بعدالته.

من البديهي أنّ ذلك لا ينافي أنّ الله قد أعطانا قوى وطاقات نملك بواسطتها جلب النفع ودفع الضرر ، ونستطيع أن نختار ما يتعلق بمصيرنا ، وبتعبير آخر فإنّ هذه الآية تنفي الملكية بالذات لا بالغير ، وجملة( إِلَّا ما شاءَ اللهُ ) قرينة واضحة على هذا الموضوع.

ومن هنا يعلم أنّ استدلال بعض المتعصبين ـ ككاتب تفسير المنار ـ بهذه الآية على نفي جواز التوسل بالنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضعيف جدّا ، لأنّه إذا كان المقصود من التوسل أن نعتبر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذا قدرة ذاتية ومالكا للنفع والضر ، فإنّ هذا شرك قطعا ، ولا يمكن أن يؤمن بهذا أي مسلم ، أمّا إذا كانت هذه الملكية من الله سبحانه وهي داخلة تحت عنوان : إلّا ما شاء الله ، فما المانع من ذلك؟ وهذا هو عين الإيمان والتوحيد. إلّا أنّه نتيجة الغفلة عن هذه النكتة أتلف وقته ووقت قرّاء تفسيره بالبحوث الطويلة ، وهو مع الأسف (رغم كل الامتيازات الموجودة في تفسيره) قد ارتكب كثيرا من هذه الأخطاء ، والتي يمكن اعتبار التعصب منبعها جميعا!

٣٧١

ثمّ يتطرق القرآن إلى جواب آخر ويقول :( لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ ) وبتعبير آخر فإنّ أي أمّة إذا انحرفت عن مسير الحق ، فسوف لا تكون مصونة من العذاب الإلهي الذي هو نتيجة أعمالها ، فعند ما ينحرف الناس عن قوانين الخلقة والطبيعة فسيبددون طاقاتهم وملكاتهم في فراغ ويسقطوا في النهاية في هاوية الانحطاط ويحتفظ تاريخ العالم في ذاكرته بنماذج كثيرة من ذلك.

في الواقع إنّ القرآن الكريم يحذر المشركين الذين كانوا يتعجلون العذاب الإلهي بأن لا يعجلوا ، فعند ما يحل موعدهم فإنّ هذا العذاب سوف لن يتأخر أو يتقدم لحظة.

ويجب الالتفات إلى أنّ الساعة قد تعني أحيانا لحظة ، وأحيانا المقدار القليل من الزمن ، بالرغم من أنّ معناها المعروف اليوم هو الأربع والعشرون ساعة التي تشكل الليل والنهار.

وتطرح الآية الأخرى الجواب الثّالث ، فتقول :( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً ) فهل تستطيعون أن تدفعوا عن أنفسكم هذا العذاب المفاجئ غير المرتقب؟ وإذا كان الحال كذلك ف( ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ ) ؟

وبتعبير آخر ، فإنّ هؤلاء المجرمين الجريئين إن لم يتيقنوا نزول العذاب فليحتملوا على الأقل أن يأتيهم فجأة ، فما الذي يضمن لهؤلاء أنّ تهديدات النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سوف لن تقع أبدا؟ إنّ الإنسان العاقل يجب أن يراعي الاحتياط على الأقل في مقابل مثل هذا الضرر المحتمل ويكون منه على حذر.

وورد نظير هذا المعنى في آيات أخرى من القرآن ، وبتعبيرات أخرى ، مثل :( أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً ) سورة الإسراء ، الآية (٦٨). وهذا هو الذي يعبر عنه في علم الكلام والأصول

٣٧٢

بقاعدة «لزوم دفع الضرر المحتمل»(١) .

وفي الآية التالية ورد جواب رابع لهؤلاء ، فهي تقول : إذا كنتم تفكرون أن تؤمنوا حين نزول العذاب ، وأنّ إيمانكم سيقبل منكم ، فإنّ ظنّكم هذا باطل لا صحّة له :( أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ ) ، لأنّ أبواب التوبة ستغلق بوجوهكم بعد نزول العذاب ، وليس للإيمان حينئذ أدنى أثر ، بل يقال لكم :( آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ ) .

هذا بالنسبة لعقاب هؤلاء الدنيوي ، وفي الآخرة :( ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ ) ، فإنّ أعمالكم في الواقع هي التي أخذت بأطرافكم ، وهي التي تتجسد أمامكم وتؤذيكم على الدوام.

* * *

ملاحظات

١ ـ كما قلنا في ذيل الآية (٣٤) من سورة الأعراف ، فإنّ بعض أهل البدع والأديان المختلقة في عصرنا استدلوا بآيات. مثل :( لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ) التي وردت مرّتين في القرآن ، على نفي خاتمية نبي الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتوصلوا إلى أن كل دين ومذهب ينتهي في النهاية ويخلي مكانه لمذهب آخر. في حين أن الأمّة تعني القوم والجماعة. لا المذهب.

إنّ هدف هذه الآيات هو أنّ قانون الحياة والموت لا يختص بالأفراد ، بل إنّه يشمل الأقوام والأمم أيضا ، فإذا سلكوا طريق الظلم والفساد فإنّهم سينقرضون لا

__________________

(١) يتّضح ممّا قلناه أعلاه ، أنّ الآية المذكورة تشتمل على قضية شرطية ، ذكر شرطها ، إلّا أنّ جزاءها مقدر ، وجملة :( ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ ) جملة مستقلة. وتقدير الآية هكذا : أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا كنتم تقدرون على دفعه أو تعدونه أمرا محالا فإذا كان الأمر كذلك (ماذا يستعجل منه المجرمون). وما احتمله البعض من أن جملة : ماذا يستعجل هي جزاء الشرط بعيدا جدا. دققوا ذلك.

٣٧٣

محالة ، خاصّة إذا لا حظنا في هذا البحث الآية التي قبلها والتي بعدها ، فستثبت هذه الحقيقة بوضوح ، وهي أنّ الكلام ليس عن نسخ المذهب ، بل عن نزول العذاب وفناء قوم أو أمّة ، لأنّ الآية السابقة واللاحقة تتحدثان عن نزول العذاب والعقاب الدنيوي.

٢ ـ إذا لا حظنا الآيات أعلاه سيأتي هذا السؤال ، وهو : هل ستبتلي المجتمعات الإسلامية أيضا بهذا العقاب والعذاب في هذا العالم؟

والجواب عن هذا السؤال بالإيجاب ، إذ لا دليل لدينا على أنّ هذه الأمّة مستثناة ، بل إنّ هذا القانون في حق كل الأمم والملل ، وما قرأناه في بعض آيات القرآن ـ الأنفال ـ من أنّ الله سبحانه سوف لا يعذب هذه الأمّة ، فهو مشروط بواحد من شرطين : إمّا وجود النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين أولئك ، أو الاستغفار والتوبة من الذنوب ، لا أنّه بدون قيد أو شرط.

٣ ـ توكّد الآيات أعلاه مرّة أخرى على هذه الحقيقة ، وهي أنّ أبواب التوبة تغلق حين نزول العذاب فلا ينفع الندم حينئذ ، وسبب ذلك واضح ، لأنّ التوبة في مثل هذه الأحوال تكون عن إكراه وإجبار ، ومثل هذه التوبة لا قيمة لها.

* * *

٣٧٤

الآيات

( وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٥٣) وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ما فِي الْأَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٥٤) أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَلا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٥٥) هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٥٦) )

التّفسير

لا معنى للشك في العذاب الإلهي :

كان البحث في الآيات السابقة عن جزاء وعقاب المجرمين في هذه الدنيا والعالم الآخر ، وتكمل هذه الآيات هذا البحث أيضا.

فالآية الأولى تقول : إنّ هؤلاء يسألونك بتعجب واستفهام عن حقيقة هذا الوعيد بالعذاب الإلهي في هذا العالم والعالم الآخر :( وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ ) ومن المعلوم أنّ «الحق» هنا ليس في مقابل الباطل ، بل المراد منه هو : هل إنّ لهذه العقوبة حقيقة وواقعا وأنّها ستتحقق؟ لأنّ الحق والتحقق مشتقان من مادة واحدة ، ومن البديهي

٣٧٥

أنّ الحق في مقابل الباطل بهذا المعنى الواسع سيشمل كل واقع موجود ، وستكون النقطة المقابلة له كل معدوم وباطل.

ويأمر الله سبحانه نبيّه أن يجيبهم على هذا السؤال بما أوتي من التأكيد :( قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌ ) وإذا ظننتم أنّكم تستطيعون أن تفلتوا من قبضة العقاب الإلهي فأنتم على خطأ كبير :( وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ ) .

الواقع إنّ هذه الجملة مع الجملة السابقة من قبيل بيان المقتضي والمانع ، ففي الجملة الأولى يقول : إن عذاب المجرمين امر واقعي ، ويضيف في الجملة الثّانية أن أية قدرة لا تستطيع أن تقف أمامه ، تماما كالآيات (٨) ـ (٩) من سورة الطور :( إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ ما لَهُ مِنْ دافِعٍ ) .

إنّ التأكيدات التي تلاحظ في الآية تستحق الانتباه ، فمن جهة القسم ، ومن جهة أخرى إنّ ولام التأكيد ، ومن جهة ثالثة جملة( وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ ) وكل هذه توكّد على أنّ العقاب الإلهي حتمي عند ارتكاب الكبائر.

وتوكّد الآية الأخرى على عظمة هذه العقوبة ، وخاصّة في القيامة ، فتقول :( وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ما فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ ) (١) . في الواقع ، إنّ هؤلاء مستعدون لأن يدفعوا أكبر رشوة يمكن تصورها من أجل الخلاص من قبضة العذاب الإلهي ، لكن لا أحد يقبل من هؤلاء شيئا ، ولا ينقص من عذابهم مقدار رأس ابرة ، خاصّة وأنّ لبعض هذه العقوبات صبغة معنوية ، وهي أنّهم : يرون العذاب والفضيحة في مقابل أتباعهم ممّا يوجب لهم اظهار الندم مزيدا من الخزي والعذاب النفسي فلذلك يحاولون عدم إبراز الندم :( وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ ) .

ثمّ توكّد الآية على أنّه بالرغم من كل ذلك ، فإنّ الحكم بين هؤلاء يجري بالعدل ، ولا يظلم أحد منهم :( وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) . إنّ هذه الجملة تأكيد على طريقة القرآن دائما في مسأله العقوبة والعدالة ، لأنّ تأكيدات

__________________

(١) في الواقع ، إن في الجملة أعلاه جملة مقدرة ، وهي : (من هول القيامة والعذاب).

٣٧٦

الآية السابقة في عقاب المذنبين يمكن أن توجد لدى الأفراد الغافلين توهّم أنّ المسألة مسألة انتقام ، ولذا فإنّ القرآن يقول أوّلا إنّ الحكم بين هؤلاء يجري بالقسط ، ثمّ يؤكّد على أنّ أي أحد من هؤلاء سوف لا يظلم.

ثم ، ومن أجل أن لا يأخذ الناس هذه الوعود والتهديدات الإلهية مأخذ الهزل ، ولكي لا يظنوا أنّ الله عاجز عن تنفيذ هذه الوعود ، تضيف الآية :( أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَلا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) لأنّ جهلهم قد حجب بصيرتهم وجعل عليها غشاوة فلم يعوا الحقيقة.

وتوكّد آخر آية على هذه المسألة الحياتية مرّة أخرى ، حيث تقول :( هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ ) وبناء على ذلك فإن له القدرة على إماتة العباد ، كما أن له القدرة على إحيائهم لمحكمة الآخرة ، وفي النهاية :( وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) وستلاقون جزاء كل أعمالكم هناك.

* * *

ملاحظتان

١ ـ من جملة الأسئلة التي تطرح في مورد الآيات أعلاه : هل أنّ لسؤال المشركين عن واقعية العقاب الإلهي صفة الاستهزاء ، أم أنّه كان سؤالا حقيقيا؟

ذهب البعض الى أنّ السؤال الحقيقي علامة الشك ، وهو لا يناسب وضع المشركين ، إلّا أنّه بملاحظة أنّ كثيرا من المشركين كانوا في حالة تردد ، وجماعة منهم أيضا كانوا على علم بأحقية النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد وقفوا ضده نتيجة التعصب والعناد وأمثال ذلك ، فسيبدو واضحا أن كون سؤال هؤلاء حقيقيا ليس بعيدا أبدا.

٢ ـ إن حقيقة الندامة هي الندم على ارتكاب عمل اتّضحت آثاره السلبية سواء استطاع الإنسان أن يجبر ذلك أم لا ، وندم المجرمين في القيامة من النوع الثّاني ، وإنّما كتموه لأنّ إظهاره سيزيد من فضيحتهم.

* * *

٣٧٧

الآيتان

( يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٥٧) قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٥٨) )

التّفسير

القرآن رحمة إلهية كبرى :

لقد جاءت في بعض الآيات السابقة بحوث في شأن القرآن عكست جوانب من مخالفات المشركين. وفي هذه الآيات تجدد الكلام عن القرآن بهذه المناسبة أيضا ، ففي البداية تخاطب جميع البشرية خطابا عالميا وشموليا وتقول :( يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ) .

لقد بيّنت هذه الآية أربع صفات للقرآن ، ولإدراك مدلولاتها ومحتواها لا بدّ أن نعتمد أوّلا على لغاتها ومعناها.

٣٧٨

«الوعظ» و «الموعظة» ، كما جاء في المفردات : هو النهي الممتزج بالتهديد ، أنّ معنى الموعظة أوسع من هذا ظاهرا ، كما نقل عن الخليل بن أحمد الفراهيدي في نفس كتاب المفردات ، أنّ الموعظة عبارة عن التذكير بالنعم والطيبات المقترن برقة القلب. وفي الحقيقة فإنّ كل نصح وإرشاد يترك أثرا في المخاطب ، ويخوفه من السيئات ويرغّبه في الصالحات يسمى وعظا وموعظة. وطبعا ليس معنى هذا أن كل موعظة يجب أن يكون لها تأثير ، بل المراد أنّها تؤثر في القلوب المستعدة.

والمقصود من شفاء أمراض القلوب ، وبتعبير القرآن شفاء ما في الصدور ، هي تلك التلوّثات المعنوية والروحية ، كالبخل والحقد والحسد والجبن والشرك والنفاق وأمثال ذلك ، وكلها من الأمراض الروحية والمعنوية.

والمقصود من «الهداية» هو الهداية نحو المقصود ، أي تكامل ورقي الإنسان في كافة الجوانب الإيجابية.

والمراد من «الرحمة» هي النعم المادية والمعنوية الإلهية التي تشمل حال الأفراد اللائقين، كما نقرا في كتاب المفردات أنّ الرحمة متى ما نسبت إلى الله فإنّها تعني بذله وهبته للنعم ، وإذا ما نسبت إلى البشر فإنّها تعني العطف ورقة القلب.

في الواقع ، إنّ الآية أعلاه تشرح وتبيّن أربع مراحل من مراحل تربية وتكامل الإنسان في ظل القرآن.

المرحلة الأولى : مرحلة الموعظة والنصيحة.

المرحلة الثّانية : مرحلة تطهير روح الإنسان من مختلف أنواع الرذائل الأخلاقية.

المرحلة الثّالثة : مرحلة الهداية التي تجري بعد مرحلة التطهير.

المرحلة الرّابعة : هي المرحلة التي يصل فيها الإنسان إلى أن يكون لائقا لأن تشمله رحمة الله ونعمته.

٣٧٩

وكل مرحلة من هذه المراحل تأتي بعد المرحلة السابقة لها ، والجميل في الأمر أنّها تتمّ جميعا في ظل نور القرآن وتوجيهاته.

القرآن هو الذي يعظ البشر ، والقرآن هو الذي يغسل قلوبهم من تبعات الذنوب والصفات القبيحة ، والقرآن هو الذي يوقد نور الهداية في القلوب ليضيئها ، والقرآن أيضا هو الذي ينزل النعم الإلهية على الفرد والمجتمع.

ويوضح أمير المؤمنين عليعليه‌السلام في كلامه الجامع في نهج البلاغة هذه الحقيقة بأبلغ تعبير ، حيث يقول : «فاستشفوه من أدوائكم ، واستعينوا به على ولائكم ، فإنّ فيه شفاء من أكبر الداء ، وهو الكفر والنفاق ، والغي والضلال»(١) .

وهذا بنفسه يبيّن أنّ القرآن وصفة لتحسين حال الفرد والمجتمع ، وصيانتهم من أنواع الأمراض الأخلاقية والاجتماعية ، وهذه الحقيقة أودعها المسلمون في كف النسيان ، وبدل أن يستفيدوا من هذا الدواء الشافي ، فإنّهم يبحثون عن دوائهم وعلاجهم في المذاهب الأخرى ، وجعلوا هذا الكتاب السماوي الكبير كتاب قراءة فقط ، لا كتاب تفكر وعمل!

وتقول الآية الأخرى من أجل تكميل هذا البحث والتأكيد على هذه النعمة الإلهية الكبرى ـ أي القرآن المجيد ـ :( قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ) ولا يفرحوا بمقدار الثروات ، وعظم المراكز ، وعزة القوم والقبيلة ، لأنّ رأس المال الحقيقي والأساس للسعادة الحقيقية هو هذا القرآن ، فهو أفضل من كل ما جمعوه ، ولا يمكن قياسه بذلك المجموع ، إذا( هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) .

* * *

__________________

(١) نهج البلاغة ، الخطبة ١٧٦.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608